هل تشعل الحروب التجارية أزمة شحن جديدة؟
ولا يقتصر هذا الاضطراب على القارة العجوز ، بل تشير التقارير إلى أن تداعياته بدأت تظهر بالفعل في مراكز تجارية كبرى في آسيا والولايات المتحدة، مما يضع التجارة العالمية على شفا مرحلة جديدة من عدم اليقين.
ومع تزايد الضغوط الناجمة عن التوترات الجيوسياسية المستمرة، التي تُجبر السفن على مسارات أطول وأكثر تكلفة، ومع استمرار الغموض المحيط بالسياسات التجارية للولايات المتحدة التي تزيد من حدة التقلبات في الطلب، يبرز تساؤل ملح: هل تُصبح "الحروب التجارية" وقوداً لأزمة شحن عالمية جديدة؟ وفي ظل هذه الظروف، هل تتجه أسعار الشحن البحري نحو ارتفاع كبير بسبب ازدحام الموانئ ونقص العمالة؟ والأهم من ذلك، كيف تؤثر فوضى الموانئ الأوروبية على أسعار الشحن في آسيا والولايات المتحدة؟
تفاقم الازدحام في الموانئ الأوروبية
تشهد الموانئ الرئيسية في شمال أوروبا ومحاور الشحن الأخرى تفاقماً ملحوظاً في مستويات الازدحام، حيث ارتفعت أوقات انتظار الرصيف بشكل كبير. ففي ميناء بريمرهافن بألمانيا، قفزت فترات الانتظار بنسبة 77 بالمئة خلال الفترة الممتدة من أواخر مارس الماضي إلى منتصف مايو الجاري. كما شهد ميناء أنتويرب ارتفاعاً في التأخيرات بنسبة 37 بالمئة، في حين زادت في هامبورغ بنسبة 49 بالمئة خلال الفترة ذاتها، وسجلت موانئ مثل روتردام وفيليكستو بالمملكة المتحدة كذلك فترات انتظار أطول، بحسب تقرير نشرته وكالة "بلومبرغ" واطلعت عليه "سكاي نيوز عربية".
أسباب الأزمة وامتدادها العالمي
وأوضح التقرير أن الأسباب الرئيسية وراء هذا الازدحام تعود إلى نقص العمالة وانخفاض منسوب المياه في نهر الراين، مما يعيق حركة السفن الضرورية من وإلى المواقع الداخلية. ومما زاد من حدة هذه القيود، التراجع المؤقت للرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الرسوم الجمركية البالغة 145بالمئة على الواردات الصينية، وهو ما ساهم في تسريع الطلب على الشحن بين أكبر اقتصادين في العالم.
وأشار التقرير إلى أن "تأخيرات الموانئ تُطيل أوقات العبور، وتُعطّل تخطيط المخزون، وتدفع شركات الشحن إلى حمل بضائع إضافية". هذا الضغط يتعاظم مع ظهور علامات على موسم ذروة مبكر في التجارة عبر المحيط الهادئ باتجاه الشرق، مدفوعاً بهدنة الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين لمدة 90 يوماً، والتي من المقرر أن تنتهي في 14 أغسطس.
كما ذكر التقرير أن أنماطاً مماثلة لهذا الازدحام بدأت تظهر بالفعل في شنتشن بالصين، وكذلك في لوس أنجلوس ونيويورك، حيث يتزايد عدد سفن الحاويات المنتظرة للرسو منذ أواخر أبريل.
وقال رولف هابن يانسن، الرئيس التنفيذي لشركة هاباج-لويد إيه جي، ومقرها هامبورغ، "إنه على الرغم من أنه لاحظ مؤخراً علامات تحسن في الموانئ الأوروبية، إلا أنه يتوقع أن يستغرق الأمر "ستة إلى ثمانية أسابيع أخرى قبل أن نتمكن من السيطرة على الوضع".
ومع ذلك، أشار تورستن سلوك، كبير الاقتصاديين في شركة أبولو مانغمنت، إلى أن هدنة الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين التي تم التوصل إليها قبل أسبوعين تقريباً لم تُحدث بعد طفرة في عدد السفن عبر المحيط الهادئ.
وكتب سلوك: "هذا يثير التساؤل: هل لا تزال الرسوم الجمركية البالغة 30 بالمئة على الصين مرتفعة للغاية؟ أم أن الشركات الأميركية تنتظر ببساطة لمعرفة ما إذا كانت الرسوم ستنخفض أكثر قبل زيادة شحناتها؟".
تأثيرات الرسوم الجمركية والوضع الجيوسياسي
يُضاف إلى تحديات العرض ضغوطٌ ناتجة عن السياسات التجارية المتقلبة، حيث تُصعّب الرسوم الجمركية الأميركية، بالإضافة إلى التهديدات والهدن المفاجئة، على المستوردين والمصدرين معايرة طلباتهم، مما يتسبب في تقلبات غير موسمية في الطلب.
بالنسبة لخطوط الشحن، تُترجم هذه التقلبات إلى تأخيرات وتكاليف أعلى تتطلب زيادات في أسعار الشحن. وقد أعلنت شركات نقل كبرى، بما في ذلك MSC Mediterranean Shipping Co، عن زيادات عامة في الأسعار ورسوم إضافية لموسم الذروة تبدأ في يونيو المقبل، مما يُرجح أن يعزز أسعار الشحن الفوري في الأسابيع المقبلة.
هذا الارتفاع يُعزز أيضاً بالاضطرابات الجيوسياسية المستمرة، حيث لا تزال سفن الشحن تتجنب البحر الأحمر، بعد هجمات الحوثيين التي بدأت في أواخر عام 2023، وتُضطر للالتفاف حول جنوب إفريقيا. هذا الالتفاف يُطيل مسارات الشحن ويزيد من تكاليفه بشكل كبير على الطرق التي تربط آسيا وأوروبا والولايات المتحدة.
وجاءت أحدث ضربة للقطاع عندما هدد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 بالمئة على الاتحاد الأوروبي اعتباراً من 1 يونيو، وهي خطوة قد تُزعزع التجارة عبر الأطلسي. وقد تراجع عن موقفه خلال عطلة نهاية الأسبوع، موافقاً على تمديد هذا الموعد النهائي إلى 9 يوليو بعد مكالمة هاتفية مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.
الهدنة التجارية المؤقتة تنعش الموانئ
في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال الخبير الاقتصادي علي حمودي: "لقد رأينا أن الهدنة التجارية المؤقتة بين أكبر اقتصادين في العالم قد أثارت انتعاشاً مفاجئاً في موانئ الصين ومصانعها. في الأسبوع الذي بدأ في 12 مايو، عندما اتفقت الولايات المتحدة والصين على خفض حاد للرسوم الجمركية لمدة 90 يوماً، تضاعفت حجوزات سفن الشحن المتجهة من الصين إلى الولايات المتحدة أكثر من الضعف مقارنة بالأسبوع السابق لتصل إلى حوالي 228,000 حاوية قياسية ذات لعشرين قدماً، وفقًا لبيانات منصة تتبع الحاويات Vizion.
كما شهدنا ارتفاعاً في أسعار المساحات على السفن العابرة للمحيط الهادئ المتجهة إلى الولايات المتحدة، حيث قفزت الأسعار الفورية من شنغهاي إلى لوس أنجلوس بنحو 16بالمئة، وهي أكبر زيادة لهذا المسار هذا العام، لتصل إلى 3,136 دولاراً للحاوية القياسية لأربعين قدماً للأسبوع المنتهي في 15 مايو، بحسب تعبيره.
ويرجح حمودي أن يكون الارتفاع الحالي نتيجة موجة من الشراء المسبق، حيث تتيح الهدنة التجارية فرصة لتجنب الرسوم الجمركية الأميركية الباهظة. فضلاً عن أنه موسم شراء مهم خلال موسم العطلات، إذ يستغرق وصول المنتجات إلى الولايات المتحدة حوالي شهر، ويستنفد تجار التجزئة بسرعة المخزون الحالي لديهم في انتظار بعض اليقين التجاري.
وأضاف الخبير الاقتصادي: "لذا، ليس من المستغرب أن تؤدي الزيادة الحالية في الحجوزات إلى اضطرابات في سلسلة التوريد خلال الشهرين أو الثلاثة أشهر المقبلة، ما لم تكن هناك رسوم جمركية جديدة من ترامب أما بالنسبة لكيفية تأثير فوضى الموانئ الأوروبية على أسعار الشحن في آسيا والولايات المتحدة؟، فإن الفوضى في الموانئ الأوروبية يمكن أن يكون لها آثار متتابعة كبيرة على أسعار الشحن في آسيا والولايات المتحدة نظراً للطبيعة المترابطة لسلاسل التوريد العالمية. وقد نشهد زيادة في أسعار الشحن، وربما انخفاضاً في السعة وتأخيرات في الشحن".
وتوقع حمودي أيضاً أن يؤدي ازدحام الموانئ في أوروبا إلى اختناقات، مما يقلل من توافر الحاويات والسفن لآسيا والولايات المتحدة، وهو ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع الأسعار بسبب انخفاض العرض، وقال: "قد نشهد تحولات في مسارات الشحن، إذ يعطي الشاحنون الأولوية لتأمين مساحة على طرق عبر المحيط الهادئ لتعويض التأخير، مما سيؤدي إلى زيادة المنافسة والأسعار على هذه الطرق".
ويختتم حمودي حديثه بقوله: "إن فوضى الموانئ في أوروبا من المرجح أن تؤدي إلى تفاقم الضغوط القائمة على سلاسل التوريد العالمية، مما يؤثر على قدرات الشحن ويؤدي إلى زيادة التكاليف عبر طرق التجارة العالمية الرئيسية. وقد يتعين على الجهات المعنية في آسيا والولايات المتحدة الاستعداد لهذه التأثيرات من خلال التخطيط الاستراتيجي وإجراء تعديلات على عملياتها اللوجستية".
سياسات التعريفات الجمركية مصدر لعدم اليقين
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي، الدكتور عماد الدين المصبح، أستاذ الاقتصاد في كليات الشرق العربي، في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن "الحروب التجارية" وسياسات التعريفات الجمركية المتقلبة تُشكل وقوداً رئيسياً لتفاقم أزمة الشحن العالمية، حيث تُحدث اضطرابات ممنهجة في سلاسل الإمداد. فبدلاً من كونها مجرد عقبات، تُصبح هذه السياسات مصدراً لعدم اليقين الذي يُعيق التخطيط لشركات الشحن والمستوردين".
واعتبر أن التهديدات المتكررة بفرض تعريفات جديدة، كالتهديد الأخير للاتحاد الأوروبي، تُضيف طبقة من الفوضى. وهذا الاضطراب في السياسات تكلفة مهدرة تزيد المخاطر. وترهق خطوط الشحن وتدفع لزيادة التكاليف والأسعار، مما يُهدد بتحويل عدم اليقين التجاري إلى أزمة لوجستية واسعة النطاق.
وأضاف الدكتور المصبح: "تُحدث فوضى وازدحام الموانئ الأوروبية تأثيراً مُباشراً ومتسلسلاً على أسعار الشحن في آسيا والولايات المتحدة، نظراً للطبيعة المترابطة للشبكة البحرية العالمية. فتأخير السفن في الموانئ الأوروبية يُعيق التزامها بجداولها اللاحقة، مما يُسبب تأثيرات متعاقبة، يمكن تمثيلها بتساقط حجارة الدومينو. هذا النقص في السفن المتاحة للرحلات المجدولة من آسيا إلى الولايات المتحدة يرفع الطلب على السعة، وبالتالي يدفع أسعار الشحن للارتفاع".
وتُضاف إلى ذلك الاضطرابات الجيوسياسية، التي تُطيل أوقات الرحلات وتقلص السعة العالمية المتاحة، مما يُشكل ضغطاً تصاعدياً على أسعار الشحن ويُحوّل مشكلة الموانئ الأوروبية إلى مُحفز عالمي لارتفاع التكاليف. طبقاً لما قاله المصبح.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الإمارات اليوم
منذ 3 ساعات
- الإمارات اليوم
محللون: السوق تتأهب لصعود النفط
قال مستثمرون ومحللون إن الهجوم الأميركي على المواقع النووية الإيرانية قد يرفع أسعار النفط إلى قمم جديدة، ويدفع المستثمرين إلى التهافت على أصول الملاذ الآمن. وأشارت ردود فعل في بورصات الشرق الأوسط، أمس، إلى أن المستثمرين كانوا لا يتوقعون الأسوأ، حتى مع تكثيف إيران هجماتها الصاروخية على إسرائيل رداً على القصف الأميركي المفاجئ. وتوقع مستثمرون أن يُحفّز التدخل الأميركي عمليات بيع في الأسهم، وربما إقبالاً على الدولار وأصول الملاذ الآمن الأخرى عند استئناف التداول. وقال كبير مسؤولي الاستثمار في شركة «بوتوماك ريفر كابيتال»، مارك سبيندل: «أعتقد أن الأسواق ستشعر بالقلق في البداية، وأن النفط سيبدأ التداول على ارتفاع»، وأضاف: «ليس لدينا أي تقييم للأضرار وسيستغرق ذلك بعض الوقت»، ويعتقد سيبندل أن «حالة عدم اليقين ستُخيّم على الأسواق، إذ سيتأثر الأميركيون في كل مكان الآن، وسيزيد ذلك الضبابية والتقلبات، لاسيما في قطاع النفط». ومن بين المؤشرات إلى كيفية تفاعل الأسواق، خلال تداولات الأسبوع الجديد، هو سعر «إيثر»، ثاني أكبر عملة مشفرة والمقياس الجديد لمعنويات المستثمرين الأفراد بعد «بتكوين»، التي تشتريها الآن المؤسسات بشكل أساسي، إذ انخفض سعر العملة 5%، أمس، لتزيد خسائرها التي تتكبدها إلى 13% منذ بدء الضربات الإسرائيلية على إيران في 13 يونيو الجاري. ومع ذلك، بدت معظم أسواق الأسهم الخليجية غير متأثرة بالهجمات، التي وقعت في وقت مبكر من صباح أمس. وقال كبير محللي الطاقة لدى «إم.إس.تي ماركي» في سيدني، سول كافونيتش: «يعتمد الكثير على كيفية رد إيران في الساعات والأيام المقبلة، لكن هذا ربما يضعنا على مسار 100 دولار للبرميل إذا ردت إيران كما هددت سابقاً». وارتفعت العقود الآجلة لخام «برنت» بما يصل إلى 18%، منذ 10 يونيو، لتبلغ أعلى مستوى لها في خمسة أشهر تقريباً عند 79.04 دولاراً، الخميس الماضي، إلا أن المؤشر «ستاندرد آند بورز 500» لم يشهد تغيراً يُذكر بعد انخفاضه في بداية الهجمات الإسرائيلية على إيران في 13 يونيو. وفي تعليقاته بعد إعلان التدخل الأميركي، رجح الشريك الإداري في مجموعة «هاريس» المالية، جيمي كوكس صعود أسعار النفط بسبب الأنباء، لكن كوكس يتوقع استقرار الأسعار على الأرجح في غضون أيام قليلة. ويحذّر اقتصاديون من أن ارتفاعاً كبيراً في أسعار النفط قد يضر بالاقتصاد العالمي، الذي يعاني بالفعل ضغوطاً بسبب رسوم ترامب الجمركية. ومع ذلك، يشير التاريخ إلى أن أي تراجع في الأسهم قد يكون عابراً، فخلال الأحداث البارزة السابقة، التي أدت إلى أوضاع ملتهبة في الشرق الأوسط، تراجعت الأسهم في البداية، لكنها سرعان ما تعافت لترتفع في الأشهر التالية. وأظهرت بيانات «ويدبوش سيكوريتيز» و«كاب آي.كيو برو» أن المؤشر «ستاندرد آند بورز 500» تراجع في المتوسط 0.3%، في الأسابيع الثلاثة التي أعقبت بدء الصراع، لكنه عاود الصعود 2.3% في المتوسط بعد شهرين من اندلاع الصراع. ويمكن أن يؤدي التصعيد إلى آثار متباينة على الدولار، الذي تراجع هذا العام وسط مخاوف من تضاؤل التفوق الأميركي، ورأى محللون أن تدخل الولايات المتحدة بشكل مباشر في الحرب الإيرانية - الإسرائيلية قد يحقق فائدة للدولار في البداية بفضل البحث عن ملاذ آمن.


البيان
منذ 6 ساعات
- البيان
انقسامات كبيرة بالفيدرالي حول موعد بدء خفض الفائدة
كلير جونز - مايلز ماكورمك - كيت دوغويد - جورج ستير تسببت التعريفات الجمركية التي فرضها دونالد ترامب في بروز انقسام متزايد داخل مجلس الاحتياطي الفيدرالي، مع تباين آراء كبار المسؤولين بشأن ما إذا كان ينبغي خفض أسعار الفائدة خلال صيف هذا العام، أو الإبقاء عليها حتى نهاية 2025. فقد دعا كريستوفر والر، عضو مجلس محافظي الفيدرالي، والذي ينظر إليه على نطاق واسع كأحد أبرز المرشحين لخلافة جيروم باول في رئاسة المجلس، إلى خفض الفائدة بدءاً من الشهر المقبل، مستبعداً أن تؤدي الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب إلى موجة تضخمية جديدة. وقال والر، في مقابلة مع شبكة «سي إن بي سي»، وهو الذي انضم إلى مجلس المحافظين في عام 2020 بعد أن رشحه ترامب خلال ولايته الأولى: «أبقينا أسعار الفائدة على حالها طوال ستة أشهر، اعتقاداً منا بأن التعريفات الجمركية ستؤدي إلى صدمة تضخمية كبيرة، لكن ذلك لم يحدث. وعموماً، ينبغي أن تستند سياستنا النقدية إلى البيانات». وجاءت تعليقات والر بعد يومين فقط من تثبيت الفيدرالي للفائدة للاجتماع الرابع على التوالي في قرار صدر بالإجماع، بعد تخفيضها بمقدار نقطة مئوية واحدة خلال عام 2024. ووجه ترامب انتقادات لاذعة للفيدرالي لعدم خفضه الفائدة. ودعا الرئيس إلى خفض كبير للفائدة، واصفاً باول بأنه «شخص غبي ومن الواضح أنه يكره ترامب». ونشر الرئيس الأمريكي تدوينة عبر حسابه على موقع «تروث سوشيال»: «لا أعلم لِمَ لا يبطِل مجلس الإدارة قرار هذا الأحمق؟ لكن بغض الطرف عن ذلك، فإن مدته ستنتهي قريباً». وتحدث الرئيس في وقت سابق من الأسبوع الماضي عما إذا كان عليه «تنصيب نفسه ليكون مسؤولاً في أكثر المصارف المركزية تأثيراً على مستوى العالم». وأظهرت مجموعة من التوقعات المنشورة خلال الأيام الماضية، انقساماً أكبر بين كبار صانعي السياسة في الفيدرالي حول ما إذا كانوا قادرين على خفض الفائدة مرات عدة هذا العام، أم إذا لم يكن بالمقدور فعل ذلك تماماً. وبالنسبة لباول، الذي تنتهي مدته رئيساً للفيدرالي في مايو 2026، فقد أقر الأربعاء بأنه يوجد «تنوع كبير وصحي لوجهات النظر داخل اللجنة»، لكنه أشار إلى وجود «دعم قوي» للقرار بالإبقاء على الفائدة كما هي في الوقت الراهن. كما سلط رئيس الفيدرالي، الضوء على توقعاته بأن «تتضاءل» الخلافات بين أعضاء اللجنة بمجرد توفر المزيد من البيانات عن الاقتصاد خلال الأشهر المقبلة. وصرح: «لا يتمسك أحد بمسارات الفائدة هذه بكثير من القناعة، في ضوء بلوغ عدم اليقين مثل هذه المستويات المرتفعة». وتشير التقديرات الاقتصادية المعلنة الأربعاء، إلى أن 10 أعضاء في اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة ما زالوا يرجحون خفضين أو أكثر للفائدة هذا العام، كل منهما بمقدار ربع نقطة مئوية. لكن يتوقع سبعة من أعضاء اللجنة حالياً عدم خفض الفيدرالي للفائدة، بينما يرجح عضوان خفضها مرة واحدة. ويرى ريك رايدر، كبير مسؤولي الاستثمار في الدخل الثابت العالمي لدى «بلاك روك» والذي يشرف على أصول بقيمة 2.4 تريليون دولار تقريباً: «الشاهد أن عدد مسؤولي الفيدرالي الذين يعتقدون في وجوب عدم خفض الفائدة قد تزايد. لكن من الواضح أن هناك تبايناً في الآراء داخل للجنة». ويتمحور النقاش داخل الفيدرالي حول ما إذا كان ينبغي تثبيت تكاليف الاقتراض عند مستويات مرتفعة بسبب التوقعات بأن تعريفات ترامب الجمركية ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار، أم خفضها لتعويض أي ترنح سيشهده النمو الاقتصادي. وتعد الفائدة، التي يتراوح نطاقها بين 4.25% و4.5%، أعلى مما يطلق عليه المعدل المحايد للفائدة، والذي لا يسرع النمو الاقتصادي أو يبطؤه. وأظهرت تقديرات الفيدرالي في الأسبوع الماضي، توقع صانعي السياسة بصفة عامة أن يحدث تباطؤ بالغ في النمو هذا العام وارتفاع للتضخم لكن ظلت زيادات الأسعار الناجمة عن التعريفات الجمركية محدودة حتى الآن، إذ سجلت قراءة مؤشر أسعار المستهلكين لشهر مايو، والصادرة في الأسبوع السابق للاجتماع، مستويات دون التقديرات، فارتفعت الأسعار بنسبة 2.4% على أساس سنوي. وقالت ماري دالي، رئيسة فيدرالي سان فرانسيسكو، في مقابلة على شاشة «سي إن بي سي» إنها أصبحت أقل قلقاً بشأن تأثير التعريفات الجمركية على التضخم. وأوضحت أنه في حين أنها لم ترجح خفض الفائدة في يوليو، إلا أن احتمالات اتخاذ هذا القرار في الخريف ستكون أكبر. واستطردت دالي: «لا أعتقد أن المخاوف بشأن التضخم كبيرة مثلما كانت عندما تم الإعلان عنها في البدء»، وأضافت: «لكن لا يمكننا الانتظار لفترة طويلة بحيث ننسى أن أساسيات الاقتصاد تتحرك في اتجاه قد يكون تعديل أسعار الفائدة معه ضرورياً». وفي حين يعتقد بعض المسؤولين أن سوق العمل الأمريكية ما زالت قوية، إلا أن آخرين يشيرون إلى أنها آخذة في الضعف في بعض القطاعات. وحذر باول الأربعاء من أن «مسؤوليات المركزي تتمثل في الإبقاء على ثبات توقعات التضخم على المدى الطويل»، غير أن التضخم ما زال يتخطى مستهدف الفيدرالي البالغ 2%. وأضاف: «نحن في وضع جيد في الوقت الراهن يمكننا من التمهل لمعرفة المزيد عن المسار المحتمل الذي سيسلكه الاقتصاد قبل النظر في إجراء أي تعديلات على موقف سياستنا النقدية». وتشير سوق العقود الآجلة، إلى توقع المستثمرين خفضين للفائدة كل منهما بواقع ربع نقطة مئوية هذا العام اعتباراً من أكتوبر، بحسب بيانات «بلومبرغ». وذكر ستيفن بليتز، كبير خبراء الاقتصاد الأمريكيين لدى «تي إس لومبارد»: «أعتقد أن والر كان يتحدث بصدق عن أن الفيدرالي أقرب إلى خفض الفائدة بصورة أكبر مما يعلنون، لكنهم يحتاجون فقط إلى تأكيد أكثر دقة من الاقتصاد بأنهم يحتاجون إلى اتخاذ القرار».


البيان
منذ 6 ساعات
- البيان
هل وصلت العملات المشفّرة إلى مصافّ الأصول المالية بعد؟
فيليب ستافورد تشهد «بيتكوين»، أقدم وأشهر العملات المُشفّرة في العالم، حالة من الزخم الكبير، إذ تُتداول حالياً بالقرب من أعلى مستوياتها التاريخية، مدفوعة برهانات المستثمرين المتفائلين بدعم سياسي وتنظيمي أكبر من إدارة دونالد ترامب. وارتفعت العملة الرقمية بأكثر من 50 % منذ فوز ترامب في انتخابات نوفمبر الماضي، لتعوض جميع الخسائر التي تكبّدتها حين هدد الرئيس الأمريكي في أبريل باعتماد سياسات تجارية يُحتمل أن تكون مُضرّة. ومع تجاوز مكاسبها نسبة 20% منذ الإعلان عن التعريفات فيما يُعرف بـ«يوم التحرير»، تفوقت «بيتكوين» على أداء الذهب والأسهم الأمريكية. وحتى الحرب الدائرة في الشرق الأوسط لم تفلح في زحزحتها عن موقعها، بعدما تخطت مستوى 100 ألف دولار في ديسمبر الماضي، محتفظةً بصدارتها في سوق الأصول الرقمية. وبالرغم من مواجهتها انتقادات بأنها متقلبة ولا يمكن التنبؤ بها، إلا أنها أكبر عملة مُشفرة تمر حالياً بالعام الثالث من المكاسب المذهلة، ما يؤدي إلى تزايد تقبّل المستثمرين، وكذلك الجهات التنظيمية، والساسة، لفكرة أن بعض العملات الرقمية بإمكانها توفير مسار للثروة والمدخرات على المدى الطويل على الأقل، ويعتقد البعض في وجوب اعتبارها أصلاً رئيساً. ويُعد هذا تحوّلاً جذرياً مقارنة بفترة نوفمبر من العام 2022، حينما لامست «بيتكوين» مستوى 16 ألف دولار الذي تزامن مع انهيار منصة «إف تي إكس» للعملات المُشفرة التابعة لسام بانكمان فرايد، وهو الحدث الذي كلل فترة عصيبة دامت ستة أشهر تضررت فيها ثقة المستثمرين، ولحقت فيها أضراراً بالكثير من الأسماء الكبيرة. لكن هذه المكاسب والخسائر ليست بأمر جديد بالنسبة لمن يحملون العملات المُشفرة منذ وقت طويل. فمنذ أن ظهرت العملة في عام 2009، كانت التقلبات الشديدة واحدة من السمات التي عُرفت بها العملة، لكنها تمكنت من الانتعاش في كل مرة وحققت مستويات أعلى جديدة واجتذبت المزيد من الأموال والمهتمين بها. وباتت العملات المُشفرة جزءاً من الأسواق المالية على نحو أكبر. وشهد العام الجاري تدفقات واردة إلى الصناديق العالمية التي تتبع العملات المُشفرة بمقدار 11 مليار دولار، ما زاد من إجمالي الأصول الخاضعة للإدارة إلى 176 مليار دولار، بحسب البيانات الصادرة عن شركة «كوين شيرز» في المملكة المتحدة. وقد تكون «بيتكوين» هي العملة الرقمية الأكثر قبولاً لدى مديري الصناديق والجهات التنظيمية، لكن ثمة عملات مُشفرة أخرى، مثل «إيثير»، تجتذب اهتماماً من جانب المستثمرين. فترامب لديه عملته المُشفرة الخاصة، وقد أفصح عن دخل يقارب 60 مليون دولار في العام الماضي من واحدة من مشروعاته في العملات الرقمية. وزوجته، ميلانيا، لديها عملتها المُشفرة هي أيضاً. وتتبع «كوين ماركت كاب»، وهي منصة على الإنترنت ومزودة بيانات، قرابة 16.9 مليون عملة مُشفرة، غير أن هناك ملايين العملات الأخرى في السوق، ما يترك المستثمرين في حيرة ويعقّد من اتخاذهم للقرار بشأن أي العملات يشترون. وما يزيد الأمر صعوبة بروز فئة أخرى من العملات المُشفرة وهي «العملات المستقرة»، والتي تكون مدعومة بأصول مثل سندات الخزانة الأمريكية، وقد أصبحت بدائل مُحتملة لأنظمة المدفوعات التقليدية. وتُستخدَم هذه العملات على نحو أكبر باعتبارها وسائل للدفع العابر للحدود. وتقدمت الجهات التنظيمية في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بمُقترحات لإخضاع هذه العملات للقواعد التنظيمية. ويؤدي هذا التشتت إلى تحفظات كبيرة من جانب بعض المستثمرين. ويقول جون رو، رئيس قسم الصناديق متعددة الأصول لدى «ليغال آند جنرال أسيت مانجمنت»: «ما زالت الكيفية التي ستتطور بها الأمور غارقة في عدم يقين كبير، وقد يعتمد الأمر جزئياً على الأقل على الأداء الذي ستحققه الأصول على مدى الأشهر والسنوات المقبلة». ومع ذلك، يستمر عدد المتحمسين لهذه الأصول في التنامي. وكان ما حفز انتعاش العملات المُشفرة، موافقة الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة خلال شهر يناير من العام الماضي على استثمار الصناديق المُتداولة في البورصة مباشرة في «بيتكوين»، ويُعد المسؤول عن إدارة هذه الصناديق بعضاً من أكبر مديري الصناديق على مستوى العالم، بما في ذلك «بلاك روك» و«فيدليتي». وازداد زخم هذا الانتعاش بعد ذلك بفضل نجاح حملة ترامب الانتخابية. فبعد تخليه عن اتهامه السابق لها بأن «بيتكوين» ليست إلا احتيالاً، فقد وعد بدلاً عن ذلك باعتماد سياسات ودودة تجاه الصناعة من شأنها أن تجعل الولايات المتحدة «عاصمة الأصول المُشفرة العالمية». من جانبها، فإن الجهة التنظيمية في المملكة المتحدة، وهي هيئة السلوك المالي، بصدد إجراء مشاورات في السوق بشأن رفع جزئي للحظر الذي فرضته في عام 2021 على شراء العملاء لبعض الأوراق المالية المرتبطة بأصول رقمية، لكن بعض المستثمرين سينظرون دوماً إلى الأصول المُشفرة باعتبارها «احتيالاً»، على ما قاله ترامب ذات مرة. لكن الخطوة التي تضطلع بها هيئة السلوك المالي هذا الشهر، والتي تلمّح للمستثمرين بوجوب أن يكون انكشافهم على هذه الأصول خاضعاً لاختياراتهم هم رغم مخاطرها، يُعد مؤشراً على تغير في المواقف. وتشير بيانات في دراسة سنوية أجراها مجلس الاحتياطي الفيدرالي عن اقتصاديات الأسر في الولايات المتحدة، إلى أن 8 % فقط من البالغين استخدموا الأصول المُشفرة باعتبارها استثماراً أو في معاملات مالية خلال العام الماضي، وهي النسبة ذاتها المُسجلة في العام السابق، لكنها تراجعت من 12 % في عام 2021. وغالباً ما تؤدي ملايين العملات المُشفرة الأخرى التي يتعين على المستثمرين الاختيار من بينها، إلى تثبيط المستثمرين الجدد عن دخول هذه السوق. لكن من المستحيل تقريباً تتبع كافة العملات وإجراء البحوث عنها، بسبب سهولة تعيين مُصدّري العملات المُشفرة لمطوّر سيعمل على إنشاء عملة جديدة، ثم سيضعونها في سجل رقمي لتوثيق كافة المعاملات التي أُجريت باستخدام العملة. وتم ابتكار «البلوك تشين» الخاصة بعملة «بيتكوين»، وهي السجل الرقمي الذي يحتفظ بتوثيق لكافة المعاملات التي تمت باستخدام العملة، في أثناء الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وكانت طريقة لإجراء عمليات الدفع دون الاستعانة بخدمات أي من المؤسسات المالية، مثل المصارف. ومع ذلك، فقد شابت العملة الكثير من العيوب التي حالت دون استخدامها على نطاق واسع لإجراء المدفوعات، وصارت بدلاً من ذلك «ذهباً رقمياً»، أي أنها أصبحت أصلاً ترتفع قيمته وتنخفض ويمكن استخدامه ليكون مخزناً بديلاً للقيمة، غير أنه لا يمنح المستثمرين توزيعات أرباح أو عوائد. أما «إيثير»، وهي ثاني أكبر العملات الرقمية، فهي مفهوم مختلف كلياً عن «بيتكوين». ويعود ذلك إلى أن الرمز يمثّل «البلوك تشين» الخاصة بـ «إيثيريوم»، والتي تروّج لنفسها باعتبارها منصة مفتوحة يمكن للمطورين عبرها إنشاء بدائل للبنية التحتية المالية القائمة. ويمكن برمجة الرمز ذاته بحيث يحتفظ بالأموال ويُجري المعاملات المالية تلقائياً. ويمكن لحملة العملة أيضاً الحصول على عائد إذا وافقوا على الاحتفاظ بحيازاتهم في نظام يساعد في استمرار عمل «إيثيريوم». وتوجد عملات مُشفرة أخرى تعمل بالطريقة ذاتها، مثل «سولانا»، و«كاردانو»، و«أفالانش». وأخيراً، هناك ما يُطلق عليها «عملات الميم» التي تجذب انتباه المتعاملين في السوق، مثل العملات التي أصدرها ترامب وزوجته قبل فترة وجيزة من تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة في يناير الماضي. وهذه العملات رموز تمثّل نكات على الإنترنت، أو لحظات شاع انتشارها، أو حتى أحداثاً جارية، وتشمل رموزاً تمثّل سنجاباً رمادياً مات بالموت الرحيم، أو كلباً كارتونياً، أو مزحة بذيئة. وعادة ما تكون «عملات الميم»، التي طُوِّرَت في البداية كمزحة خاصة داخل الصناعة، شديدة التقلّب. وخلافاً لسوق الأسهم، يمكن للمستثمر في العملات الرقمية شراء وبيع العملات مباشرة عبر منصات تداول تعمل على مدار الساعة يومياً وطوال أيام الأسبوع، وكذلك دون الاستعانة بخدمات وسيط. ومع ذلك، تقع على عاتق المستثمرين مسؤولية تخزين الأصول، والتي عادة ما تكون على محفظة على الإنترنت. يمكن لمنصات تداول العملات المُشفرة أن تحتفظ بأصولك لقاء رسوم، لكن هذا النهج مُعرّض لأنشطة يُحتمل أن تكون غير قانونية. ففي فبراير الماضي، استولى قراصنة على رموز مُشفرة تبلغ قيمتها 1.5 مليار دولار من منصة «باي بيت» لتداول الأصول المُشفرة. ويمكن للمستثمرين فعل ذلك بأنفسهم وأن يحتفظوا بحيازاتهم من العملات المُشفرة دون أن يكون ذلك عبر الإنترنت، وهي طريقة أكثر أماناً لكنها تنطوي على تكاليف أعلى. وينبغي على الكثير من منصات تداول الأصول المُشفرة والوسطاء في هذا المجال من الذين يوفرون تداول وتخزين هذه الأصول، الامتثال للقواعد التنظيمية المحلية المتمثلة في رصد عمليات غسل الأموال والتلاعب المُحتمل بالسوق.