
كيسنجر.. عن ذكاءٍ اصطناعي لم يشهده!
كيسينجر رحل عن دنيانا في 29 نوفمبر 2023، لم يكن التفجّر التقني على أشدّه، لكنه بالتأكيد تفاعل مع أفكار ونظريات الذكاء الاصطناعي، ومن الطبيعي أنه وبحكم سنّه لم يعرف المزيد عن هذا التطوّر الهائل، والذي بدأنا نلمسه الآن في شتى المستويات الأمنية والطبية والتعليمية، هذا ونحن في بدايات بزوغ هذا العلم. وما كان كيسنجر مرحّباً بهذا المجال، وأحسب أنه لم يكن ضده. وبرأيه فإنه من الناحية الفلسفية والفكرية وعلى كافة الصعد، المجتمع البشري غير مستعد لصعود الذكاء الاصطناعي.. ولكن لماذا؟!
لنقرأ محاضرته حول الذكاء الاصطناعي والتنوير، والذي ترجمه رسلان عامر في «مجلة حكمة». يتساءل فيها كيسنجر قائلاً: «وبينما كنت أستمع إلى المتحدث وهو يحتفل بهذا التقدم التقني، جعلتني تجربتي كمؤرخ وكرجل دولة ممارس في بعض الأحيان أتساءل، ماذا سيكون تأثير آلات التعلم الذاتي على التاريخ؟
أي الآلات التي تكتسب المعرفة من خلال عمليات خاصة بها، وتطبّق تلك المعرفة لتحقيق غايات قد لا يكون لها تصنيف في الفهم البشري، فهل ستتعلم هذه الآلات التواصل مع بعضها بعضاً؟ وكيف سيتم الاختيار بين الخيارات الناشئة؟ وهل سيكون من الممكن أن يسير تاريخ البشرية على نفس طريق شعب «الأنكا» في مواجهة الثقافة الإسبانية غير المفهومة وحتى المذهلة بالنسبة لهم؟ وهل سنكون على حافة مرحلة جديدة من تاريخ البشرية؟!». ثم يتخوّف حين يقول:«وإدراكاً مني لافتقاري إلى الكفاءة التقنية في هذا المجال، قمت بتنظيم عدد من الحوارات غير الرسمية حول هذا الموضوع، بمشورة وتعاون من معارف لي في مجال التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، وقد تسببت هذه المناقشات بتزايد مخاوفي».
الخلاصة، أن هذا التذبذب في إبداء الرأي عن مجال الذكاء الاصطناعي من قامةٍ بمستوى هنري كيسنجر مردّه إلى التخوّف وربما عدم الإلمام، نعم ثمة تحديات كبرى لترتيب واستيعاب هذا التفجّر العلمي المهول، ولكن يمكننا أن نواجه كل الآثار المتوقعة عن طريق الفهم أولاً، ومن ثم التقنين ثانياً.
إن هذا المجال العظيم الذي تستوعبه الدول الساعية للتنمية في الإقليم ضروري ومهم، إنه طريق المستقبل، فلا معنى للتوجّس أو التخوّف بل حين نواجه أي تطوّر علمي علينا بفهمه ودرسه والاستثمار به بما يخدم مصالحنا العليا على شتّى المستويات.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 7 ساعات
- الرياض
المقالالذكاء الاصطناعي.. وبناء الثقة
أصبح التعايش مع الذكاء الاصطناعي حقيقة لا مفر منها، لكنه تعايش محفوف بالمخاطر، فهو يشبه الإقامة مع مراهق، أحيانًا يكون رائعًا، وأحيانًا يكون متهوراً، ولهذا، نعتقد أن تنظيم الذكاء الاصطناعي بات أولوية قصوى، لطمأنة أولئك الذين ينظرون إليه بخوف وريبة، وهو تقنين ضروري أولاً: لبناء الثقة، وثانياً، لإيقاف جموح الشركات الكبرى التي تسعى للربحية فقط، دون مراعاة العنصر البشري.. في الولايات المتحدة على سبيل المثال، اتفق الحزبان الرئيسان، هذا الأسبوع، على ضرورة تنظيم الذكاء الاصطناعي، برغم خلافهما الدائم حول العديد من القضايا الرئيسة مثل الهجرة، والرعاية الصحية، والاجتماعية، والمساواة بين الجنسين. ربما يعتقد البعض أن هلع الناس من الذكاء الاصطناعي يقتصر على المجتمعات الأقل تطوراً، وهذا خطأ كبير، فالخوف من مخاطره يجتاح العالم أجمع، حيث تشير آخر استطلاعات الرأي، إلى أن الناس متشائمون بشكل عام إزاء الذكاء الاصطناعي، إذ يعتقد 65% من الأمريكيين أنه سيزيد من انتشار المعلومات الكاذبة، بينما يخشى 56% من أنه سيهدد مستقبل البشرية، وقد ينتهي الأمر بالقضاء على البشر، ولهذا، يجب على الجهات التنظيمية، ورواد التكنولوجيا، معالجة هذا القلق عبر توضيح حقيقة هذه المخاطر، وأخذ مخاوف الناس على محمل الجد، ومن ثم، فإن أحد الأسئلة الأساسية هي: إلى أي مدى سيضع المنظمون حواجز أمام التكنولوجيا الفائقة من أجل حماية الناس من العواقب السلبية؟ يحمل الذكاء الاصطناعي ثلاثة مخاطر أساسية، وهي: فقدان الخصوصية، وتحيزات البيانات، وعدم القدرة على تفسير أو شرح النماذج، ولتفادي هذا المأزق، يجب ترسيخ أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، لأنها تُساعد أولًا: في التخفيف من المخاطر المرتبطة بالتقنية، وثانيًا: تُعزز الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي، مما يضمن توزيع فوائده بشكل عادل على المجتمع، وثالثًا: تُعزز ثقة الجمهور في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وهو أمر ضروري لاعتمادها ودمجها في مختلف جوانب الحياة اليومية، وربما يكمن التحدي الرئيس في مواءمة المتطلبات القانونية، مع التطورات التقنية، ولا ينبغي النظر إلى تقنين الذكاء الاصطناعي باعتباره صراعاً من أجل البقاء، ولكنه، يمثل محاولة جدية لتحقيق التوازن بين مصالح الفرد، ومصالح المجتمع. لا يجب أن نغفل أن علماء الكمبيوتر درسوا مخاطر الذكاء الاصطناعي، وطوروا مجموعة واسعة من الحلول العملية، ولهذا، فإن تجاهل هذه الحلول الراسخة عند وضع اللوائح التنظيمية يُعد إغفالاً خطيراً، في الوقت نفسه، لا ينبغي افتراض أن جميع الشركات تفتقر إلى الالتزامات الأخلاقية أو أنها تتجاهل الحفاظ على سمعتها التجارية، أو أن جميع الشركات تتصرف بأخلاقيات عالية دون الحاجة إلى رقيب قانوني، ويجب أن يعكس التنظيم الاختلافات الحاصلة بين العناصر الفاعلة في منظومة الذكاء الاصطناعي، وأن يمنح التنظيم حوافز مشجعة للسلوك الإيجابي، في المقابل، يجب أن ندرك أن التشريعات الصارمة ليست الأفضل دائماً، لأن القواعد المتشددة قد تخنق الابتكار، وتُبطئ من عملية التقدم التكنولوجي والنمو الاقتصادي، ونحن في النهاية نسعى إلى تنظيم الذكاء الاصطناعي من أجل مجتمع عادل ومنصف.


الرجل
منذ 7 ساعات
- الرجل
دراسة عالمية تحذّر: الهواتف الذكية قبل سن 13 تضر بالصحة النفسية للأطفال
في ظل تصاعد الجدل حول سنّ الاستخدام الآمن للتقنيات الحديثة، كشفت دراسة علمية حديثة عن ارتباط مباشر بين استخدام الهواتف الذكية في سن مبكرة وظهور اضطرابات نفسية وسلوكية بين الأطفال، لا سيما الفتيات. وأوصى الباحثون بفرض قيود عالمية تحظر استخدام الأطفال دون الثالثة عشرة لهذه الأجهزة، محذرين من تداعيات مقلقة على الصحة النفسية. أضرار استخدام الهواتف للأطفال الدراسة التي نُشرت في مجلة Journal of Human Development and Capabilities، بيّنت أن كلما كان سن الطفل أصغر عند حصوله على هاتف ذكي، زادت احتمالية إصابته بمشكلات مثل الأفكار الانتحارية، وتراجع احترام الذات، واضطراب المشاعر، والشعور بالانعزال عن الواقع. واعتمد الباحثون على تحليل ضخم شمل بيانات قرابة مليونَي مشارك في 163 دولة، في واحد من أوسع المسوح العالمية حول تأثير التقنيات على الأطفال. وبحسب الباحثة الرئيسية تارا ثياجاراجان، فإن عوامل مثل الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، اضطرابات النوم، والتعرض للتنمر الإلكتروني، تلعب دورًا جوهريًا في التأثير على التوازن النفسي للأطفال. ووصفت الباحثة الوضع بـ"المقلق"، داعية إلى تحرك منسق يتجاوز الحلول الفردية، ويشمل سياسات مدرسية وتنظيمية صارمة. رغم أن بعض العائلات في الولايات المتحدة بدأت فعليًا في توقيع تعهدات جماعية لعدم السماح لأطفالهم باستخدام الهواتف حتى نهاية المرحلة الإعدادية، ترى الباحثة أن مثل هذه المبادرات الفردية غير كافية، لأن الأطفال لا يزالون معرضين لاستخدام الأجهزة في المدرسة أو بين الأصدقاء. نصائح هامة اللتعامل مع الأطفال وفي السياق ذاته، أكدت الأخصائية النفسية ميليسا غرينبرغ أن على الأهل لعب دور استباقي من خلال التواصل الصريح مع الأبناء بشأن المخاطر، وعدم الاكتفاء بالمنع أو الرقابة التقنية فقط. وأوصت باستخدام أدوات الرقابة الأبوية أو استبدال الهواتف الذكية بأجهزة أبسط، مشددة على أهمية شرح تلك القرارات بطريقة تُظهر حرص الأهل على حماية أطفالهم لا معاقبتهم. كما دعت غرينبرغ إلى الانتباه لأي مؤشرات مقلقة مثل تقلبات المزاج، أو العزلة، أو الانسحاب من العلاقات الاجتماعية، مؤكدة أن "الوقت لم يفت بعد.. والمفتاح هو العلاقة الصحية بين الأهل وأطفالهم".


الشرق الأوسط
منذ 11 ساعات
- الشرق الأوسط
العنصر الفلسفي في فكر فيبر
رغم أن ماكس فيبر لم يقدّم نفسه بوصفه فيلسوفاً، فإن إرثه يتضمّن مساهمات فلسفية عميقة في فهم العقلانية الحديثة، وأخلاقيات الفعل، وإشكالية المعنى في عالم متفكك. فقد سبق كثيراً من فلاسفة الوجود في تحليل مأزق الإنسان الحديث، وطرح مفهوم «نزع السحر عن العالم» بوصفه تشخيصاً أنطولوجياً لانهيار المرجعيات العليا. وأسهم فيبر في نقد الحتمية التاريخية، وبيّن أن التاريخ لا تحكمه غايات عقلية بل صراعات قيم لا نهائية، مؤسساً بذلك لرؤية تعددية للحداثة. ومن خلال تأملاته في العلاقة بين الدين والعالم، كشف عن التوتر بين الخلاص الفردي وبناء المؤسسات، رابطاً بين التديّن والعمل كشرط أنطولوجي جديد. كذلك، مهّد لفلسفات القلق الأخلاقي، حيث لا يمكن للفعل أن يكون بريئاً أو يقينياً في عالم تراجيدي. من يمعن النظر في كتاباته لا بد أن يكتشف خلف هذا الوجه العلمي نظاماً فلسفياً متيناً يتعامل مع أسئلة المعنى والحرية والمصير بوصفها جوهر الوجود الإنساني. ففكر فيبر لا يقتصر على تشريح البنى الاقتصادية والسياسية، وما جرى اعتباره في حقل علم الاجتماع، بل يتوغّل في الطبقات العميقة للحداثة كتحوّل أنطولوجي عاشه الإنسان الغربي، كاشفاً عن الثمن الباهض للعقلنة، وحدود التقدم، ومأساة الفاعل في عالم خالٍ من القداسة. ولعلّ أبرز ما يميز رؤية فيبر وعيُه الحاد بأن العقلانية الحديثة، التي نظّر لها كعملية تنظيم متزايد لحياة البشر وفق معايير الكفاءة والحساب، لا تؤدي بالضرورة إلى حريّة الإنسان، بل قد تكون طريقه إلى نوع جديد من العبودية؛ عبودية لآليات بيروقراطية صمّاء تفرغ الوجود من كل مضمون روحي أو ذاتي. فالمجتمع الحديث، في سعيه لإخضاع العالم إلى أدوات الضبط والسيطرة، أنشأ ما سمّاه فيبر: القفص الحديدي، حيث يفقد الإنسان علاقته المباشرة بالعالم، ويغدو ترساً داخل آلة لا تكلّف نفسها عناء سؤاله عمّا يشعر به أو يؤمن به. إن هذا التحوّل لا يُختزل في بعده التقني أو الإداري، بل هو تحوّل في ماهية الوجود نفسه؛ إذ لم يعد العالم مكاناً مأهولاً بالأرواح والمعاني، كعالم لايبنتز الكامل بزعمه، بل أصبح شيئاً خارجياً، محايداً، تقنياً، لا يتفاعل مع الإنسان بل يُخضِعه. من هنا جاء مفهوم «نزع السحر عن العالم»، الذي لا يعني مجرد تراجع الخرافة أو سيادة العلم، بل انهيار النظرة القديمة التي كانت ترى في الكون كياناً مشبعاً بالرموز والمقاصد والمعاني، واستبدال نظرة حسابية بها ترى في الأشياء أدوات، وفي الإنسان وحدة إنتاج أو إدارة. وبهذا، يجد الإنسان الحديث نفسه في عزلة وجودية، محروماً من المعنى، مطالباً باختراع ما يبرر حياته في ظل انهيار المرجعيات العليا، سواء كانت دينية أو ميتافيزيقية. فيبر لا يعرض هذه النتيجة بفرح تقدّمي، بل بشعور تراجيدي، إذ يعتبر أن الإنسان لم يعد قادراً على الإيمان بوحدة قيمية متعالية، وأن الأخلاق نفسها قد انقسمت إلى اتجاهات متضادة، أبرزها أخلاق القناعة وأخلاق المسؤولية. الأولى تلتزم بالمبدأ المجرد دون نظر في نتائجه، أما الثانية فتعترف بتعقيد الواقع، وتتحمل مسؤولية النتائج حتى لو خالفت المبدأ الأصلي. هذا الانقسام لا يعكس مجرد جدل أخلاقي، بل يكشف عن مأزق وجودي عميق. لم يعد بإمكان الإنسان أن يكون أخلاقياً دون أن يكون مأزوماً بالضرورة، لأن كل خيار أخلاقي أصبح محمّلاً بإمكانات الفشل والتضحية والتناقض. ومن هنا، لا يكون الفعل الأخلاقي عند فيبر سعياً إلى الطمأنينة، بل قبولاً باللايقين، وتحملاً للمخاطرة، واعترافاً بغياب الكمال. هذه الرؤية تمتد إلى السياسة حيث يُقدّم فيبر شخصية الفاعل السياسي نموذجاً للوعي التراجيدي، الذي يعرف أنه لا يستطيع أن يحقّق الخير المطلق، لكنه يواصل فعله بوصفه مسؤولية لا يمكن التخلّي عنها. كما يكشف فيبر في كتاباته عن توتر بنيوي داخل الحداثة، يتجلّى في الثنائية بين الشخصية الكاريزمية الملهِمة التي تُحدث قطعاً مع المألوف وتؤسس قيماً جديدة، وبين الشخصية التنظيمية المحايدة التي تحافظ على النظام. فالشخصية الكاريزمية الملهِمة عند فيبر هي الفاعل الخارج عن القاعدة، التي تتلقى رؤيتها من قوة عليا، وتتكلم من موقع الإلهام لا من موقع التخصّص، وهي في ذلك تشكّل بداية جديدة، لكن هذا لا يستمر بعد موتها. ما إن تغيب، حتى تبدأ حركتها بالتقنين، وتتحوّل الكاريزما إلى نظام، أي إلى بيروقراطية. هذا التحوّل الحتمي من الرؤية إلى الإدارة هو ما يجعل التاريخ الحديث دائرة مأساوية من الإلهام إلى الخمود، ومن الثورة إلى التقنين، وتكوّن نظام إداري وتشريعي يضمن الاستمرارية، لكنه لا يستبقي الروح الأولى. وفيبر، إذ يصف هذا التحوّل، لا يراه فساداً طارئاً، بل ضرورة تاريخية تُظهر أن العالم لا يُدار بالكاريزما، بل بالبيروقراطية، وأن الحداثة لا تحتمل الأنبياء، بل تحتاج إلى موظفين. لكن هذا الانضباط، رغم ما يمنحه من استقرار، لا يمنح الإنسان المعنى، ولا يروي ظمأه الوجودي. ولهذا فإن الحداثة، من وجهة نظر فيبر، تفتقر إلى البطل، وتنتج إنساناً فاقداً للروح، يعمل بلا شغف، ويعيش بلا رؤية. غير أن فيبر لا يسقط في اليأس، بل يرى أن ما تبقّى للإنسان هو أن يتحمّل مسؤوليته في خلق المعنى، لا عبر العودة إلى الوهم، ولا عبر التسليم للتشاؤم، بل عبر تأكيد فعله الحر، رغم إدراكه لانعدام الضمان. هو موقف أقرب إلى التراجيديا منه إلى العبث، أقرب إلى كانط منه إلى نيتشه، رغم تأثره العميق بكليهما. فلا المعنى يُعطى، ولا القيم تُفرض، بل كل شيء يُبنى من الداخل، عبر فعل حرّ، قلق، لا يضمن شيئاً إلا صدقه مع ذاته. * كاتب سعودي