
كيف كسرت باريس التابو
واستخدم كلمة «تابو» بكل ثقلها الأنثربولوجي الدال على «المحظور المقدس» ليكون بمثابة زلزال سياسي هز أركان الدبلوماسية الأوروبية التقليدية، لكن هذا التصريح لم يكن سوى البداية، فقد أضاف ماكرون بحذر: «إنها مسألة توقيت»، هذه الإضافة كشفت عن تحوّلٍ إستراتيجي في سياسة فرنسا: «إذ لم تعتبر الاعتراف خطًا أحمر، بل خيارًا ممكنًا في اللحظة المناسبة».
اعتبر هذا التصريح انعطافة تاريخية في مسارٍ دبلوماسي متصلب منذ عقود، فقبل حرب غزة 2023، كان الاعتراف بفلسطين في الغرب «تابو ثلاثي الأبعاد»: وصاية أمريكية تمنع أي خطوة أحادية، وعقدة «معاداة السامية» التي تحوّل أي نقد للاحتلال إلى اتهام عنصري، وأسطورة «المفاوضات أولاً» التي جعلت الدولة الفلسطينية رهينة موافقة إسرائيل،
لكن فرنسا بدأت تفكك هذا الثالوث بعد أحداث أكتوبر 2023، عندما كشفت الحرب فشل «الوصاية الإسرائيلية» على السلام، وصنعت غضبًا أوروبيًا غير مسبوق تجلى في مظاهرات عديدة في باريس.
ثم جاءت الضربة القاضية للتابو في مايو 2024، عندما سبقت إسبانيا والنرويج وأيرلندا فرنسا بالاعتراف، محطّمة جدار العزلة الأوروبية، هذا التحرك الجماعي خلق حاجزًا نفسيًا فرنسيًا جديدًا: كيف تُبقي باريس على مكانتها كقاطرة السياسة الأوروبية وهي متخلفة عن الركب؟.
وهنا يبرز الدور السعودي بوضوح، فخلال المباحثات السعودية الفرنسية في يونيو 2025، ربطت الرياض عددًا من الصفقات مع فرنسا بالتقدم في الملف الفلسطيني، ليتحول الاعتراف من مسألة مبدئية إلى مسألة مصلحة وطنية فرنسية.
كما أن هذا التحول سيحقق لفرنسا أربعة أهداف إستراتيجية متداخلة: استعادة الزعامة الأوروبية من إسبانيا، وكسب ودّ السعودية لتعزيز حصتها في استثمارات «رؤية 2030»، وإخماد غضب الضواحي الفرنسية، حيث أظهر استطلاع «لوموند» أن 72 % من الشباب تحت 35 عامًا يؤيدون الاعتراف، وأخيرًا موازنة نفوذ الدول الإقليمية عبر تقديم نفسها كحليف للعرب.
لتنفيذ هذا التحول، اتبعت فرنسا إستراتيجية «التدرج الذكي»، ففي ديسمبر 2024، رفعت مرتبة التمثيل الفلسطيني في باريس إلى «بعثة دبلوماسية كاملة»، ثم صوّتت في مارس 2025 لصالح عضوية فلسطين في الأمم المتحدة، وأخيرًا، أعلنت في يوليو 2025 الاعتراف الكامل قبيل الجمعية العامة.
اليوم، بينما تستعد فرنسا لإعلان الاعتراف الرسمي في سبتمبر 2025، فإنها تراهن على خمسة أوراق رابحة: قيادة تحالف أوروبي جديد يضم إيطاليا وبلجيكا، وحجز حصة لشركاتها في إعمار غزة، واستخدام الشرعية الدولية كورقة ضغط على إسرائيل، واحتواء الإسلام السياسي في ضواحيها، وترميم صورتها في العالم العربي بعد عقود من الدعم الفرنسي لإسرائيل.
على الأرض، سيكون للاعتراف تأثيرات عملية ملموسة، فالممرات الإغاثية المشتركة ستتجاوز العقبات الإسرائيلية في غزة، والضغط القانوني يمكن أن يتصاعد لوقف الاستيطان في الضفة الغربية، مستندًا إلى قرار مجلس الأمن 2334، أما في المحافل الدولية، فسيحدث تحوّل جوهري: من التعامل مع فلسطين كـ«قضية إنسانية» إلى الاعتراف بها كـ«دولة ذات سيادة» في أروقة محكمة الجنايات الدولية.
هذه اللحظة التاريخية تمثل تتويجًا لسياسة فرنسية تعود جذورها إلى خطاب ديغول الشهير عام 1967، عندما وصف إسرائيل بـ«الدولة المحتلة»، لكن الفرق اليوم أن فرنسا لم تعد تقف وحدها، فالسعودية - من خلال دبلوماسيتها الاقتصادية الذكية - قدمت «الغطاء السياسي» الذي جعل كسر التابو ممكنًا، والدرس الأعمق هنا أن المصالح حين تلتقي بالمبادئ، والقوة الناعمة حين تدعمها إرادة سياسية، يصبح المستحيل مجرد تابع للزمن.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رواتب السعودية
منذ 4 ساعات
- رواتب السعودية
البرلمان السلفادوري يقوم بعمل تعديلات تسمح للرئيس ..نجيب بوقيلة.. بأن يصبح رئيساً
نشر في: 2 أغسطس، 2025 - بواسطة: علي احمد البرلمان السلفادوري يقوم بعمل تعديلات تسمح للرئيس ..نجيب بوقيلة.. بأن يصبح رئيساً للبلاد إلى الأبد. يُذكر أن بوقيلة من أصول فلسطينية، فوالده اعتنق الإسلام وأصبح إمام مسجد وزوجته من أصول يهودية، أما نجيب فهو مسيحي كاثوليكي. المصدر : إياد الحمود | منصة x

سعورس
منذ 13 ساعات
- سعورس
مؤتمر نيويورك يُلجم الظواهر الصوتية؟!
ما يحدث أوجع العالم، وبالذات من يريدون حقا للفلسطيني أن ينعم بأرضه واستقلاله وحريته، والأكيد أن ليس هناك من يريد ذلك إلا من أعلنها صراحة لبدء علاقة عنوانها إعطاء الفلسطينيين حقوقهم أولا وتوثيقها ثانيا وعدم التراجع عنها ثالثا.. فهل هناك غير المملكة العربية السعودية من فعل ذلك وأقنع العالم بالحقوق والمواقف وفق تأثير كبير كان أول نتاجه الموقف الفرنسي باعترافها بدولة فلسطين. هناك سبب وحيد يجعل من العالم يتحول من موقف "لا.. أسمع.. لا .. أرى.. لا أتكلم" وهم يشاهدون فيالق الجيش الإسرائيلي تقتل الفلسطينيين في المستشفيات والمدارس والشوارع غير منازلهم التي كانوا يعتقدون أنها أمنة.. تتحدى العالم بمساعدة آلة إعلامية غربية ضخمة تساندها وتُداري على سوءتها، لكن هذا الأمر لم يكن ليستمر طويلا في ظل المتغيرات الكبيرة إعلاميا، ناهيك عن العمل السياسي الذي يتطلبه الأمر لأجل إعادة المواقف وهو ما عبر عنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان جليا حينما قال: "إن المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية". السعودية بلد الأفعال، أما ما يذهب إلى الظواهر الصوتية فتتركه لأرباب الفضائيات والمعنيين بالمصالح الشخصية من العرب وغيرهم، ولا أدل على ذلك من التواجد الحالي للأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية في مدينة نيويورك ، للمشاركة في ترؤس المؤتمر الدولي الرفيع المستوى حول التسوية السلمية لقضية فلسطين ، وتنفيذ «حل الدولتين» على المستوى الوزاري، الذي ترأسه المملكة بالشراكة مع فرنسا ، وهل من فعل أكبر من ذلك وفي مقر بيت العالم الأمم المتحدة وبمشاركة حليفتها في المسار فرنسا. هنا تنجلى كل التبعات والادعاءات حول التوجه الفرنسي فمن أخذ بيد هذه الدولة الكبرى هو من يشاركها رئاسة المؤتمر، وفق أفعال.. لا أقوال فقط.. من أهما طرح مسار زمني يؤسس لدولة فلسطينية ذات سيادة، وينهي الاحتلال على أرضها على أساس حل عادل ودائم وفقاً لمبادرة السلام العربية والقرارات الأممية ذات الصلة، ووفق الأجندة السعودية الفرنسية المهتمة بالتركيز خلال المؤتمر وخلال أيام انعقاده على الإجراءات العملية لدعم التسوية السلمية بشكل عاجل، ووضع أسس حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية يوقف دائرة العنف المستمرة في المنطقة، ويسهم في استقرار أمنها الإقليمي، وينهي معاناة الشعب الفلسطيني ، ويعيد له حقوقه المشروعة في تجسيد دولته الفلسطينية المستقلة. الآن يدرك كل ذي عقل أين مكمن التأثير والقدرة على التغيير، هل هي تلك الشعارات البالية التي تلاعبت باسم فلسطين والقدس؟ أم العمل السعودي الذي وقف له العالم مُحييا وداعما، والعالم يثق بأن القائد السعودي الشاب الأمير محمد بن سلمان -وفقه الله- سيكون بإذن الله عرّاب السلام ومطلق الاستقرار في الشرق الأوسط وفق رؤية سياسية رأى فيها أصحاب القرار في العالم أنها عنوان أمثل لمستقبل أفضل.


Independent عربية
منذ 13 ساعات
- Independent عربية
فنلندا مستعدة للاعتراف بدولة فلسطينية
أعرب الرئيس الفنلندي ألكسندر ستاب عن استعداده للموافقة على الاعتراف بدولة فلسطينية في حال تقدمت الحكومة بمثل هذا الاقتراح. وتعهدت دول عدة، بينها فرنسا وكندا، بالاعتراف بدولة فلسطين بالتزامن مع دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة المقرّر عقدها في سبتمبر (أيلول) المقبل. وكتب ستاب في منشور على منصة "إكس" أمس، "قرارات فرنسا وبريطانيا وكندا تعزز التوجه نحو الاعتراف بفلسطين، في إطار الجهود الرامية إلى إحياء عملية السلام". وعلى رغم أن الرئيس الفنلندي المُنتخب لولاية من ستة أعوام يتمتع بصلاحيات محدودة، إلا أنه يشارك في تنسيق السياسة الخارجية للبلاد بالتعاون الوثيق مع الحكومة. وأضاف ستاب "إذا تلقيت اقتراحاً للاعتراف بدولة فلسطين، فأنا مستعد للموافقة عليه"، مندداً بـ"الوضع غير الإنساني" في قطاع غزة، وأشار إلى أنه يُدرك وجود "آراء متباينة" لدى الفنلنديين حيال الاعتراف بدولة فلسطينية، إضافة إلى "مخاوف"، داعياً إلى "نقاش منفتح وصادق". ويُعارض حزبا "الفنلنديون الحقيقيون" اليميني المتطرف و"الديمقراطيون المسيحيون" الاعتراف بفلسطين. من جهته، جدد رئيس الوزراء الفنلندي بيتيري أوربو اليوم، تأكيد دعم هلسنكي لحل الدولتين، من دون أن يحدد ما إذا كانت حكومته تعتزم المضي قدماً في الاعتراف بدولة فلسطينية. وأوضح أن المشاورات مع الرئيس حول السياسة الخارجية وقضايا الشرق الأوسط ستتواصل حتى موعد انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية سبتمبر المقبل. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) توضيحات ألمانية إلى ذلك، سعى وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول إلى التخفيف من حدة تعليقاته السابقة حول موقف بلاده من الدولة الفلسطينية خلال رحلة إلى الضفة الغربية اليوم الجمعة، قائلاً إن برلين ليست لديها خطط فورية للاعتراف بدولة فلسطينية. ويأتي تعليق فاديفول في أعقاب انتقادات حادة من مسؤولين إسرائيليين بسبب مقترحه السابق، قبل مغادرته للزيارة، بأن ألمانيا قد ترد على أي إجراءات إسرائيلية أحادية الجانب بالاعتراف بدولة فلسطينية. وكان إيتمار بن غفير الوزير المنتمي إلى تيار اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية كتب على منصة "إكس"، "بعد 80 عاماً من المحرقة النازية (الهولوكوست)، تعود ألمانيا إلى دعم النازية". وبعد لقاء فاديفول مع وزير الخارجية الإسرائيلي ورئيس الوزراء والرئيس الإسرائيلي مساء أمس الخميس، أوضح اليوم أن ألمانيا لا تخطط للاعتراف بدولة فلسطينية بعد "لأن هذه إحدى الخطوات النهائية التي يجب اتخاذها" في إطار حل الدولتين. وتسلط محاولة فاديفول لتوضيح تصريحاته الضوء على الصعوبة التي تواجهها ألمانيا منذ فترة طويلة في اتخاذ موقف واضح من هذه القضية، لأنها عالقة بين الضغوط الدولية المتزايدة لمحاسبة إسرائيل على أفعالها والتزامها بعد المحرقة بضمان أمن إسرائيل. ودعا إسرائيل إلى ضمان تأمين وصول منظمات الأمم المتحدة من أجل إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، قائلاً إن القيود الحالية تفاقم الأزمة، وتابع "يجب أن تنتهي الكارثة الإنسانية في غزة الآن"، مشدداً على أن توزيع المساعدات من خلال الأمم المتحدة كان يجري بفاعلية لفترة طويلة ويجب استئنافه من دون عوائق. الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال استقباله وزير الخارجية الألماني في رام الله (رويترز) وذكر أن ألمانيا ستقدم 5 ملايين يورو (5.7 مليون دولار) إضافية لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة لدعم المخابز والمطابخ وتمويل مستشفى ميداني في مدينة غزة. ورداً على سؤال حول مخاوف إسرائيل إزاء إمكانية تحويل حركة "حماس" مسار المساعدات، أقر فاديفول بأن إساءة استخدام المساعدات لا يمكن استبعادها بصورة كاملة، لكنه قال إن ذلك ليس سبباً لعرقلة جهود الإغاثة، وأضاف "أفضل طريقة لمنع 'حماس' من إساءة استخدام الإمدادات هي تقديم مزيد من المساعدات وضمان تغطية السكان بالكامل". وندد بالعنف المتزايد من المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، قائلاً إن برلين ستواصل الضغط على المستوى الأوروبي لفرض عقوبات على المستوطنين الذين ينفذون أعمال عنف.