المعادن النادرة.. كيف نشحن بطاريتنا على جثة حقوق الإنسان؟
في أعماق مناجم الكونغو المظلمة، حيث يُستخرج الكوبالت اللازم لبطاريات الهواتف والسيارات الكهربائية، يصعد طفلٌ لا يتجاوز عمره عشر سنوات، وجهه مُغطى بغبار المعدن الأزرق، حاملًا صخرةً صغيرةً قد تُشحن يومًا ما سيارةً فاخرةً في باريس أو بكين.
هذا المشهد ليس مجرد رمز للثورة التكنولوجية، بل نافذة على حرب جيوسياسية صامتة تعيد تعريف مفاهيم القوة، وتُشكك في أسس الفلسفة الحديثة. المعادن النادرة – من الليثيوم إلى التيربيوم – لم تعد مجرد عناصر كيميائية، بل تحولت إلى أدواتٍ تُحرك اقتصاد العالم، وتكشف عن تناقضات الفكر الإنساني في عصر ما بعد الحداثة.
الصين، التي تهيمن على 80% من إنتاج العناصر الأرضية النادرة، تتحكم اليوم بمصير الثورة الخضراء التي تتغنى بها أوروبا وأمريكا. فحين تقرر بكين خفض صادراتها من الغاليوم والجرمانيوم – وهي معادن حيوية لصناعة الرقائق الإلكترونية – لا تكتفي بإثارة أزمة في سوق التكنولوجيا، بل ترسم ملامح نظام عالمي جديد: نظامٍ تُقاس فيه القوة بقدرة الدول على تحويل الصخور إلى سلاح.
الغرب الذي يدّعي الدفاع عن قيم التنوير والعدالة يجد نفسه في ورطة أخلاقية: فالألواح الشمسية وتوربينات الرياح – رموز التحول الأخضر – تُصنع من معادن تُستخرج عبر تدمير مجتمعات بأكملها. في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث يُنتج 70% من الكوبالت العالمي، يعمل آلاف الأطفال في ظروف قاسية، بينما تتحول أرباح الشركات العابرة للقوميات إلى مليارات تُستثمر في مزيدٍ من التكنولوجيا التي ستحتاج إلى المزيد من دماء الكونغوليين.
هذه المفارقة ليست مجرد أزمة أخلاقية، بل انعكاس لتحولات فلسفية عميقة في عصر ما بعد الحداثة. فالنموذج الليبرالي الذي رفع شعارات العولمة والانفتاح ينهار أمام حقيقة أن الموارد محدودة، وأن السعي وراءها يخلق فوضى جيوسياسية تُعيد إنتاج الاستعمار بأدوات جديدة.
شركات مثل "تسلا" و"CATL الصينية" تظهر كقوى تفوقت على الدول، وهو ما يُذكرنا بنظرية الفيلسوف الفرنسي "ميشيل فوكو" عن السلطة كشبكة متشابكة لا مركز لها. فالقوة لم تعد في الجيوش، بل في من يتحكم في سلاسل التوريد، ويفهم لغة الجيولوجيا قبل لغة الدبلوماسية.
في صحراء أتاكاما التشيلية، حيث يُستخرج الليثيوم – ذهب القرن الحادي والعشرين – تختفي المياه الجوفية بسرعة، تاركةً المزارعين المحليين أمام خيارين: الهجرة أو الموت عطشًا. هذه الكارثة البيئية ليست مجرد نتيجة لسياسات اقتصادية قصيرة النظر، بل تعكس فلسفة ما بعد حداثية ترفع شعار "نهاية السرديات الكبرى".
فشعارات التقدم والتنمية المستدامة – التي قُدمت كحقائق مطلقة – تتحول إلى أوهامٍ تغذيها الرأسمالية الخضراء. الفيلسوف السلوفيني "سلافوي جيجك" يصف هذا التناقض بأنه "الاستعمار الجديد بوجه إنساني"، حيث تُستخدم الأزمات البيئية كذريعة لاستنزاف موارد الجنوب العالمي.
لكن أعمق الأسئلة تطفو عند تقاطع الفلسفة بالفيزياء: هل يمكن لنا أن ننقذ الكوكب باستخدام أدواتٍ تُدمره؟ حين يُعاد تدوير أقل من 1% من الليثيوم العالمي، بينما تستهلك مناجم الكونغو آلاف الأرواح سنويًا، يصبح "الواقع الافتراضي" الذي تروج له شركات التكنولوجيا مجرد هروب من حقيقة أن التقدم التكنولوجي يُبنى على جثث المهمشين.
هذا التفكيك للحقيقة – وهو أحد مرتكزات فلسفة ما بعد الحداثة – لم يعد مجرد تنظير أكاديمي، بل واقعًا يعيشه عمال المناجم الذين يرون ثروات أرضهم تتحول إلى هواتف ذكية لن يمسكوها أبدًا.
الغريب أن هذه الأزمات تُنتج جماليات جديدة. فالفنون الرقمية المعاصرة، التي تعتمد على معادن نادرة، تخلق عوالم افتراضية مذهلة، بينما تُهمش قصص البشر الذين ماتوا لإنشاء هذه العوالم، هنا يتجلى تناقض ما بعد الحداثة: الإيمان بانهيار الحدود بين الواقع والخيال، بينما تتعمق الهوة بين من يملكون مفاتيح التكنولوجيا ومن يُدفنون تحت أنقاضها.
في النهاية، قد تكون المعادن النادرة مرآةً لعصرنا: عصرٌ يُقدس الابتكار لكنه يُهمل الأخلاق، عصرٌ يبحث عن الحياة على المريخ بينما يُدمر الحياة على الأرض، الفلسفة التي نحتاجها اليوم ليست فلسفةً للإجابة عن أسئلة الماضي، بل لطرح أسئلة جديدة: من يملك الحق في كتابة مستقبل الأرض؟ وكيف نعيد تعريف التقدم في عالمٍ يُقاس فيه النجاح بالجرامات المعدنية لا بالكرامة الإنسانية؟ الجواب لن يكون في كتب الفلسفة، بل في ذلك الطفل الكونغولي الذي يحمل بين يديه لغزًا وجوديًا: معدنٌ أزرق قد يُضيء مدنًا بعيدة، لكنه لن يُضيء وجهه أبدًا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليوم السابع
منذ يوم واحد
- اليوم السابع
روبوت تسلا الشبيه بالبشر قادر على تحضير العشاء وتنظيف الطاولة وإلقاء القمامة
كشف تقرير حديث عن إطلاق روبوت تيسلا أوبتيموس في مقطع فيديو جديد وهو يلقي القمامة في سلة المهملات، وينظف الطعام من على الطاولة باستخدام مجرفة وفرشاة، ويمزق قطعة من المناديل الورقية، ويقلب وعاء من الطعام، وينظف الأرض بالمكنسة الكهربائية، من بين مهام أخرى. وظهر روبوت تسلا الاسبوع الماضى وهو يستعرض حركات رقص رائعة ويؤدي مجموعة من المهام البسيطة، والتى تتطلب مهارة فائقة بالنسبة لروبوت بشري ، و يُظهر ذلك نوع التقدم الثابت الذي يحرزه مهندسو تسلا، حيث أصبحت تصرفات وحركات الروبوت معقدة بشكل متزايد. وعلق ميلان كوفاتش، رئيس فريق أوبتيموس ، في منشور على X: "أحد أهدافنا هو أن يتعلم أوبتيموس مباشرةً من مقاطع فيديو على الإنترنت تُظهر أشخاصًا يؤدون مهامًا"، وهذا لا يعني أن الروبوت سيشاهد مقاطع الفيديو حرفيًا كالبشر، بل يشير إلى أنه سيتعلم من الكم الهائل من البيانات المتوفرة في تلك المقاطع، مثل عروض المهام والحركات والسلوكيات. وقال كوفاتش، إن فريقه حقق مؤخرًا "اختراقًا كبيرًا" يعني أنه يمكنه الآن نقل "جزء كبير من التعلم مباشرة من مقاطع الفيديو البشرية إلى الروبوتات، موضحًا أن هذا يسمح لفريقه ببدء مهام جديدة بسرعة أكبر مقارنة باستخدام بيانات الروبوت التي يتم تشغيلها عن بعد وحدها. وتتمثل الخطة التالية في جعل أوبتيموس أكثر موثوقية من خلال جعله يمارس المهام بنفسه ، إما في العالم الحقيقي أو في المحاكاة باستخدام التعلم التعزيزي، وهي طريقة تعمل على تحسين الإجراءات من خلال التجربة والخطأ. وزعم رئيس شركة تسلا إيلون ماسك، الذي تحدث بحماس عن أوبتيموس منذ أن أعلنت الشركة عنه لأول مرة في عام 2021، أن "الآلاف" من الروبوتات قد يتم نشرها يومًا ما جنبًا إلى جنب مع الموظفين البشريين في مصانع تسلا، للقيام بمهام "خطيرة ومتكررة ومملة". وتتنافس الشركة، المعروفة بتصنيع السيارات الكهربائية أكثر من الروبوتات الشبيهة بالبشر، مع عدد متزايد من شركات التكنولوجيا على مستوى العالم التي تهدف إلى تسويق روبوتاتها الشبيهة بالبشر، سواء لمكان العمل، أو المنزل، أو ربما بعض أنظمة الإنسان الروبوتية الجديدة تمامًا التي لم يتم تصورها بعد.


يمني برس
منذ 5 أيام
- يمني برس
ابتكار مواد سيراميكية صديقة للبيئة لبطاريات الجيل القادم
يمني برس | ابتكر علماء روس، بالتعاون مع زملائهم من الصين، مواد سيراميكية جديدة لتطوير بطاريات صديقة للبيئة من الجيل الجديد، يمكن استخدامها، حتى في الأجهزة المنزلية وأنظمة الطاقة المتجددة. ويشير المكتب الإعلامي لجامعة سخالين إلى أن البطاريات الصلبة، بعكس بطاريات الليثيوم أيون التقليدية لا تحتوي على إلكتروليتات سائلة، وبالتالي فهي أقل عرضة للحريق وأكثر مقاومة لتغيرات درجة الحرارة وأكثر متانة. ووفقا للمكتب ابتكر العلماء في إطار البحث المشترك، مواد سيراميكية جديدة يمكن أن تشكل الأساس لمثل هذه البطاريات. وتجدر الإشارة إلى أن علماء من جامعة سخالين وجامعة الشرق الأقصى ومعهد شنغهاي للسيراميك شاركوا في هذه الدراسة. ويقول أوليغ شيتشالين، مدير مختبر بحوث المصادر الكهروكيميائية للطاقة المتجددة في جامعة سخالين: 'تفتح دراستنا في مجال تركيب المواد الخزفية القائمة على أساس ZnFe2O4 آفاقا جديدة للتنمية المستدامة في مجال تخزين الطاقة. لقد ابتكرنا تقنيات تسمح بالحصول على مواد ذات خصائص كهروكيميائية عالية مع تجنب استخدام المواد السامة. وهذا أمر بالغ الأهمية للانتقال إلى تقنيات صديقة للبيئة'. ووفقا للباحثين، يمكن أن تصبح المواد التي حصلوا عليها الأساس لإنتاج بطاريات خالية من الرصاص وصديقة للبيئة مع مجموعة واسعة من التطبيقات – من الإلكترونيات إلى الطاقة المتجددة. وهناك خطط مستقبلية لتوسيع نطاق البحث واختبار المواد المطورة في نماذج أولية للبطاريات يمكن استخدامها في الإلكترونيات الاستهلاكية والمركبات الكهربائية وأنظمة الطاقة المتجددة. وبالإضافة إلى ذلك، مثل هذه التقنيات ضرورية للجزر ومناطق القطب الشمالي، حيث يلعب استقرار إمدادات الطاقة وسلامة المعدات دورا أساسيا.


النبأ
١٣-٠٥-٢٠٢٥
- النبأ
ترامب في السعودية.. الطاقة النووية على رأس الملفات
يحظى ملف البرنامج النووي السلمي السعودي باهتمام خاص خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرياض، اليوم الثلاثاء إذ تطمح الرياض إلى الحصول على دعم أمريكي لتطوير قدراتها النووية لأغراض سلمية، كتحلية المياه وتوليد الطاقة. وكان وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت قد أعلن في شهر أبريل الماضي، أن بلاده ستوقع اتفاقية مع السعودية لتطويرالصناعات النووية السلمية بالمملكة، منوها بأن العمل جارعلى توطين صناعة الطاقة النووية السلمية بالسعودية وقال الوزير الأمريكي في تصريحات للصحفيين خلال زيارته للرياض: "نتوقع تعاون طويل الأمد بين الولايات المتحدة والسعودية لتطوير الصناعة النووية في السعودية". وأضاف "سنعلن عن مزيد من تفاصيل التعاون النووي مع السعودية هذا العام.. نعمل على توطين صناعة الطاقة النووية السلمية بالسعودية". كما يعتبر ملف الذكاء الاصطناعي من أهم الملفات التي سوف يتم مناقشاتها خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمملكة العربية السعودية، اليوم الثلاثاء. في هذا الاطار، أكد وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي، عبد الله السواحة، أهمية الشراكة الاستراتيجية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي. كما أشار إلى أن هذا التعاون يقوم على إدراك مشترك والتزام حقيقي بالعمل مع الشركاء لتحقيق النجاح وتوسيع نطاق الابتكار في قطاع يُقدّر حجمه بتريليونات الدولارات. وأوضح السواحه ضمن فعاليات المنتدى السعودي الأميركي الذي يعقد على هامش زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب إلى الرياض، أن المخاوف المتعلقة بإساءة استخدام بعض التقنيات المتقدمة تظل مخاوف مشروعة. إلا أنه شدد على أن التقنيات ذات الطابع المعقد، مثل الخوادم المزودة بمعالجات فائقة القوة، من الصعب استغلالها بشكل خفي، مما يعزز من مستويات الأمان والشفافية. وأشار إلى أن التعاون مع شركاء موثوقين ونشر هذه التقنيات وتبنيها لخدمة الصالح العام يمثل الهدف الأسمى لهذا التعاون. كما أوضح أن المملكة تتبنى نهجًا مسؤولًا في تطوير الذكاء الاصطناعي بما يحقق الفائدة للمجتمعات ويراعي الجوانب الأخلاقية والأمنية في آنٍ واحد. كما استقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قطب التكنولوجيا والملياردير الأمريكي إيلون ماسك بقصر اليمامة في العاصمة الرياض. إذ يرافق ماسك، وهو الرئيس التنفيذي لشركتي "تسلا" و"سبيس إكس"، ومؤسس شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة "XAI"، الوفد الأمريكي المصاحب لترامب خلال زيارته إلى السعودية، التي هي ضمن الجولة الرسمية الأولى له خارج الولايات المتحدة في ولايته الرئاسية الثانية. كما يرتقب حضور قادة شركات تكنولوجيا كبرى أخرى منتدى الاستثمار السعودي-الأمريكي بما في ذلك الرؤساء التنفيذيون لشركات ميتا و"OpenAI" وأمازون وإنفيديا. ومن المتوقع أن يكون الذكاء الاصطناعي محور اهتمام كبير في مؤتمر الاستثمار السعودي-الأمريكي. وأطلق ولي العهد السعودي، أمس الاثنين، شركة هيوماين، إحدى الشركات المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، والتي تهدف إلى تطوير وإدارة حلول وتقنيات الذكاء الاصطناعي، والاستثمار في القطاع. وستعمل "هيوماين"، التي يرأس ولي العهد مجلس إدارتها، على تقديم أحدث نماذج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، ومن ذلك تطوير أحد أفضل النماذج اللغوية الكبيرة (LLM) باللغة العربية، إلى جانب الجيل الجديد من مراكز البيانات، والبنية التحتية للحوسبة السحابية. وفي مستهل جولة له في الشرق الأوسط تشمل السعودية وقطر والإمارات، وصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، صباح اليوم الثلاثاء، إلى المملكة العربية السعودية في زيارة وصفها بالتاريخية. وحسب خبراء تحمل الزياررة رهانات اقتصادية حيث سيسعى الرئيس الأمريكي إلى إبرام صفقات ضخمة بين الولايات المتحدة والسعودية وقطر والإمارات قد تصل قيمتها إلى تريليونات الدولارات. ومن المتوقع أن تعلن الولايات المتحدة والسعودية وقطر والإمارات عن استثمارات محتملة بتريليونات الدولارات. وتعهدت السعودية بالفعل في يناير/ كانون الثاني باستثمارات بقيمة 600 مليار دولار في الولايات المتحدة في السنوات الأربع المقبلة، لكن ترامب قال إنه سيطلب تريليون دولار كاملة. وقالت مصادر إنه من المتوقع أن يعرض ترامب على السعودية صفقة أسلحة تزيد قيمتها عن 100 مليار دولار خلال وجوده في الرياض، والتي قد تشمل مجموعة من الأسلحة المتطورة منها طائرات نقل من طراز سي-130. وسافر ترامب، الذي حطت طائرته، اليوم الثلاثاء، في السعودية، برفقة وفد كبير يضم العديد من وزراء الحكومة وكبار المسؤولين. إذ رافقه وزير الخارجية ماركو روبيو، ووزير الدفاع بيت هيغسيث، ووزير الخزانة سكوت بيسنت، للمشاركة في الاجتماعات. وقال مسؤولون كبار في البيت الأبيض، إن غالبية كبار موظفي البيت الأبيض، بمن فيهم رئيسة الموظفين سوزي وايلز ومجموعة نواب الرئيس، سيرافقون الرئيس أيضًا، حسب ما نقلت شبكة "سي أن أن". وكانت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت أكدت قبل الزيارة أن "الرئيس يتطلع إلى الشروع في عودته التاريخية إلى الشرق الأوسط". وقالت الخارجية الأمريكية إن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية لن تغفل دور الرياض في إطار استضافة المفاواضت المتعلقة بالحرب في أوكرانيا ودورها في تهدئة التوترات في السودان واليمن، وكشف في الوقت ذاته المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية سامويل ويربيرغ، إن بلاده تثمن مبادرات السعودية في مجال دعم الحلول السياسية للنزاعات وجهودها المستمرة في تأمين أسواق الطاقة العالمية، والمساهمة في استقرار المنطقة عبر أدوات دبلوماسية، إقليمية، وعالمية. وعقد وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسينت، ووزير المالية السعودي محمد الجدعان، جلسة مشتركة في مستهل الأعمال السعودي الأمريكي الذي أنشئ عام 1993، بمشاركة ضخمة من كبرى شركات القطاع الخاص في مجال التكنولوجيا وغيرها، ونحو 2000 مسؤول من القطاعين الخاص والعام، انطلق، اليوم الثلاثاء، في الرياض. وأكد بيسنت أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يركز على إعادة الاقتصاد الأميركي للتصنيع. كما شدد على أن "إعادة التوازن التجاري مع الصين من أولويات إدارة ترامب". وقال: "سنتجنب الاعتماد على الصين في القطاعات الاستراتيجية". من جانبه أكد الجدعان على أن العلاقات الأمريكية السعودية، تزداد قوة. وتحمل الجولة دلالات سياسية، واقتصادية واسعة، بالنظر إلى توقيتها في خضم تحديات إقليمية متسارعة، بجانب مكانة الرياض كشريك استراتيجي لواشنطن في ملفات الأمن والطاقة ومكافحة الإرهاب. وزار عدد من الرؤساء الأمريكيين السعودية على مدار العقود الماضية، في محطات تاريخية تعكس قوة العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، بجانب دور السعودية الفاعل في تحقيق الأمن والاستقرار، إذ بدأت الزيارات عام 1974 بزيارة الرئيس ريتشارد نيكسون، فيما توالت زيارات عدد من الرؤساء السابقين مثل جيمي كارتر، وجورج بوش الأب والابن كذلك، وبيل كلينتون، وصولًا إلى باراك أوباما وجو بايدن، وفي خطوة تؤكد استمرار هذه الشراكة، يعود الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسعودية بعد 8 سنوات من زيارته الأولى. وعندما كشف ترامب عن خططه بشأن هذه الجولة في مارس/آذار الماضي، قال إنه أعطى أولوية لزيارة الخليج بهدف إتمام صفقات تجارية مع دوله الثرية. وذكر أن اختياره جاء بعد وعود بصفقات بـ "مئات المليارات من الدولارات" ستستفيد منها الشركات الأمريكية. وتعد السعودية أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ففي يناير 2025، بلغت صادرات المملكة إلى الولايات المتحدة 2.7 مليار ريال، أي ما يعادل 2.7% من إجمالي الصادرات. في المقابل، سجلت الواردات من الولايات المتحدة 6 مليارات ريال، أي 8.3% من إجمالي الواردات، وذلك حسب بيانات وزارة الاقتصاد والتخطيط. وفي عام 2024، بلغ إجمالي صادرات المملكة إلى الولايات المتحدة 47.8 مليار ريال، بينما بلغت واردات المملكة من أميركا 72.5 مليار ريال. وتمتاز العلاقات السعودية الأميركية بروابط اقتصادية وتجارية عميقة، وقد توج هذا التعاون بإعلان المملكة عن عزمها استثمار 600 مليار دولار على مدار السنوات الأربع المقبلة. تشمل هذه الاستثمارات الجديدة مشتريات من القطاعين العام والخاص. وتشير آخر التقديرات إلى أن حجم الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة يتجاوز 770 مليار دولار.