
سلامٌ على أرواح الشهداء.. مشاعل الحق ونجوم العزة
ألف سلام عليهم، أولئك الأبطال الذين سطَّروا بدمائهم الزكية أروع ملاحم البطولة والفداء، وقفوا كجبال فلسطين الشماء والراسخة، جبال الجليل ونابلس والقدس والخليل والنقب، في وجه الظلم والطغيان، يدافعون عن كرامة الأمة وحريتها، ويتصدون للكيان الصهيوني الغاشم الذي اغتصب الأرض، وقتل وهجّر وشرّد أبنائها، ودنَّس المقدسات، وسعى لكسر إرادة شعبها. إنهم شهداء الحق، الذين اختاروا درب العزة والشرف، فكانوا نبراسًا يضيء دروب الأمة، ومشاعل تنير ظلمات الاحتلال، تذكِّرنا بأن النصر لا يُنتزع إلا بالصمود والتضحية.
في كل ساحة ومحور، من فلسطين الحبيبة إلى لبنان الصامد، ومن اليمن الأبي إلى سوريا الحرة، ومن العراق البطل إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية الوفية، تشمخ تضحيات هؤلاء الأبطال لتشكل راياتٍ ترمز للصمود والمقاومة. حملوا أرواحهم على أكفهم، وقدَّموها قربانًا للحرية والعدالة، فكانت دماؤهم وقودًا لثورةٍ لا تخمد، وصوتًا يدوي في وجه الطغاة، يعلن أن الأمة لن تركع ولن تستسلم، ثورة ولدت لتكبر وتنتصر.
كل شهيد حكاية، وكل قطرة دم رسالة، تذكِّر الأمة بوعد الله الخالد: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾. إنهم الأكرم والأنبل من بني البشر، اختاروا طريقًا شاقًا، لكنه طريق الحياة الحقيقية، حياة العزة والكرامة. دماؤهم إرادة تتعاظم، وثورة جديدة تشتعل، إنهم رموزٌ حية، تحمل الأمل والإصرار على استرداد الحق المسلوب.
في غزة حيث تصعد أرواح الشهداء يوميًا لتعانق السماء، يقاوم الشعب الفلسطيني بصدورٍ عارية وقلوبٍ مفعمة بالإيمان، يواجهون آلة حرب صهيونية وحشية لا تعرف الرحمة، مزودة بأحدث الأسلحة وبدعم أمريكي مباشر وغاشم، وصمت وتواطؤ دولي وعربي آثم، لكنهم لا ينكسرون. إنهم شعبٌ قرر أن يعيش حرًا أو يموت واقفًا، فكان صمودهم درسًا للعالم أجمع في معنى التحدي والإباء، ووعدا للأحرار بالاحتفال بالنصر. أطفال غزة بحجارتهم، ونساؤها بصبرهن، ورجالها ببأسهم، يصنعون ملحمةً تروى عبر الأجيال، ملحمة شعبٍ رفض أن يُذل أو يُهزم.
وفي الضفة الغربية، يتحدى الأبطال الحواجز والمستوطنات، يزرعون الأرض صمودًا، ويروونها بدمائهم الطاهرة. إنهم حراس الأرض، يقاومون محاولات الاقتلاع والتهجير، ويقولون للعالم أجمع أن فلسطين هوية وكرامة لا تهان. وفي القدس، مهد الرسالات السماوية والأنبياء، ومهد الحضارات والحكايات، يقف الشباب والشيوخ والنساء سدا منيعا في وجه محاولات التهويد والتدنيس، إنهم يحمون المسجد الأقصى بأجسادهم وصدورهم العارية، يذودون عنه بأرواحهم، معلنين أن القدس ستبقى عربية إسلامية، عصية على كل الاعتداءات ومحاولات الطمس التي يمارسها جنود وقطعان الاحتلال.
في كل محور من محاور المقاومة، من جنوب لبنان إلى هضبة الجولان السورية، ومن العراق البطل إلى اليمن الأشم، تنبض روح الجهاد، وتتجدد عزيمة التصدي للكيان الصهيوني الذي يسعى لفرض هيمنته. هؤلاء المقاومون بأسلحتهم البسيطة وإرادتهم الفولاذية، يثبتون أن قوتهم ومنبع صمودهم وانتصاراتهم، كامنةً في إيمانهم بقضيتهم واستعدادهم للتضحية في سبيلها ومن أجلها. إنهم يواجهون ترسانة عسكرية مدعومة بقوى الاستكبار العالمي، لكنهم يثبتون أن إرادة الشعوب لا تُقهر، وأن الحق سيظل منتصرًا مهما طال الزمن.
إن هؤلاء الشهداء يعلِّموننا أن معنى الكرامة إنما هو موقفٌ يُتخذ وعملٌ يُنفذ، ويذكِّروننا أن الحرية هي حقٌ بالمقاومة وبالقوة تُنتزع، وأن الحياة التي منحها الله لنا لا تستحق أن تُعاش إلا بعزة وكرامة. إنهم يقولون لنا وللعالم أجمع: إن الكيان الصهيوني مهما امتلك من قوة عسكرية ودعم دولي وتخاذل عربي، لن يستطيع كسر إرادة شعبٍ قرر أن يعيش حرًا كريمًا، لن ينتزعوا حجرًا من يد طفلٍ ولد من جذور شجرةٍ تتحدى الموت، ولن يطفئوا شعلة المقاومة التي أوقدها الشهداء بدمائهم. إنهم يقاتلون من أجل أرضهم، ومن أجل كرامة الأمة بأسرها، ليبقى الأمل حيًا، ولتظل راية الحق مرفوعة.
فسلامٌ عليهم وألف سلام لهم، حين اختاروا طريق الشهادة وساروا عليها، فأصبحوا نجومًا تتلألأ في سماء الأمة، ومشاعل نور لا تنطفئ. سلامٌ على أرواحهم الطاهرة والزكية التي ارتقت إلى عليين، تاركةً لنا وصيةً لا تموت، بأن نتمسك بالحق، وأن نحمل راية المقاومة لنصنع غدًا يليق بتضحياتهم.
سلامٌ عليهم شهداء الدفاع عن الكرامة والحرية، وسلامٌ لهم صنّاع النهار ورواد النصر العظيم.
سلامٌ لهم وعليهم يوم يموتون ويوم يحيون..

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الرؤية
منذ 6 ساعات
- جريدة الرؤية
سلامٌ على أرواح الشهداء.. مشاعل الحق ونجوم العزة
خالد بن سالم الغساني ألف سلام عليهم، أولئك الأبطال الذين سطَّروا بدمائهم الزكية أروع ملاحم البطولة والفداء، وقفوا كجبال فلسطين الشماء والراسخة، جبال الجليل ونابلس والقدس والخليل والنقب، في وجه الظلم والطغيان، يدافعون عن كرامة الأمة وحريتها، ويتصدون للكيان الصهيوني الغاشم الذي اغتصب الأرض، وقتل وهجّر وشرّد أبنائها، ودنَّس المقدسات، وسعى لكسر إرادة شعبها. إنهم شهداء الحق، الذين اختاروا درب العزة والشرف، فكانوا نبراسًا يضيء دروب الأمة، ومشاعل تنير ظلمات الاحتلال، تذكِّرنا بأن النصر لا يُنتزع إلا بالصمود والتضحية. في كل ساحة ومحور، من فلسطين الحبيبة إلى لبنان الصامد، ومن اليمن الأبي إلى سوريا الحرة، ومن العراق البطل إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية الوفية، تشمخ تضحيات هؤلاء الأبطال لتشكل راياتٍ ترمز للصمود والمقاومة. حملوا أرواحهم على أكفهم، وقدَّموها قربانًا للحرية والعدالة، فكانت دماؤهم وقودًا لثورةٍ لا تخمد، وصوتًا يدوي في وجه الطغاة، يعلن أن الأمة لن تركع ولن تستسلم، ثورة ولدت لتكبر وتنتصر. كل شهيد حكاية، وكل قطرة دم رسالة، تذكِّر الأمة بوعد الله الخالد: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾. إنهم الأكرم والأنبل من بني البشر، اختاروا طريقًا شاقًا، لكنه طريق الحياة الحقيقية، حياة العزة والكرامة. دماؤهم إرادة تتعاظم، وثورة جديدة تشتعل، إنهم رموزٌ حية، تحمل الأمل والإصرار على استرداد الحق المسلوب. في غزة حيث تصعد أرواح الشهداء يوميًا لتعانق السماء، يقاوم الشعب الفلسطيني بصدورٍ عارية وقلوبٍ مفعمة بالإيمان، يواجهون آلة حرب صهيونية وحشية لا تعرف الرحمة، مزودة بأحدث الأسلحة وبدعم أمريكي مباشر وغاشم، وصمت وتواطؤ دولي وعربي آثم، لكنهم لا ينكسرون. إنهم شعبٌ قرر أن يعيش حرًا أو يموت واقفًا، فكان صمودهم درسًا للعالم أجمع في معنى التحدي والإباء، ووعدا للأحرار بالاحتفال بالنصر. أطفال غزة بحجارتهم، ونساؤها بصبرهن، ورجالها ببأسهم، يصنعون ملحمةً تروى عبر الأجيال، ملحمة شعبٍ رفض أن يُذل أو يُهزم. وفي الضفة الغربية، يتحدى الأبطال الحواجز والمستوطنات، يزرعون الأرض صمودًا، ويروونها بدمائهم الطاهرة. إنهم حراس الأرض، يقاومون محاولات الاقتلاع والتهجير، ويقولون للعالم أجمع أن فلسطين هوية وكرامة لا تهان. وفي القدس، مهد الرسالات السماوية والأنبياء، ومهد الحضارات والحكايات، يقف الشباب والشيوخ والنساء سدا منيعا في وجه محاولات التهويد والتدنيس، إنهم يحمون المسجد الأقصى بأجسادهم وصدورهم العارية، يذودون عنه بأرواحهم، معلنين أن القدس ستبقى عربية إسلامية، عصية على كل الاعتداءات ومحاولات الطمس التي يمارسها جنود وقطعان الاحتلال. في كل محور من محاور المقاومة، من جنوب لبنان إلى هضبة الجولان السورية، ومن العراق البطل إلى اليمن الأشم، تنبض روح الجهاد، وتتجدد عزيمة التصدي للكيان الصهيوني الذي يسعى لفرض هيمنته. هؤلاء المقاومون بأسلحتهم البسيطة وإرادتهم الفولاذية، يثبتون أن قوتهم ومنبع صمودهم وانتصاراتهم، كامنةً في إيمانهم بقضيتهم واستعدادهم للتضحية في سبيلها ومن أجلها. إنهم يواجهون ترسانة عسكرية مدعومة بقوى الاستكبار العالمي، لكنهم يثبتون أن إرادة الشعوب لا تُقهر، وأن الحق سيظل منتصرًا مهما طال الزمن. إن هؤلاء الشهداء يعلِّموننا أن معنى الكرامة إنما هو موقفٌ يُتخذ وعملٌ يُنفذ، ويذكِّروننا أن الحرية هي حقٌ بالمقاومة وبالقوة تُنتزع، وأن الحياة التي منحها الله لنا لا تستحق أن تُعاش إلا بعزة وكرامة. إنهم يقولون لنا وللعالم أجمع: إن الكيان الصهيوني مهما امتلك من قوة عسكرية ودعم دولي وتخاذل عربي، لن يستطيع كسر إرادة شعبٍ قرر أن يعيش حرًا كريمًا، لن ينتزعوا حجرًا من يد طفلٍ ولد من جذور شجرةٍ تتحدى الموت، ولن يطفئوا شعلة المقاومة التي أوقدها الشهداء بدمائهم. إنهم يقاتلون من أجل أرضهم، ومن أجل كرامة الأمة بأسرها، ليبقى الأمل حيًا، ولتظل راية الحق مرفوعة. فسلامٌ عليهم وألف سلام لهم، حين اختاروا طريق الشهادة وساروا عليها، فأصبحوا نجومًا تتلألأ في سماء الأمة، ومشاعل نور لا تنطفئ. سلامٌ على أرواحهم الطاهرة والزكية التي ارتقت إلى عليين، تاركةً لنا وصيةً لا تموت، بأن نتمسك بالحق، وأن نحمل راية المقاومة لنصنع غدًا يليق بتضحياتهم. سلامٌ عليهم شهداء الدفاع عن الكرامة والحرية، وسلامٌ لهم صنّاع النهار ورواد النصر العظيم. سلامٌ لهم وعليهم يوم يموتون ويوم يحيون..


جريدة الرؤية
منذ يوم واحد
- جريدة الرؤية
أين العرب مما يحدث في غزة؟
د/ علي بن حمد بن عبدالله المسلمي aha.1970@ لقد ضاقت الأرض بما رحُبت من أفعال الصهاينة في غزة هاشم، ونفثت أقوالهم عن ما تكنّه صدورهم من الحسد والبغضاء ونشوة الانتصار ضد أناس أبرياء لا حول لهم ولا قوة، يفترشون الأرض، ويلتحفون السماء ولسان حالهم يقول: "أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ"، لم يبق شيء لم يفعلوه، أو من قول وقد سطروه، وصدق ميرتس حين قال حول ما يحدث في غزة بأنها: "حرب قذرة تشنها إسرائيل بدلا عنهم". نشاهد الصور المؤلمة عن الوضع المأساوي في غزة، تتفطر له القلوب، وترتجف الأحاسيس والمشاعر، وتنساب الدموع الأخرى تلو الأخرى حول الخدود حزنًا وأسًا، ولكن ما باليد حيلة، لسان حالنا يقول كما قال الشاعر عمر أبو ريشة: ويكادُ الدمعُ يهمِي عَابثًا بِبَقايَا ….. كبرياءِ ….. الألمِ ويقول: اسمعِي نوحَ الحزانَى واطرَبِي وانظُرِي دمعَ اليتامَى وابسَمِي لقد عجزت اللسان عن الوصف، لم يبق بيت إلا وقد هدم، ولا نفس إلا وأزهقت، ولا شجر بقي ولا حجر إلا اقتلع. صيحات الأطفال هنا وهناك، تمتمات الأمهات لم يسمع لها ولا عويلهن، أطفال رضع وشيوخ ركع لم يسمع لأناتهم، تسمع هديل الطائرات وأصوات المدافع تدك البيوت دكا لا رحمة ولا شفقة لهم، قلوب أقسى من الحجر؛ تحقيقا لنبوءاتهم المزعومة. عنواننا نحن العرب النّدب والشجب والفرجة، مؤتمرات واجتماعات بلا طائل، مليارات تصرف وتستثمر خارج أوطانها وتعود علينا بالضرر بدلا من النفع. وفي ظل هذا المشهد، تبقى دولنا العربية خارج المشهد تمارس سياسة الصمت، وكأن الوطن العربي لا يهتم بما يدور حوله، إلى جانب قلة الحيلة التي يشعر بها الجميع. وفي المقابل، هناك قلة قليلة تحاول جاهدة وفق إمكاناتها المتاحة أن تبث روح الأمل في هذه الأمة وتعيد لها أمجادها كما قال الشاعر: أَوَمَا كنتِ إذا البغيُ اعتدى موجةً مِن لهبٍ أو مِنِ دَمِ! الحال أضحى "أصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ"، ذنب هؤلاء إنهم مسلمون موحدون، تركوا للذئاب البشرية تنهش أجسادهم الغضة وحيدون ذنبهم إنهم يدافعون عن العرض والشرف والوطن والإسلام. أما آن الآوان أن يرفع الضيم عن أهل غزة، لقد ادلهم الخطب، وعظمت المصيبة، وكثر الأنين، وضمرت البطون، واشتد الكرب، وضيقت النفوس، وهدمت البيوت، وروع الأطفال، ومزقت الأجساد، وكثر الأنين فلا مجيب ولا رقيب ولا حسيب. إلى متى هذا الضيم، أين العربي المسلم "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ"، فتحتم الأرض ونشرتم العدل، وعلمتم العالم الذي بفضلكم أنرتم لهم الدرب؛ حتى أضحى العلم اليوم مصباح الشعوب المتطورة. بنو صهيون لا يراعون عهدًا ولا ذمة، ولا ميثاق، هذا موئلهم منذ القدم، يدّعون الحضارة، والديمقراطية، والتطور وهم أبعد عنها، مثلهم مثل الشعوب المتوحشة القديمة، الجرمانية والسكسونية والتترية، الجاهلية العربية التي تطبق قانون الغاب، الغلبة للأقوى. لا دين لهم سوى المادة، لا ضمير لهم سواء السادية. فالبدار البدار، قبل فوات الأوان، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم: "بلْ أنتمْ يومَئذٍ كَثيرٌ، ولكنَّكمْ غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيلِ".


جريدة الرؤية
منذ يوم واحد
- جريدة الرؤية
كرسي المسؤول.. بين شرف المنصب وثقل الأمانة
حمود بن علي الطوقي في عالمٍ مكتظٍ بالتغريدات والآراء المتسارعة، نادرًا ما تترك كلمة موجزة أثرًا عميقًا… لكن ما كتبته مؤخرًا في تغريدة، كان استثناءً. تغريدة نُسجت من تجربةٍ شخصية لرجلٍ شغل منصبًا قياديًا سابقًا، صارحني بصدق قائلاً: "حين كنت في المنصب، كنت أرى الروتين والبيروقراطية شطارة ونظامًا، كنا نعقّد الإجراءات على الناس دون أن نشعر، لكن بعد تقاعدي، وجدت نفسي أطرق الأبواب ذاتها التي كنا نغلقها، وعندها فقط أدركت أننا كنّا نُعذّب المواطنين رسميًا. لو عاد بي الزمن، لأصلحت ما أفسده الروتين". تغريدة واحدة، تجاوزت 130 ألف مشاهدة، وأصبحت حديث المجالس، ومنصات التواصل الاجتماعي لِما حملته من صدقٍ وتجربةٍ مؤلمة. وجدت صداها بين مختلف فئات المجتمع، ومن بينهم مسؤولون ووزراء سابقون وحاليون، لأن رسالتها كانت واضحة: "المسؤولية ليست سلطة، بل أمانة". رغم قصرها، فقد اختزلت التغريدة دعوةً صريحة لإعادة النظر في مفهوم المنصب، والتأكيد أن الكرسي لا يصنع المسؤول، بل الضمير الحيّ، والإخلاص في أداء الواجب. وفي هذا السياق، لا بد من استحضار التوجيهات الصادقة من لدن مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي يقود نهضتنا المتجددة بثبات واقتدار، إذ شدد في أكثر من مناسبة على أن: "المسؤولية تكليف لا تشريف، وعلى من يتولى مسؤولية أن يتحمل قراراته، ويُخلص في عمله، ويكون قادرًا على تبرير أفعاله عند المساءلة". حسبنا أن توجيهات سامية ترسم ملامح الحكم الرشيد وخريطة الطريق، الذي يوجب على المسؤول أن يُحاسب نفسه قبل أن يُحاسبه الآخرون، وأن يتّقي الله في كل قرار يتخذه، خاصة إذا ما تعلق بمصالح العباد والبلاد. ونحن كأصحاب أقلام، من الصحفيين حين ننتقد، فإننا لا نفعل ذلك إلا من منطلق مسؤوليتنا الوطنية والأخلاقية، فالصحافة الجادة تمارس النقد البناء لا من أجل التشهير، بل من أجل الإصلاح والتقويم. وفي المقابل، لا بد أن نثمّن الجهود الحكومية التي تبذل في سبيل تبسيط الإجراءات وتحسين تجربة المواطن، ومن ذلك ما بادرت إليه بعض الجهات الحكومية من تخصيص قاعات مهيأة للمراجعين، في خطوة إيجابية تُعزز ثقافة الاحترام وتُبسط الإجراءات، وتترجم توجه الحكومة نحو تطوير العمل المؤسسي وإرساء مفهوم الحوكمة وتحقيق رضا المواطن. وهنا، أحب أن أهمس في أذن كل من تولّى مسؤولية، موظفًا كان أو مديرًا أو مسؤولًا رفيعًا: اجعل من موقعك الوظيفي طريقًا لخدمة المواطن، لا وسيلة لتعقيد أمورهم، فأعظم ما يمكن أن تُنجزه في يومك، أن يخرج المراجع من مكتبك راضيًا من المعاملة، شاكرًا لحسن الاستقبال، مقدّرًا لسرعة الإنجاز. فكلمة شكرا التي تخرج من قلب مواطن قدمت له الخدمة، هي شهادة تُكتب في صحيفة أعمالك. أما المسؤول الذي شاركني تجربته فقد أطلق شرارة منبهًا: إن التعقيد والبيروقراطية لا مبرر لهما في هذا الزمن الذي نراه زمن عجلته متسارعة ولا مجال للتبرير وتعقيد في الإجراءات. أخيرا نقول لكل مسؤول: لا تغتر بالمنصب… فسيأتي يوم تكون فيه على الجهة الأخرى من الطاولة، تنتظر معاملة وستكون أمام موقف تعرف من خلاله طبيعة عمل المسؤول. هل خرجت من عنده راضيا أو مهموما، فالكرسي الذي تجلس عليه اليوم، حتما لن يدوم لك، ولكنّ الأثر الذي تعمله في خدمة العباد والبلاد باقٍ لا محالة، وما يخلّد المسؤول ليس المنصب الذي تقلّده، بل البصمة التي تركها، والقلوب التي دعت له بصدق بعد رحيله.