
ليبيا: ميزانية «صندوق الإعمار» تفجّر «صراع الشرعيات» بين مجلسي «النواب» و«الدولة»
دخل «صراع الشرعيات» في ليبيا مرحلة جديدة، بعدما اعترض عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة، مجدداً على «الإنفاق الموازي البعيد عن الميزانية الرسمية للدولة»، فيما انتقد «المجلس الأعلى للدولة»، تمرير مجلس النواب لميزانية خاصة بـ«صندوق إعادة الإعمار»، برئاسة بالقاسم نجل المشير خليفة حفتر قائد «الجيش الوطني».
واستغل الدبيبة اجتماعه، مساء الاثنين، بعدد من أعضاء «مجلس الدولة»، لتأكيد رفض الحكومة القاطع «لأي مسارات موازية للإنفاق العام خارج الأطر الشرعية»، محذراً من أن هذه الممارسات «تُحمّل الدولة أعباء مالية ضخمة تُصرف في أبواب غير حقيقية، ثم يُعاد تعويضها عبر الدين العام، ما يعني عملياً خصماً من جيب المواطن، وخفضاً فعلياً لقيمة دخله».
وشدد على «أن المواطن الليبي لن يستفيد من مشروعات تُنفّذ بأسعار مُضاعفة خارج النظام المالي الموحد»، قائلاً: «ما جدوى المشروعات إذا كانت تُنفذ بأسعار مُضاعفة، وتُخصم من جيب المواطن عبر الدين العام؟».
اجتماع الدبيبة مع أعضاء من «المجلس الأعلى للدولة» (حكومة «الوحدة»)
وطالب الدبيبة، عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، «بالإفصاح عن مصير أكثر من 100 مليار دينار تم إنفاقها خارج الميزانية العامة خلال العامين الماضيين»، مؤكداً «أن هذه المطالبة لا تأتي من باب الشفافية فقط، بل نتيجة مباشرة لما تسبب فيه هذا الإنفاق من تدهور في قيمة الدينار الليبي، وانعكاسات خطيرة على دخل المواطن وثقة السوق».
كما أشار إلى «أن عدداً من الخبراء الاقتصاديين نبّهوا إلى أن إقرار ميزانية موازية، رغم مخالفتها القانونية، من شأنه أن يؤدي مباشرة إلى ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية، نتيجة اختلال الثقة المالية وزيادة الضغط على الاحتياطيات، الأمر الذي ينعكس سلباً على استقرار العملة ومستوى معيشة المواطن».
وعدّ الدبيبة «أن المسؤوليتين؛ الوطنية والقانونية، تقعان على جميع المؤسسات لوقف هذا النزيف المالي، والدفاع عن وحدة المالية العامة، والحفاظ على استقرار الاقتصاد والدينار الليبي».
بدوره، أعلن «المجلس الأعلى للدولة» رفضه لمناقشة مجلس النواب لبند مالي يتعلق بـ«صندوق إعمار ليبيا»، عادّاً أن الخطوة تمّت خارج الأطر القانونية والدستورية المعمول بها.
وأكد في بيان، «أن اعتماد الميزانية -بما في ذلك البنود الاستثنائية- يجب أن يتم وفقاً لمسار دستوري واضح، يبدأ بتقديمها من حكومة شرعية معترف بها، ثم إحالتها للمجلس الأعلى لإبداء الرأي، قبل اعتمادها نهائياً من مجلس النواب»، لافتاً إلى أن هذه الخطوات «لم تُستكمل، ما يجعل ما جرى سابقة خطيرة في إدارة المال العام».
كما حذّر «من التداعيات الاقتصادية السلبية للتوسع غير المدروس في الإنفاق، في ظل غياب توافق وطني على الميزانية»، مؤكداً أن ذلك «سيؤدي إلى زيادة التضخم، وارتفاع أسعار السلع والخدمات، وتآكل القدرة الشرائية للدينار الليبي، فضلاً عن تفاقم عمليات التهريب، وتهديد مدخرات المواطنين».
وشدّد المجلس «على أن إعادة الإعمار حق لكل الليبيين، لكنه لا يمكن أن يتم إلا عبر أدوات شرعية، وتخطيط مالي سليم، وتحت رقابة حقيقية تضمن عدالة وفاعلية توزيع الموارد، بعيداً عن التوظيف السياسي الذي يعمّق الانقسام، ويزيد من الهدر».
وكان مجلس النواب قد أعلن رسمياً موافقته، في ختام جلسته الرسمية مساء الاثنين، على إعداد ميزانية «صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا»، مع تقديم الإيضاحات المطلوبة وملاحظات النواب، وتشكيل لجنة تضم عضواً عن كل دائرة، للاجتماع مع إدارة الصندوق لتوضيح كيفية صرف الميزانية على جميع المناطق.
لقاء تيتيه مع القائم بالأعمال في سفارة المملكة العربية السعودية (البعثة الأممية)
في شأن آخر، قالت رئيسة بعثة الأمم المتحدة هانا تيتيه، إنها بحثت مع القائم بأعمال سفارة المملكة العربية السعودية، أحمد الشهري، آخر التطورات في العاصمة وفي عموم ليبيا، إلى جانب المشاورات الجارية بشأن نتائج اللجنة الاستشارية، مشيرة إلى اتفاق الطرفين «على ضرورة الحفاظ على الهدنة في طرابلس، وأهمية المُضي قدماً في عملية سياسية شاملة تهدف إلى تيسير إجراء الانتخابات الوطنية».
وكانت هانا تيتيه، قد عدّت «أن الليبيين فقدوا الثقة بالطبقة السياسية الحالية»، وطالبت لدى اجتماعها مساء الاثنين بعمداء وأعيان وحكماء المنطقة الغربية والجبل «بأن تكون الحكومة المقبلة انعكاساً لتطلعات الليبيين»، وقالت إن البعثة الأممية «ليست مؤسسة غربية تقف ضد الشعب الليبي».
بدوره، دعا عميد مدينة الزاوية، التي استضافت الاجتماع، «للم الشمل وتجنب الحروب»، وأوضح أن البعثة الأممية تسعى من خلال هذه الاجتماعات إلى «تعزيز التفاهم بين الأطراف الليبية المختلفة، وتوحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية، وضمان حماية المدنيين».
تيتيه في لقاء بالزاوية الليبية (بلدية الزاوية)
من جهة أخرى، قالت حكومة «الوحدة»، إن وزارتها للحكم المحلي، سلّمت بلدية الأصابعة 154 صكاً مالياً دفعة أولى لتعويض المواطنين المتضررين من الحرائق التي تشهدها المدينة منذ فترة، والتي تسببت في تضرر عدد كبير من المنازل.
وقدّم عميد البلدية عماد المقطوف خلال اجتماع حضره مع وزير الحكم المحلي المكلّف، عبد الشفيع الجويفي، في طرابلس، وأعضاء لجنة تعويض المتضررين من أهالي المدينة، تقريراً مفصلاً حول نتائج أعمال اللجنة، موضحاً أنها أنهت عمليات المعاينة، وتقييم الأضرار التي لحقت بنحو 306 منازل.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 4 ساعات
- الشرق الأوسط
ليبيا: حسابات الخصوم تفتح الأبواب «على المجهول»
شرعت الأزمة الليبية أبواباً جديدةً على مستقبل غامض، دفعت إليه حسابات سياسية وعسكرية لخصوم وأفرقاء في بلد يغرق في الفوضى منذ 14 سنة، وتتنازعه سلطتان متصارعتان بين شرق وغرب البلاد، وسط طيف واسع من الأهداف والطموحات الإقليمية والدولية. من طرابلس إلى بنغازي، تطول المسافات، وتتوزَّع معها أهداف وطموحات الخصومة مع حكومة في العاصمة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وميليشيات متنازعة؛ سعياً لمخاض معادلة نفوذ جديدة في غرب ليبيا. وفي الجبهة الأخرى بشرق البلاد، هناك قوة اسمها «جيش وطني» بقيادة المشير خليفة حفتر، وظهيره السياسي في مجلس النواب وحكومته، الذين لا يُخفون أحلام السيطرة على عموم ليبيا، بعدما دان لهم ثلثاها تقريباً. وبين مشروعَيْن في ليبيا وُلدا مع انهيار نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، في 2011، ونضجا في غمار حربَين أهليَّتين عامَي 2014 و2019، يغوص الليبيون في رمال متحركة، في ظل وجود دوامة مبادرات أممية وإقليمية طافت عواصم غربية وعربية. اليوم في طرابلس لم يعد هناك صوت يعلو فوق صوت «حملة عسكرية» تشنها حكومة «الوحدة» برئاسة عبد الحميد الدبيبة ضد ميليشيات أضنت الليبيين، لكن هذه «الحملة العسكرية» لم تسلم من شكوك حول أهداف شخصية تهدف لبسط السيطرة السياسية والعسكرية على غرب ليبيا، وفق رؤية متابعين. الدبيبة، الذي عزَّز قواته بحلفاء ميليشياويين من مصراتة (مسقط رأسه) والزنتان، بات يقف عند نقطة مواجهة تصعب معها الرجعة، وفق محللين، خصوصاً بعد عملية أطلقها في مايو (أيار) الماضي بالقضاء على «حليف الأمس»، الميليشياوي عبد الغني الككلي الشهير بـ«غنيوة»، وقوته «دعم الاستقرار». وهكذا تقف العاصمة الليبية عند محطة استنفار على وقع تقديرات وحسابات الدبيبة، مشحونة بالتحشيدات العسكرية لحلفائه من طرابلس ومصراتة، وهم جميعاً قادة ميليشياويون انخرطوا في وزارتَي الدفاع والداخلية، ليبدأ بعدها التأهب لخصم آخر يتمثل في ميليشيا «الردع» بقيادة عبد الرؤوف كارة. ومع اعتقاد محللين بأن طرابلس ماضيةٌ بقوة نحو جولة اقتتال جديدة قد تغيِّر خريطة مشهد الفصائل المتصارعة، فإن «المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية» لا يستبعد توجُّهاً أميركياً «نحو التخلص من بعض الأجسام المسلحة بالعاصمة لصالح قيادة موحدة»، وفق رؤية مدير المركز، شريف بوفردة. وفي زاوية بعيدة عن مشهد «طرابلسي» ملبّد بالغيوم، سارع الدبيبة إلى إطلاق مبادرة على وقع مظاهرات أسبوعية حاشدة ضد حكومته، تضمَّنت إعادة هيكلة وزارية على أساس ما قال إنها «الكفاءة، والبُعد عن المحاصصة»، ثم إطلاق مشروع الاستفتاء الوطني، ووضع آلية واقعية لتأمين الانتخابات. بيد أن مبادرة الدبيبة لم تجد آذاناً مصغية، وعدّتها أطراف سياسية «محاولة للالتفاف على المطالب الشعبية بإقالة حكومة فقدت شرعيتها بعد استقالة غالبية وزرائها، ورفض الشارع لاستمرارها»، وهي رؤية تكتل ليبي يُعرف بـ«الوطن بالجميع». ومع ذلك، لم تغب عن طرابلس تحركات المبعوثة الأممية هانا تيتيه، ونائبتها ستيفاني خوري، سواء مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، أو الدبيبة، أو فعاليات قبلية وشعبية واجتماعية، لاحتواء التوتر في طرابلس، واستكشاف انطباعاتهم حول خريطة طريق صاغتها لجنة خبراء ليبيين برعاية أممية. حفتر (رويترز) أما عن المجلس الرئاسي الليبي فإنه يقف، وفق مراقبين، على أرضية رخوة، وتتنازعه فيها مطالب وضغوط شعبية بالإطاحة بحكومة الدبيبة، وهما (الحكومة والمجلس) مَن جاء بهما للسلطة «مؤتمر جنيف» 2021. وبحسب تقديرات متابعين للشأن الليبي، فإن مبادرات المجلس الرئاسي ومراسيمه، التي أطلقها الأشهر الماضية بخصوص «الاستفتاء على العملية السياسية»، تبقى مُكبَّلة بـ«صلاحيات محدودة» أنتجها «اتفاق الصخيرات» المُقرّ في المغرب عام 2015، وقلّصها «اتفاق جنيف» المُبرَم في سويسرا عام 2021. ومن ثم، فإن البُعد الأهم الذي يتحكم في مسارات المجلس الرئاسي، أعلى سلطة تنفيذية مفترضة في ليبيا، أنه لا يحظى بظهير عسكري يدعم قراراته ويضعها موضع التنفيذ، وهذا في واقع ليبي تهيمن عليه شبكات النفوذ المسلح، أو حسب المحلل الليبي محمد الأمين، مثل «القائد الذي يصدر أوامر في مدينة لا يسمعه فيها أحد». وللعلم، لم يكن الوضع أفضل حالاً مع «المجلس الأعلى للدولة» (الاستشاري)، وهو أحد الأطراف الفاعلة في العملية السياسية، والوريث الشرعي لـ«المؤتمر الوطني العام» السابق. ذلك أن حساباته السياسية في المشهد الليبي لا تزال غامضة، وهو رهينة رأب انقسام بين خالد المشري ومحمد تكالة، المتخاصمَين على رئاسته، منذ 9 أشهر. ورغم تفاؤل ساد أخيراً بشأن قرب إنهاء الخصومة في المجلس الاستشاري، سواء بانتخابات جديدة أو تنفيذ أحكام القضاء بين تكالة والمشري، فإن دور المجلس الأعلى للدولة قد يحتاج إلى فسحة من الوقت لإطلاق موقف سياسي متماسك. وهذه، وفق المحلل السياسي أيوب الأوجلي «نقطة يترقبها مجلس النواب، شريكه في جولات تسوية سياسية سابقة». أما في شرق ليبيا، فقد كانت المناورات السياسية السريعة أكثر حضوراً في حسابات البرلمان الليبي، إذ سارع الخطى على مدار جلستين في مايو الماضي؛ لاستطلاع برامج 14 مرشحاً لرئاسة «حكومة جديدة»، على الرغم من يقينه مسبقاً بمعارضة حكومة الدبيبة لهذه الخطوة، لكنه، في أي حال، يعتمد على التوترات بطرابلس بوصفها من أهم مبرّراته المعلنة لتحركه المفاجئ. وهنا تباينت تقديرات سياسيين وأكاديميين بشأن خطوة تلقي ترشيحات رئاسة الحكومة من جانب البرلمان، إذ عدَّها البعض، ومنهم فيضي المرابط، أستاذ الدراسات المستقبلية بجامعة طرابلس، ضمن «مشروع صناعة الأزمة الذي يديره مجلسا النواب والأعلى الدولة». وفي المقابل، ينظر سياسيون ليبيون إلى تحرك «النواب» بوصفه «محاولة استباقية لإلقاء الكرة في ملعب البعثة الأممية»، التي رسمت 4 مسارات تبدأ من «تشكيل حكومة موحدة»، وقد تنتهي إلى عملية سياسية جديدة تطيح بكل الأجسام السياسية الأخرى، من بينها البرلمان. وفي هذا السياق، بدا منطقياً لمهتمين بالشأن الليبي تجاهل مجلس النواب تحذيرات أطلقها عددٌ من أعضائه من الإقدام على تشكيل «حكومة جديدة»، إلى جانب رسالة رئيسه عقيلة صالح إلى المجتمعَين المحلي والدولي بأن «التأخير في إنجاز هذا الاستحقاق سيؤدي إلى الفوضى، ويهدد وحدة البلاد». أما بالنسبة للمشهد العسكري في شرق البلاد، فإن المشير خليفة حفتر، قائد «الجيش الوطني»، يرصد ما يجري من اقتتال بين الفصائل المسلحة في طرابلس، وهو الذي سبق أن خاض معركة انتهت عند أبوابها في عامي 2019 و2020، بهدنة تستمر حتى الآن. بل إن حفتر فتح باباً للتأويلات نحو «تحرك جديد» قد يشنُّه على العاصمة، يقتنص فرصة اقتتال ميليشيات العاصمة، وذلك بتعهّده بأن «القوات المسلحة الليبية ستكون لها الكلمة الفاصلة في اللحظة الحاسمة». وجاء كلامه هذا خلال احتفال عسكري نُظِّم في مدينة بنغازي، قاعدة الشرق الليبي، بمناسبة الذكرى الـ11 لـ«عملية الكرامة». ومع ذلك، فإن مراقبين من بينهم المحلل السياسي أيوب الأوجلي، المقرّب من القيادة العامة، رأى أن تصريح حفتر «لا يعني المواجهة المباشرة مع خصوم القيادة العامة». وأردف قائلاً إن «الجيش الوطني الليبي لن يتخلى عن الشعب في حال حصول أي مكروه، أخذاً في الاعتبار حالة الغضب الشعبي ضد حكومة طرابلس». الدبيبة (رويترز) في أي حال، الغيوم السياسية والعسكرية لم تعرقل التحركات الأممية الممدودة بين طرابلس وبنغازي من جانب مبعوثة الأمين العام هانا تيتيه ونائبتها ستيفاني خوري، لتختبر مساراً أممياً آخر سبقه مبعوثون آخرون. لكن الظاهر للعيان أن المسار الأممي لحل الأزمة الليبية ما عاد يحظى بثقة كبيرة لدى قطاعات من الليبيين، بل واتخذ مشهداً غير مسبوق بمظاهرات أمام مقر البعثة الأممية في جنزور (غرب العاصمة). أيضاً، في خضم الحسابات المُعقَّدة للخصوم في ليبيا، فإن السيطرة الكاملة على العاصمة الليبية طرابلس تبقى «الكعكة الكبرى» أو «الهدف الذي يوحِّد الأفرقاء السياسيين والعسكريين»، كما يرى الباحث بمعهد الخدمات الملكية المتحدة، جلال حرشاوي. وبالتالي، تظل الأطراف السياسية المتمسكة بالسلطة في ليبيا - التي لم تسلم من انتقادات المبعوثين الأمميين - تعمل منفردةً لتحقيق ما يراها البعض «مكاسب شخصية»، بينما الأزمة على حالها، ما قد يفتح الباب على كل الاحتمالات. في خضم الخصومات الليبية تبقى السيطرة الكاملة على طرابلس «الكعكة الكبرى» لم تنعم ليبيا بالاستقرار السياسي والأمني منذ اندلاع «ثورة 17 فبراير (شباط) 2011»، بل عاشت في حلقة مفرغة من الانقسامات المزمنة على مدار 14 قرابة سنة. وطوال هذه الفترة توالت على البلاد 8 حكومات، ثلاث منها لم يُعترَف بها دولياً. البداية مع حكومات ما بعد القذافي. كانت حكومة الدكتور عبد الرحيم الكيب، قد أدت اليمين الدستورية بتكليف من «المجلس الانتقالي الليبي» في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2011. حكومة الكيب التي أنهت مهام «المكتب التنفيذي» برئاسة الراحل الدكتور محمود جبريل، قرّرت الاعتماد على ما قالت إنها حكومة كفاءات، لكنها آثرت الاستقالة بعد 11 شهراً أمضتها في السلطة، لتشهد ليبيا أول تجربة تداول سلمي حكومي للسلطة من الكيب إلى خلفه علي زيدان. أما حكومة زيدان التي تولت السلطة في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 فقد كانت على موعد مع حادث خطير وغير مسبوق، حين خطفت إحدى الميليشيات المسلحة رئيس الحكومة نفسه، تزامناً مع تصاعد أعمال الاقتتال وتنامي دور الميليشيات المسلحة في العاصمة، وتحديداً في 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2013. لم يطل عمر حكومة زيدان بعد هذه الواقعة سوى بضعة أشهر، إذ صوَّت «المؤتمر الوطني العام»، (آنذاك)، بحجب الثقة عنها في 11 مارس (آذار) 2014 وتكليف وزير الدفاع عبد الله الثني، بمهام رئيس الحكومة لحين انتخاب رئيس حكومة جديد. وفي 12 مارس (آذار) من العام ذاته أدى الثني، اليمين الدستورية رئيساً مؤقتاً للحكومة لحين انتخاب رئيس وزراء دائم، غير أنه ظل في هذا المنصب حتى سبتمبر (أيلول) 2020، علماً بأن حكومته لم تحظَ باعتراف دولي. وبعد «عملية الكرامة» التي أطلقتها قوات «الجيش الوطني الليبي» في شرق ليبيا في مايو (أيار) 2014، أقال «المؤتمر الوطني العام» -المنعقد حينذاك في طرابلس- الثني، وكلف بدلاً منه عمر الحاسي. وفي مطلع أبريل (نيسان) 2015 سلَّم الحاسي رئاسة «حكومة الإنقاذ» لنائبه خليفة الغويل، فشهدت ليبيا وجود حكومتين: الأولى في بنغازي والأخرى في طرابلس. وبدأ المشهد المنقسم تُرسم معالمه، فمع وجود حكومة الثني المدعومة من البرلمان في شرق البلاد، كانت هناك حكومة الغويل في طرابلس المدعومة هي الأخرى من «المؤتمر الوطني». بعد «اتفاقية الصخيرات» الموقعة يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) عام 2015، باتت حكومة الثني تتنازع السلطة مع حكومة «الوفاق الوطني» برئاسة فائز السراج، المعترف بها دولياً. ولكن بعدما شنت قوات «الجيش الوطني» بقيادة حفتر حربها على طرابلس (2019-2020)، طرحت الأمم المتحدة «خريطة طريق جديدة»، رعتها المبعوثة الأممية السابقة بالإنابة حينها ستيفاني ويليامز، وأسفرت عن خروج حكومة «الوحدة الوطنية» برئاسة عبد الحميد الدبيبة إلى النور. بعد 3 أيام من المشاورات بين أعضاء البرلمان الليبي، حصلت حكومة الدبيبة على ثقة غالبية النواب في جلسة رسمية في 10 مارس (آذار) 2021، برئاسة عقيلة صالح، في مدينة سرت. مع هذا، ما لبث شبح الانقسام السياسي أن عاد مجدداً، ففي21 سبتمبر (أيلول) 2021 قرر مجلس النواب سحب الثقة من حكومة الدبيبة، ليكلف بعدها فتحي باشاغا بتشكيل «حكومة جديدة» منحها الثقة مطلع مارس (آذار) من عام 2022. لكن حكومة باشاغا أخفقت بتسلم مهامها من حكومة «الوحدة الوطنية»، بسبب رفض الأخيرة تسليم السلطة إلاّ لجهة منتخبة، الأمر الذي أعاد البلاد إلى مربع الانقسام السياسي بين حكومة معترف بها دولياً في طرابلس (حكومة الدبيبة) وأخرى غير معترف بها، وتتخذ من بنغازي وسرت مقراً لها (حكومة باشاغا). والواقع، أنه طيلة فترة تولي باشاغا السلطة في شرق البلاد، حاول عبر قوات عسكرية موالية له دخول طرابلس بالقوة لتسلم مهامه، لكن الدبيبة رفض تسليم السلطة، مؤكداً أنه لم يتخلَّ عن منصبه حتى إجراء الانتخابات العامة.وفي 16 مايو (أيار) 2023، أصدر البرلمان الليبي قراراً يقضي بتعليق مهام باشاغا، وإحالته إلى التحقيق وكلّف أسامة حماد رئيساً جديداً للحكومة، وبقي في منصبه حتى اللحظة.


الشرق الأوسط
منذ 5 ساعات
- الشرق الأوسط
عن ليبيا والحاجة لطوق النجاة
في مقدم المشاهد المؤلمة في عالمنا العربي المعاصر، ما يجري في ليبيا، ذلك البلد الشقيق، صاحب الثروات الأدبية والمادية، بعد قرابة عقد ونصف من القلاقل والاضطرابات، التي آن أوان وضع حد لها والتفرغ لإعادة بناء ليبيا الوطنية العصرانية بكل أبنائها، من دون استبعاد أو إقصاء أو عزل، ومن غير ارتكان لأي نوازع أو مبررات. يبدو السؤال الذي يحلق في الآفاق اليوم: كيف يمكن إنقاذ ليبيا، ووضع حد ونهاية لسردية الصراعات الحادثة ما بين شرق البلاد وغربها، وربما جنوبها؟ المثير في شأن الجواب، هو أنه غير خافٍ على أحد، فخريطة طريق إنقاذ ليبيا، معروفة للقاصي والداني، لكن الحاجة كل الحاجة، لإرادة صادقة، قابضة على جمر المستقبل، صاعدة في معارج المجد، مذكرة العالم بدولة كافحت الاستعمار وانتصرت عليها، وحصدت استقلالها بفضل تضحيات شعبها على مدى عقود طوال. يحتاج الحديث عن استنقاذ ليبيا، إلى التساؤل عن ثلاثة أنواع من الإرادات التي يرتبط مستقبل ليبيا بها: الإرادة الوطنية، والإرادات الإقليمية، ثم الدولية. في زمن الوحوش بحسب غرامشي، أي في أوقات السيولة الجيوسياسية الأممية، كما هو حادث الآن للنظام الدولي، لا يمكن أبداً الرهان على إرادات دولية، فالعالم بالنسبة إلى الأقطاب الكبرى الدولية، لا يتجاوز رقعة شطرنج، تتنقل فيها القطع بهدف الفوز الساحق الماحق، ولا مكان على الخريطة لأصحاب النيات الأخلاقية، حيث البراغماتية الميكيافيلّية هي الحاكمة. أما الإرادات الإقليمية، فموصولة بأمور عدة، منها الموقع والموضع الجغرافي، حيث جادت الطبيعة على ليبيا بمكانة فريدة، ذلك أنه فيما هي أفريقية من جهة، فهي عربية من جانب آخر، ومشاطئة لأوروبا من ناحية ثالثة، ما يجعلها عرضة لتجاذبات وتقاطعات تبدو متضاربة في بعض الأحيان. هنا يبقى المخرج الوحيد الآمن والمضمون، هو الإرادة الوطنية لليبيين أنفسهم، ووحدة كلمتهم وقدرتهم على تحديد وتجديد بوصلة بلادهم من خلال بعض الخطوات اليسيرة في مظهرها، الكبيرة الأهمية في مخبرها. لن يمكن لليبيا أن تنطلق إلى الأمام من غير توافق سياسي داخلي بين أبنائها، لكنه توافق مشروط بأمرين، التخلي عن الرؤى الدوغمائية، والخروج من عباءة التوجهات الآيديولوجية. أما عن الشرط الأول، فيكاد يكون إشكالية وعقبة قولاً وفعلاً، لا سيما أن التجارب المتعددة في العقود الأربعة الماضية، أظهرت لنا أن الأفكار والرؤى من هذا النوع، عادة ما تقود إلى تشظي الأمم والتصارع بين أبنائها، انطلاقاً من كونها مطلقات، لا تعرف قسمة الغرماء، ولا آليات التوافق النسبية. فيما الآيديولوجيات تتراجع عالمياً، وما عادت الشعوب تحيا بهذا النوع من الفكر السياسي، بل أضحت الميثودولوجيات، هي البديل الأفضل والأكمل لقيادة الشعوب، وخاصة في الأزمنة المعاصرة، حيث عالم الذكاءات الاصطناعية، وما بعد الإنسان البيولوجي، والحوسبة الكمومية، وغيرها من النوازل العصرانية. تحتاج ليبيا في الوقت الحاضر إلى أمر لا بد منه، يتمثل في تعبير يقال باللغة اللاتينية CONCORDIA أي وحدة القلب، التي من خلالها سيكون من اليسير قبول الآخر، لا عدُّه «الجحيم»، على حد تعبير الفيلسوف الفرنسي الوجودي الشهير جان بول سارتر. وحدة القلب، وتغليب الصالح العام الليبي، وتكريس الثروات الليبية لصالح الليبيين أنفسهم، ستقود حتماً إلى توحيد المؤسسات السياسية، والعسكرية والمالية، تحت راية واحدة، تهدف إلى بلورة ليبيا الموحدة، وذلك من خلال عملية سياسية شرعية، تبدأ من عند انتخابات نزيهة تشمل كل أرجاء البلاد. وهذا المسار، لا يمكن أن يستقيم إلا من خلال خروج جميع الميليشيات العسكرية العاملة في الأراضي الليبية، وأن يكون السلاح في يد الدولة فحسب، جيشاً ومؤسسات أمنية، لا غير. تبدو هذه الجزئية مقلقة، لا سيما في ضوء التجاذبات الدولية، وحسابات المصالح التي تنظر لليبيا على أنها «كنز علي بابا» النفطي، والسياحي، والصحارى المملوءة بالكنوز المختلفة من المعادن. هنا يتساءل المرء: هل هناك حاجة ليبية لدعم خارجي، ينهي تلك الأزمات المتراكمة؟ ربما التعويل الأصيل، ينبغي أن يلقى على عاتق العالم العربي، وعلى جامعة الدول العربية، ومن غير إهمال الأمم المتحدة وبقية المؤسسات الأممية، القادرة على دعم ليبيا لتتجاوز خطر الانقسام البادي أمام أعيننا في الوقت الراهن. تحتاج ليبيا إلى إصلاح أمني وعسكري عاجل، وعدالة انتقالية سريعة وناجزة، والتفرغ لإعادة بناء الاقتصاد الوطني، ضمن رؤية لبناء هوية وطنية جامعة، يشملها خطاب إعلامي يوفق ولا يفرق، ويعزز من الهوية الليبية الواحدة، عبر دروب تعليمية وثقافية واجتماعية متناسقة لصالح الإنسان الليبي. احموا ليبيا الدولة العربية الأبية... ليبيا تستحق الأفضل.


الشرق السعودية
منذ 10 ساعات
- الشرق السعودية
توجيهات جديدة للسفارات الأميركية بشأن كيفية التعامل مع حظر السفر الجديد
أصدرت وزارة الخارجية الأميركية، الجمعة، توجيهات لسفاراتها وقنصلياتها حول العالم بشأن كيفية التعامل مع حظر السفر الجديد الذي أصدره الرئيس دونالد ترمب بحق موطني 12 دولة حول العالم. وتقدم البرقية الدبلوماسية المزيلة بتوقيع وزير الخارجية ماركو روبيو والتي اطلعت عليها شبكة CNN، أول تعليمات محددة بشأن كيفية تعامل المسؤولين القنصليين مع طلبات التأشيرات للمتقدمين من البلدان المحظورة والتي من بينها 4 دول عربية هي ليبيا، الصومال، السودان، واليمن. ولم تتطرق البرقية إلى بعض الجوانب مثل ما يعتبر "استثناء للمصلحة الوطنية"، ولكنها تقول إن التفاصيل بشأن ذلك ستأتي لاحقاً. كما طالبت باستمرار البعثات الدبلوماسية في جدولة مواعيد المتقدمين للحصول على التأشيرات "من البلدان المتأثرة" قبل دخول الإعلان حيز التنفيذ في 9 يونيو الساعة 12:01 صباحاً بالتوقيت الشرقي للولايات المتحدة. ووجهت سفارات وقنصليات الولايات المتحدة حول العالم بأن "تستمر في معالجة التأشيرات بشكل طبيعي، بما في ذلك الموافقة على المتقدمين المؤهلين، وطباعة التأشيرات، وإعادة جوازات السفر مع التأشيرات الصادرة"، كما تقول البرقية. وأضافت أنه "حتى بعد دخول الإعلان حيز التنفيذ، يتم توجيه البعثات الدبلوماسية الأميركية بالاستمرار في جدولة المواعيد للمتقدمين من البلدان المتأثرة". ومع ذلك، بالنسبة للمتقدمين من الدول المحظورة، سيتم رفض تأشيراتهم ما لم يستوفوا أحد معايير الاستثناء، كما تقول البرقية. ولفتت إلى أنه إذا تم منح تأشيرة لمقدم طلب من بلد مقيد قبل 9 يونيو ولم يتلق التأشيرة بعد، فـ"سيتم إلغاء تلك التأشيرة بموجب الإعلان الرئاسي ما لم يتمكن مقدم الطلب من إثبات وجود استثناء". استثناءات البلدان المشمولة بالحظر الكامل تشمل: المتقدمون الذين يحملون جنسية مزدوجة ويتقدمون بجواز سفر بلد غير متأثر. الدبلوماسيون والمسؤولون الحكوميون. موظفو المنظمات الدولية وحلف الناتو. ما يعرف بـ "استثناءات المصلحة الوطنية وبعض الرياضيين وأعضاء الفرق الرياضية". كما تشمل: تأشيرات الهجرة للعائلة المباشرة مع أدلة واضحة ومقنعة على الهوية والعلاقة الأسرية. مثل: الحمض النووي أو السجلات الطبية. هناك أيضاً استثناءات لـ: عمليات التبني. تأشيرات الهجرة الخاصة بالأفغان. تأشيرات الهجرة الخاصة لموظفي الحكومة الأميركية. "الأقليات العرقية والدينية التي تواجه الاضطهاد في إيران". "استثناءات المصلحة الوطنية المعتمدة". وأصدر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأربعاء، قراراً بمنع دخول مواطني 12 دولة إلى الولايات المتحدة، من بينها أربع دول عربية هي ليبيا، الصومال، السودان، واليمن. كما شمل قرار الحظر كلاً من إيران، أفغانستان، ميانمار، تشاد، جمهورية الكونغو، غينيا الاستوائية، إريتريا، وهايتي. في الوقت نفسه، فرض الأمر التنفيذي قيوداً جزئية على دخول رعايا سبع دول إضافية، هي بوروندي، كوبا، لاوس، سيراليون، توجو، تركمانستان، وفنزويلا. وقال ترمب في بيان: "بصفتي رئيساً، يجب أن أتحرك لحماية الأمن القومي والمصلحة الوطنية للولايات المتحدة وشعبها. وأؤكد التزامي بالتعاون مع الدول التي تبدي استعداداً للتنسيق من أجل تحسين آليات تبادل المعلومات وإجراءات التحقق من الهوية، ومعالجة المخاطر المرتبطة بالإرهاب والسلامة العامة". وأشار البيان الصادر عن البيت الأبيض، إلى أن الدول المشمولة بالحظر الكامل تم تصنيفها على أنها "تفتقر إلى الكفاءة في إجراءات التدقيق والتحقق، وتشكل خطراً كبيراً على الولايات المتحدة".