
الخيال الضّيق لا يستوعب الواسع
ولا نتحدث هنا عن الفروق الجينية، بل عن منطق التمايز. التميّز يعتمد غالباً على فروق ضئيلة إلى درجة تُغري بتجاهلها، رغم أنها الفارق الذي يُحدث الفارق. بين مقطوعة لموزارت وأخرى لموسيقار محترف لا تجد فارقاً شاسعاً، فقط هناك كسور من الثانية في الحركة... جعلت الأول خالداً، والثاني ضمن دائرة «الجيد».
في الحياة الأكاديمية، يستطيع معظم الطلاب الحصول على الخمسين في المائة الأولى من الدرجات. لكن المهمة أصعب في الثلاثين التالية، ثم أصعب في الخمس عشرة التالية. ومع اقتراب القمة، تصير المنافسة ضارية على كسور الدرجات. وفي مضمار العدو الأولمبي، يفوز الأبطال بكسور من الثانية لا يدركها العقل البشري دون أداة رقمية.
لا تستهينوا بجملة «مش فارقة»، فهي أول فأس في هدم التميّز.
لو صممنا نظاماً يعامل من حصل على 98 في المائة كمن حصل على الدرجة الكاملة، ورأينا أن الفارق لا يستحق، فسنفقد العقول الأكاديمية الفذة. هذه التدخلات تشبه أن تنزع من غوريلا جيناتها التي تميزها عن الإنسان، ثم تتركها في قسوة الغابة. أو أن تنزع من الإنسان قدرته على الكلام وصناعة الأساطير، ثم تدعوه ليلقي كلمة في «تيك توك». تلك هندسة جينية ضررها واضح للعين. والهندسة الاجتماعية التي تلغي الفروق بين الأفراد بعبارة «مش فارقة،» تشبهها في الضرر، لكنها متوارية.
ولا تُلغى الفروق غالباً بقرار مباشر، بل بطريقة عكسية: تخفيف شروط المنافسة إلى حد يفقد معها التصنيف معناه. ما دمت تقرأ وتكتب بلغة منضبطة، فأنت صحافي. ما دمت قادراً على قيادة سيارة فلماذا لا تشارك في سباق محترفين؟ ما دمت مهندساً، فصمّم لنا دار الأوبرا. في الشركات الخاصة، لن تسمح لنفسك بهذا. لأنك ستدفع الثمن. لكي تربح، يجب أن تكون جواهرجياً: يقدّر الذهب، ويزن الفروق بالغرام والميليغرام.
في عالم كرة القدم، تتنافس الأندية على المواهب. وتقيّم بدقة الفروق بين ميسي، ورونالدو، وراشفورد، ونونيز. تُعيد الحسابات وتراجع نفسها. لأن الفروق الصغيرة ضخمة التباين في الربح أو الخسارة. بهذه العقلية يتلاقى الجميع في الممر نفسه: من المواهب، والمديرين، والمستثمرين، والنتائج، وكشوف الحسابات، والجماهيرية.
وبمجرد أن يختفي العقاب المالي على القرارات السيئة تختل المعادلة. حين تتحكم في ما لا تملكه، كما في القطاع العام، ما الذي يمنعك من تفضيل سعيد الجيد على أسعد المتفوّق؟ أو من مساواة الـ98 في المائة بالدرجة الكاملة؟ في الواقع ربما تكسب أكثر في رد الجميل. وليس صدفة أن مجتمعات التملّك الحر والاقتصاد الرأسمالي أكثر غزارة في المواهب من غيرها. وليس صدفة أنه حين يتحكم الموظف البيروقراطي في الفن، تندر المواهب.
ولا تظنوا أن التميز يدفن استهدافاً وعمداً، بل يكون جهلاً بطبيعته. أحياناً لأنه فوق مستوى الإدراك: فالعين لا ترى الحاجب، والخيال الضيق لا يستوعب الواسع. وأحياناً لأن البعض يعتقد أن السنتيمتر هو السنتيمتر، سواء كان أسفل الزانة أو أعلاها.
«مش فارقة» تكلف المجتمعات سنوات ضائعة، وتحرمها من أعزّ ما فيها: مواهبها. «مش فارقة» آلة شفط المواهب من على المسرح وهرسها أو الإلقاء بها في مقاعد المتفرجين المتحسرين. «مش فارقة» باب إلى ثلاث خطوات قصيرة لخنق المستقبل. هل رأيتها هنا؟ هل رأيتها هناك؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
منذ ساعة واحدة
- الشرق السعودية
"أنثروبيك" تحظر وصول OpenAI إلى واجهة Claude بعد انتهاك شروط الاستخدام
في خطوة تعكس تصاعد التوتر في سباق الذكاء الاصطناعي، أقدمت شركة "أنثروبيك" على سحب صلاحية الوصول الخاصة بشركة OpenAI إلى واجهة برمجة التطبيقات (API) لنموذجها اللغوي Claude، وذلك بعد أن اتهمتها بانتهاك شروط الاستخدام المنصوص عليها في الاتفاق التجاري بين الطرفين. ونقلت مجلة WIRED عن مصادر مطلعة، أن عملية الإيقاف أجريت الثلاثاء الماضي، حيث تم إخطار OpenAI بأن قرار المنع جاء نتيجة لاستخدام غير مصرح به للواجهة البرمجية الخاصة بـClaude. وقال المتحدث باسم "أنثروبيك"، كريستوفر نولتي، إن Claude Code "بات الخيار الأول للمبرمجين على مستوى العالم، لذلك لم يكن مفاجئاً أن نعلم أن موظفين تقنيين من OpenAI كانوا يستخدمون أدواتنا البرمجية قبيل طرح GPT-5. إلا أن هذا يشكل انتهاكاً صريحاً لشروط الخدمة". وتتضمن شروط الاستخدام التجاري لـ"أنثروبيك" بنوداً تحظر على العملاء استخدام خدماتها لبناء منتجات أو نماذج ذكاء اصطناعي منافسة، أو محاولة تحليل أو استنساخ خوارزميات الخدمة. ويأتي قرار الحظر في وقت تشير فيه التقارير إلى قرب إعلان OpenAI عن إطلاق نموذجها الجديد GPT-5، والذي يُتوقع أن يحمل تحسينات كبيرة في مجالات البرمجة التوليدية. وفقًا للمصادر، كانت OpenAI تستخدم Claude ضمن أدواتها الداخلية باستخدام صلاحيات مطورين خاصة، بدلاً من الواجهة العامة، وذلك لتقييم قدراته في البرمجة والكتابة الإبداعية، واختباره في سياقات حساسة تشمل خطاب الكراهية، والانتحار، والتشهير، وغيرها من المحاور الأمنية. الهدف من تلك الاختبارات أن تجري OpenAI مقارنات مع نماذجها الداخلية لتحسين الأداء وضمان التوافق مع معايير السلامة. معايير قياسية في ردها على القرار، قالت هانا وونج، رئيسة الاتصالات في OpenAI، إن اختبار النماذج المنافسة يمثل "ممارسة قياسية" في الصناعة، مشيرة إلى أن API الخاصة بـOpenAI لا تزال متاحة لـ"أنثروبيك" دون قيود. وأضافت: "بينما نحترم قرارهم بقطع الوصول، إلا أننا نشعر بخيبة أمل إزاء ذلك". من جهته، أكد نولتي، أن "أنثروبيك" ستواصل إتاحة وصول OpenAI فقط لأغراض السلامة والتقييم، وهي ممارسات متعارف عليها بين الشركات، لكنه رفض الإفصاح عما إذا كانت القيود الحالية ستؤثر على هذا التوجه. وقائع سابقة وهذه ليست المرة الأولى التي يُستخدم فيها سحب واجهات البرمجة كأداة تنافسية بين شركات التقنية، فقد سبق أن حظرت "ميتا" الوصول عن تطبيق "فاين" المملوك لمنصة "إكس"، في خطوة وُصفت لاحقاً بأنها سلوك احتكاري. كما اتخذت "سيلزفورس" في يوليو الماضي، خطوة مشابهة بمنع منافسين من الوصول إلى بيانات عبر Slack API. أما بالنسبة لـ"أنثروبيك"، فكانت قد منعت الشهر الماضي شركة Windsurf الناشئة من الوصول إلى Claude بعد شائعات عن نية OpenAI الاستحواذ عليها، وهي صفقة لم تكتمل في النهاية. وقال كبير العلماء في أنثروبيك، جاريد كابلان، في تصريحات سابقة لموقع TechCrunch: "سيكون من الغريب أن نبيع Claude لشركة مثل OpenAI". وقبل يوم واحد فقط من قطع الوصول إلى OpenAI، أعلنت Anthropic، فرض حدود جديدة على معدل استخدام Claude Code، بسبب تزايد الإقبال بشكل كبير، وبعض الانتهاكات لشروط الخدمة.


صحيفة سبق
منذ 6 ساعات
- صحيفة سبق
المنتخب السعودي ينافس 14 دولة في أولمبياد العلوم النووية الدولي
خاض المنتخب السعودي للعلوم النووية الجولة الثانية من منافسات أولمبياد العلوم النووية الدولي (INSO 2025)، الذي تستضيفه العاصمة الماليزية كوالالمبور خلال الفترة من 30 يوليو - 6 أغسطس الجاري، بمشاركة 56 طالبًا وطالبة يمثلون 14 دولة. وتتضمن منافسات الأولمبياد، التي يترقب المنتخب السعودي نتائج مشاركته فيها، اختبارين رئيسين؛ أحدهما نظري يُجرى على مدى خمس ساعات، والآخر عملي يُنفذ خلال المدة نفسها، ويتضمن تجربة أو محاكاة تطبيقية في أحد مجالات العلوم النووية، مع التركيز على المهارات التحليلية والإبداعية للطلبة المشاركين. ويمثل المملكة، في هذه النسخة 4 طلاب، بعد اجتيازهم مراحل تدريب وتأهيل مكثفة نظّمتها مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع "موهبة"، بالشراكة الإستراتيجية مع وزارة التعليم، وبالتعاون مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ومدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة. ويضم منتخب المملكة لهذا العام: حسن علي العوض من تعليم الأحساء، وعزام خالد العمري من تعليم جدة، والبراء سعيد عواجي من تعليم المدينة المنورة، وإبراهيم عبدالعزيز العثمان من تعليم الهيئة الملكية للجبيل. وتأتي هذه المشاركة امتدادًا لمشاركة المملكة في النسخة الأولى من الأولمبياد، التي حققت خلالها 4 جوائز دولية، بينها ميدالية فضية و3 ميداليات برونزية، في إنجاز يعكس مستوى التقدم الذي أحرزته المملكة في مجالات العلوم المتقدمة، ضمن منظومة وطنية متكاملة لرعاية الموهبة وصناعة الابتكار. ويُعد أولمبياد العلوم النووية الدولي، الذي أقرّته الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2024، منصة علمية عالمية تهدف إلى تعزيز الاستخدام السلمي والآمن للتقنيات النووية، وتحفيز الشباب على التخصص في هذا المجال الحيوي، وتشجيعهم على ابتكار حلول علمية تُسهم في توسيع تطبيقاته.


الاقتصادية
منذ 8 ساعات
- الاقتصادية
التغير المناخي .. حقيقة أم فرضية؟
لطالما أثار موضوع التغير المناخي جدلا واسعا بين العلماء، وصناع القرار، والنخب من المختصين، وتزايدت وتيرته في العقود الأخيرة، خصوصا مع تكرار الظواهر المناخية المتطرفة وارتفاع درجات الحرارة. فهل التغير المناخي حقيقة علمية مؤكدة، أم مجرد فرضية مبالغ فيها ومستغلة سياسيا واقتصاديا؟. يذهب المؤيدون أنها حقيقة، وأن الأدلة العلمية على وجود التغير المناخي أصبحت اليوم أقوى من أي وقت مضى. وتشير تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) إلى أن درجة حرارة الأرض ارتفعت بمقدار 1.1 درجة مئوية منذ أواخر القرن الـ19، نتيجة مباشرة لزيادة انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن النشاط البشري، وعلى رأسها غاز ثاني أكسيد الكربون (CO₂) والميثان. من مظاهر التغير المناخي التي يدعمون بها رأيهم هو ذوبان الجليد في القطبين، وارتفاع مستويات سطح البحر، وتكرار موجات الجفاف والفيضانات والعواصف الشديدة.الجدير بالذكر أن المؤيدين يؤكدون أن النظم البيئية تشهد اختلالا واضحا، يهدد التوازن الطبيعي ويؤثر في التنوع البيولوجي، ناهيك عن التداعيات الاقتصادية والصحية على المجتمعات، خصوصا في الدول الفقيرة أو المعرضة للكوارث الطبيعية. الجدير بالتنويه، أن هناك بعض الأصوات لا يمكن تجاهلها كونها ذات ثقل علمي تشكك في حقيقة التغير المناخي، معتبرين أنه ظاهرة طبيعية تمر بها الأرض كل عدة قرون، أو أن تأثير الإنسان فيها محدود. يستند هؤلاء إلى دراسات أقلية أو إلى فترات تاريخية شهدت تغيرا مناخيا دون تدخل بشري. لكن في المقابل يرى المؤيدون إن المنهج العلمي لا يبنى على الاستثناءات، بل على الإجماع العلمي، الذي بات اليوم شبه كامل بين علماء المناخ بحسب زعمهم على أن التغير المناخي الحالي غير مسبوق من حيث السرعة والشدة، وأن النشاط الإنساني هو العامل الرئيس فيه. في المقال المقبل، سأسلط الضوء على الركائز التي يستند عليها مناهضي التغير المناخي، وفي اعتقادي أن هذه الخطوة مهمة للوقوف على الرأيين بحيادية لنصل إلى رأي عادل ومتجرد. مختص في شؤون الطاقة