
الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الناشئة: مستقبل الدفاع العسكري؟
كتب جاك جندو، رائد أعمال وخبير في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، والرئيس التنفيذي لشركة "Brain Digits" ، لـ"النهار":
لم تعد الحروب الحديثة تُخاض فقط بالجيوش والذخائر، بل أصبحت ساحات القتال أكثر تعقيداً، تتحرك فيها الخوارزميات بقدر ما تتحرك فيها الدبابات. في عالمٍ يتسارع فيه التطور الرقمي، يُعيد الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الناشئة رسم ملامح الجيوش وطرق الدفاع، ويُحدث تحوّلاً جذرياً في طبيعة التهديدات، وسبل الردع، ونماذج التحالفات.
كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي موازين القوى؟
القيادة الذكية: من خلال أنظمة تحليل البيانات اللحظية، تستطيع غرف العمليات اتخاذ قرارات تكتيكية أسرع وأكثر دقة، ما يمنح القادة رؤية آنية لساحات المعارك، ويقلل من الخسائر البشرية.
الروبوتات والمسيّرات: لم تعد الطائرات بدون طيار مجرد أدوات مراقبة، بل أصبحت منصات قتالية ذكية قادرة على تحليل الأهداف، التنبؤ بالحركات، وتنفيذ المهام بقرارات شبه مستقلة.
المحاكاة والتدريب: تقنيات الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي تُستخدم اليوم في تدريب الجنود على سيناريوهات واقعية ومعقدة دون المخاطرة بأرواحهم، مما يرفع من جهوزية القوات وكفاءتها.
الردع بالتحليل التنبؤي: تعتمد الجيوش الحديثة على خوارزميات تتنبأ بمسار التهديدات والهجمات السيبرانية قبل حدوثها، وتستبقها بردود وقائية محسوبة.
التكنولوجيا الناشئة: ما بعد الذكاء الاصطناعي
الأسلحة الموجهة بالتعلم الآلي: أنظمة تسليح ذكية يمكنها التكيّف والتعلم من البيئة القتالية، وتحديث سلوكها وتكتيكاتها بشكل لحظي.
الحرب السيبرانية: اختراق البنى التحتية الرقمية للخصم، وشلّ قدراته التقنية، بات جزءاً أساسياً من الاستراتيجية الدفاعية لأي دولة.
الجنود المعزّزون تكنولوجياً: استخدام أجهزة استشعار، وخوذ ذكية، وأنظمة تحليل بيانات حيوية لتحسين أداء الأفراد، ورصد حالتهم النفسية والجسدية لحظياً.
الأقمار الصناعية الهجينة: دمج الذكاء الاصطناعي مع تقنيات الفضاء لتتبع التحركات، وتوفير المعلومات الاستراتيجية الدقيقة.
التحديات الأخلاقية والقانونية
مع هذا التقدم، تزداد المخاوف من الاستخدامات الخارجة عن السيطرة، ومن غياب الأطر الأخلاقية والقانونية التي تضبط استخدام الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية. من يُحاسب الخوارزميات؟ ومن يتحمل مسؤولية قرار القتل إن صدر عن آلة؟ وهل يمكن لمجتمع دولي غير منسجم على مفاهيم السيادة والأمن أن يتّفق على ما هو مقبول وغير مقبول في حروب الذكاء الاصطناعي؟
الشرق الأوسط: غائب عن التصنيع... حاضر في الاستهلاك
رغم أن بعض دول الشرق الأوسط بدأت بشراء أنظمة تسليح ذكية، إلا أن المنطقة ما زالت بعيدة عن مراكز البحث والتطوير. المطلوب ليس فقط شراء تكنولوجيا مستوردة، بل تأسيس منظومات أمنية واقتصادية تبني القدرات داخلياً، وتدعم الشركات الناشئة المتخصصة في تقنيات الدفاع.
رغم الأزمة الاقتصادية والسياسية، يمتلك لبنان أحد أهم المقومات لبناء مستقبل دفاعي مختلف: العقول. بدلاً من السباق نحو التسلّح التقليدي، يمكن للبنان أن يتحوّل إلى مركز إقليمي لاحتضان الأفكار الدفاعية الذكية من خلال:
إطلاق حاضنات دفاع تكنولوجي تتعاون مع الجامعات وروّاد الأعمال لتطوير حلول للمراقبة، الحماية، والتحليل الاستخباراتي.
تشجيع الشركات الناشئة المتخصصة في الأمن السيبراني والتقنيات الدفاعية.
بناء شراكات دولية مع مؤسسات تكنولوجية عالمية لتطوير حلول ملائمة للسياق المحلي والإقليمي.
لبنان لا يحتاج إلى جيش كبير ليحمي نفسه، بل إلى نظام ذكي يجمع بين التكنولوجيا، التعليم، والاستقلالية الاستراتيجية.
الذكاء الاصطناعي لا يغيّر فقط شكل الأسلحة، بل يغيّر قواعد الاشتباك ذاتها. في زمن الحرب الرقمية، من يملك الخوارزمية... قد يملك القرار.
وإذا كان التفوق في الحروب السابقة يقاس بعدد الطائرات والدبابات، فإن حروب اليوم تُكسب بالخوادم، والبرمجيات، والعقول.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
٠٧-٠٤-٢٠٢٥
- النهار
الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الناشئة: مستقبل الدفاع العسكري؟
كتب جاك جندو، رائد أعمال وخبير في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، والرئيس التنفيذي لشركة "Brain Digits" ، لـ"النهار": لم تعد الحروب الحديثة تُخاض فقط بالجيوش والذخائر، بل أصبحت ساحات القتال أكثر تعقيداً، تتحرك فيها الخوارزميات بقدر ما تتحرك فيها الدبابات. في عالمٍ يتسارع فيه التطور الرقمي، يُعيد الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الناشئة رسم ملامح الجيوش وطرق الدفاع، ويُحدث تحوّلاً جذرياً في طبيعة التهديدات، وسبل الردع، ونماذج التحالفات. كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي موازين القوى؟ القيادة الذكية: من خلال أنظمة تحليل البيانات اللحظية، تستطيع غرف العمليات اتخاذ قرارات تكتيكية أسرع وأكثر دقة، ما يمنح القادة رؤية آنية لساحات المعارك، ويقلل من الخسائر البشرية. الروبوتات والمسيّرات: لم تعد الطائرات بدون طيار مجرد أدوات مراقبة، بل أصبحت منصات قتالية ذكية قادرة على تحليل الأهداف، التنبؤ بالحركات، وتنفيذ المهام بقرارات شبه مستقلة. المحاكاة والتدريب: تقنيات الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي تُستخدم اليوم في تدريب الجنود على سيناريوهات واقعية ومعقدة دون المخاطرة بأرواحهم، مما يرفع من جهوزية القوات وكفاءتها. الردع بالتحليل التنبؤي: تعتمد الجيوش الحديثة على خوارزميات تتنبأ بمسار التهديدات والهجمات السيبرانية قبل حدوثها، وتستبقها بردود وقائية محسوبة. التكنولوجيا الناشئة: ما بعد الذكاء الاصطناعي الأسلحة الموجهة بالتعلم الآلي: أنظمة تسليح ذكية يمكنها التكيّف والتعلم من البيئة القتالية، وتحديث سلوكها وتكتيكاتها بشكل لحظي. الحرب السيبرانية: اختراق البنى التحتية الرقمية للخصم، وشلّ قدراته التقنية، بات جزءاً أساسياً من الاستراتيجية الدفاعية لأي دولة. الجنود المعزّزون تكنولوجياً: استخدام أجهزة استشعار، وخوذ ذكية، وأنظمة تحليل بيانات حيوية لتحسين أداء الأفراد، ورصد حالتهم النفسية والجسدية لحظياً. الأقمار الصناعية الهجينة: دمج الذكاء الاصطناعي مع تقنيات الفضاء لتتبع التحركات، وتوفير المعلومات الاستراتيجية الدقيقة. التحديات الأخلاقية والقانونية مع هذا التقدم، تزداد المخاوف من الاستخدامات الخارجة عن السيطرة، ومن غياب الأطر الأخلاقية والقانونية التي تضبط استخدام الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية. من يُحاسب الخوارزميات؟ ومن يتحمل مسؤولية قرار القتل إن صدر عن آلة؟ وهل يمكن لمجتمع دولي غير منسجم على مفاهيم السيادة والأمن أن يتّفق على ما هو مقبول وغير مقبول في حروب الذكاء الاصطناعي؟ الشرق الأوسط: غائب عن التصنيع... حاضر في الاستهلاك رغم أن بعض دول الشرق الأوسط بدأت بشراء أنظمة تسليح ذكية، إلا أن المنطقة ما زالت بعيدة عن مراكز البحث والتطوير. المطلوب ليس فقط شراء تكنولوجيا مستوردة، بل تأسيس منظومات أمنية واقتصادية تبني القدرات داخلياً، وتدعم الشركات الناشئة المتخصصة في تقنيات الدفاع. رغم الأزمة الاقتصادية والسياسية، يمتلك لبنان أحد أهم المقومات لبناء مستقبل دفاعي مختلف: العقول. بدلاً من السباق نحو التسلّح التقليدي، يمكن للبنان أن يتحوّل إلى مركز إقليمي لاحتضان الأفكار الدفاعية الذكية من خلال: إطلاق حاضنات دفاع تكنولوجي تتعاون مع الجامعات وروّاد الأعمال لتطوير حلول للمراقبة، الحماية، والتحليل الاستخباراتي. تشجيع الشركات الناشئة المتخصصة في الأمن السيبراني والتقنيات الدفاعية. بناء شراكات دولية مع مؤسسات تكنولوجية عالمية لتطوير حلول ملائمة للسياق المحلي والإقليمي. لبنان لا يحتاج إلى جيش كبير ليحمي نفسه، بل إلى نظام ذكي يجمع بين التكنولوجيا، التعليم، والاستقلالية الاستراتيجية. الذكاء الاصطناعي لا يغيّر فقط شكل الأسلحة، بل يغيّر قواعد الاشتباك ذاتها. في زمن الحرب الرقمية، من يملك الخوارزمية... قد يملك القرار. وإذا كان التفوق في الحروب السابقة يقاس بعدد الطائرات والدبابات، فإن حروب اليوم تُكسب بالخوادم، والبرمجيات، والعقول.


النهار
٠٢-٠٤-٢٠٢٥
- النهار
عمالقة التكنولوجيا تحت رقابة الاتحاد الأوروبي: صراع السيطرة والابتكار
كتب جاك جندو، رائد أعمال وخبير في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، والرئيس التنفيذي لشركة "Brain Digits" ، لـ"النهار": في عصرٍ باتت فيه حياتنا الرقمية لا تقل أهمية عن واقعنا اليومي، لم تعد المواجهة بين شركات التكنولوجيا الكبرى والهيئات التنظيمية مجرّد أخبار عابرة في صفحات الاقتصاد. فما يحدث اليوم بين الاتحاد الأوروبي من جهة، وغوغل وآبل من جهة أخرى، ليس مجرّد نزاع حول قوانين جديدة، بل معركة حاسمة ترسم ملامح المستقبل الرقمي للعالم بأسره. إنها حرب نفوذ، وصراع بين الماضي والمستقبل، بين الاحتكار والابتكار، وبين هيمنة الكبار وحقوق المستهلكين. فما أبعاد هذا الصراع، وإلى أين سيقود مستقبل التكنولوجيا والابتكار في العالم؟ قانون الأسواق الرقمية: أداة أوروبا لكبح الاحتكار منذ دخوله حيّز التنفيذ في آذار (مارس) 2024، أحدث قانون الأسواق الرقمية نقلةً نوعية في تنظيم القطاع التكنولوجي، مستهدفاً بشكل خاص شركات التكنولوجيا الكبرى (Big Tech) مثل غوغل وآبل وأمازون وميتا. يسعى القانون إلى منع هذه الشركات من ممارسة الاحتكار الرقمي والتفضيل الذاتي لخدماتها، لضمان المنافسة العادلة. الآن، تواجه غوغل اتهامات بتفضيل خدماتها عبر محرك البحث ومنصات التطبيقات، بينما تُجبر آبل على فتح نظام التشغيل iOS الخاص بها لمنافسين جدد، الأمر الذي لم يكن ممكناً من قبل. الابتكار أم الهيمنة: غوغل وآبل في مواجهة أوروبا ردود الفعل لم تتأخر. غوغل تؤكد أن هذه الإجراءات ستضر بالمستخدم الأوروبي وتعقّد عملية البحث الرقمي. آبل بدورها تعتبر أن فتح نظامها سيعيق الابتكار، ويقلل من جودة خدماتها ويُضعف الأمان. في المقابل، يرى الاتحاد الأوروبي أن هذه الخطوات ضرورية لخلق منافسة حقيقية وتعزيز فرص الشركات الصغيرة والناشئة. أوروبا وأميركا: توتر عابر للأطلسي تأتي الإجراءات الأوروبية وسط توتر سياسي وتجاري متزايد مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي اتهم الاتحاد الأوروبي باستهداف الشركات الأميركية بصورة غير عادلة. هذه التوترات السياسية قد تنذر بحرب تجارية محتملة، حيث تدرس واشنطن فرض رسوم جمركية إضافية على المنتجات الأوروبية. لكن الاتحاد الأوروبي يصر على موقفه، مؤكداً أن القانون الأوروبي يسري على الجميع دون تمييز. فهل تتصاعد المواجهة إلى أزمة دولية شاملة؟ تغيّر قواعد اللعبة: من الهيمنة إلى التنافس المفتوح قانون الأسواق الرقمية ليس مجرد لوائح تنظيمية، بل يعكس رؤية أوروبية مستقبلية تهدف إلى إعادة توزيع القوة الاقتصادية والرقمية، ومنح المستخدم مزيداً من الحرية والسيطرة على بياناته الشخصية. هذه الإجراءات قد تفتح فرصاً كبيرة للشركات الناشئة الأوروبية والعالمية للدخول إلى السوق والمنافسة بشكل عادل، وهو ما قد يعزز الابتكار ويزيد من جودة الخدمات المُقدمة للمستخدمين. تحديات المستقبل: بين الامتثال والمقاومة أمام شركات التكنولوجيا الأميركية خيارات صعبة: الامتثال للقانون الأوروبي وإعادة هيكلة خدماتها، أو مواجهة عقوبات مالية قاسية تصل إلى 20% من إيراداتها السنوية. لكن التحديات لا تتوقف هنا، فاستمرار التوتر بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قد يؤدي إلى إعادة تشكيل الخارطة الاقتصادية الرقمية العالمية، وقد يدفع كلاً من الشركات الأميركية والأوروبية لإعادة النظر في نماذج أعمالها. فرصة تاريخية للعالم العربي في خضم هذه المواجهة، تبرز فرصة للدول العربية للتعلم والاستفادة من هذه التجربة التنظيمية الفريدة. فالعالم العربي يحتاج أيضاً إلى تبني قواعد مماثلة تضمن حماية المستخدمين، وتشجيع المنافسة المحلية، وإطلاق قدرات الشركات الناشئة التي يمكن أن تجد مسارها في عالمٍ أصبح فيه الاحتكار الرقمي جزءاً من الماضي. الخلاصة: نحو عالم رقمي جديد بين القلق الأميركي والطموح الأوروبي، يجد العالم نفسه أمام نقطة تحول حقيقية. قد تؤدي هذه التشريعات إلى ولادة إنترنت أكثر عدالة وانفتاحاً، ولكنها أيضاً تضع الشركات الكبرى أمام امتحان صعب: الابتكار الحقيقي أم الدفاع عن هيمنة الماضي؟ والمؤكد هو أن هذه الأحداث ستترك آثاراً عميقة ليس فقط على أوروبا وأميركا، بل على مستقبل الإنترنت والابتكار الرقمي في كل أرجاء العالم.


النهار
٢٦-٠٣-٢٠٢٥
- النهار
من سند الملكيّة إلى الرمز الرقمي: عقارات دبي تدخل عصر البلوك تشين
كتب جاك جندو، رائد أعمال وخبير في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، والرئيس التنفيذي لشركة "Brain Digits" ، لـ"النهار": بينما تتسابق كبرى العواصم العالمية لتأمين مكانة ريادية في الاقتصاد الرقمي، اختارت دبي أن تقفز خطوة أبعد — لا فقط نحو الرقمنة، بل نحو إعادة ابتكار العقارات نفسها. في خطوة تُعدّ الأولى من نوعها على مستوى الشرق الأوسط، أعلنت دائرة الأراضي والأملاك في دبي عن الإطلاق التجريبي لمشروع الترميز العقاري، لتُدخل بذلك القطاع العقاري إلى عصر البلوك تشين، وتُحوّل سندات الملكية إلى رموز رقمية ذكية. هذه المبادرة، التي جاءت تحت مظلّة "مبادرة ريس للابتكار العقاري" وبالشراكة مع سلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضية ومؤسسة دبي للمستقبل، ليست مجرّد تجربة تقنية. بل هي إعلان واضح بأن مستقبل العقار لن يُكتب بالحبر، بل بالشيفرة. ما هو الترميز العقاري؟ ولماذا الآن؟ الترميز العقاري هو عملية تحويل الأصول العقارية إلى رموز رقمية (Tokens) يتم تسجيلها وتداولها باستخدام تقنية البلوك تشين. كل رمز يُمثّل حصةً من العقار، ما يسمح بعدد غير محدود من المستثمرين بامتلاك جزء من الوحدة العقارية نفسها، دون الحاجة إلى شراء العقار كاملاً. في عصر تتقلّص فيه الفرص أمام المستثمرين الصغار، وتزداد فيه الحاجة إلى الشفافية والحوكمة، يأتي الترميز كأداة ثورية تعيد صياغة من يملك، ومن يستطيع أن يستثمر، وكيف. من العقار التقليدي إلى الاقتصاد الذكي تكمن عبقرية المشروع في توقيته وأبعاده. فوفقاً لدائرة الأراضي والأملاك، من المتوقع أن تصل قيمة سوق الترميز العقاري إلى 60 مليار درهم بحلول عام 2033، أي ما يعادل 7% من إجمالي تداولات السوق العقاري في الإمارة. لكن الأرقام ليست كل شيء. فالأهم أن دبي باتت تُقدّم نموذجاً متكاملاً لاقتصاد رقمي حقيقي، حيث يمكن للمغترب في أستراليا أو الشاب في بيروت أن يستثمر في شقة بدبي عبر هاتفه الذكي — بموثوقيةٍ تامة وبلا وسطاء. الفرق بين التمويل الجماعي والترميز العقاري قد يخلط البعض بين التمويل الجماعي (Crowdfunding) والترميز العقاري. لكن الفرق جوهري: التمويل الجماعي يعتمد على جمع مبالغ من مستثمرين لدعم مشروع أو عقار واحد دون شفافية واضحة في ما يخصّ الملكية أو الحوكمة. أما الترميز العقاري، فهو مدعوم بتقنية البلوك تشين، ويُوفّر توثيقاً شفافاً، وإمكانية تداول الرموز، وتوزيعاً دقيقاً للأرباح، ما يجعله نظاماً قائماً بحد ذاته. تحوّل في فلسفة التملّك والاستثمار في زمنٍ يشهد تغييرات سريعة في طبيعة رأس المال والسلوك الاستثماري، يُعيد مشروع دبي تعريف العقار ليس فقط كسلعة ثابتة، بل كأصل مالي رقمي يمكن التعامل معه بكفاءة وسلاسة. المستثمر لم يعد بحاجة إلى قرض بنكي ضخم. العقار لم يعد حصراً للأثرياء. والشفافية لم تعد امتيازاً بل أصبحت ضرورة. هذا النموذج يفتح الباب لمشاركة المغتربين، الشباب، ورواد الأعمال في سوقٍ كانت مغلقة عليهم لعقود. ما تفعله دبي اليوم يجب أن يُفكَّر به في بيروت، القاهرة، عمّان، والدار البيضاء. في لبنان مثلاً، حيث فقد المواطن ثقته بالقطاع المصرفي وسوق العقارات تعاني من جمود مزمن، يُمكن لتبني ترميز الأصول أن يفتح نافذة أمل: بناء سوق عقاري شفاف، متاح، ومدعوم بالتكنولوجيا. بل وأكثر من ذلك، يمكن للمغترب اللبناني أن يستثمر في قطعة من بلده دون أن يخشى تضخّم الأسعار أو غياب الحماية القانونية. التحديات التي لا بد من معالجتها بالرغم من الطابع الطموح للمشروع، إلا أن هناك تحديات لا يمكن تجاهلها: الإطار القانوني: ضرورة وجود قوانين واضحة لحماية المستثمرين وضمان حقوق الملكية الرقمية. الأمن السيبراني: مع استخدام البلوك تشين تأتي الحاجة لتقنيات حماية عالية ضد الاختراق والتزوير. الثقة والوعي: بناء ثقافة مجتمعية تُدرك فوائد هذا التحوّل وتثق في آلياته. نحو مستقبل عقاري لا مركزي دبي لا تصنع مشهداً عابراً. بل تؤسّس لمرحلة جديدة يكون فيها العقار ملكاً للجميع، والتكنولوجيا وسيلة لا حاجزاً. في معظم الدول، حيث كان امتلاك العقار حكراً على فئة محدودة، وغياب الشفافية هو القاعدة، يقدّم مشروع الترميز العقاري نموذجاً قابلاً للتطبيق، يمكن أن يُعيد الأمل، يُحيي الأسواق، ويُعيد الثقة. والمعادلة أصبحت بسيطة: من يملك البلوك تشين، يملك المستقبل.