
ليكن عون قائدًا للمسيحيين والمسلمين
لا من باب التملق، ولم نكن يومًا قهرمانة لأحد. وسط هذه الفوضى السياسية والطائفية، الأكثر خطرا من الحرب التوراتية، وانما من باب الضرورة القصوى لبقاء لبنان، ليكن الرئيس جوزف عون الذي أثبت، بمقاربته العقلانية لكل المسائل الحساسة التي تهدد بالتفجير الداخلي، أو بالتفجير الخارجي، قائدًا للمسيحيين، وللمسلمين، بعدما لاحظنا أن زعيماً مسيحيا شكك، على احدى الشاشات (ولم تكن هفوة فرويدية) بقيادته لأنه بعيد عن لغة التأجيج الغرائزي، وهي اللغة القاتلة للبنان.
ثمة مذيعة سألت النائب التغييري (لاحظوا البعد الكاريكاتوري للمصطلح) ميشال الدويهي "كثيرًا ما ألمح السيد حسن نصرالله الى مسألة المثالثة. ما رأيك؟". سعادة النائب تبنى ميكانيكيا كلام المذيعة، واستفاض في اتهام "حزب الله" الذي ليس سلاحه فقط يشكل خطرًا على الوجود اللبناني، وانما خطته الخاصة بتعديل الصيغة الدستورية، أي من المناصفة الى المثالثة بين المسيحيين والسنّة والشيعة.
تلك ثقة، ما من مرّة ألمح السيد الى هذه المسألة. التقيناه مرات، مثلما التقينا الشيخ نعيم قاسم. كان الكلام دوما حول تفعيل الدور المسيحي، كون وجود الدولة اللبنانية، ومن قصر فرساي الى قصر الصنوبر، يرتبط بالوجود المسيحي، ليبدو غريبا أن تأخذ الحملة على "حزب الله" هذا المنحى الطائفي المدمر، ليتقاطع ذلك مع السياسات النازية التي ينتهجها بنيامين نتنياهو. هنا نشير الى لقاء مع الأمين العام السابق للحزب والذي قال فيه، وبالحرف الواحد، "ان الوجود المسيحي في لبنان هو وجود مقدس!".
مثلما هذه القناعة كانت راسخة في الوجدان السياسي، وحتى الوجدان العقائدي، للسيد نصرالله، هي القناعة الراسخة لدى الرئيس نبيه بري الذي يدعو الى تطبيق المادة 95 من الدستور، بالغاء الطائفية السياسية، والشيخ نعيم قاسم الذي يؤكد على التفاعل الخلاق ـ لا على الانغلاق ـ بين الطوائف، لنتوقف عند بعض القوى السياسية، وفي اطار الزبائنية اياها، وهي تقوم بتسويق موضوع المثالثة الذي لم يخطر في بال أحد، من قيادة حركة "أمل" والى قيادة "حزب الله".
لبنان ولد بأيد مسيحية، ويفترض أن يقوم دور القادة المسيحيين، على حماية لبنان، لا على الرهانات الراعبة، حينا على بنيامين نتنياهو، وحينا على أحمد الشرع، والاثنان يوجدان في خندق واحد، وفي مسار واحد. وقد لاحظنا أن ما من شخصية سياسية، أو حزبية، تشارك في الحرب الضروس ضد "حزب الله"، تتطرق الى الظاهرة الهتلرية التي يمثلها رئيس الحكومة الاسرائيلية، كما لو الطوفان الدموي الذي يحيط بنا، ويهدد وجودنا، يحدث على كوكب آخر. وهذه نظرية أنور السادات "اتركوا الصراع مع اسرائيل الى زمن آخر"، ليمضي المسار العربي العام، والى أجل آخر، على الايقاع الاسرائيلي.
ميشال شيحا، فيلسوف القومية اللبنانية، هو من تحدث عن الاعتلال الايديولوجي في الدولة العبرية، وحيث الاقامة داخل الغيتو لا يختلف في حال عن الاقامة في الهولوكوست، ليشكل لبنان النموذج النقيض، بالتفاعل الخلاق بين الأديان، وبين الثقافات. من هنا النظرة الاسرائيلية الحمراء الى لبنان.
كلنا على رقعة الشطرنج. هذا خيارنا. لا شك أن "حرب الاسناد" التي حكي الكثير فيها عن الظروف الملتبسة، وعن الرؤى الملتبسة، أدت الى تلك السلسلة من الكوارث التي لم تتوقف حتى الآن، لكنها من ناحية ثانية كشفت عن مدى الاختراق الاسرائيلي للبنان، تماما مثلما كشفت الاختراق الاسرائيلي، والذي يفوق التصور، لايران.
هذا لا يعني، بطبيعة الحال، الوقوف داخل الكارثة، أو الدوران حولها، حتى وإن كانت الجبهة الداخلية اللبنانية على ذلك المستوى من الهشاشة بفعل الصراع العبثي بين الطوائف. ولكن ألا يبدو الوضع كما لو أنه "الرقص على خيوط العنكبوت" كما يقول الفرنسيون عن سياسات رئيسهم ايمانويل ماكرون؟
المشكلة في أننا لا نعي في اي حالة نحن الآن. كل التركيز على تجريد "حزب الله" ليس فقط من رصيده العسكري، كحركة مقاومة تمكنت، بدماء أبنائها من دحر البربرية ان في جنوب البلاد، أو على السفوح الشرقية، وانما من رصيده السياسي، مع التوقف عند اشارة المبعوث الأميركي توماس براك الى "الحزب السياسي". الآن، وضع لبنان أكثر من أن يكون دراميا حين تحل المقاربات الغرائزية للمشهد محل المقاربات المنطقية، وحيث البحث في الظل ليس فقط حول اعادة تركيب الخرائط، بل واعادة صناعة الصيغ التي تتلاءم والطموحات الاسرائيلية.
واذا كان زعيم دولة عربية قد التقط مصطلح "الهلال الشيعي"، ومن حدود الصين الى ضفاف المتوسط لتسويقه على ذلك النحو الذي يوجه الاهتمام بعيدا عن القضية المركزية للعرب، يحذر حتى المؤرخ الاسرائيلي آفي شلايم من أن يتجاوز بنيامين نتنياهو أمكانات الدولة، ويسقط في جاذبية "الهلال اليهودي" الذي دعا اليه القس الأميركي جون هاغي، رئيس منظمة "مسيحيون من أجل اسرائيل"، ليلاحظ شلايم أن كل الأباطرة سقطوا عند أبواب التاريخ لأنهم لم يفقهوا قط المسار المتعرج للأزمنة.
لنعد الى قول الشاعر التركي ناظم حكمت "يا الهي ... الى اين يمضي بنا هذا الشراع الذي بمِائة سارية. هذا وضعنا، واننا لضائعون...".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الديار
منذ 34 دقائق
- الديار
أرسلان: ما يحصل في السويداء يُشبه أحداث الساحل السوري
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب كتب رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان عبر حسابه على منصّة "إكس": "لا يمكن اعتبار ما يحصل في السويداء مجرّد إشكال بين الدروز والعشائر الموجودة في المحافظة، إذ تخطّى الأمر كل التوقّعات وبات يُشبه إلى حدّ كبير ما شهدته بعض مناطق الساحل السوري". واضاف: "فالدولة، التي يُفترض بها أن تتدخّل بأجهزتها لفضّ النزاع والتحكيم بين أبناء الوطن الواحد، دخلت كطرف بشكلٍ واضح وعلني، وهذا ما يُساهم في تدمير الأوطان لا بنائها". وتابع "وعليه، فإنّ تدخّل الدول الكبرى، والدول العربية وتحديدًا دول الخليج العربي، بات ضرورة ملحّة لوضع حدّ لما يجري. حماية الدروز والأقليات لم تعد خيارًا، بل أصبحت واجبًا أخلاقيًا وإنسانيًا. أمّا في غياب هذا التدخّل، فلا أحد يعلم إلى أين ستتجه الأمور، ولا إلى أيّ مصيرٍ نحن ذاهبون".


الديار
منذ 34 دقائق
- الديار
وزيرة الشؤون من جبشيت: مساعدات نقدية لـ150 ألف لبناني لمدة 3 أشهر
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب زارت وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد في إطار جولتها في الجنوب، مركز الخدمات الإنمائية في بلدة جبشيت، حيث كان في استقبالها رئيس البلدية الدكتور حسين فحص وعدد من الفاعليات الاجتماعية والبلدية. وأعلنت السيد خلال مؤتمر صحافي في المركز، عن خطة الوزارة للاستجابة لملف النزوح السوري، بالتوازي مع دعم العائلات اللبنانية المتضررة من العدوان الإسرائيلي الأخير، مؤكدة أن "150 ألف مواطن لبناني في المنطقة سيستفيدون من مساعدات نقدية بقيمة 145 دولارا شهريا ولمدة ثلاثة أشهر، في مرحلة أولى من الدعم المباشر". وقالت: "نحاول أن نصل إلى أكبر عدد ممكن من المستحقين، ونعلم حجم الأعباء التي يتحملها أبناء هذه المناطق. بعد انقضاء فترة الأشهر الثلاثة، ستنتقل العائلات تلقائيا إلى برنامج "أمان"، الذي يُعتبر من أكبر برامج الحماية الاجتماعية في لبنان، ويوفر دعما شهريا مستداما للعائلات الأكثر حاجة". وشددت على "أهمية استمرار التنسيق بين وزارة الشؤون الاجتماعية والبلديات والهيئات المحلية، من أجل تأمين الاستجابة السريعة لحاجات الناس، وتعزيز فعالية البرامج والخدمات الاجتماعية في المناطق الجنوبية".

القناة الثالثة والعشرون
منذ 37 دقائق
- القناة الثالثة والعشرون
إفرام: القرار بحصر السلاح بيد الشرعيّة أو اختفاء الكيان
اعتبر الرئيس التنفيذي لـ"مشروع وطن الإنسان" النائب نعمة افرام، في حديثٍ متلفز، أن "الخوفَ على الكيانِ اللبناني، الذي كانَ يساورُ البعضَ في السابق، بات اليوم شعورًا عامًا يشترك فيه الجميع. أمّا قلقي، فمصدره القناعة المتنامية بأنّ لبنان لم يعد قادرًا على إنتاج قراراتٍ تحفظُ استمراريته، وفي عجز الدولة عن تنفيذ التزاماتها، ولا سيّما في ما يتعلّقُ باتخاذ القرار الحاسم بحصر السلاح في يد الجيش اللبناني، خصوصًا بعدما عاد حزب الله في الأيام الأخيرة إلى رفع سقف خطابه والتهديد بعدم تسليم سلاحه". وقال:"حربُ الإسناد كانت خطأً استراتيجيًا فادحًا. فكيف نُقدّمُ أرواحَ أبنائنا قرابينَ عن الآخرين؟ أما الصيغة المضافة إلى القرار 1701 ضمن اتفاق وقف الأعمال العدائية، فقد شكّلت مخرجًا لإنقاذ الكيان، عبر الالتزام بسحب السلاح غير الشرعي وحصره بالمؤسسة العسكرية. ذلك هو السبيل الوحيد لتجاوز أخطاء الماضي والسعي إلى العيش بسلامٍ مع بعض". وأشار إفرام إلى أنّ "سلاح حزب الله لم يُحقّق الهدفَ الرادع الذي رُوِّج له، وباتَ طلبُ حصره بيد الشرعيّة اللبنانيّة يتجاوز البُعدَ التقنيّ والعسكريّ، ليُصبح امتحانًا لسلطة الدولة، برئاساتها الثلاث، في تنفيذ ما تلتزم به. وهذا السلاح، بدلًا من أن يتحوّل إلى عبءٍ داخليٍّ خانق، لا تزال هناك فرصةٌ للاستفادة من اللحظة السياسيّة الراهنة، من خلال تسليمه إلى الجيش وتعزيز موقع الدولة". وفي معرض تعليقه على كلام الموفد الأميركي توم باراك خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت، قال إفرام: "ما قاله بارّاك كان جديًا. فهو لم يلمس في الرد اللبناني على ورقته ما يدعو إلى النفور، بل وجد فيه التزامًا واضحًا بسيادة لبنان، وموقفًا موحّدًا من الرؤساء الثلاثة، بما يمثلون، وهو أمرٌ إيجابيّ. لكنّ عاملَ الوقتِ بقي غامضًا ومُقلقًا، وهنا يكمنُ عاملُ الخطر؛ إذ إنّنا أضفنا التزامًا ممهورًا من الرؤساء الثلاثة، غير أنّ العبرة تبقى في التنفيذ". وشرح المشهد الراهن بقوله: "ما يجري اليوم يعيدني إلى مشهد عام 1973، يوم تعذّر على هنري كيسنجر الوصول إلى قصر بعبدا بسبب احتجاجات المسلّحين قرب المطار في بيروت، فحطّ في رياق، ثم زار الرئيس سليمان فرنجية، وغادر بعدها إلى دمشق. يومها، بدا وكأنّ القرار الدولي اقتنع بعجز الكيان اللبناني عن ضبط أمنه الداخلي، فتمّ تلزيمه إلى حافظ الأسد. واليوم، أخشى أن نُعاد إلى سيناريو مشابه، إن لم تستطع الدولة أن تفي بالتزاماتها. وأخشى أكثر أن تُثبت الدولة اللبنانية، بعد سقوطها ثلاث أو أربع مرات في الاختبارات، أنه لم يعد هناك مبرّر لوجودها". وتابع: "الوقت يداهمنا، والمتغيّرات تتسارع بوضوح، خصوصًا في الأشهر الأخيرة. نرى دمشق تنفتح على العالم، فيما نحن ما نزال محاصرين من الجهات كافة، عاجزين عن الإيفاء بالتزاماتنا تجاه المجتمع الدولي، ونُثبت مرةً تلو الأخرى أنّ هذا الكيان لا يمتلك قرارَه". وختم قائلًا: "نحن أمام أسابيع مصيريّة. فإن لم يتّخذ لبنان قراراتٍ تمكّنه من الحضور القوي على طاولة مفاوضات الشرق الأوسط الجديد، فسيكون هو الطبق الذي تأكله إسرائيل وسوريا. وأنا أخشى، بمرارة، أن نعيش الأشهر الأخيرة من لبنان بصيغته وحدوده التي نعرفها. فاستمرارية الكيان باتت مشروطة بقيام الدولة بدورها، وبحصر السلاح في يد الشرعية اللبنانية دون سواها". انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News