logo
كرة القدم الحديثة.. عقل بلا قلب

كرة القدم الحديثة.. عقل بلا قلب

سعورسمنذ 10 ساعات

في الكرة الحديثة منظومات تكتيكية دقيقة تبتلع أي فرصة فردية للمفاجأة أو الارتجال
الأكاديميات الأوروبية تُشبه مختبرات التجارب معتمدة على التقنيات الحديثة لا على الموهبة
تعيش كرة القدم الحديثة واحدة من أكبر تحوّلاتها المفصلية، حيث لم تعد كما كانت تُعرف، لعبةً تقوم على المتعة الفطرية، والانفعالات اللحظية، والمهارات الفردية، وردود الفعل الارتجالية، بل أصبحت في كثير من جوانبها اليوم أقرب إلى نظام صناعي معقّد تحكمه الحسابات، ويهيمن عليه التفكير التكتيكي البارد، مما جعل عددًا متزايدًا من الجماهير والمحللين يتساءلون: هل فقدت كرة القدم الحديثة روحها؟
متعة اللعبة تحتضر على يد الانضباط التكتيكي
شهدت السنوات الأخيرة تحولًا لافتًا في الطريقة التي تُلعب بها كرة القدم، إذ باتت الأندية الأوروبية الكبرى تعتمد بشكل كبير على أنظمة تكتيكية صارمة تركّز على التمركز والانضباط والانتقال السريع، وهو ما أثّر مباشرة على المتعة التي كانت تستمدها كرة القدم من طريقة اللعب العشوائية في الملعب، وعن هذا الموضوع نشرت صحيفة The Times البريطانية مؤخرًا تقريرًا بعنوان "كيف تعتنق الفرق أسلوب الفوضى لكسر هيمنة بيب غوارديولا" أوضحت فيه أن أنظمة اللعب الموضعي التي روّج لها غوارديولا حولت اللاعبين إلى أدوات في نظام ميكانيكي دقيق، لا مجال فيه للارتجال أو للحلول الفريدة القائمة على التهور الإبداعي على حد وصفهم.
وتذهب الصحيفة إلى أن الاعتماد على البيانات والتحليل أصبح خانقًا للّحظة الفنية الحرة، حيث إن اللاعب اليوم يدرَّب على اتخاذ القرار الصحيح تكتيكيًا، لا على المجازفة أو ما يمليه عليه قلبه، وهذا ما جعل بعض المباريات الكبرى تُشبه كثيرًا مباريات شطرنج بطيئة، قائمة على دراسة تحركات الخصم والتحرك بناءً عليها في مربعات ثابته وحركات مدروسة أكثر من كون المباراة لحظات مشحونة بالعاطفة والمتعة والجنون.
ولا يقتصر الأمر على غوارديولا وحده، بل إن كثيرًا من المدربين في البطولات الكبرى باتوا يسيرون على هذا النهج، مثل الإيطالي روبيرتو دي زيربي المدرب السابق لنادي برايتون، والألماني يوليان ناغلسمان في تجاربه مع لايبزيغ وبايرن ميونيخ ، اللذان نجاحا بصناعة منظومات تكتيكية دقيقة تبتلع أي فرصة فردية للمفاجأة أو الارتجال، وقد أشار تقرير آخر نشرته صحيفة The Times البريطانية إلى أن بعض الأندية الأوروبية مثل نادي هاماربي السويدي باتت تُقيّم نجاح اللاعبين باستخدام مؤشرات أداء إحصائية محددة، مثل xT وxGA وxG per 90، ما يجعل من التحليل الرقمي عاملًا حاسمًا في تقييم اللاعبين، على حساب المكونين الرئيسيين للمتعة في كرة القدم وهما الموهبة الفطرية و الحس الفني.
عقلية الأكاديميات.. خوارزميات بلا مواهب
ومع هذه التحولات، تأثرت الأكاديميات الكروية بشكل مباشر، إذ لم تعد تسعى أغلب الأكاديميات العالمية المعروفة لتفريخ نجوم من طينة رونالدينيو أو زيدان أو حتى مردونا، بل باتت تُركّز على إخراج لاعبين منضبطين، قادرين على تنفيذ التعليمات بحذافيرها، وكأنهم آلات دقيقة لا ترتجل وتعمل حسب الخوارزمية التي يكتبها المبرمج، وتشير عدة تقارير صحافية إلى أن الأكاديميات الأوروبية باتت تُشبه مختبرات التجارب التي تعتمد على التقنيات الحديثة لا على الموهبة المحسوسة، حيث تطرقت صحيفة The Guardian في تقرير لها عن صعود تحليلات الأداء إلى قلب اللعبة في أندية مثل إيفرتون ومانشستر يونايتد إلى أن الأكاديميات بدأت تقيّم كل خطوة على أرض الملعب باستخدام تقنية ال GPS، ومراقبة معدل نبضات القلب، وتحليل الفيديو المتعدد الزوايا من منصات مثل Opta أو Prozone، في الفريق الأول وحتى مع لاعبين درجات الناشئين، مما يؤكد على تحول مطبخ الموهبة الفطرية إلى مختبر تدريب ومصنع يطمح لصناعة ترس في منظومة ضخمة، مثل بكرة في ساعة ميكانيكية دقيقة يتحرك بانضباط، يقدّم أداءً محسوبًا لا يصنع فيه الوقت بل يتبعه.
وتشير عدة تحليلات إلى أن هذه العقلية جعلت من اللاعب الحديث عنصراً خاضعًا لمنظومة، فاقدًا للتمرّد الفني الذي كان يميز لاعبي الأجيال السابقة، ففي الأكاديميات الحديثة، لم يعد المراوغ أو اللاعب المغامر مرحبًا به كما كان الحال في السابق، بل يُفضل اللاعب القادر على الحفاظ على التمريرات القصيرة، والالتزام بمنطقة تحركه.
وعلى سبيل المثال، فإن عدد المراوغات الفردية الناجحة لكل مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز انخفض بشكل ملحوظ بين موسم 2010 وموسم 2023، وبحسب تقرير صدر عن صحيفة The Times في ديسمبر 2024 شهد الدوري الإنجليزي انخفاض واضح جدًا في عدد المراوغات الفردية، خاصة في الثلث الأخير من الملعب، وذكر التقرير أن هذا التراجع يُعزى إلى تأثير التحليل البياني الذي يُعتبر المراوغة غير فعّالة في العديد من الحالات، وقد أظهرت بيانات من شركة Statsbomb انخفاضًا في عدد المراوغات، خاصة في الثلث الأخير من الملعب، وهو ما يتماشى مع فكرة ان الأكاديميات لم تعد تهتم لجماليات كرة القدم أكثر من صناعة عقل يتبع التعليمات ولا يبدع بارتجاله.
فتور في علاقة الجماهير واللعبة
هذه التحوّلات لم تمر دون أثر على الجماهير الشغوفة بهذه اللعبة، فقد أظهرت تقارير من وكالة AP وThe Guardian أن بطولة كأس العالم للأندية الأخيرة، رغم مشاركة أندية عالمية، شهدت تفاوتًا صادمًا في الحضور الجماهيري، إذ امتلأت مدرجات بعض المباريات، بينما لم يتجاوز الحضور في مباريات أخرى حاجز ال 1000 متفرّج، رغم أن السعة الجماهيرية لبعض الملاعب تزيد عن 40 ألف مقعد.
وهذا الفتور الذي تعيشه المدرجات ليس فقط في بطولة كأس العالم للأندية، بل وصل كذلك حتى إلى قلب اللعبة، حيث أن الجماهير في أوروبا ورغم شعبية الأندية الكبرى هناك، تعيش دورياتها تراجعًا في متوسط الحضور، وناقش تقرير صادر عن UEFA عام 2024 هذا الموضوع مشيرًا إلى أن الحضور الجماهيري في الدوريات الخمسة الكبرى استقر أو تراجع قليلًا مقارنة بمواسم ما قبل جائحة كورونا، وهو مؤشر مقلق على فتور العلاقة بين الجمهور واللعبة.
من منتج شعبي إلى منتج تجاري بحت
ولا يمكن إغفال البُعد التجاري في هذه التحولات، فقد أظهرت تقارير مثل تلك التي نشرها موقع talkSPORT أن 72 % من جماهير البريميرليغ الإنجليزي يرون بأن أسعار التذاكر غير منطقية، بينما طالب 77 % منهم بوضع سقف لأسعار التذاكر لحضور المباريات، وهذا التحوّل في علاقة الجمهور باللعبة –من شغف عاطفي إلى تعامل استهلاكي– جعل كثيرين يشعرون بأنهم لم يعودوا جمهورًا بل زبائناً.
كما أن ضغوط حقوق البث وتكدّس المباريات لأغراض تسويقية جعلت الأندية تخوض مباريات لا تنتهي، مما يرفع من معدلات الإصابات، ويُفقد اللاعبين حيويتهم، ويخلق لدى المشجع شعورًا بالتخمة، لا الترقب والحماس واللهفة، ففي موسم 2022 / 23، لعب نادي مانشستر سيتي 61 مباراة في مختلف البطولات، أي ما يعادل مباراة كل 5 أيام تقريبًا، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ النادي.
ما يجب أن نفهمه بعد كل هذه الحقائق والمعلومات، أن التحولات التي عاشتها وتعيشها هذه اللعبة لن تكون أمرًا عابرًا في تاريخها، بل هي ظاهرة عميقة، انعكست وستنعكس على كل تفاصيل اللعبة، بدءًا من اللاعب، إلى المدرب، إلى المشجع الذي قد يقف حائرًا ولا يفهم أسباب كل هذه التغيرات، ولكن لعلّ السؤال الأكبر الذي ينبغي أن يُطرح: هل تستطيع اللعبة أن تستعيد توازنها بين صرامة النظام والإبداع؟ وبين التكتيك المقيد والحرية؟ وبين الاستثمار والربح والمتعة؟، حتى ذلك الحين، سيبقى كثيرون يفتقدون لكرة القدم التي عرفوها كلعبة تهزّ القلب وعاطفته قبل أن تُرضي العقل ومنطقة.
الذكاء الاصطناعي دخل مجال كرة القدم بقوة
المراوغات قلت في الدوري الإنجليزي
الحضور الجماهيري بين مونديال 94 ومونديال الأندية 2025

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ابن الوطن البار يشرف الوطن والعرب والقارة
ابن الوطن البار يشرف الوطن والعرب والقارة

رواتب السعودية

timeمنذ 4 ساعات

  • رواتب السعودية

ابن الوطن البار يشرف الوطن والعرب والقارة

نشر في: 27 يونيو، 2025 - بواسطة: خالد العلي علق الناقد الرياضي محمد الذايدي على تأهل الهلال إلى دور الـ16 من بطولة كأس العالم للأندية 2025، مؤكدًا أن الفريق قدم صورة مشرفة للوطن والعرب. وقال الذايدي عبر حسابه الرسمي على منصة إكس:« الحمد لله ابن الوطن البار يشرف الوطن والعرب والقارة، ويتأهل إلى دور الستة عشر في كأس العالم للأندية، رغم كل الظروف التي واجهها قبل انطلاق البطولة. مبروك لعشاق زعيم آسيا، ومبروك للوطن.« وأثبت الهلال بما يملكه من كوكبة من النجوم المحليين والعالميين، أن الرهان على بناء فريق متكامل هو الخيار الأصح، وأن الأسماء الكبيرة، مهما كانت نجوميتها مثل كريستيانو رونالدو، لا تكفي وحدها لحسم المباريات دون منظومة جماعية قوية وراسخة لتظهر على أرض الواقع كما يفعل الزعيم في هذه البطولة . والجدير بالذكر أن هذا الانتصار لا يعد مجرد عبور إلى الدور التالي، بل يجسد نجاح المشروع الرياضي السعودي والطفرات الكبيرة التي شهدتها كرة القدم في المملكة، وهو ما جعلها حديث العالم. الرجاء تلخيص المقال التالى الى 50 كلمة فقط علق الناقد الرياضي محمد الذايدي على تأهل الهلال إلى دور الـ16 من بطولة كأس العالم للأندية 2025، مؤكدًا أن الفريق قدم صورة مشرفة للوطن والعرب. وقال الذايدي عبر حسابه الرسمي على منصة إكس:« الحمد لله ابن الوطن البار يشرف الوطن والعرب والقارة، ويتأهل إلى دور الستة عشر في كأس العالم للأندية، رغم كل الظروف التي واجهها قبل انطلاق البطولة. مبروك لعشاق زعيم آسيا، ومبروك للوطن.« وأثبت الهلال بما يملكه من كوكبة من النجوم المحليين والعالميين، أن الرهان على بناء فريق متكامل هو الخيار الأصح، وأن الأسماء الكبيرة، مهما كانت نجوميتها مثل كريستيانو رونالدو، لا تكفي وحدها لحسم المباريات دون منظومة جماعية قوية وراسخة لتظهر على أرض الواقع كما يفعل الزعيم في هذه البطولة . والجدير بالذكر أن هذا الانتصار لا يعد مجرد عبور إلى الدور التالي، بل يجسد نجاح المشروع الرياضي السعودي والطفرات الكبيرة التي شهدتها كرة القدم في المملكة، وهو ما جعلها حديث العالم. المصدر: صدى

كرة القدم الحديثة.. عقل بلا قلب
كرة القدم الحديثة.. عقل بلا قلب

سعورس

timeمنذ 10 ساعات

  • سعورس

كرة القدم الحديثة.. عقل بلا قلب

في الكرة الحديثة منظومات تكتيكية دقيقة تبتلع أي فرصة فردية للمفاجأة أو الارتجال الأكاديميات الأوروبية تُشبه مختبرات التجارب معتمدة على التقنيات الحديثة لا على الموهبة تعيش كرة القدم الحديثة واحدة من أكبر تحوّلاتها المفصلية، حيث لم تعد كما كانت تُعرف، لعبةً تقوم على المتعة الفطرية، والانفعالات اللحظية، والمهارات الفردية، وردود الفعل الارتجالية، بل أصبحت في كثير من جوانبها اليوم أقرب إلى نظام صناعي معقّد تحكمه الحسابات، ويهيمن عليه التفكير التكتيكي البارد، مما جعل عددًا متزايدًا من الجماهير والمحللين يتساءلون: هل فقدت كرة القدم الحديثة روحها؟ متعة اللعبة تحتضر على يد الانضباط التكتيكي شهدت السنوات الأخيرة تحولًا لافتًا في الطريقة التي تُلعب بها كرة القدم، إذ باتت الأندية الأوروبية الكبرى تعتمد بشكل كبير على أنظمة تكتيكية صارمة تركّز على التمركز والانضباط والانتقال السريع، وهو ما أثّر مباشرة على المتعة التي كانت تستمدها كرة القدم من طريقة اللعب العشوائية في الملعب، وعن هذا الموضوع نشرت صحيفة The Times البريطانية مؤخرًا تقريرًا بعنوان "كيف تعتنق الفرق أسلوب الفوضى لكسر هيمنة بيب غوارديولا" أوضحت فيه أن أنظمة اللعب الموضعي التي روّج لها غوارديولا حولت اللاعبين إلى أدوات في نظام ميكانيكي دقيق، لا مجال فيه للارتجال أو للحلول الفريدة القائمة على التهور الإبداعي على حد وصفهم. وتذهب الصحيفة إلى أن الاعتماد على البيانات والتحليل أصبح خانقًا للّحظة الفنية الحرة، حيث إن اللاعب اليوم يدرَّب على اتخاذ القرار الصحيح تكتيكيًا، لا على المجازفة أو ما يمليه عليه قلبه، وهذا ما جعل بعض المباريات الكبرى تُشبه كثيرًا مباريات شطرنج بطيئة، قائمة على دراسة تحركات الخصم والتحرك بناءً عليها في مربعات ثابته وحركات مدروسة أكثر من كون المباراة لحظات مشحونة بالعاطفة والمتعة والجنون. ولا يقتصر الأمر على غوارديولا وحده، بل إن كثيرًا من المدربين في البطولات الكبرى باتوا يسيرون على هذا النهج، مثل الإيطالي روبيرتو دي زيربي المدرب السابق لنادي برايتون، والألماني يوليان ناغلسمان في تجاربه مع لايبزيغ وبايرن ميونيخ ، اللذان نجاحا بصناعة منظومات تكتيكية دقيقة تبتلع أي فرصة فردية للمفاجأة أو الارتجال، وقد أشار تقرير آخر نشرته صحيفة The Times البريطانية إلى أن بعض الأندية الأوروبية مثل نادي هاماربي السويدي باتت تُقيّم نجاح اللاعبين باستخدام مؤشرات أداء إحصائية محددة، مثل xT وxGA وxG per 90، ما يجعل من التحليل الرقمي عاملًا حاسمًا في تقييم اللاعبين، على حساب المكونين الرئيسيين للمتعة في كرة القدم وهما الموهبة الفطرية و الحس الفني. عقلية الأكاديميات.. خوارزميات بلا مواهب ومع هذه التحولات، تأثرت الأكاديميات الكروية بشكل مباشر، إذ لم تعد تسعى أغلب الأكاديميات العالمية المعروفة لتفريخ نجوم من طينة رونالدينيو أو زيدان أو حتى مردونا، بل باتت تُركّز على إخراج لاعبين منضبطين، قادرين على تنفيذ التعليمات بحذافيرها، وكأنهم آلات دقيقة لا ترتجل وتعمل حسب الخوارزمية التي يكتبها المبرمج، وتشير عدة تقارير صحافية إلى أن الأكاديميات الأوروبية باتت تُشبه مختبرات التجارب التي تعتمد على التقنيات الحديثة لا على الموهبة المحسوسة، حيث تطرقت صحيفة The Guardian في تقرير لها عن صعود تحليلات الأداء إلى قلب اللعبة في أندية مثل إيفرتون ومانشستر يونايتد إلى أن الأكاديميات بدأت تقيّم كل خطوة على أرض الملعب باستخدام تقنية ال GPS، ومراقبة معدل نبضات القلب، وتحليل الفيديو المتعدد الزوايا من منصات مثل Opta أو Prozone، في الفريق الأول وحتى مع لاعبين درجات الناشئين، مما يؤكد على تحول مطبخ الموهبة الفطرية إلى مختبر تدريب ومصنع يطمح لصناعة ترس في منظومة ضخمة، مثل بكرة في ساعة ميكانيكية دقيقة يتحرك بانضباط، يقدّم أداءً محسوبًا لا يصنع فيه الوقت بل يتبعه. وتشير عدة تحليلات إلى أن هذه العقلية جعلت من اللاعب الحديث عنصراً خاضعًا لمنظومة، فاقدًا للتمرّد الفني الذي كان يميز لاعبي الأجيال السابقة، ففي الأكاديميات الحديثة، لم يعد المراوغ أو اللاعب المغامر مرحبًا به كما كان الحال في السابق، بل يُفضل اللاعب القادر على الحفاظ على التمريرات القصيرة، والالتزام بمنطقة تحركه. وعلى سبيل المثال، فإن عدد المراوغات الفردية الناجحة لكل مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز انخفض بشكل ملحوظ بين موسم 2010 وموسم 2023، وبحسب تقرير صدر عن صحيفة The Times في ديسمبر 2024 شهد الدوري الإنجليزي انخفاض واضح جدًا في عدد المراوغات الفردية، خاصة في الثلث الأخير من الملعب، وذكر التقرير أن هذا التراجع يُعزى إلى تأثير التحليل البياني الذي يُعتبر المراوغة غير فعّالة في العديد من الحالات، وقد أظهرت بيانات من شركة Statsbomb انخفاضًا في عدد المراوغات، خاصة في الثلث الأخير من الملعب، وهو ما يتماشى مع فكرة ان الأكاديميات لم تعد تهتم لجماليات كرة القدم أكثر من صناعة عقل يتبع التعليمات ولا يبدع بارتجاله. فتور في علاقة الجماهير واللعبة هذه التحوّلات لم تمر دون أثر على الجماهير الشغوفة بهذه اللعبة، فقد أظهرت تقارير من وكالة AP وThe Guardian أن بطولة كأس العالم للأندية الأخيرة، رغم مشاركة أندية عالمية، شهدت تفاوتًا صادمًا في الحضور الجماهيري، إذ امتلأت مدرجات بعض المباريات، بينما لم يتجاوز الحضور في مباريات أخرى حاجز ال 1000 متفرّج، رغم أن السعة الجماهيرية لبعض الملاعب تزيد عن 40 ألف مقعد. وهذا الفتور الذي تعيشه المدرجات ليس فقط في بطولة كأس العالم للأندية، بل وصل كذلك حتى إلى قلب اللعبة، حيث أن الجماهير في أوروبا ورغم شعبية الأندية الكبرى هناك، تعيش دورياتها تراجعًا في متوسط الحضور، وناقش تقرير صادر عن UEFA عام 2024 هذا الموضوع مشيرًا إلى أن الحضور الجماهيري في الدوريات الخمسة الكبرى استقر أو تراجع قليلًا مقارنة بمواسم ما قبل جائحة كورونا، وهو مؤشر مقلق على فتور العلاقة بين الجمهور واللعبة. من منتج شعبي إلى منتج تجاري بحت ولا يمكن إغفال البُعد التجاري في هذه التحولات، فقد أظهرت تقارير مثل تلك التي نشرها موقع talkSPORT أن 72 % من جماهير البريميرليغ الإنجليزي يرون بأن أسعار التذاكر غير منطقية، بينما طالب 77 % منهم بوضع سقف لأسعار التذاكر لحضور المباريات، وهذا التحوّل في علاقة الجمهور باللعبة –من شغف عاطفي إلى تعامل استهلاكي– جعل كثيرين يشعرون بأنهم لم يعودوا جمهورًا بل زبائناً. كما أن ضغوط حقوق البث وتكدّس المباريات لأغراض تسويقية جعلت الأندية تخوض مباريات لا تنتهي، مما يرفع من معدلات الإصابات، ويُفقد اللاعبين حيويتهم، ويخلق لدى المشجع شعورًا بالتخمة، لا الترقب والحماس واللهفة، ففي موسم 2022 / 23، لعب نادي مانشستر سيتي 61 مباراة في مختلف البطولات، أي ما يعادل مباراة كل 5 أيام تقريبًا، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ النادي. ما يجب أن نفهمه بعد كل هذه الحقائق والمعلومات، أن التحولات التي عاشتها وتعيشها هذه اللعبة لن تكون أمرًا عابرًا في تاريخها، بل هي ظاهرة عميقة، انعكست وستنعكس على كل تفاصيل اللعبة، بدءًا من اللاعب، إلى المدرب، إلى المشجع الذي قد يقف حائرًا ولا يفهم أسباب كل هذه التغيرات، ولكن لعلّ السؤال الأكبر الذي ينبغي أن يُطرح: هل تستطيع اللعبة أن تستعيد توازنها بين صرامة النظام والإبداع؟ وبين التكتيك المقيد والحرية؟ وبين الاستثمار والربح والمتعة؟، حتى ذلك الحين، سيبقى كثيرون يفتقدون لكرة القدم التي عرفوها كلعبة تهزّ القلب وعاطفته قبل أن تُرضي العقل ومنطقة. الذكاء الاصطناعي دخل مجال كرة القدم بقوة المراوغات قلت في الدوري الإنجليزي الحضور الجماهيري بين مونديال 94 ومونديال الأندية 2025

الأندية الأوروبية الكبرى تعتمد على أنظمة تكتيكية صارمةكرة القدم الحديثة.. عقل بلا قلب
الأندية الأوروبية الكبرى تعتمد على أنظمة تكتيكية صارمةكرة القدم الحديثة.. عقل بلا قلب

الرياض

timeمنذ 11 ساعات

  • الرياض

الأندية الأوروبية الكبرى تعتمد على أنظمة تكتيكية صارمةكرة القدم الحديثة.. عقل بلا قلب

الكل يسعى لكسر هيمنة غوارديولا.. ولاعبو السيتي أدوات في نظام ميكانيكي في الكرة الحديثة منظومات تكتيكية دقيقة تبتلع أي فرصة فردية للمفاجأة أو الارتجال الأكاديميات الأوروبية تُشبه مختبرات التجارب معتمدة على التقنيات الحديثة لا على الموهبة تعيش كرة القدم الحديثة واحدة من أكبر تحوّلاتها المفصلية، حيث لم تعد كما كانت تُعرف، لعبةً تقوم على المتعة الفطرية، والانفعالات اللحظية، والمهارات الفردية، وردود الفعل الارتجالية، بل أصبحت في كثير من جوانبها اليوم أقرب إلى نظام صناعي معقّد تحكمه الحسابات، ويهيمن عليه التفكير التكتيكي البارد، مما جعل عددًا متزايدًا من الجماهير والمحللين يتساءلون: هل فقدت كرة القدم الحديثة روحها؟ متعة اللعبة تحتضر على يد الانضباط التكتيكي شهدت السنوات الأخيرة تحولًا لافتًا في الطريقة التي تُلعب بها كرة القدم، إذ باتت الأندية الأوروبية الكبرى تعتمد بشكل كبير على أنظمة تكتيكية صارمة تركّز على التمركز والانضباط والانتقال السريع، وهو ما أثّر مباشرة على المتعة التي كانت تستمدها كرة القدم من طريقة اللعب العشوائية في الملعب، وعن هذا الموضوع نشرت صحيفة The Times البريطانية مؤخرًا تقريرًا بعنوان "كيف تعتنق الفرق أسلوب الفوضى لكسر هيمنة بيب غوارديولا" أوضحت فيه أن أنظمة اللعب الموضعي التي روّج لها غوارديولا حولت اللاعبين إلى أدوات في نظام ميكانيكي دقيق، لا مجال فيه للارتجال أو للحلول الفريدة القائمة على التهور الإبداعي على حد وصفهم. وتذهب الصحيفة إلى أن الاعتماد على البيانات والتحليل أصبح خانقًا للّحظة الفنية الحرة، حيث إن اللاعب اليوم يدرَّب على اتخاذ القرار الصحيح تكتيكيًا، لا على المجازفة أو ما يمليه عليه قلبه، وهذا ما جعل بعض المباريات الكبرى تُشبه كثيرًا مباريات شطرنج بطيئة، قائمة على دراسة تحركات الخصم والتحرك بناءً عليها في مربعات ثابته وحركات مدروسة أكثر من كون المباراة لحظات مشحونة بالعاطفة والمتعة والجنون. ولا يقتصر الأمر على غوارديولا وحده، بل إن كثيرًا من المدربين في البطولات الكبرى باتوا يسيرون على هذا النهج، مثل الإيطالي روبيرتو دي زيربي المدرب السابق لنادي برايتون، والألماني يوليان ناغلسمان في تجاربه مع لايبزيغ وبايرن ميونيخ، اللذان نجاحا بصناعة منظومات تكتيكية دقيقة تبتلع أي فرصة فردية للمفاجأة أو الارتجال، وقد أشار تقرير آخر نشرته صحيفة The Times البريطانية إلى أن بعض الأندية الأوروبية مثل نادي هاماربي السويدي باتت تُقيّم نجاح اللاعبين باستخدام مؤشرات أداء إحصائية محددة، مثل xT وxGA وxG per 90، ما يجعل من التحليل الرقمي عاملًا حاسمًا في تقييم اللاعبين، على حساب المكونين الرئيسيين للمتعة في كرة القدم وهما الموهبة الفطرية و الحس الفني. عقلية الأكاديميات.. خوارزميات بلا مواهب ومع هذه التحولات، تأثرت الأكاديميات الكروية بشكل مباشر، إذ لم تعد تسعى أغلب الأكاديميات العالمية المعروفة لتفريخ نجوم من طينة رونالدينيو أو زيدان أو حتى مردونا، بل باتت تُركّز على إخراج لاعبين منضبطين، قادرين على تنفيذ التعليمات بحذافيرها، وكأنهم آلات دقيقة لا ترتجل وتعمل حسب الخوارزمية التي يكتبها المبرمج، وتشير عدة تقارير صحافية إلى أن الأكاديميات الأوروبية باتت تُشبه مختبرات التجارب التي تعتمد على التقنيات الحديثة لا على الموهبة المحسوسة، حيث تطرقت صحيفة The Guardian في تقرير لها عن صعود تحليلات الأداء إلى قلب اللعبة في أندية مثل إيفرتون ومانشستر يونايتد إلى أن الأكاديميات بدأت تقيّم كل خطوة على أرض الملعب باستخدام تقنية الـ GPS، ومراقبة معدل نبضات القلب، وتحليل الفيديو المتعدد الزوايا من منصات مثل Opta أو Prozone، في الفريق الأول وحتى مع لاعبين درجات الناشئين، مما يؤكد على تحول مطبخ الموهبة الفطرية إلى مختبر تدريب ومصنع يطمح لصناعة ترس في منظومة ضخمة، مثل بكرة في ساعة ميكانيكية دقيقة يتحرك بانضباط، يقدّم أداءً محسوبًا لا يصنع فيه الوقت بل يتبعه. وتشير عدة تحليلات إلى أن هذه العقلية جعلت من اللاعب الحديث عنصراً خاضعًا لمنظومة، فاقدًا للتمرّد الفني الذي كان يميز لاعبي الأجيال السابقة، ففي الأكاديميات الحديثة، لم يعد المراوغ أو اللاعب المغامر مرحبًا به كما كان الحال في السابق، بل يُفضل اللاعب القادر على الحفاظ على التمريرات القصيرة، والالتزام بمنطقة تحركه. وعلى سبيل المثال، فإن عدد المراوغات الفردية الناجحة لكل مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز انخفض بشكل ملحوظ بين موسم 2010 وموسم 2023، وبحسب تقرير صدر عن صحيفة The Times في ديسمبر 2024 شهد الدوري الإنجليزي انخفاض واضح جدًا في عدد المراوغات الفردية، خاصة في الثلث الأخير من الملعب، وذكر التقرير أن هذا التراجع يُعزى إلى تأثير التحليل البياني الذي يُعتبر المراوغة غير فعّالة في العديد من الحالات، وقد أظهرت بيانات من شركة Statsbomb انخفاضًا في عدد المراوغات، خاصة في الثلث الأخير من الملعب، وهو ما يتماشى مع فكرة ان الأكاديميات لم تعد تهتم لجماليات كرة القدم أكثر من صناعة عقل يتبع التعليمات ولا يبدع بارتجاله. فتور في علاقة الجماهير واللعبة هذه التحوّلات لم تمر دون أثر على الجماهير الشغوفة بهذه اللعبة، فقد أظهرت تقارير من وكالة AP وThe Guardian أن بطولة كأس العالم للأندية الأخيرة، رغم مشاركة أندية عالمية، شهدت تفاوتًا صادمًا في الحضور الجماهيري، إذ امتلأت مدرجات بعض المباريات، بينما لم يتجاوز الحضور في مباريات أخرى حاجز الـ 1000 متفرّج، رغم أن السعة الجماهيرية لبعض الملاعب تزيد عن 40 ألف مقعد. وهذا الفتور الذي تعيشه المدرجات ليس فقط في بطولة كأس العالم للأندية، بل وصل كذلك حتى إلى قلب اللعبة، حيث أن الجماهير في أوروبا ورغم شعبية الأندية الكبرى هناك، تعيش دورياتها تراجعًا في متوسط الحضور، وناقش تقرير صادر عن UEFA عام 2024 هذا الموضوع مشيرًا إلى أن الحضور الجماهيري في الدوريات الخمسة الكبرى استقر أو تراجع قليلًا مقارنة بمواسم ما قبل جائحة كورونا، وهو مؤشر مقلق على فتور العلاقة بين الجمهور واللعبة. من منتج شعبي إلى منتج تجاري بحت ولا يمكن إغفال البُعد التجاري في هذه التحولات، فقد أظهرت تقارير مثل تلك التي نشرها موقع talkSPORT أن 72 % من جماهير البريميرليغ الإنجليزي يرون بأن أسعار التذاكر غير منطقية، بينما طالب 77 % منهم بوضع سقف لأسعار التذاكر لحضور المباريات، وهذا التحوّل في علاقة الجمهور باللعبة –من شغف عاطفي إلى تعامل استهلاكي– جعل كثيرين يشعرون بأنهم لم يعودوا جمهورًا بل زبائناً. كما أن ضغوط حقوق البث وتكدّس المباريات لأغراض تسويقية جعلت الأندية تخوض مباريات لا تنتهي، مما يرفع من معدلات الإصابات، ويُفقد اللاعبين حيويتهم، ويخلق لدى المشجع شعورًا بالتخمة، لا الترقب والحماس واللهفة، ففي موسم 2022 / 23، لعب نادي مانشستر سيتي 61 مباراة في مختلف البطولات، أي ما يعادل مباراة كل 5 أيام تقريبًا، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ النادي. ما يجب أن نفهمه بعد كل هذه الحقائق والمعلومات، أن التحولات التي عاشتها وتعيشها هذه اللعبة لن تكون أمرًا عابرًا في تاريخها، بل هي ظاهرة عميقة، انعكست وستنعكس على كل تفاصيل اللعبة، بدءًا من اللاعب، إلى المدرب، إلى المشجع الذي قد يقف حائرًا ولا يفهم أسباب كل هذه التغيرات، ولكن لعلّ السؤال الأكبر الذي ينبغي أن يُطرح: هل تستطيع اللعبة أن تستعيد توازنها بين صرامة النظام والإبداع؟ وبين التكتيك المقيد والحرية؟ وبين الاستثمار والربح والمتعة؟، حتى ذلك الحين، سيبقى كثيرون يفتقدون لكرة القدم التي عرفوها كلعبة تهزّ القلب وعاطفته قبل أن تُرضي العقل ومنطقة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store