
3 سنوات على اغتيال شيرين أبو عاقلة.. الجندي الإسرائيلي القاتل قُتل بعملية في جنين
لم يكن يعتقد الاحتلال الإسرائيلي، عندما اغتال الصحافية شيرين أنطوان أبو عاقلة، أن ذلك سيُبقي قضيتها حاضرة، وتُفشل مُخططه، بكمِّ أفواه الصحافيين.
بين تاريخ الاغتيال، صباح يوم الأربعاء في 11 أيار/مايو 2022، واليوم، حفل بمحطات مُتعددة، ثبت فيها أن دماء شيرين، التي ارتوت بها أرض مُخيم جنين في الضفة الغربية، أينعت حضوراً راسخاً في أرض فلسطين، ومُشعاً إلى العالم، حاضرة في كل خبرٍ وصورة.
تماماً كما الصورة التي جسدت فيها شيرين، محطات استشهادها، بين تشييع في جنين ورام الله وصولاً إلى القدس، وبالطرق الإسلامية والمسيحية، التي تُؤكد نموذج التعايش الحقيقي في مهد الرسالات السماوية، حيث ترتفع التكبيرات من مآذن المساجد، لتُعانق قرع أجراس الكنائس بالتصدي للمُحتل الإسرائيلي الغاصب.
وفاءً لدماء الشهيدة شيرين، عملت على إصدار كتاب، يُوثق مسيرة حياتها واستشهادها، ومراحل التحقيق، والتضامن مع "أيقونة الإعلام الفلسطيني"، في كتاب حمل اسم "شيرين أبو عاقلة.. الشاهدة والشهيدة"، الذي وضع المُقدمة له عضو اللجنة التنفيذية لـ"مُنظمة التحرير الفلسطينية" رئيس "اللجنة العليا لمُتابعة شؤون الكنائس في فلسطين" الدكتور رمزي خوري، وصدر عن "دار النهار للنشر"، بكلمة لمُديرها القاضي زياد شبيب.
واستمرينا بُمتابعة قضية الشهيدة شيرين أبو عاقلة، حيث ثبت بالأدلة والوقائع والبراهين المُوثقة، تعمد الاحتلال اغتيالها، عن سبق ترصدٍ، وتخطيطٍ، وتنفيذٍ بالقنص العمد، باستهدافها عند الساعة 6:27 صباحاً، وهي بين زملائها الإعلاميين، حيث كانت ترتدي الخوذة الصحفية والسترة الواقية، وقد كُتب على كل منهما كلمة "صحافة" باللغتين العربية والإنكليزية، ما يُشير بوضوح إليها.
لكن، رصاص القنص أصاب رقبة شيرين، ومزق رأسها، ما أدى إلى تهتك واسع للدماغ والجمجمة، قبل ارتداد الرصاصة إلى السطح الداخلي للخوذة، التي كانت تعتمرها بهدف الحماية.
وثبت أن قناصاً إسرائيلياً من وحدة "دو فدفان" المُتخصصة والمُدربة بشكل مُميز، هو من أطلق الرصاص الحي باتجاهها من بندقية "أم 4"، وبرصاص قطره 5.56 ملم.
لم تُقفل قضية شيرين، بل جرت تحقيقات فلسطينية داخلية، وحملنا في نقابة الصحفيين الفلسطينيين، القضية، كما زملائها الإعلاميين الشهداء، إلى محافل مُتعددة، ومنها عبر التحالف القانوني، الذي يضم الاتحاد الدولي للصحفيين، نقابة الصحفيين الفلسطينيين، المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين، إلى "المحكمة الجنائية الدولية"، وغيرها، لمُلاحقة القتلة.
في المُقابل، سعت الإدارة الأميركية إلى التغطية على اغتيال شيرين، التي تحمل الجنسية الأميركية فضلاً عن الفلسطينية.
وتعمد الاحتلال إخفاء الحقيقة، ومُمارسة مُحاولة التضليل الإعلامي، والتستر على الجندي الإسرائيلي القاتل.
لكن، مع حلول الذكرى الـ3 لاغتيال شيرين، يُمكن الإجابة عن اسم القاتل، الذي بقي سراً، وتبين أنه يُدعى آلون سكاجيو.
وقد تعمد إطلاق النار على شيرين، وهو مُدرك تماماً ماذا يستهدف، نظراً إلى وضوح الرؤية، والمسافة والموقع وحالة الطقس، وهو ما عملت قوات الاحتلال الإسرائيلي على إخفائه، والزعم أن مُسلحين فلسطينيين، هم من أطلقوا النار، ومن ثم أنه كان هناك مُسلحون فلسطينيون بالقرب من مكان شيرين!
وثبت زيف الادعاءين، حيث أثبتت التحقيقات، أن الاغتيال تم عمداً، ولم يكن هناك مُسلحون فلسطينيون، بل 7 صحافيين، يقومون بتغطية الاجتياح الإسرائيلي لجنين، من دوار العودة في مُحيط مدارس وكالة "الأونروا"، قرب المدخل الغربي لمُخيم جنين، على الطريق المُؤدي إلى برقين.
ولاحقاً، استخدم زُملاء سكاجيو، صورة الشهيدة شيرين، لتدريبات الرماية!
ومُواكبة لقضية شيرين، التي حاولت السلطات الإسرائيلية، حماية القاتل، تبين أنه قُتل في عملية فدائية، تمت على أرض جنين، التي روت بدماء شيرين.
وجاء مقتل سكاجيو، الذي تكشف مُنذ فترة، إثر عملية نُفذت، يوم الخميس في 27 حزيران/يونيو 2024، خلال مُحاولة قوات الاحتلال، اقتحام مدينة ومُخيم جنين، حيث جرى تفجير عبوة ناسفة، استهدفت مُدرعة من نوع "الفهد".
إثر ذلك، وصلت قوة إضافية للاحتلال، لتخليص القوة الأولى، فجرى تفجير عبوة ناسفة ثانية، ما أدى إلى مقتل قائد فرقة القناصة، وإصابة 16 جندياً بجروح مُتفاوتة.
لم يكن قائد الفرقة، إلا سكاجيو، الذي تفنن بقنص شيرين، في القسم العلوي من جسدها، ما يُؤكد الاستهداف للقتل!
بعد 3 سنوات على اغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة، ما زال طيفها يُلاحق الاحتلال، الذي لم يكتفِ بالاعتداء على موكب التشييع في كل مراحله، وتدمير النصب التذكاري، واقتلاع الشجرة، التي رُويت بدماء شيرين لحظة استهدافها.
بل، استمر بمُحاولات تشويه الحقيقة، وتمييع التحقيق، وتعمد استهداف الصحافيين، الذين بلغ عددهم في فلسطين، مُنذ تجدد حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، 222 شهيداً وعشرات الجرحى.
لا شك أن الاحتلال الإسرائيلي، يُدرك خطورة الكلمة والصورة والصوت، في معركة المُواجهة بين الحق والباطل، والضحية والجلاد، لذلك يُلاحق الإعلاميين والصحافيين، في مُحاولة لطمس الحقيقة، التي تبقى ناصعة مُعمدة بالدماء.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


معا الاخبارية
منذ يوم واحد
- معا الاخبارية
3 سنوات على اغتيال شيرين أبو عاقلة.. الجندي الإسرائيلي القاتل قُتل بعملية في جنين
لم يكن يعتقد الاحتلال الإسرائيلي، عندما اغتال الصحافية شيرين أنطوان أبو عاقلة، أن ذلك سيُبقي قضيتها حاضرة، وتُفشل مُخططه، بكمِّ أفواه الصحافيين. بين تاريخ الاغتيال، صباح يوم الأربعاء في 11 أيار/مايو 2022، واليوم، حفل بمحطات مُتعددة، ثبت فيها أن دماء شيرين، التي ارتوت بها أرض مُخيم جنين في الضفة الغربية، أينعت حضوراً راسخاً في أرض فلسطين، ومُشعاً إلى العالم، حاضرة في كل خبرٍ وصورة. تماماً كما الصورة التي جسدت فيها شيرين، محطات استشهادها، بين تشييع في جنين ورام الله وصولاً إلى القدس، وبالطرق الإسلامية والمسيحية، التي تُؤكد نموذج التعايش الحقيقي في مهد الرسالات السماوية، حيث ترتفع التكبيرات من مآذن المساجد، لتُعانق قرع أجراس الكنائس بالتصدي للمُحتل الإسرائيلي الغاصب. وفاءً لدماء الشهيدة شيرين، عملت على إصدار كتاب، يُوثق مسيرة حياتها واستشهادها، ومراحل التحقيق، والتضامن مع "أيقونة الإعلام الفلسطيني"، في كتاب حمل اسم "شيرين أبو عاقلة.. الشاهدة والشهيدة"، الذي وضع المُقدمة له عضو اللجنة التنفيذية لـ"مُنظمة التحرير الفلسطينية" رئيس "اللجنة العليا لمُتابعة شؤون الكنائس في فلسطين" الدكتور رمزي خوري، وصدر عن "دار النهار للنشر"، بكلمة لمُديرها القاضي زياد شبيب. واستمرينا بُمتابعة قضية الشهيدة شيرين أبو عاقلة، حيث ثبت بالأدلة والوقائع والبراهين المُوثقة، تعمد الاحتلال اغتيالها، عن سبق ترصدٍ، وتخطيطٍ، وتنفيذٍ بالقنص العمد، باستهدافها عند الساعة 6:27 صباحاً، وهي بين زملائها الإعلاميين، حيث كانت ترتدي الخوذة الصحفية والسترة الواقية، وقد كُتب على كل منهما كلمة "صحافة" باللغتين العربية والإنكليزية، ما يُشير بوضوح إليها. لكن، رصاص القنص أصاب رقبة شيرين، ومزق رأسها، ما أدى إلى تهتك واسع للدماغ والجمجمة، قبل ارتداد الرصاصة إلى السطح الداخلي للخوذة، التي كانت تعتمرها بهدف الحماية. وثبت أن قناصاً إسرائيلياً من وحدة "دو فدفان" المُتخصصة والمُدربة بشكل مُميز، هو من أطلق الرصاص الحي باتجاهها من بندقية "أم 4"، وبرصاص قطره 5.56 ملم. لم تُقفل قضية شيرين، بل جرت تحقيقات فلسطينية داخلية، وحملنا في نقابة الصحفيين الفلسطينيين، القضية، كما زملائها الإعلاميين الشهداء، إلى محافل مُتعددة، ومنها عبر التحالف القانوني، الذي يضم الاتحاد الدولي للصحفيين، نقابة الصحفيين الفلسطينيين، المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين، إلى "المحكمة الجنائية الدولية"، وغيرها، لمُلاحقة القتلة. في المُقابل، سعت الإدارة الأميركية إلى التغطية على اغتيال شيرين، التي تحمل الجنسية الأميركية فضلاً عن الفلسطينية. وتعمد الاحتلال إخفاء الحقيقة، ومُمارسة مُحاولة التضليل الإعلامي، والتستر على الجندي الإسرائيلي القاتل. لكن، مع حلول الذكرى الـ3 لاغتيال شيرين، يُمكن الإجابة عن اسم القاتل، الذي بقي سراً، وتبين أنه يُدعى آلون سكاجيو. وقد تعمد إطلاق النار على شيرين، وهو مُدرك تماماً ماذا يستهدف، نظراً إلى وضوح الرؤية، والمسافة والموقع وحالة الطقس، وهو ما عملت قوات الاحتلال الإسرائيلي على إخفائه، والزعم أن مُسلحين فلسطينيين، هم من أطلقوا النار، ومن ثم أنه كان هناك مُسلحون فلسطينيون بالقرب من مكان شيرين! وثبت زيف الادعاءين، حيث أثبتت التحقيقات، أن الاغتيال تم عمداً، ولم يكن هناك مُسلحون فلسطينيون، بل 7 صحافيين، يقومون بتغطية الاجتياح الإسرائيلي لجنين، من دوار العودة في مُحيط مدارس وكالة "الأونروا"، قرب المدخل الغربي لمُخيم جنين، على الطريق المُؤدي إلى برقين. ولاحقاً، استخدم زُملاء سكاجيو، صورة الشهيدة شيرين، لتدريبات الرماية! ومُواكبة لقضية شيرين، التي حاولت السلطات الإسرائيلية، حماية القاتل، تبين أنه قُتل في عملية فدائية، تمت على أرض جنين، التي روت بدماء شيرين. وجاء مقتل سكاجيو، الذي تكشف مُنذ فترة، إثر عملية نُفذت، يوم الخميس في 27 حزيران/يونيو 2024، خلال مُحاولة قوات الاحتلال، اقتحام مدينة ومُخيم جنين، حيث جرى تفجير عبوة ناسفة، استهدفت مُدرعة من نوع "الفهد". إثر ذلك، وصلت قوة إضافية للاحتلال، لتخليص القوة الأولى، فجرى تفجير عبوة ناسفة ثانية، ما أدى إلى مقتل قائد فرقة القناصة، وإصابة 16 جندياً بجروح مُتفاوتة. لم يكن قائد الفرقة، إلا سكاجيو، الذي تفنن بقنص شيرين، في القسم العلوي من جسدها، ما يُؤكد الاستهداف للقتل! بعد 3 سنوات على اغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة، ما زال طيفها يُلاحق الاحتلال، الذي لم يكتفِ بالاعتداء على موكب التشييع في كل مراحله، وتدمير النصب التذكاري، واقتلاع الشجرة، التي رُويت بدماء شيرين لحظة استهدافها. بل، استمر بمُحاولات تشويه الحقيقة، وتمييع التحقيق، وتعمد استهداف الصحافيين، الذين بلغ عددهم في فلسطين، مُنذ تجدد حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، 222 شهيداً وعشرات الجرحى. لا شك أن الاحتلال الإسرائيلي، يُدرك خطورة الكلمة والصورة والصوت، في معركة المُواجهة بين الحق والباطل، والضحية والجلاد، لذلك يُلاحق الإعلاميين والصحافيين، في مُحاولة لطمس الحقيقة، التي تبقى ناصعة مُعمدة بالدماء.


فلسطين اليوم
منذ 6 أيام
- فلسطين اليوم
ارتفاع عدد الشُّهداء الصَّحفيين إلى 216 بعد استشهاد الصحفي حسن سمور
فلسطين اليوم - غزة ارتفع عدد الشهداء من الصحفيين إلى (216 شهيداً صحفياً) منذ بداية حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، بعد استشهاد الصحفي حسن مرزوق سمُّور. وقال المكتب الإعلامي في بيان له اليوم الخميس، إن الشهيد الصحفي سمور والذي يعمل مذيعاً ومقدم برامج في "إذاعة صوت الأقصى"، اغتاله الاحتلال بقصفٍ استهدفه مع أفراد عائلته فجر اليوم في خان يونس جنوب القطاع. وأدان بأشد العبارات استهداف وقتل واغتيال الاحتلال للصحفيين الفلسطينيين بشكل ممنهج، داعيا الاتحاد الدولي للصحفيين، واتحاد الصحفيين العرب، وكل الأجسام الصحفية في كل دول العالم إلى إدانة هذه الجرائم ، كما حمّل الاحتلال والإدارة الأمريكية المسؤولية الكاملة عن ارتكاب هذه الجريمة النَّكراء الوحشية. وطالب "الإعلامي الحكومي" المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والمنظمات ذات العلاقة بممارسة الضغط بشكل جدي وفاعل لحماية الصحفيين والإعلاميين في قطاع غزة، ووقف جريمة قتلهم واغتيالهم. بدورها، نعت نقابة الصحفيين الفلسطينيين، الزميل الصحفي حسن سمور، الذي ارتقى برفقة 11 شخصا من أفراد عائلته في مجزرة ارتكبها الاحتلال، في بلدة بني سهيلا شرق خان يونس. وقالت النقابة، إن "الاحتلال قتل 214 صحفيا وعاملا في قطاع الإعلام من بينهم 29 زميلة صحفية، وزميل واحد في محافظات الضفة هو الزميل إبراهيم محاميد الذي استُشهد في شهر فبراير 2024، كما تواصل قوات الاحتلال استهداف الصحفيين الفلسطينيين وعائلاتهم، وخاصة في قطاع غزة". وأشارت إلى إصابة ما لا يقل عن 430 صحفيا برصاص الاحتلال وصواريخه منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فيما قتل الاحتلال ما لا يقل عن 676 فردا من عائلات الصحفيين في قطاع غزة.


شبكة أنباء شفا
١١-٠٥-٢٠٢٥
- شبكة أنباء شفا
الإعلامية شيرين أبو عاقلة .. شمس الإعلام التي لا تنطفئ وصوت الحقيقة الخالد ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
الإعلامية شيرين أبو عاقلة .. شمس الإعلام التي لا تنطفئ وصوت الحقيقة الخالد ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات في مثل هذا اليوم من الحادي عشر من أيار/مايو قبل ثلاث سنوات، توقفت ساعة الحقيقة عند الدقيقة التي اخترقت فيها رصاصة الغدر جسد الصحفية المقدسية شيرين أبو عاقلة، فسقطت على تراب جنين شهيدة الكلمة الحرة، وأيقونة الصحافة الفلسطينية والعربية. لكنها لم تسقط من الذاكرة… بل نهضت من جديد في ضمير كل من لا يزال يؤمن بأن الحقيقة لا تموت، وأن صوتها، الذي كان يخترق جدران الصمت، سيبقى صداه حاضراً في كل بيت فلسطيني وعربي. شيرين لم تكن مجرّد مراسلة؛ كانت ضميراً حيّاً ينبض في جسد وطن مثخن بالجراح. كانت مرآة شعب يعاني، وصوتاً لا يهادن، وعدسة لا تنكسر. هي التي حملت المايكروفون كأنها تحمل راية، وارتدت السترة التي كُتب عليها 'PRESS' كما لو كانت درعاً يحمي نبض الحقيقة، فسارت وسط الرصاص لتقول: 'هنا فلسطين، هنا وجع الأرض، وهنا نبض الناس'. رغم السترة والخوذة، لم تحمها قوانين العالم ولا أخلاقيات المهنة، فكان القنص مقصوداً، والاستهداف مباشراً. رصاصة خارقة للدروع أنهت حياتها على مرأى العالم، لكنها لم تستطع إسكات الرسالة. فمن جنين إلى القدس، ومن رام الله إلى غزة، ومن شاشات التلفاز إلى صفحات الكتب، بقيت شيرين تحكي الحكاية… حكاية شعب يقاتل من أجل أن يُروى، ومن أجل أن يُرى. كانت تقول: 'بدها طولة نفس'، وكانت آخر كلماتها: 'أنا بنت القدس وأحب أن أراها سعيدة'. وكأنها كانت توصي بحب المدينة، وبالوفاء لها، وبالاستمرار في مهنة المتاعب التي آمنت بها حتى آخر رمق. شيرين لم تكن فقط صحفية؛ كانت ابنة القدس وسيدة فلسطين التي نطقت بلسان الصدق، ونبضت بقلب الناس. اغتيال الحقيقة… واستمرار الجريمة استشهاد شيرين أبو عاقلة لم يكن خطأً ولا مصادفة، بل جريمة مكتملة الأركان، توثّقها الرصاصة التي أُطلقت من بندقية احتلال بدم بارد، وبنية مبيّتة لإسكات صوت الحقيقة. كل التحقيقات المستقلة من كبرى المؤسسات العالمية مثل 'سي أن أن'، و'نيويورك تايمز'، و'واشنطن بوست' أكدت أن شيرين لم تكن وسط اشتباك، وأن القناص كان يعلم جيداً من تستهدف بندقيته. وبرغم وضوح الأدلة، ما زالت العدالة غائبة، وما زال الجناة أحراراً، في مشهد يعكس فشلاً أخلاقياً وقانونياً صارخاً. ورغم تقديم ملف قضيتها إلى المحكمة الجنائية الدولية في أيلول/سبتمبر 2022، لم يُفتح تحقيق رسمي حتى اليوم، في تكريس مقيت لسياسة الإفلات من العقاب. مجزرة مستمرة بحق الإعلام الفلسطيني شيرين كانت البداية فقط، ولم تكن النهاية. فمنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ارتُكبت أفظع مجزرة إعلامية عرفها التاريخ المعاصر. حيث وثّقت نقابة الصحفيين الفلسطينيين استشهاد 212 صحفياً وصحفية، واستشهاد 665 من أفراد عائلاتهم، وإصابة 178 بجروح، بعضها بترت أطرافهم، وبعضها حوّل الكاميرا إلى شاهد على الإعاقة الدائمة. واعتُقل أكثر من 180 صحفياً، ولا يزال 50 منهم خلف القضبان، بينهم 20 رهن الاعتقال الإداري، في انتهاك صارخ لحرية الصحافة، ومحاولة ممنهجة لإخراس الرواية الفلسطينية، وكأن الاحتلال لا يخاف البندقية، بل يخاف الكلمة، ويخشى من الكاميرا أكثر من الرصاصة. شيرين… حضور لا يغيب وذاكرة لا تموت في كتابه 'شيرين أبو عاقلة: قصصٌ وأسرار'، وصف الدكتور محمود الفطافطة شيرين بأنها 'شمس الإعلام التي لا تنطفئ'، وهي بالفعل كذلك. كانت صوتاً صادقاً، وقلباً نقياً، وعقلاً فذّاً، وروحاً مكرّسة لفلسطين. كانت تبكي بصمت بعد كل تغطية لجريمة، وتُطعم الأيتام، وتوزّع وجبات رمضان على روّاد المسجد الأقصى، وتحب الحياة كما تحب الوطن. شيرين قرأت السياسة بعمق، وأدركت أن الصحافة ليست حياداً حين تكون الضحية واضحة والجلاد مكشوفًا. كانت تجيد الحديث بأربع لغات، لكنها اختارت أن تتحدث بلغة الحقيقة التي يفهمها كل حر في هذا العالم. في ذكراها الثالثة: لا نرثي شيرين، بل نُجدد العهد اليوم، ونحن نحيي الذكرى الثالثة لاستشهادها، لا نبكي شيرين فقط، بل نُجدد العهد أن نبقى أوفياء لطريقها. نُقسم أن نظل حراسًا للكلمة، وأن نبقي روايتنا حية رغم محاولات الطمس، وأن نصرخ كلما حاولوا أن يُخرسوا الصوت الفلسطيني. شيرين، لن ننساكِ. ستظلين فينا، في ذاكرة كل طفل نطق باسمك، في قلب كل صحفي حمل كاميرته وذهب إلى الخطر مستلهمًا شجاعتك، وفي ضمير كل من يحلم بوطنٍ حر وكلمة صادقة. شيرين أبو عاقلة… لم تغادري، بل أصبحتِ عنواناً لأمة لا تساوم على الحقيقة.