logo
الطبول ذاكرة الشجن والغضب وصهيل الخيول والأمواج المتكسّرة

الطبول ذاكرة الشجن والغضب وصهيل الخيول والأمواج المتكسّرة

الزمان٠٧-٠٣-٢٠٢٥
الطبول ذاكرة الشجن والغضب وصهيل الخيول والأمواج المتكسّرة – عادل سعد
في قرع الطبول، تستطيع ان تسمع الشجن والغضب والترف وصهيل خيول ، وفطنة عصافير، وامواج تتكسر وهدير عواصف ، وفي قرع الطبول رسائل صوتية لإنذار مبكر ، وسماحة تنبئ بالمزيد من الود ، وفي قرعها ايضاً تستطيع ان تسمع زئير اسود ،وعواء ذئاب ، واهات احزان وانفتاحات ابواب ، ونداءات استغاثة ودفء لقاءات ، وازاء شمولية هذه الدالات الايقاعية تصدى الاستاذ محمد خليل ابراهيم للموضوع بالمزيد من الاختصاص والخبرة ايضا ضمن كتاب تضمن معلومات وتحليلات غزيرة عن هذه الالة الموسيقية المظلومة مشيراً الى الجهل الذي مازال يغطي قيمتها الفنية المتنوعه . المؤلف محمد خليل بكالوريوس موسيقى من كلية الفنون الجميلة ، جامعة بغداد ، يعمل الان مدرساً لمادة الضروب والاوزان في معهد الدراسات الموسيقية .
يرى خليل الإيقاع عنصراً اساسياً من عناصر تكوين الفن الموسيقي وهذا العنصر هو ما تستند عليه العناصر الموسيقيةالاخرى .لقد تطور هذا الفن عبر العصور الزمانية والمكانية إذ على صوتيته يرتكز البناء اللحني ضمن علاماته الكاملة والنصفية والربعية ، وبتوصيف مضاف هو العنصر الموسيقي الحيوي المؤثر في نسيج الغناء وبحور الشعر والإيقاعات اللفظية الاخرى .ويرى المؤلف إن الموازين الموسيقية هي الأساس في الموسيقى بصورة عامة، لهذا نجد الأصفهاني في كتابه الأغاني، يقدم الإيقاع على النغم ، ومن أشهر الموسيقيين في الأندلس زرياب تلميذ إسحاق الموصلي قسمَّ التعليم الموسيقي الى ثلاث أقسام ،الأول لتعليم الإيقاع في قراءة الشعر وان ينقر التلميذ الدف ليظهر له زمن الإيقاع ، ثم القسم الثاني الالحان ، والقسم الثالث ترجيع الصوت وتحلية الغناء وإظهار العواطف.ولكي يدعم الاستاذ محمد خليل ابراهيم رؤيته التحليلية يشير الى تعريف الخوارزمي (( الإيقاع هو نقلة على النغم في ازمنة محدودة المقادير والنسب))وهذا التعريف ينسجم مع تعريف الفارابي ((الإيقاع او الوزن هو عبارة عن سلسلة من أزمنة يوضحها النقر على آلة مجوفة كالطبل أو الدف)). اما تعريف الإيقاع عند صفي الدين الارومي (الإيقاع مجموعة من النقرات تتخللها ازمنه محدودة المقادير وبأدوار متساوية)) ويقصد بالأدوار المتساوية اهمية كل ضربة في تكرار النموذج الإيقاعي لأكثر من مرة ومجموعة النقرات تتخللها ازمنه محدودة المقادير
ويعود اشتقاق كلمة الإيقاع RHWTHM في اللغات الأوربية الى RHUTHMOS اليونانية وهو بدوره مشتق من الفعل RHEEIN بمعنى ينساب او يتدفق، وفي اللغة العربية يرجح أن لفظ الإيقاع مشتق من (التوقيع) وهو نوع من المشية السريعة ، وبشكل عام عبارة عن تنظيم معين لقيم زمنية متكررة وفق ترتيب محدد ويعرفه فاخروميف ،بأنه التتابع المنتظم لأنغام ذات قيمة زمنية متساوية أو المختلفة .
وبتحليل مضاف وفق اجتهاد محمد خليل ابراهيم الإيقاع جوهر اسلوب الكون وحركته المستمرة ، وإذا ما اردنا ان نسمي الإيقاع بمسميات اخرى فيمكن ان نقول انه نظام او انتظام ضمن عناصر مقبولة في حواسنا حيث ديمومة اي منظومة يكون في انتظام وتناسق حركة عناصرها كإيقاع تعاقب المواسم (فصول السنة). والطريف ،يعتقد المؤلف ،إن لكل مهنة لحناً ، أو إيقاع يقوم بدور تعبئة الهمم فيغذي المواظبة على العمل في ايقاعات معروفة يمكن الاستدلال عليها لدى الملاحين وعمال نقل الطابوق ومهن اخرى ،وبشإن اللغة العربية فان الايقاع يحكمها بوصفها اغنى لغة اشتقاقية بين لغات العالم تقوم . كما للايقاع ايضاً مسؤولية انتظام
ومن هذا الانتظام الذي يمثله الإيقاع الموسيقى إنه المصدر الذوقي والجمالي والوعاء الصوتي لكل الاصوات .
1 إنه يضيف نمط على الموسيقى مما يجعلها متجانسة.
يعمل على ايقاظ الشعور بألازمنه الموسيقية ويعزز التركيز فيها.
يساعد الآلات الموسيقية والمغنين على تنسيق العزف والغناء بطريقة متناغمة .
يعزز حضورالانتباه و الارتياح والحماسة لدى المستمع .
انشاء الذاكرة الإيقاعية وبحفيز الحواس والمشاعر .
يخلق تأثير للحنين والاستنفار والتحسب
يساعد على التواصل بين الفرق الموسيقية المختلفة والترويج للتعاون والتعاطف .
ختاماً ، هناك قيمة دراسية أكاديمية تدريبية للكتاب ،كونه يضم تمارين لتعلم الايقاع والضرب على الطبول .
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أحمد الخيّال شاعرٌ يمشي في ظل القصيدة
أحمد الخيّال شاعرٌ يمشي في ظل القصيدة

موقع كتابات

time٠٨-٠٧-٢٠٢٥

  • موقع كتابات

أحمد الخيّال شاعرٌ يمشي في ظل القصيدة

في مدينة القاسم، حيث يُصافح الفجر ضوء النخل، ويكتب نهرها حنينه على سطور السواقي، وُلد أحمد جاسم الخيّال في صيف عام 1968، ليكون أحد أولئك الذين خُلقوا من وهج الحروف، وتربّوا في حضن اللغة، وارتضعوا من مجازاتها كما يرتضع الطفل من أثداء الأساطير. كان الطفل الذي خطا نحو مدرسة 'موسى بن نصير' لا يحمل في حقيبته سوى قلم، لكنه كان يحمل في قلبه حبرًا يتوق أن يصير ديوانًا. ومنذ تلك اللحظة، كانت القصيدة تعدّ له مقعدًا بين أبنائها، حتى نشرت أولى قصائده عام 1986، وكان بعدُ طالبًا في الرابع الإعدادي. ومنذئذٍ لم تغب عنه الكلمة، لا في يقظته، ولا في حُلُمه. نال الشاعر شهادة البكالوريوس في اللغة العربية من كلية الآداب، جامعة بغداد عام 1992، ثم نهل من نبع الدراسات العليا حتى نال الماجستير من جامعة القادسية عام 2008، والدكتوراه من جامعة بابل عام 2013. غير أن شهاداته لم تكن أوراقًا معلّقة على جدران الإدارات، بل كانت مفاتيح فتحت له أبواب التأمل، وأقلامًا زادت من توهّج مداده. يكتب الخيّال الشعر والقصة، لكنه حين يكتب كأنما يعجن الحروف بتراب الوطن، ويقطّرها من وجد روحيّ عميق، فنصوصه تحمل حسًّا صوفيًا ونبضًا إنسانيًا مشوبًا بعشق للحق والجمال. وقد نالت قصائده جوائز مرموقة، مثل 'مسابقة الجود العالمية' عن قصيدته 'سجدة على أرض الجود'، وجائزة 'سيد الأوصياء'، وجائزة 'شاعر الحسين' في البحرين لعامين متتاليين، وجائزة كركوك للقصة القصيرة، وجائزة 'بهم انتصرنا' التي حيّت بطولات الحشد الشعبي. ويعدّه النقاد واحدًا من أبرز الشعراء الذين جمعوا بين الموهبة والصنعة، بين الحسّ الديني الرقيق واللغة الفخمة. يقول عنه أحد النقاد: 'أحمد الخيّال لا يكتب قصيدة المناسبات، بل يمنح المناسبة حياتها الشعرية الخاصة، فلا تعود مجرد ذكرى، بل طقسًا من طقوس الشعر، ونبضًا من أعماق التجربة الإنسانية.' ولم يكتفِ الخيال بكتابة الشعر، بل كان مثقفًا موسوعيًا، وأكاديميًا جادًا، فقد نشر أكثر من خمسة عشر بحثًا علميًا محكمًا، وشارك في مؤتمرات علمية وثقافية لا تُحصى. كما تبوّأ مناصب ثقافية مهمة، منها رئاسة المنتدى الأدبي في القاسم، ورئاسة الهيئة الاستشارية للبيت الثقافي في المدينة، وكان رئيس تحرير لمجلة 'المحقق' العلمية المحكمة. أما مؤلفاته، فهي منارات تتوزع بين البلاغة، والتفسير، وسِيَر الأئمة، والشعر. نذكر منها: أضرحة الماء (ديوان شعري خاص بأهل البيت)، يقظة النعناع، ونهارات شطبتها التقاويم، ومرايا الأنهار تبتكر الوقت، كتابه البلاغي المهم الأشكال البديعية في القرآن الكريم، وكتابه المثال الإلهي علي بن أبي طالب (ع) الذي استخلص فيه شخصية الإمام من ضوء النصوص وجلال المعاني. وقد أحيا الخيال بقلمه شعر المديح لا بوصفه تكرارًا تقليديًا، بل كموقف روحي ومعرفي، فقصائده الحسينية مثقلة بدموع التاريخ، وموشّاة بماء الوجد. وهو في هذا يُشبه شعراء الطف القدامى الذين مزجوا بين الرثاء والتحليل، بين العاطفة والرمز. ولئن كانت القصيدة لدى البعض وردةً للزينة، فهي لدى أحمد الخيّال صلاةٌ، ورايةٌ، وسلاح. ولهذا لا يمكن أن يُذكر اسمه إلا مقرونًا بالصدق، فكل بيتٍ كتبه يشهد أنه عاشه قبل أن يخطّه. ولعلّ أجمل ما يقال في وصف أحمد الخيّال أنه من الشعراء الذين لا يكتبون لأنهم يحسنون الكتابة، بل لأنهم لا يستطيعون أن يتنفسوا دونها… وكأن القصيدة هي هواء الروح، وهي الطريق، وهي الوطن حين تضيق الأوطان. من شعره قصيدته 'مطرٌ مكرّر' وهي تستند إلى رؤية تأملية سوداوية، تعكس حالة من الخيبة الجمعية المتكررة، وتوظّف رموزًا دينية وتاريخية (كيوسف والبئر، والمطر، والليل) للدلالة على الانتظار العقيم والانبعاث المؤجَّل، وموضوعها تأمل في واقع مأزوم، محمّل بالتكرار، والخذلان، وتعب الذاكرة الجمعية. واسلوبها نثري مشحون بالشعرية، يعتمد على الصورة الرمزية والتناصّ، دون التزام بوزن تقليدي. أما لغتها فهي كثيفة، إيحائية، فيها تلاعب دلالي ولغوي، وتوظيف لصور مفارقة ومركّبة. وثيمتها المركزية: المطر كرمز للخلاص المتكرر بلا جدوى، يقابله التكرار التاريخي للألم والانتظار. والقصيدة تُجسّد وعيًا مأزومًا بالحاضر، وهي دعوة خفية للتأمل لا للثورة، تعبّر عن الإعياء أكثر من الأمل. ورغم طابعها الفلسفي، لكنها مشحونة بجمال شعري كبير. الشاعر هنا لا يصرخ، بل يتأمّل بألمٍ داخلي، يزن المفاهيم، ويحوّلها إلى رموز. لا شيء مباشر، كلّ شيء متخفٍ خلف صورة أو إشارة.

الشاعر مالك مسلماوي.. أصالة الحرف وتجريب القصيدة
الشاعر مالك مسلماوي.. أصالة الحرف وتجريب القصيدة

موقع كتابات

time٠٨-٠٥-٢٠٢٥

  • موقع كتابات

الشاعر مالك مسلماوي.. أصالة الحرف وتجريب القصيدة

تمثل تجربة الشاعر مالك مسلماوي نموذجًا لافتًا في مشهد الشعر العراقي الحديث، إذ تتضافر في منجزه الشعري والنقدي عناصر التجريب الفني، والوعي الثقافي، والتحول الجمالي. وُلِد الشاعر في ناحية المشخاب بمحافظة القادسية عام 1950، وتكوّنت بداياته التعليمية والثقافية في سياق اجتماعي ريفي تقليدي، انتقل لاحقًا إلى مدينة الحلة التي أصبحت حاضنته الثقافية وفضاءه الإبداعي. تخرج من قسم اللغة العربية – كلية الآداب – جامعة بغداد سنة 1975، وعمل مدرسًا لسنوات طويلة، ثم نال درجتي الماجستير والدكتوراه من الجامعة الحرة، تخصصًا في اللغة والنقد الأدبي، ما أضفى على نصوصه بعدًا معرفيًا وتجريبيًا في آن واحد. ينتمي مالك مسلماوي إلى جيلٍ من الشعراء الذين تجاوزوا الصيغ الشعرية التقليدية، وانخرطوا في أفق قصيدة النثر بوصفها فضاءً مفتوحًا للبوح والتأويل والانتهاك البنيوي للأنماط الموروثة. في مجموعاته الكثيرة، التي تربو على خمس عشرة مجموعة شعرية، تتجلى نزعة متمردة على النمط، تبحث عن القصيدة في هوامش اليومي، وفي فجوات اللغة، وفي ما يسميه النقاد بـ'جماليات القلق'. عناوين مجموعاته مثل 'شاعر رديء'، 'يوميات نعال'، 'علبة فارغة في شارع الحمرا'، تمثل إعلانات صريحة عن اشتغاله على تفكيك بلاغة البطولة والذات المركزية، إذ يُقدِّم الشاعر ذاته بوصفها كائنًا هامشيًا مأزومًا، ويعكس في شعره حواريةً مع الواقع، لكن لا على نحو مباشر، بل من خلال ترميز كثيف ومجازات مركبة وسخرية وجودية. ما يميز تجربة المسلماوي أنه لم يقف عند حدود الإنتاج الشعري، بل مارس النقد بوصفه فعلًا تفسيريًا وأداة تأويلية، تستبطن الشعر من داخله وتعيد قراءته وفق آليات تحليلية حداثية. في كتبه مثل 'قصيدة النثر العراقية: العودة إلى الذات' و'تدجين اللغة الهاربة' و'جدل الاختلاف: اندحار الوعي وأزمة الذات'، نجد محاولة واعية لفهم تحولات الشعر العراقي، من خلال تتبّع البنية الأسلوبية، وتحليل آليات الخطاب، ومساءلة جدلية اللغة والهوية والذات. ولعلّ هذا التوازي بين الإبداع والتنظير مكّن الشاعر من صياغة نص شعري لا يقوم على الانفعال وحده، بل يتأسس على معمار لغوي ومعرفي يتطلب قارئًا مؤهّلًا للتفاعل معه. ويمكننا القول إنه يمثل امتدادًا لخطاب شعري حداثي بدأ مع الستينيات، لكنه لا يستعيد ذلك الخطاب بنسخته الأولى، بل يقدمه بصيغة أكثر تشتتًا، وأكثر تأملًا في أزمة المعنى وغربة الذات وتشظي اللغة. فهو لا يكتب من موقع اليقين، بل من موقع الالتباس، ولا يسعى إلى إنتاج الدهشة فقط، بل إلى توليد السؤال، وزعزعة سلطة الشكل والمحتوى. إن شعره هو شعر تأمل في الخراب اليومي، واستنطاق للمهمل، واحتفاء بالشخصي العابر بوصفه تمثيلًا للكوني العميق. وهو، في هذا السياق، يُعدّ من الأصوات التي أنجزت مشروعًا شعريًا متكاملًا يتقاطع فيه الحس الجمالي مع البعد الفلسفي، ويتجاور فيه القلق الوجودي مع توتر اللغة، ويترسّخ فيه حضور الذات ككائن هشّ في مواجهة عالم مفكك. ختاما فهو ليس شاعرًا تقليديًا ولا تجريبيًا بالمطلق، بل هو شاعر يحفر في اللغة بحثًا عن ذاته وذواتنا، ويكتب من موقع الالتباس ليصوغ نصوصًا شديدة التوتر والدلالة. وقد مكّنه هذا التوازن بين الرؤية الإبداعية والاشتغال النقدي من أن يكون حاضرًا وفاعلًا في المشهد الشعري العراقي المعاصر، بوصفه أحد أبرز كتّاب قصيدة النثر، الذين لم يفرطوا بالجوهر الشعري، بل أعادوا صياغته بما يليق بعصر مفتوح على الانكسار. ونختار من شعره (القصيدة الضائعة) لتحليلها وابراز خصائصها الفكرية والجمالية. عنوان القصيدة يشير إلى فقدان الأصل، وغياب المرجع، وانهيار اليقين الشعري. القصيدة ليست فقط نصًا مفقودًا، بل هي تجربة ذاتية مشتتة تبحث عن تماسك داخل ذات تمزقها الأسئلة والمفارقات. وهي تنتمي إلى قصيدة النثر التأملية، وتتحرك في مناخ من القلق الوجودي والتشكيك المعرفي، وتُبنى على مناجاة بين الشاعر و'الإله'، الذي يتحول تدريجيًا إلى 'الذات' و'اللا أحد'. وهي بنية تنزاح من الخطاب الصوفي نحو خطاب وجودي معاصر. وأبرز المحاور الكبرى للنص تتمثل في مفارقة المعلِّم واليتيم،'يا من علّمني كل شيء ، وتركَني وحيدًا في اللاشيء'. فهو هنا يبدأ بمرثية للمعرفة، حيث التعليم لم ينتج خلاصًا، بل عزلة وجودية في فراغ رمزي (اللاشيء). المعرفة، بدل أن تكون نورًا، صارت عبئًا. ويجد أن الشعر فعل خلاص ومحنة: 'علّمني الشعر… كي لا أَحترق وأتلاشى'. هنا تبرز الجدلية بين الشعر والاحتراق: الشعر ليس ترفًا ولا زينة، بل فعل نجاة روحي، وربما وهم نجاة. إنه شكل من أشكال الصراع مع العدم. ويرى القراءة كعاهة وجودية: 'اشفني من القراءة والكتابة…لأعود أميًا مثل قطتي'. هنا ذروة في المفارقة الشعرية: الشاعر، الذي يعيش على اللغة، يرى فيها مصدر ألمه. اللغة فقدت قدرتها على إنقاذه، فتحوّلت إلى عائق أمام البراءة، وأمام تلقّي العالم بتلقائية. يتمنى أن يكون 'قطًا' لا يعرف سوى المواء. ورمزية القطة والأشياء الجامدة ترتسم خيالا في قوله: 'أقرأ لها شعرًا… فتشيح بهدوئها عني'. فالقطة تمثل الكائن الطبيعي غير الملوث بالوعي، الرافض للخطاب الرمزي، بما يرمز إلى رفض الكون غير البشري للمنجز الشعري. كما أن الجمادات (الأحجار التي يتعثر بها منذ صباه) تصبح شهودًا على العجز الشعري، بل على التاريخ الشخصي المعطل. ونجد في هذه القصيدة تحولات أسلوبية وصوت الشعري:فالضمير الثاني (أنت) يتحوّل تدريجيًا إلى ضمير المتكلم (أنا)، مما يعكس حركة الانطواء. واستخدام التكرار ('علمني الشعر') بوصفه لحنًا داخليًا يعمق الإلحاح والضياع. وتداخل الخطاب الصوفي بـ'جحيمية' حديثة: النار، النبذ، الحيرة، لغة القصيدة تجمع بين البساطة التعبيرية والعمق الفلسفي، وألفاظ تميل إلى التجريد: الشيء، اللاشيء، النار، الصحو، الجغرافيا، الحزن… فيما تستخدم المفردات الحسية ('يدي'، 'لساني'، 'قميصي') لنقل الإفلاس الوجودي الكامل، حتى أدوات التعبير خانته. أما مسك الختام فيها فهو يوحي بكثير من الدلالات التي يمكن استجلائها: 'علمني أن أكون شاعرًا… عاريًا .. من التاريخ.. والجغرافيا.. والحزن…' هذه الخاتمة تلخّص مشروع الشاعر الفني: التخلص من كل إرث، من كل سياق، من كل شعور، من أجل الوصول إلى شاعرية عارية، غير مثقلة بالماضي، ولا متورطة بالحزن. لكنه لا يصل، بل يظل 'مبلّلًا بأخطائه' و'قصيدته الضائعة'. لذلك فإن 'القصيدة الضائعة' هي مرآة قلقة لذات تبحث عن خلاص شعري روحي، لكنها تصطدم بجدار اللغة، وببرود العالم، وبتشظي المعنى. فهو هنا يكتب الشعر لا بوصفه صناعة، بل بوصفه سؤالًا وجوديًا فادحًا، متجردًا من كل مظاهر التجميل والتزويق، ومشبَعًا بألم المعرفة واحتراق الدلالة.

'فرج ياسين'.. قصصه تقرأ الحياة الواقعية كما يجب أن تكون
'فرج ياسين'.. قصصه تقرأ الحياة الواقعية كما يجب أن تكون

موقع كتابات

time٢٥-٠٤-٢٠٢٥

  • موقع كتابات

'فرج ياسين'.. قصصه تقرأ الحياة الواقعية كما يجب أن تكون

خاص: إعداد- سماح عادل 'فرج ياسين محمد' هو كاتب وشاعر وقاص عراقي معروف. حياته.. مواليد 1945 في مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين، كتب الشعر والقصة القصيرة والنقد الأدبي، درس في قسم اللغة العربية بكلية الآداب – جامعة بغداد، ونال درجة الماجستير في القصة القصيرة، ودرجة الدكتوراه في الأدب الحديث والنقد. نشأ لا يحب المدرسة، لكنه كان يلتقط الورقة الملقاة في الطريق ويقرأ ما فيها، وفي الصف الرابع الابتدائي انتزع من مرسم المدرسة ورقتين تحتويان على قصة وقصيدة من مجلة أهل النفط التي أصبحت تسمى بعد ذلك العاملون في النفط . وبعد سنين طويلة اعتذر من معلم الرسم، فأطرى تلك السرقة حيث كانت الأولى والأخيرة. توفى والده وهو في سن الخامسة عشرة، كانت أول أبيات شعرية نشرت له، وهو طالب في الصف الرابع الثانوي. منذ أواسط الستينيات ثم السبعينيات اهتم بالقراءة في مجالات (الماركسية والوجودية وأدب المقاومة و بزوغ صفحة ما بعد الحداثة) راصدا التطورات في فنون الشعر والرواية والقصة والفن التشكيلي والمسرح والسينما، وكان أحد الشعراء الذين قدمتهم مجلة 'الكلمة' في عددين من أعدادها بوصفهم شعراء ما بعد الستينيات والسبعينيات، وحين انتقل من بغداد للعمل في سلك التعليم الثانوي في إحدى قرى تكريت منذ عام 1975 بدأت علاقته مع القصة. عمل أستاذ مساعد في كلية التربية للبنات / جامعة تكريت، وكان عضو اتحاد الأدباء العراقيين، وعضو مؤسس لاتحاد الأدباء فرع صلاح الدين، وأول رئيس له، عضو اتحاد الأدباء والكتاب العرب، عضو الهيئة الاستشارية للتأليف والترجمة والنشر في وزارة الثقافة العراقية. عضو الهيئة الاستشارية لمجلة إمضاء الفصلية. رئيس الهيئة الاستشارية لقصر الثقافة والفنون في محافظة صلاح الدين. حوار آخر (1981)، دار الرشيد للطباعة والنشر، بغداد، العراق. عربة بطيئة (1986) ، دار الشؤون الثقافية، بغداد، العراق. واجهات براقة (1995)، دار الشؤون الثقافية، بغداد، العراق. رماد الأقاويل (2006)، دار الشؤون الثقافية، بغداد، العراق. ذهاب الجعل إلى بيته (2010)، ثلاث قصص طويلة (ذهاب الجعل إلى بيته، هو الذي خسر كل شيء، الصبي 56)، دار تموز، دمشق، سوريا. بريد الأب (2013)، دار الروسم، بغداد، العراق. قصص الخميس (2016)، دار إمضاء، بغداد، العراق. الأعمال القصصية الكاملة (2022)، عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق. توظيف الأسطورة في القصة العراقية الحديثة (2000)، ط1، دار الشؤون الثقافية، بغداد العراق. أنماط الشخصية المؤسطرة في القصة العراقية (2006)، ط1، دار الشؤون الثقافية، بغداد العراق. توظيف الأسطورة في القصة العراقية الحديثة (2020)، ط2، دار كفاءة المعرفة، عمان، الأردن. طفولة.. في حوار معه أجراه 'سلام كاظم فرج' يقول 'فرج ياسين' عن نفسه: 'فرج ياسين: هذا هو اسم الشهرة الذي اتخذته منذ أول أبيات شعرية نشرت لي، وأنا طالب في الصف الرابع الثانوي، منزها نفسي عن أي انحياز يميل بي عن الصفة الإنسانية، كالانحياز إلى المدينة أو لقب العائلة أو العشيرة . ولدت في لحظة تاريخية هي نهاية الحرب العالمية الثانية، وبدء صفحة الرعب جراء إلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناكازاكي، وكان والدي قد منحني هذا الاسم قبل ولادتي بيوم واحد حين سجل اسمي في قائمة العائلة وكان وكيل تموين، مستشرفا حالة يكتنفها التشوف والرجاء والتفاؤل، لأن الأسرة رزقت بأربع إناث قبلي، وكانت هذه التسمية تشكل تماهيا عادلا مع حلمه الأبوي . نشأت فتى حالما مدلّلا خجولا عليلا، لا أحب المدرسة. توفى والدي وأنا في سن الخامسة عشرة، فنعمت برعاية ثلاثة أعمام وأخت كبرى أصبحت معلمة منذ عام 1959 وفي تلك الفترة أورقت بوادر التشكل النفسي الأول، إذ جعل صدى ارتطامي بالعالم في النمو . وقوف شخص على درابزين نادي الموظفين في تكريت وهو يرفع يده بقطعة لحم آدمي وينادي هذا لحم الوصي عبد الآله من يريد أن (يشيش ويشوي) جعلني أرتد إلى منطقة السلام والحب والفضيلة في أعماقي، فما احتقرت شيئا كاحتقاري للعنف وتدمير الروح الإنساني، ثم انسحب ذلك على السياسة فلم اشتغل بها ولم أنتم إلى حزب، ولم أستجب لوعد ما، وصدق حدسي إذ كان الساسة العراقيون أحد فئتين، أما هواة أنصاف متعلمين محمولين على غواية السلطة والوجاهة، وأما مناضلين حقيقيين عصاميين واعدين ولكن من دون جماهير حقيقية . نظرية نقدية عراقية.. ويجيبب 'فرج ياسين' عن سؤال هل ما زلنا نسعى لتأسيس نظرية نقدية عراقية، أم أن هذا الهدف قد تحقق: 'من الخطير جدا طرح هذا السؤال ولاسيما وأنه ينصب على استجلاء نظرية نقدية عراقية وليس عربية، وأخي العزيز يعلم أن كل ما وصلنا من مقدمات ومبادئ ومرجعيات أسلوبية حديثة جاء عن طريق الغرب، وها نحن نتبنى المناهج السياقية كما تبلورت عندهم، أقصد المنهج التاريخي والاجتماعي والنفسي والانطباعي والأسطوري، وكذلك المناهج النصية بأنواعها البنيوية والتفكيكية ومنهج القراءة والتلقي … الخ . وقد بذلت جهود لايستهان بها لإيجاد مقتربات تعامل المعطى المصدر بروح لا تضيع جهود تلك المفاتيح التي ابتكرها نقادنا القدماء وأضاعتها حقب التخلف والنكوص، وأنموذج هذه الرؤية هي نظرية النظم للجرجاني ورؤيتها الرائدة، لكن المشكلة في التراث النقدي العربي أنه لم يكن يشكّل حلقات مترابطة تؤدي إحداها إلى الأخرى، بل أن كل ناقد سجل جهده باسمه ورحل. أما في الوقت الحاضر فمن الخطير جدا القول بأن هناك مناهج عربية واضحة الحدود والسبب يعود إلى أن العرب لم يسجلوا منجزات فكرية خاصة بهم، ولم يطرحوا فلسفات ولم ينتجوا أدبا يستطيع اجتراح رؤية منهجية كما حصل على سبيل المثال في أدب أمريكا اللاتينية، إذ أضاف إلى المدرسة الواقعية اتجاهين جديدين هما الواقعية السحرية والواقعية الخيالية، والمنهج في هذه الحالة يولد من خلال سيرورة المنطلقات العلمية والمنجزات الأدبية . الواقعية الاجتماعية.. وعن توجه قصصه نحو الواقعية الاجتماعية وهل هو انحياز للاجتماعي والالتزام على حساب التفكير بأنماط سردية جديدة يقول 'فرج ياسين': 'دعني اتفق معك إلى حد ما، على أن قصصي أرادت أن تقرأ الحياة الواقعية ليس كما هي ولكن كما يجب أن تكون، وعلى وفق هذه الدعامة الأرسطية، وجدت أننا مازلنا بحاجة إلى الموجه الانتقادي لأن التجديد الذي حصل منذ أواسط الثمانينيات أشتغل على الموجهات الفنية، وفي غمرة ذلك تم تناسي مايجد ويتغير ويتحول في الحياة الاجتماعية، لكنني لم أكن في منأى عن كل ذلك . جربت أشكالا سردية كثيرة، ولعل مقالات وبحوث الملف سوف تجيب على كل ذلك . الشعر.. وعن البدايات في الكتابة والنشر والنص الأول والأصداء التي لقيها لدى الأصدقاء والنقاد يقول: 'البداية كانت مع الشعر ومنذ المرحلة الابتدائية، أما مع النشر فقد بدأت مع ملحق جريدة الجمهورية الأدبي 1967 – 1968، إذ كانوا ينشرون لي قطعا شعرية في بريد القراء (وقد أشار سامي مهدي في كتابه الموجة الصاخبة إلى أن بعض الذين كانت تظهر أسماؤهم في بريد القراء أصبحوا من أدباء العراق المعروفين)، وحين كنت طالبا في كلية الآداب أرسلت قصيدتين إلى مجلة ألف باء وبعد قرابة شهر ذهبت إلى المجلة فاستقبلني رئيس القسم الثقافي الذي عرفت بعد ذلك أنه فاضل العزاوي وقال لي أن قصيدتي (وجه القوة) ستنشر في الأسبوع القادم أما الأخرى فأني لا أعرف معنى كلمة فيها وهي (السعوط) فشرحتها له قائلا أنه (النشوق)، وهو مسحوق التبغ الذي يوضع في الأنف، فضحك وأكد لي أنها ستنشر لاحقا أيضا . حين شاهدت قصيدة وجه القوة على صفحة مجلة ألف باء، أخذني الزهو وخيل إلي أن كل الناس قد قرؤا قصيدتي وتعرفوا علي . ثم نشرت لي بعدها مجلة الإذاعة والتلفزيون وصوت الطلبة وألف باء لعدة مرات ومجلة الكلمة في عددين ومجلة الأقلام ضمن ملف الشعراء السبعينين وجريدة الجمهورية والطليعة الأدبية وكتاب شعراء الطليعة العربية الذي أعده الشاعر علي جعفر العلاق . وفي عام 1974 اشتركت مع صديقي غالب المطلّبي في كتابة مسرحية عنوانها المسد نشرتها مجلة الأديب المعاصر، ومن بوابتها دخلت حوزة السرد، بعد عامين كتبت قصتي الأولى الصرّة وأرسلتها بالبريد إلى غالب فقدمها إلى مجلة الأديب المعاصر ونشرتها في عددها الجاهز للطبع، فلقيت استحسانا كبيرا من مجموعة أصدقاء ومعارف مقهى البرلمان . وبعد شهرين نشرت مجلة ألف باء ومجلة الإذاعة والتلفزيون قصتي (الحبل والرجل )، وما أن حل عام 1981 حتى أصدرت دار الشؤون الثقافية العامة مجموعتي القصصية البكر (حوار آخر)، وقد اخترت منذ ذلك الحين أن أتفرغ لكتابة القصة من دون أن أفرّط بقوة الشعر الحيوية في لغتي أو حياتي. رماد الأقاويل.. في مقالة بعنوان 'الأسطورة والواقع في المجموعة القصصية رماد الأقاويل لـ فرج ياسين' كتب 'فيصل عبد الوهاب: 'القاص فرج ياسين نوع نادر من الأدباء الذين دأبوا على ارتياد مناهل الحقيقة وكرسوا حياتهم لخدمة قضية الفن الكبرى كالمتصوفة الزاهدين الذين لا يرون من الحياة قشورها ولا يقتنصون منها إلا لباب الجوهر . صدرت له الكتب التالية: وآخر ما صدر له المجموعة القصصية (رماد الأقاويل 2006) . تطالعنا قصة (حافات السنين المدببة) حيث يخيل للمرء عندما يقرأ بداياتها أنه في الطريق إلى تسجيل قصة وفاء أسطورية على نمط ملحمة الاوديسا عندما تنتظر بنيلوبة زوجها المغامر اوديسيوس حفنة من السنين ريثما يعود وربما لا يعود ولكن القاص هنا يصدمنا بالنهاية التي تنزلنا من عالم الأساطير إلى عالم الواقع لأن المرأة العجوز (روفة) التي صبرت على ذكرى خطيبها الغريق كل هذه السنين فجرت صبرها بنزوة كان يمكن أن ترتكبها مع الصبي الذي تخيلته خطيبها المعشش في ذاكرتها. إن القاص هنا يتعمد كسر الأسطورة بطريقة تخبرنا بضرورة الانصياع لمتطلبات الجسد أو أنه لا مفر من ذلك وفق الفلسفة الحتمية'. في مقالة بعنوان (بيت فرج ياسين) كتب 'محمد صابر عبيد': 'تدلف إلى بيت فرج ياسين في مدينة تكريت 'حيّ الأربعين' من الباب الخارجي فتستقبلك الحديقة على يسارك، مربعة الشكل تقريبا، تحيط بها أشجار البرتقال والليمون والنارنج وكأنها تحرس النجيل الأخضر المهيمن عليها، هذه الحديقة هي وطن الضيوف في المساءات الصيفيّة الجميلة الرائقة. تعلّمَ في بيت فرج ياسين معنى جديداً للكرم لطالما فكّرَ فيه وبحث عنه وحارَ في معناه، فالكرم عنده إحساسٌ لطيفٌ وكاملٌ وآنيٌّ بالآخر، وليس موائد باذخة ذات طبيعة احتفاليّة تُعنى بالسُمعة والدعاية والإشهار أكثر من عنايتها بإسعاد الضيف وفهمه، ثمّة روحيّة بالغة الخصوصيّة إذا ما توفّرت في صاحب البيت حضر الكرمُ بأعلى تمثيلاته الحيّة والغزيرة والخصبة، وكان هذا البيت، بيت فرج ياسين، كامل الروحيّة، بحيث لا تغيب ولو لحظة واحدة عن الحال حتّى وإن كانت الظروف أحياناً غير مواتية، وما زال هذا البيت مع بُعدِ المسافة وصعوبة الظَرف حاملاً لهذه الروحيّة في الوجدان والذاكرة والحلم'. توفي يوم 23 أبريل 2025.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store