
عندما طمأن الجزائري عباس مدني الحسن الثاني بخصوص موقف الجبهة الإسلامية للإنقاذ من قضية الصحراء
يعتبر عباس مدني الذي توفي في العاصمة القطرية الدوحة، في أبريل من سنة 2019، من أبرز الوجوه السياسية في الجزائر خلال فترة نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي، ففي أكتوبر من سنة 1988 أعلن عن تأسيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى جانب كل من علي بلحاج والهاشمي سحنوني، واكتسح الحزب الإسلامي الحديث التأسيس بداية التسعينيات الانتخابات البلدية التشريعية قبل أن يتدخل الجيش ويلغي النتائج، ويعتقل مدني وعدد من رفاق دربه.
وفي سنة 1992 قضت محكمة عسكرية بالسجن 12 سنة نافذة في حق مدني، بعد إدانته بـ"المساس بأمن الدولة" قبل أم يطلق سراحه في العام 1997 لأسباب صحية، وبقي رهن الإقامة الجبرية حتى انقضاء مدة سجنه في سنة 2004، ليغادر إلى قطر.
الإسلاميون في الجزائر ونزاع الصحراء
ورغم أن العديد من الدول توجست من شعبية الإسلاميين في الجزائر وفي مقدمتها فرنسا، إلا أن المغرب كان ينظر بنوع من التفاؤل للأمر، خصوصا وأن موقف الحزب السياسي الجزائري الحديث والذي تصدر المشهد السياسي آنذاك كان يحمل مواقف قريبة من موقف المغرب بخصوص نزاع الصحراء.
وخلال القمة الثانية لاتحاد المغرب العربي التي احتضنتها الجزائر في يوليوز من سنة 1990، استغل الملك الراحل الحسن الثاني فرصة تواجده في الجزائر، واستقبل عباس مدني وأجرى مباحثات معه، كما استقبل قادة عدد من الأحزاب السياسية الجزائرية الأخرى.
وناقش الحسن الثاني ومدني قضية الصحراء، واتحاد المغرب العربي، وحصل تقارب كبير بين وجهتي النظر، بل أكدت قيادات الجبهة بعد ذلك حصول تطابق وجهات النظر بين الطرفين إلى الدرجة التي تم اتهمها جزائريا فيما بعد بالعمالة للمغرب، بحسب ما يؤكد موقع "عربي 21".
وفي حوار مع قناة الجزيرة القطرية سنة 2005 قال عباس مدني "فيما يتعلق بالنسبة لقضية الصحراء الغربية مبدئيا إننا نعتقد أن الشعبين شعب واحد وأن الوطنين وطن واحد كيف تتصور أننا نقبل بلعبة ما يسمى بالصحراء الغربية الحقيقة".
ورد على سؤال حول مغربية الصحراء رد قائلا "إذا أراد الشعب المغربي فهي من حقه هو صاحب السيادة وصاحب الكلمة".
وفي حوار مع موقع يابلادي في يونيو من سنة 2016، قال رفيق عباس مدني في تأسيس جبهة الإنقاذ، علي بلحاج "الجبهة لإسلامية للإنقاذ كانت لها رؤية لحل هذه القضية، وكانت تريد أن تضع نهاية لها، لكن هناك حوائل حالت دون ذلك بالطبع".
وواصل حديثه قائلا "النظام الجزائري الذي يرفع شعار كونه مع القضايا العادلة هو ليس كذلك، هو في الحقيقة دمر شعبه. وحتى لو أننا أجرينا مقارنة بسيطة، فضحايا الشعب الجزائري على يد النظام الجزائري أكثر من ضحايا المغرب في قضية الصحراء الغربية".
وأثناء صعود الجبهة الإسلامية للإنقاذ للواجهة في الجزائر، التزم العاهل المغربي الراحل الصمت ولم يدل بأي تصريح مساند لها، كما أنه لم يعط موقفا من فوزها في الانتخابات، إلا بعد أن تدخل الجيش لإغلاء النتائج في 12 يناير من سنة 1992، حيث قال في تصريح لقناة فرنسية، "من المؤسف للغاية أن السلطات الجزائرية حظرت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في يناير 1992"، وتأسف أيضا لعدم تركها في السلطة وانتظار كيفية تعاملها داخليا وخارجيا.
وبذلك كان الحسن الثاني الزعيم الوحيد في المنطقة الذي استنكر قرار السلطات الجزائرية حل حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وإيداع زعمائها داخل السجون.
وخلال تلك الفترة كانت الدولة المغربية قد دخلت في نقاش متقدم مع عبد الإله بنكيران وجماعته، الذين قرروا ترك منابر الوعظ والإرشاد والاتجاه نحو العمل السياسي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


هبة بريس
منذ يوم واحد
- هبة بريس
أكادير.. لص "يشرمل" سائحا ألمانيا بالشاطئ بعدما حاول سرقة هاتفه
هبة بريس – أكادير شهد شاطئ أكادير، صباح اليوم السبت 24 ماي الجاري، حادثة اعتداء أثارت استياء المصطافين، بعدما تعرض سائح ألماني لمحاولة سرقة هاتفه النقال من طرف أحد الأشخاص المعروفين بتجوالهم الدائم على الشاطئ لعرض البراسولات. ووفق شهود عيان، فقد حاول السائح الدفاع عن نفسه، إلا أن المعتدي وجه له ضربة قوية على مستوى الوجه، ما أدى إلى إصابته بجروح استدعت نقله على وجه السرعة إلى مستشفى الحسن الثاني لتلقي الإسعافات الأولية. وقد تدخلت عناصر الأمن الوطني بسرعة، حيث تمكنت من توقيف المعتدي في وقت وجيز، وهو من بين الأشخاص الذين يمتهنون بيع الإكسسوارات بالشاطئ بطريقة غير قانونية. الحادث أعاد إلى الواجهة مطالب المواطنين والسياح بتعزيز التواجد الأمني في الفضاءات الساحلية، خصوصاً مع اقتراب موسم الصيف، وذلك لضمان أمن وسلامة الزوار وحماية صورة المدينة كوجهة سياحية متميزة. تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X مقالات ذات صلة


الأيام
منذ 3 أيام
- الأيام
صابون تازة
صابون تازة نشر في 22 مايو 2025 الساعة 11 و 00 دقيقة لا يمكن فصل النقاش في المغرب عما يجري في عالم متحول بشكل مذهل. إن الدعوة إلى الحمائية والتقوقع على الذات، وربما رفع شعار «المغرب ولا شيء غيره» ليست نزعة تستدعي المواجهة بالتخوين، ولكنها رد فعل على تحديات داخلية مفهومة وخصوصا في ما يتعلق بتوازن القوى الإقليمي، وتحديات الوحدة الترابية والحاجة إلى تحالفات دولية […] نور الدين مفتاح لا يمكن فصل النقاش في المغرب عما يجري في عالم متحول بشكل مذهل. إن الدعوة إلى الحمائية والتقوقع على الذات، وربما رفع شعار «المغرب ولا شيء غيره» ليست نزعة تستدعي المواجهة بالتخوين، ولكنها رد فعل على تحديات داخلية مفهومة وخصوصا في ما يتعلق بتوازن القوى الإقليمي، وتحديات الوحدة الترابية والحاجة إلى تحالفات دولية بعينها لمواصلة الصمود في مناخ دولي لا يرحم. أنا أعتقد أن هذا التفهم لا يعني الاتفاق على المقاربة، فموقع المغرب أصلا جعله بدون اختيار في ما يتعلق بالانفتاح، أو ما يمكن أن نسميه قدر العيش في ملتقى التيارات. والانفتاح لا يعني الانتقائية التعسفيّة، فإما أننا داخل العصر أو خارجه. إننا تلك الشجرة التي تحدث عنها الراحل الحسن الثاني حيث إن جذورها في إفريقيا وأوراقها في العالم، وبالطبع هناك دائما قانون قرب، وعلاقاتنا كما في العالم كله تندرج ضمن هذا القرب من المغرب إلى المغرب الكبير ـ رغم كل مشاكله ـ إلى العالم العربي فإفريقيا فأوروبا ثم الولايات المتحدة والقوى المؤثرة في العالم. من هنا يمكن أن ندخل إلى النقاش المثار حول شعار «تازة قبل غزة» بلا تشنج. فهذا الشعار والسياق الذي أطلق فيه لم يكن يعني بالضرورة الحرب الهمجية التي تتعرض لها غزة اليوم. لقد أطلق في عقد سابق كردّ على التبرم من قيادات عربية متشرذمة في قمم عقيمة، تحدث عنها الملك محمد السادس بكل وضوح. لقد كان الأمر اختياراً للعهد الجديد لاختلاف في الأسلوب مع توجه الحسن الثاني الذي كان منخرطا بشكل كامل في الشؤون العربية، والدليل هو عدد القمم التي انعقدت في المغرب وعدد القرارات التي تحمل اسم هذه القمم. لقد اختلف الأسلوب ومنسوب الانخراط ولكن لا يمكن لأي بلد أن يقطع مع هذا الجزء من انتمائه، إنه المستحيل! إذن، إسقاط معادلة قديمة على واقع جديد هو إسقاط تعسفي يؤدي في النهاية إلى نتائج مخالفة أصلا للواقع. فتازة بالطبع لها الأولوية على نيويورك وبانكوك وهونولولو، ولكن ليس هناك مكان في العالم حاليا يتعرض لما تتعرض له غزّة. لقد كان رد الفعل على «طوفان الأقصى» من طرف حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرفة عبارة عن جرائم حرب متتالية لم تنته لحد الآن، بل إنها اليوم وصلت إلى حد استعمال التجويع كسلاح حرب وهو محرم بالقانون الدولي. إسرائيل تعيش عزلة وآخرها التبرم النسبي لإدارة ترامب منها، وفتح مفاوضات أمريكية إيرانية دون رضاها، وعقد اتفاق مع الحوثيين دون أن يكون أصلا في علمها، وعقد صفقة مباشرة مع حماس تم على إثرها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الحامل للجنسية الأمريكية عيدان ألكسندر. إضافة إلى أننا ونحن نكتب هذه السطور يوجد ترامب في الرياض مع وفد ضخم ومنها سيمر إلى الدوحة فأبوظبي دون زيارة تل أبيب! تازة اليوم تعيش على إيقاعها المعتاد في مملكة مستقرة، وغزة لا يمكن إلا أن توقظ أهل الكهف بفظاعاتها وهمجية مستهدفيها الذين لا يخفون رسميا رفضهم لحل الدولتين بين النهر والبحر، وإصرارهم على تهجير أهل القطاع. بل إن ما يقومون به في الضفة الغربية شنيع وما أقدموا عليه لأول مرة من اقتحام للمسجد الأقصى بزعامة وزير «الحرب» ـ وليس الأمن ـ القومي إيتمار بن غفير، والتنكيل بالمقدسيين وتعبيد الطريق لمحو ثالث الحرمين الشريفين، ما هو إلا تأكيد على أن الواجب الإنساني سيرفض التفاضل في التضامن بين ما هو محلي وما هو خارجي، فما بالك إذا كان هذ الخارجي يعتبر من المقدسات بالنسبة لمليارين من المسلمين ومليار ونصف المليار من الكاثوليكيين. وقد أدان البابا الجديد ليو 14 في أول خطاب له ما يجري من فظاعات في غزة ودعا إلى وقفها. أنا واثق أن الذين يقولون بـ«تازة قبل غزة» لا يعنون أنهم متحللون من القضية الفلسطينية ولا أنهم بدون إنسانية، اللهم إلا بعض الأمازيغاويين المصرحين علانية بإسرائيلتهم، والذين زاروا الكيان الصهيوني مؤخرا بدعوى التضامن معه، هؤلاء لا كلام معهم أصلا. إن مساحة الاتفاق الوطني على أن القضية الفلسطينية قضية محورية في الوجدان المغربي لا يمكن الاختلاف عليها، ولكن الذي يُحدث الخلط هو هذا التفاضل المطروح في الشعار الذي أخرج من سياقه. وككل شيء ينتزع من سياقه فإنه يصبح سامّاً، ولهذا نرى هذا التشويش على موقف مغربي إنساني تاريخي عربي إسلامي لا غبار عليه. بل إن القناة الإسرائيلية 12 اعتبرت أن التيار في المغرب غير المعادي لهذه الإسرائيل التي تقود حرب الإبادة هو قطرة في بحر! وأنا أعي أن الذي يختفي وراء هذا الانقسام المستغرب من خلال شعار «تازة قبل غزة» هو حرج التطبيع مع إسرائيل في وقت لم يكن أحد يتصور أن يصل بنيامين نتنياهو إلى ما وصل إليه من وحشية خلفت أكثر من 50 ألف شهيد وأكثر من 100 ألف جريح والمأساة مستمرة. ولا أعتقد أن هذا النقاش يجب أن يكون من المحرمات أو من دواعي التصنيفات، فالتطبيع كان قرارا سياسيا وسياديا للدولة في مرحلة معينة، ولما تغيرت الظروف بشكل حاد، كان طبيعيا أن تخرج دعوات للعدول عن هذه العلاقات المفتوحة، وهذه مواقف طبيعية في الديموقراطية، وقد كان التطبيع بيننا في نهاية التسعينيات وقطعناه في بداية العهد الجديد، ويمكن في أي وقت أن يقطع اليوم لأنه يدخل في إطار التحولات، وأما الثابت فهو التزام مغربي راسخ بالاصطفاف مع الشعب الفلسطيني المحتل، ومع شرعية مقاومته لهذا الاحتلال، ومع دولة فلسطينية ذات سيادة على أراضي 1967 وعاصمتها القدس، ولنكون واقعيين أكثر نقول القدس الشرقية. المشكل عند العبد الضعيف لله ليس التطبيع الذي أتمنى في هذه الظروف لو أنه جمّد على الأقل مع هذه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، ولكن مشكلتي مع من يذهبون أبعد من قرار سياسي حول علاقة مع دولة في الخارج، إلى بناء علاقة غرامية مع الكيان الصهيوني، والتماهي مع أطروحته والانبهار بخوارق مفترضة له، ومحاولة التطبيع الشعبي معه والاحتفاء برموزه ومعانقة رايته وبسطها في الفضاء العام، ومحاولة التنصل من القضية الفلسطينية والتشنيع بها عن طريق تصرفات بعض قادتها. مثل هؤلاء هم من يزيدون في العلم ويقدمون أنفسهم حماة لاختيارات الدولة في حين أن الدولة للجميع وهي تقرر والقرار سارٍ والرأي حر. عيب أن نختلق خلافات كانت في السابق جزءً من قوتنا. لقد اختارت الدولة أن ترسل جنوداً إلى الخليج ضد صدام وخرجت أكبر مسيرة شعبية مليونية في الرباط تضامنا مع العراق! ماذا وقع؟ لا شيء. اليوم محمد السادس هو ملك المغرب وفيه تازة وهو في نفس الوقت رئيس لجنة القدس والقدس عاصمة لفلسطين بما فيها غزة، وأتذكر أنه سبق وأن أقام حفل عشاء على شرف الراحل إسماعيل هنية رئيــــس المكتب السياسي لحركة حماس حيـــنها، ترأسه رئيس الحكومة آنئذ الدكتور سعد الدين العثماني. بل لقد خرج مئات الآلاف من المــــواطنين في مسيرتين متتابعتين بالرباط نصرة لفلسطين، فلـــماذا إذن نبحث عن «صابون تازة»؟


الأيام
منذ 3 أيام
- الأيام
يوم قال الملك الحسن الثاني لفتح الله ولعلو: 'ستفقد شعبيتك'
تعززت الخزانة الوطنية بمولود جديد عبارة عن مذكرات أصدرها الوزير والقيادي الاتحادي السابق فتح الله ولعلو، طافحة بالعديد من الأحداث التي عاشها خلال مساره السياسي والأكاديمي على عهد ملكين، الملك الراحل الحسن الثاني ووارث عرشه الملك محمد السادس. هي مذكرات رجل استثنائي، كان لعقود واجهة الاتحاد الاشتراكي البرلمانية، التي ظلت تهز الرأي العام المتعطش للديمقراطية والعدالة الاجتماعية. كان فتح الله ولعلو خطيبا مفوها شاء القدر أن تتطابق قدراته البرلمانية مع الوزن السياسي لحزب القوات الشعبية. هذه هي الصورة التي يحفظها جيلان على الأقل عن هذا الرباطي ذي الملامح الطفولية، وهي مغايرة نسبيا للصورة التي خلفها الرجل نفسه وهو أول وزير للمالية في حكومة التناوب سنة 1998. وإضافة إلى أنه اقتصادي بارز وثاني مغربي يحصل على الدكتوراه من باريس في هذا التخصص بعد الراحل عزيز بلال، فإن من سيقرأ مذكراته التي نزلت يوم الخميس 24 أبريل 2025 في المعرض الدولي للكتاب بالرباط، سيكتشف رجلا آخر، وسيخلق بالتأكيد حميمية مع رجل لا يمكن أن تميز في سيرته بين ما هو خاص وما هو عام، بين حياته ونضاله. وربما لهذا أعطى هذه المذكرات عنوان «زمن مغربي» وهو يرجح العام على الخاص وهذا مفهوم عموما، ولكنه سيفهم أكثر عندما يبحر القارئ في الصفحات الطويلة والغنية في مجلدين بالتمام والكمال. يبدأ ولعلو مذكراته منذ الولادة حين تزوج والده بنعيسى ولعلو بنت خاله غيثة الجزولي، وسكن دار أبيها بالسويقة في المدينة القديمة بالرباط، ليفتح عينيه في أسرة ليست أرستقراطية ولكنها أسرة «عمل وكد واجتهاد» كما يصفها. وأما عن جده من والده، فيقول إنه كان بائع خضر صغيرا قرب زنقة القناصل، ولكن من بيت جده لأمه مصطفى الجزولي سيبني ولعلو كل عالمه في بيت كبير سيتحول إلى قبلة للوطنيين إلى أن يقرر والده الرحيل إلى حي العكاري ويواصل الفتى دراسته وينخرط في العمل النضالي. المذكرات طويلة جدا، ونحن هنا سنقوم بانتقاء، هو على أية حال تعسفي، وما نتمناه أن يكون هذا التعسف مهنيا نابها. وأن نقرب القارئ من حياة هذه الشخصية المغربية الوازنة وهي تقدم روايتها للتاريخ بمرافقة الزميل لحسن العسيبي، الذي أعد المذكرات للنشر، وخصنا بهذا السبق، فشكرا على ثقة الرجلين. إليكم الجزء الثالث عشر من الصفحات الساخنة التي ارتأت 'الأيام 24' نشرها: عندما قال لي الملك: ستفقد شعبيتك التقيت جلالته أيضا بالقصر الملكي بالرباط (قبل ذلك بمدة)، في إطار التهييئ للمناظرة الوطنية للجماعات المحلية. كنتُ رفقة وزير الداخلية إدريس البصري بصفته الجهة المنظمة للمناظرة، وكان لقاءً إخباريًّا فقط وقوفا، لم يدم سوى دقائق. التفتَ نحوي جلالة الملك الحسن الثاني وقال: – عليكما أن تعرفا أنه في كل دول العالم، يفقدُ وزيرا الداخلية والمالية شعبيتهما بسرعة عندما يقومان بمهامهما أحسن قيام. هذه ضريبة مسؤوليتهما. ابتسمنا وودعنا جلالته حيث التقيت مباشرة بعدها بالأستاذ عبد الرحمان اليوسفي ووضعتُهُ في الصورة، مثلما أخبرتُهُ بجملة جلالة الملك، فرد علي ضاحكا: – لا تخف، شعبيتك أنت لن تتأثر. لكن أعرف أنها تأثرت فعلا، خاصة (وهذا مصدر التناقض) عندما تتخد إجراءات إيجابية لصالح البلد، لأنها في كثير من الأحيان لا تكون شعبية. ترأس جلالته عمليا ثلاثة مجالس وزارية في عهد حكومة اليوسفي، طلب منا في آخرها، (وكان في فصل الصيف)، أن لا نَحضُرَ مرة ثانية في حرارة مُماثلة باللباس الرسمي القاتم، بل اعتبر أن من حقنا الحضور بلباس خفيف. حيث قدمتُ في ذلك الإجتماع بصفتي وزيرا للإقتصاد والمالية قانون إصلاح قطاع التأمينات، الذي كان مُحضَّرًا من قبل، مع دعمٍ مُصاحبٍ لذلك الإصلاح في شكل قرضٍ من قبل البنك العالمي بقيمة 200 مليون دولار. كان عمليا يُصادقُ على ذلك القانون في مجلس الحكومة فقط، بعدها يقوم البنك العالمي بتنفيذ قرار الدعم المصاحب. بالتالي صادقنا عليه بداية في مجلس للحكومة قبل عرضه على المجلس الوزاري بغاية صدوره في الجريدة الرسمية، والمسؤول عن عرض التفاصيل كالعادة في كل نص قانون وإخبار الملك قبل المجلس الوزاري هو الأمين العام للحكومة. بعد انتهاء عرضي لمشروع قانون إصلاح قطاع التأمينات، سألني الملك الحسن الثاني إن كنا نحن من أعددنا النص. أجبته أنه قانون إصلاحٍ مُنجزٌ من قبل أطر الوزارة بالتنسيق مع المتدخلين في القطاع وأن البنك الدولي قرر تقديم دعم مصاحب لتنفيذ ذلك الإصلاح. فرد جلالته: – إن البنك الدولي هو البنك الدولي وإن المغرب له قراره السيادي، بالتالي فإنه لا أرى ضرورةً للإسراع بصدور هذا القانون الآن. كنا قد توصلنا عمليا بدعم البنك العالمي. لكن القانون لم يصدر في الجريدة الرسمية بسبب عدم مصادقة المجلس الوزاري عليه. فهمتُ حينها أن جلالة الملك يريد أن يمارس علينا كفريق حكومي جديد، نوعا من الإمتحان الذي يمارس على كل داخل جديد إلى مسؤولية مماثلة (بيزوتاج). بقيتُ بعدها، أتصلُ بالأمين العام للحكومة لتمرير نص قانون الإصلاح، خاصة أننا توصلنا ب 200 مليون دولار من البنك العالمي، لكنه ظَلَّ ينصحُني بالتريث والصبر، حتى توفي الملك الحسن الثاني رحمه الله، حيث قُدِّمَ ذلك القانون في أول مجلس وزاري ترأسه جلالة الملك محمد السادس، فصُودق عليه ونشر بالجريدة الرسمية ونُفِّذَ قانون إصلاح قطاع التأمينات.