
وسطاء الصفقات «بُدلاء» ترمب عن رجال الدولة
تثير لقاءات الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع ضيوفه، وتصريحاته الإعلامية، قلقاً في عدة أوساط على امتداد العالم، بما فيها أوروبا الغربية، التي تنتظم معظمُ دولها في حلف واحد مع الولايات المتحدة الأميركية هو حلف شمال الأطلسي «ناتو». وكان هذا الحلف قد قام أساساً على «عقيدة قتالية» واحدة في مواجهة الاتحاد السوفياتي، الذي كانت تعتبره الدول الغربية نقيضاً آيديولوجياً واقتصادياً للمُثل والثقافة والمصالح الغربية يتجسد في قوة شيوعية كبيرة مخترقة للحدود، وطامحة لتطبيق نموذجها عالمياً. لقد كان «ناتو» أحد ثلاثة أحلاف قادت واشنطن عملية تشكيلها في أوروبا («ناتو»)، والشرق الأوسط (حلف بغداد الذي صار الحلف الأوسط «سنتو»)، وجنوب شرق آسيا (خلف جنوب شرق آسيا «سياتو»)؛ بهدف «احتواء» الخطر الشيوعي المتمدد من الاتحاد السوفياتي والصين الشعبية.
وبمرور السنين، وطوال معظم «الحرب الباردة»، توزّعت دول المناطق الثلاث - وغيرها - بين «حلفاء» لواشنطن، و«خصوم» لها يعتمدون على دعم السوفيات والصينيين. وحتى بعد تأسيس إسرائيل، ثم انهيار الاتحاد السوفياتي، وظهور دولة قومية كبرى على أنقاضه هي جمهورية روسيا الاتحادية، ظلت علاقات الماضي بمعظمها راسخة. في الشرق الأوسط، مواقف الرئيس ترمب الأخيرة، وعلى رأسها تهجير أبناء قطاع غزة وترحيلهم إلى الأردن ومصر ودول أخرى، صدمت كثيرين من الحلفاء والأصدقاء لواشنطن في المنطقة. والمعروف أن الديمقراطيين كانوا قد خسروا الانتخابات الأميركية الأخيرة، نتيجة جُبنهم ولا مبدئيتهم، أمام حملة جمهورية شعبوية متشددة فكرياً ودينياً، يديرها من وراء الستار أعتى عُتاة داعمي «إسرائيل الكبرى»، مثل شيلدون إيدلسون وعائلته، و«إعلام» روبرت مردوخ التأجيجي، و«أوليغارشيي» الإعلام الجديد. ولكن، انتصار دونالد ترمب لم يقتصر على استعادته البيت الأبيض، إذ استعاد الجمهوريون أيضاً تحت قيادته مجلسي الكونغرس، من دون أن ننسى الغلبة اليمينية المحافِظة المؤيدة له على المحكمة العليا. وهكذا، شعر الرجل بأن الشعب الأميركي منحه تفويضاً مطلقاً ليفعل ما يشاء، بما في ذلك إعادة تركيب المؤسسات، وانتهاك القانون والأعراف، ونسف ثوابت التفاهمات العريضة التي تشكل أسس الديمقراطية السليمة القائمة على المحاسبة وتداول السلطة. هذا في الشأن الداخلي، حيث يبدو أن المعارضة الديمقراطية المرتبكة لا تزال تعيش صدمة هزيمتها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لكن المشهد الخارجي لا يقلّ خطورة على الإطلاق، وسط سيل «الأوامر الرئاسية» الترمبية الجامحة. عربياً، كان صادماً ليس فقط البُعد اللاإنساني في طرح ترمب حيال غزة، بل إصراره عليه، حتى بعدما استُقبل هذا الطرح بسلبية من كل الجهات المعنية مباشرة، طبعاً باستثناء الشريك والمحرِّض الإسرائيلي الليكودي. وطبعاً، دفع هذا الواقع إلى تنادي عدد من الدول العربية للتعامل مع وضع مُقلق يهدد بتعقيدات إقليمية لا تنتهي. غير أن واقع علاقات واشنطن، اليوم، مع العرب، يمكن تعميمه عالمياً. والحال، إن أصواتاً مسؤولة بدأت ترتفع من قلب مؤسسات السلطة الأميركية، ولا سيما الدفاع والاستخبارات، محذِّرة من مخاطر مسار الإدارة الجديد على علاقات واشنطن ومصالحها التاريخية.
إذ أدهش بعض الأميركيين «استعداء» ترمب، من دون أي مبرّر، «جارتيْ» أميركا شمالاً وجنوباً... كندا والمكسيك. وذلك بدءاً بإعلان رغبته بضم كندا إلى الولايات المتحدة، وشنّه «حرباً اقتصادية» جديدة على المكسيك، بعدما بدأ ولايته الرئاسية بمشروع «جدار الفصل» الحدودي. وكما شاهدنا ونشهد، غدت «الحروب الاقتصادية» عبر التعرفة الجمركية سلاحاً ماضياً تستخدمه واشنطن راهناً ضد كل قيادة أو دولة لا يروق لها استقلاليتها...
أيضاً، كان صادماً إعلان ترمب، من جانب واحد، إصراره على الاستحواذ على جزيرة غرينلاند الضخمة التابعة للدنمارك، التي هي شريكة تجارية وأطلسية لأميركا... رغم الرفض الدنماركي المتكرّر. وكذلك، تحويله أنظاره باتجاه بنما ليُعرب عن حقه بالاستحواذ على قناة بنما الواصلة بين المحيطين الأطلسي والهادئ. وبالتوازي، استقبل مشرِّعون في الكونغرس، وجنرالات في «البنتاغون»، وخبراء في مراكز الأبحاث، ومسؤولون في الأحلاف العسكرية - منها «ناتو» - بهلع واستنكار عدداً من التعيينات الأخيرة في إدارة ترمب، بينها تعيين بيتر هيغسيث (المعلِّق اليميني في قناة «فوكس» التابعة لمردوخ) وزيراً للدفاع، والنائبة السابقة تولسي غابارد (المدافعة عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوري السابق بشار الأسد) مديرة للاستخبارات الوطنية!! وزاد المشهد «عبثية»، بالأمس، كلام نائب الرئيس الأميركي، جيه دي فانس، العدائي والمسيء عن الاتحاد الأوروبي، والدعم العلني من إدارة ترمب - بالذات من الملياردير إيلون ماسك - لأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، بما فيها حزب «البديل لألمانيا» النيو نازي، وحزب «الإصلاح» البريطاني اليميني المعارض للمهاجرين. وبذا استُفزَّ أبرز حليفين استراتيجيين لواشنطن في أوروبا. ومن ثم، اكتملت الصورة أوروبياً، مع انقلاب ترمب وإدارته على أوكرانيا، وتأكيده ثقته بالزعيم الروسي فلاديمير بوتين، ورغبته بالتفاهم معه، ولو على حساب إجبار أوكرانيا على التخلي عن بعض أراضيها لروسيا...
وأخيراً، إزاء آسيا، مارس ترمب سياسة الفرض والإخضاع على ضيفه رئيس الوزراء اليميني المتشدد الهندي ناريندرا مودي، المفترض به أن يكون أوثق حلفاء أميركا في القارة إذا حصلت مواجهة كبرى بينها وبين الصين، سواءً بسبب التجارة أو تايوان. إذ «أُجبر» مودي على القبول بشراء مزيد من النفط الأميركي (!) والسيارات الأميركية، وكذلك طائرات حربية متطورة من طراز «إف 35 إس» (لم تطلب نيودلهي شراءها أصلاً)، وتعديلات تتيح للهند شراء مزيد من المفاعلات النووية الأميركية. في ضوء كل ما سبق، لا شك أبداً في صدق قول إسحاق الموصلي: لكلِّ دهرٍ دولةٌ ورجالُ.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


خبرني
منذ 16 دقائق
- خبرني
ترمب يوافق على تأجيل فرض الرسوم على الاتحاد الأوروبي
خبرني - خبرني - أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أنه وافق على تأجيل فرض الرسوم التجارية بنسبة 50% على السلع من الاتحاد الأوروبي إلى 9 يوليو المقبل. وأشار ترمب في منشور على موقع "تروث سوشيال" للتواصل الاجتماعي، يوم الأحد، إلى أنه أجرى اتصالا هاتفيا مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي طلبت منه تأجيل فرض الرسوم، الذي كان متوقعا اعتبارا من 1 يونيو. وأضاف ترمب : "وافقت على التأجيل حتى 9 يوليو عام 2025"، مشيرا إلى أن فون دير لاين أكدت له أن المفاوضات التجارية بين بروكسل وواشنطن ستبدأ قريبا. وقال ترمب للصحفيين في البيت الأبيض تعليقا على الاتصال الهاتفي إن فون دير لاين أعربت عن رغبتها في "البدء بالمناقشات الجدية". وكان ترمب قد أعلن عن صعوبة المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، وأنه أوصى بفرض الرسوم على الواردات من الاتحاد الأوروبي بنسبة 50% اعتبارا من 1 يونيو المقبل. واعتبر ترمب أن عجز الميزان التجاري الأمريكي مع الاتحاد الأوروبي "غير مقبول"، مشيرا إلى أنه يبلغ 250 مليار دولار.


العرب اليوم
منذ 2 ساعات
- العرب اليوم
واشنطن تدرس تخفيف بعض العقوبات على إيران كجزء من اتفاق مبدئي محتمل
كشف دبلوماسي أميركي رفيع المستوى أن إدارة الرئيس دونالد ترمب تدرس تأجيل تطبيق بعض العقوبات المفروضة حاليًا على إيران ، في إطار جهود دبلوماسية مكثفة للتوصل إلى اتفاق مؤقت بين واشنطن وطهران. وأكد المسؤول، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن واشنطن طرحت إمكانية التوصل إلى "اتفاق مبدئي" تتخذ بموجبه إيران خطوات ملموسة تُظهر استعدادها للتخلي الكامل عن تطوير أسلحة نووية. ورغم هذه المناقشات، لا تزال الولايات المتحدة متمسكة بوقف جميع أنشطة تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية، وهي نقطة تشكل عقبة كبيرة أمام التوصل إلى اتفاق شامل. وأوضح الدبلوماسي الأميركي أن هذه المسألة لا تزال تشكل نقطة خلاف رئيسية بين الطرفين. وتأتي هذه التصريحات بالتزامن مع إعلان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو خلال جلسة أمام مجلس الشيوخ أن الولايات المتحدة منفتحة على السماح لإيران بمواصلة برنامجها النووي المدني، مع التشديد على منعها من تخصيب اليورانيوم خشية أن يُمكن ذلك طهران من تصنيع أسلحة نووية في المستقبل. وأضاف روبيو أن التوصل إلى اتفاق في هذا الشأن "لن يكون سهلاً". من جهتها، أكدت إيران تمسكها بحقها في تخصيب اليورانيوم، مؤكدًة على التزامها بعدم تطوير أسلحة نووية، ووصفت سياسة البلاد الخارجية بأنها لا تسعى لامتلاك أسلحة دمار شامل. وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في تصريحات لوكالة "مهر" الإيرانية، إن طهران تطالب برفع العقوبات الأميركية التي تؤثر على شعبها بشكل مباشر، وتأمل في التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن يحترم حقوق إيران النووية ضمن معاهدة منع الانتشار النووي. على صعيد المفاوضات، انتهت في روما الجولة الخامسة من المحادثات الأميركية-الإيرانية التي تستهدف إنهاء النزاع المستمر منذ عقود حول البرنامج النووي الإيراني. وأشار وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي إلى أن الجولة حققت بعض التقدم، وإن لم يكن حاسماً، معربًا عن أمله في تجاوز القضايا العالقة في الأيام المقبلة للوصول إلى اتفاق مستدام. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، إن الرئيس ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ناقشا الاتفاق المحتمل، معبرة عن اعتقاد ترمب بأن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح. وأضافت ليفيت أن الصفقة المحتملة يمكن أن تنتهي إما بحل دبلوماسي إيجابي للغاية أو بنتيجة سلبية بالنسبة لإيران. وفي تصريحات نقلتها وسائل الإعلام الإيرانية، وصف وزير الخارجية عباس عراقجي المفاوضات بأنها "معقدة"، لكنه أشاد بالمقترحات التي قدمتها سلطنة عمان لتجاوز العقبات، مشيرًا إلى أن الجولة الخامسة كانت من "أكثر جولات التفاوض مهنية". وأكد عراقجي أن الجانب الأميركي أصبح يمتلك فهماً أكثر دقة للمواقف الإيرانية. شارك في الجولة الخامسة من المفاوضات عدد من كبار المسؤولين الأميركيين، بينهم المبعوث الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف ومدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية مايكل أنطون، واستمرت الجلسة لأكثر من ساعتين. يذكر أن إيران تصر على حقها في تخصيب اليورانيوم، بينما تطالب واشنطن بوقف كامل لهذه الأنشطة لتفادي استخدام البرنامج النووي المدني في تصنيع أسلحة نووية، ما يجعل التفاوض بين الطرفين معقدًا ومتوترًا حتى الآن.


العرب اليوم
منذ 11 ساعات
- العرب اليوم
معركة هارفارد مستمرة!
لا تزال المعركة مستمرة بين الرئيس الأمريكى ترامب والجامعات الأمريكية، خاصة جامعة هارفارد.. أتابع القضية بفضول شديد لمعرفة من ينجح فى النهاية ومن الذى ينصفه القضاء؟.. القضية ذهبت إلى المحكمة.. أحدث حلقات هذه المواجهة قرار ترامب منع الجامعة من تسجيل الطلاب الدوليين بها، ولجوء هارفارد إلى القضاء!. قالت وزارة الأمن الداخلى الأمريكية، إنه لم يعد بإمكان هارفارد تسجيل الطلاب الأجانب، ويجب على الطلاب الأجانب الحاليين الانتقال إلى جامعة أخرى أو فقدان وضعهم القانونى.. وأمرت وزارة الأمن الداخلى بإنهاء اعتماد برنامج هارفارد، ورفضت الجامعة تسليم سجلات سلوك الطلاب الأجانب التى طلبتها وزارة الأمن الداخلى الشهر الماضى!. المعركة تحسب لجامعة هارفارد، تشير الأرقام إلى أن هذا القرار قد يؤثر على أكثر من ربع طلاب هارفارد، الذين غمرهم القلق والارتباك بسبب هذا الإعلان، وحذر الأساتذة من أن الهجرة الجماعية للطلاب الأجانب تهدد بخنق القدرات الأكاديمية للمؤسسة، حتى فى الوقت الذى تُناضل فيه ضد الإدارة من أجل استقلاليتها الأيديولوجية!. بينما أكد البيت الأبيض أن «تسجيل الطلاب الأجانب هو امتياز وليس حقا» واتهم قيادة هارفارد بتحويل مؤسستهم العظيمة فى السابق إلى حاضنة للمحرضين المناهضين لأميركا والمعادين للسامية والمؤيدين للإرهاب! وتشير البيانات إلى أن 6.793 طالبًا دوليًا يشكلون 27.2٪ من إجمالى عدد المسجلين فى العام الدراسى 2024-2025... لجأت هارفارد إلى المحكمة لمقاضاة إدارة ترامب لمنع هذه الخطوة، وكتب الدكتور آلان م. جاربر، رئيس الجامعة هارفارد رسالة للطلاب، قال فيها: »ندين هذا الإجراء غير القانونى وغير المبرر«، مضيفًا أنه »يعرض مستقبل آلاف الطلاب والباحثين فى هارفارد للخطر، ويمثل تحذيرًا لعدد لا يُحصى من الطلاب والباحثين فى الكليات والجامعات فى جميع أنحاء البلاد ممن قدموا إلى أمريكا لمتابعة تعليمهم وتحقيق أحلامهم!. وتعد هذه المرة الثانية التى تقاضى فيها هارفارد الحكومة الفيدرالية فى غضون أسابيع، وكانت الدعوى الأولى بسبب تقليص مليارات الدولارات من المخصصات الفيدرالية للجامعة!. الحقيقة أن تدخلات ترامب فى الجامعات خاصة هارفارد يعتبر اعتداء على قدسية الحرم الجامعى واعتداء على أحلام الطلاب والباحثين، وإساءة إلى اسم أمريكا وسمعتها، وقالت صحيفة نيويورك تايمز إن ترامب منذ تنصيبه، سعى إلى استخدام كل ما تملكه الحكومة الفيدرالية تقريبًا من أدوات لإجبار الجامعات، وخاصةً هارفارد، على الانصياع لإرادته. باختصار «تسييس التعليم» خطر كبير وضربة قاصمة لسمعة جامعة كانت من أوائل الجامعات فى العالم، وجاء ترامب يسخر منها ويرى أنها لا تستحق مكانتها فى العالم، فلا هى أولى، ولا هى من الأوائل.. مأساة كبرى!.