
الفن والدين!!
فهل سيضع النقيب فى خطته زيارة مماثلة لقداسة البابا تواضروس لتقديم أعمال دينية مقصود بها قطعًا تلك المرة مسيحية، لا أتصور أننا نملك تلك النظرة المحايدة، أتذكر قبل نحو 20 عاما كنت عضوًا بلجنة قراءة المسلسلات الدرامية بالإذاعة المصرية، قرأت (اسكريبت) مسلسل للأطفال يتضمن هذه الجملة (الإسلام يحرم السرقة)، طلبت تغييرها إلى الأديان وليس فقط الإسلام، قلت لهم لو طفل مسيحى يستمع للمسلسل سيعتقد أن الإسلام فقط يحرمها، ووعدونى إنهم سوف يستبدلون الكلمة، واكتشفت بعد بث المسلسل أن التعصب ضارب فى الجذور، وظلت الكلمة كما هى.
هل المؤسسات الدينية الرسمية تتحلى بنظرة تحمل رحابة فى تقبل الفن بكل أطيافه، بما فيها قطعا ما ننعتها بالدينية؟.
ما نراه فى الشارع يؤكد أننا نحتاج إلى حصة دين مشتركة تجمعنا لا تفرقنا، ومن ثم مسلسل دينى واحد يتناول المشترك، وهو قطعا كثير جدا، المبادئ العظيمة تتبناها الأديان، كل الأديان.
هناك شىء تابعته فى الأشهر الأخيرة، مثلا أول زيارة لوزيرى الثقافة والتعليم بعد حلف اليمين كانت لفضيلة شيخ الأزهر الإمام الأكبر الشيخ الدكتور أحمد الطيب، ولم نسمع أن أيا منهما قام بزيارة مماثلة لقداسة البابا.
المفروض أننا لا نقدم أعمالا دينية وفقا لمعايير رجال الدين، وبالمناسبة لا يوجد أى إبداع فنى حقيقى يصبح هدفه مثلا النيل من القيم الدينية، ولكن الأعمال الفنية لا تُقيَّم بمعايير دينية إسلامية أو مسيحية.
تخيل مثلا مسلسلا يتناول الدعوة المحمدية، تخللته بالضرورة مشاهد للكفار والصورة المتداولة أن النساء سافرات ماجنات والرجال يحتسون الخمور ويمارسون الفاحشة، هل سيقبل الأزهر بهذه المشاهد؟ رجل الدين قطعًا سيتحفظ.
تحتاج إلى أن يعاد النظر فى العديد من المحاذير والمحظورات التى توارثناها قبل أكثر من 100 عام مع بداية انتشار السينما، منذ ذلك التاريخ والأزهر الشريف يمنع حتى تجسيد الصحابة، مما يشكل قيدا على انطلاق الأعمال الدينية، هل تعلم أن فيلم (الرسالة) تأخرنا 20 عاما حتى سمح الأزهر الشريف ببثه عبر شاشة التليفزيون بسبب تجسيد شخصية سيدنا حمزة ابن عبد المطلب، بينما كل العالم العربى كان يعرضه دون أى تحفظات.. هذا هو ما كنت أتمنى أن يتطرق إليه الوفد الفنى فى لقائه مع وزير الأوقاف.. زيادة هامش المسموح بالعرض، وأن يعقد مصالحة بين رجال الدين والفنون، نرى مثلا الشيخ والقسيس وهما فى طريقهما لعرض أوبرا أو باليه أو مهرجان موسيقى.
جزء من الشارع صار يجرّم ويحرّم الفن، وأغلب رجال الدين المسلمين والأقباط لا نشاهدهم فى دور العرض، نحن ننتظر رسالة من المؤسسات الدينية تدعو للتعاطى الإيجابى مع الفنون.
(الإخوان) فور بدايتهم نهاية عشرينيات القرن الماضى أنِشأوا فرقة مسرحية، حاولوا من خلالها فرض نمط متصلب دينيا، وفى عام 2007 عادوا بطريقة ملتوية وقدموا مسرحية (الشفرة) خالية من الموسيقى والنساء، وأنهوا العرض بصلاة جماعية على الخشبة.
لا أتصور أننا ننتظر عروضا دينية، ولكن خَلق مناخ صحى يرحب بالفن، نتابع موجات التحريم المنتشرة، أنتظر أن أرى رجال المؤسستين الأزهر والكنيسة داخل دور العرض.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المغرب اليوم
منذ يوم واحد
- المغرب اليوم
الفن والدين!!
الاجتماع الذى ضم فضيلة وزير الأوقاف د. أسامة الأزهرى مع نقيب الممثلين د. أشرف زكى، والفنانة القديرة ماجدة زكى والمايسترو أمير عبد المجيد، تناول كما يبدو جانبًا مهمًا من العلاقة بين الفن والدين، وهو تقديم مسلسلات تحمل وجهة نظر (دينية)، المقصود بها قطعا طبقًا للسياق المعلن إسلامية. فهل سيضع النقيب فى خطته زيارة مماثلة لقداسة البابا تواضروس لتقديم أعمال دينية مقصود بها قطعًا تلك المرة مسيحية، لا أتصور أننا نملك تلك النظرة المحايدة، أتذكر قبل نحو 20 عاما كنت عضوًا بلجنة قراءة المسلسلات الدرامية بالإذاعة المصرية، قرأت (اسكريبت) مسلسل للأطفال يتضمن هذه الجملة (الإسلام يحرم السرقة)، طلبت تغييرها إلى الأديان وليس فقط الإسلام، قلت لهم لو طفل مسيحى يستمع للمسلسل سيعتقد أن الإسلام فقط يحرمها، ووعدونى إنهم سوف يستبدلون الكلمة، واكتشفت بعد بث المسلسل أن التعصب ضارب فى الجذور، وظلت الكلمة كما هى. هل المؤسسات الدينية الرسمية تتحلى بنظرة تحمل رحابة فى تقبل الفن بكل أطيافه، بما فيها قطعا ما ننعتها بالدينية؟. ما نراه فى الشارع يؤكد أننا نحتاج إلى حصة دين مشتركة تجمعنا لا تفرقنا، ومن ثم مسلسل دينى واحد يتناول المشترك، وهو قطعا كثير جدا، المبادئ العظيمة تتبناها الأديان، كل الأديان. هناك شىء تابعته فى الأشهر الأخيرة، مثلا أول زيارة لوزيرى الثقافة والتعليم بعد حلف اليمين كانت لفضيلة شيخ الأزهر الإمام الأكبر الشيخ الدكتور أحمد الطيب، ولم نسمع أن أيا منهما قام بزيارة مماثلة لقداسة البابا. المفروض أننا لا نقدم أعمالا دينية وفقا لمعايير رجال الدين، وبالمناسبة لا يوجد أى إبداع فنى حقيقى يصبح هدفه مثلا النيل من القيم الدينية، ولكن الأعمال الفنية لا تُقيَّم بمعايير دينية إسلامية أو مسيحية. تخيل مثلا مسلسلا يتناول الدعوة المحمدية، تخللته بالضرورة مشاهد للكفار والصورة المتداولة أن النساء سافرات ماجنات والرجال يحتسون الخمور ويمارسون الفاحشة، هل سيقبل الأزهر بهذه المشاهد؟ رجل الدين قطعًا سيتحفظ. تحتاج إلى أن يعاد النظر فى العديد من المحاذير والمحظورات التى توارثناها قبل أكثر من 100 عام مع بداية انتشار السينما، منذ ذلك التاريخ والأزهر الشريف يمنع حتى تجسيد الصحابة، مما يشكل قيدا على انطلاق الأعمال الدينية، هل تعلم أن فيلم (الرسالة) تأخرنا 20 عاما حتى سمح الأزهر الشريف ببثه عبر شاشة التليفزيون بسبب تجسيد شخصية سيدنا حمزة ابن عبد المطلب، بينما كل العالم العربى كان يعرضه دون أى تحفظات.. هذا هو ما كنت أتمنى أن يتطرق إليه الوفد الفنى فى لقائه مع وزير الأوقاف.. زيادة هامش المسموح بالعرض، وأن يعقد مصالحة بين رجال الدين والفنون، نرى مثلا الشيخ والقسيس وهما فى طريقهما لعرض أوبرا أو باليه أو مهرجان موسيقى. جزء من الشارع صار يجرّم ويحرّم الفن، وأغلب رجال الدين المسلمين والأقباط لا نشاهدهم فى دور العرض، نحن ننتظر رسالة من المؤسسات الدينية تدعو للتعاطى الإيجابى مع الفنون. (الإخوان) فور بدايتهم نهاية عشرينيات القرن الماضى أنِشأوا فرقة مسرحية، حاولوا من خلالها فرض نمط متصلب دينيا، وفى عام 2007 عادوا بطريقة ملتوية وقدموا مسرحية (الشفرة) خالية من الموسيقى والنساء، وأنهوا العرض بصلاة جماعية على الخشبة. لا أتصور أننا ننتظر عروضا دينية، ولكن خَلق مناخ صحى يرحب بالفن، نتابع موجات التحريم المنتشرة، أنتظر أن أرى رجال المؤسستين الأزهر والكنيسة داخل دور العرض.


المغرب اليوم
منذ 6 أيام
- المغرب اليوم
يمنحوننا البهجة ونحرمهم من الدعاء!
من الذى أفسد إلى هذه الدرجة مشاعرنا تجاه من يعيشون معنا ونعيش معهم، نصلى الجمعة ونعبد الله الواحد الأحد، هم يصلون الأحد ويعبدون الله الواحد الأحد؟!. لاحظنا جميعًا أن هناك قلوبًا من حجر وبدرجة إيمان صفر مربع، يعتقدون أن الله خلق الجنة فقط للمسلمين، رغم أنهم لا يشكلون أكثر من ٢٠ فى المائة من عدد سكان العالم، والباقى فى جحيم إلى أبد الآبدين، وهكذا شاهدنا مع رحيل نجوم كوميديا بحجم جورج سيدهم والمنتصر بالله وإبراهيم نصر وصولًا إلى لطفى لبيب وغيرهم، من يحرّم الدعاء لهم بالجنة، بحجة أنهم لم ينطقوا الشهادتين. هؤلاء الفنانون منحونا البهجة فى الدنيا، وبمجرد الرحيل نستمع إلى أصوات لها ملامح السيوف، تقول لا يستحقون المغفرة ولا الرحمة، معتبرين أن من يدعو لهم بالجنة يرتكب معصية عقابها المستحق أن يحشر معهم فى النار. يقولون: لماذا تدعو لهم بالجنة وهم لا يدينون بالإسلام؟ ترد عليهم: ندعو للجميع، خاصة من أسعدونا فى الدنيا، فيصبح الواجب مضاعفًا، إلا أنهم يعودون بنا دائمًا للمربع رقم واحد، قائلين: (لم يسبق لهم أن أعلنوا الشهادتين). مع رحيل مشاهير الأقباط، خاصة الذين تقف أسماؤهم فى منطقة محايدة، مثل إبراهيم ولطفى والمنتصر، لا تشى الأسماء مباشرة بالديانة، المتفرج عادة يكتشف عند إعلان مكان الوداع أن هذا الفنان مسيحى، على الفور يملأ المتطرفون (النت) بكلمات نارية تحرمهم من كل حقوقهم، قائلين: عتبة الجنة لا يمكن أن يقطعها من لا يحملون وثيقة الإسلام. مع الأسف، صرنا نعتبر مادة الدين رئيسية فى تحديد المجموع، ويسعى البعض لعودة (الكتاتيب) التى كانت سائدة فى مصر خلال الأربعينيات والخمسينيات. عندما نحب فنانًا مسيحيًا ويعز علينا عدم دخوله الجنة، نعلن على الفور أنه أشهر إسلامه قبل الرحيل، مثلما أشاعوا عن نجيب الريحانى أنه أسلم قبل أن يأتى إليه عزرائيل بلحظات، كان الريحانى يتبرك بالمصحف الشريف ووجدوه بجواره عند الرحيل، كما أنه كان صديقًا شخصيًا للشيخ محمد رفعت، ويحب سماع القرآن الكريم بصوته. الثقافة المريضة التى تربينا عليها هى المسؤول الأول عن هذا التردى، مثلما ندعو للشفاء للمسلمين فقط بدلًا من أن يمتد الدعاء للبشر أجمعين. هل نحن نربى أولادنا حقًا على التسامح، هل نحن تربينا أساسًا على التسامح؟!، لم يدرك أغلبنا أن ما نعيشه من تدهور يأتى أساسًا من غياب تلك الفضيلة. أتذكر الشاعر الكبير الراحل أحمد شفيق كامل، مؤلف أغنيات مغرقة فى العاطفية لأم كلثوم، مثل (إنت عمرى) و(أمل حياتى) و(الحب كله) وغيرها. كان الأستاذ شفيق قد تعرف فى سنوات عمره الأخيرة على الشيخ محمد متولى الشعراوى، وصار من حوارييه وأتباعه، وبناء على نصيحته اعتزل شفيق كتابة الأغانى العاطفية، وفى مرحلة ما كان يحرم أيضًا أن يحصل على قيمة الأداء العلنى لأغنياته على اعتبار أن فلوسها حرام. سألت الأستاذ (شفيق): أسعدتنا وأدخلت السكينة فى قلوبنا ولا تزال موسيقى بيتهوفن، فهل تعتقد أنه سيدخل النار مع كتاب لم يقرأوا الشهادتين مثل شكسبير وموليير وديستوفسكى؟. أجابنى بأن هذا السؤال بالفعل كان يؤرقه، وسأل الشيخ الشعراوى فقال له: غير المسلم يلقى جزاءه عن الأشياء العظيمة التى قدمها فى الحياة فقط فى الحياة، قلت له: أى أن مصيرهم هو العذاب؟ أجابنى: قطعًا وبئس المصير. كلما تذكرت شاعرنا الكبير أحمد شفيق كامل دعوت له بالجنة والمغفرة، مثلما أدعو لنجيب الريحانى وجورج سيدهم وإبراهيم نصر والمنتصر بالله ولطفى لبيب.. لعلهم جميعًا يلتقون الآن فى الجنة!!.


كواليس اليوم
١٤-٠٧-٢٠٢٥
- كواليس اليوم
القرآن في الأدب الغربي ومشروع القرآن الأوروبي
دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري المقصود بـ «القرآن الأوروبي» ليس وجود قرآن بديل أو مغاير للقرآن الكريم، بل هو مشروع بحثي يتناول تأثير النّصّ القرآني في الثقافة الأوروبية فكريا. يُركّز المشروع على دراسة تفاعلات الغرب مع القرآن الكريم من منظور إنساني، أدبي وتاريخي منذ العصور الوسطى وحتى القرن التاسع عشر. في إطار مشروع بحثي أوروبي يحمل عنوان «القرآن الأوروبي»، يُنظر إلى القرآن الكريم في الغرب اليوم ليس فقط كنصّ ديني، بل كعمل شعري وجمالي أثّر بعمق في الأدب الأوروبي. يتتبع هذا المشروع كيف تحوّل النص القرآني من مادة للجدل العقائدي إلى مصدر للإلهام الجمالي، انطلاقا من العصور الوسطى ووصولا إلى أواخر القرن التاسع عشر. من بين من تأثّروا به: «يوهان فولفغانغ فون غوته» (1749–1832)، «ألكسندر بوشكين» (1799–1837)، و «فيكتور هوغو» (1802–1885)، والذين مثّلوا نماذج فريدة قرأت القرآن على أنه طاقة لغوية وشعرية شاملة، لا مجرّد كتاب عقائدي. غوته: القرآن كنص كوني لم يقرأ «غوته» القرآن بوصفه كتاب عقيدة فحسب، بل بوصفه أثرا جماليا كونيا. ففي ديوانه الشهير «الديوان الشرقي للمؤلف الغربي» مزج بين الروح الإسلامية والرموز الشعرية الشرقية، مستلهما أسلوب القرآن وإيقاعاته وتعبيراته المجازية، معيدا تقديمه في ثوب شعري ألماني، من دون أن يمسّ قدسيته أو ينتهك حرمته. دوّن غوته مقتطفات من سور قرآنية بيده في كُرّاسته المعروفة بـ «مقتطفات قرآنية»، كما خصّ النبي محمد ﷺ بصور مهيبة وراقية، يظهر فيها كرمز للعدل والتوحيد. ويذكر الباحث« كارل – يوزيف كوشِل» أن غوته رأى في الإسلام «دينا طبيعيا»، وفي القرآن «نبعا جماليا كونيا». وقد أقرّ على النبي محمد ﷺ خصاله النبيلة كالصبر، والتسامح، والانضباط الأخلاقي، كما يظهر في أبياته التي تحاكي السرد القرآني من حيث البناء والإيقاع. ومن أشهر الأبيات التي يُستشهد بها في هذا السياق قوله: «فوق قمّتي لا سلطان، لكن فوق رأسي تتلألأ النجوم». ويُعلّق «كوشِل» في كتابه «غوته والقرآن»، بأن هذا البيت مستوحى من التصوير الكوني في سورة الملك، ولا سيما الآيتين: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ وَالَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا﴾. ويُضيف الباحث أن غوته لم يقتبس الآيات، بل استوحى منها نظرة كونية تجعل الإنسان جزءا صغيرا في بناء شاسع من الانسجام السماوي، وهذا ما عبّر عنه بما يمكن تسميته «توحيدا جماليا»، أي أن الكون كله يخضع لنظام إلهي يعكس بدوره البنية التوحيدية للإسلام. هذا التأثّر القرآني تجلّى أيضا في رؤية غوته لفكرة التسليم لله، وهي جوهر الإسلام، فكتب في أحد المواضع: «إذا كان هذا هو الإسلام، أفلسنا جميعا مسلمون؟». وهو القول الذي أصبح يُستشهد به كثيرا في الأوساط الفكرية الغربية عند الحديث عن الحوار بين الإسلام والغرب، ويعكس فهما فطريا وعميقا للدين، من دون أن يكون غوته مسلما بالمعنى العقدي، بل مسلما بالمعنى الوجداني كما فهمه هو. بوشكين: استحضار روح الإسلام لم يكن «بوشكين» مسلما، لكنه تأثّر بروح الإسلام عبر ترجمات القرآن الفرنسية وبفعل جذوره من جهة جده «إبراهيم هانيبال»، الذي جاء من أصول إسلامية في إفريقيا. وقد ألّف قصيدة بعنوان «محاكاة من القرآن»، وقد نُشرت ضمن سلسلة شعرية عام 1824. من أبياته يقول: يا نبيُّ، قمْ، فالصوت الربّاني يهتف بك… شعاعك يُضيء الحُجب الثقيلة وتشير الباحثة الأوزبكية «ألبينا رخمانوفا»، من المعهد التربوي الحكومي في «نوائي» أوزبكستان، إلى أن هذه الأبيات تستلهم بنية الخطاب النبوي في القرآن، وتستحضر أيضا صورة الوحي في سور مثل سورة المُزمّل: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا﴾، لكنها تقدمها بلغة الشعر الروسي لا بوصفها وعظا. كذلك، وفي قصيدة «النبي» لبوشكين، يظهر صدى قرآني في هذه الأبيات: وغرس إصبعاً في أذنيَّ… فسمعتُ الأرض تهتف، والسماءَ ترتّلُ بالحب والنار وهي تُذكّر بالآية في القرآن، كما في سورة الأعراف: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾. هوغو: النبي ﷺ كرمز إنساني سامٍ في قصيدته المؤثّرة «السنة التاسعة للهجرة»، يقدّم «هوغو» صورة النبي محمد ﷺ وهو يُستَأذن من قِبل مَلَك الموت. يقول في أحد أبياتها: وإذا ببابه يُطرق… لم يكن لصّا ولا ملاكا ساجدا، بل الموت يطلب الإذن بالدخول هذه الصورة، وبحسب الباحث الفرنسي «لويس بلان» في كتابه «فيكتور هوغو والإسلام»: «من الرؤية الاستشراقية إلى التبجيل النبوي، تعبّر عن اقتراب الشعر الأوروبي من المفهوم القرآني للروح والبعث، كما ورد في سورة الزمر: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾. وفي قصيدة 'شجرة الأرز'، يستخدم هوغو عبارة مستلهمة من سورة الزلزلة: 'إذا زُلزلت الأرض، فذاك نداء العدل الذي طال حَجبه، لا صرخة الخراب بل صوت القيامة العادلة'». ويُظهر هذا البيت وعيا دقيقاً من هوغو بأن الإسلام يحمل رسائل عدالة واجتماع، لا تهديدا كما أراد بعض المستشرقين تصويره. بين الذروة الأدبية والانحدار السياسي لقد بدأ التأثّر بالقرآن الأوروبي كفضول ثقافي ونقاش فلسفي، ثم انكمش في ظل الخطاب السياسي الاستعماري الذي ربط الإسلام بالتخلّف والعداء، لكن ما قدمه غوته، بوشكين وهوغو، كان خارج هذا السياق، كأصوات استثنائية في مجتمعاتهم؛ نقلت الإسلام من الخصومة العقائدية إلى التقدير الجمالي. من النص إلى القصيدة لم يُعد هؤلاء الأدباء كتابة القرآن الكريم، بل أعادوا اكتشافه كلغة شعرية أخلاقية وإنسانية، فقد مزجوا بين الجمال والإيمان، وجعلوا من النّصّ القرآني مصدر إلهام أخلاقي وفني. ويؤكّد مشروع «القرآن الأوروبي» أن هذه النماذج لم تكن حالات استشراق، بل أمثلة على حوار حضاري حقيقي، قُدّم القرآن الكريم فيه بتجربة غوته وبوشكين وهوغو كجسر بين الشرق والغرب وليس كصراع. ولكنني لا أرى أنه من الممكن استعادة هذا المفهوم، الذي تبناه حتى العقد الرابع من هذا القرن أبرز المستشرقين الألمان، وخاصة في الدراسات القرآنية «ثيودور نولدكه» من خلال المقاربات الأكاديمية واعجابه الشديد باللغة العربية وثرائها، وخصوصا في القرآن الكريم. أمّا الآن في عالم تتصاعد فيه الانقسامات وشريعة الغاب والاستعلاء، التي تتعامل بها أمريكا وأوروبا وجُلّ الدول الغربية تجاه الدول الإسلامية، ولا نستطيع في أي مقالة أدبية، فكرية أو سياسية استثناء ما يدور في غزّة، جرّاء الفكر الغربي الإستعماري المُمتد من الحقبة الإستعمارية إلى يومنا هذا؛ من دعم لإسرائيل بشرعنة القتل والإبادة الجماعية بحقّ الفلسطينيين بمسوّغات أقبح من أصحابها وأشد وطأة من جيوشهم في بلادنا.