
توتر لبناني إيراني.. سلاح حزب الله بين سيادة الدولة ودعم طهران
وتعكس التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ، التي اعتبرتها الحكومة اللبنانية تدخلا غير مقبول في شؤونها الداخلية، عمق الانقسامات السياسية والأمنية التي تعصف بالبلاد.
وتعليقا على تصريحات عراقجي، أعلنت وزارة الخارجية اللبنانية، أمس الخميس، رفضها لتصريحات وزير الخارجية الإيراني، معتبرة أن دعم طهران لحزب الله وتناول ملف سلاحه "تدخلا غير مقبول في الشؤون الداخلية اللبنانية ويمس السيادة الوطنية اللبنانية".
جاء ذلك بعد أن أكد عراقجي أن إيران تدعم حزب الله في قراراته، وأن أي قرار بشأن السلاح يعود في النهاية إلى الحزب نفسه، مشيرا إلى أن الدعم الإيراني يتم "عن بُعد" من دون تدخل مباشر.
ووصف عراقجي موقف الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم بـ"الحازم"، وأشار إلى دعم حركة أمل ونبيه بري لموقف الحزب.
وتأتي هذه التصريحات بعد تأكيد رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام تكليف الجيش بإعداد خطة تنفيذية لحصر السلاح بيد الدولة قبل نهاية العام، في خطوة يراها كثيرون استهدافا مباشرا لسلاح حزب الله.
تحول الخطاب الرسمي
وألقى الرئيس اللبناني جوزيف عون الأسبوع الماضي خطابا وُصف بـ"غير المسبوق" دعا فيه إلى سحب سلاح جميع القوى المسلحة وتسليمه إلى الجيش، وهذا يعكس تحولا في الخطاب الرسمي تجاه هذا الملف.
وجاءت هذه المواقف في ظل واقع إقليمي مضطرب، إذ يتمسك حزب الله بسلاحه كجزء من "معادلة الردع" بدعم واضح من طهران التي تعتبر الحزب امتدادا لمحور المقاومة في المنطقة. بالمقابل، يرى لبنان في هذا الدعم تدخلا غير مقبول.
في حين يشهد النفوذ الإيراني تراجعا نسبيا عقب هجمات إسرائيلية استهدفت مواقع داخل إيران، وأسفرت عن اغتيال قيادات بارزة، إلى جانب تراجع دور حزب الله إثر المواجهات الأخيرة مع إسرائيل، وتقلص النفوذ الإيراني في سوريا بعد سقوط النظام السابق.
هذه التطورات أدت إلى فقدان طهران جزءا من أدوات الضغط التي كانت تشكل "محور المقاومة" أو "دوائر النار" حول إسرائيل.
وفي لبنان ، تتزايد الضغوط على الحكومة الجديدة لتنفيذ قرار حصر السلاح بيد الدولة، وسط تحذيرات من احتمال فراغ أمني في مناطق الجنوب والبقاع بسبب محدودية قدرات الجيش اللبناني في ضبط الحدود، واحتمال تصاعد نشاط الجماعات المتطرفة أو توسع العمليات الإسرائيلية.
ويثير هذا الواقع تساؤلات حول قدرة طهران على ملء الفراغ، واحتمال استغلال إسرائيل لأي ضعف ميداني لبسط نفوذ أوسع أو تنفيذ عمليات في العمق اللبناني، خصوصا في حال غياب "الردع التقليدي" الذي مثله حزب الله لعقود.
مصدر قلق
في هذا السياق، يرى الباحث السياسي الإيراني محمد خواجوئي أن قرار حكومة نواف سلام اللبنانية بنزع سلاح حزب الله، الذي جاء تحت ضغوط أميركية وإسرائيلية، يمثل مصدر قلق كبير لإيران، إذ إن الحزب هو أقرب الحلفاء وأكثرهم تأثيرا في المنطقة، وأن إضعافه سيؤثر بشكل مباشر على الوضع الأمني والدور الإقليمي لإيران.
وأضاف في حديث للجزيرة نت أن فيلق القدس لا يزال الموجِّه الرئيسي للسياسات الإيرانية في المنطقة، مشيرا إلى تصريح مساعد قائد الفيلق إيرج مسجدي، الذي أكد جاهزية إيران وحلفائها لأي سيناريو محتمل، معتبرا أن أي تساهل في هذا الوقت يشكل تهديدا وجوديا.
ويؤكد خواجوئي أن إيران تدرك أن نزع سلاح فصائل المقاومة سيزيد من هشاشتها ويفتح الباب لهجوم إسرائيلي أوسع، لكنه يشير إلى أن الدعم الإيراني لحزب الله تراجع عمليا بعد سقوط النظام السوري، الذي كان يشكل العمود الفقري لمحور المقاومة، موضحا أن الإستراتيجية الإيرانية الحالية تركز على كسب الوقت والبقاء بأدنى الإمكانيات.
ويرى الباحث أن حزب الله لن يستسلم لقرار نزع السلاح، ما يجعل مهمة الجيش اللبناني لتنفيذه صعبة وقد تقود إلى تصعيد أمني قد يتحول إلى حرب أهلية، وهو ما يعتبره الحزب أقل خطرا مقارنة بفقدان سلاحه، إذ نشأ في أجواء الصراع وتعززت قوته في أتون الحروب.
نقاش غير متوازن
ويختتم خواجوئي بالتأكيد على أن الحديث عن نزع سلاح حزب الله من دون الإشارة إلى الاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية، يعد نقاشا غير متوازن، فالسلاح نشأ كرد فعل على الاحتلال، وما دامت الاعتداءات مستمرة، ستبقى ردود الفعل قائمة، مع استغلال إيران لهذه التوترات لتعزيز أجندتها الإقليمية.
من جانبها، تؤكد المحللة السياسية عفيفة عابدي أن إيران ترى أن ضعف الدولة اللبنانية وسيادتها يعود إلى التدخل الأميركي المباشر في شؤونها الداخلية، معتبرة أن دعم حزب الله رد طبيعي على هذا التدخل.
وتابعت في حديث للجزيرة نت أن إيران ترى أنه حتى لو وافق حزب الله على مشروع نزع السلاح، فإن إسرائيل لا تمتلك أي نية للانسحاب من الأراضي اللبنانية أو لوقف اعتداءاتها.
وتشير عابدي إلى أن نزع السلاح في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانقسام السياسي، ويمهد لتدخل عسكري إسرائيلي جديد في لبنان.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ دقيقة واحدة
- الجزيرة
حزب الله والانقلاب الإستراتيجي الهادئ
في لحظة سياسية دقيقة من تاريخ لبنان الحديث، أقدمت الحكومة اللبنانية على خطوة غير مسبوقة منذ اتفاق الطائف، حين كلفت الجيش اللبناني بإعداد خطة تنفيذية لحصر السلاح بيد الدولة، ضمن مهلة زمنية تنتهي مع نهاية العام الجاري. القرار الذي تم تداوله خلال جلسة مجلس الوزراء الأخيرة لم يكن إجراء عاديا أو بيانا رمزيا، بل عبر عن تحول فعلي في المقاربة الرسمية تجاه قضية السلاح، وخصوصا في ظل ما تشهده المنطقة من تغييرات إستراتيجية وتبدلات في موازين القوى الإقليمية والدولية، والأهم أن القرار يترجم بالشكل والمضمون المهمة التي أتت من أجلها الحكومة الحالية. الخطوة الحكومية جاءت نتيجة تراكم ضغوط دولية وعربية، كانت في مقدمتها المساعي الأميركية التي تقودها واشنطن عبر مبعوثها توم باراك، مترافقة مع عرض متكامل يتضمن خارطة طريق على مراحل تمتد 120 يوما، تبدأ من شمال الليطاني ولا تنتهي إلا بسحب السلاح من البقاع وبيروت، مقابل انسحاب إسرائيلي من المناطق الحدودية المحتلة، وإطلاق مسار تفاوضي لترسيم الحدود مع كل من إسرائيل وسوريا. اللافت أن هذا المسار، الذي بُني على قاعدة الجمع بين الضغوط والضمانات، وجد هذه المرة تجاوبا سياسيا داخليا، حتى من أطراف محسوبة تاريخيا على ما يُعرف بـ"محور المقاومة". ما ساهم في ترسيخ هذا التوجه هو الدور المتقدم والفاعل الذي لعبته المملكة العربية السعودية، من خلال المبعوث الخاص الأمير يزيد بن فرحان، الذي أجرى اتصالات مباشرة مع حلفاء حزب الله، وفي مقدمتهم جبران باسيل وسليمان فرنجية وطلال أرسلان، وحزب الطاشناق. لم تكن الاتصالات تقليدية أو بروتوكولية، بل حملت رسالة واضحة تدعو إلى إصدار مواقف سياسية تطالب بحصر السلاح بيد الدولة، والمساهمة في حماية القرار الحكومي بهذا الشأن، وهو ما بدأت بوادره بالظهور فعلا من خلال تصريحات بعض هؤلاء القادة والنواب. في موازاة هذا التحرك، كان حزب الله يدرك أن مقاربة الدولة لمسألة السلاح قد دخلت مرحلة جديدة. بيد أن رد الفعل لم يأتِ على هيئة مواجهة مباشرة أو رفض صريح، بل عبر عنه نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم بخطاب حاول فيه تأطير موقع المقاومة داخل الدولة، مشددا على أن السلاح ليس منفصلا عن مؤسسات الشرعية، وأن اتفاق الطائف والدستور اللبناني يعترفان بدور المقاومة. وهنا تحديدا، لا بد من التوقف عند طبيعة الخطاب الذي لم ينزلق إلى التصعيد، بل ترك الباب مفتوحا أمام الحوار، مشيرا إلى إمكانية التفاهم على إستراتيجية دفاعية وطنية تشمل الجميع، برعاية الرئاسة ووفق رزنامة زمنية داخلية، وليست خارجية. في العمق، لا يمكن فصل هذا التطور اللبناني الداخلي عن التحولات التي يشهدها الإقليم، والتي طالت أولا بنية المحور الذي ارتكز عليه حزب الله لعقود. فإيران اليوم منشغلة في الداخل، تعيد ترتيب أولوياتها بعد حرب استنزفت قدراتها الاقتصادية والعسكرية. أما سوريا، التي شكلت عمقا إستراتيجيا للحزب، فقد دخلت بدورها مرحلة انتقالية تُعيد فيها بناء علاقتها بجوارها العربي والدولي، في ظل واقع جديد لا يمنح الأولوية لملف دعم الفصائل المسلحة بقدر ما يركز على تثبيت الدولة المركزية وإعادة الإعمار. بهذا المعنى، فإن البيئة التي كان الحزب يتحرك ضمنها، ويستند إليها، لم تعد كما كانت. بل إن لبنان نفسه لم يعد كما كان. وفي موازاة الجدل الدائر في الداخل، برز تموضع جديد لحزب الله يستند إلى التحولات الجارية في سوريا، حيث يُعبر الحزب في مجالسه ومواقفه عن قلق متزايد من النظام السوري الجديد، وما قد يحمله من تهديدات إستراتيجية. ويعتبر الحزب أن انهيار التوازنات السابقة في سوريا، لا سيما في مناطق الساحل والسويداء، وتقدم قوى مخاصمة تاريخيا "لمحور المقاومة"، يُعيد طرح أسئلة كبرى عن أمن المكونات الطائفية في المشرق. ومن هذا المنطلق، يقدم الحزب سلاحه بوصفه أداة حماية للأقليات من مشاريع الإقصاء أو الهيمنة كما يعتبر الحزب، ويرى أن أي نقاش داخلي في لبنان حول تسوية أمنية أو دفاعية لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي، وعن الضمانات المفترضة لهذه المكونات ضمن معادلات الحكم والنظام في كل من لبنان وسوريا. بهذا المعنى، يُوظف الحزب ما يجري في سوريا كجزء من دفاعه الإستراتيجي عن سلاحه، ليس فقط من باب المقاومة، بل أيضا من باب حماية الوجود والدور والهوية. والسؤال الذي يُطرح بهدوء في بعض الأوساط السياسية، ومن دون صخب أو اتهام، هو التالي: هل يفكر حزب الله فعلا بإعادة تعريف موقعه داخل الدولة اللبنانية؟ هل يُمكن أن يُقدم على ما يشبه الانقلاب الإستراتيجي الهادئ، فيتحول إلى قوة سياسية لبنانية خالصة، تستمد قوتها من شعبيتها وتاريخها، لا من سلاحها؟ هذا التحول، إن حصل، لن يكون بمثابة انكفاء أو استسلام، بل قد يُمثل خيارا واقعيا لحماية بنية الحزب وضمان استمراره كلاعب سياسي أساسي في المشهد اللبناني. التحول من حركة مقاومة مسلحة إلى شريك سياسي ضمن المؤسسات ليس مسارا بسيطا، خصوصا مع وجود تاريخ طويل من التضحيات والتشابك الإقليمي. لكن التحولات الجارية، والضغوط المتزايدة، قد تجعل من "العودة للبنان" ضرورة وجودية للحزب، لا مجرد خيار سياسي. والأهم، أن مثل هذا التحول لا يُقصي الحزب عن دوره، بل قد يمنحه موقعا جديدا أكثر رسوخا داخل المنظومة السياسية اللبنانية، عبر شراكة وطنية قائمة على التفاهمات لا على التوازنات القسرية. الحزب يدرك أن المناخ الدولي يسير في اتجاه إقفال ملفات النزاع المفتوح، وأن المنطقة كلها تخضع لإعادة ترتيب أدوار ومواقع القوى غير الرسمية. لذلك، فإن دعوته إلى الحوار حول الإستراتيجية الدفاعية، وتأكيده على ضرورة التوافق، قد يُشكلان مدخلا إلى تسوية واسعة، تتيح إعادة دمج سلاح الحزب تدريجيا ضمن المؤسسات الشرعية، مقابل ضمانات أمنية وسياسية داخلية، وربما حتى نقاشات دستورية تحفظ توازنات ما بعد الطائف. لكن في المقابل، ثمة تحديات حقيقية على هذا المسار. فالجيش اللبناني، الذي كُلف إعداد خطة لنزع السلاح، يواجه نقصا في الموارد والتجهيزات، ويحتاج إلى دعم دولي كبير ليتمكن من تنفيذ المهمة. كذلك، فإن غياب التوافق الوطني الشامل قد يُضعف فاعلية الخطة، خصوصا إذا شعر الحزب بأن المسار يُدار من طرف واحد، أو أنه يستهدفه حصريا. ولذلك، فإن أي مقاربة ناجحة يجب أن تأخذ بالاعتبار هواجس حزب الله، وتفتح الباب أمام تسوية تحفظ موقعه ضمن الدولة لا خارجها. وفي هذا الإطار، يبرز مجددا الدور العربي كعنصر ضامن للاستقرار. فالموقف السعودي والخليجي في هذه المرحلة لا يهدف إلى التصعيد أو المواجهة، بل إلى الدفع باتجاه حل وطني جامع، يضمن سيادة الدولة من جهة، ويحفظ التوازنات الداخلية من جهة أخرى. وقد أثبتت التحركات السعودية الأخيرة أن المملكة لا تزال قادرة على لعب دور جامع، يقرب المسافات بين القوى اللبنانية، ويعزز الإجماع الداخلي على الأولويات السيادية. لبنان أمام فرصة تاريخية لإعادة إنتاج العلاقة بين الدولة والمقاومة، ضمن صيغة وطنية تحمي المؤسسات وتستوعب المتغيرات. قد لا تكون الطريق سهلة، وقد تتخللها مراحل تفاوض معقدة، ومساومات داخلية وخارجية، لكنها للمرة الأولى تبدو ممكنة. ليس المطلوب انتزاع سلاح أو فرض معادلات قسرية، بل بناء مسار تدريجي للتكامل بين مكونات الدولة، بما في ذلك التي تحمل سلاحا، على قاعدة الشراكة والحوار والمسؤولية المشتركة. في النهاية، لا أحد ينتصر في لبنان بالضربة القاضية. والانتصارات الحقيقية تُبنى بالتفاهم، لا بالتحدي. وقد تكون هذه اللحظة، رغم حساسيتها، فرصة ثمينة لتثبيت منطق الدولة، من دون إقصاء أو استبعاد، بل بفتح أبواب جديدة لإعادة التلاقي على مشروع وطني جامع، طال انتظاره.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
الحكومة العراقية تحيل 4 وزراء للقضاء بسبب "شبهات"
أعلن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني إحالة 4 وزراء إلى القضاء بسبب "شبهات رافقت أداءهم"، كما أشار إلى أن التعديل الوزاري الذي كان قد وعد به واجه عرقلة سياسية في بعض الأحيان، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء العراقية. وقال السوداني في مؤتمر تقييم الأداء الحكومي في بغداد ، اليوم السبت إنه "تم إنجاز 1135 عملية تقييم نصف سنوية أسفرت عن إعفاء 41 مديرا عاما بالأصالة وإنهاء تكليف 89 كانوا يعملون بالوكالة". وأضاف أنه "تمت إحالة 4 وزراء للقضاء بسبب مؤشرات وشبهات رافقت أداءهم"، من دون تفاصيل عن هذه الشبهات. وفي المجمل، أوضح السوداني أن عملية تقييم الأداء الحكومي أفضت إلى تغييرات بنسبة 21% في المناصب التي شملتها. وذكر رئيس الوزراء أن "الحكومة لم تتلكأ بتنفيذ التعديل الوزاري الموجود في البرنامج الحكومي"، وأن لجنة التقييم أوصت بتغيير 6 وزراء. وأضاف أن "مؤشرات الفساد كانت تعامل بإجراءات فورية، وهي خارج التقييم الذي واجه عرقلة سياسية في بعض الأحيان". وحقق العراق تقدما نسبيا في مكافحة الفساد العام الماضي حيث انتقل من المرتبة 154 إلى المرتبة 140 في مؤشر مدركات الفساد ل منظمة الشفافية الدولية من بين 180 دولة.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
حزب الله والسلاح.. هل ينجو من ضغوط الخارج والداخل؟
لا صوت يعلو حاليا في لبنان فوق صوت " نزع سلاح حزب الله"، وهي مسألة -وإن جاءت بضغوط أميركية إسرائيلية إقليمية- فإنها تلقى قبولا لدى أطراف داخلية، بينما يرفض الحزب التسليم بها. في الخامس من أغسطس/آب 2025، عقد مجلس الوزراء اللبناني جلسة برئاسة الرئيس جوزيف عون ، كان أبرز بنود جدول أعمالها ملف "حصر السلاح"، في إشارة مباشرة إلى سلاح حزب الله. وقد امتدت الجلسة على مدى 5 ساعات، انسحب خلالها وزيرا "الثنائي الشيعي" (حزب الله و حركة أمل)، إلا أن ذلك لم يحل دون صدور قرار رسمي يقضي بـ"حصر السلاح" بيد الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية، مع تحديد جدول زمني واضح لتنفيذه. بعد يومين، في السابع من أغسطس/آب، عقدت الحكومة جلسة ثانية أقرّت فيها أهداف "الورقة الأميركية" لضمان ديمومة وقف الأعمال العدائية مع إسرائيل ، دون الخوض في تفاصيل وآليات التنفيذ، بانتظار تقرير الجيش حول الخطة التنفيذية. مرة أخرى انسحب الوزراء الشيعة، واعتبر الثنائي الشيعي القرار "غير ميثاقي". ونشر مركز الجزيرة للدراسات تحليلا بعنوان " حزب الله والسلاح: انحناء للعاصفة وترميم لمعادلات القوة" للباحث شفيق شقير، تناولت توصيف وظيفة سلاح حزب الله ومآله بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، وذلك من خلال الإجابة عن 4 أسئلة أساسية: ماذا يعني القرار الحكومي اللبناني الأخير بخصوصه؟ ما هو سياقه؟ وماذا يريد حزب الله من معادلة السلاح؟ وكيف يسعى للحفاظ عليها؟ إضافة إلى تداعيات هذه المسألة على المستقبل اللبناني. الورقة الأميركية وسياق القرار الورقة التي قدمها المبعوث الأميركي توم براك تهدف إلى ترسيخ اتفاق وقف الأعمال العدائية المبرم في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، مستندة إلى اتفاق الطائف وقرار مجلس الأمن 1701 لعام 2006. وتتضمن التزامات لبنانية بنزع سلاح حزب الله، مقابل خطوات إسرائيلية تشمل الانسحاب من 5 نقاط حدودية، ووقف الانتهاكات البرية والجوية، وترسيم الحدود، ودعم قدرات الجيش اللبناني. ومع الضغط الأميركي، واشتراط واشنطن صدور قرار رسمي لبناني يتعهد بنزع سلاح حزب الله لاستئناف وساطتها بين بيروت وتل أبيب، أسرعت الحكومة اللبنانية في اتخاذ القرار لتفادي عزلة سياسية ودبلوماسية، مع محاولة الإبقاء على مسار المطالبة بالالتزامات الإسرائيلية عبر القنوات الدبلوماسية. ويعكس القرار اختيار الدولة اللبنانية التوجه نحو "حصر السلاح" لديها، لكن مع إدراك أن التنفيذ يتطلب الحد الأدنى من التنسيق مع حزب الله، الذي لا يزال الفاعل العسكري الأقوى في البلاد. وقد يفتح فرض القرار بالقوة الباب أمام فوضى أمنية، لذلك جاء الجدول الزمني الممتد حتى نهاية 2025 ليمنح وقتا للتفاهم أو لتأثر المسار بالتطورات الإقليمية. البعد الإقليمي إيران، الداعم الرئيسي لحزب الله، ما زالت تحتفظ بقدرة على التأثير رغم الخسائر التي لحقت بها في حرب 12 يوما الأخيرة. وتسعى طهران إلى ترميم نفوذها الإقليمي بالتوازي مع التفاوض مع واشنطن حول ملفها النووي، وإذا ما أفضت تلك المفاوضات إلى نتائج إيجابية، فقد ينعكس ذلك على موقع حزب الله ودوره في لبنان. كما تتيح هذه المهلة فرصة إضافية للقوى الإقليمية للتأثير في المشهد السياسي اللبناني، ولا سيما أن بعض الأطراف تتوقع أن تشكل الانتخابات النيابية المقبلة، المقررة في مايو/أيار 2026، محطة مفصلية لإحداث تغيير في توازنات القوى السياسية اللبنانية، وإضعاف نفوذ حزب الله داخل مؤسسات الدولة. وإذا ما تعزز هذا الاحتمال، فإنه من المرجح أن يتزايد التدخل الخارجي عقب هذا القرار الحكومي، سعيا للتأثير في مسار الانتخابات وفي موقع القوى السياسية ضمن النظام اللبناني. ولا يُستبعد في هذا السياق أن تقدم إسرائيل على استهداف "بيئة" حزب الله في الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع. ماذا يريد حزب الله؟ من جهته، رفض حزب الله القرار الحكومي بشكل قاطع، وعبّر عن ذلك بتصعيد سياسي وشعبي محسوب. وأكد الأمين العام للحزب نعيم قاسم أن "المقاومة جزء من دستور الطائف"، وأن السلاح لا يناقش بالتصويت. كما أصدر الحزب بيانا وصف فيه القرار وكأنه "غير موجود"، لكنه في الوقت نفسه أبدى انفتاحا على الحوار، في إشارة لرغبته بتجنب مواجهة مباشرة مع الدولة. كما يرفض الحزب مناقشة الورقة الأميركية، ويرى أنها تتجاوز اتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701 ، الذي -وفق تفسيره- يطال فقط سلاحه جنوب الليطاني، بينما الشمال شأن داخلي. ويؤكد أنه التزم بما طُلب منه في الاتفاق، بينما إسرائيل لم تنسحب من النقاط الخمس، وتواصل الانتهاكات والاغتيالات بالطائرات المسيّرة. وتقوم إستراتيجية الحزب على كسب الوقت وتأجيل أي استحقاق حاسم، مستفيدا من الهشاشة الإقليمية. فالحرب على غزة مستمرة، والوضع في سوريا غير مستقر، وإيران تعمل على إعادة تموضعها. ويرى الحزب أن تسليم السلاح في الظروف الحالية قد يكون مدخلا لإعادة رسم موازين القوى في المنطقة ضده. على المدى البعيد، إذا اضطر الحزب لتسليم سلاحه، فإنه يفضل حصر الأمر في السلاح الثقيل والهجومي (الصواريخ الدقيقة، الطائرات المسيّرة النوعية)، مع الاحتفاظ بقدرة ردع محدودة تكفل بقاءه قوة عسكرية كامنة يمكن استدعاؤها إذا تغيرت الظروف. خطاب الحزب في هذا الإطار مزدوج: بعد وطني: يربط السلاح بالدفاع عن لبنان. بعد هوياتي: يراه ضمانة وجودية للطائفة الشيعية. الموقف الإسرائيلي والأميركي إسرائيل ترى اللحظة فرصة إستراتيجية لـ"اقتناص هزيمة" الحزب، معتبرة أن قدراته استنزفت وأن تفوقها التكنولوجي حاسم. هي ترفض أي ضمانات للبنان وتصر على نزع السلاح دون مبدأ "الخطوة مقابل خطوة". الولايات المتحدة تشارك إسرائيل الهدف البعيد، لكنها أكثر مرونة في الوسائل، وقد تكتفي إذا تعذّر نزع السلاح كليا بحرمان الحزب من القدرة على تهديد إسرائيل، وتقليص نفوذه السياسي والأمني، وحصر دوره في نطاق طائفي. المأزق اللبناني لبنان يواجه تحديا ثلاثي الأبعاد: تحقيق الأمن والسيادة في الجنوب مع نزع سلاح الحزب. ضمان التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار والانسحاب. إيجاد صيغة لاستيعاب الحزب داخليا دون صدام أو خسارة الدعم العربي. السيناريوهات المحتملة 1- استمرار الوضع الراهن: بقاء سلاح الحزب، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي للنقاط الخمس، والانتهاكات، خاصة إذا تعثر الحوار الأميركي الإيراني. ويبدو ذلك مرجحا على المدى القريب. 2- تصعيد إسرائيلي: فرض الشروط الكاملة على لبنان، خصوصا نزع السلاح، في حال ضعف إيران أو تعرضها لانتكاسة. 3- تسوية وسطية: تقليص قدرات الحزب (المسيّرات والصواريخ) مقابل ترتيبات أمنية، مع بقاء بعض السلاح داخليا إلى حين تسوية لبنانية شاملة. وهذا الاحتمال يشبه أزمات لبنان التقليدية، وهو مرجح إذا تعافى حزب الله، واستطاع الصمود في مواجهة الضغوط الخارجية، خاصة إذا دخلت الولايات المتحدة أجواء انتخابات الكونغرس النصفية. خلاصة حزب الله لا يعترف بالهزيمة رغم تعرضه لانتكاسة، ويؤكد احتفاظه بقدرة ردع تمنع إسرائيل من شن حرب شاملة. ويراهن على صمود حاضنته الشعبية ودعم إيران، ويعمل على ترميم قوته تدريجيا. لكنه لا يستطيع التمسك المطلق بسلاحه في وجه الضغوط دون تعريض البلاد لاضطرابات داخلية. إسرائيل تسعى لاستغلال اللحظة لتجريده من سلاحه، والولايات المتحدة تعمل على تحجيمه سياسيا وعسكريا. في حين يحاول لبنان الموازنة بين الضغوط الخارجية والحفاظ على تماسكه الداخلي. في النهاية، سيبقى ميزان القوة بين الحزب وإسرائيل، وكذلك التفاهمات الإقليمية، العامل الحاسم في رسم مآل سلاح حزب الله، ما بين تنازلات تدريجية، أو تسويات مرحلية، أو استمرار الوضع الراهن تحت ضغط الزمن.