
ترمب وروبيو يستهدفان «الدولة العميقة»
أقدمت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الجمعة، على إقالة العشرات من موظفي مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، في إطار مساعيها لإعادة هيكلة المجلس والحد من دوره الواسع الذي تمتّع به سابقاً.
وكشف مسؤول كبير في البيت الأبيض، وفق عدد من وسائل الإعلام الأميركية، عن أن عمليات الإقالة هي أحدث خطوة من طرف ترمب ووزير خارجيته ماركو روبيو؛ لإضعاف «الدولة العميقة».
وجاءت هذه الخطوة بعد أسابيع فقط من تولي روبيو منصب مستشار الأمن القومي، خلفاً لمايك والتز.ومن المتوقّع أن تؤدّي إعادة هيكلة مجلس الأمن القومي إلى تراجع نفوذه بشكل أكبر وتحويله من جهة رئيسية لصياغة السياسات إلى كيان صغير يكرّس جهوده لتنفيذ أجندة الرئيس بدلاً من تشكيلها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
هل تصل المباحثات التجارية بين أميركا وأوروبا إلى طريق مسدود؟
زادت تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب مخاوف استكمال المباحثات التجارية بين أوروبا وأميركا، بعد التهديد بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 في المائة من جميع الواردات من دول الاتحاد الأوروبي، في حين أن الأخير تعهد بحماية مصالحه أمام هذه التهديدات؛ ما يثير تساؤلات عن مستقبل العلاقات التجارية بين شريكين مهمين للاقتصاد العالمي. ودعا مفوض التجارة في الاتحاد الأوروبي ماروش شيفتشوفيتش، إلى علاقات تجارية تقوم على «الاحترام المتبادل» بعدما قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه يوصي بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 في المائة على السلع القادمة من الاتحاد الأوروبي بسبب تعثر المحادثات التجارية. وبعد محادثات مع الممثل التجاري الأميركي جيمسون جرير ووزير التجارة هاوارد لوتنيك، كتب شيفتشوفيتش على منصة «إكس» أن الاتحاد الأوروبي «مشارك بالكامل وملتزم بتأمين اتفاق مناسب للجانبين». وكتب شيفتشوفيتش: «التجارة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لا مثيل لها، ويجب أن توجه بالاحترام المتبادل، وليس التهديدات». وأضاف: «نحن على استعداد للدفاع عن مصالحنا». وقال ترمب، يوم الجمعة، إن المحادثات التجارية مع بروكسل «لا تؤدي إلى أي شيء»، وأنه لذلك يريد رسوماً جمركية بنسبة 50 في المائة على جميع واردات الاتحاد الأوروبي بداية من أول يونيو (حزيران). وقال ترمب في وقت لاحق في واشنطن: «أنا لا أبحث عن اتفاق... لكن أقول مجدداً، لن تكون هناك أي رسوم جمركية إذا قاموا ببناء مصانعهم هنا». ويصل العجز التجاري بين أميركا ودول الاتحاد الأوروبي إلى أكثر من 250 مليار دولار لصالح الاتحاد الأوروبي، وهو ما يدفع ترمب لإعادة هيكلة العلاقات التجارية فيما بينهما. وأعلن ترمب أن رسوماً جمركية بنسبة 25 في المائة ستطبَّق على جميع الشركات التي تبيع في الولايات المتحدة هواتف ذكية يتم صنعها في الخارج، وذلك بعد بضع ساعات على توجيهه تهديداً حصرياً إلى شركة «آبل». وتراجعت أسواق الأسهم بعد أن فاقمت تصريحات الرئيس الجمهوري المخاوف من اضطرابات على مستوى الاقتصاد العالمي، وذلك بعد فترة من الهدوء النسبي في الأيام الأخيرة إثر توصل ترمب إلى اتفاقات مع الصين وبريطانيا. وكان ترمب قد أشار في منشور على منصته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أنه «من الصعب جداً التعامل مع الاتحاد الأوروبي الذي أُنشئ في المقام الأول لاستغلال الولايات المتحدة تجارياً (...) مناقشاتنا تراوح مكانها. وفي ظل هذه الظروف، أوصي بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 في المائة على الاتحاد الأوروبي، بداية من الأول من يونيو. وما من رسوم جمركية على المنتجات المصنّعة في الولايات المتحدة». ولاحقاً، استبعد ترمب التوصل إلى اتفاق بشأن التجارة مع الاتحاد الأوروبي، مكرراً تهديده بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 في المائة على السلع التي مصدرها التكتل. وقال لصحافيين في البيت الأبيض رداً على سؤال حول سعيه للحصول على تنازلات من أوروبا: «لا أسعى إلى اتفاق. أعني أننا حددنا الاتفاق. إنه بنسبة 50 في المائة». ومن جملة الأمور التي ندّد بها الرئيس الأميركي: «الحواجز الجمركية والضريبة على القيمة المضافة والعقوبات السخيفة على الشركات والحواجز غير الجمركية والمضاربات المالية والملاحقات غير المبرّرة والمجحفة في حقّ الشركات الأميركية»، ما تسبّب في حدوث «عجز تجاري بأكثر من 250 مليون دولار في السنة، وهو أمر غير مقبول البتة». ومن شأن الرسوم الجمركية الجديدة في حال تم فرضها أن ترفع بشكل كبير التعريفة البالغة حالياً 10 في المائة، وأن تؤجج توترات قائمة بين أكبر قوة اقتصادية في العالم وأكبر تكتل لشركائه التجاريين. في الثاني من أبريل (نيسان) فرض ترمب رسوماً جمركية على غالبية الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في إطار ما سماه «يوم التحرير»، مع حد أدنى نسبته 10 في المائة، في حين بلغت الرسوم المفروضة على الاتحاد الأوروبي 20 في المائة. وأدت الخطوة إلى هزة كبرى في الأسواق سرعان ما هدأت بعدما أعلن تعليق الرسوم الأعلى نسبة لمدة 90 يوماً. ومذّاك الحين، تحدّث ترمب عن تحقيق نجاحات في اتفاقات أُبرمت مع بريطانيا والصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم. لكن المحادثات مع الاتحاد الأوروبي لم تحرز تقدّماً كبيراً، وقد هدّدت بروكسل مؤخراً بفرض رسوم جمركية على سلع أميركية بقيمة نحو 100 مليار يورو (113 مليار دولار) إذا لم تخفض الولايات المتحدة الرسوم الجمركية على السلع الأوروبية. وقال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت في تصريح لقناة «بلومبرغ» التلفزيونية، الجمعة، إن الإبقاء على نسبة 10 في المائة «يتوقف على مجيء الدول أو التكتلات التجارية وتفاوضها بحسن نية». وتنشر هذه التصريحات والبيانات ضبابية على الأسواق، ما يدعم من جاذبية الأصول عالية المخاطر، مثل الاستثمار في البورصات.


الشرق الأوسط
منذ 2 ساعات
- الشرق الأوسط
قوة أميركا وعقيدة ترمب الاقتصادية
زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الخليج، وخطابه في المنتدى الاقتصادي في الرياض، شكّلا نقطة تحول كبرى في السياسة الخارجية الأميركية نحو المنطقة، وأبرزا للمرة الأولى مبدأ ترمب في المنطقة، الذي يختلف اختلافاً جذرياً عن سياسات الرؤساء الأميركيين الذين سبقوه، خصوصاً الرؤساء الثلاثة السابقين، جورج بوش وباراك أوباما وجو بايدن. الخطاب ارتكز على جذور ثابتة في الاستراتيجية الأميركية، ولكن من خلال تعريف مختلف لهذه الاستراتيجية متجذر في تفهم أكبر للتحولات الهامة التي حدثت في المنطقة، اعتراف بالنضج السياسي والاستراتيجي الذي وصلته المنطقة، والذي حقّقه قادتها، ولم يجرِ استيراده من أحد، ولا اعتمد على مساعدة أحد، كما قال الرئيس ترمب. إنه نضج محلي نبع من تجربة المنطقة وتقاليدها وقيمها. كما هو اعتراف بأن المنطقة أصبحت نقطة ارتكاز محورية اقتصادياً واستراتيجياً ودبلوماسياً للعالم. قال الرئيس ترمب: «هذا التحول الكبير لم يأتِ من ضجيج التدخل الغربي، أو من هبوط الناس بطائرات جميلة تعطي المحاضرات حول كيف يجب أن تعيشوا وتحكموا أنفسكم. لا. إن المعجزات البراقة في الرياض وأبوظبي لم يصنعها من يسمون بناة الأمم، المحافظون الجدد أو المنظمات غير الربحية الليبرالية، مثل تلك التي صرفت تريليون دولار، وفشلت في تطوير بغداد والعديد من المدن الأخرى». هنا الرئيس ترمب ينتقد سياسة الرئيس الأميركي جورج بوش، وما قامت به إدارته في العراق. ولكن الذي قاله ترمب في الرياض هو انقلاب جذري على سياسات أميركية متعاقبة، كان آخرها في السنوات العشرين الماضية التي يرى الرئيس، كما يتفق معه كثير من العرب، أنّها أدّت إلى الدمار والخراب فقط في العديد من الدول العربية. فالرئيس بوش بعد 11 سبتمبر (أيلول) قارب المنطقة بسياسة أطلق عليها «أجندة الحرية»، وأصبحت تسمى «مبدأ بوش»، خصوصاً بعد احتلال العراق. ولخّص هذا المبدأ في خطاب تنصيبه لولاية ثانية بالقول: «إن بقاء الحرية في بلادنا أصبح يعتمد أكثر وأكثر على نجاح الحرية في أراضٍ أخرى». وهذا المبدأ اعتمد بشكل رئيسي على التدخل العسكري والسياسي في المنطقة. وأتى بعده خطاب الرئيس أوباما في القاهرة، الذي أراد منه أن يكون «بداية جديدة مع العالم العربي والإسلامي، وبداية شراكة على أساس الاحترام المتبادل، والمصالح المتبادلة». الرئيس أوباما أعطى خطاباً مؤثراً، فيه تفهم لقضايا العرب وغضبهم، وأعطى المنطقة وشعوبها الاحترام والتفهم، الذي كانت تتوق إليه، ولكن الخطاب كان منفصلاً عن السياسة التي انتهجها في المنطقة، سواء تجاه المسألة الفلسطينية أو مخاوف بلدانها من تعاظم تدخل إيران في شؤونها، وتوقيع اتفاق نووي لم يلبِ مطالب المنطقة في لجم النفوذ الإيراني في المنطقة، بل ساهم في زيادته. فكلام أوباما الجميل كان تمريناً لغوياً وليس تغييراً استراتيجياً تجاه المنطقة وقضاياها. لكن الأهم في توجه أوباما في المنطقة أنه حافظ على الوضع الراهن، لأنه لم يتخذ القرارات والمواقف التي كانت مطلوبة لإحداث التغيير الذي نادى به في العلاقة مقابل أوتوقراطيات، أعلنت أن الدبلوماسية هي أولويتها، وليس التدخل العسكري في المنطقة، وشدّدت على حلّ النزاعات عبر المفاوضات والتعاون المتعدد الأطراف، وتقوية التحالفات. ولكن هذه الإدارة تقف اليوم كأول إدارة متفرجة أكثر من سنة ونصف سنة، بينما يقتل أكثر من 50 ألف فلسطيني، وتدمر غزة، ولم تستخدم الإدارة نفوذها ولا قوتها لوقف النار، وإيجاد حلّ، حيث تقف المنطقة اليوم على أشلاء غزة وأشلاء الدولة الفلسطينية وحلّ الدولتين. يمكن وصف مبدأ إدارة بايدن، إذا كان يمكن الحديث عن مبدأ لها بـ«اللاقرار». أتى الرئيس ترمب ليقلب هذه السياسات السابقة رأساً على عقب منذ اليوم الأول لولايته الثانية. أتى ليقول إنه يريد أن يكون صانع سلام وموحداً، و«لا يحب الحرب»، وسينهي النزاعات فور تسلمه الإدارة. ولكن سلامه هو السلام من خلال القوة. قدّم رؤيا واقعية للسياسة الخارجية، وأكّد أنه سيبنيها على التجارة، ويسعى إلى الاستقرار، وسيعتمد على سياسة تعتمد على المصالح، بحيث يضع أميركا أولاً، ويعتمد سياسة خالية من الآيديولوجيا. أخبر ترمب المنطقة في خطاب الرياض أنه لا يؤمن بأن هناك أعداء دائمين، واتخذ قراراً جريئاً أعلنه في المملكة برفع العقوبات عن سوريا، والتقى الرئيس السوري أحمد الشرع، بالرغم من اعتراض كثيرين في واشنطن، ومعارضة إسرائيل رفع العقوبات، حتى إن أحد الشيوخ في الكونغرس قال إن بعض المسؤولين في إدارة الرئيس ترمب يعملون على إفشال جهده لرفع العقوبات. لا يمكن تصور أي من الرؤساء السابقين يقدم على خطوة رفع العقوبات بهذه السرعة، ولكن ترمب رأى البعد الاستراتيجي في القرار، حيث يمنع عودة إيران وروسيا للعب دور في سوريا. وفي الوقت نفسه، يستجيب لطلب صديق، هو ولي العهد السعودي، الذي يرى أن استقرار المنطقة يعتمد على استقرار سوريا. وفي إطار مبدأ عدم الإيمان بأن هناك أعداء دائمين خاطب إيران، أولاً عبر رسالة كتبها لآية الله خامنئي، ومن ثم في خطابه في المملكة، حيث وجّه رسالة إلى إيران معرباً عن سعادته إذا «جعلنا منطقتكم والعالم مكاناً أكثر أمناً. ولكن إذا رفضت القيادة الإيرانية غصن الزيتون، واستمرت في الهجوم على جيرانها، فعندها لن يكون لدينا أي خيار إلا أن نضع ضغطاً هائلاً، وأن ندفع تصدير النفط الإيراني إلى الصفر، كما فعلت سابقاً». الرئيس ترمب لا يريد حرباً جديدة في المنطقة، ولا يريد الغرق في نزاعات الشرق الأوسط، كما لا يريد بقاء الجنود الأميركيين في المنطقة، ولكن عندما يقول إنه لن يسمح لإيران بالحصول على سلاح نووي، إنما يعني ذلك. وهنا سيكون الأمر مختلفاً عن خطوط أوباما الحمر في سوريا، أو تعهد بايدن بوقف النار في غزة. ترمب ينفذ ويعيد الردع كسياسة أميركية حازمة في مواجهة انهيار الردع الأميركي في السنوات الأخيرة، كما يقول المقربون من الرئيس. وترمب أراد من زيارته للخليج أن يرسل رسالة دعم لحلفائه، فرأينا، وكما كتبت «رويترز» أن الزيارة أدّت إلى نشوء نظام شرق أوسطي سني يغطي على محور المقاومة الإيراني، كما علّمت رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو درساً، فحواه أنه لن يستطيع بعد اليوم الاعتماد على الدعم غير المشروط من واشنطن، حسب «رويترز». أميركا، كما يقول المؤرخ نايل فيرغسون: «لديها كثير من صفات الإمبراطورية، ولكن الأميركيين لا يريدون أن يكونوا إمبراطورية، وهذا يسبب تأرجح القوة الأميركية. ويضيف أن هناك فترات من القوة، ومن ثم فترات من التراجع». أميركا اليوم في ظل قيادة الرئيس ترمب تتمتع بالقوة، ومبدأ ترمب يقوم على زيادة هذه القوة عبر سياساته الاقتصادية، وعبر سلام القوة. فهل ينجح هذا السلام حيث فشل كثيرون؟ الصفحة الجديدة التي فتحها ترمب خلال زيارته، تفتح الباب على فرص جديدة لشراكة قائمة على الندية واحترام خصوصية الآخر ونقاط قوته، ربما هذه بداية طريق سلام جديد، إلا إذا ارتكبت أميركا غلطة جميع الإمبراطوريات، وتخطت حدود قوتها، فتتراجع كما يتنبأ فيرغسون.


الشرق الأوسط
منذ 2 ساعات
- الشرق الأوسط
في شأن «القوة الناعمة»؟
مَن يتابع الأحداث الدولية، وقواعد الفكر الاستراتيجي، سيخرج بقناعة أن عواصم مثل واشنطن وبكين وموسكو تتكئ اليوم على نظريات كارل فون كلوزفيتز، الجنرال والمؤرخ الحربي البروسي من القرن الثامن عشر، ونظريات سون تزو، الجنرال والخبير العسكري الصيني من القرن السادس قبل الميلاد؛ وهذا المنحى يسير ضد بعض التنظيرات الفكرية التي أتى بها مفكرون استراتيجيون من أمثال جوزيف ناي، الذي توفي منذ أسابيع، والذي تأسف في مقالاته الأخيرة للطلاق الذي أحدثه الرئيس ترمب مع القوة الناعمة الأميركية؛ حيث نجده يكتب في صحيفة «فاينانشيال تايمز» اللندنيّة: «أعطته خلفيته في العقارات بنيويورك وجهة نظر خاطئة عن السلطة التي تقتصر على الإكراه والصفقات، وستواجه القوة الناعمة الأميركية لذلك وقتاً عصيباً خلال السنوات الأربع المقبلة». ولجوزيف ناي، الذي كان عميداً في جامعة هارفارد، كتابان قيّمان، الأول: «ملزمون بالقيادة: الطبيعة المتغيرة للقوة الأميركية - 1990»، نظر فيه قدرة الأمة على الوصول إلى التأثير العالمي من خلال وسائل غير قسرية، وانطلاقاً من الجاذبيّة والإغواء بدلاً من الإكراه السافر والقوة الخشنة والقوة العارية. والثاني: سمّاه «القوة الناعمة: معاني النجاح في السياسات الدولية»، وأكد في أكثر من فصل مزايا الدبلوماسية والقوة الناعمة التي تتأتّى من جاذبيتها الثقافية أو السياسية أو ما سواهما، وهي التي يمكنها أن تحقق الهيمنة الثقافية، فنجده يكتب مثلاً: «إنه، وإن أمكن الوصول إلى الأهداف من خلال القوى الخشنة، ومن خلال استعمال القوة من قبل القوى الكبرى، إلا أنه قد يُشكل خطراً على أهدافها وتطلعاتها الاقتصادية والسياسية وحتى الثقافية»؛ لذا فأميركا: «إن أرادت أن تبقى قوية فعلى الأميركيين أن ينتبهوا إلى قوتهم الناعمة». كان جوزيف ناي يجمع بين التنظير والممارسة؛ لذا كانت كتاباته تتسم بالكثير من الجاذبية، وكان أحد المؤسسين البارزين لكلية كيندي للإدارة الحكومية، وهي بمثابة شركة لإنتاج العقول الاستراتيجية والسياسات العمومية الأميركية، واشتغل مناصب حكومية متعددة في عهد الرئيسين جيمي كارتر وبيل كلينتون. في عز أزمة «كوفيد»، كتب جوزيف ناي مقالة بـ«بروجيكت سانديكيت» عَنوَنها بـ«الجغرافيا السياسية بعد الجائحة»، وذكر فيها أن تقديرات التأثيرات على المدى الطويل للجائحة ليست دقيقة؛ وأضاف أنه لا يوجد تصور مستقبلي واحد مضمون الحدوث حتى عام 2030، وبدلاً من ذلك يتنبأ بإمكانية حدوث خمسة سيناريوهات محتملة كالتالي: 1- نهاية النظام الليبرالي العالمي. 2- استبداد سلطوي يُشبه فترة الثلاثينات. 3 - نظام عالمي تُهيمن عليه الصين. 4 - أجندة دولية خضراء. 5- استمرار الوضع الحالي. ولكن هاته النظريات والسيناريوهات العامة، رغم أهميتها تحتاج إلى شرح وإلى تصويب أكبر... صحيح أن الرئيس الأميركي أخذ قرار إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وخرج من بعض المنظمات الدولية، وقبر مسألة القيم التي هي واحدة من قواعد القوة الناعمة. ولكن هل انتهت مظاهر وتأثيرات القوة الناعمة الأميركية؟ بالتأكيد لا، فهي موجودة مع القوة الخشنة والقوة العارية والقوة الذكية؛ لأن الكثير من تجليات القوة الناعمة الأميركية تظهر في منتوجات المجتمع المدني اللامتناهية والمتشعبة والمتطورة، وتعطيها المقدمة عالمياً في مجالات مثل التكنولوجيا والبحث العلمي والسينما والأغاني واللغة الإنجليزية والإعلام وبعض مظاهر الأكل واللباس... وأفضل مثال يمكن أن نعطيه هنا هو شبكة «نتفليكس» التي وصل عدد المشتركين فيها إلى 301.6 مليون مشترك حول العالم، اعتباراً من عام 2025، وتدفع الصغير والكبير، بل حتى حكومات العالم، للتفاعل مع أعمالها الدرامية والوثائقية... وهذا المثال الذي أعطيه لا تفلح فيه إلا البلدان أو الشركات التي لها صناعة ثقافية كبرى، ويمكنها أن تجلب عدداً وافراً من المستهلكين للثقافة، أي أنها تملك مقاليد القوة الناعمة، وتجعل لغات العالم وثقافات البلدان تحت محك تحديات كبيرة. وصحيح أننا نعيش في استمرار تآكل النظام العالمي الليبرالي وعودة الفاشية في بعض مناطق العالم، ولكن هذا لن يمنع من ولادة جديدة لليبرالية. فالأزمات الكبيرة قد تؤدي في بعض الأحيان إلى نتائج غير متوقعة في العادة، فالكساد العظيم أدّى إلى انبعاث النعرات الانعزالية والقومية والفاشية، وإلى اندلاع الحرب العالمية الثانية. غير أن ذلك الكساد نتج عنه لا محالة إطلاق مجموعة من البرامج الاقتصادية في أميركا، عُرفت باسم «الصفقة الجديدة»، وبروز الولايات المتحدة قوةً عالمية عظمى، وتصفية الاستعمار في نهاية المطاف... وأخيراً إذا سلّمنا خلافاً لما تكهن به ناي، أنه لن يتم تبني أجندة دولية خضراء أكثر واقعية مع الانعزالية الأميركية، وانسحابها من اتفاقية باريس حول المناخ، فإنه في المقابل ربما سنشهد تصاعد النبرات القومية في العديد من دول العالم، مما سيؤدي إلى تفاقم محتمل للصراع الدولي.