
الفانتازيا وتاريخ النكسة.. "صلاة القلق" تفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية
فاز الروائي المصري محمد سمير ندا بالجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها الـ18 الخميس عن روايته "صلاة القلق" الصادرة عن منشورات ميسكلياني، والمكتوبة بقالب سردي جريء يمزج الفانتازيا بالتاريخ، ويعيد مساءلة نكسة 1967 وما تلاها من "وهم السيادة" وزمن الشعارات.
وقال سمير ندا في كلمة مسجلة قبل إعلان النتيجة "صلاة القلق هي روايتي الثالثة، هي تتحدث عن فكرة اختطاف العقول، وفكرة تشكيل الوعي الجمعي لمجموعة من البشر بطريقة مغايرة للتاريخ".
وأضاف "هؤلاء الأشخاص، وكأنما سُرق منهم الزمن الحقيقي وعاشوا في زمن مواز.. هل كان هذا لمصلحة هذه المجموعة من الناس أم خلاف ذلك؟ هذا ما تكشف عنه الرواية وشخصياتها".
وقالت الأكاديمية المصرية منى بيكر رئيسة لجنة تحكيم الجائزة لهذه الدورة: "هي رواية يتردد صداها في نفس القارئ، وتوقظه على أسئلة وجودية ملحة، تمزج بين تعدد الأصوات والسرد الرمزي بلغة شعرية آسرة تجعل من القراءة تجربة حسية يتقاطع فيها البوح مع الصمت والحقيقة مع الوهم".
وأضافت: "رواية لها أبعاد تتخطى الجغرافيا وتلامس الإنسانية والمشترك، رواية اختارها جميع أعضاء لجنة التحكيم بالإجماع".
"نجع المناسي"
عام 1977، في قلب صعيد مصر، تقع قرية "نجع المناسي" المعزولة عن العالم، محاطة بما يعتقد أهلها أنه حقل ألغام لا يُمكن عبوره، يفصلهم عن المجهول. لا يعرف سكان النجع شيئا عن الخارج سوى أن هناك حربا مستمرة منذ نكسة يونيو/حزيران 1967، وأن العدو الإسرائيلي يحاول التوغل عبر قريتهم، التي يُنظر إليها كخط الدفاع الأول على الحدود.
النافذة الوحيدة التي تطل على العالم الخارجي هي "خليل الخوجة"، ممثل السلطة، التاجر الوحيد، وناشر صحيفة محلية بعنوان "صوت الحرب". يحتكر الخوجة كل شيء: المعلومة، والسلعة، وحتى مصير أبناء القرية عبر إشرافه على عمليات التجنيد في الحرب.
ذات يوم، يهوي على القرية جسم غامض، نيزك؟ قمر صناعي؟ لا أحد يعرف على وجه اليقين، يعقبه وباء غريب يشوّه ملامح سكان النجع، بمن فيهم الأطفال حديثو الولادة، ووجد القرويون أنفسهم وقد تحوّلت رؤوسهم إلى رؤوس سلاحف، وتبدأ يد مجهولة في كتابة خطايا الناس على الجدران، بينما يبتدع إمام المسجد "صلاة جديدة" سماها "صلاة القلق"، باعتبارها طقسا روحيا يُبشّر بالخلاص من المحنة والنجاة من الوباء.
8 شخصيات مختلفة تتناوب على رواية الحدث، كل منها تحمل زاويتها الخاصة، وذكرياتها، وشكوكها. معا، تشكّل هذه الأصوات فسيفساء حكائية مدهشة تُعيد تركيب السرد وتفككه في آن.
تجربة إبداعية
في حواره السابق مع الجزيرة نت قال ندا، الذي نشأ في بيت يحتفي بالأدب والثقافة: "في طرابلس، كانت أمي تقرأ علينا قبل النوم كتب محمد حسنين هيكل… خريف الغضب وسنوات الغليان.. وكانت مكتبة أبي هائلة تحوي المثير من أمهات الكتب.. تلك كانت حكايات طفولتي.. كنت أراقب طقوس الكتابة لدى والدي، وهو يُملي، وأمي تكتب… تلك كانت بيئتي".
تجربته الإبداعية، المتأثرة بتنقلاته بين مدن مثل بغداد وطرابلس، انعكست في أعماله السابقة، خاصة روايته "بوح الجدران"، التي جاءت كاستعارة أدبية لحياة والده، بينما شكلت "صلاة القلق" تحررا من تلك الظلال، كما يقول: "صلاة القلق كُتبت في منأى عن ظل أبي… عشت مع شخصياتها لسنوات، وكان فراقهم مؤلما".
وعند سؤاله عن دور الروائي في مواجهة تزييف الوعي، يجيب ندا من دون مواربة: "دور الكاتب أن يُلقي بالحجارة في المياه الراكدة، لا ليحسم، بل ليوقظ". معتبرا "الكاتب لا يملك حلّ الأزمات، لكنه يملك أن يلفت النظر إلى مواضع القلق، كما حاولت في الرواية".
من الضروري أن يمتلك الكاتب الجرأة على إلقاء الحجارة في البحيرات الراكدة، هو لن يحل الأزمات العربية بكتابته، لكنه يلفت الانتباه، ويصوّب نظر القرّاء في موضع محدد يختاره لكتابته، مثل كيفية السيطرة على الوعي الجمعي لفئة من الناس كما جاء في صلاة القلق بصورة تمزج الفانتازيا بالتاريخ الموثّق، هذه وضعيّة شائعة في دول العالم الثالث، وقد سبقني بالكتابة عنها الكثير من عظماء الأدب عالميا وعربيا، لكنني حاولت إعادة طرح الأمر من خلال زاوية مختلفة، وبطريقة أتمنى أن يجدها القارئ مختلفة كما تمنّيت.
النكسة والنكبة
وهو لا يتردد في ربط "صلاة القلق" بالواقع العربي المَعيش، إذ يرى أن النكسة لم تكن نهاية مرحلة، بل "أسلوب توكيد للنكبة"، وأن "جرح النكبة لم يندمل حتى يُقال إنه نُكئ مجددا… بل هو نزف دائم".
جرح النكبة، وجرح النكسة، والجراح الآخذة في الاتساع في هذه اللحظات، كلها لم تزل نازفة، النكبة ليست ندبة حتى تنكأ وتُحرّك وتُستعاد، هي نزف دائم منذ أكثر من 70 سنة، أما النكسة في رأيي فليست سوى أسلوب توكيد للنكبة، وإعلان مكتمل يرسّخ حدوثها، واستحالة إعادة الوضع لما كان عليه قبل مايو/أيار 1948.
الرواية تبني عالمها عبر 8 أصوات روائية مختلفة، يروون جميعا الحدث ذاته من زوايا متباينة. تجربة تتطلب مهارة فنية عالية لضمان التمايز النفسي والفكري، وهو ما يعلّق عليه ندا قائلا: "كانت مغامرة كبيرة… نوّعت الأصوات فكريا أكثر من تنويعها لغويا، لأن لذلك تفسيرا داخل النص. الرهان كان على القارئ الصبور".
ويحضر صوت عبد الحليم حافظ بقوة في الرواية، لا كمجرد خلفية غنائية، بل كصوت يُجسّد المرحلة الناصرية، كما يوضح المؤلف: "عبد الحليم هو سفير تلك الحقبة العروبيّة… صوت آمن به الجيل واحتفى به. وكان موته موتا للصوت المعبّر عن المرحلة، أزاح الغمامة والغشاوة عن أبصار المُختطفة عقولهم، فكان ما كان".
إعلان
افتتاحية الرواية التي تبدأ بجملة: "استيقظ الشيخ أيوب المنسي صباح اليوم، فلم يجد رأسه بين كتفيه"، أثارت مقارنات فورية مع كافكا وساراماغو، لكن ندا يرى أن روح جورج أورويل كانت الأشد حضورا، مع تركيز خاص على تزييف الوعي الجمعي: "الواقع العربي المرصود في الرواية كابوسيٌّ… ربما لا يكفي له كافكا وأورويل وساراماغو مجتمعين".
هذا الواقع العربي المرصود في زمن الرواية، ربما يعجز أورويل وكافكا وساراماغو مجتمعين عن الإحاطة بكابوسيّته. أردت لمفتتح الرواية أن يحيل القارئ إلى تصور رجل فقد رأسه المعتاد، بعدما استحالت كرأس السلحفاة بفعل الوباء الغامض، لم أشأ محاكاة شخصية جريجور سامسا، والقارئ أدرك ذلك منذ الصفحة الأولى.
ويشرح الوباء الغامض الذي يصيب القرويين بأنه "وباء القلق"، أما الوباء، كما يضيف، "فقد وُجد ليلخّص الوضع العربي آنذاك، فهو وباء القلق، الشعور بالخوف من الآخر، حالة اللايقين تجاه كل شيء، هو مزيج من مشاعر خبرها العرب عقودا من الزمن، وقد جاءت الرواية لتدعو القارئ إلى التخلص من هذا الوباء/القلق، من خلال استعادة الحق في قراءة التاريخ الفعلي، والتيقّن من ماهيّة الحقيقة".
وترشحت للجائزة هذا العام 124 رواية من 20 دولة وصلت 16 منها للقائمة الطويلة في يناير/كانون الثاني.
واختيرت 6 روايات للقائمة القصيرة في فبراير/شباط حصلت كل منها على مكافأة مالية قدرها 10 آلاف دولار. وتبلغ القيمة المالية للجائزة التي يرعاها مركز أبو ظبي للغة العربية التابع لدائرة الثقافة والسياحة في أبو ظبي 50 ألف دولار.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
٢٨-٠٤-٢٠٢٥
- الجزيرة
الأكل الحلال.. رحلة بحث مضنية ونقطة تلاقي عرب فيتنام
هانوي/هو تشي منه- أ ن تظفر بوجبة أكل حلال تسد بها رمقك في فيتنام أمر ليس بالهيّن واليسير، فمطاعم العرب والمسلمين عموما تعد على أصابع اليد في كبرى المدن، فما بالك خارجها في بقية مناطق البلاد المترامية الأطراف. "ورطة" صغيرة في هذه الرقعة الخيّرة والمضيافة من المعمورة تعود أساسا إلى أن الجاليات العربية والمسلمة حديثة عهد في بلد الـ100 مليون نسمة، وهم بالكاد بضعة آلاف شبه "مشتتين" بين هانوي شمالا وهو تشي منه جنوبا، مما يجعل إطلاق مطعم حلال شبه مجازفة من قبل البعض من ذوي الفكر الاستثماري بينهم. وحتى بعد الاستعانة بخرائط غوغل لتحديد مواقع المطاعم الحلال المتوافرة، فإما أن تجد صعوبة بالغة في العثور على مكانها، وإن عثرت على عنوان صحيح لأحدها فستكون بعيدة نسبيا عن مركز المدينة. أما تلك القريبة فأغلبها في مناطق هواة السهر والرقص والموسيقى الصاخبة ومراكز التدليك المنتشرة في كل مكان. وفي إحدى الأزقة القريبة من هذه المناطق "الساخنة" وسط العاصمة الفيتنامية هانوي، وتحديدا في "هوان كيام" بالحي العتيق، وجد المصري إيهاب توفيق (44 عاما) له مستقرا، وفي محل صغير أطلق مع شقيقه مطعمه "يلا كباب" المختص في الأكلات الشرقية. صعوبات.. و"صواريخ" يقول إيهاب -وهو من محافظة الشرقية- إن المطعم واجه بعض الصعوبات في البداية، لكن بفضل الله وحمده بات اليوم قبلة لكل العرب القاطنين في هانوي، وأغلبهم شبان من مصر والمغرب وتونس والجزائر. ويضيف إيهاب وهو يحمل طبقا من المشاوي المشكلة على الطريقة الشامية إلى أحد حرفائه الأوفياء من الجالية العربية، أن الفيتناميين أيضا وحتى السياح الأجانب والعرب يقبلون على مطعمه وتستهويهم خاصة "صواريخ الشاورما" التي يتكفل بتحضيرها شاب سوري ذو خبرة. وفي حديثه مع الجزيرة نت، عبر الشاب المصري عن سعادته بأن يكون مطعمه نقطة التقاء بين أبناء الجاليات العربية في فيتنام رغم قلة عددها، مشيرا إلى أن المطبخ بمعناه الشامل بمثابة سفير للحب والسلام والتعريف بثقافة الشعوب وموروثها الحضاري. وتتراوح أسعار الأطباق عند "يلا كباب" من 200 دونغ فيتنامي (8 دولارات) إلى 400 دونغ (16 دولارا)، أما الشاورما والعصائر فلا تتجاوز الـ100 دونغ (4 دولارات)، وهي أسعار عالية نسبيا مقارنة بالأكل في المطاعم الشعبية في فيتنام. مطبخ ثري جدا.. لكن يشار إلى أن المطبخ الفيتنامي ثري جدا بالأطباق ذائعة الصيت عالميا على غرار حساء "فا" الشهير و"بو تشي" وسندويتش "باه مي" الموروث من الفرنسيين، لكن العثور على "الحلال" من بين هذه الأطباق الشهية أمر شبه مستحيل. وفي حال اللجوء إلى "ابن البحر" كما يقول التونسيون في إشارة إلى الأسماك، فإن الخيارات متعددة جدا على اعتبار أن هذه الثروة كبيرة جدا في فيتنام التي تمتد سواحلها على طول نحو 3500 كيلومتر. وإضافة إلى أسماك الساحل المطل على بحر جنوب الصين، تحظى فيتنام بهذه الثروة الغذائية في بحيرات عديدة وفي نهر الميكونغ العظيم الذي يمر جزء كبير منه على أراضيها قبل بلوغه المصب والدلتا التي تحمل اسمه جنوب شرقي البلاد. من المنستير.. عاصمة السمك وفي هذا السياق، يقول الشاب التونسي إسكندر المكني (30 عاما) الذي التقاه موفد الجزيرة نت في "يلا كباب" إن خيار الأسماك لا يستهويه لأن الأنواع كثيرة ولا يمكنه التمييز بين سمك البحر والنهر. ويضيف ابن مدينة جمّال من محافظة المنستير الساحلية وسط تونس، وهي معقل للمطبخ القائم على الأسماك القادمة من مينائها الشهير المطل على البحر الأبيض المتوسط، أنه يرتاد أحيانا مطاعم مختصة في المأكولات البحرية الموثوقة، لكنه يفضل ما تجود به أيادي إيهاب الذي وصفه مازحا بـ"فيت كونغ المشاوي". وفي سؤال عن تقديراته لعدد العرب في هانوي، يقول مواطنه أحمد الشيباني (26 عاما) إن المغاربة يتربعون على الصدارة بنحو 500 فرد يليهم المصريون والجزائريون بنحو 150 لكل جنسية، ثم اليمنيون والمصريون بنحو 100 لكل جنسية. وعن التونسيين، قال أحمد إن عددهم لا يتجاوز الـ50، مشيرا إلى أن غالبية العرب في فيتنام من الشباب ويعملون أساسا في تدريس اللغة الإنجليزية برواتب مجزية وامتيازات مغرية، منوها بالمعاملة الطيبة للسلطات الفيتنامية والطيبة الخارقة لأبناء " العم هو". هو تشي منه.. وضع أفضل وبالتوجه جنوبا نحو مدينة هو تشي منه ذات العشرة ملايين نسمة، يميل الأمر نحو التحسن، فقد رصدت الجزيرة نت عددا لا بأس به من المطاعم الحلال، سواء على خرائط غوغل أو خلال التجوال في مناطق الجذب السياحي بالمدينة التي تتواصل فيها الاحتفالات بذكرى النصر والوحدة. وأخذنا "العم غوغل" هذه المرة إلى مطعم اختاروا له من الأسماء "حلال الشام"، وكان ذا التقييم الأعلى في المدينة بين المطاعم الحلال، في حين تكفل تطبيق "قراب" (أوبر فيتنام) بعملية حجز ونقل سلسة وسريعة وضعتنا أمام المحل الواقع في شارع تجاري إستراتيجي وحيوي. وعلى عكس ما يوحي الاسم، كانت المفاجأة بأن صاحب المطعم تونسي وليس من أهل الشام، وباستفساره عن ذلك، بادرهم سامي عبيد بعد الترحيب والتبجيل قائلا "وهل من أكل أشهر وأفضل وأطيب من الأكل السوري عبر العالم؟"، مؤكدا أن حرفاءه عرب وفيتناميون وأجانب كذلك. وفي ضيافته بمجلس خصصه للنرجيلة وزينه ديكور شامي بهيج، روى سامي للجزيرة نت بداياته في عالم المال والأعمال وصولاته وجولاته مع "البزنس" في كامل دول جنوب شرق آسيا، من الصين إلى ماليزيا مرورا بالفلبين وأخيرا في فيتنام التي وصفها بالتنين الصاعد اقتصاديا بسرعة مكوكية. وفيما يلي جولة بعدسة موفد الجزيرة نت الخاص في رحاب "حلال الشام" الذي خصص طابقه الأرضي لبيع كل المنتجات الحلال من لحم البقر والأغنام وكذلك أنواع عديدة من البقوليات والبهارات وغيرها..


الجزيرة
٢٧-٠٤-٢٠٢٥
- الجزيرة
"أدب الأسرى" بمؤتمر لرابطة الكتاب الأردنيين.. الرواية تقود المشهد وقصائد مسكونة بالهوية والحرية
عمّان- طالبت قامات أدبية وثقافية وفنية أردنية وفلسطينية وجزائرية ولبنانية وعراقية مشاركة في المؤتمر الأول لأدب الأسرى في سجون الاحتلال -الذي نظمته رابطة الكتاب الأردنيين- بإطلاق تسمية "أدب الحرية" بدلا من "أدب أسرى السجون الإسرائيلية". وأيد الناقد رشيد النجاب مؤلف كتاب "فلسطين في النثر العربي الحديث" مقترح "أدب الحرية"، وقال إن الأسير كميل أبو حنيش ابتكر في روايته "الجهة السابعة" بأبوابها الثلاثة خروجا من نطاق الأسر وسعيا نحو الحرية وهو في الزنزانة، حيث عاش مع القارئ أيام الشباب والحب والدراسة والمقاومة خارج الأسر. وقال النجاب للجزيرة نت إن "إخواننا الأسرى يسألون: رجاء، لا تعاملونا بعطف في توجيه النقد، بل بما من شأنه رفع قيمة ما يكتب في أدب الحرية، فروايتا باسم خندقجي السابقتان "مسك الكفاية" و"خسوف بدر الدين" تتسمان بالحداثة، فهما تتحدثان عن الإنترنت وما يحتويه، والأهم أنهما تتميزان بالمواجهة المباشرة بين السردية الفلسطينية والصهيونية". ودعا النجاب إلى تدريس "أدب الحرية" في المدارس والجامعات كمادة أساسية في اللغة العربية. ومن أبرز توصيات المؤتمر عقب 6 جلسات اختتمت الخميس وتناولت مواضيع الشهيد وليد دقة كرمز وأيقونة ودراسات في الأعمال الإبداعية والفنية ودور المؤسسات العربية والدولية في دعم الأسرى وتجليات السجن في أدب الأسيرات منح جائزة سنوية باسم "أدب الأسرى" تبرعا من الدكتور فتحي أبو عرجة، وتحديد يوم الأسير الفلسطيني "يوم الوفاء" في 17 أبريل/نيسان كموعد لعقد المؤتمر الثاني، واختيار اسم أسير عنوانا له، ومتابعة أعمال درامية من كتب الأسرى أو من وحيها، والتواصل مع اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية لتسليط الضوء على المنجز الإبداعي للأسرى، ومتابعة الجهود مع دول صديقة مثل فنزويلا وكوبا لتوفير منح دراسية لأبناء الأسرى. إعلان من جهته، أشار الأديب عفيف طاووق (لبنان) إلى خطأ شائع وقضية فكرية وسياسية لاقت استحسان المشاركين والضيوف مفادها "عندما نطلق على المعتقلين صفة الأسرى، فالأسير هو الذي يعتقل على أرض الغير، أما هؤلاء فالحقيقة أنهم ليسوا أسرى، بل مخطوفون على أرضهم ووطنهم، وقد احتجزت حريتهم وأودعوا المعتقلات". حسن عبادي: لكل أسير كتاب وأبلغ المحامي الحيفاوي حسن عبادي كما يحب أن ينسب إلى عروس البحر الأبيض المتوسط الجزيرة نت أنه بدأ التواصل مع "أسرى يكتبون" في نيسان (أبريل) 2019، وقد قام بـ400 زيارة تطوعية للأسرى الكتاب والأسيرات حتى 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وقال إنه لمس أن الكتابة بالنسبة للأسير تعد متنفسا والرئة التي يستنشق من خلالها الحرية، وقد وصفتها الأديبة المحررة عائشة عودة بأنها "فكرة ولادة". وأضاف أنه استطاع أن يزودهم بآلاف الكتب تحت شعار "لكل أسير كتاب"، مشيرا إلى أن الأسرى كانوا يعتقدون أن الأدب توقف عند الراحل محمود درويش وغيره، نتيجة لانقطاع تواصلهم مع الكتاب خارج الوطن، ونتيجة لتعميم مبادرة "لكل أسير كتاب" بدأ كتاب من الوطن العربي يسألون عن كتابات الأسرى، مثل أحمد أبو سليم وصفاء أبو خضرة. وأوضح عبادي أن فكرة "أسرى يكتبون" انطلقت من هنا بالتعاون مع رابطة الكتاب الأردنيين، ومن خلالها عقدت 29 ندوة تناولت كتابات الأسرى بمشاركة أحد أقارب الأسير، إلى جانب مساعدة أسرى ليس لهم حاضنة في إصدار كتبهم، إذ موّل عبادي وزوجته طباعة 40 كتابا. وفي رده على سؤال، قال عبادي "أدب الحرية في تطور مستمر، فقد انتقلوا إلى الأدب الحداثي بعد مغادرتهم قضبان المحتل، ولم يكتبوا عن جدران السجن فحسب، بل تناولوا وضع السجن برؤية فكرية متقدمة ومنفتحة، الكتّاب أصبحوا أكثر ثقافة وانفتاحا على القضايا المطروحة، والبنية الفنية أصبحت أقوى من حيث الموضوع والأسلوب، إنهم يقولون -أي الأسرى- لا نريد منكم شفقة، احكموا على كتاباتنا كي نتعلم ونتطور، لا تطبطبوا علينا". واعتبر المحامي الحيفاوي المؤتمر خطوة كبيرة ورافعة لأدب الحرية، داعيا الكتّاب والناشرين إلى الاهتمام بقراءة مؤلفات الأسرى والكتابة عنها والحديث عنهم. أحمد دقة.. فيلسوف الحرية وتحت عنوان "الشهيد دقة رمز وأيقونة" تحدث رئيس نادي الأسير السابق عيسى قراقع عن الأبعاد الفكرية والفلسفية في كتابات الشهيد وليد دقة، فأطلق عليه لقب "فيلسوف الحرية"، إذ خط مشروعا ثقافيا وفكريا وإنسانيا ونضاليا طوال 3 عقود، مما شكّل مفارقة في أدب وثقافة المقاومة عندما ناضل من داخل معتقله من أجل تحرير الأحرار، قائلا "نحن سُجنا لنحرر لا لنتحرر". وخاطب قراقع القامات الثقافية والأدبية قائلا "وليد اتخذ السجن خندقا وميدانا للمقاومة الثقافية، حيث تمحورت كتاباته حول السجن والوطن والحياة والمستقبل، وليد يبقى عصيا على التصنيف منظرا وباحثا سياسيا وروائيا رساما ومسرحيا"، وكما وصفه أحدهم "هنا جامعة اسمها وليد دقة". ووصف قراقع الكتابة في السجن بأنها مقاومة قائلا "أكتب حتى أتحرر من السجن على أمل أن أحرره، إننا نكتب عن السجن لننفيه، نؤكده لننفيه، فتأكيده يظهر غياب الحرية، المعنى الجديد للسجن يمكن تلخيصه بالصمود في معركة: ثقف نفسك بنفسك لتصل إلى نتيجة: حرر نفسك بنفسك". وعلى لسان الشهيد وليد يورد قراقع "إن التحرر هو السبيل الوحيد للحرية، وهو فعل خارجي (هدم)، في حين الحرية هي القيمة التي تسعى الشعوب لتحقيقها، وهي فعل داخلي، فإذا كان التحرر من الاحتلال شرطا ضروريا لتحقيق الحرية فإن الحرية هي الشرط الكافي للحفاظ على إنجازاته، فكم من بلد تحرر، لكن شعبه لم يحظ بالحرية بصفتها قيمة غير خاضعة لحسابات موازين القوى وغير قابلة للمساومة". وتحدث وليد -وفق قراقع- عن مجتمع السجن، خاصة ظاهرة "الكابو" التي يدعمها المحتل، وهم الأسرى المتعاونون مع السجان ضد زملائهم، حيث نجحت سلطات السجون في صنع هذه الظاهرة وتحويل حياة الأسرى إلى إقطاعيات أو إمارات منفصلة تسودها الشللية والفردية والفساد وغياب النضال الجمعي والوحدوي، فالمفتاح الناظم بين الأسرى أصبح الجغرافيا والبلديات. ويقول وليد "لا أريد العودة إلى فلسطين الماضي، فلسطين الانتدابية، أنا أريد فلسطين المستقبل التي لا بد أن تتطابق فيها الهوية الوطنية الجامعة مع جغرافيا الوطن الكامل، أوسلو تنازلت عن جزء من الوطن مقابل الدولة، واستعاض أصحابها عن العودة بحكاية العودة، وبهذا المعنى أصبحت العودة فلكلورية والدبكة الشعبية بديلا عن برنامج العودة، واختزل الوطن إلى ما يشبه الوطن". التعذيب الجسدي.. إعادة تعريف وتطرق وليد في كتابه "حبر الوعي" إلى التعذيب الجسدي كما ورد في اتفاقية مناهضة التعذيب، فطالب مؤسسات حقوق الإنسان بتعريف جديد للتعذيب يشمل النظم غير الحسية وغير المباشرة التي تهدف إلى التدخل في تفكير الأفراد، في عملية "مسح دماغي زاحف ومتدرج"، في محاولة لما سماها "هندسة الجماعة والسيطرة عليها"، حيث يعيش الأسير حالة من الاغتراب تجاه الزمن الحقيقي، وتقاس الأشياء لا بعقارب الساعة، بل بالأحداث داخل جدران السجن، حيث يتعمد الاحتلال بناء ستار حديدي بين الأسير والزمن. ولم يغب الانقسام الفلسطيني عن نتاجات الشهيد وليد دقة، وفق ما طرحه قراقع "السجان إسرائيلي، ولكن من يصنع له المزيد من الأقفال هو الانقسام الفلسطيني، نقولها لمن ضلوا الطريق نحو الحرية: الحالة الفلسطينية المنقسمة سياسيا ألقت بظلالها الثقيلة على شقيقتها الأسيرة، الانقسام الذي طال أنتج اقتصاد الانقسام وثقافته، هناك تخوف حقيقي من أن تتحول هذه الثقافة إلى هوية". صراع المفاهيم وتغيرها وتحدث الأسير المحرر الدكتور عزمي منصور -الذي قضى 18 سنة في السجن بعد حكم بالمؤبد- عن إضرابات السجون وتغير المفاهيم بعد اتفاق أوسلو، متسائلا "ما هو الاحتلال؟ هل هو فلسطين التاريخية أم الضفة وغزة؟ ما هو التعذيب؟ ما هو الفصل العنصري؟"، مشيرا إلى المقولة "ما حصل في غزة لا نريده أن يحدث في الضفة الغربية" وإلى فتح مول في رام الله "والشعب يذبح في غزة"، معتبرا أن ما سماه "التنافر المعرفي" يقود إلى الفوضى في الأفكار والمفاهيم. ووصف الشهيد وليد دقة بأنه من أبرز مفكري الحركة الأسيرة، وقال للجزيرة نت إن المحتل عمل من خلال نظرية "التنافر المعرفي" على نوع من غسل الدماغ وضرب الاتجاهات الفكرية وتفكيك مفاهيم الوطن والشعب والمقاومة والتضامن الاجتماعي وكسر عزة النفس، مما أوجد اتجاهين في الواقع الفلسطيني: الأول: لا يعترف بالعدو، ويعتبر فلسطين من البحر إلى النهر، ويرى الكفاح المسلح طريق التحرير. والثاني -وفق منصور- يرى أن فلسطين هي "الضفة وغزة"، وبالتالي يعترف بالعدو ولا يقاومه إلا عبر المقاومة السلمية انطلاقا من تغيير بنود في الميثاق الوطني الفلسطيني، لذلك يميل إلى الاستكانة مع العدو تحت مسمى "إدامة التفاوض"، حسب تعبيره. شهيد الوعي.. الحرية ليست حالة رومانسية وفي قراءة لكتاب "صهر الوعي" لوليد دقة شهيد الوعي كما وصفه رامي ياسين في مداخلته قال "اعتبر شهيدنا الأسر فعلا ذاتيا داخل العقل، وتجرد من ظلال الأسر، وكتب بعين العارف بحثا علميا سياسيا فلسفيا يقدم فيه مفهوما جديدا لقضية الأسر وكيفية فهم الصورة الشمولية، ومهمته الأولى هي صهر الوعي الجمعي، وعي المقاومة، ليس فقط للأسرى، بل لنا جميعا كشعوب باعتبارنا جميعا أسرى". ولا يبحث وليد دقة عن الحرية كحالة رومانسية، بل كمعادلة شاقة ومعقدة، الحرية ليست فقط كسر القضبان، بل كسر الفكرة التي صنعت القضبان، لذلك، فليس أخطر أشكال الأسر تلك التي تمارس على المفاهيم والمواقف والرغبات، وليد لا يكتب من أجل الأسرى فقط، بل بهم، يكتب عن معنى أن تكون الذاكرة محاصرة، والمقاومة مصنفة على أنها خلل عقلي أو شذوذ أخلاقي أو مشروع انتحار جماعي. ويقول الروائي رامي ياسين "وليد حوّل الزنزانة إلى مختبر فكري والتجربة القاسية إلى نص مقاوم، لا يتوسل العطف، بل يصفعنا بالفهم، ويقول للذين خارج القضبان إن حريتكم مشروطة بالوعي والقدرة على الرفض والنقد والفهم، المقاومة هنا ليست فقط بندقية، بل كلمة، فكرة، موقف، تنظيم، والأهم ألا نعتاد القمع، الإبادة، الاحتلال". بدوره، يرى الروائي عبد السلام صالح أن كتابات الأسرى تنوعت، فمنهم من كتب عن تجربته الذاتية وظروف اعتقاله ومعاناته في التحقيق والسجن، ووصف بشكل تفصيلي ما يعيشه الأسرى، ومنهم من كتب الشعر والقصة، لكن الانفجار الإبداعي كان في الرواية، حيث اكتشف كروائي بين 8 و12 روائيا حقيقيا مبدعا يقدمون روايات ذات سوية عالية ومحققة لكافة الاشتراطات الفنية والإبداعية. وقال صالح للجزيرة نت إن الرواية في كتابات زهدي شاهين وكميل أبو حنيش ووليد دقة وباسم خندقجي وعاهد نصاصرة وسائد سلامة تمتعت بلغة إبداعية عالية تنحو إلى السرد وتمتاز بالوصف الرائع والجميل وتقدم حوارات ذكية وبناء فنيا متينا ومتماسكا. واستعرض مهدي نصير نماذج من قصائد الشاعرين ناصر الشاويش وأحمد عارضة، وقال إن الشعر هو القدرة على التعبير عن الأسير ومعاناته وهمومه وأحلامه وطموحه، وهو القوة السحرية التي تمنح الأسير قوة وعنفوانا وصمودا. ومن قصيدة "أناشيد المعنى" لناصر الشاويش: قذفت في وجه العدا أمعائي حربا تقض مضاجع الأعداء وجعلت أمعائي سلاح إرادتي سيفا يعيد كرامتي وإبائي ورفضت خبز الذل حتى أسترد الحق بالأمعاء أو بالدماء ومن قصيدة أحمد عارضة "الوردة البيضاء": للوردة البيضاء جندي غريب وحسب نصير، فإن القصائد عموما مسكونة بالهوية والتحدي والانتماء للأمة العربية التي وإن تخلت عن فلسطين لكنها هي وطن وانتماء. إعلان أكتب كي أتحرر من جهته، أورد اللبناني عفيف طاووق ما قاله وليد دقة في روايته "سر الزيت" "أكتب كي أتحرر من السجن على أمل أن أحرره مني"، وفي هذا يلتقي مع الكاتب والأديب وليد الهودلي بقوله "إن أدب الحرية في السجون يرمي إلى تعزيز ثقافة الحرية"، في حين يقول الروائي رائد الشافعي "نحن نكتب حتى نتخلص من أعبائنا ما دمنا نعيش في حقل ألغام لا نعلم متى تصدر عنا كلمة تفجر لغما تحت أقدامنا، أو ننهي علاقتنا بالآخرين ممن يخشون الحرية والنقد والرأي الآخر". وحسب رأيه، فإن بعض الكتّاب نجحوا في تقديم روايات مستوفية لشروطها الفنية، من حيث الحبكة أو تقنية الاسترجاع وتنوع أساليب السرد والشخصيات والموضوعات المثارة، مثل كميل أبو حنيش ووليد دقة وعائشة عودة. وقد توج باسم خندقجي بجائزة البوكر العربية 2024 عن روايته "قناع بلون السماء"، كما تطرق إلى رواية "وهكذا أصبح جاسوسا" لوليد الهودلي، والتي تتناول انزلاق بعض الأسرى وسوء تقدير الثقة المفرطة بالآخر والإفصاح عن معلومات وطبيعة نشاطه. وفي رواية "مريم.. مريام" لكميل أبو حنيش -التي تعالج إرباكات وطرحا فكريا وسياسيا- تتحول مريم الفلسطينية من مواطنة إلى لاجئة في بلدها، في حين تتحول مريام من شريدة أوروبية إلى مستوطنة ومغتصبة لبيت مريم الفلسطينية. الكتابة ليست ترفا بدوره، ترى الأديبة ديمة جمعة السمان (فلسطين) أن الكتابة بالنسبة للأسرى ليست ترفا أو لتمضية الوقت، بل فعل مقاومة وشهادة وتمسك بالهوية والكرامة، وقد اتسمت كتاباتهم بالعمق والتنوع والرسالة الإنسانية والسياسية، كتب الأسرى عن الحب والأم والحنين والقهر، وحتى الحياة اليومية. وقالت الروائية سامية عطعوط للجزيرة نت إن أدب الأسرى فعل مقاوم في مواجهة المحتل يمنح الأسير القوة والتواصل مع العالم لتخطي جدران السجن، داعية إلى نشره وترجمته، مضيفة "أقل ما يمكن تقديمه لمن ضحى بحريته وحياته من أجل وطنه". إعلان وفي هذا الصدد، ترى الروائية صفاء أبو خضرة أنها استفادت من اطلاعها على أدب الأسرى ومكابدتهم أسوأ الظروف، ومع ذلك يصرون على صناعة نافذة في الظلام ليستنشقوا الحرية، وأن القضبان التي يحشرون خلفها هشة أمام حب الحياة والإرادة والحق. وقالت للجزيرة نت "لمست من إبداعاتهم لغة جميلة خرجت بطريقة عجيبة كسرت أنف المحتل، إنه انتصار كبير"، معتبرة أن الكتابة هي متنفس وأكسجين، وتعلمت منهم أن الكتابات بمثابة تأريخ لما يحدث داخل السجون، وأن السجن مجرد وهم يكمن داخلنا، لذلك يكتبون لأن الكتابة حرية. من جانبه، تحدث الدكتور علي أبو هلال عن دور التحالف الأوروبي في مساندة الأسرى الفلسطينيين، فقال "نعمل الآن على توسيع قاعدة التحالف ليضم دول أميركا اللاتينية والأفريقية، ونحضر لعقد المؤتمر التاسع في بروكسل في 3 أيار (مايو) المقبل بمشاركة جنوب أفريقيا ودول أفريقية"، مؤكدا أن "الحرية خير علاج للأسرى". فنانون تحت الأرض أما نزار سرطاوي فتحدث نيابة عن صالح حمدوني تحت عنوان "فنانون تحت الأرض.. تجربة فنية من داخل الأسر" عن تجليات التحدي والصمود في أعمال زهدي العدوي، قائلا "لم يتمكن السجان من انتزاع إنسانيته، لذلك أصر على التعبير عن ذاته بالكتابة والفن والدراسة، إضافة إلى مواجهة السجان وسياسته القمعية وإهماله الطبي". وأضاف "لقد أفرغ زهدي مشاعره وأحاسيسه على مناديل ورقية وتفل الشاي والقهوة ووجوه المخدات، تهرب خارج السجن وتروي حكاية السجن والحلم بالحرية، كما وقف أمام سؤال الحرية، وتقاطعت تجربته مع زميله محمد الركوعي ليشكلا تجربة فنية سمياها "فنانون تحت الأرض"، و"الرسم منفذ للتعبير والتحدي.. كنا نحيا ونحلم بالحرية". وبشأن الفن التشكيلي، يرى الفنان غازي إنعيم أن "الأسير حاول الخروج من أسوار السجن، فكان الرسم المتنفس الذي يخلخل إيقاع الزمن، ويخرج للتأمل والبحث عن الذات في حركة تحرر من الزنزانة والسجان، الفن هو الحرية".


الجزيرة
٢٥-٠٤-٢٠٢٥
- الجزيرة
الفانتازيا وتاريخ النكسة.. "صلاة القلق" تفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية
فاز الروائي المصري محمد سمير ندا بالجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها الـ18 الخميس عن روايته "صلاة القلق" الصادرة عن منشورات ميسكلياني، والمكتوبة بقالب سردي جريء يمزج الفانتازيا بالتاريخ، ويعيد مساءلة نكسة 1967 وما تلاها من "وهم السيادة" وزمن الشعارات. وقال سمير ندا في كلمة مسجلة قبل إعلان النتيجة "صلاة القلق هي روايتي الثالثة، هي تتحدث عن فكرة اختطاف العقول، وفكرة تشكيل الوعي الجمعي لمجموعة من البشر بطريقة مغايرة للتاريخ". وأضاف "هؤلاء الأشخاص، وكأنما سُرق منهم الزمن الحقيقي وعاشوا في زمن مواز.. هل كان هذا لمصلحة هذه المجموعة من الناس أم خلاف ذلك؟ هذا ما تكشف عنه الرواية وشخصياتها". وقالت الأكاديمية المصرية منى بيكر رئيسة لجنة تحكيم الجائزة لهذه الدورة: "هي رواية يتردد صداها في نفس القارئ، وتوقظه على أسئلة وجودية ملحة، تمزج بين تعدد الأصوات والسرد الرمزي بلغة شعرية آسرة تجعل من القراءة تجربة حسية يتقاطع فيها البوح مع الصمت والحقيقة مع الوهم". وأضافت: "رواية لها أبعاد تتخطى الجغرافيا وتلامس الإنسانية والمشترك، رواية اختارها جميع أعضاء لجنة التحكيم بالإجماع". "نجع المناسي" عام 1977، في قلب صعيد مصر، تقع قرية "نجع المناسي" المعزولة عن العالم، محاطة بما يعتقد أهلها أنه حقل ألغام لا يُمكن عبوره، يفصلهم عن المجهول. لا يعرف سكان النجع شيئا عن الخارج سوى أن هناك حربا مستمرة منذ نكسة يونيو/حزيران 1967، وأن العدو الإسرائيلي يحاول التوغل عبر قريتهم، التي يُنظر إليها كخط الدفاع الأول على الحدود. النافذة الوحيدة التي تطل على العالم الخارجي هي "خليل الخوجة"، ممثل السلطة، التاجر الوحيد، وناشر صحيفة محلية بعنوان "صوت الحرب". يحتكر الخوجة كل شيء: المعلومة، والسلعة، وحتى مصير أبناء القرية عبر إشرافه على عمليات التجنيد في الحرب. ذات يوم، يهوي على القرية جسم غامض، نيزك؟ قمر صناعي؟ لا أحد يعرف على وجه اليقين، يعقبه وباء غريب يشوّه ملامح سكان النجع، بمن فيهم الأطفال حديثو الولادة، ووجد القرويون أنفسهم وقد تحوّلت رؤوسهم إلى رؤوس سلاحف، وتبدأ يد مجهولة في كتابة خطايا الناس على الجدران، بينما يبتدع إمام المسجد "صلاة جديدة" سماها "صلاة القلق"، باعتبارها طقسا روحيا يُبشّر بالخلاص من المحنة والنجاة من الوباء. 8 شخصيات مختلفة تتناوب على رواية الحدث، كل منها تحمل زاويتها الخاصة، وذكرياتها، وشكوكها. معا، تشكّل هذه الأصوات فسيفساء حكائية مدهشة تُعيد تركيب السرد وتفككه في آن. تجربة إبداعية في حواره السابق مع الجزيرة نت قال ندا، الذي نشأ في بيت يحتفي بالأدب والثقافة: "في طرابلس، كانت أمي تقرأ علينا قبل النوم كتب محمد حسنين هيكل… خريف الغضب وسنوات الغليان.. وكانت مكتبة أبي هائلة تحوي المثير من أمهات الكتب.. تلك كانت حكايات طفولتي.. كنت أراقب طقوس الكتابة لدى والدي، وهو يُملي، وأمي تكتب… تلك كانت بيئتي". تجربته الإبداعية، المتأثرة بتنقلاته بين مدن مثل بغداد وطرابلس، انعكست في أعماله السابقة، خاصة روايته "بوح الجدران"، التي جاءت كاستعارة أدبية لحياة والده، بينما شكلت "صلاة القلق" تحررا من تلك الظلال، كما يقول: "صلاة القلق كُتبت في منأى عن ظل أبي… عشت مع شخصياتها لسنوات، وكان فراقهم مؤلما". وعند سؤاله عن دور الروائي في مواجهة تزييف الوعي، يجيب ندا من دون مواربة: "دور الكاتب أن يُلقي بالحجارة في المياه الراكدة، لا ليحسم، بل ليوقظ". معتبرا "الكاتب لا يملك حلّ الأزمات، لكنه يملك أن يلفت النظر إلى مواضع القلق، كما حاولت في الرواية". من الضروري أن يمتلك الكاتب الجرأة على إلقاء الحجارة في البحيرات الراكدة، هو لن يحل الأزمات العربية بكتابته، لكنه يلفت الانتباه، ويصوّب نظر القرّاء في موضع محدد يختاره لكتابته، مثل كيفية السيطرة على الوعي الجمعي لفئة من الناس كما جاء في صلاة القلق بصورة تمزج الفانتازيا بالتاريخ الموثّق، هذه وضعيّة شائعة في دول العالم الثالث، وقد سبقني بالكتابة عنها الكثير من عظماء الأدب عالميا وعربيا، لكنني حاولت إعادة طرح الأمر من خلال زاوية مختلفة، وبطريقة أتمنى أن يجدها القارئ مختلفة كما تمنّيت. النكسة والنكبة وهو لا يتردد في ربط "صلاة القلق" بالواقع العربي المَعيش، إذ يرى أن النكسة لم تكن نهاية مرحلة، بل "أسلوب توكيد للنكبة"، وأن "جرح النكبة لم يندمل حتى يُقال إنه نُكئ مجددا… بل هو نزف دائم". جرح النكبة، وجرح النكسة، والجراح الآخذة في الاتساع في هذه اللحظات، كلها لم تزل نازفة، النكبة ليست ندبة حتى تنكأ وتُحرّك وتُستعاد، هي نزف دائم منذ أكثر من 70 سنة، أما النكسة في رأيي فليست سوى أسلوب توكيد للنكبة، وإعلان مكتمل يرسّخ حدوثها، واستحالة إعادة الوضع لما كان عليه قبل مايو/أيار 1948. الرواية تبني عالمها عبر 8 أصوات روائية مختلفة، يروون جميعا الحدث ذاته من زوايا متباينة. تجربة تتطلب مهارة فنية عالية لضمان التمايز النفسي والفكري، وهو ما يعلّق عليه ندا قائلا: "كانت مغامرة كبيرة… نوّعت الأصوات فكريا أكثر من تنويعها لغويا، لأن لذلك تفسيرا داخل النص. الرهان كان على القارئ الصبور". ويحضر صوت عبد الحليم حافظ بقوة في الرواية، لا كمجرد خلفية غنائية، بل كصوت يُجسّد المرحلة الناصرية، كما يوضح المؤلف: "عبد الحليم هو سفير تلك الحقبة العروبيّة… صوت آمن به الجيل واحتفى به. وكان موته موتا للصوت المعبّر عن المرحلة، أزاح الغمامة والغشاوة عن أبصار المُختطفة عقولهم، فكان ما كان". إعلان افتتاحية الرواية التي تبدأ بجملة: "استيقظ الشيخ أيوب المنسي صباح اليوم، فلم يجد رأسه بين كتفيه"، أثارت مقارنات فورية مع كافكا وساراماغو، لكن ندا يرى أن روح جورج أورويل كانت الأشد حضورا، مع تركيز خاص على تزييف الوعي الجمعي: "الواقع العربي المرصود في الرواية كابوسيٌّ… ربما لا يكفي له كافكا وأورويل وساراماغو مجتمعين". هذا الواقع العربي المرصود في زمن الرواية، ربما يعجز أورويل وكافكا وساراماغو مجتمعين عن الإحاطة بكابوسيّته. أردت لمفتتح الرواية أن يحيل القارئ إلى تصور رجل فقد رأسه المعتاد، بعدما استحالت كرأس السلحفاة بفعل الوباء الغامض، لم أشأ محاكاة شخصية جريجور سامسا، والقارئ أدرك ذلك منذ الصفحة الأولى. ويشرح الوباء الغامض الذي يصيب القرويين بأنه "وباء القلق"، أما الوباء، كما يضيف، "فقد وُجد ليلخّص الوضع العربي آنذاك، فهو وباء القلق، الشعور بالخوف من الآخر، حالة اللايقين تجاه كل شيء، هو مزيج من مشاعر خبرها العرب عقودا من الزمن، وقد جاءت الرواية لتدعو القارئ إلى التخلص من هذا الوباء/القلق، من خلال استعادة الحق في قراءة التاريخ الفعلي، والتيقّن من ماهيّة الحقيقة". وترشحت للجائزة هذا العام 124 رواية من 20 دولة وصلت 16 منها للقائمة الطويلة في يناير/كانون الثاني. واختيرت 6 روايات للقائمة القصيرة في فبراير/شباط حصلت كل منها على مكافأة مالية قدرها 10 آلاف دولار. وتبلغ القيمة المالية للجائزة التي يرعاها مركز أبو ظبي للغة العربية التابع لدائرة الثقافة والسياحة في أبو ظبي 50 ألف دولار.