logo
مع تزايد التهديدات العسكرية.. ما استعدادات إيران للرد؟

مع تزايد التهديدات العسكرية.. ما استعدادات إيران للرد؟

الجزيرةمنذ يوم واحد

طهران- في ظل التهديدات الأميركية المتصاعدة بالتحرك عسكريا ضد طهران إذا فشلت المفاوضات النووية المتعثرة بينهما أثار تزايد المؤشرات على استعداد إسرائيل لشن ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية تساؤلات عن مدى جاهزية إيران للتصدي لأي ضربة متوقعة.
ولا يخفى على المتابع للشأن الإيراني بأن المؤسسة العسكرية الإيرانية قد وضعت على أهبة الاستعداد منذ أكثر من عام، حيث خرج الصراع بين تل أبيب وطهران من المنطقة الرمادية إلى المواجهات العسكرية العلنية، وكثفت الأخيرة مناوراتها بالذخيرة الحية وتجاربها العسكرية عقب عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
فبعد إعلانها رسميا عن تجارب ناجحة على منظومات دفاع جوي متطورة ومسيّرات حديثة وتقارير غير رسمية أخرى تتحدث عن استخدامها لأول مرة أسلحة بلازمية (تستعين بمصادر طاقة قوية وموجات كهرومغناطيسية لتحولها إلى قدرات مدمرة)، تتعمد طهران الكشف عن حصولها على "كنز إستراتيجي" من الوثائق والمعلومات السرية المتعلقة بالبرنامج النووي الإسرائيلي وتعلن عن إجراء تجربة ناجحة لصاروخ برأس حربي يزن طنين.
من ناحيته، هدد وزير الدفاع الإيراني العميد عزيز نصير زاده الأربعاء الماضي بأن کافة القواعد الأميركية "تحت مرمانا، وسنستهدف تلك القواعد إذا فرض علينا صراع"، لتعلن واشنطن إثر التهديد الإيراني إجلاء عدد من موظفيها العسكريين والدبلوماسيين من المنطقة، مما يرسم علامة استفهام عما إذا كانت الخطوة الأميركية مؤشرا على اقتراب توقيت المواجهة.
إعلان
خطط المواجهة
وطالما برزت التهديدات الأميركية والإسرائيلية عاملا رئيسيا في تحديد الإستراتيجيات الدفاعية الإيرانية منذ عقود. ويقول الباحث في الشؤون العسكرية والأمنية مهدي بختياري، المعروف بقربه من الحرس الثوري الإيراني ، إن بلاده سبق وخططت لمواجهة أسوأ السيناريوهات العسكرية، وعملت على تعزيزها باستمرار بالتناسب مع تطور التهديدات، وحرصت على محاكاتها من خلال مناوراتها الدورية.
ويوضح بختياري للجزيرة نت أن طهران عملت خلال العقود الماضية على تحديث قدرات مختلف قواتها العسكرية -ولا سيما الجوية والبحرية منها- وفقا لتقديراتها الإستراتيجية عن طبيعة التهديدات وحجمها وخطورتها.
وأضاف أن تجربة تنفيذ بلاده عمليتي الوعد الصادق الأولى والثانية، وكذلك القصف الإسرائيلي ضدها العام الماضي ساهما في تحديث قدراتها ورفع جاهزيتها العسكرية إلى مرحلة متقدمة جدا.
وأضاف أن ذلك تم بناء على مرتكزات قوة طهران من جهة وكشفها الثغرات العسكرية لديها والعدو، موضحا أن المضادات الجوية الإيرانية شهدت تحولا لافتا جدا خلال الأشهر القليلة الماضية.
بنك أهداف
ويشير بختياري إلى أنه من دون أدنى شك لن تكشف الدول المصنعة للأسلحة مثل إيران عن جميع أوراقها وتسليحاتها وتحتفظ بجزء كبير منها، ويرجع سبب تزايد وتيرة كشف إيران عن إنجازاتها العسكرية إلى تصاعد التهديدات العسكرية والأمنية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وبرأي المتحدث نفسه، فإن طهران حدّثت بنك أهدافها في كيان الاحتلال من خلال الوثائق السرية التي كشفت عنها مؤخرا، مضيفا أنه في حال تحركت إسرائيل منفردة ضد إيران دون انخراط الولايات المتحدة الأميركية في المعركة فقد تسنح الفرصة للثأر لجميع ضحايا العدوان الصهيوني الأخير على كل من غزة ولبنان واليمن وسوريا.
أما في حال نجاح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة في استدراج واشنطن -بحسب بختياري- فستكون المعركة سجالا وستتكبد أميركا خسائر فادحة في الشرق الأوسط.
وأضاف أن لدى بلاده خططا محكمة للتعامل مع جميع القواعد الأميركية الثابتة والمتحركة في المنطقة، وأن التعامل مع الكيان الإسرائيلي سيكون بمثابة قاعدة أميركية ثابتة في الشرق الأوسط.
وبرأيه، يسعى نتنياهو جاهدا إلى فتح مواجهة مع إيران لمصادرة أزماته الداخلية من جهة وليضع ترامب أمام الأمر الواقع من جهة أخرى بذريعة تعرّض أمن كيان الاحتلال لخطر وجودي من إيران، مما يلزم البنتاغون بالتحرك لحمايته.
مصادر التهديد
وبينما تراقب "القوات المسلحة الإيرانية التهديدات بأعين مفتوحة وأيديها على الزناد" يقول الخبير العسكري والعقيد المتقاعد في الحرس الثوري محمد رضا محمدي إن بلاده سبق أن أخطرت الدول المضيفة للقواعد الأميركية بأن أي هجوم سيواجه بتدمير "مصدر التهديد بالكامل".
وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف محمدي أن طهران تمتلك بالفعل ترسانة صاروخية "ضخمة" تجعلها في مقدمة الدول الإقليمية في هذا المجال، موضحا أنها طورت صواريخ باليستية مناسبة لمواجهة الهجمات الإسرائيلية والأميركية على حد سواء.
واستدرك أن طهران لم تستخدم بعضا من الصواريخ مثل "خرمشهر-4" رغم الكشف عنه سابقا، إلى جانب تصميمها صواريخ كروز مناسبة لاستهداف السفن وحاملات الطائرات.
وتعوّل إيران على منظومات الدفاع الجوي المحلية -وعلى رأسها "باور-373"- لحماية سمائها، وفق العقيد المتقاعد في الحرس الثوري، فضلا عن امتلاكها مقاتلات متطورة ومنظومات ورادارات حصلت عليها من الدول الحليفة، مؤكدا تركيب طبقات متعددة من المضادات الجوية في أطراف المنشآت الحيوية وعلى قمم الجبال المنتشرة بربوع البلاد.
حلفاء جاهزون
وبرأيه، فإن العامل الجغرافي ومساحة إيران الشاسعة يمكنانها من نشر ترساناتها العسكرية في ربوع البلاد، والتي يستحيل القضاء عليها عبر هجمات عسكرية مهما بلغت شدتها، لأن بعض خطوط الإنتاج مشيدة مئات الأمتار تحت الأرض وسلاسل الجبال، وأن بعضا منها منفصل تماما عن الأجهزة الالكترونية لمنع شلها عبر الهجمات السيبرانية.
ويعتبر محمدي أن عنصر الهجمات الخاطفة لم يعد يجدي نفعا مع إيران التي جربت الحرب مع النظام العراقي السابق على مدى 8 أعوام، موضحا أنه بإمكان "العدو" أن يطلق شرارة الحرب لكنه لن يستطيع إخماد نيرانها.
واستدرك أنه لا يستبعد أن تصير أراضي الولايات المتحدة في مرمى نيران الصواريخ الإيرانية في حال اتخاذ طهران قرارا بتطوير صواريخ عابرة للقارات، وهي مهمة ليست عصيبة على الأطراف التي تمتلك صواريخ حاملة للأقمار الصناعية.
وأشار القيادي السابق في الحرس الثوري إلى أنه ليس في وارد الخوض في قدرات إيران العسكرية التي لم تكشف عنها بعد، لكن قد يتلقي العدو ضربات من المسافة صفر لم تكن في الحسبان، وأن إيران قد أعدت خططا وجهزت فصائل حليفة للقيام بالواجب عندما تستدعي الحاجة، مستدركا أنه مخطئ من يظن أن محور المقاومة قد انتهى، وأن أيادي شبكاته المدربة والمجهزة على الزناد وجاهزة للتفعيل.
وبينما تشير جميع المؤشرات إلى رفع إيران حالة التأهب إلى الحد الأقصى يتساءل مراقبون عما إذا كانت ورقة الضغط العسكري الإيرانية في ردع إسرائيل ستنجح، أم أن المنطقة مقبلة على عاصفة لا تبقي ولا تذر في حال فشل المفاوضات النووية المتعثرة بين طهران وواشنطن بوساطة عُمانية؟

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الدويري: 3 أهداف إيرانية ضربتها إسرائيل بعضها لا يمكن تعويضه
الدويري: 3 أهداف إيرانية ضربتها إسرائيل بعضها لا يمكن تعويضه

الجزيرة

timeمنذ 34 دقائق

  • الجزيرة

الدويري: 3 أهداف إيرانية ضربتها إسرائيل بعضها لا يمكن تعويضه

قال الخبير العسكري اللواء فايز الدويري إن إسرائيل والولايات المتحدة نفذتا "خداعا إستراتيجيا" ضد إيران من حيث التوقيت، معربا عن قناعته بأن الرد الإيراني يجب أن يكون "مركبا، وإلا ستكون نتائجه ضعيفة". وأوضح الدويري -في حديثه للجزيرة- أن المحللين السياسيين أجمعوا أن الضربة الإسرائيلية ستكون بعد جولة المفاوضات المقبلة بين واشنطن وطهران المقررة الأحد المقبل في العاصمة العُمانية مسقط. وعلى صعيد الخسائر الإيرانية، فهناك أهداف "يمكن تعويضها" وأخرى "تحتاج إلى وقت لتقييمها" وأهداف ثالثة "يصعب تعويضها"، وفق الدويري. وأكد الخبير العسكري أن قتل القادة العسكريين البارزين يندرج ضمن الأهداف التي يمكن تعويضها رغم تأثيرهم، إذ يوجد من يحل مكانهم في هذه المناصب العسكرية الرفيعة. وفي هذا الإطار، كشف التلفزيون الإيراني عن تعيين المرشد على خامنئي قائد الجيش عبد الرحيم موسوي رئيسا لهيئة الأركان، واللواء محمد باكبور قائدا عاما للحرس الثوري، واللواء علي شادماني قائدا لمقر خاتم الأنبياء التابع لهيئة الأركان. وجاءت هذه التعيينات بعد اغتيال إسرائيل -فجر اليوم الجمعة- رئيس الأركان الإيراني محمد باقري وقائد الحرس الثوري حسين سلامي وغيرهما. أما الأهداف التي تحتاج إلى تقييم، فهي منظومة القيادة والسيطرة والقواعد الجوية ومنشأة نطنز النووية وأي أهداف عسكرية لمعرفة مدى وحجم الأضرار التي طالتها. وبشأن الأهداف التي يصعب تعويضها، قال الخبير العسكري إن 6 إلى 9 علماء ذرة تم اغتيالهم في الهجوم الإسرائيلي، مشيرا إلى أنهم احتاجوا سنوات طويلة من التأهيل العلمي حتى وصلوا إلى هذا المستوى المتقدم، ليتساءل "كيف تم اصطيادهم بهذه السهولة؟". وفي هذا السياق، نقلت القناة الـ12 الإسرائيلية عن مسؤولين أمنيين قولهم إن "أغلب علماء الذرة الإيرانيين الكبار لم يبقوا على قيد الحياة"، بعد ساعات من إعلان القناة ذاتها اغتيال أكثر من 10 علماء نوويين إيرانيين. الرد الإيراني أما بشأن الرد الذي توعدت به طهران، فإن إرسال 100 طائرة مسيّرة ليس ردا مؤثرا وموازيا للضربة الإسرائيلية -وفق الدويري- لأن هذه الطائرات تحتاج ساعات إلى الوصول، ويمكن التعامل معها بداء من القبة الحديدية وصولا إلى منظومة " السهم آرو-3" والطائرات. وأعرب عن قناعته بأن الرد الإيراني يجب أن يكون مركبا وثلاثي الأبعاد، و"إلا نتائجه ستكون ضعيفة"، ويقصد الدويري هجوما ثلاثيا يمزج بين المسيّرات من أجل الإغراق الجوي، وصواريخ باليستية تقليدية، وصواريخ فرط صوتية، بتوقيتات معينة بحيث يكون وصولها متزامنا. وشنت إسرائيل -فجر اليوم الجمعة- ضربات واسعة النطاق على إيران، وقالت إنها استهدفت منشآت نووية ومصانع صواريخ باليستية ومنظومات الدفاع الإيرانية وقادة عسكريين بارزين، مؤكدة أنها "بداية عملية مطولة لمنع طهران من صنع سلاح نووي". بدوره، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية – الضربة بأنها "لحظة حاسمة في تاريخ إسرائيل"، مؤكدا أن الهدف من هذه العملية غير المسبوقة هو ضرب المنشآت النووية الإيرانية.

إسرائيل ترعى عصابات نهب المساعدات في غزة ولا تأمن شرها
إسرائيل ترعى عصابات نهب المساعدات في غزة ولا تأمن شرها

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

إسرائيل ترعى عصابات نهب المساعدات في غزة ولا تأمن شرها

بعد أشهر عديدة من سياسة الدعم الصامت لعصابات قطاع الطرق التي تنهب المساعدات الإنسانية في قطاع غزة وتستنزف فصائل المقاومة الفلسطينية، اعترف الاحتلال الإسرائيلي أخيرا بتمويل وتسليح هذه العصابات لتنفيذ أجنداته في القطاع. وتكتسي هذه السياسة أهمية خاصة في ظل استهدافها الحالة الفلسطينية الداخلية وسط تعرض غزة للإبادة منذ 20 شهرا، إضافة إلى مزاعم بعلاقات إقليمية ومخابرات السلطة الفلسطينية في هذا الملف، والذي يؤثر على القضية الفلسطينية عموما وعلى الحالة الأمنية في غزة خصوصا. ويأتي الاعتراف الإسرائيلي الصريح بتسليح وتمويل وتوجيه عصابات مسلحة في قطاع غزة متأخرا جدا لانكشاف هذا الدور، لا سيما بعد حديث وزير الجيش السابق، يوآف غالانت ، في مارس/آذار 2024، عن محاولات تجنيد عائلات من شمال قطاع غزة وتسليحها بمسدسات لمواجهة حركة حماس إلا أنها فشلت بعد تعامل المقاومة الصارم مع هذه الظاهرة. تجويع بتوجيه مخابراتي عملت الاستخبارات الإسرائيلية منذ بداية الحرب على تجنيد قطّاع الطرق واللصوص لنقل معلومات لهم إضافة إلى توجيههم لسرقة ونهب وتخريب وحرق المؤسسات العامة من مستشفيات وجامعات، ومدارس، ووزارات، وبيوت للمواطنين، ومرافق اقتصادية عامة وخاصة. وفرض جيش الاحتلال الإسرائيلي حماية أمنية لهذه العصابات، التي تنفذ توجيهات ضباط جهاز الشاباك الإسرائيلي في نهب المساعدات والمواد الغذائية عند دخولها إلى قطاع غزة من معبر كرم أبو سالم الذي يقع في حماية وإدارة الاحتلال، إضافة إلى مدخل كيسوفيم وسط قطاع غزة ومعبر إيرز شمال القطاع. وبحسب ما جاء في تقرير نشرته صحيفة هآرتس في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، "يسمح الجيش الإسرائيلي للعصابات المسلحة بنهب وجمع إتاوات من شاحنات المساعدات التي تدخل قطاع غزة". وتقول مصادر في منظمات الإغاثة الدولية العاملة في غزة، إن المسلحين يصادرون جزءًا كبيرًا من الشاحنات، التي تدخل إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم، بطريقة منظمة وتجاهل متعمد من جانب قوات الجيش الإسرائيلي. كما نقلت صحيفة واشنطن بوست الأميركية عن مذكرة داخلية للأمم المتحدة تأكيدها، أن عصابات سرقة المساعدات في غزة "تستفيد من تساهل، إن لم يكن حماية من الجيش الإسرائيلي"، وأن قائد العصابة ياسر أبو شباب أنشأ ما يشبه قاعدة عسكرية بمنطقة سيطرة للجيش الإسرائيلي شرق رفح. وفي تقرير سابق، تحدثت صحيفة هآرتس عن خطة اليوم التالي التي طرحها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (المطلوب للجنائية الدولية) وحدد فيها مرحلة التجويع الحالية كسياسة، ويعززها قطاع الطرق والعصابات وحالة الفلتان الأمني. وقال نوعا لاندو نائب رئيس تحرير الصحيفة "إن النية الآن لتسليم مفاتيح السيطرة المدنية في غزة إلى مقاولين من القطاع الخاص وخلق عرقنة (نموذج العراق) للقطاع، وهي تتكون حالياً من الاحتلال العسكري والمرتزقة والمستوطنات، وهي وصفة مؤكدة للكارثة القادمة". ترعرعت عصابة ياسر أبو شباب بحماية دبابات الاحتلال شرق رفح وكان لها دور أساسي في تجويع الفلسطينيين، وسرقة المساعدات وقتل عناصر المقاومة، ورجال تأمين المساعدات والمتطوعين من العوائل التي سعت إلى حماية المساعدات من السرقة والنهب، إضافة إلى فرض الإتاوات على مؤسسات دولية وجمعيات إنسانية أجبرها الاحتلال على سلوك مسارات تمر في مناطق سيطرتها. وبحسب المراسل العسكري لصحيفة معاريف، آفي أشكنازي، فإن عصابة أبو شباب تضم عشرات العناصر، وهي مجموعة مكونة من عائلات عشائرية، ومعظم الشخصيات التي جندها جهاز الأمن العام (الشاباك) كعصابة مرتزقة لإسرائيل، هم مجرمون متورطون في جرائم الاتجار بالمخدرات والتهريب والسطو على الممتلكات. وبرزت عصابة أبو شباب العام الماضي عندما نهبت -بحسب يدعوت أحرنوت- شاحنات الأمم المتحدة وأعادت بيع الإمدادات الإنسانية التي كان من المفترض أن تصل إلى سكان غزة. وادعى في مقابلة أنه سرق الإمدادات فقط لإطعام نفسه وأسرته، لكن شهود عيان، منهم سائق شاحنة، قالوا إن رجاله سيطروا على الشاحنات واستولوا على البضائع. وأسس أبو شباب جماعة مسلحة تُسمى "القوات الشعبية"، والتي يقول، إنها تهدف إلى حماية السكان وتوزيع المساعدات الإنسانية، إلا أن تقارير فلسطينية ودولية أشارت إلى أنها مليشيا مسلحة تعمل بالتنسيق مع الاحتلال في المناطق الخاضعة لسيطرتها العسكرية. واستشهد عدد من عناصر المقاومة الفلسطينية بعد استهدافهم بطيران الاحتلال الإسرائيلي خلال اشتباك مع العصابة، صباح الثلاثاء 10 يونيو/حزيران الجاري. وزعمت قناة آي 24 نيوز، أن هذا أول تدخل إسرائيلي لحماية عصابة أبو شباب من عناصر المقاومة، في حين تؤكد مصادر مختلفة وشهود عيان، أن الجيش الإسرائيلي فرض حمايته على عصابات أبو شباب وغيرها من عصابات قطاع الطرق منذ بداية الحرب. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، نجا أبو شباب من محاولة اغتيال في المستشفى الأوروبي بخان يونس جنوب قطاع غزة. وقُتل اثنان من رفاقه -شقيقاه فتحي أبو شباب وماجد أبو دكار- على يد عناصر حماس في كمين محكم، لكنه تمكن من الفرار. مبادرة عملياتية من الشاباك وكان زعيم حزب إسرائيل بيتنا، أفيغدور ليبرمان، أول من علق علنا على الدعم الإسرائيلي الرسمي لعصابة أبو شباب، مما اضطر نتنياهو إلى الرد والاعتراف بالأمر. وقال ليبرمان إن "المليشيات التي يسلحها نتنياهو أطلقت صواريخ على إسرائيل وقاتلت مصر مع تنظيم الدولة ويجب ألا تسلح". وفي معرض رده، اعترف نتنياهو صراحة بأن الخطوة نُفذت بناء على توصية الجهات الأمنية، وأضاف متسائلا "ما السيئ في ذلك؟ هذا أمر جيد، ينقذ أرواح جنود الجيش الإسرائيلي". ونقل المراسل العسكري لصحيفة يديعوت أحرنوت يوآف زيتون عن مسؤولين أمنيين، إن "المبادرة إلى هذه الخطوة جاءت من جهاز الأمن العام (الشاباك)، الذي كان على اتصال وثيق وطويل الأمد مع مليشيات أبو شباب، كما أوصى الجيش الإسرائيلي بالقيام بذلك كجزء من الخطة العامة لمهاجمة حماس من كل اتجاه ممكن". وأشار المراسل العسكري لمعاريف، آفي أشكنازي، إلى أن أساس الفكرة العملياتية لجهاز الشاباك هو استخدام العصابة كقاعدة عمليات، ودراسة إمكانية تشكيل حكومة بديلة من حماس في خلية صغيرة ومحدودة المساحة داخل رفح، ومع ذلك تقول المؤسسة الأمنية إنها "لا تُحيط هذه المجموعة بآمال ضخمة لتكون بديلاً من حماس". وحذر الكاتب والمحلل السياسي، وسام عفيفة، من أن أهداف المخطط تتجاوز المقاومة بعيدا، حيث ترمي إلى ضرب أي إمكانية لتماسك سياسي أو أمني في غزة، وخاصة في مشهد اليوم التالي لأي تهدئة محتملة. هل السلطة الفلسطينية متورطة؟ أعلنت كتائب القسام بتاريخ 31 مايو/أيار الماضي عن استهدافها مجموعة من المستعربين (جنود إسرائيليون يعملون متخفين بلباس مدني ويتحدثون العربية) في كمين شرق رفح مما أدى الى مقتل 4 منهم، وتبين لاحقا أن القتلى هم من أفراد عصابة أبو شباب، ونشرت بعض المنصات نعيا للأربعة بأسمائهم ورتبهم في أجهزة أمن السلطة التابعة لرام الله. ونقلت صحيفة يديعوت أحرنوت عن جهات في السلطة الفلسطينية، أن مليشيا أبو شباب تتلقى رواتب من السلطة، برعاية مباشرة من مسؤول المخابرات الفلسطيني في غزة، بهاء بعلوشة. لكن هذه الجهات أضافت، أن هناك توترًا بين بعلوشة ورئيس المخابرات العامة ماجد فرج في مسألة دعم المليشيا. وبحسب مصدر أمني رفيع المستوى في السلطة الفلسطينية، كما نقلت يديعوت أحرنوت، "عمليًا، هذه قوة مسلحة تحظى بدعم إسرائيل والسلطة الفلسطينية والقيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان في الوقت نفسه، في حين تعمل علنا ​​ضد حماس". إلا أن الناطق باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية العقيد، أنور رجب، قال في مقابلة، إنه لا وجود لأي علاقة بالأجهزة الأمنية الفلسطينية بظاهرة المدعو ياسر أبو شباب الذي زعم بأنه يعمل بالتنسيق مع أجهزة مخابرات السلطة. كارثة سياسية وأمنية توازيا مع الفوضى الأمنية التي حرص على تعزيزها في قطاع غزة منذ بداية الحرب، عمل الاحتلال الإسرائيلي على إنشاء كانتونات منفصلة تديرها عصابات محلية في القطاع في إطار ما أطلق عليه وزير الدفاع السابق يوآف غالانت "فقاعات إنسانية". وتقضي خطة عربات جدعون ، وهي العملية الإسرئيلية التي تشنها قوات الجيش الإسرائيلي في غزة من مارس/آذار الماضي "بتقسيم القطاع إلى عدة غيتوهات يتم حشر الفلسطينيين فيها مع تدمير كامل لكل مقدرات الحياة وصولًا إلى حشرهم في جنوب قطاع غزة تمهيدا لتهجيرهم إلى بلد ثالث"، وفقا لتصريح وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش. وأشار الكاتب والمحلل ياسر عفيفة إلى أن الخطورة الإستراتيجية لهذه العصابات تكمن في شقين، الأول أمني، حيث تمثل خرقًا لمنظومة المقاومة، وتشكل خاصرة رخوة، بينما تكمن الخطورة من الناحية السياسية في مسعى الاحتلال إلى خلق "حالة فلسطينية بديلة"، تُستخدم في مشهد اليوم التالي كذريعة لرفض أي صيغة لحكم وطني موحد في غزة، وتكريس الانقسام، وإضعاف أي مسعى لإعادة بناء الاستقرار في غزة. في المقابل، يرى المختص في الشأن الإسرائيلي، عصمت منصور، أن عصابة أبو شباب مختلفة بعض الشيء عن ظواهر ارتبطت بالاحتلال كجيش لحد في جنوب لبنان، أو روابط القرى في الضفة الغربية، حيث إن دعم الاحتلال عصابة أبو شباب يأتي في ظل دمار غير مسبوق في قطاع غزة ومجاعة ضربت أطنابها في كل مكان في القطاع، إضافة إلى سيطرة الاحتلال الفعلية على مساحات كبيرة بعد تدمير المنازل وتهجير سكانها منها. واعتبر أن ما سبق هي عوامل مساعدة على زيادة رقعة الفوضى الأمنية، وتبعاتها من ضغوطات داخلية على الحالة الفلسطينية مع ما تتعرض له من إبادة ومجازر على مدار الساعة. وأضاف أن الاحتلال، في جهوده لإقامة أجسام بديلة وموازية لمواجهة حماس، يسعى ضمن أهداف أخرى لتقزيم الحالة الفلسطينية بالفوضى والصراعات المسلحة، مما يفقد القضية طابعها السياسي والوطني. ويسعى نتنياهو إلى تكريس الانقسام الذي دعمه في السابق لتفتيت الكينونة الفلسطينية الواحدة، وإضعاف السلطة ومطلب الدولة، مما يجبر الفلسطيني على التخلي عن مطالبه بعودة اللاجئين والدولة المستقلة، لتتحول إلى مطالب ولاءات عشائرية ومناطقية. الأمن القومي المصري في دائرة الخطر ولا يشكل الاحتلال ومخططاته من إقامة عصابات مسلحة تأتمر بأوامر أجهزة مخابراته خطرًا على الحالة الفلسطينية فقط، بل تشكل مخاطر جسيمة على الأمن القومي المصري أيضا، خصوصا في ظل توتر العلاقة بين الدولة المصرية، وحكومة اليمين المتطرف في إسرائيل على خلفية حرب الإبادة على غزة. وترفض مصر -بحسب معاريف- استقبال السفير الإسرائيلي الجديد، إضافة إلى رفضها إرسال سفيرها إلى تل أبيب، ورفض تصريحات قادة الاحتلال ضد مصر، خصوصا المبادرة المصرية لإعادة إعمار غزة ووقف الحرب، وتحذير وزير الدفاع الحالي يسرائيل كاتس في مارس/آذار بأنه لن يسمح لمصر بانتهاك اتفاقية كامب ديفيد، والذي يأتي في ضوء التقارير عن زيادة القوات المصرية في سيناء. وحذر الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة من أن هندسة الفوضى من الاحتلال يمكن أن تخرج على السيطرة في حال اتساعها خصوصا جنوب القطاع على حدود غزة الجنوبية ما يُثير قلقًا مباشرًا لدى مصر، التي تربطها حدود طويلة ومتشعبة بالقطاع. وأضاف أن "العصابات المسلحة المدعومة من الاحتلال أو من أطراف إقليمية، تشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري، خاصة إذا اندفعت هذه المجموعات إلى تهريب السلاح أو البشر أو إشعال مناطق الحدود كوسيلة ضغط سياسي. كما أن استمرار الفوضى قد يدفع الاحتلال إلى تحميل مصر المسؤولية، أو استغلال الموقف لتحسين شروطه في أي مفاوضات، ومحاولة إضعاف الدور المصري وابتزازه بخلق أزمات في منطقة سيناء. انقلاب السحر على الساحر وحذر المحلل بصحيفة "هآرتس" العبرية، تسفي برئيل، من انقلاب السحر على الساحر بشأن دعم إسرائيل عصابة أبو شباب. وقال إن دعم مجموعة أبو شباب التي ينظر إليها بمثابة قوة دعم، قد "يُمهّد الطريق لتطور خطِر يُشبه ما حدث في العراق وسوريا ولبنان ودول أخرى، بافتراض أن المليشيا ستبقى دائمًا تحت سيطرة إسرائيل، وتبعية تضمن طاعتها غير المشروطة". واعتبر أن "التجربة المريرة في غزة تُعلمنا أن هذه المجموعات المسلحة لها ديناميكية خاصة، والطاعة ليست جزءا منها"، مضيفا أنه لا يُعرف عدد الأشخاص الذين نجح أبو شباب في تجنيدهم؛ وتتراوح التقديرات بين 100 و300 شخص، وهي قوة أصغر بكثير من قوات حماس والجهاد الإسلامي ومنظمات أخرى. وهناك اختلافات في الآراء داخل المؤسسة الأمنية بشأن هذه الخطوة. فبينما بادر جهاز الأمن العام (الشاباك) بهذه الخطوة وقادها، هناك في الجيش الإسرائيلي من لا يرحبون بفكرة تجنيد عصابة إجرامية كحل طويل الأمد وخطوة إستراتيجية. وصرح مصدر عسكري ليديعوت أحرنوت "ما دامت هذه خطوة تكتيكية محلية تُفيدنا في أمور إيجابية، فلا مشكلة لدينا، لكن هذه العصابات لا يمكن أن تكون بديلاً من خطة إستراتيجية طويلة الأمد، وبديلا من حماس، يجب بناء خطوة مع دول المنطقة تُنشئ هيكلاً حاكماً يحل محل الحركة". وبحسب المحلل عفيفة، قد يبدو للوهلة الأولى أن الاحتلال يربح من توظيف هذه العصابات، لكن الفوضى لا يمكن التحكم بها طويلًا. فكما سقط جيش لحد في لحظة الحقيقة، فإن الاعتماد على مجموعات إجرامية مسلحة لضبط قطاع بأكمله سيخلق حالة ارتدادية خطِرة على المخطط الإسرائيلي نفسه، سواء بالفشل ميدانيًا أو بانعكاسها على صورة الاحتلال عالميًا. والأهم أن حالة التمرد المنفلتة هذه قد تصبح، كما يقول عفيفة، سيفًا ذا حدين في وجه الاحتلال، خاصة إذا انقلبت عليه داخل خطوط التماس، أو تعرضت العصابات نفسها لاختراقات أمنية من المقاومة أو جهات إقليمية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store