
الصين تبعد مدمرة أميركية قرب جزر سكاربورو.. وواشنطن تؤكد أنها تمارس حقها في حرية الملاحة
رد البحرية الأميركية
في المقابل، أوضحت البحرية الأميركية، وفق ما نقلته الوكالة، أن "هيغينز" قامت بـ"تأكيد حقوق وحرية الملاحة" قرب جزر سكاربورو "بما يتوافق مع القانون الدولي"، مشيرة إلى أن العملية تعكس التزام واشنطن بحرية الملاحة والاستخدامات المشروعة للبحر. وأضافت: "الولايات المتحدة تدافع عن حقها في التحليق والإبحار والعمل أينما يسمح القانون الدولي، ولن يردعنا أي شيء تقوله الصين خلاف ذلك".
خلفية النزاع في جزر سكاربورو
تُعد جزر سكاربورو من أبرز بؤر التوتر في بحر الصين الجنوبي، الذي تمر عبره تجارة بحرية تزيد قيمتها عن ثلاثة تريليونات دولار سنويًا. وكانت الفلبين قد اتهمت، هذا الأسبوع، سفنًا صينية بتنفيذ "مناورات خطيرة وتدخل غير قانوني" خلال مهمة إمداد حول المرجان، ما أدى إلى اصطدام سفينتين صينيتين، في أول حادث من نوعه معروف في المنطقة، بينما قالت هيئة خفر السواحل الصينية إنها اتخذت "الإجراءات اللازمة" لطرد السفن الفلبينية.
مناورات "البحر المشترك 2025"
تأتي هذه التطورات في وقت تعزز فيه الصين وروسيا تعاونهما العسكري بشكل متسارع خلال السنوات الأخيرة، إذ امتنعت بكين عن فرض عقوبات على موسكو على خلفية غزوها الشامل لأوكرانيا. وتجري القوات الروسية والصينية تدريبات عسكرية منتظمة في إطار شراكة استراتيجية "بلا حدود" أُبرمت قبيل الغزو الروسي في شباط/فبراير 2022.
في هذا السياق، أطلقت الدولتان الأحد 3 آب/أغسطس مناورات "البحر المشترك 2025" قرب مدينة فلاديفوستوك في بحر اليابان، بمشاركة أربع سفن صينية، واستمرت ثلاثة أيام، وشملت عمليات إنقاذ للغواصات، ومواجهة للغواصات المعادية والدفاع الجوي، ومهام مضادة للصواريخ، واشتباكات بحرية. وكانت وزارة الدفاع اليابانية قد حذرت الشهر الماضي من أن التعاون العسكري المتزايد بين الصين وروسيا يثير مخاوف أمنية جدية، في ظل استمرار التوترات البحرية وتداخل المصالح الاستراتيجية في المنطقة.
توسع في قدرات الإمداد البحري الصينية
تواصل الصين تعزيز قدراتها البحرية عبر توسيع أسطولها من سفن الإمداد والتموين القادرة على دعم القطع الحربية أثناء الإبحار، في خطوة تهدف إلى تعزيز حضورها العسكري خارج حدودها التقليدية ومنافسة الولايات المتحدة. ويضم الأسطول الصيني أكثر من 370 قطعة بحرية، ما يجعله الأكبر عالميًا من حيث عدد السفن، متجاوزًا نظيره الأميركي، وقد نفذت سفنه في العام الماضي مهام بعيدة المدى وصلت إلى أوروبا وإفريقيا ومحيط أستراليا.
ووفق تقرير للبنتاغون، تمتلك الصين قوة كبيرة من سفن الإمداد اللوجستية عالية القدرات، القادرة على دعم الانتشار البعيد وطويل الأمد، ومنها سفن من طراز 903A التي أظهرت صور حديثة بدء تشغيل عدد جديد منها. وتشكل هذه السفن العمود الفقري لقدرات الإمداد الصينية، إذ تحمل وقودًا وزيوتًا ومياه عذبة وذخائر، وتعد أساسية لتمكين الأسطول من العمل في غرب المحيط الهادئ وأداء المهام البعيدة.
ويرى خبراء عسكريون أن مضاعفة عدد هذه السفن هي خطوة منطقية نظرًا لارتفاع وتيرة العمليات البحرية الصينية، فيما تواصل بكين الاستفادة من قدراتها الصناعية الكبيرة، إذ تمتلك 307 أحواض بناء سفن، بينها ما لا يقل عن 35 مرتبطة بمشاريع عسكرية وأمنية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


يورو نيوز
منذ يوم واحد
- يورو نيوز
الأنظار تتجه نحو قمة ألاسكا: هل سيختار ترامب مواجهة بوتين بحزم أم سينتهج سياسة التودد؟
الإجابة قد تحدد ملامح المرحلة المقبلة، ليس فقط لأوكرانيا التي تخوض حربًا منذ أكثر من ثلاث سنوات، بل أيضًا لقادة أوروبيين يخشون من أن أي تنازل لروسيا قد يشجعها على التوسع نحو دول الناتو القريبة منها مثل بولندا ودول البلطيق. ورغم لهجته الأكثر حدة تجاه موسكو في الأشهر الأخيرة، يملك ترامب تاريخًا من محاولات استرضاء بوتين. فحين غزت روسيا أوكرانيا عام 2022، تجنّب انتقاده بشكل مباشر، بل تلقى إشادة من الرئيس الروسي لعمله على تحسين العلاقات بين البلدين. واليوم، يراقب المحللون عن كثب ما إذا كان سيعيد إحياء هذا الود، ويتأثر بحجج بوتين في أن لروسيا الحق بالسيطرة على أوكرانيا. تحذيرات ومخاوف في مقابلات مع وكالة رويترز، قال دان فريد، وهو دبلوماسي عمل مع عدد من الرؤساء الأميركيين، إن هناك مخاوف مشروعة من أن يقع ترامب في فخ بوتين ويبرم صفقة مجحفة بحق أوكرانيا، لكنه أضاف أن نتيجة مغايرة تبقى ممكنة إذا أدركت الإدارة أن بوتين ما زال يناور. أما نيكولاس فينتون، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فأشار إلى أن التصعيد في الخطاب لم يُترجم حتى الآن إلى عقوبات أمريكية جديدة أو دعم مالي إضافي لأمن أوكرانيا، إذ أرجئت مواعيد فرض العقوبات التي وعد بها ترامب. من جانبه، عبّر جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق في ولاية ترامب الأولى، عن قلقه من أن بوتين بدأ يمارس تأثيره الشخصي على ترامب، محذرًا من أن السياسة الخارجية لا تقوم على العواطف، بل على حسابات دقيقة. بين الضغوط والصفقات المحتملة أثار ترامب غضب كييف وعواصم أوروبية مؤخرًا بتصريحاته التي اعتبرت أن التوصل إلى سلام يتطلب تبادلًا للأراضي بين روسيا وأوكرانيا، في وقت لم تُبدِ فيه موسكو أي استعداد لتقديم تنازلات. وقد شدد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على أن أي مفاوضات لن تكون مجدية ما لم تُعقد في ظل وقف لإطلاق النار. ويُذكر أن ترامب، منذ عودته إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/ يناير، عمل على إعادة إحياء علاقاته مع بوتين، مبدياً تعاطفًا مع عزلة الزعيم الروسي وتعهدًا بإنهاء الحرب خلال 24 ساعة. في اجتماع حاد بالبيت الأبيض في شباط/ فبراير، انتقد ترامب ونائبه جي دي فانس زيلينسكي بشأن أسلوبه في إدارة الحرب، في موقف لقي ترحيبًا من المتشددين الروس. وفي آذار/ مارس، لمّح مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف في مقابلة مع تاكر كارلسون إلى أن موسكو لها الحق في السيطرة على أربع مناطق أوكرانية ناطقة بالروسية. لكن استمرار النزاع دفع ترامب في تموز/ يوليو إلى إظهار موقف أكثر تشددًا، فأعلن إرسال أسلحة جديدة إلى أوكرانيا على أن تموّلها أوروبا، وهدد بفرض عقوبات مالية إضافية على موسكو. كما فرض الأسبوع الماضي رسومًا جمركية بنسبة 25% على الهند لشرائها النفط الروسي، في خطوة ضغط غير مباشرة على الكرملين، لكنه امتنع عن تنفيذ تهديداته بعقوبات أشد رغم تحذيره سابقًا من "عواقب وخيمة" إذا لم تُبرم روسيا اتفاقًا.


يورو نيوز
منذ 2 أيام
- يورو نيوز
قمة ترامب-بوتين: هل تنازع روسيا حقا سيادةَ أمريكا على ألاسكا؟
سيلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره الروسي فلاديمير بوتين وجهاً لوجه الجمعة في قاعدة عسكرية نائية في أنكوراج العاصمة الاقتصادية لألاسكا لإجراء محادثات طال انتظارها حول الحرب الروسية في أوكرانيا. اختيار المكان ليس اعتباطيا. إذ لا يفصل بين البر الرئيسي لألاسكا وروسيا سوى 90 كيلومتراً فقط، بينما تقع جزيرة ديوميدي الصغيرة في ألاسكا على بعد أقل من 4 كيلومترات من جزيرة ديوميدي الكبيرة الروسية في مضيق بيرينغ. وهذا يعني أنه سيكون بإمكان بوتين السفر لإجراء المحادثات وهو في نفس الوقت سيتجنب المجال الجوي للدول الغربية التي قد تحاول اعتراض رحلته تنفيذا لمذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية. لكن المكان ليس عملياً فحسب، بل يكتسي أيضا أهمية رمزية. فقد كانت ألاسكا ذات يوم أرضا روسية بأتم معنى الكلمة. في عام 1867، باع قيصر روسيا ألكسندر الثاني ألاسكا إلى الولايات المتحدة مقابل 7.2 مليون دولار، للمساعدة في سداد الديون المرتفعة المتراكمة خلال حرب القرم 1853-1856. بالنسبة للكرملين، لم يكن يُنظرلألاسكا على أنها جزء مهم من أراضيها من الناحية الاقتصادية. وقد أُعلنت ألاسكا رسمياً الولاية التاسعة والأربعين في عام 1949، وهي الآن أكبر الولايات الأمريكية الخمسين الحالية. وسيكون بوتين أول رئيس روسي يزورأنكوراج. اختيار المكان يعيد إلى الواجهة السردية المناهضة للإمبريالية أحيت قمة أنكوراج الروايات التي تشيد بأن ألاسكا أرض روسية "تاريخية"، حيث سارع مسؤولون بارزون في الكرملين وحلفاء آخرين إلى تسليط الضوء على التراث والتاريخ الروسيين في الإقليم. لكن النظرية القائلة بأن موسكو ستستعيد يومًا ما الولاية الأمريكية باعتبارها تابعة لها ليست جديدة، وسبق أن روّج لها بعض المسؤولين الروس في روسيا وفي دولة حليفة أيضا. في العام الماضي، أشارت المذيعة في التلفزيون الحكومي الروسي أولغا سكابيفا إلى الأراضي الأمريكية على أنها "ألاسكا الخاصة بنا". أما ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي فقد أثار في نبرة مازحة على وسائل التواصل الاجتماعي، احتمال الدخول في حرب مع الولايات المتحدة بسبب الإقليم. كيريل ديمتريف، وهو كبير المفاوضين في الكرملين ويرأس أيضًا صندوق الاستثمار المباشر الروسي، قال أيضا الأسبوع الماضي إن ألاسكا "أمريكية روسية" وأشار إلى أن القمة قد تؤدي إلى تعاون أوثق بين موسكو وواشنطن في القطب الشمالي. كما ظهرت لوحة إعلانية في عام 2022 تحمل رسالة "ألاسكا لنا"، وهو ما أثار في ذلك الوقت غضب بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي. لا دليل على أن موسكو ألغت بيع ألاسكا عام 1867 كما تنتشر على نطاق واسع تكهناتٌ مفادُها أن موسكو تتخذ خطوات لاستعادة الإقليم. وما عزز هذه التكهنات هو أن ترامب بدا وكأنه يخلط بين ألاسكا وروسيا في مؤتمر صحفي يوم الاثنين، عندما قال إنه سيسافر إلى "روسيا" للقاء بوتين على الرغم من أنه أكد بالفعل أن ألاسكا هي المكان الذي سيقابل فيه سيد الكرملين. وقد أشار بعض روّاد وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن حكم المحكمة العليا الروسية لعام 2022 أبطل بيع ألاسكا إلى الولايات المتحدة عام 1867. لكن يوروفيفاي لم يتمكن من العثور على أي وثيقة رسمية صادرة عن المحكمة تؤكد هذا الادعاء. أشار مستخدمون آخرون إلى مرسوم صدر عام 2024 ويُقال إنه ينص على عدم شرعية بيع ألاسكا عام 1867. هذا المرسوم موجود بالفعل. وقد صدر بتاريخ 18 يناير 2024 ويرصد أموالاً لتمويل االبحث عن الأصول التاريخية لروسيا في الخارج وتسجيلها وسبل حمايتها القانونية. وقد تحققنا من محتوياته ووجدنا أنه لا يشير إلى ألاسكا أو أي من مطالبات روسيا التاريخية في الإقليم. ومع ذلك، يعتقد المحللون أن الكرملين قد يستخدم المرسوم لإعادة فتح النزاعات التاريخية، ليس فقط في ألاسكا ولكن أيضًا في الأراضي التي كانت سابقا تحت السيادة الروسية.


يورو نيوز
منذ 2 أيام
- يورو نيوز
غزة في قبضة "اقتصاد الظل": أزمة السيولة تفتك بالمواطنين وسط حرب مالية صامتة
تتعمّق الأزمة المالية في قطاع غزة في ظل شحّ السيولة النقدية وغياب أي أفق لحلول قريبة، مع مرور أكثر من 21 شهرًا على القتال. ومنذ الأيام الأولى للحرب، وجد سكان غزة أنفسهم أمام أزمة نقدية خانقة بعد الإغلاق الكامل للمصارف ومنع السلطات الإسرائيلية إدخال الأموال إلى القطاع. وقد تفاقمت الأزمة مع اعتماد الآلاف على التطبيقات البنكية لإجراء المعاملات المالية، التي تفرض عمولات مرتفعة تستنزف دخلهم المحدود. وبحسب مصادر محلية وشهادات عدد من المستخدمين، وصلت نسبة العمولة على عمليات السحب النقدي في الأيام الأخيرة إلى نحو 52% من إجمالي المبلغ، في ارتفاع غير مسبوق أثار موجة استياء واسعة. ويأتي هذا التطور في وقت تشير فيه تقارير اقتصادية إلى تراجع حاد في حركة البيع والشراء، نتيجة ضعف القدرة الشرائية للمواطنين واحتكار بعض التجار للسيولة النقدية لتحقيق مكاسب إضافية. وتحذّر جهات اقتصادية من استمرار هذا الوضع، خاصة في ظل غياب أي تدخلات تنظيمية، ما يُنذر بتفاقم الأعباء المعيشية على السكان، في واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية التي شهدتها غزة في تاريخها الحديث. إسرائيل تمنع إدخال النقد: الأسباب الجذرية لأزمة السيولة في غزة يشير خبراء اقتصاديون إلى أن السبب الرئيسي لأزمة السيولة المتفاقمة في قطاع غزة يعود إلى الرفض الإسرائيلي المستمر منذ نحو عامين لإدخال كميات جديدة من النقد، ما أدى إلى تآكل الكتلة النقدية المتداولة محليًا، وزيادة الاعتماد على السوق السوداء بعد الإغلاق شبه الكامل للبنوك نتيجة الحرب المستمرة على القطاع منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023. وفي ظل غياب أي إجراءات تنظيمية من الجهات المالية الرسمية، تتصاعد شكاوى المواطنين من صعوبة إجراء المعاملات اليومية، لا سيما مع رفض الباعة لبعض الفئات النقدية الورقية، مثل ورقة العشرين شيكل، حتى وإن كانت سليمة وغير تالفة. التحويلات الخارجية في غزة: خسائر تتجاوز ثلثي القيمة وسط غياب القنوات الرسمية مع صعوبة استقبال الأموال من الخارج عبر القنوات الرسمية، يضطر كثيرون إلى اللجوء لطرق غير مباشرة تتسبب لهم في خسائر كبيرة. فعند إرسال مبلغ 1000 دولار عبر التطبيقات البنكية، يمر المال بمراحل متعددة من الخصم والتحويل غير الرسمي، حتى يصل للمستلم جزء ضئيل فقط. تبدأ الرحلة بخصم وسيط التحويل، الذي يتقاضى عمولة لا تقل عن 10%، ليصل المبلغ إلى الحساب البنكي بمقدار 900 دولار فقط. لكن المعاناة لا تنتهي هنا، فإذا أراد المستلم صرف المبلغ نقدًا، يواجه عقبة السوق السوداء، حيث يخسر نصف المبلغ تقريبًا ليصل إلى 450 دولارًا. ثم تأتي الضربة الأخيرة عند تحويل الدولار إلى الشيكل، إذ يُصرف المبلغ بأسعار مجحفة (100 دولار = 200 شيقل)، في حين أن قيمته الحقيقية تبلغ 350 شيقل. النتيجة النهائية؟ مبلغ 1000 دولار الأصلي يتحول إلى 900 شيقل فقط، أي أن المستلم خسر أكثر من 70% من قيمته الحقيقية قبل أن تصل الأموال إلى يده. تكشف هذه الحسابات حجم المعاناة التي يعيشها المواطنون في ظل غياب قنوات تحويل آمنة وعادلة، مما يجعلهم عرضة لاستنزاف مدخراتهم عبر وسطاء يتقاضون عمولات باهظة. كيف يتحوّل العجز النقدي إلى مكسب للسوق السوداء؟ كانت الأزمة النقدية في القطاع بيئة خصبة لظهور ما يُعرف محليًا بـ"تجار العمولة"، الذين يحوّلون الحاجة إلى تجارة مربحة على حساب حقوق المواطنين. ومع غياب الرقابة واحتكار فئة محددة للسيولة، ارتفعت عمولات التحويل والسحب النقدي إلى مستويات غير مسبوقة، تجاوزت في بعض الحالات حاجز 53%. محمد أبو الروس، من مدينة دير البلح، يصف بدايات الأزمة مع اندلاع الحرب بقوله: "مع إغلاق البنوك، بدأت السيولة تتلاشى، وظهر تجار العمولة الذين صاروا يقتسمون معنا رواتبنا ومساعداتنا المالية. العمولة بدأت بـ15% ثم ارتفعت تدريجيًا حتى بلغت 53% اليوم، وهذا يعني أنني أخسر أكثر من نصف ما أملك قبل أن يصلني". أما محمود عليوة، من مدينة غزة، فيربط الأزمة بسلسلة الأزمات المتراكمة التي يعاني منها السكان: "نحن نعيش تحت القصف، والنزوح، والمجاعة، والآن نواجه أزمة جديدة هي نقص السيولة. إذا كان راتبي 300 دولار، فأنا مجبر على دفع نصفه فقط لأتمكن من سحب النصف الآخر. هذه كارثة، فالتاجر يشاركني تعب أيامي وقوت أطفالي دون أي حق". ويضيف عليوة أن الحل الوحيد يتمثل في إنهاء الحرب وعودة البنوك للعمل، بما ينهي هيمنة السوق السوداء على حركة الأموال. من جهته، يصف الصحافي يحيى خضر هذه الظاهرة بأنها إحدى أخطر تداعيات الأزمة الاقتصادية، قائلاً: "لو أردت سحب 1000 شيكل من أحد التطبيقات البنكية، فلن أحصل فعليًا سوى على أقل من 450 شيكل. هذه النسبة الربوية غير المعلنة كانت قبل الحرب لا تتجاوز 2%، والآن صارت أكثر من 50% في ظل غياب الرقابة وتحوّل السيولة إلى سلعة نادرة في يد بعض التجار". ويؤكد خضر أن هذه الظاهرة أدت إلى انهيار القدرة الشرائية وزيادة الأعباء على المواطنين، ما يدفع كثيرين إلى العجز عن تلبية احتياجاتهم الأساسية. وعن تبعات الأزمة على الجانب الإنساني، تقول مريم سلامة، وهي من سكان غزة، إنها تواجه صعوبة في شراء أدوية وحقن وريدية: "كنت بحاجة إلى 300 شيكل لشراء العلاج، لكن بعد الخصومات لم يصلني سوى 150 شيكل. وفوق ذلك، رفض الصيدلي التعامل مع العملة الورقية التي لديّ لأنها ممزقة، فاضطررت إلى سحب مبلغ إضافي للحصول على عملة بحالة أفضل". وتتابع مريم بمرارة: "حتى عندما حاولت شراء القليل من السكر بعد حصولي على الدواء، قدمت للبائع ورقة نقدية من فئة 20 شيكل، فرفضها بحجة أنها تالفة. وإن أردت الشراء عبر التطبيقات، فأنا أدفع أضعاف سعر السلعة، وكل ذلك نتيجة الحرب وانهيار النظام المالي في القطاع". تجار العمولة "ينهبون" نصف مدخرات المواطنين وسط غياب الرقابة من جهته، يصف الخبير الاقتصادي أحمد أبو قمر الوضع بأنه "قرصنة مالية ممنهجة"، مشيرًا إلى أن الأزمة تجاوزت مرحلة الغلاء ونقص السلع لتصبح "استنزافًا منظمًا للقوة الشرائية". ويوضح أن "100 شيكل فقدت نصف قيمتها الفعلية بسبب هذه الممارسات، حيث لا يحصل المواطن إلا على 50 شيكلاً فعليًا بعد الخصم". وتكشف المعطيات الميدانية عن مشهد مأساوي يعيشه المواطنون، الذين يضطرون لدفع نصف رواتبهم أو تحويلاتهم كعمولة لمجرد الحصول على سيولة نقدية. هذه الأزمة تتفاقم يوميًا مع استمرار غياب الحلول المؤسسية، مما يهدد بانهيار اقتصادي واجتماعي في القطاع المحاصر. ويطالب خبراء اقتصاديون بتحرك عاجل من سلطة النقد الفلسطينية لضخ سيولة نقدية، ووضع ضوابط صارمة لعمليات الصرف، وإنهاء احتكار تجار العمولة للسوق. كما يحذرون من أن استمرار هذا الوضع ينذر بموجة جديدة من التدهور المعيشي قد تكون أكثر خطورة من تداعيات الحرب ذاتها. في ظل هذا الواقع، يبقى المواطن الغزي الضحية الأكبر، حيث تحولت أبسط حقوقه في الوصول إلى أمواله إلى معاناة يومية تزيد من أعباء الحياة في القطاع، الذي يعاني أصلاً من ويلات الحرب والحصار.