logo
"حزب الله" يتمرد على قرار نزع سلاحه: "قنبلة صوتية" أم حرب قريبة؟

"حزب الله" يتمرد على قرار نزع سلاحه: "قنبلة صوتية" أم حرب قريبة؟

Independent عربيةمنذ 15 ساعات
لا يمكن فصل موقف "حزب الله" من قرار نزع سلاحه الذي صدر علانية عن الحكومة اللبنانية في جلستيها الأخيرتين، عن الاستراتيجية الإيرانية الكبرى في مواجهة الغرب وإسرائيل، فـحركة "حماس" تتحرك ضمن قرار يتناغم مع هذا الإيقاع الإقليمي، إذ يعاد تنشيط "محور الممانعة" كجبهة واحدة. وتصريح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قبل ساعات لم يكُن زلة لسان، بل إعلاناً متعمداً عن نية إيران في إبقاء النار مشتعلة، وتأكيداً أن القرار في بيروت وغزة ليس وطنياً خالصاً، بل إنه خاضع لتنسيق أعلى.
وفجر "حزب الله" أمس الأربعاء "قنبلة صوتية" عبر بيانه الذي أعلن فيه أنه سيتعامل مع قرار الحكومة اللبنانية بتجريده من سلاحه "كأنه غير موجود"، متهماً إياها بارتكاب "خطيئة كبرى"، غداة تكليفها الجيش وضع خطة لنزع سلاحه قبل نهاية العام، في خطوة وصفها خصومه بـ"التاريخية"، فيما كانت الحكومة اللبنانية وعلى مدى جلستين متتاليتين أكدت نيتها وإصرارها على المضي في حصرية السلاح، على رغم اعتراض الوزراء الشيعة وانسحابهم من الجلسة.
خلفيات موقف "حزب الله" من قرار الحكومة اللبنانية
لكن بالنسبة إلى الحزب، لم يكن هذا القرار مجرد إجراء إداري أو إصلاحي، بل محاولة صريحة لإزاحته من المعادلة السياسية والعسكرية اللبنانية، وربما خطوة تمهيدية لتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة. من هنا، لم يأتِ موقفه الرافض لقرارات الحكومة اللبنانية مجرد رد فعل تقليدي على طرح داخلي، بل عبّر عن لحظة مفصلية في اشتباك طويل بين مشروعين متصادمين داخل الدولة اللبنانية، مشروع "الدولة السيدة" التي تحتكر السلاح والقرار الأمني، ومشروع الحزب الذي يقدم نفسه على أنه حارس للسيادة خارج مؤسسات الدولة. ويرتكز موقفه على جملة من القناعات التي تشكل أساس رؤيته لدوره في لبنان، وأبرزها الاعتقاد بأن سلاحه لا يزال ضرورياً، بخاصة في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ لبنانية وغياب ضمانات دولية حقيقية تردع إسرائيل عن أي عدوان مستقبلي ورفضه لما يسميه "الإملاءات الخارجية"، ولا سيما عندما ترتبط بضغط أميركي، إذ يرى أن القرارات التي تأتي نتيجة ضغوط دولية تفتقر إلى الشرعية الوطنية.
الحزب يعلنها "مواجهة صريحة"
ويرتكز موقف الحزب على تراكمات تاريخية وأمنية عميقة، أهمها إرثه بعد الاحتلال الإسرائيلي (1982-2000)، فيعتبر أن شرعية سلاحه انطلقت من تجربة قتال ناجحة، أسفرت عن انسحاب إسرائيل من الجنوب عام 2000، وهو يرى أن الدولة لم تكُن قادرة وحدها على تحقيق هذا الإنجاز. ويبني الحزب خطابه على قناعة أن الجيش اللبناني على رغم وطنيته، لا يمتلك القدرة ولا القرار السياسي لخوض مواجهة حقيقية مع إسرائيل، خصوصاً في ظل الانقسامات الطائفية والضغوط الدولية.
وأهم من ذلك كله أن "حزب الله" لا يتحرك من فراغ، بل ضمن محور إقليمي تقوده إيران ويضم "حماس" والحوثيين وقوى شيعية في العراق وسوريا. ومن هنا، فإن نزع سلاحه لا يفهم داخل الحزب كمسألة لبنانية، بل كضربة مباشرة للنفوذ الإيراني في الإقليم.
وبعد الحرب الأخيرة بينه وإسرائيل (2023–2024)، وعلى خلفية فتحه للجبهة الجنوبية بما عرف بـ"حرب الإسناد" والخسائر غير المسبوقة التي مني بها على الصعيدين العسكري والاجتماعي وتخلخل جسده التنظيمي، شعر الحزب بأن مشروع "تحييده" بات جدياً وأن هناك إرادة دولية، مدعومة محلياً، لإخراجه من موقعه كلاعب أمني موازٍ للدولة، بعد نجاح واشنطن في دفع بيروت إلى إعادة تموضع سياسي وأمني.
فجاء موقفه من قرار الحكومة الأخير بلهجة غير معتادة في حدة التعبير السياسي اللبناني، حين وصف القرار بأنه "خطيئة كبرى"، وحين أعلن صراحة أنه "سيتعامل معه وكأنه غير موجود"، فإن ذلك لا يعني فقط الرفض، بل إعلان مواجهة صريحة، وإن كانت حتى اللحظة محكومة بسقف الردع. والحزب لم يهادن، بل رفض القرار رفضاً قاطعاً، بوصفه إياه بأنه "خطيئة كبرى ترتكبها الحكومة اللبنانية، تخدم فقط العدو الإسرائيلي"، مؤكداً أنه لن يقبل بمبدأ نزع سلاحه.
وفي المقابل، تعتبر الحكومة أن استمرار وجود سلاح خارج سلطة الدولة يعرقل الإصلاح ويمنع المؤسسات من استعادة هيبتها ويبقي لبنان رهينة لصراعات خارجية لا ناقة له فيها ولا جمل.
المواقف السياسية الداخلية
وتكشف الأزمة عن هشاشة التوازن الداخلي في البلاد وتضع الدولة أمام خيارين صعبين، إما فرض السيادة بصورة أحادية ومتصادمة، أو الدخول في حوار وطني شامل يأخذ في الاعتبار خصوصية الوضع اللبناني وتعقيداته الطائفية والإقليمية. وأدى القرار الحكومي إلى انقسام حاد داخل الساحة اللبنانية، حيث يرى مؤيدو القرار أنه خطوة نحو بسط سيادة الدولة وإنهاء الازدواجية العسكرية التي يعيشها لبنان منذ عقود. أما المعارضون، بخاصة جمهور "حزب الله" وحلفائه، فيعتبرونه تهديداً مباشراً للحزب وانحيازاً سافراً للمطالب الغربية والإسرائيلية. وكان أن انسحب بعض الوزراء المحسوبين على "الثنائي الشيعي" ("أمل" و"حزب الله") من جلسات مجلس الوزراء، تعبيراً عن رفضهم لما سمّوه "انقلاباً سياسياً"، في حين مثل القرار برأي الحزب، انحرافاً خطراً عن الميثاق الوطني وتهديداً لميزان القوى في لبنان.
لكن ماذا وراء هذا التصعيد؟ هل هو ناتج من ضعف، أم خطة استراتيجية أوسع؟ وهل لإيران دور مباشر في دفع الحزب نحو هذا الموقف، وسط تصعيد موازٍ تشهده غزة وتهديدات صريحة من طهران؟ وهل نحن أمام مرحلة تحول نحو مواجهة مفتوحة، أم مجرد رسائل نارية موقتة؟
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كل هذه الأسئلة تقودنا إلى تحليل السيناريوهات المتوقعة واستكشاف الدوافع الإيرانية وتكتيكات "محور الممانعة" في هذه المرحلة الحساسة.
من المسلم به أن القرار جاء في خضم لحظة إقليمية بالغة الحساسية، إذ تتقاطع الملفات اللبنانية والفلسطينية والإيرانية في مشهد متشابك لا يمكن فصله عن التوقيت السياسي والدولي الحالي. من هنا لا بد من ربط موقف الحزب إزاء قرار الحكومة اللبنانية بنزع سلاحه، بسياق تصعيد "حماس" الأخير في غزة وتصريحات عراقجي المثيرة للجدل.
التصريح الإيراني في توقيت حساس
وقال الوزير الإيراني حرفياً إن "طهران تدعم الحزب من دون تدخل... والسعي إلى نزع السلاح ليس موضوعاً جديداً، فقد جرت محاولات مماثلة في السابق، وأسبابها معروفة، إذ أثبت سلاح المقاومة فاعليته للجميع في ساحة المعركة". وتابع "أعيد تنظيم صفوف 'حزب الله' وهو يمتلك الإمكانات اللازمة للدفاع عن نفسه". وأشار عراقجي إلى أن "القرار النهائي حول الخطوات المقبلة بيد 'حزب الله' نفسه، وإيران بوصفها جهة داعمة تسانده من دون أي تدخل في قراراته".
وجوبهت تصريحات عراقجي بموجة تنديدات واسعة على الصعد السياسية والإعلامية والشعبية في الداخل اللبناني، وإذ اعتبر بعضهم أن تصريح الوزير الإيراني تخطى الأصول الدبلوماسية، ذهب بعضهم الآخر إلى وصف التصريح بأنه "وقح"، ذلك أن ما ورد على لسان عراقجي لم يكُن مجرد رأي، بل كان تدخلاً سافراً في الشأن اللبناني الداخلي، وتبنياً واضحاً لفصيل مسلح خارج مؤسسات الدولة. وطالب بعضهم الحكومة اللبنانية باستدعاء السفير الإيراني فوراً ومساءلته رسمياً. فما قاله عراقجي ليس دعماً سياسياً وحسب، بل مساً مباشراً بالسيادة وإعلان رفض لقرارات الدولة ومؤسساتها الدستورية. وبرأي بعض المتابعين أن هذا التصريح فيه تصعيد سياسي صارخ، ويعبر عن تبنٍّ علني لـ"حزب الله" كأداة إيرانية مباشرة ورفض ضمني للسيادة اللبنانية، عندما يقال إن "الخطوات بيد الحزب"، وليس الدولة.
تصعيد متزامن بين "حماس" و"حزب الله"
ولا يخرج ما يحدث في لبنان عن سياق قرار "حماس" باستئناف العمليات العسكرية في غزة، كرد على فشل الوساطات الإنسانية وعودة الاغتيالات الإسرائيلية. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صرّح بأن تل أبيب قبلت مقترح المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف ومقترح الوسطاء لإنجاز صفقة التبادل، لكن "حماس" رفضتهما. وتابع نتنياهو أن الحركة "رفضت مقترح الصفقة، وتصر على البقاء في غزة وإعادة التسلح وهذا غير مقبول". وذكرت "هيئة البث الإسرائيلية" (مكان) اليوم الخميس أن من المتوقع مصادقة المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت)، في وقت لاحق اليوم، على خطة عسكرية تقضي بالسيطرة العسكرية على كامل مساحة قطاع غزة.
وما يلاحظ هو أن هذا التصعيد جاء متزامناً، بل متوازياً زمنياً وتكتيكياً مع موقف "حزب الله"، مما يدعو إلى التساؤل، هل هناك تنسيق ضمني أو مباشر بين الجبهتين؟
ما الدوافع الإيرانية الحقيقية الآن؟
معلوم أن إيران لا تتحرك انفعالياً، فكل خطوة في استراتيجيتها الإقليمية تخضع لحسابات دقيقة، ويمكن تلخيص الدوافع الإيرانية الحالية تجاه التصعيد في محاور عدة، إذ ترى طهران أن التوقيت الدولي مناسب، فالغرب منشغل بأزمات داخلية والحرب بين روسيا وأوكرانيا، والإدارة الأميركية الحالية تعمل على محاولة تثبيت السياسات الجديدة ورسم ملامح التعامل مع الملفات الدولية الكبرى، ومن بينها إيران نفسها وملفها النووي و"حزب الله" والنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي وأمن الطاقة في شرق المتوسط، وتظهر تردداً متزايداً في خوض مواجهات مفتوحة في الشرق الأوسط، خصوصاً بعد فشلها في تحييد الحوثيين في اليمن بصورة كاملة.
من هنا، ترى طهران أن الظروف باتت مواتية لتذكير العالم بأن "محور الممانعة" ما زال قادراً على الفعل وأن تطويقه أو تجريده من أدواته لن يمر من دون رد، وأنها في طور استعادة زمام المبادرة بعد الضربات النوعية المتتالية التي تعرضت لها أخيراً، ولا سيما خلال الحرب بينها وإسرائيل، كاغتيال علماء نوويين وقادة من الحرس الثوري والاختراقات الأمنية واستهداف مواقع لها في سوريا والعراق.
اختبار لردود الفعل الدولية
عند هذه النقطة، تسعى طهران وعبر "حزب الله" وغزة، إلى رد الاعتبار المعنوي والعسكري من دون التورط المباشر في مواجهة مفتوحة. وهي في هذا تمنع أية تسوية إقليمية على حسابها، فهناك مساعٍ أميركية لتثبيت تسويات مع بعض الدول العربية حول ملفات الحدود والطاقة. وتحاول إيران عرقلة أي توافق إقليمي قد يعزلها، أو يحد من نفوذها على الساحة اللبنانية أو الفلسطينية.
بالتالي، يأتي استخدام "حزب الله" و"حماس" كأدوات "تشويش استراتيجي" على هذه التسويات، وبالتوازي تعمل على خنق أي مشروع لبناني لتجريد الحزب من قوته من دون إطلاق رصاصة، والإبقاء على حال "الدولة الضعيفة والمقاومة القوية"، أي إبقاء الورقة اللبنانية بيدها من دون خسائر ميدانية، فضلاً عن إظهار أن الجبهتين، غزة والجنوب اللبناني، متصلتان تحت قيادتها، وتصدير صورة أن "أية حرب على غزة ستفتح جبهة لبنان"، وهي بهذا تختبر ردود الفعل الدولية والأميركية والإسرائيلية تحديداً. في المقابل، قد تكون إيران تمارس ضغطاً خفياً على "حزب الله" لتجنب التصعيد العسكري مقابل مكاسب سياسية لاحقاً، مما قد يفتح باباً لحوار داخلي لبناني حول "استراتيجية دفاعية"، تؤدي إلى تسوية رمزية لا تمس جوهر سلاح الحزب، ولكن تخفف حدة الموقف. فيقدم الحزب "تنازلات شكلية" مثل تسليم بعض المواقع إلى الجيش اللبناني، مقابل وقف الحملة الحكومية عليه.
في المحصلة، لا يمكن فصل موقف "حزب الله" من قرار نزع سلاحه عن الاستراتيجية الإيرانية الكبرى في مواجهة الغرب وإسرائيل. فـ"حماس" تتحرك ضمن قرار يتناغم مع هذا الإيقاع الإقليمي، حيث يعاد تنشيط "محور الممانعة" كجبهة واحدة. وتصريح وزير الخارجية الإيراني لم يكُن زلة لسان، بل إعلاناً متعمداً عن نية إيران في إبقاء النار مشتعلة، وتأكيداً أن القرار في بيروت وغزة ليس وطنياً خالصاً، بل خاضعاً لتنسيق أعلى.
فهل الحرب مقبلة؟
من المحتمل ألا نكون على أعتاب حرب كبيرة، لكننا بالتأكيد أمام مرحلة تصعيد واسع النطاق، يتضمن مواجهات محدودة على الأرض ورسائل سياسية قوية وسعي إيراني إلى تثبيت معادلة مفادها بأن "السلاح لن ينزع والمقاومة باقية والتسويات تمر من طهران، أو لا تمر". لكن المنطقة كلها تقف على حافة انزلاق غير محسوب، وأي خطأ ميداني أو اغتيال كبير قد يؤدي إلى تغيير قواعد اللعبة بصورة مفاجئة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أيال زامير قائد الأركان المعارض للسيطرة الكاملة على غزة
أيال زامير قائد الأركان المعارض للسيطرة الكاملة على غزة

Independent عربية

timeمنذ 5 ساعات

  • Independent عربية

أيال زامير قائد الأركان المعارض للسيطرة الكاملة على غزة

انضم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير، الذي يعارض السيطرة الكاملة على قطاع غزة، إلى صف طويل من الجنرالات الذين اختلفوا مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. قال زامير لنتنياهو خلال اجتماع محتدم يوم الثلاثاء الماضي إنه يخشى من تعريض حياة الرهائن المتبقين للخطر، ومن تبعات جر الجيش المنهك للبقاء طويلاً في قطاع غزة، على رغم أنه من المتوقع أن يسيطر على المناطق المتبقية من القطاع المحاصر إذا صدرت له الأوامر بذلك. وفي تصريحات أدلى بها أمس الخميس في وقت كان مجلس الوزراء الأمني المصغر يستعد فيه للاجتماع مع نتنياهو، دافع زامير عن حقه في إبداء الرأي نيابة عن الجيش، ووصف ثقافة النقاش بأنها "جزء لا يتجزأ من تاريخ الشعب اليهودي". لكنه قال أيضاً إن بوسع الجيش الآن ترسيخ واقع أمني جديد على الحدود، وأضاف "هدفنا هو هزيمة 'حماس'، ومواصلة العمل مع وجود رهائننا في صدارة اهتماماتنا". أما صورته في أعين الفلسطينيين فتبدو مختلفة تماماً، إذ عرفوه بالفعل خلال أحداث شهدها القطاع في عام 2018، وقتل فيها أكثر من 150 شخصاً، والآن يعتبرونه مهندس الدمار الشامل في القطاع. مهمة صعبة يرى مايكل ميلشتين، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه دايان للأبحاث الشرق الأوسطية والأفريقية في جامعة تل أبيب، أن "التحدي الذي يواجهه (زامير) الآن، الذي يتمثل في الترويج لمبدأ أو سياسة لا يدعمها حقاً، سيكون بالغ الصعوبة". ومع ذلك، يقول ميلشتين إن زامير في وضع يؤهله للدفاع عن وجهة نظره بصفته السكرتير العسكري السابق لنتنياهو، الذي رقاه بعد ذلك إلى نائب رئيس هيئة الأركان العامة في 2018، ثم رئيساً للأركان في مطلع هذا العام. وأضاف أنه بخلاف بعض كبار قادة الجيش الآخرين، لم تشب سمعة زامير شائبة في ما يتعلق بالأخطاء الأمنية الكارثية التي مكنت حركة "حماس" من قيادة هجوم عبر الحدود في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، الذي ينظر إليه على أنه أسوأ فشل عسكري لإسرائيل. تأييد شعبي ويقود زامير الجيش أيضاً في وقت يتمتع فيه الآن بقدر كبير من التأييد الشعبي بعد توجيه ضربات قاصمة لجماعة "حزب الله" اللبنانية العام الماضي، والقضاء على جزء كبير من البرنامج النووي الإيراني وقيادات "الحرس الثوري" في يونيو (حزيران) الماضي. أعاد حجم نجاحات إسرائيل في الصراعين ترسيخ سمعتها باعتبارها القوة العسكرية المهيمنة في الشرق الأوسط، مما فجر موجة من "الفخر الوطني" بسبب الضربات القاصمة التي وجهت لـ"حزب الله" وإضعاف إيران. وعلى رغم أن الانقسامات السياسية الداخلية انعكست في أن الثقة بنتنياهو لم تتجاوز 40 في المئة في استطلاع رأي أجري الشهر الماضي، كان أكثر من 68 في المئة من المشاركين في ذلك الاستطلاع يثقون بزامير. لكن في الوقت نفسه، تعرض الجيش الإسرائيلي لانتقادات متزايدة من الخارج، بما في ذلك من حلفاء غربيين رئيسين، بسبب إدارته للحرب في قطاع غزة في ظل الدمار الهائل وشبح المجاعة وسقوط عدد كبير من القتلى والمصابين المدنيين. ووسع زامير بالفعل نطاق الحرب على قطاع غزة منذ أن حل محل هرتسي هاليفي، الذي استقال من المنصب في يناير (كانون الثاني) الماضي، بسبب تبعات الهجوم الذي شنته "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وبعد أن انتهكت إسرائيل وقف إطلاق النار مع "حماس" في مارس (آذار) الماضي، صعدت عملياتها البرية في أنحاء قطاع غزة، وقال زامير في خطاب للقوات "سنواصل حتى نكسر قدرة العدو القتالية، حتى نهزمه أينما عملنا". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) جندي دبابة بدأ زامير مسيرته العسكرية الطويلة في سلاح المدرعات، بعد انضمامه إليه في عام 1984، بقيادة الدبابات، في وقت كانت فيه القوات الإسرائيلية منغمسة بشدة في احتلالها جنوب لبنان. وأدار لاحقاً وحدة للتدريب والعقيدة العسكرية، مساهماً في صياغة الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي، قبل أن يتولى قيادة اللواء السابع في الجيش ثم الفرقة 36. وبصفته قائداً للقيادة الجنوبية بين عامي 2015 و2018 كان مسؤولاً عن كيفية تعامل الجيش مع احتجاجات أسبوعية استمرت لأشهر، وشارك فيها آلاف من سكان غزة الذين كانوا يقتربون من السياج الأمني مع إسرائيل. وفرضت إسرائيل الحصار الجزئي على البضائع والأفراد منذ عام 2005، ثم أقامت السياج عندما سحبت جيشها ومستوطنيها من القطاع الساحلي. وقتل أكثر من 150 محتجاً خلال تلك التجمعات الأسبوعية، وبينما قال الفلسطينيون إن القتلى كانوا من العزل، بينما وصفتهم إسرائيل بمثيري الشغب. وقال باسل، مكتفياً بذكر اسمه الأول، في اتصال هاتفي "بالنسبة إلينا لا فرق بين القيادات الإسرائيلية، زامير مثله مثل الآخرين مجرم حرب". وباسل من سكان غزة وكان يبلغ من العمر 16 سنة، عندما أصيب في احتجاجات عام 2018. بين القيادتين السياسية والعسكرية في المقابل، أشاد نتنياهو ووزراء إسرائيليون بسجل زامير الحافل عند تعيينه، لكن سرعان ما ظهرت صعوبة الموازنة بين مطالب القيادة السياسية واحتياجات جيش منهك. وبحلول أبريل (نيسان) الماضي كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية تنشر تقارير عن صدامات بين رئيس هيئة الأركان ووزراء بالحكومة، وخصوصاً من ينتمون إلى اليمين المتطرف في الائتلاف الحاكم، الذين طالبوا بنهج أكثر صرامة في غزة. ومنذ بداية الحرب يعبر جنرالات إسرائيليون عن مخاوفهم من صراع مفتوح مع استدعاء قوات الاحتياط مراراً، وتولي الجيش إدارة جيب مدمر يقطنه سكان ساخطون. وقال ميلشتين "من الناحية العسكرية، مهمة احتلال غزة ليست بأكملها معقدة، لكن من الواضح تماماً أنه بمجرد اكتمال هذا الاحتلال سيكون جيش الدفاع الإسرائيلي مسؤولاً عن مليوني فلسطيني".

"حزب الله" يتمرد على قرار نزع سلاحه: "قنبلة صوتية" أم حرب قريبة؟
"حزب الله" يتمرد على قرار نزع سلاحه: "قنبلة صوتية" أم حرب قريبة؟

Independent عربية

timeمنذ 15 ساعات

  • Independent عربية

"حزب الله" يتمرد على قرار نزع سلاحه: "قنبلة صوتية" أم حرب قريبة؟

لا يمكن فصل موقف "حزب الله" من قرار نزع سلاحه الذي صدر علانية عن الحكومة اللبنانية في جلستيها الأخيرتين، عن الاستراتيجية الإيرانية الكبرى في مواجهة الغرب وإسرائيل، فـحركة "حماس" تتحرك ضمن قرار يتناغم مع هذا الإيقاع الإقليمي، إذ يعاد تنشيط "محور الممانعة" كجبهة واحدة. وتصريح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قبل ساعات لم يكُن زلة لسان، بل إعلاناً متعمداً عن نية إيران في إبقاء النار مشتعلة، وتأكيداً أن القرار في بيروت وغزة ليس وطنياً خالصاً، بل إنه خاضع لتنسيق أعلى. وفجر "حزب الله" أمس الأربعاء "قنبلة صوتية" عبر بيانه الذي أعلن فيه أنه سيتعامل مع قرار الحكومة اللبنانية بتجريده من سلاحه "كأنه غير موجود"، متهماً إياها بارتكاب "خطيئة كبرى"، غداة تكليفها الجيش وضع خطة لنزع سلاحه قبل نهاية العام، في خطوة وصفها خصومه بـ"التاريخية"، فيما كانت الحكومة اللبنانية وعلى مدى جلستين متتاليتين أكدت نيتها وإصرارها على المضي في حصرية السلاح، على رغم اعتراض الوزراء الشيعة وانسحابهم من الجلسة. خلفيات موقف "حزب الله" من قرار الحكومة اللبنانية لكن بالنسبة إلى الحزب، لم يكن هذا القرار مجرد إجراء إداري أو إصلاحي، بل محاولة صريحة لإزاحته من المعادلة السياسية والعسكرية اللبنانية، وربما خطوة تمهيدية لتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة. من هنا، لم يأتِ موقفه الرافض لقرارات الحكومة اللبنانية مجرد رد فعل تقليدي على طرح داخلي، بل عبّر عن لحظة مفصلية في اشتباك طويل بين مشروعين متصادمين داخل الدولة اللبنانية، مشروع "الدولة السيدة" التي تحتكر السلاح والقرار الأمني، ومشروع الحزب الذي يقدم نفسه على أنه حارس للسيادة خارج مؤسسات الدولة. ويرتكز موقفه على جملة من القناعات التي تشكل أساس رؤيته لدوره في لبنان، وأبرزها الاعتقاد بأن سلاحه لا يزال ضرورياً، بخاصة في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ لبنانية وغياب ضمانات دولية حقيقية تردع إسرائيل عن أي عدوان مستقبلي ورفضه لما يسميه "الإملاءات الخارجية"، ولا سيما عندما ترتبط بضغط أميركي، إذ يرى أن القرارات التي تأتي نتيجة ضغوط دولية تفتقر إلى الشرعية الوطنية. الحزب يعلنها "مواجهة صريحة" ويرتكز موقف الحزب على تراكمات تاريخية وأمنية عميقة، أهمها إرثه بعد الاحتلال الإسرائيلي (1982-2000)، فيعتبر أن شرعية سلاحه انطلقت من تجربة قتال ناجحة، أسفرت عن انسحاب إسرائيل من الجنوب عام 2000، وهو يرى أن الدولة لم تكُن قادرة وحدها على تحقيق هذا الإنجاز. ويبني الحزب خطابه على قناعة أن الجيش اللبناني على رغم وطنيته، لا يمتلك القدرة ولا القرار السياسي لخوض مواجهة حقيقية مع إسرائيل، خصوصاً في ظل الانقسامات الطائفية والضغوط الدولية. وأهم من ذلك كله أن "حزب الله" لا يتحرك من فراغ، بل ضمن محور إقليمي تقوده إيران ويضم "حماس" والحوثيين وقوى شيعية في العراق وسوريا. ومن هنا، فإن نزع سلاحه لا يفهم داخل الحزب كمسألة لبنانية، بل كضربة مباشرة للنفوذ الإيراني في الإقليم. وبعد الحرب الأخيرة بينه وإسرائيل (2023–2024)، وعلى خلفية فتحه للجبهة الجنوبية بما عرف بـ"حرب الإسناد" والخسائر غير المسبوقة التي مني بها على الصعيدين العسكري والاجتماعي وتخلخل جسده التنظيمي، شعر الحزب بأن مشروع "تحييده" بات جدياً وأن هناك إرادة دولية، مدعومة محلياً، لإخراجه من موقعه كلاعب أمني موازٍ للدولة، بعد نجاح واشنطن في دفع بيروت إلى إعادة تموضع سياسي وأمني. فجاء موقفه من قرار الحكومة الأخير بلهجة غير معتادة في حدة التعبير السياسي اللبناني، حين وصف القرار بأنه "خطيئة كبرى"، وحين أعلن صراحة أنه "سيتعامل معه وكأنه غير موجود"، فإن ذلك لا يعني فقط الرفض، بل إعلان مواجهة صريحة، وإن كانت حتى اللحظة محكومة بسقف الردع. والحزب لم يهادن، بل رفض القرار رفضاً قاطعاً، بوصفه إياه بأنه "خطيئة كبرى ترتكبها الحكومة اللبنانية، تخدم فقط العدو الإسرائيلي"، مؤكداً أنه لن يقبل بمبدأ نزع سلاحه. وفي المقابل، تعتبر الحكومة أن استمرار وجود سلاح خارج سلطة الدولة يعرقل الإصلاح ويمنع المؤسسات من استعادة هيبتها ويبقي لبنان رهينة لصراعات خارجية لا ناقة له فيها ولا جمل. المواقف السياسية الداخلية وتكشف الأزمة عن هشاشة التوازن الداخلي في البلاد وتضع الدولة أمام خيارين صعبين، إما فرض السيادة بصورة أحادية ومتصادمة، أو الدخول في حوار وطني شامل يأخذ في الاعتبار خصوصية الوضع اللبناني وتعقيداته الطائفية والإقليمية. وأدى القرار الحكومي إلى انقسام حاد داخل الساحة اللبنانية، حيث يرى مؤيدو القرار أنه خطوة نحو بسط سيادة الدولة وإنهاء الازدواجية العسكرية التي يعيشها لبنان منذ عقود. أما المعارضون، بخاصة جمهور "حزب الله" وحلفائه، فيعتبرونه تهديداً مباشراً للحزب وانحيازاً سافراً للمطالب الغربية والإسرائيلية. وكان أن انسحب بعض الوزراء المحسوبين على "الثنائي الشيعي" ("أمل" و"حزب الله") من جلسات مجلس الوزراء، تعبيراً عن رفضهم لما سمّوه "انقلاباً سياسياً"، في حين مثل القرار برأي الحزب، انحرافاً خطراً عن الميثاق الوطني وتهديداً لميزان القوى في لبنان. لكن ماذا وراء هذا التصعيد؟ هل هو ناتج من ضعف، أم خطة استراتيجية أوسع؟ وهل لإيران دور مباشر في دفع الحزب نحو هذا الموقف، وسط تصعيد موازٍ تشهده غزة وتهديدات صريحة من طهران؟ وهل نحن أمام مرحلة تحول نحو مواجهة مفتوحة، أم مجرد رسائل نارية موقتة؟ اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) كل هذه الأسئلة تقودنا إلى تحليل السيناريوهات المتوقعة واستكشاف الدوافع الإيرانية وتكتيكات "محور الممانعة" في هذه المرحلة الحساسة. من المسلم به أن القرار جاء في خضم لحظة إقليمية بالغة الحساسية، إذ تتقاطع الملفات اللبنانية والفلسطينية والإيرانية في مشهد متشابك لا يمكن فصله عن التوقيت السياسي والدولي الحالي. من هنا لا بد من ربط موقف الحزب إزاء قرار الحكومة اللبنانية بنزع سلاحه، بسياق تصعيد "حماس" الأخير في غزة وتصريحات عراقجي المثيرة للجدل. التصريح الإيراني في توقيت حساس وقال الوزير الإيراني حرفياً إن "طهران تدعم الحزب من دون تدخل... والسعي إلى نزع السلاح ليس موضوعاً جديداً، فقد جرت محاولات مماثلة في السابق، وأسبابها معروفة، إذ أثبت سلاح المقاومة فاعليته للجميع في ساحة المعركة". وتابع "أعيد تنظيم صفوف 'حزب الله' وهو يمتلك الإمكانات اللازمة للدفاع عن نفسه". وأشار عراقجي إلى أن "القرار النهائي حول الخطوات المقبلة بيد 'حزب الله' نفسه، وإيران بوصفها جهة داعمة تسانده من دون أي تدخل في قراراته". وجوبهت تصريحات عراقجي بموجة تنديدات واسعة على الصعد السياسية والإعلامية والشعبية في الداخل اللبناني، وإذ اعتبر بعضهم أن تصريح الوزير الإيراني تخطى الأصول الدبلوماسية، ذهب بعضهم الآخر إلى وصف التصريح بأنه "وقح"، ذلك أن ما ورد على لسان عراقجي لم يكُن مجرد رأي، بل كان تدخلاً سافراً في الشأن اللبناني الداخلي، وتبنياً واضحاً لفصيل مسلح خارج مؤسسات الدولة. وطالب بعضهم الحكومة اللبنانية باستدعاء السفير الإيراني فوراً ومساءلته رسمياً. فما قاله عراقجي ليس دعماً سياسياً وحسب، بل مساً مباشراً بالسيادة وإعلان رفض لقرارات الدولة ومؤسساتها الدستورية. وبرأي بعض المتابعين أن هذا التصريح فيه تصعيد سياسي صارخ، ويعبر عن تبنٍّ علني لـ"حزب الله" كأداة إيرانية مباشرة ورفض ضمني للسيادة اللبنانية، عندما يقال إن "الخطوات بيد الحزب"، وليس الدولة. تصعيد متزامن بين "حماس" و"حزب الله" ولا يخرج ما يحدث في لبنان عن سياق قرار "حماس" باستئناف العمليات العسكرية في غزة، كرد على فشل الوساطات الإنسانية وعودة الاغتيالات الإسرائيلية. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صرّح بأن تل أبيب قبلت مقترح المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف ومقترح الوسطاء لإنجاز صفقة التبادل، لكن "حماس" رفضتهما. وتابع نتنياهو أن الحركة "رفضت مقترح الصفقة، وتصر على البقاء في غزة وإعادة التسلح وهذا غير مقبول". وذكرت "هيئة البث الإسرائيلية" (مكان) اليوم الخميس أن من المتوقع مصادقة المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت)، في وقت لاحق اليوم، على خطة عسكرية تقضي بالسيطرة العسكرية على كامل مساحة قطاع غزة. وما يلاحظ هو أن هذا التصعيد جاء متزامناً، بل متوازياً زمنياً وتكتيكياً مع موقف "حزب الله"، مما يدعو إلى التساؤل، هل هناك تنسيق ضمني أو مباشر بين الجبهتين؟ ما الدوافع الإيرانية الحقيقية الآن؟ معلوم أن إيران لا تتحرك انفعالياً، فكل خطوة في استراتيجيتها الإقليمية تخضع لحسابات دقيقة، ويمكن تلخيص الدوافع الإيرانية الحالية تجاه التصعيد في محاور عدة، إذ ترى طهران أن التوقيت الدولي مناسب، فالغرب منشغل بأزمات داخلية والحرب بين روسيا وأوكرانيا، والإدارة الأميركية الحالية تعمل على محاولة تثبيت السياسات الجديدة ورسم ملامح التعامل مع الملفات الدولية الكبرى، ومن بينها إيران نفسها وملفها النووي و"حزب الله" والنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي وأمن الطاقة في شرق المتوسط، وتظهر تردداً متزايداً في خوض مواجهات مفتوحة في الشرق الأوسط، خصوصاً بعد فشلها في تحييد الحوثيين في اليمن بصورة كاملة. من هنا، ترى طهران أن الظروف باتت مواتية لتذكير العالم بأن "محور الممانعة" ما زال قادراً على الفعل وأن تطويقه أو تجريده من أدواته لن يمر من دون رد، وأنها في طور استعادة زمام المبادرة بعد الضربات النوعية المتتالية التي تعرضت لها أخيراً، ولا سيما خلال الحرب بينها وإسرائيل، كاغتيال علماء نوويين وقادة من الحرس الثوري والاختراقات الأمنية واستهداف مواقع لها في سوريا والعراق. اختبار لردود الفعل الدولية عند هذه النقطة، تسعى طهران وعبر "حزب الله" وغزة، إلى رد الاعتبار المعنوي والعسكري من دون التورط المباشر في مواجهة مفتوحة. وهي في هذا تمنع أية تسوية إقليمية على حسابها، فهناك مساعٍ أميركية لتثبيت تسويات مع بعض الدول العربية حول ملفات الحدود والطاقة. وتحاول إيران عرقلة أي توافق إقليمي قد يعزلها، أو يحد من نفوذها على الساحة اللبنانية أو الفلسطينية. بالتالي، يأتي استخدام "حزب الله" و"حماس" كأدوات "تشويش استراتيجي" على هذه التسويات، وبالتوازي تعمل على خنق أي مشروع لبناني لتجريد الحزب من قوته من دون إطلاق رصاصة، والإبقاء على حال "الدولة الضعيفة والمقاومة القوية"، أي إبقاء الورقة اللبنانية بيدها من دون خسائر ميدانية، فضلاً عن إظهار أن الجبهتين، غزة والجنوب اللبناني، متصلتان تحت قيادتها، وتصدير صورة أن "أية حرب على غزة ستفتح جبهة لبنان"، وهي بهذا تختبر ردود الفعل الدولية والأميركية والإسرائيلية تحديداً. في المقابل، قد تكون إيران تمارس ضغطاً خفياً على "حزب الله" لتجنب التصعيد العسكري مقابل مكاسب سياسية لاحقاً، مما قد يفتح باباً لحوار داخلي لبناني حول "استراتيجية دفاعية"، تؤدي إلى تسوية رمزية لا تمس جوهر سلاح الحزب، ولكن تخفف حدة الموقف. فيقدم الحزب "تنازلات شكلية" مثل تسليم بعض المواقع إلى الجيش اللبناني، مقابل وقف الحملة الحكومية عليه. في المحصلة، لا يمكن فصل موقف "حزب الله" من قرار نزع سلاحه عن الاستراتيجية الإيرانية الكبرى في مواجهة الغرب وإسرائيل. فـ"حماس" تتحرك ضمن قرار يتناغم مع هذا الإيقاع الإقليمي، حيث يعاد تنشيط "محور الممانعة" كجبهة واحدة. وتصريح وزير الخارجية الإيراني لم يكُن زلة لسان، بل إعلاناً متعمداً عن نية إيران في إبقاء النار مشتعلة، وتأكيداً أن القرار في بيروت وغزة ليس وطنياً خالصاً، بل خاضعاً لتنسيق أعلى. فهل الحرب مقبلة؟ من المحتمل ألا نكون على أعتاب حرب كبيرة، لكننا بالتأكيد أمام مرحلة تصعيد واسع النطاق، يتضمن مواجهات محدودة على الأرض ورسائل سياسية قوية وسعي إيراني إلى تثبيت معادلة مفادها بأن "السلاح لن ينزع والمقاومة باقية والتسويات تمر من طهران، أو لا تمر". لكن المنطقة كلها تقف على حافة انزلاق غير محسوب، وأي خطأ ميداني أو اغتيال كبير قد يؤدي إلى تغيير قواعد اللعبة بصورة مفاجئة.

4 مراحل: ما تفاصيل ورقة براك لنزع سلاح "حزب الله"؟
4 مراحل: ما تفاصيل ورقة براك لنزع سلاح "حزب الله"؟

Independent عربية

timeمنذ 15 ساعات

  • Independent عربية

4 مراحل: ما تفاصيل ورقة براك لنزع سلاح "حزب الله"؟

كشفت نسخة من جدول أعمال الحكومة اللبنانية عن أن الولايات المتحدة قدمت إلى بيروت اقتراحاً لنزع سلاح جماعة "حزب الله" بحلول نهاية العام الحالي، إضافة إلى إنهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية وانسحاب القوات الإسرائيلية من خمسة مواقع في جنوب لبنان. وتحدد الخطة التي قدمها مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى المنطقة توم براك، والتي نوقشت خلال اجتماع لمجلس الوزراء اللبناني اليوم الخميس، أكثر الخطوات تفصيلاً حتى الآن لنزع سلاح "حزب الله" المدعوم من إيران، والذي يرفض الدعوات المتزايدة إلى نزع سلاحه منذ حرب عام 2024 مع إسرائيل. ولم ترد وزارة الخارجية الأميركية بعد على طلب للتعليق، كما لم يتسن الوصول إلى وزراء من الحكومة اللبنانية للحصول على تعقيب، كما أحجم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي عن التعليق، ولم تردّ وزارة الدفاع الإسرائيلية بعد على طلب مماثل. وبينما لم يتحدث "حزب الله" عن الاقتراح حتى الآن إلا أن ثلاثة مصادر سياسية قالت لـ "رويترز" إن وزراء "حزب الله" وحلفاءه انسحبوا من اجتماع مجلس الوزراء احتجاجاً على مناقشة الاقتراح. ووجهت إسرائيل ضربات قاصمة لـ "حزب الله" خلال هجوم عام 2024 بعد صراع تفجر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 عندما بدأت الحزب قصف مواقع إسرائيلية على الحدود دعماً لحليفته حركة "حماس" مع بداية حرب غزة. وتهدف الولايات المتحدة من الاقتراح إلى "تمديد وتثبيت" اتفاق وقف إطلاق النار الذي توصل إليه لبنان وإسرائيل في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. 4 مراحل وجاء في الاقتراح أن "الحاجة الملحة إلى هذا الاقتراح يبرزها تزايد عدد الشكاوى المتعلقة بالانتهاكات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار الحالي، بما في ذلك الغارات الجوية والعمليات عبر الحدود، مما ينذر بانهيار الوضع الراهن الهش"، إذ تقضي المرحلة الأولى من الخطة بأن تصدر الحكومة اللبنانية في غضون 15 يوماً مرسوماً تلتزم فيه بنزع سلاح "حزب الله" تماماً بحلول الـ 31 من ديسمبر (كانون الأول) 2025، وستتوقف إسرائيل في هذه المرحلة أيضاً عن العمليات العسكرية البرية والجوية والبحرية، فيما تتطلب المرحلة الثانية أن يبدأ لبنان في تنفيذ خطة نزع السلاح في غضون 60 يوماً، على أن توافق الحكومة على "خطة مفصلة لنشر الجيش اللبناني لدعم خطة وضع كل الأسلحة تحت سلطة الدولة"، وستحدد هذه الخطة الأهداف حول نزع السلاح. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وستبدأ إسرائيل خلال المرحلة الثانية الانسحاب من المواقع التي تسيطر عليها في جنوب لبنان مع الإفراج عن المحتجزين اللبنانيين بالتنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وفي المرحلة الثالثة تنسحب إسرائيل في غضون 90 يوماً من آخر نقطتين من النقاط الخمس التي تسيطر عليها، وسيجري تأمين تمويل للبدء في إزالة الأنقاض وإعادة تأهيل البنية التحتية تمهيداً لإعادة الإعمار في لبنان. أما المرحلة الرابعة فتقتضي تفكيك ما بقي لدى "حزب الله" من أسلحة ثقيلة في غضون 120 يوماً، بما في ذلك الصواريخ والطائرات المسيرة، وستنظّم الولايات المتحدة والسعودية وفرنسا وقطر ودول صديقة أخرى في هذه المرحلة مؤتمراً لدعم الاقتصاد اللبناني وإعادة الإعمار و"تنفيذ رؤية الرئيس ترمب كي يعود لبنان بلداً مزدهراً قادراً على النمو".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store