logo
«أمريكا أولاً» والانقلاب الكبير في العلاقات الدولية

«أمريكا أولاً» والانقلاب الكبير في العلاقات الدولية

إيطاليا تلغراف٠٥-٠٣-٢٠٢٥

نشر في 5 مارس 2025 الساعة 7 و 01 دقيقة
إيطاليا تلغراف
جلبير الأشقر
كاتب وأكاديمي من لبنان
إن منطق «أمريكا أولاً» الذي تبنّاه التيار النيوفاشي الأمريكي المعروف باسم «ماغا» ـ وهي التسمية الأوائلية الإنكليزية لشعار حملة دونالد ترامب المعروف: «اجعل أمريكا عظيمة من جديد» ـ قد يبدو عقلانياً لمن لا دراية له في التاريخ الاقتصادي للعلاقات الدولية. فحسب ترامب وأتباعه، أنفقت أمريكا أموالاً طائلة في حماية حلفائها، على الأخص الدول الغنية بينهم، أي دول الغرب الجيوسياسي (أوروبا واليابان بوجه خاص) والدول النفطية العربية الخليجية. وقد حان وقت تسديد الديون: فعلى كافة هذه الدول أن تسدد الفاتورة بتصعيد استثماراتها في الولايات المتحدة ومشترياتها منها، لاسيما مشترياتها من السلاح (وهو ما يقصده ترامب بضغطه المستمر على الأوروبيين كي يزيدوا نفقاتهم العسكرية). ويندرج هذا كله بصورة طبيعية في المنطق الاتجاري (المركنتيلي) المنسجم مع التعصّب القومي المميّز للأيديولوجيا النيوفاشية (أنظر «عصر الفاشية الجديدة وبما يتميّز» القدس العربي، 04/02/2025).
هكذا، يبدو وكأن الإنفاق العسكري الأمريكي الذي فاق حقاً ليس إنفاق حلفاء أمريكا وحسب، بل كاد يعادل في وقت ما إنفاق كافة دول العالم الأخرى مجتمعة، إنما هو تضحية كبرى لصالح الغير. وحسب المنطق ذاته، يبدو العجز الكبير في الميزان التجاري الأمريكي وكأنه ناجم عن استغلال الآخرين لطيب خاطر الولايات المتحدة، بحيث يودّ ترامب تقليصه بفرض الرسوم الجمركية على كافة الدول التي تصدّر إلى أمريكا أكثر مما تستورد منها. وهو بذلك يريد أيضاً زيادة مدخول الدولة الفدرالية تعويضاً عن إنقاصه له بفعل تقليص الضرائب على الأغنياء وعلى الرأسمال الأمريكي.
أما الحقيقة التاريخية فمغايرة تماماً لهذا التصوير المبسطّ للأمور. أولاً، كانت النفقات العسكرية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، ولا تزال، عاملاً رئيسياً في الدينامية الخاصة بالاقتصاد الرأسمالي الأمريكي، الذي استند مذّاك إلى «اقتصاد حربي دائم» (ثمة شرح مستفيض لهذا الموضوع في كتابي «الحرب الباردة الجديدة: الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، من كوسوفو إلى أوكرانيا» درا الساقي، 2024). وقد لعبت النفقات العسكرية، ولا تزال، دوراً كبيراً في ضبط مسار الاقتصاد الأمريكي وفي تمويل البحث والتطوير التكنولوجيين (كان هذا الدور الأخير بارزاً في الثورة المعلوماتية، وهو الحقل الذي أعاد أمريكا إلى الصدارة التكنولوجية بعد الأفول النسبي لصناعاتها التقليدية).
ثانياً، اندرجت الحماية العسكرية التي وفّرتها الولايات المتحدة لحليفاتها في أوروبا واليابان وللدول العربية الخليجية في علاقات من الطراز الاقطاعي، حيث قدّمت هذه الدول للسيد الاقطاعي الأمريكي امتيازات اقتصادية جمّة، فضلاً عن مشاركتها في المنظومة العسكرية التي حصر إدارتها بين يديه. فالحقيقة مناقضة كلياً لتصوير ترامب وأعوانه لعلاقات الولايات المتحدة بحليفاتها وكأنها قائمة على استغلال هؤلاء لها. فإن الواقع هو العكس تماماً، إذ فرضت على حليفاتها، لاسيما على الدول الغنية بينها، نمطاً من العلاقات الاقتصادية استغلتها من خلاله، وعلى الأخص من خلال فرضها لدولارها كعملة دولية، بحيث موّلت الدول الحليفة بصورة مباشرة وغير مباشرة العجز في الميزان التجاري الأمريكي وفي ميزانية الدولة الفدرالية. وقد عادت باستمرار دولارات العجز التجاري الأمريكي، ومعها موارد شتى البلدان بالدولار، تنضخّ في الاقتصاد الأمريكي، بعضها في تمويل الخزينة الأمريكية مباشرة.
هكذا عاشت الولايات المتحدة، ولا تزال، فوق امكانيتها الخاصة بكثير، الأمر الذي ينجلي في حجم عجزها التجاري الذي ناهز ألف مليار دولار في العام المنصرم وحجم مديونيتها الهائل الذي يزيد عن 36 ألف مليار دولار، بما يساوي 125 في المئة من ناتجها المحلّي الإجمالي. فالولايات المتحدة هي النموذج الأعلى للمستدين الكبير والقوي الذي يعيش على نفقة الدائن الثري في علاقة سيادة للأول على الثاني، بدل أن يكون العكس.
وحتى إزاء أوكرانيا، فإن ما قدّمته الولايات المتحدة لذلك البلد حتى الآن، ويبلغ 125 مليار دولار (بعيداً عن أرقام ترامب الخيالية، حيث يدّعي أن بلاده أنفقت 500 مليار دولار في هذا الصدد) يعادل ما قدّمه الاتحاد الأوروبي وحده (والحال أن الناتج المحلّي الإجمالي الأوروبي أقل من الأمريكي بحوالي 30 في المئة) فضلاً عمّا قدّمته بريطانيا وكندا وسواهما من حليفات أمريكا التقليدية. والحقيقة أن ما أنفقته الولايات المتحدة في تمويل مجهود الأوكرانيين الحربي خدم سياستها الرامية إلى إضعاف روسيا بوصفها منافِسة إمبراطورية لها. ذلك أن واشنطن هي المسؤولة الأولى عن صنع الظروف التي يسّرت التحوّل النيوفاشي في روسيا وأدّت إلى غزو جارتها، إذ تعمّدت تسعير العداء لروسيا وللصين بعد الحرب الباردة من أجل توطيد تبعية أوروبا واليابان لها.
لكن عندما يقرّ ترامب وفريقه بمسؤولية الإدارات الأمريكية السابقة فيما آل إلى غزو روسيا لأوكرانيا، لا يفعلون ذلك حباً للسلام كما يزعمون نفاقاً (وموقفهم من فلسطين خير دليل على نفاقهم) بل في سياق انتقالهم من اعتبار روسيا دولة إمبريالية منافِسة، وهو النهج الذي اتبعته واشنطن بصورة متصاعدة الحدّة منذ تسعينيات القرن الماضي بالرغم من انهيار الاتحاد السوفييتي وعودة روسيا إلى حظيرة النظام الرأسمالي العالمي، انتقالهم من ذلك إلى اعتبار حكم بوتين شريكاً لهم في النيوفاشية، يتطلعون إلى التعاون معه في تعزيز تيار أقصى اليمين في القارة الأوروبية والعالم، فضلاً عن الاستفادة من السوق الكبيرة والموارد الطبيعية العظيمة التي لدى روسيا. وحيث يرون في الحكومات الليبرالية الأوروبية خصماً أيديولوجياً ومنافِساً اقتصادياً في الوقت نفسه، يرون في روسيا دولة حليفة أيديولوجياً ليس بوسعها منافستهم اقتصادياً.
أما الصين فهي في نظر ترامب وفريقه الخصم السياسي والمنافس الاقتصادي والتكنولوجي الأعظمين، وقد جارى هذا النهج الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن بحيث أرسى تواصلاً بين ولايتي ترامب الأولى والثانية في موضوع العداء للصين. وإذ يتمنّى فريق ترامب فصل موسكو عن بيجين، مثلما انفصلت الصين عن الاتحاد السوفييتي في سبعينيات القرن الماضي وتحالفت مع الولايات المتحدة، لن يغامر بوتين بولوج هذا الدرب ما دام ليس متأكداً من ثبات الفريق النيوفاشي الأمريكي في إدارة بلاده.
والسؤال الكبير الآن هو إذا ما كان المحور الليبرالي الأوروبي مستعداً حقاً للسير على درب التحرر من الوصاية الأمريكية، الأمر الذي يتطلّب وقف مجاراته لواشنطن في مخاصمة الصين وتوطيده لعلاقات تعاون معها. كما يقتضي هذا الأمر استعداد الدول الأوروبية للعمل بالقانون الدولي والمساهمة في تعزيز دور الأمم المتحدة وسائر المؤسسات الدولية، وهما أمران لا تنفك بيجين تنادي بهما.
وبالطبع فإن مصلحة أوروبا الاقتصادية لجلية في هذا الصدد، لاسيما مصلحة أكبر اقتصاد أوروبي، ألا وهو الاقتصاد الألماني الذي تربطه بالصين علاقات كثيفة. وتضاف إلى الصورة المفارقة التي تتمثل في أن الصين باتت تلتقي مع الأوروبيين في الدفاع عن حرية التجارة العالمية في وجه النهج الاتجاري الذي اعتمده ترامب وفريقه، كما تلتقي معهم في الدفاع عن السياسات البيئوية في وجه نقضها المصحوب بإنكار التغير المناخي الذي يميّز شتى النيوفاشيين. فإن المواقف الحادة التي أعرب عنها رئيس الوزراء الألماني القادم، فريدرش ميرتس، في نقده لواشنطن ودعوته إلى استقلال أوروبا عن أمريكا، لو تجلّت في سعي فعلي لسلوك هذا الدرب، قد تنعكس في موقف الاتحاد الأوروبي من الصين، لاسيما أن الموقف الفرنسي مائل في الاتجاه ذاته.
كل هذه الأمور تؤكد احتضار النظام الليبرالي الأطلسي ودخول العالم في مرحلة عاصفة من خلط للأوراق، لا زلنا في بدايتها. وسوف يكون لانتخابات الكونغرس الأمريكي في العام القادم، دور كبير في دفع هذه السيرورة إلى الأمام أو كبحها، حسب ما تؤدي إليه من تمتين للهيمنة النيوفاشية على المؤسسات الأمريكية أو إضعافها. هذا وقد بدأ التيار النيوفاشي الأمريكي يقلّد أمثاله في دول شتى من العالم في قضم تدريجي للديمقراطية الانتخابية ووضع اليد على مؤسسات الدولة الأمريكية سعياً وراء إدامة تحكمه بها.
السابق
'وصفة غزة' الأميركية لا تخدم السلام وهذه رؤية الصين للعدالة
التالي
فيضان في جاكرتا يجبر المئات على إخلاء مساكنهم

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بعد زيلينسكي.. رئيس جنوب أفريقيا ضحية جديدة لـ"مسرحيات" ترامب الدبلوماسية
بعد زيلينسكي.. رئيس جنوب أفريقيا ضحية جديدة لـ"مسرحيات" ترامب الدبلوماسية

خبر للأنباء

timeمنذ 20 ساعات

  • خبر للأنباء

بعد زيلينسكي.. رئيس جنوب أفريقيا ضحية جديدة لـ"مسرحيات" ترامب الدبلوماسية

جاء هذا المشهد المُعد مسبقاً من البيت الأبيض لتحقيق أقصى تأثير إعلامي، في إحياء لسابقة مماثلة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فبراير الماضي، حيث واجه ترامب رامافوسا باتهامات كاذبة بـ"إبادة جماعية" ضد البيض في جنوب أفريقيا، مزعوماً حدوث مجازر ومصادرات للأراضي. يكشف الحادث عن استعداد ترامب لتحويل المكتب البيضاوي - المقام الرسمي المخصص عادة لاستقبال الضيوف الأجانب بكل تكريم - إلى منصة لإذلال قادة الدول الأقل نفوذاً أو ممارسة الضغوط عليهم بشأن قضاياه الشخصية. قد يؤدي هذا النهج غير المسبوق إلى تردد القادة الأجانب في قبول دعوات ترامب، خشية التعرض للإهانة العلنية، ما قد يعيق بناء تحالفات مع حلفاء تتنافس واشنطن مع الصين على كسبهم. وصف باتريك جاسبار، السفير الأمريكي السابق لدى جنوب أفريقيا في عهد أوباما، اللقاء بأنه "مشهد مخزٍ" حيث "تعرض رامافوسا لهجوم بواسطة مقاطع مصورة مزيفة وخطاب تحريضي". وأضاف جاسبار، الباحث حالياً في مركز "أمريكان بروغرس": "التعامل مع ترامب بشروطه ينتهي دوماً بشكل سيء للجميع". كان من المفترض أن يمثل اللقاء فرصة لإصلاح العلاقات المتوترة بين البلدين، خاصة بعد فرض ترامب رسوماً جمركية، وتهدئة الجدل حول مزاعمه غير المدعومة بـ"إبادة البيض" وعرضه إعادة توطين جماعة الأفريكان البيض. وبعد بداية ودية، أمر ترامب - نجم تلفزيون الواقع السابق - بتعتيم الأضواء لعرض مقاطع فيديو ومقالات زعم أنها تثبت اضطهاد البيض، في مشهد مسرحي مبالغ فيه. حافظ رامافوسا على هدوئه رغم استفزازه الواضح، محدثاً توازناً دبلوماسياً بين تفنيد الادعاءات وتجنب المواجهة المباشرة مع الرئيس الأمريكي المعروف بحساسيته المفرطة. ومازح رامافوسا قائلاً: "آسف لعدم امتلاكي طائرة لأهديك إياها"، في إشارة إلى عرض قطر تزويد ترامب بطائرة فاخرة بديلة لـ"إير فورس وان". وأكد متحدثه الرسمي أن الرئيس "تعرض لاستفزاز واضح لكنه تجنب الوقوع في الفخ". يأتي هذا الحادث بعد أشهر فقط من مشادة علنية بين ترامب والرئيس الأوكراني زيلينسكي، حيث اتهمه الأخير بعدم الامتنان للمساعدات الأمريكية، مما أثار قلق حلف الناتو. ورغم أن جنوب أفريقيا ليست في قلب صراع جيوسياسي، إلا أنها تمثل قوة اقتصادية أفريقية رئيسية، حيث تحتل الصين المرتبة الأولى بين شركائها التجاريين، تليها الولايات المتحدة. يذكر أن جنوب أفريقيا، التي أنهت نظام الفصل العنصري عام 1994، ترفض بشدة مزاعم ترامب، فيما يُعتبر خطابه موجهًا بشكل واضح لقاعدته الانتخابية من اليمين المتطرف. منذ عودته للسلطة، ألغى ترامب مساعدات لدول أفريقية وطرد دبلوماسيين، بينما يواصل تقييد قبول اللاجئين من معظم أنحاء العالم. يُذكر أن قانون إصلاح الأراضي في جنوب أفريقيا - الذي يهدف لتصحيح مظالم الماضي - يسمح بالمصادرة دون تعويض في حالات المصلحة العامة، مع ضمانات قضائية كاملة. علق محلل الشؤون الدولية تيم مارشال: "من كان يشك في أن حادثة زيلينسكي كانت مدبرة، فليتأكد الآن أن الأمر يتكرر بنفس السيناريو".

فرنسا.. هل ستخرج من التاريخ؟
فرنسا.. هل ستخرج من التاريخ؟

الشروق

timeمنذ يوم واحد

  • الشروق

فرنسا.. هل ستخرج من التاريخ؟

عندما كتب أب الترسانة النووية الفرنسية والجيوبولتيكي الجنرال بيار ماري ڤالوا كتابه 'فرنسا.. هل ستخرج من التاريخ؟'، كان يتساءل منطقيا عن مستقبل 'بلاد الغال' التي كانت إمبراطورية مترامية الأطراف، وكان هو أحد عرابي قوّتها الإستراتيجية من خلال قيادة التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية، ليتفرغ بعدها للفكر والبحث الجيوسياسي من خلال التأليف مثل كتابه 'شمس الله تعمي الغرب'، و'أوروبا تغير سيدها'، و'وداعا للجيوش'، والذي تحدث فيه عن نهاية عصر الجيوش التقليدية وبداية عهد نماذج الجيوش التكنولوجية والعلمية. لكن جوهر تساؤل الكتاب، الذي كان يكتب من زاوية جيوسياسية عميقة، كان عن قدرة فرنسا على الاستمرار في التأثير في العالم في ظل التغيّرات الجيوسياسية الكبرى التي شهدتها الساحة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، مع فقدان فرنسا النفوذ الاستراتيجي في إفريقيا بعد استقلال مستعمراتها، إلى ضعف القوة الاقتصادية والاجتماعية في الداخل، مرورا بتراجع قوتها العسكرية والإستراتيجية في الساحة الدولية. عصر الأفول الفرنسي تعيش فرنسا اليوم مرحلة دقيقة من تاريخها، تتّسم بتراجع استراتيجي بنيوي في ظل عالم يشهد تحوّلا جذريا في موازين القوى، فقد كانت الجمهورية الخامسة، بإرثها الإمبريالي، من بين القوى الأوروبية التي تربّعت على قمة النظام الدولي الاستعماري حتى منتصف القرن العشرين، غير أن عالم ما بعد الحرب الباردة وخصوصا في نسخته الراهنة، كشف عن انكماش متسارع للدور الفرنسي على الصعيدين الإقليمي والدولي، ففي كتابه المرجعي 'هل تخرج فرنسا من التاريخ؟'، يطرح الجنرال بيار ماري ڤالوا، أحد مهندسي القوة النووية الفرنسية، سؤالا وجوديا لا يخلو من نبوءة جيوسياسية قاتمة حول المستقبل الإمبراطوري الفرنسي مفاده: هل أصبحت فرنسا على أعتاب الخروج من التاريخ؟ وهو التساؤل الصادر عن رجل من صلب المؤسسة العسكرية والدبلوماسية، وليس مجرد صرخة حنين من معمّر تقليدي إلى مجد هيمنت فيه باريس بالقوة والإجرام، بل هو تشخيص دقيق لانهيار أسس النفوذ الفرنسي التقليدي من خلال أفول الهيمنة في إفريقيا، تداع للاستقلال الإستراتيجي، وضعف التمايز الأوروبي عن سياسات واشنطن. لقد تحوّلت باريس بعد الحرب العالمية الثانية إلى قوة ثانوية سياسيا وعسكريا، أمام صعود الثنائي القطبي الأمريكي- السوفياتي، ومع أن الجنرال شارل ديغول حاول هندسة خروج استراتيجي من التبعية عبر مشروع قومي- سيادي يقوم على ترسانة نووية مستقلة ودبلوماسية متحررة من الوصاية الأطلسية، إلا أنّ هذه المقاربة اصطدمت بتغيرات النظام العالمي منذ السبعينيات، وخصوصا بعد سقوط جدار برلين. وفي مطلع الألفية، ومع تسارع التحوّلات الجيوسياسية العالمية، وجدت فرنسا نفسها عاجزة عن صياغة مشروع استراتيجي يعيد تعريف حضورها في النظام الدولي، فقد تفكّك نفوذها في إفريقيا، وأضحت قوة متداعية تعاني من مشاكل بنيوية، وهو ما يشي بأن الأفول الفرنسي ليس مؤقتا ولا عرضيا، بل هيكليّ ومركّب، لا تعكسه فقط خريطة النفوذ المنكمش، بل أيضا الشلل الفكري المستفز والمتطرف داخل النخب الفرنسية وعجزها عن إنتاج خطاب استراتيجي بديل عن 'الرؤية الديغولية'، وهو ما تجلّى بوضوح في أزماتها مع دول الساحل والجزائر، إذ لم تعد قادرة على التكيّف مع موجة الجيل الإفريقي الجديد 'السلطوي والشعبي'، ولم تعد تتعامل مع العلاقات على أساس الندية، بل استمرت في إعادة إنتاج فكر الاستعلائية الموروث عن الاستعمار، وسط التحول في مراكز الثقل العالمي نحو 'الجنوب العالمي'Global South. ركائز العقيدة الإستراتيجية الفرنسية وضع ديغول رؤية إستراتيجية كبرى لضمان استمرار فرنسا كقوة عظمى مستقلة وفاعلة في النظام الدولي، رغم ما خلفته الحرب العالمية الثانية من تراجع في النفوذ الفرنسي، إذ تمحورت هذه الرؤية حول أربعة أسس كبرى شكّلت بمجملها ما يمكن وصفه بـ'عقيدة ديغول'، وقد سعت هذه العقيدة إلى ترسيخ الاستقلالية الإستراتيجية لفرنسا، وجعلها تتجاوز موقع التابع داخل التحالفات الغربية. كان أول هذه الأسس الحفاظ على العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، فقد أدرك ديغول أن مقعد فرنسا في هذا المجلس لا يمثل فقط امتيازا دبلوماسيا، بل هو رافعة سياسية وهيكلية لاستمرار النفوذ الفرنسي في العالم ومنصة ضمن 'الخمسة الكبار' في إدارة شؤون العالم، وكان هذا المقعد، وفق رؤية ديغول، التعويض الرمزي والعملي عن فقدان الإمبراطورية الاستعمارية، كما شدّد ديغول على ضرورة ربط فرنسا بما تبقى من نفوذها في إفريقيا جنوب الصحراء عبر منظومة 'فرنسا-إفريقيا'، وهي شبكة سياسية وعسكرية واستخباراتية واقتصادية أنشأها بإشراف مباشر من مستشاره المكلف بالشؤون الإفريقية، جاك فوكار، ولم تكن هذه الشبكة مجرد امتداد للسياسة الاستعمارية، بل كانت بنية خفية تسهر على تثبيت رؤساء أفارقة موالين وتأمين موارد الطاقة والمعادن لفرنسا، خصوصا اليورانيوم من النيجر والنفط من الغابون، في مقابل الحماية العسكرية والسياسية، وقد استمرت هذه الشبكة تعمل بأساليب وصفها المؤرخون بالوحشية والانقلابية حتى عهد جاك شيراك، الذي خفّف من قبضتها مع نهاية الحرب الباردة. تمثّلت الركيزة الثالثة في بناء قوة ردع نووية مستقلة، تحت مسمى'القوة الضاربة' النووية، وهي ما شكّل قلب 'السيادة الإستراتيجية الفرنسية'، فقد رفض ديغول المظلة النووية الأمريكية كما أراد حلف الناتو، وأصرّ على امتلاك القرار النووي السيادي. بعد أن أصبحت فرنسا الدولة الرابعة امتلاكا للسلاح النووي، قادرة على الردع بلا وصاية أمريكية أو أنجلوسكسونية، بينما تبنّى ديغول سياسة الحياد النشط خلال الحرب الباردة، عبر الانسحاب من القيادة العسكرية الموحدة لحلف الأطلسي (1966)، ومنحت هذه المقاربة هامش مناورة واسعا في إقامة علاقات مع الصين الشيوعية، والاتحاد السوفياتي، والعالم العربي، ضمن ما وُصف بـ'ديبلوماسية التوازنات الكبرى'. بداية التراجع بدأ التراجع الإستراتيجي الفرنسي مع صعود الاقتصاد الألماني في أوروبا، رغم أن ألمانيا خرجت من الحرب العالمية الثانية مدمّرة ومن دون مستعمرات، إلا أن ألمانيا الغربية تحوّلت إلى قوة اقتصادية كبرى منذ عام 1960، وتفوقت على كل من فرنسا وبريطانيا، بناتج إجمالي بلغ 84 مليار دولار مقابل 73 مليارا لبريطانيا و62 مليارا لفرنسا، واستمر هذا التفوق حتى اليوم، إذ بلغت قيمة الناتج الإجمالي الألماني 4456 مليار دولار، 3340 مليار لبريطانيا، و3031 مليار لفرنسا. على الصعيد الاقتصادي الداخلي، تواجه فرنسا تحديات متزايدة تتمثل في ارتفاع الدين العامّ الذي تجاوز 113 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن كان 35 بالمائة عام 1990 وارتفع إلى 57 بالمائة في عام 2000. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل إلى 128.4 بالمائة بحلول عام 2030، مع استمرار تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع تكاليف الاقتراض، فقد سجل الناتج المحلي الفرنسي نموا بنسبة 0.9 بالمائة (2023) و1.1 بالمائة (2024)، فيما خفض البنك المركزي توقعاته لنمو 2025 إلى 0.7 بالمائة بدلا من 0.9 بالمائة المتوقعة سابقا، وتوقع نموا بنسبة 1.2 بالمائة لعام 2026، مع زيادة معدلات البطالة وانتشار الفقر في بعض المناطق. وتشير الإحصاءات إلى أن نحو 14 بالمائة من السكان الفرنسيين يعيشون تحت خط الفقر، في ظل تفاوت اقتصادي كبير بين الطبقات، إلى جانب ذلك، يشهد قطاع الصناعات الثقيلة تراجعا حادا، رغم أنه كان مصدرا رئيسيا للنمو والابتكار، مما أثّر سلبا على القدرة التنافسية والنمو الاقتصادي العامّ لفرنسا، وأدى إلى تراجع موقعها ضمن أكبر اقتصادات أوروبا. تراجع القوة العسكرية الفرنسية على الصعيد العسكري، تعيش فرنسا تراجعا واضحا في قدرتها على بسط نفوذها الاستراتيجي دوليا، رغم احتفاظها بترسانة نووية من بين الأكبر عالميا، إلا أن هذه الأسلحة، التي شكّلت ركيزة الردع الفرنسي خلال الحرب الباردة، فقدت اليوم كثيرا من فعاليتها ورمزيتها في عالم تهيمن عليه موازين الردع المتبادل والقدرات الصاروخية العابرة للقارات، التي تتفوق فيها قوى كبرى مثل بكين، وموسكو، وواشنطن. في إفريقيا، تآكلت المكانة العسكرية الفرنسية بشكل متسارع لعقود، إذ اعتمدت باريس على شبكة واسعة من القواعد العسكرية والتدخلات المباشرة في مالي والنيجر وتشاد.. لكن الموجة الجديدة لفكر السيادة الإفريقية، لاسيما بعد الانقلابات المتتالية في منطقة الساحل، دفعت هذه الدول لطرد القوات الفرنسية، كما حصل في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، فضلا عن تشاد والسنغال وكوت ديفوار، ولم تعد فرنسا قادرة على الحفاظ على وجودها العسكري في 'حدائقها الخلفية'، ولم يتبقّ لها سوى قاعدة واحدة في جيبوتي وتعاون عسكري مع الغابون. رافق هذا الانكماش في إفريقيا نكسات إستراتيجية على الصعيد الدولي، أبرزها 'صفعة الغواصات' (2021)، ما شكّل إهانة دبلوماسية وعسكرية نادرة لباريس، وكشف تراجع ثقة الحلفاء بقدرتها الصناعية والتكنولوجية في مجال الدفاع. أما في آسيا، فقد شهدت مكانة المعدات العسكرية الفرنسية تراجعا ملحوظا بعد 2022، مع انخفاض واضح في الطلب على الأسلحة الفرنسية، وواجهت صفقات بيع طائرات 'رافال'، التي روّج لها كدليل على تفوق الصناعة الدفاعية الفرنسية، عدة انتكاسات، منها أعطال فنية خاصة في أنظمة الرادار في الهند، التي أثارت مخاوف تقنية وعسكرية، إضافة إلى جدل سياسي داخلي حول شبهة فساد في صفقة الشراء عام 2021، ما أثر على سمعة الطائرات وشركة 'داسو للطيران'، كما انتشرت أنباء عن إسقاط باكستان لطائرات 'رافال' خلال النزاع الحدودي الأخير مع نيودلهي، مما يزيد من تراجع الثقة في المنظومة العسكرية الفرنسية. وهو ما يعكس فقدان فرنسا تدريجيا لمكانتها كمورد موثوق للسلاح، ويبرز تحدّيات كبيرة أمام صناعتها الدفاعية للحفاظ على حصتها في هذا القطاع الحيوي، كما أن فرنسا لم تعد قوة حاسمة في مناطق النزاع، بل تحولت إلى فاعل هامشي تتجاوزه القوى الإقليمية والدولية أو تستغني عنه. توترات مع الدول الإفريقية ازدادت التوترات بين فرنسا والدول الإفريقية التي كانت سابقا تحت سيطرة الاستعمار الفرنسي خلال السنوات الأخيرة، فقد كانت هذه الدول تمثل جبهة إستراتيجية لفرنسا عبر عقود، سواء من ناحية الموارد الطبيعية أو الأهمية الجيوسياسية، لكنها باتت اليوم أكثر استقلالية وتنوعا في علاقاتها الدولية، كما بدأ العديد من قادة إفريقيا في إعادة تقييم علاقاتهم مع فرنسا، معتبرين أن هذه العلاقة لا تزال تهيمن على مقدراتهم الاقتصادية والسياسية. في كتابه المرجعي 'هل تخرج فرنسا من التاريخ؟'، يطرح الجنرال بيار ماري ڤالوا، أحد مهندسي القوة النووية الفرنسية، سؤالا وجوديا لا يخلو من نبوءة جيوسياسية قاتمة حول المستقبل الإمبراطوري الفرنسي مفاده: هل أصبحت فرنسا على أعتاب الخروج من التاريخ؟ وهو التساؤل الصادر عن رجل من صلب المؤسسة العسكرية والدبلوماسية، وليس مجرد صرخة حنين من معمّر تقليدي إلى مجد هيمنت فيه باريس بالقوة والإجرام، بل هو تشخيص دقيق لانهيار أسس النفوذ الفرنسي التقليدي. في هذا السياق، يشير أنطوان جلاسر في كتابه 'متغطرس مثل فرنسي في إفريقيا' إلى أن ما يسميه 'الاستعلاء الفرنسي'، هو أحد أبرز أسباب تصدع العلاقة بين باريس والعواصم الإفريقية، فالطبقة الحاكمة في فرنسا لا تزال تتعامل مع القارة الإفريقية بمنطق الاستعمار الجديد، متجاهلة تطلعات السيادة والكرامة الوطنية لشعوبها، وهذا السلوك الاستعلائي يزيد من الغضب الشعبي والرسمي في إفريقيا، ويعزز الدعوات لإنهاء النفوذ الفرنسي واستبداله بشراكات تقوم على الاحترام والمساواة. كما ازدادت الدعوات إلى إنهاء العلاقة الاستعمارية بالكامل مع فرنسا في بعض الدول الإفريقية، مع إعطاء الأولوية للتعاون مع قوى جديدة مثل الصين، التي تقدّم نموذج شراكة مختلفا بعيدا عن الهيمنة التقليدية، مما جعل فرنسا اليوم في موقف دفاعي، بعدما كانت تعدّ القوة الاستعمارية التي تهيمن على قرارات الدول الإفريقية. أزمة الهوية وصراعات الداخل يناقش بيار ماري ڤالوا في كتابه أزمة الهوية الوطنية الفرنسية باعتبارها من القضايا الجوهرية التي تواجه فرنسا اليوم، إثر التحوّلات الاجتماعية والثقافية التي شهدها المجتمع الفرنسي، إذ رأى أن السياسات الحكومية في التعامل مع الهجرة أضعفت التماسك الاجتماعي، ويطرح ڤالوا سؤالا محوريا 'هل لا تزال فرنسا تعرف نفسها كأمة؟'، مشيرا إلى أن القيم الفرنسية التقليدية مثل الجمهورية والعلمانية تواجه صعوبة في التعبير عن واقع مجتمع معقد ومتغير، مما أدى إلى تباينات وانقسامات داخله، مع تراجع القيم الإستراتيجية التي كانت فرنسا تدافع عنها دوليا، مثل حقوق الإنسان والديمقراطية، إذ بدأت باريس تضع مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية فوق المبادئ الكونية، ما أثّر سلبا على سمعتها ومصداقيتها. رغم أن ألمانيا خرجت من الحرب العالمية الثانية مدمّرة ومن دون مستعمرات، إلا أن ألمانيا الغربية تحوّلت إلى قوة اقتصادية كبرى منذ عام 1960، وتفوقت على كل من فرنسا وبريطانيا، بناتج إجمالي بلغ 84 مليار دولار مقابل 73 مليارا لبريطانيا و62 مليارا لفرنسا، واستمر هذا التفوق حتى اليوم، إذ بلغت قيمة الناتج الإجمالي الألماني 4456 مليار دولار، 3340 مليار لبريطانيا، و3031 مليار لفرنسا. داخليا، رأى ڤالوا أن فرنسا تواجه صراعات اجتماعية وسياسية حادة تهدّد استقرارها، مع تصاعد التوتر بين الفئات الاجتماعية، لاسيما بين الشباب والمهاجرين. وتبرز هشاشة النظام السياسي الفرنسي مع صعود الحركات اليمينية المتطرفة، التي ارتفعت نسبتها في التصويت من 3 بالمائة إلى نحو 30 بالمائة، مصحوبة بخطاب كراهية متزايد يستهدف خصوصا الجاليات الإسلامية، وتغذيه سياسات إقصائية ومعايير مزدوجة تعمّق الانقسامات الاجتماعية، إضافة إلى تنامي موجات الإسلاموفوبيا التي تضعف اللحمة الفرنسية، فضلا عن فكر يميني استعماري يعقّد العلاقات الثنائية مع دول مثل الجزائر. ويؤكد ڤالوا على هشاشة النظام السياسي أمام هذه التحديات، مشيرا إلى أن الاحتجاجات الشعبية تعكس حالة اضطراب اجتماعي وسياسي تتطلب إعادة نظر جذرية في الهوية الوطنية والسياسات الداخلية والخارجية لفرنسا. مستقبل فرنسا تعاني فرنسا من انكماش جيوسياسي متسارع تجلّى في تراجع دورها على الساحتين الأوروبية والدولية. ففي 2024، بلغت مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي العالمي 2.1 بالمائة فقط مقارنة بـ4.2 بالمائة عام 1990، ما يعكس فقدانا تدريجيا لقدرتها الاقتصادية النسبية، ففي الصناعات الدفاعية، تراجعت حصتها في سوق السلاح العالمي من 10.5 بالمائة عام 2010 إلى 7.6 بالمائة عام 2022، لصالح منافسين مثل الصين وكوريا الجنوبية، وفق تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام. يشير أنطوان جلاسر في كتابه 'متغطرس مثل فرنسي في إفريقيا' إلى أن ما يسميه 'الاستعلاء الفرنسي'، هو أحد أبرز أسباب تصدّع العلاقة بين باريس والعواصم الإفريقية، فالطبقة الحاكمة في فرنسا لا تزال تتعامل مع القارة الإفريقية بمنطق الاستعمار الجديد، متجاهلة تطلعات السيادة والكرامة الوطنية لشعوبها، وهذا السلوك الاستعلائي يزيد من الغضب الشعبي والرسمي في إفريقيا، ويعزّز الدعوات لإنهاء النفوذ الفرنسي واستبداله بشراكات تقوم على الاحترام والمساواة. كما انخفض حجم التجارة الفرنسية مع إفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 21 بالمائة بين 2015 و2022، في حين تضاعفت المبادلات التجارية الإفريقية مع الصين خمس مرات منذ 2000. وفي أوروبا، أظهرت بيانات مجموعة ماكنزي تراجع حصة فرنسا من الاستثمارات الصناعية لصالح ألمانيا وبولندا، كما تراجع ترتيبها في مؤشر الابتكار العالمي إلى المرتبة 12 بعد أن كانت ضمن العشرة الأوائل، ما يعكس هشاشة موقعها في سباق الثورة الصناعية الرابعة. أما الحرب في أوكرانيا، فقد أكدت ارتهان باريس للمظلة الأطلسية بقيادة واشنطن، فرغم محاولات ماكرون لتعزيز 'الاستقلالية الإستراتيجية الأوروبية'، إلا أن الواقع أظهر محدودية هامش المناورة الفرنسي، خاصة في ظل هيمنة القرار الأمريكي داخل الناتو وضعف الإجماع الأوروبي، وتراجع الدور الأمريكي في بعض الفترات، وأمام صعود قوى جديدة مثل الصين، والهند، وتركيا، وتنامي تكتلات اقتصادية كبرى (بريكس، ومنظمة شنغهاي)، أصبحت فرنسا في موقع المراقب بدلا من الفاعل، وسط نظام دولي سريع التوجّه نحو التعددية القطبية، فهذا التراجع لم يعد ظرفيا أو رمزيا، بل هيكليا، وتؤكده الأرقام والسياسات المتذبذبة.

عقوبات أم مواجهة؟ السيناريوهات المحتملة بعد تعثر الاتفاق النووي الإيراني
عقوبات أم مواجهة؟ السيناريوهات المحتملة بعد تعثر الاتفاق النووي الإيراني

خبر للأنباء

timeمنذ 2 أيام

  • خبر للأنباء

عقوبات أم مواجهة؟ السيناريوهات المحتملة بعد تعثر الاتفاق النووي الإيراني

في ظل التصاعد المتواصل للتوترات بين الولايات المتحدة وإيران حول برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني، تتعرض المفاوضات النووية لخطر الانهيار. وفقاً لثلاثة مصادر مطلعة يوم الثلاثاء، فإن القيادة الإيرانية تفتقر إلى خطة بديلة واضحة في حال فشل الجهود الدبلوماسية لحل هذا النزاع المزمن. تشير المصادر إلى أن طهران قد تعتمد على الصين وروسيا كخيار احتياطي، إلا أن فعالية هذا الخيار تبدو محدودة في ظل الحرب التجارية المستمرة بين بكين وواشنطن، وانشغال موسكو بالصراع في أوكرانيا. وأكد مسؤول إيراني رفيع أن الاستراتيجية البديلة ستركز على تجنب التصعيد مع الحفاظ على القدرات الدفاعية، وتعزيز العلاقات مع الحلفاء التقليديين. من جانبه، وصف المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي مطالب واشنطن بوقف التخصيب بأنها "غير معقولة"، معرباً عن تشاؤمه إزاء احتمالات نجاح المفاوضات. ورغم أربع جولات من المحادثات، لا تزال نقاط خلافية جوهرية عالقة، أبرزها رفض إيران التخلي عن مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب أو مناقشة برنامجها الصاروخي. يزداد الموقف تعقيداً مع تراكم الأزمات الداخلية في إيران، حيث تواجه البلاد أزمات متلاحقة في الطاقة والمياه، وانهياراً للعملة المحلية، وخسائر عسكرية للحلفاء الإقليميين، وتصاعد المخاوف من هجوم إسرائيلي محتمل على المنشآت النووية. كل هذه العوامل تفاقمت بفعل سياسات العقوبات المشددة التي أعادت إدارة ترامب تطبيقها. في هذا السياق، حذرت ويندي شيرمان، الدبلوماسية الأمريكية السابقة التي قادت الفريق التفاوضي للاتفاق النووي لعام 2015، من أن غياب الحلول الدبلوماسية قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية محتملة. وأشارت إلى استحالة إقناع طهران بالتخلي الكامل عن برنامجها النووي، بينما تتعثر جهود رفع العقوبات بسبب الخلاف حول آليتها وتوقيتها. في حال فشل المفاوضات، يتوقع مراقبون أن تلجأ إيران إلى طرق غير مباشرة لبيع نفطها، مع تزايد التحديات أمام هذا الخيار بسبب الضغوط الأمريكية على المشترين الصينيين والهنود. كما أن قدرة موسكو وبكين على حماية الاقتصاد الإيراني من العقوبات الغربية تبقى محدودة في ظل الظروف الدولية الراهنة. من جهتها، أعلنت الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) عن نيتها إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة في حال عدم التوصل لاتفاق سريع، حيث تمتلك هذه الدول آلية قانونية لتنفيذ ذلك قبل منتصف أكتوبر المقبل. ويشير دبلوماسيون إلى أن التوصل لأي اتفاق قبل هذا الموعد سيتطلب على الأقل إطاراً سياسياً أولياً يتضمن تنازلات ملموسة من الجانبين.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store