
تحالف العسكر والإسلاميين في السودان يوسّع دائرة الخطر الإقليمي
منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل/نيسان 2023، عاد التحالف بين الإسلاميين والمؤسسة العسكرية إلى الواجهة، بصمتٍ وتصميم، مستعيدًا نفوذًا فقده عقب ثورة الشعب السوداني (ديسمبر/كانون الأول 2018).
وبينما تتركّز الأنظار على المواجهات العسكرية بين الجيش وقوات الدعم السريع، يجري خلف الكواليس حراكٌ سياسي وتحالفات إقليمية قد يكون وقعها على مستقبل السودان والمنطقة أخطر من صوت الانفجارات التي تدوي هذه الأيام بين بورتسودان ونيالا.
في الوقت الذي يتطلع فيه ملايين السودانيين إلى نهاية للحرب وما خلّفته من أزمات إنسانية طاحنة، تشهد الساحة السودانية تصاعدًا جديدًا لمشروع الإسلاميين، وكالعادة عبر بوابة الجيش، في إعادة إنتاجٍ مُقلقة لحقبة استبدادية امتدّت لثلاثة عقود تحت حكم نظام عمر البشير. وما يثير الانتباه أن هذا التحالف لا يتحرك داخل حدود السودان فحسب، بل يتصل مباشرة بنظام الملالي في إيران، التي عادت إلى السودان كلاعبٍ عسكري واستخباراتي، في صفقة تبادل نفوذ وسلاح قد تُعيد رسم التوازنات في البحر الأحمر والقرن الإفريقي.
ليس هذا التحالف وليد ظرف طارئ أو ردّ فعل على عزلة سياسية مؤقتة كما يردّد قائد الجيش في خطابات الخديعة (السرّية) التي يبعثها هنا وهناك، لاستدرار التعاطف والتضليل، بل هو خيار استراتيجي يعكس تقاطع المصالح الأيديولوجية والعسكرية. فالإسلاميون في السودان، الذين يختطفون القرار السياسي والعسكري في بورتسودان، لا ينظرون إلى إيران كمجرد حليف، بل كنموذجٍ للدولة الثيوقراطية التي تُحكم عبر أجهزة أمنية وعسكرية مؤدلجة. ويريد جناحهم العسكري داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية (الجيش، جهاز المخابرات، الشرطة) إعادة إنتاج هذا النموذج، مستخدمين خطاب "محاربة التمرد" كغطاء لحرب شاملة على القوى المدنية الديمقراطية، وخصوصًا قوى الثورة.
المفارقة أن سلطة الأمر الواقع في بورتسودان تقدّم نفسها كمدافعة عن "السيادة الوطنية"، بينما تفتح البلاد أمام نفوذ خارجي متزايد، وتعمل على ربط السودان بشبكة إقليمية مناهضة للديمقراطية تمتد من صنعاء إلى غزة، مرورًا بطرابلس ووصولًا إلى الخرطوم.
وتأتي الدعوى التي رفعتها هذه السلطة الفاقدة للشرعية ضد دولة الإمارات أمام محكمة العدل الدولية، التي خسرتها أمس، كمثال على محاولة توظيف العدالة الدولية لأهداف سياسية، وهي دعوى يقف خلفها الإسلاميون في السودان (الكيزان)، مدعومين بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، بالتمويل والدعم السياسي والإعلامي، موجهين سلاح الاتهام بـ"العمالة" ضد خصومهم السياسيين، في الوقت الذي يعقدون فيه شراكات سرّية مع قوى خارجية مثل طهران. وبدلًا من مواجهة الأزمات الداخلية، يلجأ هذا التحالف إلى تصدير خطاب "العدو الخارجي"، في تكرارٍ ممل لسرديات التبرير التي استُخدمت لعقود لتسويغ القمع والانقلابات العسكرية وشنّ الحروب على الشعب السوداني.
إن التغاضي عن هذا التحالف، أو دعمه، لا يعني سوى تمكين نظام يُقصي الآخر، ويُعيد البلاد إلى دوامة العنف والفساد والاستبداد. فعودة الإسلاميين إلى السلطة عبر المؤسسة العسكرية لا تمثل فقط نهاية مشروع الدولة المدنية، بل تهدد أيضًا الأمن الإقليمي، من البحر الأحمر إلى الساحل، وحتى إسرائيل وأوروبا، وقطعًا تهدد الملاحة في البحر الأحمر، وبالتالي تهدد العالم بأجمعه في تهديدها لطريق التجارة الدولية.
ما هو مطلوب اليوم ليس مجرد وقفٍ لإطلاق النار، بل وقفٌ للمشروع السياسي الذي يُغذّي الحرب. فالمعركة الأساسية في السودان ليست كما تبدو في الظاهر بين الجيش وقوات الدعم السريع، بل هي معركة تشنها جماعة إسلامية مسلّحة لها ارتباطات معقّدة عابرة للحدود، تسعى لإحياء نظام ديني شمولي أثبت خطره كما فشله مرارًا في مناطق كثيرة من العالم، ضد مجموعة أخرى مدنية تسعى لبناء نظام مدني ديمقراطي يستوعب التعدّد السياسي والثقافي والديني والإثني، والانفتاح على العالم الحر دون شروط مسبقة.
إن دعم السلام الحقيقي في السودان لا يمر عبر وقف الحرب فقط بتسويات شكلية تُبقي الفاعلين المتورّطين في الحرب، بل من خلال عملية انتقالية موازية يديرها المدنيون، تستبعد الحركة الإسلامية السودانية (الإخوان) وكل من تلطخت أيديهم بالدماء والفساد، وتقديمهم لمحاكمات عاجلة/عادلة، وحظر تنظيمهم وكل واجهاته السياسية، واعتبارها منظمة إرهابية عابرة للحدود.
فلا سلام دون محاكمات وعدالة، ولا استقرار دون سلام وديمقراطية، هكذا تقول التجربة السودانية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الاتحاد
منذ 20 ساعات
- الاتحاد
الإمارات.. كلمة سلام في قمة بغداد
الإمارات.. كلمة سلام في قمة بغداد منذ تأسيسها أصبحت الإمارات شريكة للعالم في صناعة فرص السلام والاستقرار والتنمية في كل مكان، ومبادراتها الإنسانية خير دليل عملي على ذلك. في أحد اللقاءات مع مسؤول أميركي رفيع المستوى، دار حديث صريح حول اعتزام الولايات المتحدة الأميركية الانسحاب من أفغانستان بعد تواجدها لأكثر من خمسة عشر عاماً من دون جدوى. وكان الشعار المرفوع آنذاك «كسب القلوب والعقول» سألت هذا المسؤول: هل حققتم هذا الهدف رغم ما تعرض له المدنيون والأبرياء من قصف، بينما كانت الإمارات تسهم في التعمير وبناء قواعد السلام للشعب الأفغاني عبر بناء المدارس والمستشفيات والطرقات وتنمية المشاريع الحيوية، التي توفّر فرص العمل والإنتاج للسكان؟ هذه رؤية الإمارات التي طبقتها في كل مكان استدعى مساهمتها، سواء في البوسنة والهرسك أو في لبنان واليمن والصومال وبلدان أخرى حول العالم يشيد بها شعوبها المحبة لكل ما يرسّخ جذور السلام والوئام بين مكوناتها. لقد واصلت الإمارات مسارها السلمي في كلمتها بالقمة العربية رقم (34) في بغداد، التي احتوت على ملفات ساخنة في بعض الدول المشاركة. الإمارات وضعت بين يدي القادة مشروعاً للسلام المستدام يصلح لكل الدول التي تعاني من الأزمات السياسية والأمنية. الإمارات بدأت بنفسها عندما ذكرت بأنها تسعى إلى حل سلمي لقضية الجزر الإماراتية المحتلة عبر المفاوضات أو القبول بإحالة القضية لمحكمة العدل الدولية، وهو عين الصواب، إنها حكمة وعقلانية تنبعان من الثقة والمصداقية ومن قوة تحمل المسؤولية، التي تواكب استحقاقات المرحلة الراهنة، و هذا نهج المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، فهو الذي حافظ على الدولة ولم يجعلها عرضة لأية استفزازات. أما في القضية الفلسطينية المركزية، فإن الإمارات تؤكد دوماً رفضها بشكل قاطع جميع المحاولات الرامية إلى تهجير الفلسطينيين قسراً من أراضيهم، بل وإنها تدرك جيداً ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنباً إلى جنب مع جميع جيرانها، وهي ضرورة حتمية لإنهاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، الذي دام لأكثر من سبعة عقود عجاف! ولم يغِب السودان عن عين الإمارات رغم أن زمرة بورتسودان صوّبت سهامها تجاه الإمارات في محكمة العدل الدولية، وقد ارتدت على هذه الزمرة، لقد انتصر صوت العدل على الباطل الفاضح لجرائم هذه الزمرة ضد الشعب السوداني المغلوب على أمره. ومع كل ذلك ستبقى الإمارات داعية إلى ضرورة التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار بين الأطراف السودانية المتحاربة، ومن أجل تحقيق السلام والاستقرار ترى من الضرورة بمكان انتقال السلطة إلى أيدٍ مدنية أمينة في أقرب فرصة لصالح الشعب السوداني الطيب. وكذلك الإمارات لم تغفل عما يجري في ليبيا، وتجدّد دعوتها إلى الحل السلمي للأزمة الليبية، بما يحفظ أمن واستقرار ووحدة ليبيا، فحكومة وحدة وطنية منجية لهذا التشظي السياسي؟! تأتي هنا دعوة الإمارات إلى عدم التدخل في شؤون الصومال الداخلية، وأهمية تأمين الأمن والاستقرار في القرن الأفريقي كله. وتدرك الإمارات جلياً حجم التحديات، لذا فهي تؤكد أهمية تعزيز العمل العربي المشترك والتضامن لمواجهة تلك التحديات التي تمر بها منطقتنا العربية. *كاتب إماراتي


الاتحاد
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- الاتحاد
«زمرة بورتسودان» وتقطيع أوصال السودان
«زمرة بورتسودان» وتقطيع أوصال السودان انتقلت «زمرة بورتسودان» من مرحلة عدم القبول بحكم محكمة العدل الدولية، إلى السير في طريق الباطل من جديد ليس بالبراهين، بل بإجراء مهين للشعب السوداني ككل، ألا وهو بالإعلان عن قطع العلاقات الدبلوماسية والخارجية مع دولة الإمارات العربية المتحدة وهي الشقيقة منذ تأسيسها للسودان وشعبه المميز بالطيب. وهذه الزمرة التي تفتعل الأزمة تلو الأخرى، تتورط الآن في قطع أوصال الشعب السوداني، وقطع الوصال بين السودان وأشقائه. زمرة بورتسودان عندما أعلنت قطع العلاقات مع دولة الإمارات، فإنها بذلك تسعى إلى قطع أوصال أكثر من 200 ألف سوداني يعيشون في وطنهم الثاني الإمارات. هذه الزمرة بجرة قلم ضلّت طريقها في الزمان والمكان الخطأ. الإمارات أبت إلا أن يظل شعب السودان في الدولة بظلال الحب والمودة والمحبة الصادقة، ورفض قرار نظامه الذي عرض أكثر 30 مليون سوداني للمجاعة والتهجير والتشريد في اللامكان واللا أمان. لقد قابلت أحد السودانيين، من الذين آوتهم الإمارات في قلبها بعد الأزمة، قائلاً: «وفرت لنا دولة الإمارات كل سبل العيش الكريم.. وفرت لنا الأمان والطمأنينة في أرضها». وقد تواصلت مع أحد زملاء العمل من الأشقاء السودانيين بعد قرابة ثلاثة عقود للسؤال عن الحال والمآل قائلاً: «لما علمت بأن الأوضاع لم تعد تطاق في السودان فكرت في جلب أفراد العائلة معي إلى الإمارات الأرض التي قضيت فيها كل عمري حتى بلغت الستين، فقررت السفر مجازفاً بحياتي من أجل البقاء على حياة أفراد أسرتي، فلم أتوقع أننا سنعود سالمين وحتى أثناء تحليق الطائرة، كانت الصواريخ تلاحقنا ولكن الله سلمنا إلى وطن، الأمن فيه وطن آخر». ذاك فرد عادي عانى ما عانى حتى حطت رجلاه دار زايد الآمن، الذي آوت لاجئين من تسع عشرة دولة وليس من السودان فحسب. الإمارات ليست وحدها التي رفضت الاعتراف بقرار «زمرة بورتسودان» بالقطيعة، بل إن السفير السوداني لدى الدولة ذهب كذلك في الاتجاه ذاته، وهو ما يؤكد لدينا حقيقة أن النظام يحارب نفسه من جديد، ويكرر أخطاء العقود الماضية، بلا أدنى تفكير في مصلحة الشعب الصابر على الضنك سنين طويلة. ماذا قال السفير عبدالرحمن شرفي عن قرار زمرة بورتسودان؟ قال: «أعرب عن رفضي القاطع للإعلان الصادر عن طغمة الإسلاميين ببورتسودان بقطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وسحب سفارة السودان في أبوظبي والقنصلية العامة بدبي، والذي أُعلن في 6 مايو 2025، باعتباره صادراً عن جهة تفتقر إلى الشرعية ولا تمثل الإرادة الحقيقية للشعب السوداني». الإمارات رغم القطيعة المجحفة في حقها وحق الجالية السودانية على أرضها المعطاء، لم تحد يوماً عن طريق الإنسانية التي لا تعرف لوناً أو ديناً، وهي أن تشعر بغيرك، أن تمد يدك لمن يحتاج، أن تكون صوتاً لمن يحتاج أن يُسمع.. قبل أن تكون مسلماً، كن إنساناً، كن قلباً يُدرك معنى العدالة، معنى الألم، معنى الحرية التي يستحقها كل شخص في هذا العالم. *كاتب إماراتي


العين الإخبارية
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- العين الإخبارية
"شيطنة" الإمارات.. من المستفيد؟!
محاولات "شيطنة" الإمارات واستهداف نموذجها الناجح في مختلف المجالات ليس طارئا، بل هو انعكاس لحالة من الارتباك أمام تجربة عربية كسرت الصورة النمطية في إدارة الدول، وتجاوزت الشعارات الشعبوية التي لطالما ارتبطت بالفشل والعجز. منذ أن خطت دولة الإمارات بثبات نحو المستقبل بنجاح باهر، وأصوات النشاز لم تهدأ، في حملات بائسة ضد ما لا تفهمه ولا تقدر على مجاراته. النجاح الإماراتي جاء لأنه حمل رؤية جريئة تحمل رسالة صريحة لم يجرؤ كثيرون على البوح بها: "الإسلام السياسي ليس هو الطريق". ومن منطلق سيادي وفكري، قررت الإمارات أن تقطع الطريق على تيارات التشدد التي تستخدم الخطابات الشعبوية أداة لمشروعها، وأن تبني دولة تقوم على قيم التسامح والاعتدال والانفتاح على المستقبل. مؤخرا، اختارت سلطة بورتسودان في السودان، الذي لا يزال بعض ضباط نظام البشير يؤثرون في قراره، التوجه إلى محكمة العدل الدولية، ظنًّا منها أن الزج بالإمارات داخل أروقة قصر لاهاي قد يغطي على أزماتها الداخلية، لكن الدعوى سقطت حتى قبل أن تُقرأ. وبعد أن انتهت هذه المغامرة القانونية الفاشلة، خرجت هذه السلطة التي يتغلغل فيها الإسلاميون، ببيان مضحك عديم التأثير؛ متناسية أن الإمارات تضع الإنسان أولا، وتصون حقوق الآلاف من أبناء السودان الممزق الذين يعيشون على أرضها بكرامة لم توفرها لهم سلطته الورقية. ولأن الرؤية الإماراتية كشفت زيف شعارات الإسلام السياسي التي تلعب على عواطف البسطاء، أصبحت أبوظبي هدفا دائما لأولئك الذين يرون في كل نجاح لها تهديدا مباشرا لخطابهم المهترئ. وهنا، لم تتكئ الإمارات على شعارات الصمود ولا على خطابات ثورية بالية، لكنها شيدت مدنا متلألئة وأطلقت أقمارا صناعية، واستثمرت في الإنسان قبل البنية التحتية. وأصبحت دبي وأبوظبي مرجعا في الاقتصاد والحوكمة والتعليم والدبلوماسية، ومثالا للتقدم الحضاري في كل شيء. وهذا حقا ما يثير حنق من عجزوا عن إدارة أبسط الملفات كالماء والكهرباء والخدمات العامة الأساسية، رغم ما تملكه دولهم من ثروات طبيعية هائلة. الإمارات لا تدّعي صنع المعجزات، لكنها تملك ما لا يملكه كثيرون: التخطيط، والشفافية والصدق مع الذات. كما أنها لا تحتاج لشهادة من أحد، بقدر ما تحتاج أمتنا العربية إلى إدراك أن التنمية المستدامة لن تتحقق مع من يخلط الدين بالسلطة.