
المهندسة ابتهال التي أخجلت آلاف الرجال!
إن المتتبع لما يحدث في قطاع غزة من قصف جوي بالصواريخ الضخمة ومجازر وحشية في حق الأطفال والنساء والشيوخ وإبادة جماعية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، وما تتعرض إليه القضية الفلسطينية من محاولة تصفية أمام أنظار العالم وفي ظل التخاذل العربي، يعتقد جازما أن زمن النخوة العربية لم يعد له وجود على الإطلاق، بعد أن كانت النخوة من القيم النبيلة الراسخة في مجتمعاتنا العربية، باعتبارها رمزا للهوية والانتماء العربي وليست فقط تعبيرا عن المروءة والشهامة ونصرة المظلومين…
بيد أنه لا يلبث أن يعود للاعتراف بأن النخوة العربية لم تمت بعد في ضمائر وقلوب بعض الشعوب وفي مقدمتهم الشعب المغربي، الذي يعد من أقوى الشعوب تضامنا مع قطاع غزة المحاصر وأشد غيرة على القضية الفلسطينية، وأكثرها تنظيما للتظاهرات المناصرة للشعب الفلسطيني الأعزل. إذ أن المسيرات الاحتجاجية المنددة والرافضة للعدوان الإسرائيلي المتواصل تكاد لا تتوقف منذ عملية « طوفان الأقصى »، حيث أن المغاربة بمختلف مدن المملكة الشريفة يقومون بمسيرات ووقفات احتجاجية بوتيرة يومية، يشجبون من خلالها جرائم الاحتلال على القطاع الجريح ويطالبون بوقف التطبيع والعلاقات الدبلوماسية للبلاد مع الاحتلال الإسرائيلي.
فالقضية الفلسطينية تسري في عروق نسيجنا المجتمعي وتسكن في أعماق قلوب المواطنات والمواطنين المغاربة، بل إنها تجري في عروقهم مجرى الدم فرادى وجماعات. وإلا ما كنا لنشهد من حين لآخر بعض العمليات الاستشهادية والمواقف البطولية هنا وهناك، ومنها الموقف الأصيل للمهندسة المغربية ابتهال أبو السعد، التي أبت إلا أن تعبر عن رفضها التام المشاركة في جرائم شركة مايكروسوفت، وانحازت لقيم الإنسانية النبيلة والعدالة التي تمثلها قضية الشعب الفلسطيني، مجسدة بذلك صفاء ضميرها الإنساني وقوة المبدأ الأخلاقي، وكاشفة عن الوجه البشع لهذه المؤسسات والشركات المتصهينة ومدى دورها الكبير في عمليات الهجمات الإجرامية والإبادة الجماعية في حق المدنيين الأبرياء في قطاع غزة وغيره من الأراضي الفلسطينية المغتصبة.
ترى من تكون ابتهال أبو السعد؟ هي بكل بساطة مهندسة ومبرمجة مغربية، ولدت في مدينة الرباط سنة 1999، وتابعت دراستها هناك إلى أن نالت شهادة البكالوريا في العلوم الرياضية عام 2017، وبعدها حصلت على منحة للدراسة بجامعة « هارفارد » الأمريكية وتخرجت منها في تخصص: الذكاء الاصطناعي. ثم عملت لدى شركة « مايكروسوفت » العالمية، غير أنها اختارت الخروج عن صمتها خلال حفل بهيج أقيم بالولايات المتحدة الأمريكية يوم الجمعة 4 أبريل 2025 بمناسبة حلول الذكرى 50 لتأسيس هذه الشركة، وعلى عكس ما كان يبديه الحاضرون من شعور بالفرح والانتشاء، سارعت إلى فضح حقيقة الشركة عبر الاحتجاج والتنديد بما اعتبرته « تواطؤا » مع الاحتلال الإسرائيلي، من خلال تسخير الشركة أدوات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها لخدمة جيش الاحتلال…
ومباشرة بعد أن تم فصلها من وظيفتها في شركة « مايكروسوفت »، دعت المهندسة ابتهال أبو السعد في 9 أبريل 2025 بواسطة مقطع مصور نشرته بمنصة « إنستغرام » إلى مقاطعة جميع منتجات الشركة وعدم استخدامها، جراء دعمها المستمر لدولة إسرائيل التي لا تنفك ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر على مدى أزيد من عام ونصف، وتبليغ كبار مسؤوليها رسالة بعدم دعمها ماديا، إلى حين العودة إلى جادة الصواب والتوقف عن مساندة إسرائيل. وفي ذات الوقت دعت كذلك إلى فضح جميع الشركات الداعمة للكيان الصهيوني، حيث قالت: « كل شخص يعمل في أي شركة تنتهك المبادئ الإنسانية عليه أن يرفع صوته ويغادرها، ويتحدث عن ذلك »
وهو الموقف المشرف الذي أثار استحسان الملايين من النساء والرجال عبر العالم، وجعل حركة المقاومة الفلسطينية « حماس » تدعو بدورها جميع العاملين في المؤسسات الداعمة للكيان الإسرائيلي الاحتذاء بموقف المهندسة ابتهال، وتثمن عاليا مثل هذا الموقف البطولي، معتبرة أن « ابتهال أضاءت بتضحية وشجاعة نادرتين على تواطؤ كبرى شركات التكنولوجيا العالمية مع آلة القتل الصهيونية من خلال تزويد جيش الاحتلال المجرم بأدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي التي يتم توظيفها في تنفيذ جريمة الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني »
ولم تقف حركة « حماس » في تصريحها عند هذا الحد من التنويه والإشادة، بل طالبت كذلك الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية حول العالم بتوثيق كافة أشكال التواطؤ التكنولوجي مع جرائم الاحتلال، ومقاضاة هذه الشركات أمام المحاكم الدولية، وفرض عقوبات صارمة مقابل ما تقوم به من انتهاكات للقوانين الدولية والأخلاقيات الإنسانية، ولاسيما أن تحقيقا لوكالة « أسوشيتد بريس » سبق له الكشف عن نماذج ذكاء اصطناعي من شركتي « مايكروسوفت » و »أوين إيه آي » تم استخدامهما كجزء من برنامج عسكري إسرائيلي لاختيار أهداف القصف خلال الحربين الأخيرتين في غزة ولبنان.
إن إقدام المهندسة ابتهال أبو السعد على التضحية بوظيفتها في إحدى الشركات العالمية الكبرى من أجل مناصرة القضية الفلسطينية وإعلان تضامنها اللامشروط مع الشعب الفلسطيني الصامد، لعمري ذلك هو الدرس البليغ في معنى النخوة العربية ونكران الذات، الذي يجب أن يستفيد منه ليس فقط العاملون بباقي المؤسسات والشركات الداعمة للكيان الصهيوني في غطرسته عبر العالم، بل حتى المسؤولين الحكوميين في بلادنا الذين يتهافتون على المناصب والمكاسب، ويرجحون كفة مصالحهم الذاتية والحزبية الضيقة على المصلحة العليا للوطن والمواطنين المغاربة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أخبارنا
منذ 20 ساعات
- أخبارنا
كيف نتعامل مع تدخلات الآخرين في قراراتنا وحياتنا الشخصية؟
يميل بعض الأشخاص إلى التدخل في شؤون غيرهم وإبداء الرأي في تصرفاتهم أو فيما يتخذون من قرارات، وهو ما يمكن أن يتسبب في ضغوط نفسية واجتماعية على صاحب الشأن. ويؤكد هذا النوع من المواقف على ضرورة التعرف على أساليب تمكننا من التعامل بشكل صحي مع فضول الآخرين، الذي قد يزيد لدرجة غير لائقة، دون الإضرار بعلاقاتنا الاجتماعية. وتتعلق الحدود في جوهرها بمن نمنحه السلطة، و"إذا لم نكن نحن من يقرر حياتنا وجداول أعمالنا وأعباء عملنا، فمن سيقرر؟ تسمح لنا الحدود بتحديد متى وكيف، وما إذا كنا سنتخلى عن هذه السلطة"، بحسب موقع "هارفارد للأعمال hbr". ويشير الأخصائيون النفسيون إلى أهمية "مبدأ الدفاع عن النفس" واحترام رغباتنا واحتياجتنا الشخصية في مواجهة السلوك المتسلط من جانب البعض، وفقًا لموقع "سيكولوجي توداي" (Psychology Today) المتخصص في الصحة النفسية. وتقدم الطبيبة النفسية وأستاذ مساعد الصحة السلوكية والحيوية بجامعة بنسلفانيا الأمريكية، جينيفر إل كيلوسكار، مجموعة حقائق يجب الانتباه إليها لدى التعامل مع تدخلات الأخرين والسلوك الإلحاحي، وربما العدواني، من جانب بعضهم. يجب الانتباه إلى أن الأشخاص الذين يلحون لمعرفة أمر ما أو لدفعك للقيام بشئ ما؛ تعلموا من تجارب سابقة لهم أن "الإلحاح بقوة يحقق لهم ما يريدونه". كما يقوم هؤلاء في كثير من الأحيان بـ"استنزاف" من يتعامل معهم بما يكفي للحصول في النهاية على ما يرغبون فيه، على حد تعبير كيلوسكار. فحاول ألا تقع ضحية لهذا الأسلوب وتجنب التعاطف مع صاحبه، وتذكر أن حل مشكلتك لن يتحقق بالضرورة من خلال الاستجابة لرغبات هؤلاء. ويمكن أن ينطلق إلحاح شخص ما أحيانًا من تحيزاته الشخصية، كالنوع أو العرق أو الدين أو غيرها، بما يخلق لديه شعوراً بأحقيته في الحصول على ما يريده منك. ولمواجهة ذلك، استخدم تبرمك أو غضبك لتعزيز عزيمتك بهدوء والتمسك بموقفك والحدود التي تضعها للأخرين. ومن الضروري أحيانًا مواجهة البعض وإخبارهم صراحة أنهم لا يحترمون حدودك الشخصية، خاصة إذا قام البعض بهذا دون قصد أو لأسباب تتعلق باختلافات ثقافية. واستشر كذلك أصدقاء أو زملاء تثق بهم للتعرف على إيجابيات وسلبيات الموقف محل النقاش، كما يمكنك أيضًا طلب المساعدة من سلطة أعلى في بعض الحالات. وحاول دائمًا التفكير بهدوء بعيدًا عن الضغوطوإعادة تقييم الحجم الفعلي للمشكلة والبدائل الممكنة للتعامل معها.


وجدة سيتي
منذ 2 أيام
- وجدة سيتي
من المفارقات أن تكون الجنسية الغربية حقيقية عندما يكون حاملها صهيونيا بينما تكون صورية عندما يكون حاملها عربيا أو مسلما
من المفارقات أن تكون الجنسية الغربية حقيقية عندما يكون حاملها صهيونيا بينما تكون صورية عندما يكون حاملها عربيا أو مسلما تابع الرأي العام العالمي حدث إطلاق حركة حماس الجندي الصهيوني الحامل للجنسية الأمريكية الذي أسرته حركة المقاومة حماس خلال عملية طوفان الأقصى بعد اتفاق أو تفاهم مع الإدارة الأمريكية، ولم يكشف لحد الساعة عما حصلت عليه مقابل ذلك. وهذا الحدث كشف عن أمر لم يكن مستغربا من قبل ألا وهو ثنائية الجنسية الغربية أمريكية كانت أم أوروبية حيث تكون في حالة حقيقية ، وفي أخرى صورية ، وهذه مفارقة . فإذا ما قارنا بين الجندي الصهيوني » عيدان ألكسندر » والصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة ، نجدهما معا حاملين للجنسية الأمريكية إلا أن تجنس عيدان حقيقي، بينما تجنس شيرين صوري، والقرينة أو الدليل على ذلك أن الإدارة الأمريكية تدخلت بقوة لدى حركة تعتبرها إرهابية من أجل إنقاذ الجندي الصهيوني المجنس بجنسيتها ، وفي المقابل لم تفعل شيئا ، ولم تحرك ساكنا من أجل محاسبة الجندي الجاني الصهيوني الذي قتل الصحفية الفلسطينية ، والذي قيل أنه لقي حتفه على يد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة حسب ما تداولته وسائل الإعلام ، ووسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا ، وتلك عدالة الله عز وجل الذي يمهل ولا يهمل حين تغيب أو تُعطل عدالة البشر. وهناك أيضا حالة الإعلامي والصحفي السعودي جمال خاشقجي الحامل للجنسية الأمريكية الذي اختفى في السفارة السعودية بتركيا ولا يعرف لحد الساعة مصيره، ولا كيف اختفى ، ولم تفعل الإدارة الأمريكية من أجله شيئا مع أنه يحمل جنسيتها تماما كما حصل في حالة الصحفية شيرين أبو عاقلة . وما يهمنا من المقارنة بين عيدان الصهيوني، وشيرين الفلسطينية في هذا المقال هو موضوع ازدواجية مكيال الجنسية التي يعطيها الغربيون أمريكان أو أوروبيون للأجانب من جنسيات مختلفة بحيث تكون حقيقية في حالات، وصورية في أخرى حسب جنس أو عرق حاملها ، وتحديدا عندما يكون من يحملونها عربا أو مسلمين . ولا يكفي أن يحمل العرب والمسلمون جنسيات غربية أو يحصلوا على جوازات سفر البلدان التي تُجنِّسهم ، والتي طالما حلموا بها ، وفيهم من عانى الأمرين، وكابد من أجل الحصول عليها رغبة في أن يعاملوا معاملة مواطنين غربيين على وجه الحقيقة، لكنهم يظلون مواطنين غربيين صوريين فقط . وليس بوسع أحد أن ينكر هذه الحقيقة أو يجادل فيها بذريعة أن المُجنَّسين العرب والمسلمين في بلاد الغرب لهم حق التصويت في الانتخابات ، وحق العضوية في البرلمانات ، وأنهم سواسية في الحقوق والواجبات مع الموطنين الأصليين … إلى غير ذلك مما يُتَذرع به ذرائع واهية، والتي يكذبها الواقع ويدحضها . ولو صح شيء منها لكان الأمريكان الذين بذلوا كل الجهود ، وسعوا بحرص وإصرار من أجل تحرير الصهيوني المجنس بجنسيتهم الحقيقية لسعوا نفس السعي، وحرصوا نفس الحرص لحظة اغتيال الصحفية الفلسطينية مراسلة قناة الجزيرة القطرية شيرين أبو عاقلة والأمريكية صوريا على إدانة قاتلها ومتابعته أمام عدالتهم أوأمام العدالة الدولية ، لكنهم لم يفعلوا إلى غاية هذا اليوم ، ولكانوا فعلوا أيضا نفس الشيء لحظة اختفاء الإعلامي السعودي جمال خاشقجي الأمريكي صوريا كذلك . ولا نريد الخوض في التصرفات العنصرية التي تواجه العرب والمسلمين المجنسين بجنسيات غربية بسبب أصولهم العرقية ، و بسبب دينهم على وجه الخصوص فضلا عن ألوان بشرتهم ، وألوان عيونهم ،ولغاتهم الأمهات . ويكفي أن نمثل لذلك بتجربة أجريت في بلد غربي نشرت عبر الأنترنيت ، وتداولتها وسائل التواصل الاجتماعي حيث تظاهر رجلان أحدهم أبيض البشرة، أشقرالشعر، وبعينين زرقاوين، والآخر أسمر اللون أجعد الشعر بالعمى محاولين يديهما إلى أيدي المارة من المواطنين الغربيين البيض طلبا للمساعدة في اجتيازهما أحد الشوارع الغاصة بالمارة ، فكان هؤلاء المواطنون يمدون أيديهم بأريحية وعن طيب خاطر إلى الرجل الأبيض ، بينما كانوا ينفرون، ويتقززون من الرجل الأسمر مع أنه يحمل جنسيتهم كزميله الأشقر، وكانا معا قد اتفقا على خوض هذه التجربة للكشف عن درجة الحس الإنساني لدى المواطنين الغربيين البيض لكنهما اكتشفا رواسب العنصرية لديهم والتي لم تقض عليها قيم الحضارة الغربية المتطورة علميا وتكنولوجيا والمنحطة أخلاقيا ، وهي أخلاق سقط عنها القناع بسبب السكوت عند السواد الأعظم منهم عن جرائم الإبادة التي حصلت في قطاع غزة ، ولا زالت تحصل لحد الساعة، وهي دليل دامغ على انحطاطهم على مستوى القيم حيث لا زال هذا السواد الأعظم منهم يؤيدون الجلاد الصهيوني ، ولا يبالون بالضحية الفلسطيني باستثناء الشريحة المتنورة الحية ضمائرها والتي عرفت حقيقة العنصرية الصهيونية عيانا وبالملموس من خلال جرائمها البشعة ، وهو موقف يحمد خصوصا حين يقارن بمواقف محسوبين على العروبة والإسلام ممن يؤيدون الصهاينة في إجرامهم ، وفيهم من يرفع شعار كلنا صهاينة في عقر بلدان العروبة والإسلام . ومن المفارقات أيضا أن يحمل اليهود وفيهم المتصهين جهارا الجنسيات العربية والإسلامية في بلدان العروبة والإسلام على وجه الحقيقة وليس صوريا ، وربما يكون منهم جنود ملطخة أيديهم بدماء الفلسطينيين ، ومع ذلك يعيشون بأمن وسلام ، بل لهم امتيازات ليس مثلها للمواطنين العرب والمسلمين ، وفي المقابل يحمل العرب والمسلمون الجنسية الصهيونية في أرض فلسطين المحتلة وهم مواطنون من الدرجة الدنيا في المجتمع الصهيوني . فإلى متى ستظل الجنسيات التي يحملها العرب والمسلمون في بلاد الغرب صورية وليست حقيقية ؟؟؟ وإلى متى ستظل المجتمعات الغربية تباهي بقيمها التي تنعتها بالإنسانية والجنسيات التي تفاخر بالتكرم بها على الأجانب الذين يعيشون فيها خصوصا العرب والمسلمين جنسيات حقيقية وأخرى صورية ؟ وما أتعس هذا العالم الذي لا زالت فيه بلاد الغرب تضم ضم شرائحها الاجتماعية عنصريين يمينيين متطرفين يحكمهم التعصب للعرق الذي هو من مخلفات الماضي السحيق ، وإنه لأمر مخجل، ومؤسف ، ومحزن .


المغرب اليوم
منذ 3 أيام
- المغرب اليوم
ترامب يذكّر بإيزنهاور
انتهت زيارة دونالد ترامب، لثلاث دول خليجية هي السعودية وقطر والإمارات. لايزال السؤال الأساسي: من رئيس الولايات المتحدة، المقيم في البيت الأبيض... أم بنيامين نتنياهو؟ يتعلّق الأمر بالدور القيادي الأميركي في المنطقة والعالم وما إذا كان في استطاعة دونالد ترامب، تأكيد أن اليمين الإسرائيلي، بقيادة رئيس الحكومة الحالي، بأجندته المخيفة، لا يتحكم بالسياسة الأميركية. المطروح في خلال مجيء دونالد ترامب في المنطقة موضوع النظرة الأميركيّة للشرق الأوسط والخليج في إطار يتجاوز المنطقتين. يرتبط هذا الإطار في ما إذا كان في استطاعة دونالد ترامب، أن يكون الرئيس دوايت إيزنهاور، الآخر الذي امتد عهده بين 1953 و1961. يفرض السؤال، المتعلق بالدور القيادي الأميركي، نفسه في ضوء قول نتنياهو لأحد الزعماء العرب في الماضي القريب: «لماذا تذهب إلى واشنطن... من الأفضل لك المجيء إلى عندي. أنا رئيس الولايات المتحدة الأميركية». هل آن أوان وضع ترامب حداً لعنجهية رئيس الوزراء الإسرائيلي التي يبدو أنّها من النوع الذي لا حدود له، خصوصاً أنّه يؤمن بإمكان تصفية القضية الفلسطينية. مثل هذا الإيمان بتصفية القضيّة الفلسطينية مستحيل، لا لشيء سوى لأن القضية، بغض النظر عن الفشل الذي يجسّده محمود عباس (أبومازن) و«حماس» في آن، لا يلغي وجود الشعب الفلسطيني بأي شكل. أكثر من ذلك، لا مجال للاستقرار الحقيقي في المنطقة كلّها من دون تسوية سياسية تأخذ في الاعتبار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. تشهد على ذلك الأحداث التي تهزّ المنطقة، وهي أحداث في أساسها قيام «حماس» بشن هجوم «طوفان الأقصى» انطلاقاً من قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023. من المتوقع أن تكشف الجولة الخليجية لترامب من الرئيس الحقيقي للولايات المتحدة في ضوء نجاح «بيبي» في السنوات الماضية، خصوصاً في عهد باراك أوباما، في تأكيد أنّه يمتلك في مجلسي الكونغرس (مجلس الشيوخ ومجلس النواب) نفوذاً يفوق نفوذ المقيم في البيت الأبيض. في العام 2011، خطب «بيبي» في الكونغرس وتفادى، عن قصد، المرور على البيت الأبيض، أقله للسلام على باراك أوباما. تحدى نتنياهو رئيس الولايات المتحدة في عقر داره من دون أن يرفّ له جفن! كشفت أحداث الأيام الأخيرة أنّ ليس في الإمكان الاستخفاف بدونالد ترامب. أجرت إدارته، في قطر، مفاوضات مباشرة مع «حماس» من خلف ظهر نتنياهو واستطاعت إخراج الجندي عيدان الكسندر، الذي يحمل الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية من الأسر. أفهم ترامب «بيبي» أنّه ليس باراك أوباما، بل يمكن أن يصير دوايت إيزنهاور الذي أجبر الإسرائيليين على الانسحاب من سيناء في العام 1956. وقتذاك، علم إيزنهاور متأخراً بالعدوان الثلاثي على مصر، في ضوء تأميم جمال عبدالناصر، لقناة السويس. أجبر إيزنهاور البريطانيين والفرنسيين على الانسحاب من مدن القناة وأجبر إسرائيل على الانسحاب من سيناء بعد انضمامها إلى بريطانيا وفرنسا في حملة عسكرية تستهدف تأديب عبدالناصر. كانت حجة إيزنهاور، قائد القوات الأميركيّة في الحرب العالميّة الثانية، أنّه لا يحق لبريطانيا وفرنسا شنّ حرب من نوع حرب السويس من خلف ظهر الولايات المتحدة وبالتفاهم مع إسرائيل. كانت رسالته أنّهّ يوجد نظام دولي جديد لابدّ من احترامه. لم يكن ممكنا تحقيق انتصار للحلفاء على هتلر من دون الجيش الأميركي. أمر إيزنهاور رئيس الوزراء البريطاني أنتوني إيدن، بوقف حملة السويس وانسحاب الجيشين البريطاني والفرنسي من منطقة قناة السويس وإخلاء إسرائيل لسيناء. لم يضطر إلى التدخل شخصياً في ذلك. تولى وزير الخارجية جون فوستر دالس، ذلك. قال الوزير الأميركي لإيدن ما معناه أنّه إذا لم يحصل الانسحاب البريطاني - الفرنسي من السويس، لن يعود الجنيه الإسترليني صالحاً لغير تلميع الأحذية. لم يجد دالس، حاجة إلى الاتصال بالجانب الفرنسي من أجل تنفيذ تعليمات إيزنهاور. ليس مستبعداً أن يعيد التاريخ نفسه عن طريق جعل رئيس الولايات المتحدة إسرائيل تأخذ حجمها الطبيعي. في النهاية لم يكن في استطاعة إسرائيل الذهاب بعيداً في حربها على غزّة ثم تكبيد «حزب الله» الخسائر من دون الدعم الأميركي الذي أخذ أشكالاً عدة. لن تستطيع إسرائيل منع «الجمهوريّة الإسلاميّة» من امتلاك السلاح النووي من دون الدعم العسكري والسياسي الأميركي. تبقى إسرائيل إسرائيل وتبقى أميركا أميركا. تحكّم بنيامين نتنياهو، بالقرار الأميركي منذ خروج بيل كلينتون، من البيت الأبيض. كان كلينتون آخر رئيس أميركي يحاول بالفعل إيجاد تسوية سياسية تعيد للفلسطينيين بعضاً من حقوقهم. فعل ذلك عندما جمع ياسر عرفات وإيهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتذاك، في منتجع كامب ديفيد في العام 2000. كان ذلك في آخر ولايته الرئاسية الثانية والأخيرة. ستكون خطوة دونالد ترامب الأخيرة المتمثلة بإطلاق الجندي الأميركي – الإسرائيلي، والتي سبقها فتح مفاوضات أميركية – إيرانية بوساطة من سلطنة عمان، مؤشراً إلى تغيّر في المزاج الأميركي تجاه إسرائيل وشخص بنيامين نتنياهو بالذات. يُفترض أن تكشف الأيام القليلة المقبلة هل يستطيع دونالد ترامب، السير على طريق دوايت إيزنهاور في ضوء اكتشافه أن لدى الولايات المتحدة، بين الدول العربية، في مقدمها المملكة العربيّة السعودية، حلفاء تاريخيين في المنطقة وأن لهؤلاء وزناً لا يمكن تجاهله... في حال كان يريد بالفعل السير في شعار «لنجعل أميركا عظيمة مجدداً». لا يمكن لأميركا أن تكون عظيمة في حال نظرت إلى العالم من زاوية مصلحة اليمين الإسرائيلي و«بيبي» نتنياهو بالذات!