
فرنسا.. حظر التدخين بالشواطئ والمتنزهات وأمام المدارس
قالت الحكومة الفرنسية إنها تعتزم حظر التدخين في الشواطئ والحدائق العامة وأمام المدارس، وفي أماكن أخرى، اعتباراً من أول يوليو لحماية الأطفال، على غرار إجراءات مماثلة في أوروبا التي يزداد النفور فيها من التدخين.
فيما تُستًثنى المناطق المفتوحة في المقاهي من هذا الحظر، ولن ينطبق على تدخين السجائر الإلكترونية، وتشير دراسات علمية إلى فوائد صحية عامة لمنع التدخين في المنشآت العامة.
وقالت وزيرة الصحة والأسرة كاترين فوتران في مقابلة مع صحيفة "ويست فرانس": "يجب أن يختفي التبغ حيثما وجد الأطفال".
وأضافت: "اعتباراً من أول يوليو، ستكون الشواطئ، والحدائق العامة والمتنزهات، والمدارس، وكبائن انتظار الحافلات في الشوارع، والمنشآت الرياضية خالية من التدخين في جميع أنحاء فرنسا، وبالتالي سيكون التدخين محظوراً هناك لحماية أطفالنا".
وأشارت إلى أن التدخين يودي بحياة نحو 200 شخص يومياً في فرنسا.
ضحايا التدخين
وجاء في تقرير نشره المرصد الفرنسي للمخدرات والإدمان هذا الشهر، أن التدخين في فرنسا سجَّل مستويات تاريخية منخفضة.
وكشف التقرير أن أقل من ربع الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و75 عاماً يدخنون يومياً، وهو أدنى مستوى منذ أن بدأ المرصد تدوين السجلات في أواخر التسعينيات.
وأعلنت بريطانيا حظراً مماثلاً للتدخين العام الماضي، وحظرت بعض المناطق الإسبانية التدخين على الشواطئ. وتحظر السويد التدخين في المناطق المفتوحة من المطاعم، ومحطات الحافلات، وأرصفة القطارات، وأفنية المدارس منذ عام 2019.
"منع التدخين"
في أبريل الماضي، أفادت دراسة جديدة نُشرت في دورية "نيكوتين أند توباكو" (Nicotine & Tobacco Research)، التابعة لجامعة أكسفورد، بأن حظر التدخين في المساكن العامة، الذي فرضته الحكومة الأميركية عام 2018، أدى إلى انخفاض ملحوظ في حالات دخول المستشفيات بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية.
ويُعد التدخين، إلى جانب التعرض للتدخين السلبي، من أبرز أسباب الوفيات التي يمكن الوقاية منها في الولايات المتحدة، حيث تودي بحياة 480 ألف شخص سنوياً.
وعلى الرغم من انخفاض نسبة المدخنين السلبيين من 87.5% عام 1988 إلى 25.2% عام 2014، لا يزال 58 مليون غير مدخن في الولايات المتحدة يتعرضون للتدخين السلبي، خاصة في المنازل.
ومنذ مطلع الألفية، بدأت الحكومات المحلية والولائية في فرض حظر على التدخين في الأماكن العامة. وأظهرت دراسات سابقة أن هذه السياسات ساهمت في خفض ضغط الدم الانقباضي، وقللت من حالات الاستشفاء المرتبطة بأمراض القلب.
وفي يوليو 2018، أصدرت وزارة الإسكان والتنمية الحضرية الأميركية قراراً يمنع التدخين داخل جميع مباني الإسكان العام، والذي يشمل أكثر من مليوني شخص في الولايات المتحدة.
وتُعد هيئة إسكان مدينة نيويورك أكبر مؤسسة إسكان عام في البلاد، حيث تضم أكثر من 400 ألف مقيم.
وتُظهر هذه الدراسة أن حظر التدخين في المساكن العامة ليس فقط سياسة فعالة لتحسين جودة الهواء الداخلي، بل أيضاً وسيلة مهمة للحد من الأمراض القلبية الوعائية.
ويقول الباحثون إن النتائج يُمكن أن تشكل دافعاً لاعتماد سياسات مماثلة في دول أخرى لتعزيز الصحة العامة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة سبق
منذ ساعة واحدة
- صحيفة سبق
مع دعوة "الصحة العالمية" إلى حظرها.. دراسة: أضرار السجائر الإلكترونية قد تفوق التدخين العادي!
أطلقت دراسة علمية تحذيرًا هامًا بشأن مخاطر السجائر الإلكترونية، مشيرة إلى أنها قد تشكل تهديدًا على الصحة يضاهي، بل يفوق، ضرر السجائر التقليدية، خاصة مع صعوبة التحكم في استخدامها. ووفق موقع "روسيا اليوم"، تكشف الدراسة، التي يقودها الدكتور ماكسيم بويدين، المحاضر في إعادة تأهيل القلب بجامعة مانشستر متروبوليتان، أن التدخين الإلكتروني يسبب أضرارًا على الأوعية الدموية تشابه تلك الناتجة عن التدخين التقليدي، وقد يساهم في زيادة مخاطر الإصابة بالخرف وأمراض القلب وفشل الأعضاء الحيوية على المدى الطويل. وقال الدكتور بويدين: "ما توصلنا إليه يثبت أن الضرر الناتج عن التدخين الإلكتروني لا يقل خطورة عن السجائر التقليدية، بل قد يكون أسوأ، لأنه يصعب تتبع كمية الاستهلاك أو تحديد متى يجب التوقف". وشملت الدراسة شبابًا تتراوح أعمارهم بين 18 و45 عامًا، خضعوا لاختبارات لقياس مرونة الشرايين وتدفق الدم إلى الدماغ. وتبيّن أن مستخدمي السجائر الإلكترونية والمدخنين التقليديين أظهروا مستويات متقاربة من تلف الشرايين، ما يعد مؤشرًا واضحًا على تدهور صحة القلب والأوعية. وأوضح بويدين أن الضرر ناتج عن مزيج من النيكوتين والمعادن والمواد الكيميائية، المستخدمة في النكهات، والتي تسبب التهابات وإجهادا تأكسديا قد يؤدي إلى تلف جدران الشرايين وموت الخلايا. وأضاف: "إذا استمر الناس في استخدام السجائر الإلكترونية بعد الإقلاع، فإن الأضرار ستبقى قائمة. نواجه خطر أزمة صحية خلال السنوات العشر إلى الخمس عشرة المقبلة إذا لم نتحرك الآن".


الشرق للأعمال
منذ ساعة واحدة
- الشرق للأعمال
أسهم أوروبا تهيمن على المكاسب العالمية في ظل تأثيرات رسوم ترمب
برزت أسهم أوروبا ضمن قائمة الرابحين عالمياً مع تحسن التوقعات الاقتصادية للمنطقة في الوقت الذي تعاني فيه الأسواق المالية الأميركية جراء الحرب التجارية التي يشنها الرئيس دونالد ترمب. بعد خمسة أشهر من بداية العام، تضم أوروبا ثمانية من أفضل 10 أسواق أسهم أداءً في العالم، وفقًا لبيانات جمعتها بلومبرغ. وتضم هذه القائمة مؤشر "داكس" الألماني الذي حقق ارتفاعاً بأكثر من 30% بالدولار، بالإضافة إلى أسواق أخرى أقل مركزية مثل سلوفينيا وبولندا واليونان والمجر. يتفوق مؤشر "ستوكس 600" الأوروبي على مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" (S&P 500) بفارق قياسي بلغ 18 نقطة مئوية بالدولار، مدعوماً بخطط الإنفاق المالي التاريخي لألمانيا وقوة اليورو. يقول المشاركون في السوق إن هناك المزيد من العوامل الإيجابية في المستقبل، إذ تجعل الأرباح القوية للشركات والتقييمات الجذابة المنطقة رهاناً أكثر أماناً في ظل سيطرة المخاوف بشأن التجارة وديون الميزانية على الاقتصاد الأميركي. "عادت أوروبا إلى الواجهة"، بحسب فريدريك كاريير، رئيسة استراتيجية الاستثمار في الجزر البريطانية وآسيا لدى "آر بي سي ويلث مانجمنت" (RBC Wealth Management). وأضافت: "نتلقى المزيد من الأسئلة حول أوروبا خلال الشهرين الماضيين مقارنةً بما تلقيناه خلال السنوات العشر الماضية". إذا استمر الأداء المتفوق، فسيُمثل تحولاً من سنوات الركود في الأسواق الأوروبية. وقد يغذى هذا الارتفاع نفسه: فمع ارتفاع أسعار الأسهم في القارة، من المرجح أن تجذب أصولاً جديدة من جميع أنحاء العالم، وفقاً للمستثمرين المراهنين على ارتفاع سوق الأسهم. قال محللو مجموعة "يو بي إس" في مذكرة حديثة إن تحول المستثمرين عن الأصول الأميركية سيُوجه 1.2 تريليون يورو (1.4 تريليون دولار) إلى سوق الأسهم الأوروبية خلال السنوات الخمس المقبلة. مكاسب هذا العام تلقت دفعة في وقت مبكر من مقترح برلين -المعروفة بتقشفها المالي- بإنفاق مئات المليارات من اليورو على البنية التحتية والدفاع. ويتوقع اقتصاديون في "سيتي غروب" أن يعزز هذا الإصلاح النمو بأنحاء منطقة اليورو اعتباراً من النصف الثاني من 2026. الأنظار على الركود في أميركا على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، عاد المستثمرون مجدداً لمراقبة احتمالات الركود، وسط مخاوف من التضخم وعجز الميزانية الأميركية. تضررت المعنويات تجاه سندات الخزانة الأميركية في مايو بعدما جردت "موديز" الولايات المتحدة من تصنيفها الائتماني الممتاز، بينما قفزت عوائد السندات أيضاً بسبب مقترحات ترمب لخفض الضرائب. وفي ضربة لأجندة ترمب التجارية، أصدرت محكمة أميركية حكماً نادراً بوقف كثير من الرسوم الجمركية التي هدد الرئيس بفرضها أو فرضها بالفعل على شركاء تجاريين رئيسيين. كما يثير إجراء ضريبي مقترح يثير القلق في "وول ستريت" إذ من شأنه أن يرفع معدلات الضرائب على الأفراد والشركات من دول ذات سياسات ضريبية "تمييزية"، مما قد يؤدي لعزوف المستثمرين الأجانب. "S&P 500" متأخر رغم التعافي رغم تعافي مؤشر "إس آند بي 500" خلال مايو، فلا يزال متأخراً عن الأسواق الأخرى هذا العام. وارتفع المؤشر حوالي 0.5% فحسب منذ بداية العام مقارنةً مع قفزة بنسبة 12% لمؤشر "إم إس سي آي" العالمي (MSCI All-Country World Index) الذي يشمل جميع الدول عدا الولايات المتحدة. كما يحتل المرتبة 73 بين 92 مؤشراً تتابعها "بلومبرغ". اعتبرت بياتا مانثي، رئيسة استراتيجية الأسهم الأوروبية والعالمية في "سيتي غروب"، أن منطقة اليورو في "وضع جيد نسبياً" إذ لدى البنك المركزي الأوروبي مجال لمزيد من الخفض في أسعار الفائدة، في ظل عدم المبالغة بتقييمات الأسهم. "بالطبع إذا حدث ركود في الولايات المتحدة، فلن يمر ذلك دون خسائر لأي سوق، لكن عدم وجود حماسة مفرطة في أوروبا يجعلها أكثر قدرة على الصمود أمام موجة بيع أكبر" بحسب مانثي، التي أضافت: "تجنب المستثمرون المنطقة لفترة طويلة لدرجة أن التدفقات الداخلة لا تزال ضئيلة مقارنة مع تلك التي خرجت في السنوات القليلة الماضية". الأسواق غير الرئيسية الرابحة تهيمن مجموعة من الأسواق الأوروبية الأصغر حجماً على قوائم الأسواق المتصدرة هذا العام. يُعد مؤشر "إس بي آي توب" (SBI TOP) للأسهم القيادية في سلوفينيا ثاني أفضل مؤشر أداءً على مستوى العالم، حيث ارتفع بنسبة 42% بالدولار، ليأتي بعد مؤشر غانا القياسي. وارتفع مؤشر "دبليو آي جي 20" (WIG20) البولندي بنسبة 40%، بينما ارتفعت المؤشرات المعيارية في اليونان والمجر بأكثر من 34% بكلا البلدين. أوصى الاستراتيجيون في بنك "سوسيتيه جنرال" بالاستثمار في الأسواق غير الرئيسية بأوروبا هذا العام، مشيرين إلى ارتفاع علاوة المخاطرة، بالإضافة إلى الاستقرار السياسي النسبي. ويواصل الفريق توقع أداء متفوق، حيث يتوقعون أن تمنح عوائد السندات السيادية حمايةً أكبر من عوائد بعض الدول ذات الإنفاق الكبير مثل فرنسا وألمانيا. كانت الأسهم الدفاعية من بين أكبر الرابحين هذا العام، حيث كانت سبعة من أفضل عشرة أسهم أداءً في مؤشر "ستوكس 600" مرتبطة بهذا القطاع. وقد ارتفعت جميعها بنسبة 90% على الأقل، وتصدرت شركات التصنيع المرتبطة بالدفاع الألمانية "رينك غروب إيه جي" و"راينميتال إيه جي" و"هينسولدت إيه جي" القائمة. كما سجلت أسهم البنوك والتأمين تفوقاً في أدائها خلال 2025. تسائل فلوريان إيلبو، رئيس قسم أبحاث الاقتصاد الكلي في "لومبارد أوديير إنفستمنت مانجرز" (Lombard Odier Investment Managers) : "ما الذي لا يُعجبك في الأسهم الأوروبية؟" وأضاف: "في الولايات المتحدة، تُعاقب على أخذ المخاطرة، لكن في أوروبا تُكافأ على ذلك. يبدو أن التضخم تحت السيطرة، وأخيراً هناك بعض الوضوح. أما في الولايات المتحدة، فلا يزال المرء يتساءل عما سيحدث غداً، وما التغريدات التي سيقرأها". تفاؤل بشأن الأرباح شهدت أرباح الشركات تحسناً ملحوظاً، حيث ارتفعت أرباح الشركات المدرجة في مؤشر "إم إس سي آسي أوروبا" في الربع الأول بنسبة 5.3% مقارنةً بتوقعات بانخفاض بنسبة 1.5%، وفقاً لبيانات جمعتها "بلومبرغ إنتليجنس". وبينما قلص العديد من المسؤولين التنفيذيين من توقعاتهم نظراً لاستمرار حالة عدم اليقين التجاري، خفض عدد أقل من المحللين تقديرات الأرباح في الأسابيع الماضية، مشيرين إلى أن أسوأ تخفيضات التوقعات قد تكون قد انتهت. من المؤكد أن آفاق التجارة العالمية لا تزال تُشكّل خطراً رئيسياً. وقد منحت محكمة استئناف فيدرالية ترمب مهلة مؤقتة لحكم يهدد بإلغاء الجزء الأكبر من أجندته المتعلقة بالرسوم الجمركية. في حين صرّح الرئيس بأنه سيرفع الرسوم على الصلب والألومنيوم من 25% إلى 50%. تُعدّ العديد من الصناعات الأوروبية، بما في ذلك شركات التعدين وصناعة السيارات والسلع الفاخرة، منكشفة بشدة على الأسواق العالمية من حيث إيراداتها. وقد خفّض المحللون هذا العام تقديرات أرباح مؤشر "ستوكس 600" للاثني عشر شهراً المقبلة بنحو 1.4%، وفقاً لبيانات جمعتها "بلومبرغ". لا يزال بعض خبراء السوق يراهنون على أن الأسهم الأوروبية ستتفوق على نظيراتها الأميركية، حيث يتوقع فريق "جيه بي مورغان" تحقيق أفضل تفوق في أدائها على الإطلاق. في المتوسط، أظهر استطلاع أجرته "بلومبرغ" وشمل 20 استراتيجياً توقعوا أن يرتفع مؤشر "ستوكس 600" بنسبة 1% إضافية عن مستوياته الحالية. وقال فرانسوا ريميو، الخبير الاستراتيجي في "لا فرانسيز أسيت ما نجمنت" (La Francaise Asset Management): "لأول مرة منذ فترة طويلة، أعتقد أن هناك فرصة لتفوق الأسهم الأوروبية على السوق الأميركية". وأضاف: "لكي يستمر هذا التفوق، يجب أن تُظهر الأرباح نمواً حقيقياً في العام المقبل".


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
«الغرب» يبحث عن صيغة جديدة تجنّبه التحوّل إلى مجرّد مفهوم جغرافي
ينطبع في أذهان غالبية البشر أن الحرية والرفاهية والتقدّم (إلخ...) «كنوز» موجودة بشكل أساسي في «العالم الغربي»، المعروف بأنه يشمل دول أوروبا الغربية وأميركا الشمالية وأستراليا، وثمة من يرى أن هذا المفهوم الجيوسياسي - اقتصادي - اجتماعي صار يشمل دول أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية. ما هو منطبع في الأذهان أيضاً أن الغرب تغلّب سياسياً وثقافياً واقتصادياً على المعسكر الشرقي الذي سقط بسقوط الاتحاد السوفياتي في بداية العقد الأخير من القرن الماضي، الأمر الذي بشّر بفتح صفحة جديدة في التاريخ العالمي مكتوبة بحروف السلام والوئام والازدهار. وتفاءل كُثر بانتشار القيم الغربية البرّاقة وغلبة منظومة الأسواق الحرة وتضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء ومحو الأمية والقضاء على الأمراض... وسوى ذلك من أحلام وردية. كانت فرحة يستحيل أن تدوم، فالعالم يسلك منذ فجر التاريخ مساراً دائرياً يتضمن محطات منيرة، وكذلك أزمات وحروباً وخيبات. بدأ الجو السلبي يتمظهر مع علامات على اهتزاز الأحادية القطبية (التي لم تحسن التعامل مع موقعها المتسيّد) في ظل صعود الصين وروسيا والخشية من حرب باردة جديدة. وهذا كان أمراً متوقعاً في عالم معقّد تفوق فترات اضطرابه فترات الهدوء بشوط كبير. لكن ما لم يكن متوقعاً هو ما يحصل الآن بوتيرة سريعة... دونالد ترمب وفولوديمير زيلينسكي يوم المشادة الشهيرة في البيت الأبيض... 28 فبراير 2025 (أرشيفية) عرفت ولاية دونالد ترمب الأولى توترات بين العمودين الأساسيين للغرب، الولايات المتحدة وأوروبا. ومع خسارة ترمب ودخول جو بايدن إلى البيت الأبيض، تنفس الأوروبيون الصعداء، خصوصاً أن الرئيس الديمقراطي أعلن بالفم الملآن أن «أميركا عادت». لكنْ بعد أربع سنوات من هذا الإعلان ها هم الأوروبيون يشاهدون الآن مذهولين تخلّي أميركا عن التعاون المعهود عبر ضفّتي الأطلسي، إلى درجة أن الزعماء الأوروبيين بدأوا يبحثون عن موقف وهوية بما يعكس اقتناعاً بأن الغرب الذي عرفه العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 في طريقه إلى الزوال، وبأن ثمة نظاماً جديداً يرتسم في الأفق ولا بد لهم من إيجاد مكان فيه. استطراداً، لا شك في أن الغرب صار منقسماً على أسس آيديولوجية بعد تراجع أهمية القيَم المشتركة والمصالح الاستراتيجية الواحدة. ويمكن تلخيص أسباب التباين الذي يتحول بسرعة إلى انقسام حادّ على النحو الآتي: * خسر دونالد ترمب أمام جو بايدن في انتخابات 2020 وما لبث أن ثأر من خصمه وفاز عليه بعد أربع سنوات ليعود إلى الواجهة شعار «أميركا أولاً» الذي يعني التركيز على الشأن الداخلي والمحيط المباشر (كندا والمكسيك، ولا ننسى قناة بنما...). وهذا يعني حكماً خفض الاهتمام بأوروبا «القارة العجوز» واستتباعاً بحلف شمال الأطلسي (ناتو) حامي القارة بدرع عسكرية معظم مكوّناتها أميركية. من هنا نفهم حماسة ترمب لإنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية وإصراره على الظفر بتعويض مادي (عبر اتفاق المعادن) عمّا قدمته بلاده لأوكرانيا طوال أكثر من ثلاث سنوات. ولعل العودة إلى كلام نائب الرئيس جي دي فانس في مؤتمر ميونيخ للأمن وما تعرض له الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض تكفي لفهم مقاربة الإدارة الأميركية لـ«مشكلات الآخرين». * شعار «أميركا أولاً» تحوّل إلى آلية عمل اعتمدت مواقف حمائية وفرضت رسوماً جمركية على عدة دول وبالتالي على عدة منتجات أوروبية بهدف حماية الصناعات الأميركية، ولمّا ردّ الأوروبيون بالمثل تولّد توتر في العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، يضاف إلى التوتّر الناجم عن المقاربتين المتناقضتين لمسألة المناخ بين أوروبا التي كانت سبّاقة في اعتماد سياسات بيئية طموحة والولايات المتحدة التي لا يعترف رئيسها بالتغيّر المناخي. * القومية والشعبوية ظاهرة تتصاعد في كل من الولايات المتحدة وأوروبا. لكن الفرق أنها في صلب فلسفة إدارة ترمب، بينما لم تنجح في الوصول إلى السلطة في غالبية الدول الأوروبية وبقيت في المعارضة. لذا تشعر القوى السياسية التقليدية في أوروبا، سواء كانت يمينية محافظة أو يسارية معتدلة، بالريبة من السياسة الأميركية وأي صعود محتمل لليمين المتطرف في هذه الدولة أو تلك. هذه العوامل مجتمعة أقامت جداراً من عدم التوافق يصعب تجاوزه، وهو ما يدفع القادة الأوروبيين إلى البحث عن استقلال استراتيجي وسبل لتعزيز مكانة أوروبا في النظام العالمي الجديد. والمؤكد أن التحالف عبر الأطلسي دخل مرحلة عصيبة للغاية، أسوأ مما كانت عليه خلال ولاية ترمب الأولى، خصوصاً أن الرئيس الأميركي لا يخفي شعوره السلبي تجاه الاتحاد الأوروبي، ويقول إن الاتحاد و«الناتو» مكّنا الدول الأوروبية من استغلال الولايات المتحدة طويلاً. وهو بذلك ينسجم مع القوى السياسية المتطرفة في أوروبا التي تطمح بشكل أو بآخر إلى التخلص من الاتحاد الأوروبي و«حكم بروكسل»، ومن هؤلاء رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، ونظيراه السلوفاكي روبرت فيكو والإيطالية جورجيا ميلوني، علماً أن الأخيرة ليّنت موقفها منذ توليها منصبها عام 2022. المستشار الألماني فريدريش ميرتس (أ.ف.ب) عموماً، لا يزال اليمين المتطرف يتقدّم في أوروبا، وإن بوَتائر مختلفة وبوجود عقبات بعضها سياسي، وبعضها الآخر قانوني (تكبيل القضاء الفرنسي ليدَي مارين لوبن مثلاً). ولم يتردد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الكلام عن بروز «رجعية عالمية»، يحاول التصدي لها هو والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، ورئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وحليف من خارج الاتحاد الأوروبي هو رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر. ميرتس قدّم من جهته نموذجاً للتحرك العملي في اتجاه إعادة بلورة، بل ابتكار، الشخصية الأوروبية المستقلة، فقد قرر نشر قوة دائمة قوامها 5 آلاف جندي في ليتوانيا، في مؤشر يدلّ على حقبة جيوسياسية جديدة. وهو بذلك، ردّ على مطالبة واشنطن لأوروبا بتولي المسؤولية الرئيسية عن أمنها. ولئن كان عديد هذه القوة غير كافٍ لصد هجوم روسي شامل، فإنه حتماً كافٍ لإثارة رد فعل واسع النطاق في أوروبا وغرس شعور بالحذر في روسيا، مع أن ليتوانيا لا تتشارك حدوداً معها بل مع لاتفيا وبولندا وبيلاروسيا، الحليف الأقرب لموسكو. والأهم أن القرار الألماني قد يكون الخطوة الأولى في سلسلة خطوات أوروبية تريح ترمب وتطمئنه إلى أن الولايات المتحدة ستتخلص من بعض «العبء الأطلسي» الذي تحمله منذ ثمانية عقود. منطقياً، لا بد لفرنسا أن تضطلع بدور ريادي في تحقيق النقلة الاستراتيجية، فهي الأقدر عسكرياً في أوروبا الغربية. وقد أبدى ماكرون أخيراً افتخاره بتذكير الفرنسيين بأن الجيش الفرنسي هو الوحيد بين الجيوش الأوروبية الغربية المكتفي ذاتياً، أي إنه لا يحتاج إلى معدّات وقطع غيار وذخائر تأتي من الضفة الأخرى للمحيط الأطلسي. لطريقة إنهاء الحرب في أوكرانيا دور كبير في رسم ملامح الوجه الجديد لـ«الغرب» (أ.ف.ب) في خضمّ كل ما يجري في المسرح الجيوسياسي والجيواقتصادي، يمكن أن ينبثق نظام عالمي جديد بتعاون أوثق بين ضفتي الأطلسي، اللتين تتمتعان بسجل حافل من العمل معاً وتستطيعان القيام بدور قيادي في كل المجالات. ومن المرجح أن يتشكل مستقبل الغرب من خلال مزيج من التحديات والفرص التي يفرضها عالم متعدد الأقطاب يشهد صعود قوى غير غربية (تكتل «بريكس»، منظمة شنغهاي للتعاون...)، مما قد يؤدي إلى تزايد التنافس والحاجة إلى تعاون فعّال في مواجهة قضايا عالمية مثل تغير المناخ. وفي الوقت نفسه، على الغرب مواجهة تحديات داخلية مثل تراجع الديمقراطية وصعود الشعبوية والقومية. سوف يحدد الغرب مستقبله من خلال قدرته على التكيف مع المشهد العالمي الذي يشهد تحوّلات جذرية تبتعد به عن «الخريطة» التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية ثم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. ومن الحيوي في هذا السياق البدء بطيّ صفحة الحرب الروسية - الأوكرانية عبر حل واقعيّ لا يغفل الواقع الميداني ولا يُعطي في الوقت نفسه روسيا أسباباً تفتح شهيتها على التوسع ومدّ النفوذ. فهذه الحرب التي وحّدت الغرب منذ بدايتها أدت عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض إلى جعلها عنصر خلاف استراتيجي بين أميركا وأوروبا. والطريقة التي ستُنهى بها هي التي ستحدّد بقاء «الغرب» مفهوماً ثقافياً يحتضن الليبرالية الديمقراطية أو تحوله إلى مجرد كيان جغرافي يشمل الولايات المتحدة وكندا ودول أوروبا الغربية.