
هيئة الأركان الإسرائيلية.. رأس هرم جيش الاحتلال
يمثل رئيس الأركان حلقة وصل مباشرة بين المؤسسة العسكرية والمستوى السياسي، وتتمثل مهامه في قيادة القوات المسلحة، وتقديم المشورة لرئيس الوزراء ووزير الجيش (وزير الدفاع) والمجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية (الكابينت) حول القضايا العسكرية، إضافة إلى الإشراف على تنفيذ القرارات الصادرة.
النشأة والتأسيس
يعود تأسيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي إلى عام 1939، حين عيّنت منظمة الهاغاناه اللواء يعقوب دوري رئيسا لأركانها، في إطار بناء الجهاز العسكري الأعلى للتنظيم.
وفي 26 مايو/أيار 1948، اندمجت هيئة الأركان العامة للهاغاناه ضمن الهيكل التنظيمي للجيش الإسرائيلي، وتولت قيادة عملياته وتنظيمه، وتولى قائدها يعقوب دوري، هيئة أركان الجيش.
وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1973 شكّلت الحكومة الإسرائيلية لجنة تحقيق برئاسة رئيس المحكمة العليا آنذاك، القاضي شمعون أغرانات، للنظر في أحداث حرب أكتوبر /تشرين الأول 1973، وتحديد أسباب الإخفاق الاستخباراتي والعسكري حينها.
وبعد عامين أصدرت اللجنة تقريرها النهائي، الذي كشف عن وجود "خلل دستوري" في توزيع الصلاحيات والمسؤوليات والعلاقات المتبادلة بين رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الأركان.
قائد الأركان
تشكل هيئة الأركان العامة المقر الإستراتيجي الأعلى للجيش الإسرائيلي، ويتولى رئيسها قمة الهرم القيادي، ما يجعل لآلية عملها دورا حاسما في توجيه وصياغة قرارات الدولة.
في عام 1976 أقر الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) القانون الأساسي للجيش، الذي نص في بعض مواده على تحديد صلاحيات ومهام رئيس هيئة الأركان العامة، على النحو التالي:
إعلان
يعد رئيس الأركان العامة أعلى رتبة في القيادة العليا للجيش.
يخضع رئيس الأركان العامة لسلطة الحكومة ويتبع وزير الدفاع.
يُعين رئيس الأركان العامة بقرار من الحكومة بناء على توصية وزير الدفاع.
ويتم تعيين رئيس الأركان العامة رسميا مرة كل 3 سنوات، وغالبا ما تمدد الحكومة ولايته إلى 4 سنوات، وقد تصل أحيانا إلى 5 سنوات.
وتتركز مهام رئيس الأركان الإسرائيلي فيما يلي:
قيادة الجيش في الحالات العادية والطارئة.
ترجمة قرارات الحكومة وقرارات وزير الدفاع إلى خطط عمل عسكرية.
تحديد السياسات العسكرية للجيش وعرضها على المستوى السياسي.
التخطيط للعمليات العسكرية وضمان تحقيق أهدافها.
تطوير قدرات الجيش تسليحا وتدريبا وتنظيما.
إدارة التعيينات والترقيات في الجيش.
التنسيق مع المستوى السياسي لا سيما رئيس الحكومة وتقديم المشورة العسكرية له.
الهيكل التنظيمي
تضم هيئة الأركان العامة 24 لواء وعميدا يشرفون على الفروع والإدارات المختلفة. وتتألف من القيادة العامة، التي يشمل نطاقها نائب رئيس الأركان، إضافة إلى هيئة التنسيق وهيئة الأركان الخاصة. وتتمثل مهمة القيادة العامة في تطبيق الإجراءات التي تمكّن رئيس الهيئة من قيادة الجيش والسيطرة عليه لضمان أداء مهامه.
وفيما يلي هيكلية هيئة الأركان العامة بالجيش الإسرائيلي:
القيادة الإقليمية
تتكون هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي من 4 قيادات إقليمية، هي:
القيادة الشمالية: وتتركز مهمتها في إدارة العمليات العسكرية على الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان وسوريا. وتتبع هذه القيادة مجموعة من الألوية وكتائب الاستطلاع.
القيادة المركزية: ومهمتها إدارة العمليات العسكرية في المنطقة الوسطى من إسرائيل، التي تشمل منطقة وادي الأردن والضفة الغربية ومدينة القدس. وتخضع لها فرقة يهودا والسامرة وفرقة تشكيل النيران ومركز تدريب القيادة ولواء الوادي.
القيادة الجنوبية: ومهمتها إدارة العمليات العسكرية على حدود إسرائيل مع الأردن ومصر وقطاع غزة. وتخضع لإدارتها جميع الوحدات الموجودة في مناطق، وادي عربة والنقب وإيلات.
الجبهة الداخلية: ومهمتها تنفيذ عمليات البحث والإنقاذ وحماية المدنيين وإرشادهم في أوقات الطوارئ والأزمات، ويشمل نشاطها جميع أنحاء إسرائيل. وتضم وحدات وألوية متخصصة للبحث والإنقاذ وغيرها.
هيئة التنسيق
وتتكون من مجموعة من الضباط الذين تتركز مهمتهم في التوجيه والمراقبة بإشراف رئيس هيئة الأركان، وتحافظ على التنسيق بين مستويات القيادة والهيئات وضمان الانسجام بين القيادة وعناصرها المختلفة.
وتضم هيئة التنسيق الأقسام التالية:
قسم العمليات.
قسم الاستخبارات العسكرية (أمان).
قسم التكنولوجيا واللوجيستيات.
قسم الفضاء الإلكتروني والدفاع.
قسم التخطيط وبناء القوات المسلحة المتعددة.
قسم الموارد البشرية.
تتكون هذه المجموعة من ضباط يشغلون دور مستشارين للقيادة العامة، ويُعدون السلطة المهنية المرجعية الأساسية في مجالات تخصصهم.
وتتكون هيئة الأركان الخاصة من:
كبار ضباط الجيش.
قادة القوات البرية الجوية والبحرية.
رؤساء كل من: المشاة والمظليي والدروع والمدفعية والهندسة والاستخبارات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات واللوجيستيات والتكنولوجيا والصيانة والطب والموارد البشرية والشرطة العسكرية والتعليم والشباب والفيلق العام.
المحامي العسكري الرئيسي.
المتحدث باسم الجيش.
الحاخام العسكري الرئيسي.
رئيس قسم البحث والتطوير.
المستشار المالي.
رئيس منسق أعمال الحكومة في المناطق.
مستشار رئيس الأركان لشؤون المرأة.
رئيس قسم العلوم السلوكية.
المدقق الداخلي.
منتدى هيئة الأركان العامة
وهو من أهم وحدات الجيش الإسرائيلي، ويضم جنرالات الجيش وعشرات الضباط رفيعي المستوى، ويرأسه رئيس الأركان.
ويجتمع المنتدى بشكل دوري لمناقشة قرارات رئيس الأركان المتعلقة بالقضايا الحيوية، مع حضور غير دوري لكل من رئيس الوزراء ووزير الدفاع وكبار المسؤولين العسكريين والحكوميين.
أبرز رؤساء هيئة أركان الجيش الإسرائيلي
منذ الإعلان عن تأسيس إسرائيل في 14 مايو/أيار عام 1948 وحتى أغسطس/آب 2025، تقلد منصب رئاسة هيئة الأركان العامة بالجيش الإسرائيلي 24 رئيسا برتبة فريق، كان أولهم اللواء يعقوب دوري.
ومن أشهر من تقلد هذا المنصب رئيسا الوزراء السابقين إسحاق رابين وإيهود باراك ، ووزراء الدفاع السابقين موشي ديان وشاؤول موفاز وموشيه يعلون.
عمل نائبا لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي في الفترة بين 1961 و1964 ثم رئيسا للأركان بين 1964 و1968، وهي الفترة التي شهدت هزيمة الدول العربية أمام إسرائيل في حرب 1967 ، والتي أسفرت عن احتلال إسرائيل أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان السورية، إضافة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، وأصبح رابين بعد هذه الحرب بطلا قوميا في إسرائيل.
بدأ حياته عضوا في الهاغاناه قبل إعلان قيام إسرائيل ، وفي عام 1953 أصدر ديفد بن غوريون قرارا بتعيينه رئيسا لأركان حرب الجيش الإسرائيلي.
شغل رئاسة هيئة الأركان في الفترة بين 1953 و1958، واستقال على خلفية انسحاب إسرائيل من المناطق التي احتلتها عام 1957 إبان العدوان الثلاثي على مصر.
وإبان رئاسته للأركان أنشأ فرعين جديدين تابعين للجيش هما فرع المخابرات وفرع التدريب، وأبدى اهتماما خاصا كذلك بالقوات الجوية.
تولى عام 1998 منصب الرئيس الـ16 لأركان الجيش الإسرائيلي، ثم عُين وزيرا للدفاع في نوفمبر/تشرين الثاني 2002 ضمن حكومة أرييل شارون.
كلفه رئيس الأركان العامة للجيش الإسرائيلي السابق هرتسي هاليفي بقيادة فريق التحقيق في الإخفاقات العسكرية والأمنية الإسرائيلية بعد عملية طوفان الأقصى ، التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، مما تسبب في خلاف وجدل داخل حكومة الاحتلال.
انخرط في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي عام 1968، وشغل سلسلة من المناصب القيادية في وحداته المختلفة، أبرزها قيادة وحدة " سييرت متكال" الاستخبارية التابعة لهيئة الأركان، وقيادة شعبة الاستخبارات العسكرية، ورئاسة أركان الجيش.
شن يعالون عام 2004 -أثناء توليه رئاسة هيئة الأركان- حملة عسكرية على قطاع غزة، استهدفت ما سمته إسرائيل مواقع لإطلاق الصواريخ باتجاه البلدات الإسرائيلية ومختبرات تصنيع الصواريخ.
وأثارت هذه الحملة العسكرية انتقادات واسعة ليعالون، لا سيما بعد إصداره الأوامر للجيش بهدم مئات المنازل في مدينة رفح لتدمير الأنفاق الواقعة على الحدود مع مصر.
استقالات
شهدت هيئة أركان الجيش الإسرائيلي موجة من الاستقالات بين صفوف قادتها، كان أبرزها نتيجة الفشل في توقع عملية "طوفان الأقصى"، التي شنتها فصائل المقاومة الفلسطينية على المستوطنات والمواقع العسكرية المحيطة بقطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
دافيد أليعازر
شغل رئاسة هيئة الأركان بين عامي 1972 و1974، عزل من منصبه بعد حرب 1973، وذلك بعد تقرير لجنة أغرانات الحكومية التي أوصت بمحاسبته على عدم استعداد الجيش الإسرائيلي للحرب.
شغل رئاسة هيئة الأركان في الفترة بين 1953 و1958، واستقال على خلفية انسحاب إسرائيل من المناطق التي احتلتها عام 1957 إبان العدوان الثلاثي على مصر.
إعلان
شغل رئاسة هيئة الأركان من عام 2005 وحتى 2007، قدم استقالته بعد حرب لبنان عام 2006، بعد تعرضه لانتقادات واسعة بسبب أداء الجيش الإسرائيلي أثناء الحرب.
هرتسي هاليفي
شغل رئاسة هيئة الأركان بين عامي 2023 و2025، واستقال من منصبه في 21 يناير/كانون الثاني 2025، بعد إقراره بمسؤوليته عن الفشل في منع عملية طوفان الأقصى.
وفي رسالة استقالته، قال هاليفي إن "الجيش الإسرائيلي فشل في مهمة الدفاع عن إسرائيل والدولة دفعت ثمنا باهظا"، مضيفا "أتحمل المسؤولية عن فشل الجيش في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومسؤوليتي عن الفشل الفظيع ترافقني يوما بيوم وساعة بساعة".
خلافات وتوترات
شهدت العلاقة بين هيئة الأركان ووزير الدفاع والقيادة السياسية توترات عدة، كان أبرزها رفض قائد هيئة الأركان إيال زامير خطة احتلال قطاع غزة التي أقرها مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي (الكابينت) في مطلع أغسطس/آب 2025.
في التاسع من أغسطس/آب 2025، ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن زامير وصف الخطة بـ"الفخ الإستراتيجي"، مؤكدا أنها ستنهك الجيش سنوات وتشكل خطرا على حياة الأسرى الإسرائيليين في غزة، ما عرضه لانتقادات شديدة من وزراء بينهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش ، اللذين طالبا باستقالته.
كما ظهرت خلافات بين زامير ووزير الدفاع يسرائيل كاتس بشأن التعيينات العسكرية العليا، وشدد زامير على أن "رئيس الأركان هو المسؤول الوحيد عن تعيين الضباط الكبار"، بينما يقتصر دور وزير الدفاع على المصادقة على التعيينات من رتبة مقدم وما فوق.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 دقائق
- الجزيرة
كتائب القسام تنفذ عمليات عسكرية في خان يونس ومحور صلاح الدين
بثت كتائب عز الدين القسام ، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، تسجيلاً مصورا يوثق عمليات عسكرية نفذتها في محاور التوغل الإسرائيلية بمدينة خان يونس و محور صلاح الدين جنوبي قطاع غزة. ويأتي هذا التوثيق المرئي ضمن إستراتيجية إعلامية تهدف إلى إظهار قدرة المقاومة على مواصلة عملياتها رغم الضغط العسكري المتواصل. وظهر أحد عناصر الكتائب يردد مقولة سبق أن رددها القائد العام الراحل لكتائب القسام محمد الضيف"كما أنتِ هنا، مزروعٌ أنا، ولي في هذه الأرض آلاف البذور، ومهما حاول الطغاة قلعها، ستنبت البذور، أنا هنا في أرضيَّ الحبيبة، الكثيرة العطاء، ومثلها عطاؤنا يواصل الطريق، لا يخطئ المسير"، ويضيف "الله أكبر، ولله الحمد، رجال القسام رجال الله وحوش في الميادين، نحن على بعد أمتار قليلة من العدو". وتندرج هذه العمليات ضمن سلسلة تطلق عليها الكتائب اسم " حجارة داود"، وأظهرت مقاطع الفيديو تفاصيل عملية استهداف دبابتين إسرائيليتين في دوار أبو حميد وسط مدينة خان يونس، حيث استخدمت الكتائب قذائف " ياسين 105" إلى جانب عبوات ناسفة. كما وثق التسجيل استهداف ناقلتي جنود تابعتين للجيش الإسرائيلي بقذائف "ياسين 105″، وتضمنت العمليات المُوثقة أيضا قصف مواقع حشود الجنود الإسرائيليين بقذائف الهاون وصواريخ "رجوم". وكشفت مقاطع الفيديو عن تعاون عملياتي بين كتائب القسام و سرايا القدس ، الجناح العسكري ل حركة الجهاد الإسلامي ، في تنفيذ عمليات قصف مشتركة بالهاون. إضافة إلى تنفيذ الكتائب قصفا مشتركا آخر على مواقع وحشود جيش الاحتلال بالتعاون مع سرايا القدس و ألوية الناصر صلاح الدين الجناح العسكري للجان المقاومة الشعبية في فلسطين. وكانت فصائل المقاومة الفلسطينية نفذت أمس السبت هجمات نوعية على قوات الاحتلال بقطاع غزة، وقالت كتائب القسام إنها استهدفت بقذائف هاون موقع قيادة وسيطرة إسرائيليا على محور صلاح الدين جنوب مدينة رفح جنوبي القطاع. إعلان وأضافت أنها استهدفت، بالاشتراك مع سرايا القدس، موقع قيادة وسيطرة إسرائيليا في محيط مجمع المحاكم في خان يونس بقذائف الهاون. كما بثت القسام صورا لاستهداف جنود وآليات جيش الاحتلال في محاور التوغل شرق مدينة غزة. وبدورها، أعلنت سرايا القدس أن مقاتليها قصفوا ظهر أمس السبت بقذائف الهاون مقر قيادة وسيطرة الجيش الإسرائيلي في أرض البرعصي جنوب حي الزيتون بمدينة غزة. ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ترتكب إسرائيل بدعم أميركي إبادة جماعية في قطاع غزة تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.


الجزيرة
منذ 2 دقائق
- الجزيرة
إسرائيل تعلن اعتراض صاروخ من اليمن وكاتس يتوعد الحوثيين "بدفع بثمن باهظ"
قال الجيش الإسرائيلي إنه اعترض صاروخا أطلق من اليمن، وإن المجال الجوي في إسرائيل أغلق بعد رصد إطلاق الصاروخ، في وقت توعد فيه وزير الدفاع يسرائيل كاتس الحوثيين"بدفع ثمن باهظ". وقال الجيش إن اعتراض الصاروخ تسبب في تفعيل صفارات الإنذار في مناطق عدة. من جهته، توعد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الحوثيين بأنهم سيدفعون ثمنا باهظا لأي محاولة لإطلاق النار على إسرائيل. وأضاف كاتس أن إسرائيل تفرض على الحوثيين حصارا جويا وبحريا مؤلما للغاية، وأن هجومها اليوم على أهداف للبنية التحتية والطاقة مجرد بداية. استهداف محطة كهرباء بصنعاء وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن قصف أهداف عدة في محيط العاصمة اليمنية صنعاء فجر اليوم الأحد، وأضاف أن القصف استهدف بنية تحتية للطاقة كان الحوثيون يستخدمونها. وأوضح بيان للجيش أن الضربات جاءت على خلفية الهجمات المتكررة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) ضد إسرائيل. واتهم الجيش جماعة أنصار الله باستغلال المجال البحري وشن هجمات على حركة العبور والتجارة في مجال الملاحة العالمي. في المقابل قال مصدر في الدفاع المدني باليمن لوسائل إعلام تابعة لأنصار الله إن عدوانا استهدف محطة حزيز للكهرباء بمديرية سنحان جنوب صنعاء فجر اليوم الأحد. وأسفر الهجوم عن اندلاع حريق جراء إصابة مولدات الكهرباء بالمحطة، مما أدى إلى إخراجها من الخدمة. وقد تم إخماد الحريق الذي اندلع. وقال عضو المكتب السياسي لأنصار الله (الحوثيين) حزام الأسد إن القصف نفذه عدو مجرم ومفلس لا يستهدف إلا المرافق الخدمية من كهرباء وماء. وفي 6 مايو/أيار الماضي استهدف عدوان أميركي إسرائيلي محطة كهرباء حزيز المركزية إلى جانب محطة كهرباء ذهبان المركزية بمديرية بني الحارث ومحطة توزيع كهرباء عصر بمديرية معين، إضافة إلى منطقة عطان في العاصمة صنعاء. وبدأت الغارات الإسرائيلية على مناطق سيطرة الحوثيين باليمن في يوليو/تموز 2024، مستهدفة مرافق حيوية بينها ميناء الحديدة ومطار صنعاء الدولي ومحطات كهربائية. وتشن جماعة الحوثي هجمات متواصلة على إسرائيل دعما لغزة باستخدام صواريخ وطائرات مسيرة، كما تستهدف السفن المرتبطة بها أو المتجهة نحوها. وكانت آخر عمليات الجماعة المعلنة صباح الخميس الماضي، حين شنت هجوما بصاروخ بالستي على مطار بن غوريون الدولي قرب مدينة تل أبيب، ردا على تجويع الفلسطينيين بقطاع غزة، في حين أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراضه. في حين ذكرت قناة 7 الإسرائيلية الخاصة أنه منذ استئناف القتال في قطاع غزة قبل حوالي 5 أشهر، أطلق الحوثيون نحو 70-75 صاروخا باليستيا على إسرائيل، ونحو 20 طائرة مسيرة. وفي 27 يوليو/تموز الماضي، قررت الحوثيون تصعيد عملياتهم العسكرية البحرية ضد إسرائيل عبر استهداف كافة السفن التابعة لأي شركة تتعامل مع موانئ الحكومة الإسرائيلية بغض النظر عن جنسية تلك الشركة، دعما لقطاع غزة الذي يتعرض لحرب إبادة جماعية إسرائيلية بدعم أميركي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.


الجزيرة
منذ 2 دقائق
- الجزيرة
هل يتحول احتلال غزة إلى لعنة نتنياهو الأخيرة؟
في سلسلة من التصريحات المتكررة والمشحونة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن حكومته "لن تكتفي بتحييد حماس"، بل تنوي "فرض سيطرة كاملة على قطاع غزة". بدا الأمر في ظاهره استمرارا لخطاب القوة والردع، لكنه يحمل في جوهره تغييرا إستراتيجيا صاعقا، إنه التهديد بعودة الاحتلال الإسرائيلي المباشر لغزة بعد 20 عاما من الانسحاب. وراء هذه الكلمات الثقيلة، تقف أسئلة أكثر ثقلا: هل تملك إسرائيل القدرة على تنفيذ هذا التهديد؟ وماذا ستكون الكلفة؟ والأهم: ماذا بعد الاحتلال؟ يستعد جيش الاحتلال الإسرائيلي إذن لتسريع العملية العسكرية التي تهدف لاحتلال مدينة غزة ، وذلك تمهيدا لتنفيذ خطة أقرتها الحكومة الإسرائيلية الأسبوع الماضي تقدم بها نتنياهو لإعادة احتلال القطاع كاملا. وتبدأ الخطة باحتلال مدينة غزة، عبر تهجير الفلسطينيين، البالغ عددهم نحو مليون نسمة إلى الجنوب، ثم تطويق المدينة وتنفيذ عمليات توغل في التجمعات السكنية. ويلي ذلك مرحلة ثانية تشمل احتلال مخيمات اللاجئين وسط القطاع التي دمرت إسرائيل أجزاء واسعة منها، ضمن حرب متواصلة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. والأربعاء الماضي، صدّق رئيس الأركان إيال زامير على "الفكرة المركزية" لخطة إعادة احتلال قطاع غزة. وفي 8 أغسطس/آب الجاري، أقر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت) خطة طرحها نتنياهو، لإعادة احتلال قطاع غزة بالكامل تدريجيا، بدءا بمدينة غزة. ويوم 11 من الشهر ذاته، وفي إطار تنفيذ الخطة، بدأ الجيش الإسرائيلي هجوما واسعا على حي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة، تخلله نسف منازل باستخدام روبوتات مفخخة، وقصف مدفعي، وإطلاق نار عشوائي، وتهجير قسري. حين يعلن نتنياهو عن نيّته احتلال كامل قطاع غزة، فإن لهذا التصريح أبعادا خطيرة ومعقدة سياسيا وعسكريا وإستراتيجيا. مبدئيا فإن "الاحتلال الكامل" يشير إلى عودة جيش الاحتلال الإسرائيلي للتمركز الدائم في القطاع، واستبدال الحكم القائم (حركة حماس) بسلطة بديلة أو احتلال مباشر. كما يعني ذلك أيضا إزالة البنية التحتية لحركة حماس (أمنية، إدارية، عسكرية) وفرض إدارة إسرائيلية عسكرية أو مدنية مباشرة، كما كان الحال قبل انسحاب 2005. أما من حيث الدلالات السياسية والعسكرية، فهذا يعني إلغاء نتائج فك الارتباط الذي جرى عام 2005 حين انسحبت إسرائيل تحت حكومة أريئيل شارون، معتبرة أنها لم تعد "قوة احتلال"، وبالتالي لا تتحمل مسؤوليات إنسانية وقانونية مباشرة تجاه السكان. ولكن العودة الآن للاحتلال تعيد هذه المسؤوليات،م ما يُدخل إسرائيل في مأزق قانوني ودولي. ويستتبع الاحتلال الكامل فرض واقع جديد، فإذا تم إزالة حماس من الحكم، فإن ذلك لا يعني بالضرورة وجود بديل واضح. أي أن ثمة فراغا في السلطة سيقود إما إلى حالة فوضى أو إلى إدارة إسرائيلية مباشرة. هذا علاوة على خطر استنزاف طويل الأمد، فالسيطرة على 2.2 مليون فلسطيني في قطاع ضيق ومحاصر يعني الدخول في حرب عصابات طويلة الأمد واستنزاف بشري واقتصادي. أما أهم الانعكاسات للاحتلال الكامل فما سيجري على السكان المدنيين، إذ سيؤدي ذلك إلى تفكك النسيج المدني وانهيار ما تبقى من البنية الصحية والتعليمية والخدمية. كما سترتفع احتمالات التهجير القسري، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر (دفع الناس للهرب عبر سيناء). ويبقى الاحتمال الأخطر وهو حدوث موجة مقاومة شعبية ومسلحة واسعة النطاق ضد الاحتلال الجديد. التكاليف المتوقعة لفرض سيطرة إسرائيلية كاملة على غزة إن فرض سيطرة إسرائيلية كاملة على قطاع غزة لا يعني مجرد اجتياح عسكري مؤقت، بل عودة شاملة إلى احتلال مباشر لمنطقة مأهولة بنحو 2.2 مليون فلسطيني -يعيشون في ظروف إنسانية كارثية- تُدار حاليا عبر بنية سياسية ومجتمعية تقودها حركة مقاومة مسلحة. هذا السيناريو، إذا تحقق، لا يشكّل فقط انقلابا جذريا في الإستراتيجية الإسرائيلية، بل سيفرض أثمانا بشرية واقتصادية وإستراتيجية غير مسبوقة. فغزة اليوم ليست كما كانت قبل الانسحاب الإسرائيلي عام 2005، بل تحوّلت إلى ساحة مقاومة عالية الكثافة، مجهّزة ببيئة قتالية مركبة، وهو ما يجعل كلفة السيطرة عليها باهظة إلى حدود يصعب تحملها. من المتوقع أن يتكبد الجيش الإسرائيلي خسائر بشرية مباشرة، خاصة أن العمليات البرية في بيئة حضرية كثيفة كالتي في غزة، وبين أنفاق تمتد تحت المدن، ستقود إلى اشتباكات دموية ومواجهات مسلّحة أشبه بحرب استنزاف يومية. أيّ محاولة للسيطرة على الأحياء المكتظة ومخيمات اللاجئين ستنتج عنها آلاف القتلى والجرحى في صفوف الجنود، فضلا عن الأثر النفسي العميق الذي قد يصيب آلافا آخرين باضطرابات ما بعد الصدمة، كما حدث عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، أو عقب عملية " الجرف الصامد" في غزة عام 2014. أما في صفوف المدنيين الفلسطينيين، فإن حجم الكارثة سيكون مضاعفا. ففرض السيطرة العسكرية الكاملة يعني استمرار عمليات القصف والتمشيط والاعتقال، ما سيؤدي إلى سقوط أعداد ضخمة من الضحايا، إلى جانب موجات من التهجير القسري الداخلي والخارجي، وتحطم البنى التحتية الاجتماعية بشكل دائم. بذلك، قد يشهد العالم ولادة أزمة لاجئين فلسطينيين جديدة، غير قابلة للاحتواء. اقتصاديا، سيتطلب الاحتلال الكامل ميزانية عسكرية سنوية ضخمة، إذ إن استمرار الحملة البرية والانتشار على طول القطاع وعرضه سيستهلك موارد الدولة بوتيرة غير مسبوقة. الذخائر، والصيانة، والتجنيد، والدعم اللوجستي، والطائرات المسيّرة، ووحدات الكوماندوز، كلها تمثل فاتورة مفتوحة. وقد أشارت تقديرات غير رسمية إلى أن إسرائيل أنفقت بالفعل نحو 15 إلى 20 مليار دولار على حرب غزة الجارية حتى منتصف 2024، دون أن تفرض سيطرة فعلية. أما الاحتلال الكامل، فسيعني مضاعفة هذه الكلفة بشكل سنوي. وتتجاوز الكلفة العسكرية حدود المعركة لتدخل في مسؤوليات الإدارة المدنية. فإسرائيل، كقوة احتلال، ستكون ملزمة دوليا بتوفير الخدمات الأساسية لسكان القطاع من صحة وتعليم وكهرباء ومياه وصرف صحي ورواتب وخدمات بلدية. ذلك يعني تحميل الموازنة الإسرائيلية أعباء إضافية بمئات الملايين من الدولارات سنويا، وربما أكثر، كما حدث في حالات تاريخية مشابهة مثل احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة ، والذي بلغت كلفته أكثر من 1.7 تريليون دولار على مدى 8 سنوات، رغم وجود حكومة محلية. كذلك، سيتعرض الاقتصاد الإسرائيلي لضربات موجعة نتيجة تراجع الثقة العامة، وهروب المستثمرين، وارتفاع تكاليف التأمين، وتجميد المشاريع الحيوية. كما ستتراجع السياحة، ويخسر قطاع التكنولوجيا زخمه، فيما يُستنزف سوق العمل بآلاف الموظفين الذين سيجري استدعاؤهم للخدمة الاحتياطية. ثالثا: التكاليف السياسية والإستراتيجية على المستوى الدولي، سيؤدي الاحتلال الكامل إلى انكشاف إسرائيل أمام موجة إدانات لا سابقة لها. ستفقد تل أبيب الغطاء الذي وفّرته ادعاءات "الانسحاب من غزة"، وستُصنف رسميا كقوة احتلال مباشرة بموجب اتفاقيات جنيف ، ما يعيد تفعيل المساءلة الدولية أمام المحاكم المختصة بجرائم الحرب والانتهاكات الإنسانية. حتى حلفاء إسرائيل التقليديون، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، سيواجهون ضغوطا داخلية متزايدة لتقييد الدعم السياسي والعسكري. سياسيا، ستزداد عزلة إسرائيل في المحافل الدولية، مع تصاعد دعوات المقاطعة (BDS) وارتفاع منسوب الغضب الشعبي العربي والإسلامي. هل تستطيع إسرائيل فعلا احتلال كامل قطاع غزة؟ لا يمكن الإجابة على سؤال "هل تستطيع إسرائيل احتلال غزة بالكامل؟" بـ"نعم" أو "لا" مجردتين. فالمسألة لا تتعلق فقط بالقدرة العسكرية، بل تمتد إلى قدرة الاحتلال على السيطرة، والإدارة، والاستمرار. من هنا، يصبح التحليل أكثر تعقيدا من مجرد قياس القوة النارية، لأنه يرتبط بجملة من العوامل المتداخلة: الأمنية، الاقتصادية، الدولية، والسياسية. من الناحية العسكرية البحتة، لا شك أن إسرائيل تمتلك واحدا من أقوى الجيوش في المنطقة، مزوّدا بتفوق ساحق في الجو والبر والبحر، وتقنيات استخباراتية متقدمة، وقدرة عالية على شن الهجمات الجوية الواسعة والدقيقة، بالإضافة إلى وحدات برية مجرّبة مثل "غولاني" و"نحال" و"المظليين". تقنيا، يمكن للجيش الإسرائيلي أن يجتاح القطاع ويدخل كل شبر منه. لكن "الدخول" لا يساوي "الاحتفاظ" به. فالسيطرة على غزة لا تعني مجرد رفع العلم فوق الأبنية، بل تعني الإمساك اليومي بالأمن والسكان والمجال العام، وهو ما ثبت فشله في تجارب مشابهة كالعراق وأفغانستان ولبنان. فغزة ليست أرضا مكشوفة، بل متاهة مدينية وأنفاقا ومخيمات مكتظة، تجعل أي معركة برية أشبه بـ"الفخ الحجري"، وتحوّل الانتصار العسكري إلى كابوس استنزاف طويل الأمد. أما على المستوى الأمني، فإن السيطرة الدائمة تبدو شبه مستحيلة. لا توجد قوة عسكرية يمكنها إخضاع قطاع يبلغ عدد سكانه 2.2 مليون نسمة، أكثر من 70% منهم لاجئون يحملون إرثا طويلا من الغضب والحرمان، دون إشعال ثورة دائمة. حتى إن سقطت حماس كهيكل تنظيمي، فإنها -ومعها الجهاد الإسلامي وسائر الفصائل- ستتحول إلى شبكات مقاومة شعبية شبحية، تضرب ثم تتوارى، ما يُنتج سيناريو شبيها بما واجهته إسرائيل في جنوب لبنان بين 1982 و2000. الاحتلال سيبقى بحاجة إلى قمع يومي، واعتقالات واسعة، وسيؤدي لا محالة إلى ارتكاب جرائم جماعية تمس بشرعية إسرائيل الأخلاقية أمام العالم. اقتصاديا، لا تملك إسرائيل لا الموارد ولا الإرادة السياسية لتحمل كلفة الاحتلال المباشر. فكل ما يتعلق بالإدارة المدنية من صحة وتعليم وكهرباء وصرف صحي ومعابر ورواتب سيقع ضمن مسؤوليتها، وفقا للقانون الدولي الذي يحمل قوة الاحتلال مسؤولية كاملة عن السكان المدنيين. وهذا يعني ببساطة أن غزة ستتحول إلى ثقب أسود مالي وأخلاقي، في وقت تعاني فيه إسرائيل أصلا من أزمة اقتصادية حادة وانقسامات سياسية داخلية. من جهة الغطاء الدولي، فإن إسرائيل ستفقد آخر أوراقها. إذ لا يوجد أي حليف -حتى الولايات المتحدة- يؤيد فكرة الاحتلال المباشر الدائم لغزة. أيّ خطوة في هذا الاتجاه ستُعتبر نكوصا إلى الحقبة الاستعمارية، وخرقا صارخا للقانون الدولي، وستعرض تل أبيب لموجة عارمة من الانتقادات والعزلة. أما محاولات إقامة "إدارة محلية بديلة"، فلن تقنع أحدا، وستُعد واجهة وهمية لشرعنة الاحتلال، وهو ما سيؤدي إلى انهيار الدعم السياسي الدولي تدريجيا. وأخيرا، فإن الغموض يكتنف الهدف السياسي من هذا الاحتلال الكامل. ما الغاية؟ هل هي القضاء على حماس كتنظيم؟ أم على الأيديولوجيا المقاومة؟ ومن سيملأ الفراغ بعد إسقاط البنية القائمة؟ لا توجد أطراف فلسطينية أو عربية تقبل التعاون مع مشروع احتلال مباشر، ولا توجد خطة سياسية واضحة لما بعد الحرب. هكذا، يصبح الاحتلال بلا أفق، أي حربا بلا نهاية، ومشروعا مفتوحا على الفشل والتورط. الخلاصة أن إسرائيل، من حيث القوة العسكرية، قادرة على دخول غزة، لكنها عاجزة عن البقاء فيها بثمن محتمل أو شرعية قابلة للاستمرار. احتلال غزة ليس علامة قوة، بل نذير غرق في رمال متحركة لا قاع لها. قد تدخل، لكنها لن تخرج إلا مثقلة بالدم، والديون، والعزلة، والانهيار السياسي الداخلي. لا شك أن إسرائيل تستطيع احتلال غزة عسكريا لبعض الوقت. لكنها لا تستطيع السيطرة عليها، ولا إدارتها، ولا البقاء فيها دون أن تدفع أثمانا تفوق قدرتها وتحط من شرعيتها. وهذا ما جعل قادة عسكريين سابقين في إسرائيل يحذرون من "المستنقع الغزي" الذي قد يتحول إلى فيتنام إسرائيلية. وإذا قررت إسرائيل احتلال قطاع غزة بالكامل، فإن رد فعل حماس والمقاومة الفلسطينية لن يكون تقليديا ولا متوقعا بالمعايير العسكرية الكلاسيكية. بل ستكون المواجهة متعددة المستويات، على شكل "حرب تحرير وطنية طويلة الأمد"، وستنقلب غزة إلى أرض مشتعلة بالمقاومة الشعبية والمسلّحة الاحتلال قد يسقط حكم حماس الظاهري، لكنه لن يسقط فكر المقاومة ولا بنيتها السرّية. بل العكس: سيكون بمثابة حقنة حياة جديدة للمقاومة، وشرعنة نهائية لخيار المقاومة الشاملة، داخليا وخارجيا. كيف سيتغير الموقف الدولي بعد احتلال غزة؟ إذا فرضت إسرائيل سيطرة كاملة على قطاع غزة، فإن الموقف الدولي لن يبقى على حاله، بل قد يشهد تحولا دراماتيكيا يمسّ البنية القانونية والسياسية والإنسانية التي تُقيم عليها إسرائيل علاقتها مع العالم. هذا التحول لن يكون لحظيا أو صاخبا بالضرورة، لكنه سيكون تراكميا وعميق الأثر، بحيث تتراجع مكانة إسرائيل تدريجيا من دولة "تدافع عن نفسها" كما تصور نفسها، إلى دولة احتلال مباشر تُحاكم أخلاقيا وسياسيا أمام المجتمع الدولي. أول التغيرات سيقع في المجال القانوني. فبعودة الاحتلال المباشر، سيُعاد تعريف إسرائيل رسميا كـ"قوة احتلال" بموجب اتفاقيات جنيف، بما يرتب عليها التزامات واضحة تجاه السكان المدنيين في غزة، من توفير الحماية والخدمات، إلى تحمل المسؤولية الكاملة عن الوضع الإنساني. وهذا التعريف القانوني سيُستخدم على نطاق واسع في المحاكم الدولية، خصوصا في ملفات الجرائم والانتهاكات، مما يضع القيادة الإسرائيلية في مرمى الملاحقة القضائية والاتهام بارتكاب جرائم حرب أو انتهاك للقانون الدولي الإنساني. أما على صعيد الحلفاء، فإن الولايات المتحدة وأوروبا سيجدان أنفسهما في موقف محرج متزايد. في موازاة ذلك، سيشهد الرأي العام العالمي انفجارا في التضامن مع الشعب الفلسطيني، وعودة قوية لحملات المقاطعة وشيطنة إسرائيل في الفضاء الأكاديمي والثقافي والحقوقي. الخطاب الإعلامي سيغادر تدريجيا مربع "الطرفين المتصارعين"، ليعود إلى تسمية الأمور بأسمائها: احتلال، استعمار، قمع، تمييز. وستكتسب حركات التضامن العالمية، خصوصا في الجامعات والمؤسسات الثقافية، شرعية أخلاقية جديدة تجعل من إسرائيل هدفا دائما لحملات العزل الأخلاقي والسياسي. أما سياسيا، فإن فرض الاحتلال الكامل على غزة سيقضي تماما على أي أفق للتسوية السياسية. ولن تسلم الأنظمة العربية من هذا التغيير. فحتى الدول التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل، ستجد نفسها أمام غضب شعبي واسع، قد يفرض عليها اتخاذ إجراءات رمزية على الأقل، مثل تجميد العلاقات أو سحب السفراء. في المحصلة، سيطرة إسرائيل الكاملة على غزة لن تُقرأ دوليا كانتصار، بل كنكوص تاريخي إلى نموذج الاحتلال الاستعماري، بكل ما يحمله من أعباء قانونية وسياسية وأخلاقية. إسرائيل، التي بنت خطابها على فكرة "الدفاع عن النفس"، ستفقد هذا الغلاف تماما، وتجد نفسها وحيدة في مواجهة خطاب عالمي جديد يعيد رسم معادلات الصراع. الجيش الإسرائيلي قد ينجح في إسقاط البنية العسكرية العلنية لحماس، لكنه سيخسر السيطرة لصالح شبكات المقاومة غير النظامية، التي ستخوض معه حربا دائمة من داخل الأنفاق، وبين الأزقة، ووسط الجمهور الغاضب. الغائب الأكبر.. ما بعد اليوم التالي تكشف تصريحات نتنياهو عن أمر لافت وهو غياب أي رؤية سياسية لما بعد إسقاط حكم حماس. من سيدير غزة؟ هل ستُفرض سلطة عسكرية إسرائيلية؟ أم ستُقام إدارة محلية بديلة؟ وهل سيقبل الفلسطينيون بذلك؟ الجواب الأقرب للواقع أن حماس لن تنهار بل ستتحول إلى شبح دائم تحت الأرض، وقد تظهر جماعات مقاومة جديدة أكثر راديكالية، في ظل مشهد فوضوي تحكمه نار الغضب الشعبي ومشاعر الانتقام الوطني. سيتحول الاحتلال من أداة "ردع" إلى وقود دائم للمقاومة. يحاول نتنياهو اليوم أن يقدّم نفسه كقائد "العبور من الأزمة"، لكنه في الواقع يسير إلى فخ محكم. احتلال غزة بالكامل قد يمنحه مكاسب إعلامية مؤقتة، لكنه سيطلق مقاومة أكثر مرونة، وسيغرق الجيش في مستنقع استنزاف، وسيكشف إسرائيل أمام العالم كدولة استعمارية لا تبحث عن أمن، بل عن سيطرة قسرية. إن الاحتلال الكامل لغزة لن يكون علامة انتصار. بل قد يكون لحظة السقوط البطيء لمشروع احتلالي فقد القدرة على التخفي وراء خطاب "الدفاع عن النفس". وهكذا، إذا دخلت إسرائيل غزة بجنودها، فقد لا تخرج منها بسيادتها ولا بشرعيتها. لماذا يصر نتنياهو على الاحتلال الكامل لغزة؟ يُعتبر إصرار نتنياهو، على الاحتلال الكامل لغزة موقفا معقدا يتجاوز المنطق العسكري والأمني. إنه قرار نابع من مزيج متشابك من الأهداف السياسية والضغوط الشخصية والمناورات الإستراتيجية. ما يصرح به علنا غالبا ما يختلف عن دوافعه الحقيقية، إذ يملي عليه بقاؤه السياسي ما يجب أن يقوله. يجد نتنياهو نفسه محاصرا من كل جانب: فشل استخباري وعسكري ذريع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، احتجاجات شعبية، واتهامات داخلية بالتقصير، بالإضافة إلى احتمال استئناف محاكمته في ملفات الفساد. لهذا، هو في أمس الحاجة إلى نصر سياسي أو عسكري كبير يعيد تعريف إرثه وينسي الجمهور الإسرائيلي الكارثة التي بدأت في عهده. الاحتلال الكامل لغزة، في خطابه، هو الأداة التي يعتقد أنها ستحوّل فشله إلى "تحول تاريخي"، يغطي على كل ما حدث. ببساطة، هو لا يريد غزة لذاتها، بل يريد ما تمثله كأداة للهروب من المحاسبة. يعتمد نتنياهو حاليا على ائتلاف يميني متشدد بقيادة شخصيات مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، يعتبرون أن غزة يجب ألا تكون تحت حكم فلسطيني، وأن حركة حماس ليست مجرد "تهديد" بل "إهانة وجودية". يرى هؤلاء أن الحل الوحيد هو "إعادة الاحتلال وإعادة الاستيطان". ولإرضاء هذا اليمين وإبقاء حكومته قائمة، يجب على نتنياهو أن يقدم لهم شيئا أكثر من مجرد الضربات الجوية، لذا فهو يعدهم بالسيطرة الكاملة. يعلم نتنياهو جيدا أن الاحتلال الكامل لغزة غير قابل للاستمرار عمليا أو دوليا. ومع ذلك، هو يخاطب جمهورا إسرائيليا منهكا وخائفا يبحث عن "رد نهائي". يريد أن يرفع سقف التهديد ليظهر بمظهر رجل الحسم، بينما يرى أن البدائل الواقعية، مثل الترتيبات مع السلطة الفلسطينية أو التدخل الدولي، هي تنازلات لا يقبل بها اليمين. بالتالي، قد لا ينفذ وعده بالكامل، ولكن تكراره يجعله يظهر بمظهر الرجل القوي. الاحتلال الكامل لغزة يُسقط تماما فكرة تسليم القطاع للسلطة الفلسطينية، أو وجود كيان فلسطيني موحد في الضفة الغربية والقطاع، أو إطلاق عملية سلام حقيقية. وهذا ما يريده نتنياهو في نهاية المطاف: دفن حل الدولتين بشكل نهائي وتثبيت واقع فلسطيني مجزأ بلا تمثيل سياسي جامع. إذا دخلت إسرائيل في حالة احتلال دائم لغزة، سينشغل العالم بأزمة إنسانية مفتوحة، وسيُستنزف المشروع الوطني الفلسطيني من الداخل. وهذا يتيح الفرصة لظهور مشاريع "إنسانية" أو "أمنية" بديلة تغني عن أي حل سياسي عادل، مما يسهّل على إسرائيل فرض شروطها في المنطقة وتوسيع اتفاقيات التطبيع مع الدول العربية دون تقديم أي ثمن سياسي حقيقي للفلسطينيين. في الحقيقة، لا تملك الحكومة الإسرائيلية "خطة واضحة لليوم التالي". فهم لا يريدون حماس، ولا يثقون بالسلطة الفلسطينية، ولا يرحبون بوجود قوة دولية، ولا يملكون من يحكم غزة نيابة عنهم. لذا، يبدو الاحتلال الكامل كـ"خيار الفراغ" بدلا من كونه خطة مدروسة، أشبه بالقفز في الهاوية لأن الأرض تهتز تحت أقدامهم. ربما لا يصر نتنياهو على احتلال غزة لأنه مقتنع بجدواه، بل لأنه مضطر إليه سياسيا، ومطارد نفسيا، ومدفوع من ائتلافه اليميني. إنه يسعى لتحويل كارثة إلى فرصة شخصية، حتى لو كان ذلك يعني إشعال الجبهة إلى ما لا نهاية. ولكن، كلما توغل في غزة، اقترب أكثر من نهايته السياسية.