
المجر تغرد خارج سرب الاتحاد الأوروبي وقمة باريس تستنفر روسيا
استيقظ سكان العاصمة الروسية على صورة نشرها وزير الخارجية المجري بيتر سيارتو على مواقع التواصل الاجتماعي، له وهو يمارس الرياضة الصباحية على شاطئ نهر موسكو غير البعيد من مقر السفارة المجرية، مرتدياً بدلة تدريب رياضية تحمل شعار نادي كرة القدم المجري "هونفيد" تحته عبارة "نحن نكتسب القوة"، في إشارة لا تخلو من مغزى، ولم يكن غريباً أن تجتمع كل الصحف الروسية الصباحية حول نشر هذه الصورة التي تصدرت خبر الزيارة الـ13 لوزير الخارجية المجري خلال أقل من ثلاثة أعوام، هي عمر المواجهة المسلحة بين روسيا وأوكرانيا، إلى موسكو وما تضمنت من محادثات حول أمن وإمدادات الطاقة مع ألكسندر نوفاك، نائب رئيس الحكومة الروسية المسؤول عن هذا الملف منذ أعوام طويلة، وذلك إلى جانب لقاءات المسؤول عن الدبلوماسية المجرية والحاصل على وسام الصداقة مع الشعوب، أحد أعلى الأوسمة الروسية، مع كبار المسؤولين في العاصمة الروسية.
أمن الطاقة والأزمة الأوكرانية
وحسب ما كان متوقعاً كانت قضايا أمن الطاقة واستمرارية إمدادات الغاز والتعاون بين البلدين ومعهما تطورات الأزمة الأوكرانية في صدارة محادثات الوزير المجري في العاصمة الروسية، وبحسب نوفاك فإن "ذلك يؤكد مرة أخرى خط السياسة الخارجية الذي يتسم بالتوازن والموضوعية للقيادة المجرية"، لافتاً إلى "أنه بفضل الموقف البناء المستمر من جانب الوزير المجري تمكن البلدان من التعاون بفاعلية وحل جميع القضايا الناشئة، على رغم الوضع الدولي الصعب"، وأضاف "في ظل الظروف الحالية من المستحسن مواصلة تنفيذ الاتفاقات التي جرى التوصل إليها سابقاً في المجالات الإستراتيجية للحفاظ على جميع جوانب التطورات الثنائية المفيدة في مختلف مجالات التعاون الروسي - المجري وزيادتها". وأعرب الجانب الروسي عن يقينه من التزام موثوقية إمدادات الطاقة إلى بودابست، واستعداده لاتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان بقاء الإمدادات للشركاء من دون انقطاع، على حد قول المسؤول الأول عن ملف الطاقة في العاصمة الروسية.
من جانبه قال سيارتو "إن المجر تتوقع مواصلة التعاون في مجال الطاقة مع روسيا وتقدر نتائجه من إمدادات النفط والغاز المستقرة التي تضمن أمن الطاقة في بلدنا"، وأضاف "نرحب بالتنفيذ المستمر لمشروع بناء محطة الطاقة النووية باكش-2، ونهدف إلى الحوار حول حل القضايا المتعلقة بتمويل المشروع في مواجهة القيود الخارجية".
ولم يخرج ما تناوله سيارتو من قضايا مع المسؤولين في موسكو عما سبق وناقشه رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان خلال زياراته الأخيرة للعاصمة الروسية، بما انفرد به من مواقف متميزة عن بلدان الاتحاد الأوروبي، ومن المعروف أن المجر لم تدعم الاقتراح الأخير للاتحاد الأوروبي حول تخصيص 20 مليار يورو من المساعدات العسكرية لأوكرانيا، كذلك رفضت الحكومة المجرية دعم انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي حتى تبدأ كييف في احترام حقوق الأقلية القومية المجرية في منطقة ما وراء الكاربات التي كانت جزءاً من أراضي المجر وضمها ستالين إلى أوكرانيا بموجب نتائج الحرب العالمية الثانية.
ويتحدث مراقبون في العاصمة الروسية عن أهمية هذه الزيارة وتوقيتها الذي جاء مواكباً لانعقاد قمة باريس التي غاب عنها فيكتور أوربان ونظيره السلوفاكي روبرت فيتسو من منظور ما يتخذانه من مواقف مغايرة، كثيراً ما أثارت مخاوف المجتمعين في العاصمة الفرنسية، ممن أطلقوا على اجتماعهم هناك "قمة الراغبين".
"ائتلاف الراغبين" من دون واشنطن
وثمة من يقول في موسكو إن اجتماع القمة الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ممن يطلقون عليهم كنية "الراغبين"، يبدو في حقيقة الأمر استعداداً "للحرب العالمية الثالثة"، وكانت هذه "القمة" عقدت بمشاركة ممثلين عن 31 دولة إضافة إلى ممثلي الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، خلصوا جميعهم إلى ضرورة زيادة الدعم العسكري لأوكرانيا وتعزيز قدرات القوات المسلحة الأوكرانية والمجمع الصناعي العسكري للبلاد، وذلك فضلاً عن المساعدة في إعادة إعمار البلاد وتوفير الضمانات الأمنية من خلال نشر القوات الغربية التي قالوا إن أوكرانيا في أمس الحاجة إليها.
وتعهد المشاركون في القمة بتخصيص قرابة 20 مليار يورو إضافية كمساعدات عسكرية لأوكرانيا وتزويد كييف بمليوني وحدة مدفعية وتوفير الذخيرة وتحسين التنسيق بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لضمان أن الدعم الذي تقدمه يلبي حاجات أوكرانيا، إضافة إلى ذلك اتفق القادة الأوروبيون على تعزيز التعاون مع صناعة الدفاع الأوكرانية ومواصلة تطوير مهمة الاتحاد الأوروبي للتدريب العسكري للجنود الأوكرانيين، كذلك شملت مناقشات المشاركين في هذه القمة تقييم مسار مفاوضات السلام التي بدأت بمبادرة من الرئيس الأميركي دونالد ترمب والخطوات الأولى نحو وقف إطلاق النار وسيناريوهات خطة سلام مع ضمانات أمنية لكييف.
تعهد المشاركون في قمة باريس بتخصيص قرابة 20 مليار يورو إضافية كمساعدات عسكرية لأوكرانيا (أ ف ب)
وكانت موسكو استبقت مثل هذه النيات بإعلان الرئيس فلاديمير بوتين معارضتها وأن بلاده ستعتبر أي وجود لأية دولة بمثابة مواجهة مباشرة معها، كذلك نشرت وزارة الخارجية الروسية ما مفاده بأن روسيا تعارض بصورة قاطعة "مثل هذا السيناريو المحفوف بصدام مباشر بين روسيا وحلف شمال الأطلسي". وقالت إن البلدان الأوروبية، تحت ستار بعثة لحفظ السلام، تطور "تصميماً للتدخل العسكري في أوكرانيا"، بمشاركة مباشرة من جانب الرئيس الفرنسي ماكرون الذي تفضحه رغباته في تزعم القارة الأوروبية بعيداً من الولايات المتحدة.
ومن اللافت ما قاله الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في إطار مداخلاته في أعمال القمة حول طلبه الإجابة عن عدد من الأسئلة المحددة ومنها معرفة أي من الدول التي ستشارك براً وجواً وبحراً في أوكرانيا؟ وأين ستنتشر هذه القوات تحديداً؟ وما حجم وهيكل هذه القوات؟ ومتى سيبدأ تحالفنا فعلياً؟ ومتى ستبدأ الهدنة أو متى ستنتهي الحرب بصورة كاملة ويجري التوصل إلى تسوية؟"، ومن وحي ما جرى نشره لأعمال تلك القمة، فإن تلك التساؤلات لم تلقَ إجابة "شافية"، فضلاً عما إذا كان بعض المشاركين ينوي حقاً الانضمام إلى ما خلصت إليه القمة من قرارات غير ملزمة لأي منهم.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وصف في وقت سابق الدول الأوروبية التي تنظر في سيناريو إرسال وحدة حفظ السلام التابعة لحلف شمال الأطلسي إلى الأراضي الأوكرانية، بأنها "حالمة"، من جانبه قال الناطق الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن مثل هذه المناقشات "توجه خطر".
اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده ستعتبر أي وجود لأية دولة بمثابة مواجهة مباشرة معها (أ ف ب)
نتائج "خالية الدسم"
وكان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بادر بالتعليق على نتائج القمة بقوله إن "النتائج الرئيسة لاجتماع باريس هي التعبير عن الدعم لأوكرانيا بقدر الضرورة"، فضلاً عن الاستنتاج الذي توصل إليه المشاركون بأن "الآن ليس الوقت المناسب لرفع العقوبات" ضد روسيا، غير أن النتائج يمكن أن توحي أيضاً بأن "ائتلاف الأشخاص الراغبين" لم يتفق على أي شيء جديد على الإطلاق، حسب قول مراقبين كثر قال بعضهم إن هذه النتائج تبدو في بعض جوانبها "خالية الدسم"، على رغم أن رفض أوروبا أي تخفيف للعقوبات، بالطبع، أدخل غموضاً إضافياً في احتمالات هدنة في البحر الأسود، لأن رفع عدد من القيود كان شرط موسكو لوقف إطلاق النار في البحر الأسود، ولكن مع ذلك من غير المحتمل أن يكون مثل هذا الرفض مفاجئاً.
وكان ماكرون أكد أيضاً أن وزراء خارجية الدول المتحالفة مع أوكرانيا تلقوا تعليمات بوضع وتقديم خطة للسيطرة على وقف إطلاق النار في غضون ثلاثة أسابيع، إذا حُقق ذلك، وأعلن الرئيس الفرنسي عن إرسال "فريق فرنسي - بريطاني" إلى أوكرانيا تمهيداً "لإعداد شكل جيش الغد الأوكراني"، وأكد إيمانويل ماكرون أن العمل مستمر في شأن إرسال "قوات الردع"، التي يمكن أن تتمركز على الأراضي الأوكرانية في حال إبرام اتفاق سلام بين موسكو وكييف، وفي الوقت نفسه أشار الرئيس الفرنسي إلى أن الحديث لا يجري حول حفظة السلام الكلاسيكيين، إذ ستُنشر القوات الأوروبية بعيداً من خط المواجهة. وعلى رغم أنه أعرب عن أمله في أن تدعم الولايات المتحدة "قوات الردع" بطريقة أو بأخرى، فإن ماكرون وعد أيضاً بالتحضير لمثل ما جرى الاتفاق حوله، من دون مشاركة واشنطن في مثل هذه المبادرة.
وذلك على النقيض مما سبق وقاله رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في وقت سابق، حول أن إرسال قوات أوروبية مسألة غير قابلة للتنفيذ إلا بضمانات أمنية من الولايات المتحدة.
وكان بن والاس وزير الدفاع البريطاني السابق سبق وقال إن مفاوضات "ائتلاف الراغبين" أشبه بـ"الخداع السياسي التكنولوجي"، لأنها لا تناقش "القضايا الأساس... بالنسبة إلى أوروبا وبريطانيا، هذه مسألة تصميم"، وأكد الوزير البريطاني السابق "أن بوتين يشعر بأننا لا نملك مثل هذا التصميم لذلك لا يأخذنا على محمل الجد"، وكان ستارمر، متحدثاً أمام قيادة مقر العمليات الأجنبية المشتركة للقوات المسلحة الملكية، كشف عن أن المملكة المتحدة تضع خططاً للعمليات البرية والبحرية والجوية في أوكرانيا لضمان الامتثال لاتفاق السلام بعد تسوية النزاع، وذكرت وسائل الإعلام البريطانية أن لندن وباريس تأملان في تشكيل "فيلق لحفظ السلام" من 10 إلى 30 ألف جندي "لضمان اتفاق السلام في شأن أوكرانيا".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
موقف موسكو من "عسكرة أوروبا"
وقد جاء ذلك كله في وقت تحذر فيه موسكو مما تسميه بـ"عسكرة أوروبا" على ضوء اجتماع رؤساء أركان الجيوش الأوروبية في العاصمة البريطانية لندن، وفي إطار تحذيراتها من مغبة مثل هذا التوجه، أعربت موسكو عن قلقها، مشددة على ضرورة اتخاذ ما يلزم من إجراءات للرد المناسب وفق ما أعلنت عنه المصادر الأوروبية من رفع نسبة إنفاقها العسكري، بما يتفق مع خطط تطوير المجمع العسكري الصناعي الأوروبي.
وننقل عن الموقع الإلكتروني لقناة "روسيا اليوم" ما قالته حول ما يجري من خطوات على هذا الطريق، وما "تحرزه القوات الروسية من تقدم ضخم على جبهة المواجهة المسلحة مع أوكرانيا وبخاصة في مقاطعة كورسك، ومع بدء سرقة عوائد الأصول الروسية بإعطاء كييف 971 مليون دولار كجزء من ثلاث دفعات مضمونة، والأهم من هذا وذلك موقف فرنسا الداعي إلى استخدام المظلة النووية في أوروبا، فيما ترمب يحذر من حرب عالمية ثالثة بحال الفشل في التوصل إلى اتفاق سلام في أوكرانيا".
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أشار أخيراً إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يريد بصدق إنهاء هذا الصراع"، وأضاف أن روسيا تؤيد حل الصراع الأوكراني بالوسائل السلمية، ولكن بشرط القضاء على الأسباب الجذرية، وهو ما سبق وأعلن ترمب عن قبوله به، كذلك أشار بوتين إلى أن بلاده تتمتع بتوازن إستراتيجي مع الولايات المتحدة، مؤكداً أن موسكو ستعمل على تطوير قدراتها في الوقت المناسب وبطريقة دقيقة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الناس نيوز
منذ 40 دقائق
- الناس نيوز
'مارشال سورية' بتمويل خليجي…
ميديا – الناس نيوز :: العربي الجديد – عدنان عبد الرزاق – اكتملت شروط نجاح انتقال سورية، أو تكاد، إلى طور آخر وجديد، بوضعه وتموضعه، بعد قرار إلغاء العقوبات ولقاء الرئيس أحمد الشرع مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب في العاصمة السعودية الرياض، الأسبوع الماضي، وما سبقه من زيارات خارجية للشرع ضمن دول الإقليم، قبل أن تتوّج بزيارة باريس، لتفتح ما بعدها، ربما إلى لندن أو واشنطن دي سي، ولتتبدى تباعاً ملامح ماذا تريد سورية وماذا يراد منها؟ فقبل زيارة الرئيس السوري إلى فرنسا والمؤتمر الصحافي المشترك مع الرئيس إيمانويل ماكرون، كانت 'الشروط الخمسة' لتحوّل سورية وتقبّلها، إقليمياً ودولياً، معلنة وواضحة، بيد أن تكهنات كثيرة حول الذي تريده دمشق، لقاء الطلبات المتفق عليها، أوروبياً وأميركياً، أتت عبر 'كشف الشرع' خلال المؤتمر، موضحاً السلة العامة التي تسعى إليها دمشق، من دون أن يعدد قطاعياً على مستوى الاقتصاد، أو يستفيض بطبيعة العلاقات مع الجوار وشكل الحكم والمشاركة بالداخل، إذ قالها بوضوح 'مشروع مارشال السوري' هو الرؤية العامة لإعادة إعمار سورية، على غرار خطة مارشال الأميركية ما بعد الحرب العالمية الثانية. وعلى الأرجح، ليست باريس مكان الكشف الأول لرؤية سورية، بالإعمار والأمن والعلاقات مع الجوار، إذ تقاطعت مصادر عدة، منها 'وول ستريت جورنال' على أن الرئيس السوري بعث برسالة إلى البيت الأبيض، عبر وسطاء، يعرض فيها رؤيته لإعادة الإعمار طالباً لقاء مع ترامب… وهو ما حصل، بعد الطلب السعودي والدعم التركي. يغدو المشروع الشامل (مارشال) أقرب للواقع، إثر توفر الشرط السياسي وبيئة التعاون، المضافين إلى المساعدات المالية، والمنتظر أن ترتسم ملامحهما قريباً، سواء عبر مؤتمر 'إعادة إعمار سورية' تستضيفه عاصمة خليجية، أو من خلال قرار أميركي، متفق عليه وحوله، يدعو لوضع هيكلية الخطة بالتوازي مع تنفيذ دمشق الشروط الخمسة. قصارى القول: الأرجح أن الخراب الهائل الذي نتج عن حرب الأسد وحلفائه على ثورة السوريين وحلمهم، والذي بلغ كلفاً مالية بـ400 مليار دولار وملايين البشر، بين عاطل ومعوّق ومهاجر، وضرورة احتواء ما بعد السقوط تداعيات أمنية، محلية وإقليمية ودولية، يستدعي مشروعاً كبيراً وحالماً، يعيد إعمار سورية وتبديل شكل الصراع والتحالفات ويؤسس، وفق نمط تنموي تشاركي، لتوازنات جديدة بالشرق الأوسط الجديد. وخطة مارشال المنسوبة لوزير الخارجية الأميركي، جورج مارشال، واقتراحه الشهير خلال خطابه في جامعة هارفارد في يونيو/حزيران عام 1947، قبل أن يوقّع الرئيس الأميركي، هاري ترومان، على قانون التعاون الاقتصادي وتمويل بنحو 13.3 مليار دولار، على مدى أربع سنوات، لتحفيز النمو بعد تأهيل البنى وبناء المصانع واستعادة الثقة بالبيئة والعملات الأوروبية، قبل ربط القارة العجوز بالولايات المتحدة أو، إن شئتم، تحالفها معها بنموذج رأسمالي ليبرالي يواجه المد الاشتراكي السوفييتي وقتذاك. لم تكن فكرة جديدة أو لمعت بذهن السوريين بعد هروب بشار الأسد، بل طرحتها إيران بمشروع مستوحى تماماً من الخطة الأميركية، وفق ما كشفته الوثائق بالسفارة الإيرانية بدمشق، عن دراسة رسمية 'النفوذ الناعم' تحمل توقيع وحدة السياسات الاقتصادية الإيرانية في سورية، مؤرخة في أيار/مايو 2022، توضح عبر 33 صفحة، خطة شاملة لإعادة إعمار سورية وحصة إيران من الخراب، قبل أن تحيلها إلى منطقة نفوذ اقتصادي وسياسي، كالذي حققته الولايات المتحدة مع أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية. بيد أن وضع إيران الاقتصادي الداخلي شبه المنهار، وتوازي خطتها مع بدء سحب الأسد من حظيرتها إلى الحضن العربي، وظروف أخرى كثيرة تتعلق بتطبيق الخطة عبر الشراء والسيطرة على حوامل دينية، حالت دون تنفيذ 'الحلم الفارسي' الذي أعدوا له بعد التمدد التدريجي عبر أربعين استثماراً بسورية خلال الثورة، حتى بمؤسسة مشابهة لوكالة التنمية الأميركية (USAID) لتدير 'مارشال سورية' وتتهرب من العقوبات الغربية. ليأتي الثامن من ديسمبر، فيسقط الأسد ومشروعات طهران، بعد انسحابها من سورية، تاركة الاستثمار والحلم المارشالي، حتى من دون تحصيل الديون وأموال دعم بقاء الأسد على كرسي أبيه. نهاية القول: سرب من الأسئلة بدأ يتوثب على الشفاه، بالتوازي مع عودة طرح 'خطة مارشال سورية' اليوم وملاقاتها من قبول مبدئي عام، وربما البدء لإعداد مؤتمر وتحديد المانحين والداعمين والدائنين. أول الأسئلة إمكانية نقل التجربة الأميركية بأوروبا إلى سورية، مع الاختلاف السحيق بالبيئة الاقتصادية والبنية المجتمعية، والتي لا تحل بقرار أو بالدعم المالي فحسب، فالذي يشهده الداخل السوري حتى الآن، من انقسامات وتعدد رؤى وارتباطات، قد يحيل مارشال بأرض غير مهيأة، لنموذج غير قابل للحياة والاستمرار. ولأن خطة إعمار أوروبا لم تقتصر على الحجر، بل طاولت القوانين والعلاقات التجارية والبنى المؤسسية نسأل: هل ستمتد 'مارشال سورية' لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها، وفق ما يطلبه الممول أو حسب التشكيل الجديد للمنطقة ودور سورية فيها وخلالها؟! وأيضاً، هل تنجح براغماتية الرئيس الشرع هذه المرة أيضاً، في نقل المشروع لواقع، رغم مطالب تحييد الدور التركي، وتضارب المصالح والأهداف بين المتفقين على 'مارشال سورية' إن بمنطقة الخليج نفسها، أو بين أوروبا والولايات المتحدة؟! وربما الأهم، ما هي صيغة الأموال التي ستضخ في 'مارشال سورية'، من الخليج أو حتى من أوروبا والولايات المتحدة؟ هل ستكون مساعدات من أجل تحقيق مصالح بعيدة وتشكيل حلف جديد، أم ديوناً تثقل كاهل سورية لعقود، إن لم نتطرق للوصفات والشروط التي سيفرضها الدائنون أو الداعمون، وأثرها على بيئة سورية وحياة أهليها الذين تبوؤوا أصلاً، المراتب الأولى عالمياً، بالفقر والبطالة؟ ولكن وعلى مشروعية تلك الأسئلة والهواجس، ولكي يستوي القول، لا بد من فتح باب الأمل على خطة مارشال العتيدة، فأن يضخ 250 مليار دولار، كما يتوقع الخبراء، بالجسد السوري، على مراحل ثلاث حتى عام 2035، توظف بالإعمار والاستثمارات، فعلى الأرجح، ستبدد الهواجس وتجيب، عملياً وعلى الأرض، على تلك الأسئلة. فأن تتحول سورية إلى قلب منظومة اقتصادية مأمولة تربط المنطقة العربية بتركيا فأوروبا، عبر جغرافية واستثمارات وموانئ ومسارات تبادل، وكل ذلك برعاية أميركية، فذلك ما يرجّح نجاح الخطة، بعيداً عن الخوض بتفاصيل ما بدأ يتسرب، من سلبيات تتعلق بالوضع الداخلي السوري أو إعاقات إقليمية، أو إيجابيات تتعلق بمعادن سورية النادرة ووادي السيليكون السوري وإحياء خطوط نقل الطاقة بالبر والبحر، أو إعادة رسم المنطقة، وفق حلف التشاركية والمصالح بدل الحرب وصراعات اقتسام النفوذ.


Independent عربية
منذ 44 دقائق
- Independent عربية
عملية إعادة إعمار سوريا قد تنطلق مطلع عام 2026
في الـ 13 من مايو (أيار) الجاري أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب رفع كامل العقوبات الأميركية عن سوريا، والتي فُرضت بداية عام 1979، وآخرها كان حين جرى تجديد "قانون قيصر" قبل أيام من سقوط النظام السوري السابق، وفي الـ 20 من الهر ذاته أعلن الاتحاد الأوروبي رفع كامل العقوبات عن سوريا، وفق ما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية. ورفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا يعد الحلقة الأولى في عملية إعادة إعمار البلد الذي دمرته الحرب، بيد أن هذه العملية معقدة ومكلفة وتحتاج إلى تعاون محلي وإقليمي ودولي، وفي هذا التقرير نلقي الضوء على ملف إعادة الإعمار في سوريا من خلال شهادات مسؤولين أممين وخبراء محليين للوقوف على الفرص المتاحة والمعوقات المتوقعة والجدول الزمني المرتقب لانطلاق هذه العملية. سوريا على مدرج الإقلاع يقول منسق الشؤون الإدارية في مكتب الأمم المتحدة بدمشق عمار أبو حلاوة في تصريح إلى "اندبندنت عربية"، إن "سوريا ما قبل رفع العقوبات أشبه بطائرة تقف على مدرج المطار وجاهزة للإقلاع، وبعد رفع العقوبات ستحلق وتنطلق باتجاه مسارها الصحيح، ولا بد من مطبات خلال الرحلة لكن هناك قدرة لتجاوز أي مطب في حال توافرت جميع الشروط، فرفع العقوبات الأميركية يفتح آفاقاً لإعادة إعمار سوريا لكنه بداية مسار طويل ومعقد، والنجاح يعتمد على التنسيق بين الحكومة السورية والمانحين والمنظمات الدولية مع التركيز على الشفافية والأولويات الإنسانية، والبدء الفعلي لإعادة الإعمار قد لا ينطلق قبل مطلع عام 2026 بسبب التحديات اللوجستية والسياسية، لكن التحضيرات لهذه العملية جارية، فلا يمكننا تحديد تاريخ دقيق لبدء إعادة الإعمار إلا أن جميع المؤشرات الحالية تقول إن الاستعدادات بدأت بالفعل". ويوضح المسؤول الأممي أنه "بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الرياض رفع العقوبات بدأت مراجعة فنية معقدة تشمل بنية العقوبات، وهذه المراجعة من المتوقع أن تستغرق أسابيع عدة مما يعني أن التنفيذ الفعلي لرفع العقوبات قد يبدأ بحلول منتصف أو أواخر الشهر المقبل، وخلال الفترة المقبلة من المرجح أن تبدأ مشاريع صغيرة مثل ترميم البنية التحتية الأساس، ومع بداية عام 2026 سيبدأ تصاعد المشاريع الكبرى بصورة تدرجية". عملية إعادة الإعمار قد تواجه تحديات مختلفة أبرزها نقص التمويل (أ ف ب) معركة "الإعمار" تبدأ من الصفر وحول التحديات التي تواجه عملية إعادة الإعمار يقول أبو حلاوة إن هذه العملية تواجه تحديات مختلفة أبرزها "نقص التمويل، إذ إن كلفة إعادة الإعمار تُقدر بمئات مليارات الدولارات، وبعض التقديرات تشير إلى 400 مليار دولار، وحتى مع رفع العقوبات فإن جذب المستثمرين والمانحين يتطلب ضمانات سياسية واقتصادية، والتحدي الآخر هو الدمار الهائل في البنية التحتية والكهرباء والمياه والطرق، فهذه القطاعات مدمرة بنسبة كبيرة، والناتج المحلي الإجمالي انخفض أكثر من 80 في المئة مقارنة بما قبل الحرب، إضافة إلى أن فتح الاستثمارات في سوريا يحتاج إلى استقرار سياسي وقد أصبح اليوم متوافراً نسبياً ولكن ليس بالشكل الكامل، خصوصاً في ما يتعلق بالاعتراف الدولي الرسمي، وأيضاً هناك مشكلة في نقص الكوادر البشرية، إذ إن هجرة ملايين السوريين بمن فيهم الكفاءات المهنية، تُصعب توفير العمالة الماهرة". ويوضح منسق الشؤون الإدارية أن "رفع الأنقاض هو الخطوة الأولى لإعادة الإعمار، وهو يواجه تحديات لوجستية وبيئية، لذلك نقترح إنشاء هيئة وطنية أو دولية لتنسيق عمليات رفع الأنقاض مع خرائط للمناطق المتضررة، ونقترح استخدام الأنقاض في إعادة البناء مثل تحويل الخرسانة المكسرة إلى مواد بناء لتقليل الكُلف وتجنب التلوث البيئي، وكل هذا يحتاج إلى الاستعانة بمنظمات دولية لتوفير الخبرات والمعدات، أما تمويل إعادة الإعمار فقد تُخصص في البداية موازنة أولية من المانحين، وقد يكون هناك دور أساس للاتحاد الأوروبي ودول الخليج، وأيضاً من المرجح أن تكون هناك مشاركات من قبل القطاع الخاص، فقد تستثمر الشركات الكبرى في المشاريع المربحة مثل النقل والطاقة، ولا بد من مساهمات المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذين قد يقدمان قروضاً أو منحاً لسوريا". مسؤولية جماعية لا تحتمل الفوضى أما بالنسبة إلى الجهات التي ستنفذ عملية إعادة الإعمار فيرى الخبير الأممي أنه "لا يمكن لجهة واحدة أن تنفذ عملية ضخمة مثل إعادة إعمار سوريا، لذلك ستشترك جهات عدة وخصوصاً الشركات التي لديها خبرة في مشاريع الإعمار والبناء، وربما تكون هناك شركات عربية وتركية مشاركة، أما الشركات المحلية السورية المتوسطة والصغيرة فمن الممكن أن تشارك في مشاريع محدودة، لكن هذه الشركات تعاني نقص الخبرات والموارد ذات المعايير العالمية، وبالتأكيد ستشارك الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية في تنفيذ مشاريع إنسانية مثل إعادة تأهيل المدارس والمستشفيات والمرافق ذات البعد الإنساني". ويختم أبو حلاوة حديثه بالقول إن "الجهات المنفذة لعملية إعادة إعمار سوريا تحتاج إلى تنسيق لتجنب الفوضى أو الفساد، ويجب التركيز في البداية على القطاعات الحيوية مثل الكهرباء والمياه والصحة والتعليم لتحسين ظروف المعيشة وتشجيع عودة اللاجئين من الخارج، إذ إن نجاح إعادة الإعمار يعتمد على عودة ملايين اللاجئين لتوفير العمالة وإنعاش الاقتصاد، وباختصار فإن رفع العقوبات خطوة مهمة جداً لكنها لن تكون كافية بمفردها". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) إعمار الإنسان قبل البنيان من جهته يرى خبير إدارة الأخطار ماهر سنجر في حديث إلى "اندبندنت عربية" أنه "من الجيد النظر إلى مصطلح إعادة الإعمار وفقاً للمفهوم النسبي وليس استناداً إلى المفهوم المجرد المطلق، إذ يجب النظر إلى هذا المفهوم في سوريا بعين الشمولية كونه يرتكز على أسس عدة أولها إعادة إعمار الإنسان وإعمار الثقافة والقيم والمواطنة، إذ لا يمكن لنا فصل الشق الإنساني والتنموي المتوازن المستدام عن الشق الاقتصادي والمالي أو الشق السياسي، واليوم لا يمكن القول إن عملية إعادة الإعمار كانت مرتهنة بالكامل لموضوع رفع العقوبات، فالرغبة في إعادة الإعمار والبدء الفعلي بها انطلقا فعلاً بالتزامن مع كثافة العمل الدبلوماسي والنشاط الاقتصادي لرفع العقوبات بعد سقوط النظام السابق، ومن ثم انطلاق الإعلان الدستوري الجديد، إذ يستند ترتيب أولويات الدول وإستراتيجياتها على تحقيق التعافي الباكر من خلال الاستثمار أولاً في الموارد المحلية المتوافرة والملموسة منها، مثل الموارد الطبيعية والثروات الباطنية، والموارد غير الملموسة كالكفاءات الموجودة والأفكار والإبداع من دون الاستثمار في الأموال الساخنة، إذ يجري التركيز على الاستثمار ابتداء من الأولويات الأكثر أهمية وعائدية، ومن ثم الفرص ذات الكلفة شبه الصفرية، أي التي تستند إلى إعادة تفعيل الطاقات المعطلة، ليكون من عاصر الأزمات وأضحى خبيراً في التعامل مع الشح في الموارد، هو المحرك الأول لعجلة إعادة البناء". طريق محفوف بإرث الفساد ويضيف سنجر أنه "لا شك في أن موضوع رفع العقوبات هو أحد العوامل الرئيسة المحفزة والمسرعة لاستكمال عملية إعادة الإعمار على مراحل متتالية وعلى القطاعات والنواحي كافة، بخاصة التي تتطلب الدعم والخبرة الدوليين، مثل إعادة إعمار النظام النقدي والمالي السوري، وموضوع رفع العقوبات يتطلب فترة زمنية غير قليلة لحين لمس الأثر الإيجابي لذلك، أما العوائق فكثيرة ومتنوعة الأسباب والأثر ولا يجب الاستهانة بها، ومنها عدم توفر السيولة وغياب دوافع التمويل، مما يعني التركيز على شق الاستجابة لمقابلة حاجات الإنسان السوري اليومية لقاء التركيز المنخفض على مقابلة المتطلبات التنموية الاقتصادية مثل المشاريع التنموية الإستراتيجية عالية الربحية، بغية تعزيز سلاسل القيمة والعلامة الخاصة للدولة السورية والمنتجات والمعامل والأفراد على حد سواء". ويرى خبير إدارة الأخطار أنه "على الجانب الآخر تعتبر عقلية الفساد والهدر التي كانت قائمة، وما نتج منها من ضياع لهوية الاقتصاد السوري، أحد أهم التحديات الواجب العمل عليها للتقدم نحو إعادة الإعمار، ويضاف إلى هذه التحديات بعض العوائق غير المنظورة مثل الفترة الزمنية اللازمة لتبلور الجهود الدبلوماسية السورية المبذولة بعد سقوط النظام، والتخلص من إرث الاصطفافات السياسية السابقة غير المنتجة والتي شكلت عبئاً على الاقتصاد السوري، إضافة إلى عدم كفاءة وفاعلية بعض مؤسسات الدولة والبنى التشريعية والتقنية والخدماتية المتهالكة التي تؤخر الانطلاق نحو هوية حقيقية للاقتصاد السوري، وتؤخر المضي أكثر في عملية إعادة الإعمار"، مضيفاً أنه "في ما يتعلق بالتمويل فلا يمكن لعملية إعادة الإعمار إلا أن ترتكز إلى الموارد المحلية والمجتمع المحلي، ومن ثم مساهمات الدول الأخرى والمؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الإسلامي للتنمية، فمقولة من يدفع ومن ينفذ لا تصح إلا استناداً إلى مشاريع مخططة ومجدولة ومحددة الموارد والأهداف، ولا يمكن أن تجري بمعزل عن التطلعات الاقتصادية والسياسية والجغرافية للدول الراغبة بالمساهمة، ووفقاً لمصالح المؤسسات الدولية الفاعلة، ناهيك عن تأثير درجة الاستقرار والأمن في قرارات هذه الدول والمؤسسات". وفي المحصلة فإن رفع العقوبات الأميركية والأوروبية يعد بداية لمرحلة إعادة الإعمار، لكن خبراء يرون أن هذه العملية ستكون طويلة ومعقدة وتواجه تحديات هائلة، أبرزها نقص التمويل وتدمير البنى التحتية وغياب الكوادر والفساد الإداري، إضافة إلى ضرورة توفير بيئة سياسية مستقرة وجاذبة للاستثمارات. ويؤكد مسؤولون أمميون وخبراء إدارة الأخطار أن نجاح الإعمار يتطلب تنسيقاً بين الحكومة والمنظمات الدولية والقطاع الخاص، مع التركيز على إعادة بناء الإنسان والمجتمع لا الاقتصاد فقط، وأن التنفيذ الفعلي قد يبدأ تدريجاً مطلع العام المقبل.


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
فات الأوان على بريطانيا لحصد ثمار ضبط العلاقات مع أوروبا
خلافاً للعادة، يتجه حزب العمال هذه المرة للوفاء بما تعهد به في بيانه الانتخابي. فقد تحققت "إعادة ضبط" العلاقات في إطار بريكست بصورة شبه كلية، تلبية لوعد قديم قطعه كير ستارمر. أصبحت الخطوط الأساسية واضحة، وإن كانت بعض التفاصيل المتعلقة ببرنامج تنقل الشباب ودخول بريطانيا إلى سوق الدفاع الأوروبي الذي توسع حديثاً غير نهائية بعد. وهذا كان تحديداً ما وعد به حزب العمال خلال حملته الانتخابية العام الماضي "سوف يعمل حزب العمال على تحسين العلاقة التجارية والاستثمارية مع الاتحاد الأوروبي عبر إزالة العوائق غير الضرورية أمام التجارة". وأيضاً "سوف نسعى إلى التفاوض على اتفاقية بيطرية لمنع عمليات التفتيش الحدودية غير الضرورية المساعدة على معالجة أسعار الأغذية، وسوف نساعد الفنانين المتجولين، ونسعى إلى التوصل إلى اتفاقية هدفها الاعتراف المتبادل ببعض المؤهلات المهنية لتيسير فتح بعض الأسواق أمام مصدري الخدمات البريطانيين". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) كذلك جاء في الوعود "كما سيسعى العمال إلى إبرام اتفاقية أمنية جديدة وشاملة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي لتعزيز أصر التعاون في سبيل التصدي للتهديدات التي تواجهنا". تحقق عدد كبير من هذه النقاط وما من احتمال واقعي بسعي الحكومة إلى إعادة الانضمام للاتحاد الأوروبي أو سوقه الموحدة أو اتحاده الجمركي، تماشياً مع ما ورد في البيان أيضاً. وقد يفسر أحد المتحذلقين- وما أكثرهم في أوساط المشككين بالاتحاد الأوروبي- برنامج تنقل الشباب على أنه انتهاك لتعهد حزب العمال "بعدم العودة إلى حرية الحركة [بين أوروبا وبريطانيا]". لكن نظراً إلى أن البرنامج سيحدد بسقف ويقيد بمدة زمنية ويشترط الحصول على تأشيرة دخول من دون أن يحمل أي حقوق إضافية - أقله بالنسبة إلى أفراد العائلة المعالين - ولا أي حق بالانتفاع من الضمان الاجتماعي كما يشترط دفع ضريبة إضافية لقاء الاستفادة من هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا، فلا يبدو أنه برنامج مفتوح للجميع مجاناً. لن يهدد بضعة آلاف من الشباب الإيطاليين نسيج المجتمع البريطاني. بل إن "التضحية" الوحيدة التي يبدو أن البريطانيين يقدمونها هي فتح مجال أكبر أمام سفن صيد الأسماك الأوروبية للصيد في المياه البريطانية مقارنة بالحصص المتاحة لهم بموجب اتفاقية بوريس جونسون. بعبارة مبسطة سيحق لأساطيل صيد الأسماك الأوروبية اصطياد كمية أكبر من الأسماك التي لا يريد البريطانيون أن يستهلكوها أساساً، والتي لا يمكن للصيادين البريطانيين بيعها في السوق الأوروبية أساساً بسبب، ببساطة، بريكست. لكن حتى لو شكلت هذه النقطة خسارة- والأمر خاضع للنقاش- فـ"المكاسب" البريطانية أكبر بكثير من منتجات الأسماك غير المرغوب بها. سوف يستعيد الشباب البريطاني قدرته على المشاركة في برنامج إيراسموس في مجال التعليم والتدريب، وفرصه بالعمل في أوروبا. وسوف نوطد التعاون في مجال الدفاع والأمن في وقت أعلنت فيه الولايات المتحدة صراحة نيتها التقليل من شأن أوروبا والتعامل مع حلف "الناتو" بمنطق النفعية. لذا، يمكننا التصدي لروسيا بصورة أفضل مما لو كنا وحدنا. وسوف تتقلص طوابير الانتظار للحصول على جواز السفر. وسيصبح من الأيسر بالنسبة إلى الفنانين أن يقوموا بجولات فنية في أوروبا مجدداً. وسوف يتاح المجال أمام الشركات البريطانية المتخصصة بالصناعات العسكرية لبيع منتجاتها والاستفادة من صندوق الدفاع الأوروبي. كما سيستعيد المزارعون ومنتجو الأغذية البريطانيون أسواقاً خسروها في القارة وتتمكن النقانق البريطانية العظيمة من شق طريقها الرائد نحو المطابخ عبر القناة الإنجليزية مرة أخرى. يطالبنا الأوروبيون باحترام معاييرهم الغذائية ومواكبة تطورها وقد قبلنا بذلك. يمكننا أن نحل خلافاتنا داخل المحكمة الأوروبية لكن للمملكة المتحدة الحق في رفض هذه القرارات- لأنه لو اعتبرناها غير مقبولة في وقت من الأوقات، يمكننا أن نلغي الصفقة، وفي الحقيقة يجب علينا أن نحاول التأثير في بعض السياسات قبل أن نصل إلى هذه المرحلة. كما هي الحال مع أي اتفاق تجاري، فإن إعادة ضبط بريكست ليست مثالية. فالتسوية ضرورية، والسيادة ليست مطلقة أبداً، بل هي تمارس دائماً ضمن أطر من التفاهم أو الشراكة. أي أخذ وعطاء. هذا ما حدث في جميع الاتفاقات التي أبرمت بعد بريكست — مع أستراليا، ونيوزيلندا، والشراكة عبر المحيط الهادئ، والهند، واتفاق الازدهار الاقتصادي بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. لكن إعادة ضبط العلاقات بعد بريكست تخلف تداعيات على نطاق أوسع. فمن الناحية السياسية، يتوافق هذا الاتجاه مع الرأي العام البريطاني الذي بات يعتبر بريكست أكثر فأكثر حلماً كاذباً، كما هي بالفعل. وإن كان في ذلك "خيانة" لعملية بريكست، فسيقول كثر في المملكة المتحدة "هذا جيد". فهم يريدون إقامة علاقات أوثق وأكثر وداً وتعاوناً مع أقرب جيراننا ولا تعنيهم مفاهيم السيادة المبهمة. فهم لا يعتبرون اتساق المعايير في شأن تدابير الصحة النباتية في اللحوم تعدياً على حقوقهم السيادية. ولا يثير التبادل الطلابي مع فنلندا حفيظتهم. بل إنهم في الواقع معارضون بصورة متزايدة للبريكست، والسبب الوحيد الذي يجعلهم يحجمون عن العودة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي هو أنهم يخشون إعادة نكء الجراح المؤلمة التي خلفتها حرب بريكست الأهلية بين عامي 2016 و2019 (إضافة إلى أن الشروط القديمة لعضوية المملكة المتحدة ما عادت قائمة). يخطئ المحافظون إذاً في موقفهم الحاد من اتفاق إعادة ضبط العلاقات، الذي رفضوه قبل أن يطلعوا عليه حتى وفي كلامهم الأحمق عن الاستسلام والخيانة. هذا يجعل كيمي بادنوك وزملاءها يبدون نزقين، وعلى أية حال، لا يمكنهم أبداً أن يضاهوا نايجل فاراج في سردية تأييد بريكست. أما بالنسبة إلى ستارمر، فمن المحزن أن نجاحه الدولي الأخير لن يفيده كثيراً، أقله في القريب العاجل. لا شك أنه سيجعله يبدو رجل دولة أكثر ولا ريب في أن إبرام اتفاق بريكست أفضل هو أمر إيجابي، ومن الإيجابي أيضاً الوفاء بتعهدات الانتخابات، لكنه لن يستعيد شعبيته، سواء على مستوى شخصه أو حكومته أو حزبه، إلا حين (أو في حال) تحسنت مستويات المعيشة والخدمات العامة.