
الحرب الايرانية- الاسرائيلية وخارطة النفط والغاز الجديدة في المنطقة
لا احد يمتلك الجواب القاطع على ما ستؤول اليه الحرب التي نشبت مؤخرا بين ايران والعدو الاسرائيلي ولكن ما يمكن تأكيده ان استمرار هذه الحرب وتوسع رقعتها قد يرسم خارطة جديدة لموارد وممرات النفط والغاز كجزء من الوجه الجديد للمنطقة فرضته التطورات الاخيرة في المشهد الدولي والاقليمي وبخاصة في دول الشرق الاوسط. وفي هذا الاطار تسود حال من الترقب اوساط مستوردي ومصدري الغاز والشركات المستثمرة في هذا القطاع بعد الهجمات المتبادلة بين ايران واسرائيل والتي طالت منشأتين لمعالجة الغاز على الساحل الجنوبي لايران وهما منشأتان تعالجان الغاز المستخرج من حقل " بارس الجنوبي" اكبر حقل غاز طبيعي في العالم وثالث أكبر منتج للغاز في العالم بعد الولايات المتحدة الاميركية. وتنتج ايران حوالي 275 مليار متر مكعب من الغاز سنويا اي ما يعادل 6.5% من انتاج الغاز العالمي وتستهلكه محليا نظرا لعدم قدرتها على تصديره بسبب العقوبات وتتشارك فيه مع قطر في الانتاج . هذا بالاضافة الى الهجمات الصاروخية التي طالت خطوط انابيب نقل تابعة لاسرائيل في حيفا جراء الهجمات الصاروخية الايرانية.
الهجمات المتبادلة لاشك انه سيكون لها تداعيات خطرة على ايران واسرائيل بالدرجة الاولى سيما فيما اذا طالت الضربات حقول اخرى في طهران كحقل شانول وحقل كيش للغاز اللذين تعتمد عليهما ايران في سد احتياجاتها الداخلية، والامر عينه ينسحب على اسرائيل حيث اعلنت مؤخرا عن اغلاق حقل غاز ليفياثان في شرق المتوسط وهو مسؤول عن 40% من انتاج الغاز في اسرئيل. هذا بالاضافة الى تعليق انتاج الغاز من حقل كاريش من قبل شركة انرجيان اليونانية. الا انها مع ذلك مازالت تحتفظ بنسبة 40% من احتياجتها من النفط الذي يصلها عبر خط انابيب باكو- تبليسي – جيهان (BTC) الذي يمتد من بحر قزيون عبر اذربيجان وجورجيا وتركيا الى ميناء جيهان التركي ، حيث يُحمل بالناقلات الى الموانىء الاسرائيلية.
تلك التداعيات لن تسلم منها ايضا عدد من الدول التي تعتمد على منافذ الغاز والنفط تلك كمصدر لتلبية حاجاتها ومنها مصر والاردن اللذين يستوردان الغاز عبر انابيب حقل ليفياثان لتسييله وبيعه الى الاسواق الاوروبية بسعر مترفع مقارنة بالمادة الخام. قطر ايضا التي تعتبر حقل بارس مصدرا لدخلها القومي. أضف الى ذلك ما تناقلته وسائل الاعلام عن تحذيرات ايرانية جدية بتعطيل مضيق هرمز الذي يمر عبره ربع النفط المنقول بحرا، حيث ستكون اولى اقتصادات الدول المتضررة في حال تعطيله هما اقتصادات دولتي الكويت والعراق باعتباره الممر الوحيد لتصدير نفطها، اما باقي الدول كالسعودية والامارات وعمان فلديها منافذ اخرى يمكن لها الاعتماد عليها للتخفيف من تلك التداعيات كمضيق باب المندب وقناة السويس . هذا الامر ينسحب ايضا على الصين التي تشتري اكثر من 90% من صادرات النفط الايراني وفي حال خسرت هذا الامداد فان انظارها ستتوجه نحو اسواق عالمية اخرى كروسيا، وان يكن بكلفة اعلى من ايران وذلك لتلبية احتياجتها من الطاقة التي هي في الاصل تمثل 20% فقط من امدادات الطاقة الاجمالية. اما على صعيد الولايات المتحدة الاميركية فهي كذلك الامر ليست بافضل حال خاصة مع ارتفاع اسعار النفط نتيجة تلك الهجمات حيث من المتوقع وفقا لما تناقلته احدى الصحف من لجوء الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى استغلال احتياطات النفط الاستراتيجي والسعي لزيادة المعروض من تحالف اوبك + وهذا ما قد يصب في مصلحة روسيا ايضا لناحية خنق اي جهود لكف يدها في حربها على اوكرانيا.
تلك المصائب يبدو ايضا انها فردت فوائد لدى شركات ناقلات النفط التي سجلت ارتفاعا في اسعار اسهمها مع ارتفاع اسعار استخدام ناقلات النفط في العالم بالاضافة الى ارتفاع اسعار عقود الشحن الآجلة بسنبة 15% وفقا لبيانات شركة الوساطة "ماريكس غروب".
اذا هو مشهد معقد وشديد الخطورة غير واضح منتهاه بين اسرائيل وطهران ويؤسس لمسار جديد في قطاع النفط والغاز، وكما يبدو فان تأثيراته لن تلسم منها اي دولة فكيف بلبنان العالق في شرنقة ازماته الداخلية وغبار حرب لم تنفض عنه بعد، فهو ايضا على موعد مع ازمة جديدة قد تكون الاكثر "حرجاً" بين تلك الدول، والذي يتجسد في كيفية الحفاظ على الساعات الاربع اليومية من الكهرباء التي أمنها عبر دولة العراق مؤخرا بموجب اتفاق مدته 6 اشهر تنتهي في شهر ايلول المقبل في ظل الحرب التي تقع العراق ايضا في دائرتها؟!.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ليبانون 24
منذ 7 ساعات
- ليبانون 24
الحرب الايرانية- الاسرائيلية وخارطة النفط والغاز الجديدة في المنطقة
لا احد يمتلك الجواب القاطع على ما ستؤول اليه الحرب التي نشبت مؤخرا بين ايران والعدو الاسرائيلي ولكن ما يمكن تأكيده ان استمرار هذه الحرب وتوسع رقعتها قد يرسم خارطة جديدة لموارد وممرات النفط والغاز كجزء من الوجه الجديد للمنطقة فرضته التطورات الاخيرة في المشهد الدولي والاقليمي وبخاصة في دول الشرق الاوسط. وفي هذا الاطار تسود حال من الترقب اوساط مستوردي ومصدري الغاز والشركات المستثمرة في هذا القطاع بعد الهجمات المتبادلة بين ايران واسرائيل والتي طالت منشأتين لمعالجة الغاز على الساحل الجنوبي لايران وهما منشأتان تعالجان الغاز المستخرج من حقل " بارس الجنوبي" اكبر حقل غاز طبيعي في العالم وثالث أكبر منتج للغاز في العالم بعد الولايات المتحدة الاميركية. وتنتج ايران حوالي 275 مليار متر مكعب من الغاز سنويا اي ما يعادل 6.5% من انتاج الغاز العالمي وتستهلكه محليا نظرا لعدم قدرتها على تصديره بسبب العقوبات وتتشارك فيه مع قطر في الانتاج . هذا بالاضافة الى الهجمات الصاروخية التي طالت خطوط انابيب نقل تابعة لاسرائيل في حيفا جراء الهجمات الصاروخية الايرانية. الهجمات المتبادلة لاشك انه سيكون لها تداعيات خطرة على ايران واسرائيل بالدرجة الاولى سيما فيما اذا طالت الضربات حقول اخرى في طهران كحقل شانول وحقل كيش للغاز اللذين تعتمد عليهما ايران في سد احتياجاتها الداخلية، والامر عينه ينسحب على اسرائيل حيث اعلنت مؤخرا عن اغلاق حقل غاز ليفياثان في شرق المتوسط وهو مسؤول عن 40% من انتاج الغاز في اسرئيل. هذا بالاضافة الى تعليق انتاج الغاز من حقل كاريش من قبل شركة انرجيان اليونانية. الا انها مع ذلك مازالت تحتفظ بنسبة 40% من احتياجتها من النفط الذي يصلها عبر خط انابيب باكو- تبليسي – جيهان (BTC) الذي يمتد من بحر قزيون عبر اذربيجان وجورجيا وتركيا الى ميناء جيهان التركي ، حيث يُحمل بالناقلات الى الموانىء الاسرائيلية. تلك التداعيات لن تسلم منها ايضا عدد من الدول التي تعتمد على منافذ الغاز والنفط تلك كمصدر لتلبية حاجاتها ومنها مصر والاردن اللذين يستوردان الغاز عبر انابيب حقل ليفياثان لتسييله وبيعه الى الاسواق الاوروبية بسعر مترفع مقارنة بالمادة الخام. قطر ايضا التي تعتبر حقل بارس مصدرا لدخلها القومي. أضف الى ذلك ما تناقلته وسائل الاعلام عن تحذيرات ايرانية جدية بتعطيل مضيق هرمز الذي يمر عبره ربع النفط المنقول بحرا، حيث ستكون اولى اقتصادات الدول المتضررة في حال تعطيله هما اقتصادات دولتي الكويت والعراق باعتباره الممر الوحيد لتصدير نفطها، اما باقي الدول كالسعودية والامارات وعمان فلديها منافذ اخرى يمكن لها الاعتماد عليها للتخفيف من تلك التداعيات كمضيق باب المندب وقناة السويس . هذا الامر ينسحب ايضا على الصين التي تشتري اكثر من 90% من صادرات النفط الايراني وفي حال خسرت هذا الامداد فان انظارها ستتوجه نحو اسواق عالمية اخرى كروسيا، وان يكن بكلفة اعلى من ايران وذلك لتلبية احتياجتها من الطاقة التي هي في الاصل تمثل 20% فقط من امدادات الطاقة الاجمالية. اما على صعيد الولايات المتحدة الاميركية فهي كذلك الامر ليست بافضل حال خاصة مع ارتفاع اسعار النفط نتيجة تلك الهجمات حيث من المتوقع وفقا لما تناقلته احدى الصحف من لجوء الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى استغلال احتياطات النفط الاستراتيجي والسعي لزيادة المعروض من تحالف اوبك + وهذا ما قد يصب في مصلحة روسيا ايضا لناحية خنق اي جهود لكف يدها في حربها على اوكرانيا. تلك المصائب يبدو ايضا انها فردت فوائد لدى شركات ناقلات النفط التي سجلت ارتفاعا في اسعار اسهمها مع ارتفاع اسعار استخدام ناقلات النفط في العالم بالاضافة الى ارتفاع اسعار عقود الشحن الآجلة بسنبة 15% وفقا لبيانات شركة الوساطة "ماريكس غروب". اذا هو مشهد معقد وشديد الخطورة غير واضح منتهاه بين اسرائيل وطهران ويؤسس لمسار جديد في قطاع النفط والغاز، وكما يبدو فان تأثيراته لن تلسم منها اي دولة فكيف بلبنان العالق في شرنقة ازماته الداخلية وغبار حرب لم تنفض عنه بعد، فهو ايضا على موعد مع ازمة جديدة قد تكون الاكثر "حرجاً" بين تلك الدول، والذي يتجسد في كيفية الحفاظ على الساعات الاربع اليومية من الكهرباء التي أمنها عبر دولة العراق مؤخرا بموجب اتفاق مدته 6 اشهر تنتهي في شهر ايلول المقبل في ظل الحرب التي تقع العراق ايضا في دائرتها؟!.


شبكة النبأ
منذ 2 أيام
- شبكة النبأ
صفقة جديدة مع إيران.. التداعيات المحتملة على أسواق النفط
تفضيله للأسعار المنخفضة للنفط قد طغى بوضوح على أولوية نمو الإنتاج الأمريكي، وعليه من الممكن جدًا أن يرى البيت الأبيض في انخفاض الأسعار وسيلة لتعويض التقلبات الاقتصادية الناتجة عن استخدامه الواسع للرسوم الجمركية، وقد يكون هذا بالفعل السيناريو الأساسي لدى العديد من الجهات في صناعة الطاقة والدول المنتجة... بقلم: كولبي كونيلي، زميل في معهد الشرق الأوسط، ومحلل وباحث ومستشار في شركة Energy Intelligence بعد خمس جولات من المفاوضات لم تتوصل الولايات المتحدة وإيران -حتى الآن- إلى اتفاق جديد بخصوص البرنامج النووي الإيراني، وذلك بصرف النظر عن التقارير التي تفيد بأن الجانبين أحرزا بعض التقدم المحدود ويعتزمان اللقاء مجددا. الحقيقة أنّ معظم دول الشرق الأوسط تنظر إلى احتمالات تحقيق اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران بتفاؤل معتدل، وهي بمجملها تعد التوافق الأمريكي الإيراني خيارا أفضل من التصعيد المؤدي لشن ضربات عسكرية أمريكية في الداخل الإيراني، وبرغم من أن نجاح المحادثات من شأنه تحقيق استقرار أكبر في المنطقة التي تشهد صراعات مستمرة بيد أن التقدم المحتمل في اتفاقية نووية جديدة قد يحمل في طياته عواقب سلبية في مجال الطاقة، إذ قد يؤدي الاتفاق بين واشنطن وطهران إلى زيادة الضغط على سوق النفط المأزوم أصلا مما قد يشير إلى مزيد من الخسائر المالية لمنتجي النفط في الخليج ويعقد استراتيجية الطاقة الأمريكية. وفي حين تبدو الدبلوماسية الأمريكية مع إيران في طريقها إلى إحراز مستوى من التقدم حاليا تعاني أسعار النفط من التهديدات المزدوجة انسياقا لمبدأ (عدم اليقين الاقتصادي)، والتهديد الأول ناتج من الرسوم الجمركية التي أقرها الرئيس دونالد ترامب، والثاني كان القرار المفاجئ من مجموعة اوبك التي تضم اثني عشر عضوا من منظمة أوبك وعشرة منتجين للنفط من غير أوبك لاسيما روسيا، ما يعني إضافة أكثر من 1,2 مليون برميل يوميا من الإمدادات الإضافية خلال الشهر الماضي وحتى نهاية تموز، وهو الأمر الذي يشي باحتمالات تدهور الأسعار إذا استمر بقاء حالة عدم اليقين المتأثرة بالحرب التجارية، أو إذا زاد أثر الرسوم الجمركية الأمريكية على مراكز الطلب الرئيسية للنفط لاسيما الصين فانخفضت تبعا لنتيجة تباطؤ الاقتصاد. بطبيعة الحال يصعب التنبؤ باحتمالات الوصول إلى اتفاق نووي جديد بين إيران والولايات المتحدة، مثلما يصعب التنبؤ بنتيجة حرب ترامب التجارية، لكن النتيجة المؤكدة هي أنه في حال جرى التوصل فعلاً إلى اتفاق فسوف يصار إلى رفع العقوبات الأمريكية عن صادرات النفط الإيرانية، ومن المؤكد أيضا أن طهران لن تقبل اتفاقا شاملا وطويل الأمد لا يحتوي على نتيجة أقل من ذلك. في عام 2021، ومع أول بادرة دبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران، سار الطلب العالمي على النفط بخط متصاعد قياسا بانخفاض سنة 2020، وبنمو بلغ أكثر من خمسة ملايين برميل يوميا! حاليا وعلى الجانب المقابل، يتوقع عدد متزايد من كبار المراقبين انخفاض الطلب في هذا العام أي 2025 دون مستوى مليون برميل يوميا، وذلك للمرة الأولى منذ سنوات عدة، وبحسب هذا التوقع فقد يتجاوز عرض النفط هذا العام الطلب عليه، ولكن قد لا تنحدر أسعار النفط بالضرورة على المدى القصير، ليظل التقلب وعدم اليقين هو النظام اليومي السائد ما يستدعي التعامل بحذر مع أي اتفاق يفضي إلى تدفق مفاجئ للإمدادات النفطية الإيرانية؛ لأن نجاح الولايات المتحدة في التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران سيزيد حكما صادرات النفط الإيرانية بشكل كبير. وتختلف التقديرات بشأن حجم هذه الزيادة بالضبط، كما تختلف التقديرات بخصوص مستوى صادرات إيران الحالية للنفط، هذا المستوى الذي يجري إخفاؤه من طرف طهران باستخدام وسائل خداع لتفادي العقوبات! واعتمادا على طبيعة الصفقة والجدول الزمني المحتمل لتنفيذها، فقد ترتفع صادرات النفط الإيراني بشكل كبير في غضون بضعة أشهر فقط. وعلى الرغم من أن طهران تسعى لتحقيق هذا السيناريو لكن النتيجة ستكون في زيادة الفائض الذي يواجهه سوق النفط هذا العام بالفعل مما يزيد من انخفاض الأسعار، ومن المحتمل أن يبقى التوقع للاقتصاد العالمي مرنا طالما استمر التقلب التجاري، لكن مع مضي مجموعة اوبك قدما في إضافات الإمداد المتسارعة، ستظل الأسواق تعاني من فائض بغض النظر عن كيفية تطور محادثات التجارة الأمريكية مع بقية العالم. وبعبارة أكثر بساطة، فإن أي تدابير تتضمن تخفيف العقوبات على إيران من المرجح أن تؤدي إلى تدفق نفط لا يحتاجه السوق! وهذه الإمدادات الإضافية ستدفع الأسعار للانخفاض بطبيعة الحال؛ ومع تداول النفط الخام غالبا في نطاق 60 إلى 65 دولارا للبرميل الواحد خلال معظم شهر تموز المقبل فإن النتيجة ستكون لها آثار سلبية على كلٍ من صناعة الطاقة الأمريكية وشركائها المنتجين في الخليج، على أن الأسعار عند هذا النطاق أو دونه ستؤدي إلى ضغط مالي على دول الخليج كما ستمنع نمو الإمدادات الأمريكية؛ لأن الشركات الأمريكية ستتحمل تكاليف إنتاج أعلى من نظيراتها في دول الخليج العربية. ووفقا لتقدير من بلومبرغ إنتليجنس، فإن التراجع في العقوبات على الصادرات الإيرانية قد يدفع خام غرب تكساس الوسيط (WTI)، وهو مؤشر رئيسي للنفط الأمريكي، قد يدفعه إلى مستوى منخفض يصل إلى 40 دولارا للبرميل الواحد، وهو نطاق سيكون مدمرا لصناعة النفط الأمريكية، ومعه ينبغي على صانعي السياسات إدراك التأثيرات الجانبية التي قد يُحدثها الاتفاق المحتمل، مدفوعين على الأقل بدافع السعي إلى استراتيجيات من شأنها تقليل هذه الآثار إن دعت الحاجة، وسيجري في الواقع التخفيف من هذا التأثير جزئيًا من خلال إدراك حقيقة أن الإنتاج الإيراني قد ارتفع بالفعل بشكل كبير خلال السنوات الأربع الماضية، ويرجع ذلك في الغالب إلى التراخي في تنفيذ العقوبات الأمريكية خلال إدارة الرئيس جو بايدن؛ إذ سجّل إنتاج النفط الإيراني زيادات بحوالي مليون برميل يوميا خلال السنوات الماضية، وبلغ متوسطه نحو 3,3 مليون برميل يوميا خلال عام 2025 الجاري، وتختلف التقديرات بخصوص حجم ما يمكن أن ترتفع به صادرات إيران عن هذا المستوى، لكن إزالة العقوبات بالكامل قد تؤدي إلى عودة ما يصل إلى 500,000 برميل يوميا من الصادرات الإيرانية الإضافية إلى السوق العالمية. الآن ما الذي يمكن فعله لتقليل المخاطر؟ في حال توصلت الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق نووي جديد وفي وقت ما تزال فيه أسعار النفط منخفضة بسبب ما أشرنا له آنفا أي عدم اليقين أو فائض الإمدادات أو غير ذلك، فعلى الولايات المتحدة أن تولي اهتمامًا خاصًا بالمخاطر التي تطرحها الأسعار المنخفضة، سواء لصالحها أو لصالح شركائها في الخليج: أولا/ لأن أجندة "الهيمنة في مجال الطاقة" التي تبنتها إدارة ترامب تتطلب في نهاية المطاف أسعارًا للطاقة عند مستوى مرتفع قليلًا من أجل تحقيق مزيد من النمو. ثانيا/ لأن المليارات من الاستثمارات التي وُعد بها بعد زيارة الرئيس الأخيرة للشرق الأوسط ستتأخر في التحقق إذا قيدت الأسعار المنخفضة قدرة دول الخليج على الاستثمار في الخارج. على الأرجح، فإن الأدوات المتاحة لكبح الانهيار المحتمل في الأسعار بسبب تدفق البراميل الإيرانية إلى السوق المفتوحة سيكون محدودًا، ولكن هناك خيارات متاحة للولايات المتحدة يمكن تنفيذها لاحتواء المخاطر ومنع تداعيات سوق النفط من تقويض ما يبدو أنه رغبة واسعة في تحقيق تقدم دبلوماسي مع طهران، وأحد الخيارات الأولية سيكون الاستفادة من انخفاض أسعار النفط لبدء إعادة تعبئة الاحتياطي البترولي الاستراتيجي (SPR)، وهي الرغبة التي عبّر عنها وزير الطاقة كريس رايت بالفعل، وتاريخيا فقد جرى إنشاء SPR بموجب قانون سياسة الطاقة والحفاظ عليها لعام 1975، وتديره وزارة الطاقة لحماية الولايات المتحدة احترازا من اضطرابات كبيرة في إمدادات النفط. وقد أشرفت إدارة بايدن على أكبر عملية سحب من SPR في تاريخ الولايات المتحدة من خلال بيع طارئ بنحو 370 مليون برميل في عام 2022، وفي حين كان الهدف من تلك الخطوة معالجة أسعار النفط المرتفعة نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية، فقد كانت مثار جدل بسبب عدم وجود عجز في الإمدادات. ومهما كان الجدل المحيط بسياسة إدارة بايدن، فإن النتيجة النهائية كانت أن نظام SPR وصل إلى أدنى مستوى له خلال أربعين عامًا، وبعد اكتمال هذا السحب فقد حددت وزارة الطاقة نطاق سعر يتراوح بين 67 إلى 72 دولارًا للبرميل بوصفه سعرا مفضلا لشراء النفط الخام بغية إعادة تعبئة الاحتياطي، ومن المحتمل أن تدفع زيادة الإمدادات الإيرانية الأسعار إلى ما دون هذا المستوى المستهدف، مما يوفر لواشنطن بيئة أسعار مناسبة من الناحية المالية لدعم عمليات إعادة التعبئة، كما أن أي إعلان من الحكومة الأمريكية بشأن نيتها القيام بذلك من لوازمه التأثير على توقعات السوق ويخفف من ضغط هبوط الأسعار مما يشكل نوعًا من الدعم غير المباشر لرغبة الإدارة في رؤية نمو في الإنتاج الأمريكي. على أن إعادة تعبئة SPR تمثل على الأرجح الفعل الأحادي الأكثر فاعلية الذي قد تتخذه واشنطن للحد من المخاطر، أي خطر انخفاض حاد في أسعار النفط جراء زيادة الإنتاج الإيراني-، ومع ذلك، فقد تكون هناك مساحة -وإن كانت محدودة- للتنسيق مع الشركاء الإقليميين لوضع ستراتيجيات تخفيف أخرى، وعلى سبيل المثال فإن إيران وعلى الرغم من كونها عضوا مؤسسا في أوبك، فقد كانت مستثناة من حصص الإنتاج منذ ما يقرب من عقد، ومن ثم يمكن لإدارة ترامب نظريا أن تحاول استخدام علاقاتها الدافئة مع القائد الفعلي لأوبك، إي السعودية، للسعي من أجل توفير حصة إنتاج جديدة لإيران إذا رُفعت العقوبات، ونعيد التأكيد هنا أن طهران سترفض أي جهود أمريكية أحادية لتقييد قدرتها على زيادة الإنتاج بوصفها جزءا من اتفاق نووي جديد؛ لكن من المفترض أن تكون الحكومة الإيرانية أكثر استعدادًا لقبول مثل هذه القيود إذا كانت مفروضة من لدن منظمة متعددة الأطراف تنتمي إليها منذ زمن طويل! وسيساعد امتثال إيران بدوره في دعم الأسعار بما يتماشى مع مصالح الرياض، وسيظهر تماسك مجموعة OPEC+ التي تعاني منذ أشهر من إفراط الإنتاج لدولتين هما كازاخستان والعراق. إن خطر انهيار الأسعار نتيجة لعودة واسعة النطاق للبراميل الإيرانية إلى الأسواق واضح، والأوضح من ذلك هو مدى محدودية خيارات واشنطن لاحتواء هذا الخطر، ومن المرجح أن الأساليب المذكورة آنفا قد تحقق بعض النجاحات إذا جرى تنفيذها بالفعل، لكن ربما السؤال الأعمق هو ما إذا كان البيت الأبيض مهتمًا فعليًا باحتواء هذه الآثار السلبية!. وفي حين كرر ترامب أثناء الانتخابات الأمريكية الماضية شعار "احفر، احفر، احفر" عند الحديث عن سياسته في مجال الطاقة، فإن تفضيله للأسعار المنخفضة للنفط قد طغى بوضوح على أولوية نمو الإنتاج الأمريكي، وعليه من الممكن جدًا أن يرى البيت الأبيض في انخفاض الأسعار وسيلة لتعويض التقلبات الاقتصادية الناتجة عن استخدامه الواسع للرسوم الجمركية، وقد يكون هذا بالفعل السيناريو الأساسي لدى العديد من الجهات في صناعة الطاقة والدول المنتجة للنفط، لكن حتى الآن، تشير معظم المؤشرات إلى أن الولايات المتحدة ستتخذ نهجًا متساهلًا في حال أدى تدفق الإمدادات الإيرانية إلى انخفاض كبير في الاسعار. * مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/ 2001 – 2025 Ⓒ

المدن
منذ 3 أيام
- المدن
إسرائيل توقف إمدادت الغاز لمصر والأردن.. وتعطل العمل بـ"كاريش"
أعلنت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن الاحتلال الإسرائيلي أغلق مؤقتًا حقل "ليفياثان" البحري، أكبر منشآتها لإنتاج الغاز الطبيعي، على خلفية التصعيد العسكري مع إيران، ما أدى إلى وقف ضخ الغاز إلى كل من مصر والأردن، وسط مخاوف من تداعيات أوسع على الأمن الطاقي في المنطقة. وقالت الصحيفة إن وزارة البترول المصرية فعلت خطة طوارئ لضمان استمرارية إمدادات الغاز والحفاظ على تشغيل شبكة الكهرباء، بعد القرار الإسرائيلي الذي جاء في أعقاب هجمات جوية شنتها تل أبيب فجر أمس الجمعة، استهدفت مواقع عسكرية ونووية داخل إيران. وجاء إغلاق حقل "ليفياثان" نتيجة مخاوف أمنية عقب الهجوم الإسرائيلي وتعهد إيران بالرد، وهو ما دفع السلطات الإسرائيلية إلى اتخاذ إجراءات احترازية تشمل البنية التحتية الحيوية، وعلى رأسها منشآت الغاز البحرية. ويُعد حقل "ليفياثان"، الواقع شرق البحر الأبيض المتوسط، أحد أبرز مصادر الغاز في المنطقة، وتبلغ طاقته الإنتاجية نحو 1.2 مليار قدم مكعبة يوميًا. ويدار المشروع من قبل شركة "شيفرون" الأمريكية، ويغذي السوق المحلي في الاحتلال الإسرائيلي إلى جانب مصر والأردن. عرقلة خطط مصر وكانت مصر قد بدأت في استيراد الغاز من حقلي "ليفياثان" و"تمار" عبر خطوط أنابيب تمر في المياه الإقليمية بالبحر المتوسط منذ عام 2020، بموجب اتفاقية تمتد لـ15 عامًا، بعدما تحولت القاهرة من مصدر إلى مستورد للطاقة بفعل التحديات في الإنتاج المحلي. وتبلغ الطاقة الإنتاجية لحقل "تمار"، الذي تديره أيضًا شركة "شيفرون"، نحو 1.1 مليار قدم مكعبة يوميًا، ما يجعل الحقلين معًا مصدرًا حيويًا لتلبية جزء كبير من احتياجات مصر من الغاز، خاصة في أشهر الصيف التي يشهد فيها الطلب ارتفاعًا ملحوظًا. وتوقع خبراء أن تؤدي الانقطاعات المتواصلة في تصدير الغاز الإسرائيلي إلى اضطراب في الإمدادات الإقليمية، لا سيما في مصر التي تواجه أصلًا صعوبات في تغطية الطلب المحلي، مما قد يدفعها إلى التوجه نحو شراء شحنات من الغاز الطبيعي المسال من السوق العالمية، في وقت يشهد فيه هذا السوق شحًّا متزايدًا. وحذر خبراء من أن استمرار الإغلاق قد يعرقل خطط مصر لتصدير الغاز المسال ويضع ضغوطًا إضافية على احتياطاتها الاستراتيجية، في ظل ارتفاع درجات الحرارة وتزايد الأحمال الكهربائية. توقف إنتاج الغاز من حقل كاريش في سياق متصل، أعلنت شركة "إنرجيان" اليونانية أنها علقت إنتاج الغاز من حقل "كاريش" الواقع قبالة السواحل الإسرائيلية، وذلك بناء على توجيه رسمي من وزارة الطاقة الإسرائيلية، التي عزت القرار إلى "التصعيد الجيوسياسي الأخير في المنطقة". وأوضحت الشركة في بيان أصدرته أمس الجمعة أنها أوقفت كافة عمليات الإنتاج والأنشطة على متن وحدة الإنتاج والتخزين والتفريغ العائمة (FPSO)، مشيرة إلى أنها أبلغت جميع العملاء والجهات المعنية بهذا التعليق، ووضعت سلامة موظفيها على رأس أولوياتها. وأشارت "إنرجيان" إلى أنها تجري محادثات مستمرة مع الحكومة الإسرائيلية بهدف استئناف العمليات بأمان في أقرب فرصة ممكنة، رغم عدم وجود جدول زمني محدد حتى اللحظة. ورغم أن حقل "كاريش" يُعد أصغر حجمًا من "ليفياثان" و"تمار"، إلا أنه يمثل مكونًا مهمًا في شبكة الإمداد المحلي في الاحتلال الإسرائيلي. وقد زادت "إنرجيان" إنتاجها من هذا الحقل منذ أواخر عام 2022، ليصل إلى طاقة إنتاجية سنوية تقارب 8 مليارات متر مكعب (أي نحو 775 مليون قدم مكعبة يوميًا). وفي القاهرة، أكدت مصادر في قطاع الطاقة أن السلطات المصرية تتابع عن كثب تطورات الموقف في الاحتلال الإسرائيلي، مشيرة إلى أنه لم يُبلغ الجانب المصري حتى الآن بأي خفض رسمي في كميات الغاز المصدرة، غير أن الاحتياطات الجارية تعكس مستوى القلق من توقف الإمدادات بشكل كامل. وأوضحت المصادر أن مخزونات الوقود الحالية في محطات توليد الكهرباء المصرية غير كافية لمواجهة انقطاع طويل الأمد في ضخ الغاز الإسرائيلي، مما دفع وزارة الكهرباء إلى اتخاذ إجراءات عاجلة. وفي هذا السياق، عقد وزير الكهرباء المصري، محمود عصمت، اجتماعًا طارئًا مع قيادات الوزارة أمس الجمعة، لبحث سبل الاستعداد لمختلف السيناريوهات المحتملة. ووجه عصمت مسؤولي شركات التوزيع برفع درجة التأهب، وضمان استقرار التغذية الكهربائية، وتوفير الطاقة لجميع الاستخدامات، بالتنسيق مع مراكز التحكم في الشركة المصرية لنقل الكهرباء. ووفق أحدث البيانات استوردت مصر نحو 2.55 مليار متر مكعب من الغاز الإسرائيلي خلال الربع الأول من العام الجاري (ما يعادل مليار قدم مكعبة يوميًا)، مقارنة بـ2.63 مليار متر مكعب (1.03 مليار قدم مكعبة يوميًا) خلال الفترة نفسها من عام 2024.