
وجهة نظر: الدولار الأميركي والتحديات المتزايدة
يعتبر الدولار الأميركي الركيزة الأساسية للتمويل الدولي، حيث يعتمد في طريقة الدفع الرئيسية للمعاملات العالمية، إضافة إلى أنه ملاذ آمن للمستثمرين في أوقات عدم اليقين. ومع ذلك، تشير التحركات الأخيرة في قيمة الدولار إلى بيئة أكثر تعقيدًا، ومن المحتمل أن تكون متغيرة للعملة الاحتياطية العالمية.
وبعد انخفاض الدولار بأكثر من 8 بالمئة من ذروته أواخر فبراير الماضي، شهد مؤشر الدولار (DXY) - الذي يقيس قيمة الدولار الأميركي مقابل سلة من العملات الرئيسية، بما في ذلك اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني والدولار الكندي والكرونة السويدية والفرنك السويسري - انتعاشًا ملحوظًا، متعافيًا من أدنى مستوياته عند 98.28 إلى أعلى مستوى عند 101.98، ويعزى هذا التعافي جزئيًا إلى انخفاض حالة عدم اليقين المحيطة بمدى التعريفات الجمركية الأميركية.
في ظل التحديات الاقتصادية سابقا كان المستثمرون يلجأون إلى شراء الأصول المقومة بالدولار، مثل سندات الخزانة الأميركية، حتى عندما كانت الولايات المتحدة نفسها في قلب الاضطرابات. ومع ذلك، شهد هذا العام تغييرا جذريا في هذا النمط. يثير الانخفاض السريع في العملة الأميركية، الذي شهد تراجع مؤشر الدولار بنسبة 10.6 بالمئة من يناير - وهو أحد أشد تراجعاته في 3 أشهر - مخاوف كبيرة على جبهتين.
1- السرعة التي يمكن للمستثمرين الخروج من أصول الدولار عندما تكون الثقة بالسياسة الأميركية منخفضة، مما يسلّط هذا الانسحاب السريع لرأس المال الضوء على حساسية متزايدة للقرارات السياسية.
2- لم يكن البيع مدفوعًا برأس المال الخاص فحسب، بل بشكل ملحوظ من قبل الدول الكبرى ومصارفها المركزية. وكما تشير البيانات، فقد أكد البنك المركزي الصيني، إلى جانب العديد من الدول في الأسواق الناشئة، بسياسة استثماراتهم الجديدة أن تكون بعيدة عن أصول الدولار، وهذا يشير إلى إعادة هيكلة الاستثمار بشكل استراتيجي واسع.
وفقًا لبيانات لجنة تداول العقود الآجلة للسلع (CFTC)، كان الدولار يتداول في يناير بما يصل إلى 22 بالمئة فوق متوسطه على مدى 20 عامًا، البالغ 90 على مؤشر الدولار. بينما يحوم حاليًا عند 10 بالمئة فوق متوسطه طويل الأجل.
إن الهواجس المالية طويلة الأجل في الولايات المتحدة تؤثر على معنويات المستثمرين، حيث تشير التوقعات إلى أن التخفيضات الضريبية الشاملة قد تضيف ما يقدّر بنحو 3 تريليون دولار إلى 5 تريليونات إلى الدَّين الوطني البالغ 36 تريليونا على مدى العقد المقبل، مما يثير تساؤلات حول استدامة المالية العامة الأميركية.
وعلى الرغم من عمليات البيع الأجنبية الأخيرة، فإن الارتفاع المستمر في قيمة الأصول الأميركية على مر السنين يعني أن الكيانات العالمية لا تزال تحتفظ بتريليونات الدولارات في الأسهم وسندات الخزانة الأميركية. ومع ذلك، فإن زيادة التحوط من قبل المستثمرين تؤدي إلى طلب مباشر أقل على الدولار، وبالتالي، المزيد من بيعه.
علاوة على ذلك، زادت احتمالية حدوث ركود في الولايات الأميركية منذ الكشف عن تعريفات جمركية جديدة. وقد أدى هذا الهاجس إلى زيادة التوقعات بأن الاحتياطي الفدرالي سيخفّض أسعار الفائدة. عادة تميل أسعار الفائدة المنخفضة في الولايات المتحدة إلى إضعاف الدولار، حيث يبحث المستثمرون عن عوائد أعلى في استثمارات أخرى. وقد أدت هذه الديناميكية بالفعل إلى تدفق رأس المال إلى الأسواق الأوروبية واليابانية، حيث يسعى المستثمرون إلى الحماية من الخسائر المحتملة في الأصول المقومة بالدولار. بالتزامن مع ذلك، ازدادت الهواجس بانسحاب الولايات الأميركية من الدعم العسكري في أوروبا، مما أدى الى تعزيز جاذبية شراء سندات الاتحاد الأوروبي كاستثمار آمن.
في الختام، بينما يحتفظ الدولار الأميركي بأهميته العالمية، تشير تقلباته الأخيرة إلى بيئة أكثر تعقيدا وديناميكية. وتساهم مجموعة من المخاوف المتعلقة بالتقييم، والتحولات في سياسات البنوك المركزية، والمخاوف المالية، والمشهد الجيوسياسي المتطور، في إعادة تقييم الدور التقليدي للدولار، مما يدفع المستثمرين إلى تنويع استثماراتهم والبحث عن ملاذات جديدة لرؤوس أموالهم. والأشهر القادمة ستكون في حالة ترقّب إذا كانت هذه التحولات تمثّل تعديلاً مؤقتًا أو مراحل مبكّرة لإعادة توازن القوة المالية العالمية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرأي
منذ 2 ساعات
- الرأي
الذهب يخطف الصدارة من الدولار... ويصبح الملاذ الأول
- صلاح الجيماز لـ «الراي»: 44.9 في المئة زيادة أسعار الذهب خلال عام من التوترات - مجلس الذهب العالمي: خارطة احتياطات الذهب ارتفعت في كثير من الدول - توقعات بأن يقفز سعر المعدن الأصفر عند ذروة جديدة تصل 3500 دولار تسببت التوترات العالمية وآخرها الحرب الإسرائيلية الإيرانية في تغيير خريطة الملاذات الآمنة للمستثمرين، حيث تصدر الذهب رأس أولويات المستثمرين الفترة الأخيرة، متخطياً الدولار الذي كان متسيداً محافظ المستثمرين التي تبحث عن أعلى درجات الطمأنينة وقت الأزمات، فمال الذي تغير؟ وحسب بيانات مجلس الذهب العالمي للعام الحالي، فإن خارطة احتياطات الذهب قد ارتفعت في كثير من دول العالم ومنها دول مثل بولندا، والهند، الصين، التشيك والعراق، فيما قفز سعر الذهب منذ بداية 2025 نحو 30 في المئة. ويمكن القول إنه تاريخياً أثبتت بعض سُبُل الاستثمار، وفي مقدمتها سندات الخزانة الأميركية والذهب والأسهم الدفاعية والعقار والبتكوين، صمودها خلال فترات الحرب والصراع، لكن في ظل التصعيد العسكري الحالي بين إيران وإسرائيل حظي الذهب بمكانة متقدمة عن الدولار في المحافظ الاستثمارية عاملياً كملاذ آمن. وإضافة إلى المزاياً التي يتمتع بها الذهب، باعتباره يحتفظ بقيمته ويسهل تسييله. وخلال فترة الحرب، ترتفع عادةً أسعاره لزيادة الطلب عليه، لكن من الواضح أن هناك سبباً إضافياً دفعه لتخطيه الدولار أخيراً، والذي يتمثل في التغييرات الكبيرة التي حدثت في السياسة التجارية الأميركية العامين الماضيين ومواقفها العقابية من بعض الدول الكبرى، وفي مقدمتها الصين وروسيا، ومن ضمنها قرارات الرئيس دونالد ترامب الأخيرة، المتعلقة بتحديد الضرائب والعلاقات مع بعض البلدان. وساهمت حالة المزاجية المتقلبة بالسياسة الأميركية في خفض استهلاك مخزون الدولار، مقارنة بالمعدلات الدارجة في الأسواق، لا سيما مع تراجع شهية دول كبرى على الاستثمار في هذا الأصل أو التعامل به، حيث يلحظ أن الصين قلصت انكشافها على سندات الخزانة الأميركية وزادت استثماراتها في الذهب، حيث زادت رصيدها منذ بداية العام الجاري 12.75 طن، لترتفع احتياطاتها من المعدن الأصفر إلى 2.292 ألف طن حسب بيانات مجلس الذهب العالمي، أما روسيا فاضطرت إلى التعامل بعملات أخرى، في ظل العقوبات المطبقة عليها وإخراجها من النظام المالي العالمي «سويفت». وتاريخياً، أثبتت بعض سُبُل الاستثمار صمودها خلال فترات الحرب والصراع، وفي مقدمتها المعادن النفيسة حيث يُعتبر الذهب ملاذاً آمناً، إذ يحتفظ بقيمته ويسهل تسييله. وخلال فترة الحرب، ترتفع أسعاره عادةً بسبب زيادة الطلب، خصوصاً إذا زاد عدم اليقين في شأن مستقبل الأوضاع في العالم والتطورات المتلاحقة، حيث يسعى المستثمرون لدعم أصولهم المالية والاستثمارية، والتحوط باكتناز الذهب وأصول أخرى، ما جعله يتصدر ترتيب طلب الملاذات الأمنة خلال الفترة الأخيرة. وعموماً يرى خبراء أن «التقلبات السريعة في الأخبار والقرارات الاقتصادية تجعل البحث عن الملاذات الآمنة للتحوط الأكثر آماناً بالنسبة لهم»، حيث أكد كبير محللي السوق في منطقة آسيا والمحيط الهادي لدى أواندا كيلفن وونغ، أن المخاطر السياسية المشتركة التي ترتفع بسبب الصراع بين إيران وإسرائيل في هذه المرحلة عززت الطلب على الذهب باعتباره ملاذا آمنا، وأضاف «لدينا الآن قفزة واضحة فوق مستوى 3400 دولار، والاتجاه الصعودي قصير المدى لايزال قائماً، ونشهد مستوى مقاومة عند 3500 دولار، مع إمكانية القفز لذروة جديدة فوق هذا المستوى». ومحلياً، تشهد أسواق الذهب حركة واسعة من الزبائن، لشراء المعدن الأصفر، للتحوط في ظل حالة التوتر في المنطقة. وقال رئيس مجلس إدارة شركة كنز الذهبية صلاح الجيماز، إن الذهب في ظل التوترات القائمة يبقى الأصل في التحوط، مبيناً أن المعدن الأصفر أثبت قوته أمام التقلبات الاقتصادية، وهو سلعة ووسيلة تبادل تجاري وزينة، ويتمتع بصفات لا يملكها أي معدن آخر، حيث نجح خلال عام واحد من التوترات، في تحقيق ارتفاع بسعره بنسبة بلغت 44.9 في المئة. وفيما لفت الجيماز إلى أن هناك مؤثرات عدة تسهم في سعر الذهب، سواء بندرته أو التقلبات المحيطة بالعالم في الأسعار والتضخم، إلا أنه نجح في أن يكون ملاذاً آمناً، وأحد أهم السبل الإدخارية الأسلم للظروف الحالية سواء للدول أو الأفراد، مشيراً إلى أن التطورات الأخيرة دعت الدول والبنوك المركزية لدعم احتياطاتها من الذهب، وأن تدخل في تجميع الذهب، حيث قامت بعضها في فتح المناجم بحثاً عن المعدن الأصفر. ونوه إلى أن الذهب للأفراد يطابق ما تفعله الحكومات، ولكن من خلال شراء كميات منخفضة على مدى زمني متواصل، كاشفاً أن الحديث عن أن انخفاض سعره بعد انتهاء التوترات، يعتبر خسارة، ما هو إلا حديث مضاربي بعيد عن الرؤية الاستثمارية. وتابع الجيماز: «تراجع السعر لا يعني الخسارة، حيث بات المعدن الأصفر يمنح عطاءات رائعة في مدد قصيرة، ما حولّه لسلعة مشوقة للتداول والمضاربة، سواء كذهب فعلي أو كورق في البورصات». ملاذات آمنة خلال الحروب 1 - الذهب 2 - الدولار 3 - الفضة والبلاتين 4 - السندات الحكومية 5 - الأسهم الدفاعية 6 - العقار احتياطات الذهب حسب الرصيد - أميركا 8.13 ألف طن - ألمانيا 3.351 الف طن - الصين 2.292 ألف طن - السعودية 323.07 طن - لبنان 286.83 طن - الجزائر 173.56 طن - ليبيا 146.65 طن - مصر 128.29 طن - قطر 113.62 طن - الكويت 78.97 طن 43 في المئة من البنوك المركزية تعتزم زيادة احتياطاتها من الذهب أظهر مسح أجرته الرابطة العالمية للذهب أن 43 في المئة من البنوك المركزية العالمية تعتزم زيادة احتياطاتها من الذهب خلال الأشهر الـ12 المقبلة، مقارنة بـ29 في المئة فقط العام السابق، ما يمثل أعلى نسبة منذ 8 سنوات، فيما توقع بنك أوف أميركا في مذكرة صدرت الأسبوع الماضي وصول أسعار الذهب إلى 4 آلاف دولار خلال الفترة نفسها. ويعكس هذا التوجه المتصاعد ثقة البنوك في الذهب كأصل آمن، في ظل أدائه القوي خلال الأزمات وقدرته على التحوط من التضخم. كما أسهمت التوترات الجيوسياسية المتزايدة في تسريع وتيرة الشراء، إذ واصلت البنوك المركزية شراء أكثر من 1000 طن من الذهب سنوياً على مدى السنوات الـ3 الماضية. ويستفيد الذهب من تراجع مكانة الدولار كأصل احتياطي عالمي، مدفوعاً بمخاوف من اتساع العجز المالي الأميركي ومخاطر سياسية واقتصادية أخرى. ورغم ذلك، لا يزال الدولار يحتفظ بمكانته المهيمنة، وإن كانت البنوك المركزية تراقب الأسواق الأميركية بحذر متزايد دون التسرع في استبداله بالذهب.


الجريدة
منذ 6 ساعات
- الجريدة
وجهة نظر: الدولار الأميركي والتحديات المتزايدة
يعتبر الدولار الأميركي الركيزة الأساسية للتمويل الدولي، حيث يعتمد في طريقة الدفع الرئيسية للمعاملات العالمية، إضافة إلى أنه ملاذ آمن للمستثمرين في أوقات عدم اليقين. ومع ذلك، تشير التحركات الأخيرة في قيمة الدولار إلى بيئة أكثر تعقيدًا، ومن المحتمل أن تكون متغيرة للعملة الاحتياطية العالمية. وبعد انخفاض الدولار بأكثر من 8 بالمئة من ذروته أواخر فبراير الماضي، شهد مؤشر الدولار (DXY) - الذي يقيس قيمة الدولار الأميركي مقابل سلة من العملات الرئيسية، بما في ذلك اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني والدولار الكندي والكرونة السويدية والفرنك السويسري - انتعاشًا ملحوظًا، متعافيًا من أدنى مستوياته عند 98.28 إلى أعلى مستوى عند 101.98، ويعزى هذا التعافي جزئيًا إلى انخفاض حالة عدم اليقين المحيطة بمدى التعريفات الجمركية الأميركية. في ظل التحديات الاقتصادية سابقا كان المستثمرون يلجأون إلى شراء الأصول المقومة بالدولار، مثل سندات الخزانة الأميركية، حتى عندما كانت الولايات المتحدة نفسها في قلب الاضطرابات. ومع ذلك، شهد هذا العام تغييرا جذريا في هذا النمط. يثير الانخفاض السريع في العملة الأميركية، الذي شهد تراجع مؤشر الدولار بنسبة 10.6 بالمئة من يناير - وهو أحد أشد تراجعاته في 3 أشهر - مخاوف كبيرة على جبهتين. 1- السرعة التي يمكن للمستثمرين الخروج من أصول الدولار عندما تكون الثقة بالسياسة الأميركية منخفضة، مما يسلّط هذا الانسحاب السريع لرأس المال الضوء على حساسية متزايدة للقرارات السياسية. 2- لم يكن البيع مدفوعًا برأس المال الخاص فحسب، بل بشكل ملحوظ من قبل الدول الكبرى ومصارفها المركزية. وكما تشير البيانات، فقد أكد البنك المركزي الصيني، إلى جانب العديد من الدول في الأسواق الناشئة، بسياسة استثماراتهم الجديدة أن تكون بعيدة عن أصول الدولار، وهذا يشير إلى إعادة هيكلة الاستثمار بشكل استراتيجي واسع. وفقًا لبيانات لجنة تداول العقود الآجلة للسلع (CFTC)، كان الدولار يتداول في يناير بما يصل إلى 22 بالمئة فوق متوسطه على مدى 20 عامًا، البالغ 90 على مؤشر الدولار. بينما يحوم حاليًا عند 10 بالمئة فوق متوسطه طويل الأجل. إن الهواجس المالية طويلة الأجل في الولايات المتحدة تؤثر على معنويات المستثمرين، حيث تشير التوقعات إلى أن التخفيضات الضريبية الشاملة قد تضيف ما يقدّر بنحو 3 تريليون دولار إلى 5 تريليونات إلى الدَّين الوطني البالغ 36 تريليونا على مدى العقد المقبل، مما يثير تساؤلات حول استدامة المالية العامة الأميركية. وعلى الرغم من عمليات البيع الأجنبية الأخيرة، فإن الارتفاع المستمر في قيمة الأصول الأميركية على مر السنين يعني أن الكيانات العالمية لا تزال تحتفظ بتريليونات الدولارات في الأسهم وسندات الخزانة الأميركية. ومع ذلك، فإن زيادة التحوط من قبل المستثمرين تؤدي إلى طلب مباشر أقل على الدولار، وبالتالي، المزيد من بيعه. علاوة على ذلك، زادت احتمالية حدوث ركود في الولايات الأميركية منذ الكشف عن تعريفات جمركية جديدة. وقد أدى هذا الهاجس إلى زيادة التوقعات بأن الاحتياطي الفدرالي سيخفّض أسعار الفائدة. عادة تميل أسعار الفائدة المنخفضة في الولايات المتحدة إلى إضعاف الدولار، حيث يبحث المستثمرون عن عوائد أعلى في استثمارات أخرى. وقد أدت هذه الديناميكية بالفعل إلى تدفق رأس المال إلى الأسواق الأوروبية واليابانية، حيث يسعى المستثمرون إلى الحماية من الخسائر المحتملة في الأصول المقومة بالدولار. بالتزامن مع ذلك، ازدادت الهواجس بانسحاب الولايات الأميركية من الدعم العسكري في أوروبا، مما أدى الى تعزيز جاذبية شراء سندات الاتحاد الأوروبي كاستثمار آمن. في الختام، بينما يحتفظ الدولار الأميركي بأهميته العالمية، تشير تقلباته الأخيرة إلى بيئة أكثر تعقيدا وديناميكية. وتساهم مجموعة من المخاوف المتعلقة بالتقييم، والتحولات في سياسات البنوك المركزية، والمخاوف المالية، والمشهد الجيوسياسي المتطور، في إعادة تقييم الدور التقليدي للدولار، مما يدفع المستثمرين إلى تنويع استثماراتهم والبحث عن ملاذات جديدة لرؤوس أموالهم. والأشهر القادمة ستكون في حالة ترقّب إذا كانت هذه التحولات تمثّل تعديلاً مؤقتًا أو مراحل مبكّرة لإعادة توازن القوة المالية العالمية.


الجريدة
منذ 10 ساعات
- الجريدة
وجهة نظر: الدولار الامريكي والتحديات المتزايدة
يعتبر الدولار الأمريكي الركيزة الاساسية للتمويل الدولي، حيث يعتمد في طريقة الدفع الرئيسية للمعاملات العالمية اضافة انه ملاذاً آمناً للمستثمرين في أوقات عدم اليقين. ومع ذلك، تشير التحركات الأخيرة في قيمة الدولار إلى بيئة أكثر تعقيدًا ومن المحتمل أن تكون متغيرة لعملة الاحتياط العالمية. بعد انخفاض الدولار الامريكي بأكثر من 8% من ذروته أواخر فبراير الماضي، شهد مؤشر الدولار الأمريكي (DXY) –(الذي يقيس قيمة الدولار مقابل سلة من العملات الرئيسية بما في ذلك اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني والدولار الكندي والكرونة السويدية والفرنك السويسري)– انتعاشًا ملحوظًا، متعافيًا من أدنى مستوياته عند 98.28 إلى أعلى مستوى عند 101.98. ويعزى هذا التعافي جزئيًا إلى انخفاض حالة عدم اليقين المحيطة بمدى التعريفات الجمركية الأمريكية. في ظل التحديات الاقتصادية سابقا كان يلجأ المستثمرين إلى شراء الأصول المقومة بالدولار مثل سندات الخزانة الأمريكية، حتى عندما كانت الولايات المتحدة نفسها في قلب الاضطرابات. ومع ذلك، شهد هذا العام تغييرا جذريا في هذا النمط. يثير الانخفاض السريع في العملة الأمريكية، الذي شهد تراجع مؤشر الدولار بنسبة 10.6% من يناير – وهو أحد أشد تراجعاته في ثلاثة أشهر – مخاوف كبيرة على جبهتين. 1- السرعة التي يمكن للمستثمرين الخروج من أصول الدولار عندما تكون الثقة في السياسة الأمريكية منخفضة مما يسلط هذا الانسحاب السريع لرأس المال الضوء على حساسية متزايدة للقرارات السياسية. 2- لم يكن البيع مدفوعًا برأس المال الخاص فحسب، بل بشكل ملحوظ من قبل الدول الكبرى ومصارفها المركزية. وكما تشير البيانات، فقد اكد البنك المركزي الصيني، إلى جانب العديد من الدول في الأسواق الناشئة، بسياسة استثماراتهم الجديدة ان تكون بعيدة عن أصول الدولار، وهذا يشير إلى إعادة هيكلة الاستثمار بشكل استراتيجي واسع. وفقًا لبيانات لجنة تداول العقود الآجلة للسلع (CFTC)، كان الدولار يتداول في يناير بما يصل إلى 22% فوق متوسطه على مدى 20 عامًا البالغ 90 على مؤشر الدولار. بينما يحوم حاليًا عند 10% فوق متوسطه طويل الأجل. ان الهواجس المالية طويلة الأجل في الولايات المتحدة تؤثر على معنويات المستثمرين. حيث تشير التوقعات إلى أن التخفيضات الضريبية الشاملة قد تضيف ما يقدر بنحو 3 تريليون دولار إلى 5 تريليون دولار إلى الدين الوطني البالغ 36 تريليون دولار على مدى العقد المقبل، مما يثير تساؤلات حول استدامة المالية العامة الأمريكية. وعلى الرغم من عمليات البيع الأجنبية الأخيرة، فإن الارتفاع المستمر في قيمة الأصول الأمريكية على مر السنين يعني أن الكيانات العالمية لا تزال تحتفظ بتريليونات الدولارات في الأسهم وسندات الخزانة الأمريكية. ومع ذلك، فإن زيادة التحوط من قبل المستثمرين تؤدي إلى طلب مباشر أقل على الدولار، وبالتالي، المزيد من بيع الدولار. علاوة على ذلك، زادت احتمالية حدوث ركود في الولايات الامريكية منذ الكشف عن تعريفات جمركية جديدة. وقد أدى هذا الهاجس إلى زيادة التوقعات بأن الاحتياطي الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة. عادة تميل أسعار الفائدة المنخفضة في الولايات المتحدة إلى إضعاف الدولار حيث يبحث المستثمرون عن عوائد أعلى في استثمارات أخرى. وقد أدت هذه الديناميكية بالفعل إلى تدفق رأس المال إلى الأسواق الأوروبية واليابانية حيث يسعى المستثمرون إلى الحماية من الخسائر المحتملة في الأصول المقومة بالدولار. بالتزامن مع ذلك، ازدادت الهواجس في انسحاب الولايات الامركية من الدعم العسكري في اوروبا، مما ادى الى تعزيز جاذبية شراء سندات الاتحاد الأوروبي كاستثمار آمن. في الختام، بينما يحتفظ الدولار الأمريكي بأهميته العالمية، تشير تقلباته الأخيرة إلى بيئة أكثر تعقيدًا وديناميكية. وتساهم مجموعة من المخاوف المتعلقة بالتقييم، والتحولات في سياسات البنوك المركزية، والمخاوف المالية، والمشهد الجيوسياسي المتطور، في إعادة تقييم الدور التقليدي للدولار، مما يدفع المستثمرين إلى تنويع استثماراتهم والبحث عن ملاذات جديدة لرؤوس أموالهم. والأشهر القادمة ستكون في حالة ترقب إذا كانت هذه التحولات تمثل تعديلاً مؤقتًا أو مراحل مبكرة لإعادة توازن القوة المالية العالمية.