
اقتصاد التبغ في قبضة الحوثيين.. نصف مليار دولار سنوياً لتمويل الحرب
فمنذ سيطرتها على العاصمة صنعاء في 2014، بدأت ميليشيا الحوثي عملية منهجية للهيمنة على المؤسسات الاقتصادية، وقطاع التبغ كان في مقدمة أهدافها، نظرًا لما يدره من عوائد ضخمة، فقد قامت الجماعة بوضع يدها على شركة كمران، كبرى الشركات الوطنية المنتجة للتبغ، من خلال اجتماع غير قانوني لما أسمته "الجمعية العمومية"، عيّنت فيه عدداً من قياداتها في مجلس الإدارة رغم عدم امتلاكهم أي حصة مساهمة، وذلك بهدف السيطرة الكاملة على أصول وأرباح الشركة، ولم تكتفِ بذلك بل منعت تصدير منتجاتها إلى المحافظات المحررة، ما أدى إلى تراجع حاد في الإنتاج، وأجبر الشريك الدولي "الشركة البريطانية الأمريكية للتبغ BAT" على الانسحاب من السوق اليمني، في خطوة عكست عمق الاختلال القانوني والمؤسسي في مناطق سيطرة الميليشيا.
ترافق هذا الاستحواذ مع تفكيك البيئة التنافسية عبر فرض قيود تعسفية على الشركات المستقلة، ورفع الضرائب إلى أكثر من 200%، واستحداث جبايات وإتاوات غير قانونية على المنتجات المصنعة محلياً والمستوردة، بالإضافة إلى إنشاء منافذ جمركية داخلية تحاكي الدول الفاشلة، وهو ما شكّل سابقة في تاريخ اليمن، وضرب مبدأ السيادة الاقتصادية في مقتل.
كما أقدمت الجماعة على إنشاء شركات استيراد موازية يديرها رجال أعمال مقربون منها، أبرزهم مجموعة دغسان، حيث يتم تسجيل شركات بأسماء وهمية لإنتاج وتوزيع أصناف مزورة من ماركات محلية في مصانع خارج اليمن، ومن ثم تهريبها إلى السوق اليمنية ودول عربية مجاورة، ما يشكل نمطاً معقداً من التهريب وتبييض الأموال وتزوير العلامات التجارية.
وتكشف البيانات الرسمية عن أن ميليشيا الحوثي تجني من قطاع التبغ ما بين 450 إلى 500 مليون دولار سنوياً من العائدات المباشرة فقط، تشمل أرباح الشركات المنهوبة والضرائب والجبايات المفروضة على المنتجات الرسمية والمقلدة. كما تستحوذ الجماعة على تجارة السوق السوداء للسجائر المهربة، وتنتشر في السوق اليمنية أكثر من 47 علامة تجارية مزورة، تصل أسعارها في بعض الحالات إلى 500 دولار للكرتون الواحد، ما يعكس حجم الأرباح الخفية التي يتم تدويرها خارج أي رقابة حكومية.
وتشير تقديرات السوق إلى أن أرباح ميليشيا الحوثي من بيع السجائر المقلدة وحدها تقارب 316 مليون دولار سنوياً، تضاف إليها مئات الملايين التي تُجبى من خلال الضرائب غير القانونية على المنتجات المهربة والمزورة.
وإلى جانب التأثيرات المالية والاقتصادية، فإن هذا السلوك الحوثي في التعامل مع قطاع التبغ يمثل تهديداً مباشراً للصحة العامة، إذ تنتشر في الأسواق منتجات رديئة غير خاضعة لأي فحص صحي أو رقابة جودة، وقد ثبت تورط الجماعة في توزيع أصناف خطرة، مجهولة المصدر والمحتوى.
وبحسب تقارير من داخل صنعاء، فقد سجلت المستشفيات ازدياداً في حالات الإصابة بأمراض تنفسية وأورام يُشتبه في ارتباطها بتلك المنتجات، الأمر الذي يكشف كيف باتت صحة اليمنيين تُداس مقابل تمويل المجهود الحربي للميليشيا.
ويرى مراقبون أن هذا الملف هو تجسيد نموذجي لطبيعة الاقتصاد الموازي الذي تديره الميليشيا الحوثية، والذي لم يقتصر على تجريف مؤسسات الدولة بل امتد إلى خلق منظومة موازية تدر مئات الملايين، وتُستخدم لتمويل العمليات العسكرية والإرهابية، بما فيها الهجمات العابرة للحدود على خطوط الملاحة البحرية وأمن الطاقة الإقليمي.
ووفقاً لتقارير صحفية فإن استمرار هذا النمط الاقتصادي يشكل خطراً مزدوجاً: فهو أولاً يُبقي الجماعة قادرة على تمويل حرب طويلة الأمد، وثانياً يضرب أي فرصة لإعادة بناء الدولة اليمنية أو تحقيق استقرار اقتصادي، فضلاً عن تقويضه للثقة الدولية بالبيئة الاستثمارية في البلاد.
ويؤكد خبراء في الشأن اليمني أن تفكيك منظومة الاقتصاد الموازي للحوثيين بات ضرورة ملحة لا تقل أهمية عن المسار العسكري أو التفاوضي، وأن أي حل سياسي شامل لن يكون قابلاً للحياة ما لم تُجفف منابع تمويل الحرب، وفي مقدمتها تلك العوائد الضخمة الناتجة عن استغلال القطاعات الحيوية كالتبغ، ومن هذا المنطلق، فإن استمرار وزارة الإعلام اليمنية في كشف هذه الملفات يمثل خطوة ضرورية لكشف انتهاكات الحوثيين داخلياً، وحشد التأييد الإقليمي والدولي لإجراءات رادعة، قد تشمل فرض عقوبات اقتصادية مركزة، واعتبار شبكات التهريب والجبايات الحوثية جزءاً من منظومة تمويل الإرهاب العابرة للحدود.
وفي ضوء هذا التقرير، يبدو واضحاً أن ميليشيا الحوثي لم تعد مجرد جماعة متمردة، بل تحولت إلى "نظام اقتصادي موازٍ" متكامل، قائم على النهب والتهريب والمضاربة، ويُدار من خلال بنية فساد معقدة ترتبط مباشرة بمشروع إقليمي أكبر تقوده إيران، ويستهدف تفكيك الدولة اليمنية، وتمويل فوضى ممتدة من البحر الأحمر إلى الخليج العربي، وعليه فإن استمرار هذه المنظومة دون تدخل دولي حازم يعني مزيداً من التدهور الاقتصادي، ومزيداً من الألم لليمنيين الذين باتوا محاصرين بين فقر مدقع، وسوق سوداء يديرها سماسرة الحرب.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اذاعة طهران العربية
منذ 21 دقائق
- اذاعة طهران العربية
إيران تستهدف 10 مليارات دولار للتبادل التجاري مع باكستان
وقال بزشكيان: "أؤمن إيماناً راسخاً بأن بإمكاننا، خلال فترة زمنية قصيرة، رفع حجم التبادل التجاري الثنائي من 3 مليارات دولار حالياً إلى الهدف المرسوم وهو 10 مليارات دولار." وأضاف أن الزيارة الحالية إلى باكستان أسفرت عن نتائج قيمة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية، مشيراً إلى توقيع عدد من الوثائق المهمة التي ستسهم في تعزيز التعاون في مجالات التجارة، والثقافة، والسياحة، والنقل، إضافة إلى التبادل العلمي والتعليمي. وأكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أن بلاده تواصل، بعزم جاد، اتصالاتها وحواراتها مع باكستان من أجل تنفيذ الاتفاقات الاقتصادية الثنائية. وأوضح بزشكيان أن من أبرز متطلبات العلاقات بين البلدين هو توسيع مسارات الترانزيت البرية والبحرية والسككية، وتطوير الأسواق الحدودية، وتسهيل الحركة التجارية، وإنشاء مناطق حرة اقتصادية مشتركة، مشيراً إلى أن محادثات بنّاءة قد جرت في هذا الخصوص. وأضاف: "في ظل التهديدات المستمرة من الجماعات الإرهابية، فإن أمن الحدود يمثّل أولوية أساسية للتعاون الثنائي، وقد تم التأكيد على العلاقة الوثيقة بين الأمن والتنمية الاقتصادية في المنطقة." وأكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أن إيران وباكستان تتشاركان رؤى متقاربة حيال القضايا الإقليمية والدولية، مشدداً على أن أمن الدول مترابط، ولا يمكن تحقيق تنمية العلاقات إلا في ظل السلام والاستقرار والطمأنينة. وأوضح بزشكيان، أن من أبرز ما تم التأكيد عليه خلال الاجتماعات هو إدانة الجرائم اللاإنسانية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في فلسطين ولبنان وسوريا، واستمرار الإبادة الجماعية في غزة والاعتداءات الصارخة في المنطقة، وضرورة الوقف الفوري لها. وأضاف: "نحن وباكستان نؤمن بضرورة تشكيل تعاون عملي وفعّال بين دول المنطقة، وخاصة الدول الإسلامية، في مواجهة الكيان الصهيوني، وقد ناقشنا مبادرات لتفعيل هذا التعاون." وأشار إلى أن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة تؤكد مجدداً الحاجة الملحّة إلى إجماع إقليمي لمواجهة تجاوزات هذا الكيان الخارج عن القانون. ودعا بزشكيان في ختام تصريحاته المؤسسات الدولية ومجلس الأمن الدولي إلى الكفّ عن ازدواجية المعايير، والاضطلاع بمسؤولياتهم لمنع التعدي على الدول الأعضاء، ووقف توسع رقعة الحروب، ووضع حد لقتل المدنيين الأبرياء. شهباز شريف: نقف دوماً إلى جانب إيران من جهته، أدان رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف في المؤتمر الصحفي، العدوان الإسرائيلي الأخير على الأراضي الإيرانية، وقال: "إسرائيل ارتكبت في يونيو الماضي عدواناً غير قانوني على الأراضي الإيرانية، ونحن لا ندين ذلك فقط باسم الحكومة، بل باسم شعب باكستان بأسره." وتابع: "ندعو بالشفاء العاجل للمصابين في الحرب التي استمرت 12 يوماً، ونحيي بسالة الجيش الإيراني وسائر القوات المسلحة التي دافعت بقوة في وجه الاعتداءات، ووجهت ضربات صاروخية مؤلمة لإسرائيل." وأكد شهباز شريف على "حق إيران في امتلاك برنامج نووي سلمي"، مشدداً على أن موقف بلاده ثابت في دعم حقوق إيران المشروعة على هذا الصعيد. وأشار رئيس الوزراء الباكستاني إلى أن طهران وإسلام آباد يتشاركان موقفاً موحداً من محاربة الإرهاب، قائلاً: "نرفض تماماً أي شكل من أشكال الإرهاب في إيران، وإذا تعرّض شخص للإرهاب هناك، فكأنما وقع ذلك على أراضينا في باكستان."


شفق نيوز
منذ 42 دقائق
- شفق نيوز
395 شركة إيرانية تنشط في كوردستان.. و4 مليارات دولار حجم التبادل سنوياً
أعلنت غرفة تجارة وصناعة أربيل، اليوم الأحد، أن 395 شركة إيرانية تعمل في قطاعات مختلفة داخل إقليم كوردستان، بينها 200 شركة في مدينة أربيل وحدها، فيما يبلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين 4 مليارات دولار سنوياً. جاء ذلك خلال استقبال نائب رئيس الغرفة، كامران صلاح باجكر، وفداً من أصحاب وممثلي شركات ومصانع ومستثمرين في قطاع البناء من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفق بيان ورد إلى وكالة شفق نيوز. وفي كلمته الترحيبية، أشار باجكر إلى أهمية التعاون الاقتصادي والاستثماري بين الجانبين، داعياً المستثمرين الإيرانيين إلى توسيع أعمالهم وفتح فروع جديدة لشركاتهم في أربيل، مؤكداً استعداد الغرفة لتوفير الدعم والتنسيق اللازم. من جهته، أعلن رئيس الوفد الإيراني نية الشركات الحاضرة الاستثمار في قطاع البناء، لاسيما إعادة إعمار مدينة أربيل، قائلاً: "نسعى لنقل خبراتنا إلى الإقليم، وبالإضافة إلى الاستثمار وفتح فروع لشركاتنا، سنؤسس مصانع في هذا القطاع".


شفق نيوز
منذ 42 دقائق
- شفق نيوز
العراق يحافظ على موقعه بين أكبر الاقتصادات العربية في 2025
شفق نيوز- بغداد أظهرت بيانات صادرة عن صندوق النقد الدولي (IMF)، يوم الأحد، أن العراق جاء في المرتبة الخامسة عربيًا ضمن قائمة أكبر الاقتصادات العربية لعام 2025 من حيث الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، بإجمالي بلغ 259.02 مليار دولار. وبحسب تلك البيانات، فقد جاءت السعودية أولاً بـ 1.083 تريليون دولار، تلتها الإمارات بـ 548.6 مليار دولار، ثم مصر في المركز الثالث بـ 347.59 مليار دولار، وفي المرتبة الرابعة الجزائر بـ 268.88 مليار دولار، تبعها العراق خامسًا بـ 259.02 مليار دولار. وفي المركز السادس حلت قطر بـ 222.78 مليار دولار، ثم المغرب بـ 165.84 مليار دولار، تلتها الكويت بـ 153.1 مليار دولار، وفي المركز التاسع عُمان بـ 103.35 مليار دولار، وأخيرًا تونس في المرتبة العاشرة بـ 96.29 مليار دولار. وتشير هذه الأرقام إلى تفاوت واضح في حجم الاقتصادات العربية، حيث تحتل دول الخليج المراتب المتقدمة بفضل موارد الطاقة والاستثمارات الضخمة، في حين تبرز اقتصادات شمال إفريقيا بثقل سكاني واقتصادي متفاوت. ويواصل الاقتصاد العراقي الحفاظ على موقعه ضمن أكبر خمسة اقتصادات عربية، رغم التحديات السياسية والأمنية والخدمية، مستندًا إلى ثرواته النفطية وموقعه الجغرافي. ومع استقرار أسعار النفط والتوجه الحكومي لتنويع مصادر الدخل، فإن العراق يمتلك فرصة حقيقية لتعزيز مكانته الاقتصادية خلال السنوات المقبلة.