
مجازر مايو 1945.. يوم "كافأت" فرنسا الجزائريين بدفنهم في قبور جماعية
مجازر 8 مايو/أيار 1945 من أفظع وأبشع الجرائم التي ارتكبتها فرنسا في الجزائر أثناء استعمارها. وقعت هذه المجازر في مدن سطيف وقالمة وخراطة شرقي البلاد.
خرج الجزائريون بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية في مظاهرات سلمية للمطالبة بحقهم في الاستقلال كما وعدتهم فرنسا مقابل مشاركتهم في تلك الحرب مع جيشها.
وقد اتخذت الجزائر يوم 8 مايو/أيار يوما وطنيا للذاكرة، تقام فيه فعاليات رسمية وشعبية تخليدا لذكرى الضحايا.
الخلفية التاريخية والسياسية
عاشت الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي من 1830 إلى 1962، وظل الجزائريون يعانون من التهميش والتمييز العنصري والقمع والاستغلال، ومن أبرز صور الاستغلال قانون التجنيد الإجباري الصادر في 3 فبراير/شباط 1912 بعدما كان تطوعا.
تزامن هذا القانون واستعداد فرنسا لخوض الحرب العالمية الأولى في 1914، إذ سعت لتكثيف وحشد جبهاتها القتالية في أوروبا، ورأت في شباب الجزائر فرصة لذلك، لكن القرار واجه رفضا شعبيا واسعا.
ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية في 1 سبتمبر/أيلول 1939، وبعدما أعلنت ألمانيا النازية بقيادة أدولف هتلر غزوها لبولندا ثم النمسا والتوجه إلى فرنسا، تأكدت الإدارة الفرنسية أنه من المستحيل وقف الآلة النازية إلا عبر تجهيز جيش وعتاد كبيرين.
وكانت فرنسا قدمت وعودا للجزائريين مقابل مشاركتهم في الحرب العالمية الثانية، ومن ضمنها حصولهم على الحقوق المدنية والسياسية نفسها التي يتمتع بها الفرنسيون في أوروبا، وتحسين ظروف التعليم والرعاية الصحية وتخفيف القيود الاقتصادية المفروضة عليهم.
كما وعدت الجزائيين بالمشاركة في الانتخابات المحلية أو المجالس الاستشارية ضمن نظام تمييزي يفصل بين الأوروبيين والمسلمين، وبإلغاء قانون التجنيد ومنحهم الحق في تقرير مصيرهم والمطالبة بالاستقلال.
وجندت فرنسا عشرات الآلاف من الجزائريين وأجبرتهم على القتال في صفوف جيشها، وفي الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب بلغ عدد المجندين نحو 66 ألفا، وفي مارس/آذار 1940 وصل العدد إلى 89 ألفا.
مساندة فرنسا في الحرب
شارك المجندون الجزائريون في معارك عديدة بأوروبا دفاعا عن فرنسا، ومن بينها معركة مونتي كاسينو 1944 التي حدثت في جبال الأبينين بإيطاليا، وكانت إحدى أكثر المعارك دموية في الحرب، وكان لهم دور حاسم في كسر الدفاعات الألمانية رغم التضاريس الوعرة.
وكانوا من أوائل الجنود الذين نزلوا في جزيرة كورسيكا لتحريرها من الاحتلال الألماني والإيطالي عام 1943، وأسهموا في العمليات العسكرية إلى جانب قوات فرنسية، وكانت هذه أول أرض فرنسية تتحرر بمشاركة قوات من شمال أفريقيا.
وكانت معركة "إنزال بروفانس" في 15 أغسطس/آب 1944 من أضخم المعارك، إذ نزل المجندون الجزائريون على شواطئ بروفانس لمواجهة القوات النازية وشاركوا في تحرير مدن رئيسية مثل تولون ومرسيليا.
وبعد ذلك الإنزال خاضوا معارك أخرى لتحرير منطقة الألزاس شمالي فرنسا من قبضة الألمان بجيش قوامه 260 ألفا، ورغم قسوة الظروف المناخية فإن المجندين الجزائريين شاركوا بفاعلية في إحكام السيطرة على المنطقة.
ومع اقتراب نهاية الحرب واصل المجندون التقدم مع القوات الفرنسية لعبور نهر الراين عام 1945 حتى دخلوا إلى الأراضي الألمانية وأضعفوا آخر دفاعات النازيين وأرغموهم على الاستسلام في مايو/أيار 1945.
ومن الأسماء البارزة التي شاركت في تلك المعارك علي بلقاضي من ولاية بجاية، وقد سلمه وزير الدفاع الفرنسي الأسبق جون إيف لودريان وسام فارس جوقة الشرف في 14 أغسطس/آب 2014، ومحمد أمزيان أوكاعور من منطقة تازمالت بولاية البويرة، وقد نال 4 تشريفات وميدالية عسكرية ووسام فارس جوقة الشرف.
مظاهرات سلمية
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية خرج الشعب الجزائري في مظاهرات سلمية في مختلف أنحاء الجزائر مطالبا فرنسا بالوفاء بوعودها وإطلاق سراح المعتقلين لديها، وفي مقدمتهم مصالي الحاج ، وهو أحد أبرز قادة ثورة التحرير الجزائرية التي طالبت بالاستقلال الكامل عن فرنسا.
وكانت بداية المظاهرات السلمية، وفق ما ذكره المؤرخ والأديب الجزائري أبو القاسم سعد الله في كتابه "الحركة الوطنية الجزائرية"، قد حدثت في الأول من مايو/أيار 1945 في بسكرة ووهران وقالمة.
وشارك في تلك المظاهرات عشرات الآلاف من الجزائريين رافعين الأعلام الوطنية ولافتات وشعارات مثل "حرروا مصالي الحاج"، و"من أجل تحرير الشعوب"، و"تحيا الجزائر حرة مستقلة"، و"تسقط الإمبريالية".
وفي 8 مايو/أيار 1945 خرجت مظاهرات في مدينة سطيف وامتدت إلى قالمة لتعم بعد ذلك مناطق أخرى مجاورة، وخرج المتظاهرون أيضا في بعض المناطق الوسطى والغربية من الجزائر.
ويقول فرحات عباس -وهو أول رئيس للحكومة المؤقتة الجزائرية- في كتابه "ليل الاستعمار": كان يوم ثلاثاء يعقد فيه السوق الأسبوعي الذي توافد إليه الناس من كل أقطار الوطن فخرج حوالي 15 ألفا كما توافد قرابة 200 عنصر من الكشافة الإسلامية الجزائرية.
وانطلق الموكب في حدود الثامنة والنصف مارًّا بشارع إنجلترا ثم شارع جورج كليمونصو، رافعين راية الحلفاء (فرنسا و بريطانيا و الولايات المتحدة الأميركية و روسيا)، وكانوا ينشدون أناشيد الحرية والاستقلال.
وفي حدود التاسعة والنصف وصلت المسيرة إلى مقهى فرنسا فخرج محافظ فرنسي يدعى "أوليفيري" واعترض الموكب وأمر أحد أطفال الكشافة ويدعى "بوزيد سعال" أن يعطيه الراية الوطنية لكنه رفض، فأطلق عليه الرصاص فكان أول شهيد يسقط في تلك المظاهرات.
أما في مدينة خراطة فقد انطلقت المظاهرات في حدود الساعة العاشرة صباحا بعدما اعترضت مجموعة جزائرية مسلحة طريق الحاكم الفرنسي للمدينة واغتالته بالقرب من قرية عموشة، وسعت إلى تنفيذ عمليات أخرى.
إعلان
وفي التاسع من مايو/أيار من العام نفسه، أحرق المتظاهرون بعض المرافق السكنية والبريد المركزي وإدارة الضرائب والمحكمة، كما حاصروا رجال الدرك ومنزل لويس دوسكس، فقصفتهم القوات الفرنسية بالرشاشات الثقيلة والمدافع.
وفي قالمة تجمع المتظاهرون في مركز المدينة ورفعوا الشعارات نفسها التي رفعت في مدينة سطيف، فأثاروا غضب الفرنسيين الذين تقول التقارير عن تلك الأحداث إنهم قتلوا الجزائريين بشكل عشوائي وأحرقوا الجثث في أفران الجير بهيليوبوليس.
دمر الجيش الفرنسي القرى والبوادي بالطائرات الحربية، أما في المدن الكبرى فكانوا يحشدون الناس ويأمرونهم بحفر قبور جماعية، ثم يقسمونهم إلى مجموعات ويطلقون عليهم الرصاص بالرشاشات ويأمرون كل فوج بدفن من سبقه.
وفضلا عن ذلك أمرت السلطات الفرنسية بإيقاف 4560 شخصا صدرت بحق بعضهم أحكام بالإعدام، وعوقب آخرون بالأشغال الشاقة.
وحسب تقارير المؤرخ والصحافي الفرنسي شارل أندري جوليان، فإن عدد الجزائريين الذين تعرضوا للاعتقال بلغ 8560، منهم 3696 في إقليم قسنطينة و505 في وهران و359 في الجزائر العاصمة في نوفمبر/تشرين الثاني 1945.
أما عدد الضحايا فقدر بما يقارب 45 ألف قتيل، في حين اعترفت الحكومة الفرنسية بقتل 1500 فقط.
الآثار السياسية والاجتماعية
شكلت هذه المجازر نقطة تحول في العلاقات الجزائرية الفرنسية على المستويين الرسمي والشعبي، كما أظهرت الوجه الحقيقي للاستعمار الفرنسي.
وحولت هذه الأحداث الحركة الوطنية من حركة تطالب بالإصلاحات إلى حركة تدعو للنضال والكفاح المسلح، واعتبرت الجزائر تلك المجازر إعلانا غير رسمي لحرب طويلة الأمد، فبدأ عندئذ التحضير السري لتأسيس جبهة التحرير الوطني تمهيدا للثورة عام 1954.
الموقف الفرنسي
في عام 2005 وصف السفير الفرنسي لدى الجزائر هوبير كولان دو بيلاي المجازر بأنها "مأساة لا تغتفر"، وهي أولى التصريحات الرسمية التي صدرت عن فرنسا وتضمنت اعترافا شبه رسمي بتلك الجرائم.
وفي مايو/أيار 2020 وصف الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون مجازر سطيف وقالمة وخراطة بأنها "جريمة لا تغتفر".
وفي 2021 زار سفير فرنسا لدى الجزائر آنذاك فرانسوا غوييت مدينة خراطة بمناسبة إحياء الذكرى 76 للمجازر ووضع إكليلا من الزهور عند النصب التذكاري للشهيد "بوزيد سعال" ووقف دقيقة صمت ترحّما على روحه.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 37 دقائق
- الجزيرة
اعتقال مقرب من رامي مخلوف متهم بتصنيع البراميل المتفجرة في سوريا
أعلنت مديرية أمن اللاذقية في سوريا القبض على آصف رفعت سالم المتهم بالتورط في جرائم حرب بمنطقتي الزبداني ومضايا في ريف دمشق خلال حكم نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد. ونقلت وكالة الأنباء السورية (سانا) أن آصف رفعت سالم يعد أحد قياديي ما يسمى "لواء درع الوطن" التابع ل رامي مخلوف ابن خال الرئيس المخلوع بشار الأسد. وأوضحت "سانا" أن آصف رفعت سالم شارك في تصنيع البراميل المتفجرة التي كانت تلقيها الطائرات المروحية والتي دمرت العديد من المدن والبلدات، مشيرة إلى إحالته للقضاء المختص لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقه. وفي وقت سابق، أفاد مصدر أمني للجزيرة بالقبض خلال الأيام الماضية على أشخاص عدة من المتورطين في جرائم، منها مجزرة منطقة الحولة بريف حمص. وأضاف المصدر أنه تم نقل المعتقلين إلى مكان المجزرة لإعادة تمثيلها، مؤكدا أن عمليات التحقيق مستمرة لكشف ملابسات الجريمة. يذكر أن مجزرة الحولة بريف حمص وقعت في نهاية مايو/أيار 2012 وراح ضحيتها أكثر من 100 مدني -معظمهم من النساء والأطفال- على يد عناصر تابعين لنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد. ومنتصف الشهر الماضي قالت إدارة الأمن العام في مدينة اللاذقية إنها ألقت القبض على رئيس فرع التحقيق السابق في إدارة المخابرات الجوية سالم داغستاني بتهمة التورط في جرائم حرب خلال حكم نظام الأسد. ومطلع يناير/كانون الثاني الماضي أعلنت السلطات السورية القبض على أوس سلوم الملقب بـ"عزرائيل صيدنايا" أحد أبرز السجانين في سجن صيدنايا، وتم اعتقاله بأحد أحياء محافظة حمص وسط البلاد. وعقب سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 شنت الإدارة السورية الجديدة حملة أمنية لملاحقة فلول ذلك النظام والمطلوبين الذين تتهمهم بالتورط في جرائم حرب وانتهاكات حقوق الإنسان وإبادات جماعية ضد المدنيين منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
موريشيوس تستعيد سيادتها على جزر شاغوس من بريطانيا
وقّعت الحكومة البريطانية اتفاقا لنقل السيادة على جزر شاغوس إلى موريشيوس، في خطوة وصفها رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بأنها "بالغة الأهمية" للدفاع والأمن القومي. ووفق الاتفاق، تحتفظ المملكة المتحدة بالتحكم في قاعدة عسكرية إستراتيجية تستخدمها مع الولايات المتحدة على جزيرة دييغو غارسيا. وقال ستارمر خلال مؤتمر صحفي عُقد يوم الخميس الماضي إن الاتفاق، الذي تأخر توقيعه لفترة قصيرة بسبب قرار قضائي، ضروري "لدفاعنا ومخابراتنا، وبالتالي لأمن وسلامة الشعب البريطاني". وأكد أن الموقع الإستراتيجي لقاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي يمثل أهمية قصوى للمملكة المتحدة، مشيرا إلى أن الاتفاق يضمن "حماية قوية من التأثيرات الخبيثة" تسمح للقاعدة بالعمل حتى القرن المقبل. ويمنح الاتفاق، الذي تبلغ قيمته عدة مليارات من الدولارات، موريشيوس السيادة على أرخبيل جزر شاغوس، مع تأجير القاعدة العسكرية للمملكة المتحدة والولايات المتحدة لمدة 99 عاما، مما يضمن استمرار تشغيل هذه القاعدة الحيوية. وكان توقيع الاتفاق قد تأجل بعد صدور أمر قضائي مؤقت من المحكمة العليا البريطانية إثر احتجاجات من نساء من سكان جزر شاغوس الأصليين، الذين تم تهجيرهم قسرا من الجزيرة في السبعينيات لصالح إنشاء القاعدة العسكرية. إعلان وعبّرت السيدتان بيرناديت دوغاس وبيرتريس بومبي، وهما مواطنتان بريطانيتان، عن مخاوفهما من أن نقل السيادة إلى موريشيوس سيصعّب عودة السكان الأصليين إلى أراضيهم، مؤكّدتين مواصلة نضالهما لاستعادة حقوقهما التي تمتد لأكثر من 6 عقود. من جهته، وصف رئيس وزراء موريشيوس نافين رامغولام الاتفاق بأنه يمثل "اكتمال عملية إنهاء الاستعمار"، واعترافا كاملا بسيادة موريشيوس على جزر شاغوس، بما في ذلك دييغو غارسيا. وتعود سيطرة المملكة المتحدة على جزر شاغوس إلى عام 1814، حيث فصلت أرخبيل الجزر في عام 1965 عن موريشيوس لتشكيل إقليم المحيط الهندي البريطاني، ثم شهدت السبعينيات عمليات تهجير للسكان الأصليين لإقامة القاعدة العسكرية. من جانبه، رحّب الجانب الأميركي بالاتفاق ووصفه بـ"التاريخي"، حيث أكد وزير الخارجية ماركو روبيو أن واشنطن تتطلع للعمل عن كثب مع كل من المملكة المتحدة وموريشيوس لتعزيز التعاون ودعم السلام والاستقرار في المنطقة. يأتي هذا الاتفاق في ظل تغييرات سياسية داخل موريشيوس وتأجيلات عديدة بسبب مفاوضات متعلقة بالتكلفة، لكنه يمثل تحولا كبيرا في العلاقات بين البلدين وحلا لنزاع تاريخي استمر لعقود.


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
فرنسا تستدعي السفير الإسرائيلي بعد إطلاق النار على دبلوماسيين في جنين
انضمت فرنسا إلى دول أوروبية باستدعاء السفير الإسرائيلي لديها احتجاجا على إطلاق النار على موكب الدبلوماسيين في جنين. اقرأ المزيد