logo
النباتيون يعانون من نقص في الأحماض الأمينية الأساسية

النباتيون يعانون من نقص في الأحماض الأمينية الأساسية

العربي الجديد٠٩-٠٥-٢٠٢٥

كشفت دراسة حديثة أن أغلب من يتّبعون نظاماً غذائياً نباتياً صارماً، يحصلون على كمية كافية من البروتين اليومي، إلا أن نسبة كبيرة منهم لا يحصلون على كفايتهم من حمضي الليسين والليوسين، وهما من الأحماض الأمينية الأساسية التي لا يستطيع الجسم إنتاجها. وفي الدراسة التي نُشرت يوم 16 إبريل/نيسان الحالي في دورية PLOS One، أشار المؤلفون إلى أن
النظام الغذائي النباتي
، رغم فوائده الصحية والبيئية المعروفة، يتطلّب وعياً أكبر بتنوع مصادر البروتين وجودته، لضمان حصول الجسم على جميع الأحماض الأمينية التي يحتاجها.
وتتكون البروتينات التي نتناولها يومياً من وحدات صغيرة تُعرَف بالأحماض الأمينية. يستطيع الجسم إنتاج معظم هذه الأحماض، لكن هناك تسعة أحماض تسمى بالأحماض الأمينية الأساسية، يجب الحصول عليها من الطعام فقط. ومصادر البروتين الحيواني، كالحليب والبيض و
اللحم
، أكثر اكتمالاً من الناحية التغذوية، لأنها تحتوي على هذه الأحماض بنسبة متوازنة وسهلة الامتصاص. "أما في الأنظمة النباتية، فتختلف تركيبة الأحماض الأمينية حسب كل نوع من النبات، ما يجعل من الضروري التنويع بين الأصناف النباتية المختلفة لضمان الحصول على جميع الأحماض الضرورية"، توضح المؤلفة الرئيسية للدراسة، بي شيو باتريشيا سو، باحثة الدكتوراه في التغذية البشرية في جامعة ماسي النيوزيلندية.
وتضيف باتريشيا سو في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن الدراسة اعتمدت على تحليل يوميات غذائية مفصلة، سجلها 193 شخصاً نباتياً يعيشون في نيوزيلندا، وذلك على مدى أربعة أيام. استخدم الباحثون قواعد بيانات غذائية من الولايات المتحدة ونيوزيلندا لحساب كمية الأحماض الأمينية التي حصل عليها المشاركون من مختلف الأطعمة التي تناولوها. "أظهرت النتائج أن نحو 75 في المائة من المشاركين استوفوا الكمية اليومية المطلوبة من
البروتين
. وتبين أن استهلاك جميع الأحماض الأمينية الأساسية كان كافياً عند الأخذ بالاعتبار وزن الجسم"، تقول الباحثة.
وتضيف أنه عند احتساب قابلية هضم هذه الأحماض، أي مدى قدرة الجسم على امتصاصها واستخدامها فعلياً، تبيّن أن نصف المشاركين فقط حصلوا على الكمية اليومية الموصى بها من حمضي الليسين والليوسين. وأوضحت الباحثة أن البقوليات والبازلاء والعدس كانت من بين أكثر الأطعمة مساهمة في تزويد المشاركين بالبروتين والليسين على وجه الخصوص.
لايف ستايل
التحديثات الحية
كيف يعوّض النباتيون عن فوائد اللحوم؟
جودة الأحماض الأمينية أهم من الكمية
تؤكد هذه النتائج ضرورة التمييز بين كمية البروتين المستهلكة وجودته، بحسب المؤلفة الرئيسية التي تشدد على أنه يمكن أن يحصل الإنسان على كمية كافية من البروتين يومياً، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنه يحصل على كل الأحماض الأمينية الأساسية، أو أن جسمه قادر على الاستفادة منها بكفاءة. "النظام النباتي أكثر الأنظمة الغذائية تقييداً من ناحية مصادر المغذيات؛ وتحقيق جودة بروتين عالية فيه يتطلّب أكثر من مجرد استهلاك كميات كافية، بل يحتاج إلى توازن وتنوع كبير في المصادر النباتية لضمان تزويد الجسم بكل الأحماض الأمينية بالكميات المطلوبة"، تقول باتريشيا سو.
وأضافت: "في دراستنا، كان الليسين والليوسين من أكثر الأحماض الأمينية التي لم تصل إلى مستوياتها اليومية المطلوبة بين المشاركين. ويعود ذلك إلى أن أطعمة نباتية عدة تحتوي على كميات قليلة من هذه الأحماض القابلة للامتصاص. ومع ذلك، برزت البقوليات والمكسرات والبذور بوصفها مصادر نباتية مهمة يمكن أن تدعم ليس فقط كمية البروتين الإجمالية، بل أيضاً تعزز مستويات الليسين والليوسين في النظام النباتي".
وتوصي الدراسة بضرورة إجراء أبحاث مستقبلية تركز على سبل تعزيز استهلاك حمضي الليسين والليوسين لدى النباتيين، وذلك بطرق غذائية صحية ومتوازنة. ويكتسب هذا التوجه أهمية خاصة مع تزايد عدد الأشخاص الذين يتجّهون نحو الأنظمة الغذائية النباتية لأسباب صحية أو بيئية أو أخلاقية. تنبّه الباحثة إلى أن النقص طويل الأمد في الأحماض الأمينية الأساسية، قد يؤثّر سلباً بتوازن البروتين في الجسم، وبوظائف عضلية وحيوية أخرى، ولا سيما في الفئات الأكثر عرضة للمخاطر، ككبار السن أو الرياضيين أو الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

النباتيون يعانون من نقص في الأحماض الأمينية الأساسية
النباتيون يعانون من نقص في الأحماض الأمينية الأساسية

العربي الجديد

time٠٩-٠٥-٢٠٢٥

  • العربي الجديد

النباتيون يعانون من نقص في الأحماض الأمينية الأساسية

كشفت دراسة حديثة أن أغلب من يتّبعون نظاماً غذائياً نباتياً صارماً، يحصلون على كمية كافية من البروتين اليومي، إلا أن نسبة كبيرة منهم لا يحصلون على كفايتهم من حمضي الليسين والليوسين، وهما من الأحماض الأمينية الأساسية التي لا يستطيع الجسم إنتاجها. وفي الدراسة التي نُشرت يوم 16 إبريل/نيسان الحالي في دورية PLOS One، أشار المؤلفون إلى أن النظام الغذائي النباتي ، رغم فوائده الصحية والبيئية المعروفة، يتطلّب وعياً أكبر بتنوع مصادر البروتين وجودته، لضمان حصول الجسم على جميع الأحماض الأمينية التي يحتاجها. وتتكون البروتينات التي نتناولها يومياً من وحدات صغيرة تُعرَف بالأحماض الأمينية. يستطيع الجسم إنتاج معظم هذه الأحماض، لكن هناك تسعة أحماض تسمى بالأحماض الأمينية الأساسية، يجب الحصول عليها من الطعام فقط. ومصادر البروتين الحيواني، كالحليب والبيض و اللحم ، أكثر اكتمالاً من الناحية التغذوية، لأنها تحتوي على هذه الأحماض بنسبة متوازنة وسهلة الامتصاص. "أما في الأنظمة النباتية، فتختلف تركيبة الأحماض الأمينية حسب كل نوع من النبات، ما يجعل من الضروري التنويع بين الأصناف النباتية المختلفة لضمان الحصول على جميع الأحماض الضرورية"، توضح المؤلفة الرئيسية للدراسة، بي شيو باتريشيا سو، باحثة الدكتوراه في التغذية البشرية في جامعة ماسي النيوزيلندية. وتضيف باتريشيا سو في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن الدراسة اعتمدت على تحليل يوميات غذائية مفصلة، سجلها 193 شخصاً نباتياً يعيشون في نيوزيلندا، وذلك على مدى أربعة أيام. استخدم الباحثون قواعد بيانات غذائية من الولايات المتحدة ونيوزيلندا لحساب كمية الأحماض الأمينية التي حصل عليها المشاركون من مختلف الأطعمة التي تناولوها. "أظهرت النتائج أن نحو 75 في المائة من المشاركين استوفوا الكمية اليومية المطلوبة من البروتين . وتبين أن استهلاك جميع الأحماض الأمينية الأساسية كان كافياً عند الأخذ بالاعتبار وزن الجسم"، تقول الباحثة. وتضيف أنه عند احتساب قابلية هضم هذه الأحماض، أي مدى قدرة الجسم على امتصاصها واستخدامها فعلياً، تبيّن أن نصف المشاركين فقط حصلوا على الكمية اليومية الموصى بها من حمضي الليسين والليوسين. وأوضحت الباحثة أن البقوليات والبازلاء والعدس كانت من بين أكثر الأطعمة مساهمة في تزويد المشاركين بالبروتين والليسين على وجه الخصوص. لايف ستايل التحديثات الحية كيف يعوّض النباتيون عن فوائد اللحوم؟ جودة الأحماض الأمينية أهم من الكمية تؤكد هذه النتائج ضرورة التمييز بين كمية البروتين المستهلكة وجودته، بحسب المؤلفة الرئيسية التي تشدد على أنه يمكن أن يحصل الإنسان على كمية كافية من البروتين يومياً، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنه يحصل على كل الأحماض الأمينية الأساسية، أو أن جسمه قادر على الاستفادة منها بكفاءة. "النظام النباتي أكثر الأنظمة الغذائية تقييداً من ناحية مصادر المغذيات؛ وتحقيق جودة بروتين عالية فيه يتطلّب أكثر من مجرد استهلاك كميات كافية، بل يحتاج إلى توازن وتنوع كبير في المصادر النباتية لضمان تزويد الجسم بكل الأحماض الأمينية بالكميات المطلوبة"، تقول باتريشيا سو. وأضافت: "في دراستنا، كان الليسين والليوسين من أكثر الأحماض الأمينية التي لم تصل إلى مستوياتها اليومية المطلوبة بين المشاركين. ويعود ذلك إلى أن أطعمة نباتية عدة تحتوي على كميات قليلة من هذه الأحماض القابلة للامتصاص. ومع ذلك، برزت البقوليات والمكسرات والبذور بوصفها مصادر نباتية مهمة يمكن أن تدعم ليس فقط كمية البروتين الإجمالية، بل أيضاً تعزز مستويات الليسين والليوسين في النظام النباتي". وتوصي الدراسة بضرورة إجراء أبحاث مستقبلية تركز على سبل تعزيز استهلاك حمضي الليسين والليوسين لدى النباتيين، وذلك بطرق غذائية صحية ومتوازنة. ويكتسب هذا التوجه أهمية خاصة مع تزايد عدد الأشخاص الذين يتجّهون نحو الأنظمة الغذائية النباتية لأسباب صحية أو بيئية أو أخلاقية. تنبّه الباحثة إلى أن النقص طويل الأمد في الأحماض الأمينية الأساسية، قد يؤثّر سلباً بتوازن البروتين في الجسم، وبوظائف عضلية وحيوية أخرى، ولا سيما في الفئات الأكثر عرضة للمخاطر، ككبار السن أو الرياضيين أو الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة.

العاملون في القطاع الصحي: غسل ملابسهم في المنازل يهدد بانتشار البكتيريا
العاملون في القطاع الصحي: غسل ملابسهم في المنازل يهدد بانتشار البكتيريا

العربي الجديد

time٠٩-٠٥-٢٠٢٥

  • العربي الجديد

العاملون في القطاع الصحي: غسل ملابسهم في المنازل يهدد بانتشار البكتيريا

كشفت دراسة حديثة أن الممرضات والعاملين في القطاع الصحي الذين يغسلون زيهم في المنزل، قد يسهمون من دون قصد في نشر عدوى خطيرة داخل المستشفيات، بسبب فشل الغسالات المنزلية في القضاء الكامل على البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. تدق الدراسة، التي نُشرت يوم 30 إبريل/نيسان الماضي في مجلة PLOS One، ناقوس الخطر حول ما وصفته بـ"الثغرة المهملة" في منظومة مكافحة العدوى في المستشفيات، التي تتمثل في غسل الزي الطبي خارج المنشآت الصحية، باستخدام معدات غير مخصصة لهذا الغرض. توضح المؤلفة الرئيسية للدراسة كاتي ليرد، أستاذة علم الأحياء الدقيقة، ورئيسة مجموعة أبحاث الأمراض المعدية في جامعة دي مونتفورت في ليستر في المملكة المتحدة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنه رغم أن كثيراً من الممرضين والعاملين في القطاع الطبي يعتمدون على الغسالات المنزلية في تنظيف زيهم يومياً، إلا أن النتائج تشير إلى أن هذه الممارسة قد تكون محفوفة بالمخاطر، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، وتعد من أخطر التحديات التي تواجه الأنظمة الصحية عالمياً. اختبر الباحثون ستة أنواع مختلفة من الغسالات المنزلية، إذ غُسلت قطع قماش ملوثة بالبكتيريا في دورات غسيل سريعة وأخرى عادية، وباستخدام ماء ساخن. فشلت نصف الغسالات في القضاء على البكتيريا خلال دورة الغسيل السريعة، بينما لم تتمكن ثلث الغسالات من إزالة التلوث حتى خلال الدورة العادية. لم يتوقف الأمر عند حدود فاعلية الغسيل فحسب، بل امتدت الدراسة إلى تحليل "البيوفيلم"، وهو الطبقة الرطبة التي تتكون داخل الغسالات مع مرور الوقت، في 12 غسالة منزلية مختلفة. أظهرت التحاليل وجود جينات مقاومة للمضادات الحيوية وبكتيريا محتملة الخطورة في هذه الطبقات، ما يشير إلى أن الغسالة نفسها قد تصبح مصدراً لنقل العدوى بدلاً من أن تكون أداة لتعقيم الملابس. تقول ليرد: "تظهر نتائجنا أن الغسالات المنزلية غالباً ما تفشل في تطهير الأقمشة بالكامل، ما يسمح للبكتيريا المقاومة للمضادات بالبقاء. إذا كنا جادين بشأن وقف انتقال الأمراض المعدية عبر الملابس، فعلينا إعادة التفكير في الطريقة التي يُغسل بها زي العاملين في القطاع الصحي". لايف ستايل التحديثات الحية الفثالات في البلاستيك تسبّب أكثر من 356 ألف وفاة سنوياً واحدة من المفاجآت التي كشفتها الدراسة هي أن بعض أنواع البكتيريا تطوّر مقاومة للمنظفات المنزلية المستخدمة في الغسيل، وهذه المقاومة قد تزيد من مناعتها ضد المضادات الحيوية أيضاً. بمعنى آخر، فإن استخدام المنظفات العادية لا يؤدي فقط إلى فشل التعقيم، بل قد يساهم في تقوية البكتيريا على المدى الطويل. وهذا ما يجعل الأمر أكثر تعقيداً، إذ إن المنظفات التي يُفترض بها أن تحمي من العدوى، قد تكون من العوامل التي تعزز مقاومة البكتيريا وتجعل القضاء عليها أصعب. "ورغم أن الدراسة تركز على العدوى المكتسبة داخل المستشفيات، فإن آثارها قد تمتد أيضاً إلى منازل العاملين في القطاع الصحي. فإذا كانت الغسالة المنزلية غير قادرة على التخلص من البكتيريا المقاومة، فإن هذه الكائنات الدقيقة قد تنتقل إلى باقي الملابس، أو حتى إلى الأسطح داخل المنزل، ما يزيد من فرص انتشارها بين أفراد الأسرة"، تضيف الباحثة. تشدد المؤلفة الرئيسية للدراسة على أن النتائج تشير إلى حاجة ماسة لمراجعة الإرشادات التي تُعطى للعاملين في القطاع الطبي بشأن غسل زيهم. وترى الباحثة أن الاعتماد على الغسالات الصناعية الموجودة داخل المستشفيات، والتي تتمتع بدرجات حرارة أعلى وبرامج غسيل أكثر تطوراً، سيكون أكثر أماناً في الوقاية من انتقال العدوى. دعت ليرد الجهات الصحية إلى إصدار تعليمات واضحة تضمن أن عملية تنظيف الملابس الطبية تتم بما يحقق أعلى درجات التعقيم، سواء جرى ذلك في المنزل أو داخل المنشأة الصحية. "تأتي هذه الدراسة في وقت تتزايد فيه التحذيرات من أزمة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية، وتوصف بأنها تهديد عالمي للصحة العامة. ومن ثم، إذا أردنا تقليل خطر العدوى داخل المستشفيات، فعلينا أن نبدأ من أبسط الأمور، مثل كيفية غسل ملابس العاملين. إنه إجراء صغير، لكنه قد يصنع فارقاً كبيراً في حماية الأرواح"، تقول ليرد.

ما اللغز الجيني وراء إصابة البعض بالتوحّد؟
ما اللغز الجيني وراء إصابة البعض بالتوحّد؟

BBC عربية

time١٧-٠٤-٢٠٢٥

  • BBC عربية

ما اللغز الجيني وراء إصابة البعض بالتوحّد؟

يُعتقد أن العوامل الوراثية تلعب دوراً رئيسياً في الإصابة بالتوحد، لكن كان من الصعب طوال عقود تحديد هذه العوامل. والآن، بدأ العلماء في الكشف عن بعض الأدلة. حتى سبعينيات القرن الماضي، كان الاعتقاد السائد في أوساط الطب النفسي أن التوحد هو نتيجة التربية السيئة. وفي الأربعينيات، صاغ الطبيب النفسي النمساوي ليو كانر نظرية مثيرة للجدل تُسمى "الأم الثلاجة"، التي اقترحت أن التوحد ينشأ بسبب صدمة تحدث خلال الطفولة المبكرة، سببها الأمهات "الباردات" غير المباليات اللواتي يرفضن أطفالهن. ويقول دانيال جيشويند، أستاذ علم الأعصاب والوراثة في جامعة كاليفورنيا - لوس أنجلوس، إن هذا الاعتقاد يُصنف الآن، وبصورة محقّة، على أنه مضر وخاطئ للغاية، لكن الأمر استغرق ما يقرب من ثلاثة عقود لدحض نظرية كانر. ولم تتشكل صورة أدق وأوضح إلّا بحلول عام 1977، حين أجرى طبيبان نفسيان دراسة رائدة أظهرت أن التوحد غالباً ما يكون موجوداً بين التوائم المتطابقة. وكانت دراسة عام 1977 هي المرة الأولى التي يُحدد فيها عامل وراثي للتوحد. ومنذ ذلك الحين، أظهرت الأبحاث أنه عندما يكون أحد التوأمين المتطابقين مصاباً بالتوحد، يزيد احتمال أن يكون التوأم الآخر مصاباً كذلك بنسبة تفوق 90 في المئة. في حين أن فرص إصابة التوائم غير المتطابقة من نفس الجنس بالتوحد تصل إلى نحو 34 في المئة. وهذه النسب أعلى بكثير من معدل الإصابة المعتاد بين عموم الناس البالغ حوالي 2.8 في المئة. ومن المُسلَّم به الآن على نطاق واسع وجود عامل وراثي قوي في التوحد؛ لكن معرفة الجينات المُرتبطة به، وكيفية تأثير العوامل الأخرى على التعبير عن هذه الجينات، كلها أمور لا تزال قيد البحث. فروق صغيرة حتى بعد دراسة التوائم في عام 1977، استغرق الأمر عدة عقود أخرى لتصبح التفاعلات الكاملة بين التوحد والجين البشري واضحة. بين أي فردين، تبلغ نسبة التباين الجيني حوالي 0.1 في المئة، ما يعني أن حرفاً واحداً أو زوجاً قاعدياً واحداً تقريباً من كل 1000 زوج في حمضهما النووي سيكون مختلفاً. ويقول توماس بورجيرون، أستاذ علم الأعصاب في معهد باستور بباريس: "أحياناً لا يكون لهذه الاختلافات أي تأثير على الإطلاق. أحياناً يكون تأثيرها ضئيلاً، وأحياناً أخرى يكون تأثيرها بالغ القوة". وسبق وأن تم تحديد اختلافات "فائقة القوة" فيما يصل إلى 20 في المئة من جميع حالات التوحد، حيث تُعد طفرة واحدة في جين واحد مسؤولة بشكل كبير عن إحداث اختلافات حرجة في النمو العصبي. ودور هذه الطفرات الجينية المنفردة وكيفية نشوئها يُعد من أكثر المجالات التي خضعت للدراسة المكثفة في أبحاث التوحد، لأنها، كما يوضح بورجيرون، غالباً ما تؤدي إلى إعاقات شديدة ومحدِّدة لنمط الحياة. يقول بورجيرون: "هذا ليس كالتوحد الذي تراه في الأفلام. فإذا وُلدتَ بإحدى هذه الطفرات الرئيسية، فمن المرجح أن تُصاب بإعاقة ذهنية أو تأخر حركي – أي القدرة على تنسيق مجموعات العضلات - أو اعتلال دماغي صرعي. ويؤثر ذلك بشكل كبير على طبيعة حياة المصابين وعائلاتهم في معظم الحالات". وحدد العلماء، حتى الآن، ما لا يقل عن 100 جين يمكن أن تحدث فيها هذه الطفرات. وكان بورجيرون نفسه من أوائل من توصلوا إلى إحدى هذه الاكتشافات في مارس/آذار 2003، حين حدد طفرتين جينيتين على صلة بالتوحد. وتؤثر كلا الطفرتين على البروتينات المشاركة في تكوين المشابك العصبية، وهي عملية تشكيل الروابط بين الخلايا العصبية في الدماغ. وكان هذا إنجازاً كبيراً، على الرغم من أنه لم يَحظ بضجة إعلامية آنذاك، ويستذكر بورجيرون كيف أن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش كان قد أعلن للتو الحرب على العراق. لكن المزيد من الاكتشافات أتت تباعاً، كالطفرات في جين (Shank3)، التي يُقدر حدوثها لأقل من 1 في المئة من المصابين بالتوحد. ومن المعروف الآن أن بعض هذه الطفرات تُسمى بـ "المتغيرات الجديدة"، أي إنها تحدث بالصدفة خلال نمو الجنين، وليست موجودة في الحمض النووي لدم الأم أو الأب. ويصف جيشويند المتغيرات الجديدة بأنها أشبه بـ "صاعقة"، إذ إنها نادرة وغير متوقعة. وفي حالات أخرى، قد تنتقل هذه الطفرات من أحد الوالدين، حتى لو بدا كلاهما سليمين عصبياً، وهي ظاهرة أشد تعقيداً، ولم يبدأ الباحثون في فهمها إلا في العقد الماضي. يقول جيشويند: "قد تتساءل، إذا ورث طفل مصاب بالتوحد طفرة جينية نادرة من أحد والديه، فلماذا لا يُكون هذا الوالد أيضاً مصاباً بالتوحد؟" ويضيف: "يبدو أن ما يحدث لدى الوالد هو أن الطفرة الجينية الرئيسية لديه لا تكفي لأن تكون مسبباً للإصابة، لكن لدى الطفل، تتحد هذه الطفرة الجينية الرئيسية بشكل تراكمي مع متغيرات جينية أخرى أقل تأثيراً بحد ذاتها، ما يُسبب حدوث اختلافات في النمو العصبي". وبطبيعة الحال، هناك أيضاً اعتقاد بأن عوامل بيئية تلعب دوراً في تطور التوحد، فحتى في حالة التوائم المتطابقة، حين يُجرى تشخيص إصابة أحدهما، فلن يُشخَّص الآخر بالإصابة بها في 10 في المئة من الحالات. تاريخياً، أدت محاولة تحديد العوامل البيئية المسببة للتوحد إلى ظهور معتقدات علمية زائفة، مثل الفكرة – المرفوضة حالياً بشكل كبير - التي تُفيد باحتمال تورط بعض اللقاحات في ذلك. وقد تعهد وزير الصحة الأمريكي، روبرت كينيدي جونيور، ببذل جهود بحثية ضخمة لتحديد أسباب التوحد قبل سبتمبر/أيلول 2025. وتشمل تلك الجهود توظيف ديفيد جير، المشكك في اللقاحات، كمحلل بيانات في وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية. وقد أعربت جمعية التوحد الأمريكية عن مخاوفها من أن هذه الخطط غير واقعية، فضلاً عن كونها ضارة ومضللة. ووفقاً لمعاهد الصحة الوطنية الأمريكية، فإن الأسباب غير الوراثية المحتملة للتوحد تشمل تعرض الأم قبل الولادة لتلوث الهواء وبعض المبيدات الحشرية، والولادة المبكرة جداً، والولادة المتعسرة التي تؤدي إلى نقص الأكسجين في دماغ الطفل، إلى جانب عوامل أخرى. التطور المبكر تتجه الأبحاث الجينية اليوم نحو التقدم في فهم كيفية تأثير النمو العصبي على التوحد. ويبدو أن العديد من هذه الجينات تصبح فعالة أثناء تكوين القشرة المخية، وهي الطبقة الخارجية المتجعدة من الدماغ، المسؤولة عن العديد من الوظائف العليا، كالذاكرة وحل المشكلات والتفكير. يحدث هذا الفصل الحاسم من نمو الدماغ لدى الجنين أثناء تطوره في الرحم، ووفقاً لجيشويند، يبلغ الأمر ذروته بين الأسبوعين 12 و24 من الحمل. ويقول جيشويند: "يمكن اعتبار هذه الطفرات بمثابة خلل في أنماط النمو الطبيعية، ما يُخرج النمو عن مساره الطبيعي، وربما ينتقل إلى مسار آخر، بدلاً من نمط النمو الطبيعي العصبي". ولأن هذه الطفرات الجينية تُسبب إعاقات شديدة، فقد تمكن الأهالي من تشكيل مجموعات دعم بفضل المعلومات المتعلقة بهذه الطفرات، مثل مؤسسة (FamilieSCN2A) التي تُعنى بعائلات الأطفال المصابين بالتوحد الذين رُبط تشخيصهم بتغير وراثي في جين (SCN2A). كما دارت نقاشات حول فكرة استخدام هذه المعلومات الجينية للتأثير على قرارات الإنجاب المستقبلية. ويوضح جيشويد: "إذا كان الأمر متعلقاً بمتغير وراثي جديد، فيمكن إخبار الوالدين عندئذ بأن خطر إنجاب طفل آخر يعاني من التحديات النمائية العصبية ذاتها سيكون منخفضاً، نظراً لأن تأثير العوامل الوراثية سيكون محدوداً في حال قرروا إنجاب أطفال آخرين". ويتابع قائلاً: "يمكننا أيضاً أن نمنح العائلة فكرة عن مدى تطور طفلهم مع مرور الوقت، وبالنسبة لوالدَيْ طفل يبلغ من العمر عامين،غير قادر على الكلام ويعاني من بعض التأخر في المشي، فسيرغبان في معرفة ما يمكن توقعه لاحقاً". وعلى الرغم من أن ذلك من شأنه أن يعود بفوائد جمّة على هذه العائلات، إلا أن مفهوم البحث الجيني لا يُنظر إليه بإيجابية شاملة في مجتمع التوحد. فالتوحد طيف واسع، يتراوح بين أولئك الذين يعانون من إعاقات شديدة في النمو البدني والعقلي تمنعهم من العيش باستقلالية، وبين آخرين يحتاجون دعماً بدرجة أقل بكثير، ويعدون التوحد هويةً لهم وميزةً، ويعارضون وصفه بأنه اضطراب. ونتيجة لذلك، فإن تجميع البيانات الجينية أثار مخاوف مستمرة لدى بعض المصابين بالتوحد وأسرهم وعدد من الباحثين الأكاديميين بشأن كيفية استخدامها. صورة معقدة خلال نصف القرن الماضي، أظهرت الدراسات الجينية أن التنوع العصبي لدى غالبية المصابين بالتوحد، ينشأ من خلال التأثيرات التراكمية لمئات أو حتى آلاف المتغيرات الجينية الشائعة نسبياً التي ورثوها عن كلا الوالدين. هذه المتغيرات الجينية موجودة لدى جميع الأفراد السليمين والمتباينين عصبياً، وتكون المساهمة الفردية لأيٍّ من هذه الجينات في النمو العصبي ضئيلة. ولكن حين تجتمع مع بعضها، يكون لها تأثير كبير على بنية الدماغ. ويقول بورجيرون إن من المألوف أن يُظهر أحد الوالدين أو كلاهما، ممن يحملون بعض هذه المتغيرات الجينية، سماتٍ توحدية، كتفضيل النظام، والصعوبة في تمييز المشاعر، والوعي المفرط بالأنماط؛ لكنهما على عكس طفلهما، حيث لا تتجلى هذه السمات بشكل كبير لدرجة يمكن عندها تشخيصهما بالتوحد. وعلى مدى العشرين عاماً الماضية، ابتكر الباحثون في مجال التوحد طرقاً جديدة لتحديد بعض هذه المتغيرات الدقيقة. في بداية القرن الحالي، ابتكر سيمون بارون كوهين، أستاذ علم النفس والطب النفسي بجامعة كامبريدج، بمشاركة زملائه، اختباراً يُسمى "قراءة العقل عبر العيون". ويهدف هذا الاختبار إلى تقييم قدرة المرء على اكتشاف مشاعر كالشعور بالمرح، أو الراحة، أو الانزعاج، أو الملل، وذلك بالاعتماد على صورة لاتُظهر سوى العينين. وتكمن الفكرة في أن ضعف الأداء في الاختبار يشير إلى ارتفاع احتمال إصابة المرء بالتوحد. يقول بورجيرون: "يختلف المصابون بالتوحد في طريقة نظرهم إلى الوجوه، ويبدو أنهم يحصلون على معلومات أكثر عن طريق النظر إلى الفم. أما الإنسان الطبيعي فيحصل على معلومات أكثر عن طريق النظر إلى العينين". في الآونة الأخيرة، وبالتعاون مع موقع (23andMe) لفحص الحمض النووي، الذي وافق على استضافة اختبار قراءة الأفكار من خلال العيون على موقعه الإلكتروني، تمكن بورجيرون وبارون كوهين من جمع بيانات حول قدرات أكثر من 88 ألف إنسان على قراءة الأفكار والمشاعر من خلال العيون، ومقارنة أدائهم بمعلوماتهم الجينية. ومن خلال هذه المجموعة من البيانات، تمكن الباحثان من تحديد مجموعة كبيرة من المتغيرات الجينية المرتبطة بضعف القدرة على تمييز المشاعر، وهي المتغيرات التي يُعتقد أن المصابين بالتوحد يحملون العديد منها. وتوصلت دراسات بحثية أخرى إلى أن المتغيرات الجينية الشائعة ذات الصلة بالتوحد، تميل إلى الارتباط بشكل سلبي بالتعاطف أو التواصل الاجتماعي، لكنها ترتبط بشكل إيجابي بالقدرة على تحليل وبناء الأنظمة، بالإضافة إلى القواعد والروتين. ومن المثير للاهتمام أنها غالباً ما ترتبط أيضاً بمستوى تعليمي أعلى، إلى جانب قدرات مكانية أو حسابية أو فنية أكبر. ويقول جيشويند: "ولربما يفسر ذلك سبب بقاء هذه المتغيرات الجينية بين الناس عبر التاريخ البشري، وهي جينات تعود إلى أسلاف بعيدة جداً". ويعمل جيشويند وبارون كوهين حالياً على مشروع لمحاولة فهم مدى قدرة بعض المتغيرات الجينية الشائعة المرتبطة بالتوحد على تفسير سبب انتشاره بشكل أكبر بين الرجال، ولماذا يُعتقد أن النساء المصابات بالتوحد أقدر على إخفاء سماتهن العصبية المتنوعة مقارنة بالرجال المصابين به. ويقول جيشويند: "من المرجح أن الاختلافات في تطور الدماغ ووظائفه لدى الذكور والإناث تجعل الرجال أكثر عرضة للإصابة بالتوحد، كما تجعل النساء محميات من القابلية الوراثية للإصابة بالتوحد إلى حد ما، لكننا لا نفهم ذلك بشكل كامل بعد". ومع ذلك، يعتقد بعض الخبراء أن التوحد قد يكون أكثر شيوعاً بين النساء مما يُعتقد، وأن التجارب المتعلقة بهن لا يُلتفت إليها. ويرى جيشويند أن فهم الفروق بين الجنسين فيما يتعلق بالتوحد، قد يساعد في تحديد العوامل الوقائية التي يمكن استخدامها كعلاج مستقبلي، إلا أن هذا المفهوم بحد ذاته لا يزال مثيراً للجدل، ويعكس أحد أهم نقاط التوتر الكامنة في أبحاث التوحد. ففي الوقت الذي يسعى فيه بعض العلماء إلى إيجاد علاج للتوحد، يعتقد باحثون آخرون وبعض المصابين أن التوحد ليس اضطراباً لكي يُعالج، بل هوية وتجربة مشتركة. تقول سو فليتشر واتسون، أستاذة علم النفس التنموي بجامعة إدنبرة: "التوحد ليس ظاهرة بيولوجية تتطلب اختباراً يعطي نتيجة أو تشخيصاً قاطعاً". وتضيف: "إنه ليس كالسرطان، الذي يُجمع كلّ الناس على أنه أمر سيء ويريدون علاجاً له، ولن يكون كذلك أبداً في رأيي". وترى فليتشر واتسون أن العديد من المصابين بالتوحد يخشون على وجه الخصوص أن تتمخض أبحاث التوحد الجينية في نهاية المطاف عن اختبار يُجرى قبل الولادة، ما قد يشكل تهديداً وجودياً للتوحد. ففي عام 2005، أنشأ أحد النشطاء ما يُعرف بـ "ساعة الإبادة الجماعية للتوحد"، مسلطاً الضوء على أنه في حال وجود مثل هذا الاختبار، فإنه سيُمثل استمراراً للمحاولات التاريخية للقضاء على الأقليات. وبعد عقدين من الزمن، لا تزال هذه المخاوف قائمة. تقول فليتشر واتسون: "في العموم، لم يبذل الباحثون في علم الوراثة جهداً يُذكر للاستماع إلى مخاوف مجتمع التوحد بشأن أمن البيانات الجينية واستخدامها مستقبلاً، ولم يُعالجوها". وترى أن هذه المخاوف تتفاقم بفعل السياقات السياسية، كنفوذ بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة، ما يجعل إمكان استخدام البيانات الجينية لأغراض تحسين النسل تبدو أكثر واقعية. وتضيف: "تُعدّ فحوصات ما قبل الولادة ممارسة متأصلة في المملكة المتحدة للكشف عن الحالات الناجمة عن وجود نسخة إضافية من الكروموسوم في بعض خلايا الجسم أو كلها. وتشمل هذه الحالات متلازمة داون (حيث توجد نسخة إضافية من الكروموسوم 21)، ومتلازمة إدوارد (حيث توجد نسخة إضافية من الكروموسوم 18)، ومتلازمة باتو (حيث توجد نسخة إضافية من الكروموسوم 13). وفي بعض الدول مثل أيسلندا، تقترب معدلات إنهاء الحمل بعد الحصول على نتيجة فحص إيجابية لهذه الاختبارات من 100 في المئة". طيف واسع أما جوزيف بوكسباوم، أستاذ الطب النفسي في كلية إيكان للطب في ماونت سيناي، ومقرّها نيويورك، الذي أسس (اتحاد سَلسَلة التوحد)، وهي مجموعة دولية من العلماء الذين يتشاركون العينات والبيانات الجينية، فيرى أن بعض الناشطين في مجال التوحد يفوّتون الفكرة الأساسية. يقول بوكسباوم: "عندما يُحدِّثني أحدهم قائلاً: أنا مُصابٌ بالتوحد، ولا أعتقد أنني بحاجةٍ إلى الخضوع إلى البحث". أقول له: "ماذا عن إنسان لا يجيد اللغة، ومعدل ذكائه 50، ولن يستطيع العيش بمفرده دون إشراف؟ ماذا رأيك في هذا الإنسان؟!". ويضيف: "لذا، عندما أفكر في التدخل العلمي، فإنني أفكر في هؤلاء الناس، لا في فرد يعاني من صعوبة في التواصل البصري ولديه اهتمامات غير اعتيادية وصراعات في المواقف الاجتماعية". يتفق جيشويند مع ذلك، مشيراً إلى الاختلافات الواضحة بين فئات طيف التوحد. ويقول: "غالبية حالات طيف التوحد هي حالات ينبغي استيعابها كأي إعاقة أخرى"، موضحاً أن هناك فئة أخرى أشد تأثراً تتطلب العلاج، و"هذان أمران مختلفان". وفي محاولةٍ لتصنيف الطيف الواسع من سمات التوحد بشكل أفضل، أقرّت لجنة لانسيت العلمية رسمياً مصطلح "التوحد العميق" عام 2021، لوصف المصابين بالتوحد ممن لا يستطيعون تدبّر أمورهم بأنفسهم، ويحتاجون في الغالب إلى دعم مستمر طوال حياتهم. ومنذ ذلك الحين، بدأت مجموعة متنوعة من التجارب السريرية، تستخدم جميعها استراتيجياتٍ علاجية متنوعة لاستهداف الجينات المُحددة التي تُسبب الإعاقة الجسدية والعقلية لدى المُصابين بالتوحد العميق. وتدور الفكرة الرئيسية من هذه العلاجات حول حقيقة أن كل فرد منّا لديه نسختان أو شكلان بديلان أو متغيران من كل جين، من كلٍ من الوالدين. وقد استفادت دراسة حديثة أجراها مختبر جيشويند من فكرة أن معظم الطفرات الجينية الجديدة المرتبطة بالتوحد العميق تُعطل نسخة واحدة فقط من هذه النسخ، ما يشير إلى إمكان تقليل درجة الإعاقة بتعزيز النسخة غير المصابة. يقول جيشويند: "هذا يعني أن لديك نسخة غير مصابة، والتي أظهرنا أنه يمكن تعزيز نشاطها". وأجرى بورجيرون مؤخراً تجربة سريرية باستخدام معدن الليثيوم لتعزيز نسخة من جين (Shank3) لدى الأطفال المصابين بالتوحد الذين ثبت وجود طفرات في هذا الجين لديهم. أما فيما يتعلق بالمستقبل، فيقترح جيشويند استخدام تقنية مثل "كريسبر"، التي تتيح للعلماء تعديل الحمض النووي للإنسان، من أجل التدخل في مرحلة مبكرة من حياة الإنسان. وعلى سبيل المثال، يمكن تقديم العلاج الجيني للأجنة الذين وُجدت لديهم طفرات متعددة، وهم لا يزالون داخل الرحم، حيث يقول جيشويند: "لقد اكتشفنا مؤخراً طريقة للقيام بذلك. قد لا يصحح هذا العلاج الجين المتأثر تماماً، ولكن قد يصححه جزئياً على الأقل". وقد منحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية مؤخراً موافقة لشركة التكنولوجيا الحيوية الأمريكية (Jaguar Gene Therapy) لإجراء تجربة سريرية، يُقدَّم فيها العلاج الجيني للأطفال المصابين بالتوحد، الذين يعانون من طفرة في جين (Shank3)، إلى جانب حالة وراثية مصاحبة تسمى متلازمة (فيلان ماكديرميد)، التي تؤثر على النمو والكلام والسلوك. ويقول بوكسباوم: "هذه التجربة ممكنة؛ لأن جميع الأطفال المشاركين لديهم تشخيصات وراثية، ولأن الباحثين في مستشفى ماونت سيناي وأماكن أخرى، أمضوا الخمس عشرة سنة الماضية في دراسة كيفية تطور هؤلاء الأطفال عند إصابتهم بهذه الطفرات. إذ يمكننا استخدام هذه البيانات التاريخية كعنصر تحكم في الدراسة". ومع أن هذه التجارب قد تحقق بلا شك فوائد جمة للأطفال المعنيين وعائلاتهم، إلا أن فليتشر واتسون لا تزال متشككة في تصويرها كعلاج للتوحد، سواءً كان التوحد عميقا أم لا. وتفضل أن تصنَّف كعلاج للإعاقة الذهنية. تقول فليتشر واتسون: "أعتقد أنه حين يتحدث الناس عن حالات التوحد أحادية الجين، فإنهم يتصرفون بطريقة غير صادقة. فهم يتحدثون عن أسباب جينية أحادية للإعاقة الذهنية لدى من قد يكون بعضهم مصاباً بالتوحد أيضاً. وهناك تمويل متاح للأبحاث التي تُعنى بالتوحد، وحملات لتوعية أولياء الأمور، وموارد متنوعة، على عكس ما هو متاح للإعاقة الذهنية". في الوقت نفسه، تشعر فليتشر واتسون بتفاؤل أكبر بشأن إمكانات البحث الجيني في ابتكار طرق علاجية جديدة لبعض الحالات المصاحبة، التي غالباً ما يُشخص بها المصابون بالتوحد، كالصرع، واضطرابات النوم، واضطراب الوسواس القهري، واضطرابات الجهاز الهضمي. يتولى بورجيرون حالياً تنسيق مشروع أوروبي حول المخاطر والمرونة والتنوع النمائي في الصحة العقلية، ويتعاون مع المصابين بالتوحد وأسرهم للتوصل إلى فهم أفضل حول سبب ندرة ظهور التوحد دون أن ترافقه اضطرابات أخرى، وما الذي يجعل مختلف الأفراد عرضة لهذه الاضطرابات. ويقول بورجيرون إننا بحاجة أيضاً إلى إدراك التنوع العصبي بشكل أفضل، والحد من الوصمة المرتبطة بالتوحد، مضيفاً: "أعتقد أننا كعلماء وراثة نحتاج إلى مراعاة احتياجات كل فرد. بعض المصابين بالتوحد الذين يحملون طفرات جين (Shank3) متأثرون بذلك بشدة، إلى درجة أنهم يحتاجون إلى رعاية على مدار الساعة. أما آخرون، فقد يحتاجون فقط إلى بعض الدعم في المدرسة". وختم حديثه قائلاً: "بشكل عام، يتعين علينا أن نبذل جهداً أفضل في التعرف على التنوع العصبي، وأن نبذل كل ما في وسعنا لضمان أن يتمكن الأفراد الذين تعمل أجسادهم وعقولهم بشكل مختلف عن الأغلبية، من تحقيق النجاح في مجتمعاتنا".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store