logo
«حل الدولتين»... حلم فلسطيني لا يُرى ولا يزول

«حل الدولتين»... حلم فلسطيني لا يُرى ولا يزول

الشرق الأوسط٠٣-٠٥-٢٠٢٥

في اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، الأسبوع الماضي، في رام الله، خرج الرئيس محمود عباس أبو مازن عن النص المكتوب، بكلمات لم تحظ بتعليق واسع؛ قال الرجل للحاضرين: «ليس 20 عاماً. بل (بعد) أقل بكثير ستقوم الدولة الفلسطينية».
والتصريح النادر لعباس، يتجاوز المطالبة بإقامة الدولة المرجوة إلى إعلان موعد تقريبي أو ربما مأمول.
والحاصل أن الحلم الفلسطيني المرجو في «حل الدولتين» يبدو اليوم شبيهاً بفراشة شاعر فلسطين الأبرز، محمود درويش، الذي قال يوماً: «أثر الفراشة لا يُرى... أثر الفراشة لا يزول».
لقد كان يُمكن لتصريح أبو مازن أن يحتل عناوين الأخبار لو أنه جاء في وقت كان يتفاوض فيه مع إدارة إسرائيلية أخرى مثل رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت حين كانت التصورات أن الاتفاق حلم ممكن.
لكن مع إيغال إسرائيل في اغتيال كل ما هو فلسطيني «البشر والشجر والحجر»، وحتى حل الدولتين، بدا التصريح نوعاً من الدعاية، أو ضرباً من التفاؤل المفرط، أو مجرد رياضة فكرية، إذ لم يكن مُرتكزاً إلا على معطيات لا يعلمها سواه (أي عباس).
يرى واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير»، أن عباس «استند إلى الحق التاريخي للشعب الفلسطيني، والقناعة المطلقة بأن العالم يدعم مبدأً واحداً، وأن أي حل في المنطقة يجب أن يستند إلى قيام دولة فلسطينية في الضفة وقطاع غزة تشمل القدس».
يقول أبو يوسف لـ«الشرق الأوسط»: «نحن لم نستسلم ولم نتراجع؛ إرادتنا واضحة، والجميع يدرك أنه لا حل ولا سلام دون حقوق الشعب الفلسطيني. ولا أحد يستطيع إلغاء ذلك».
فلسطينيون في رام الله يرمون الحجارة على دوريات إسرائيلية في ذكرى الانتفاضة الثانية سبتمبر 2002 (غيتي)
وتابع: «نتنياهو لا يريد ذلك ويسعى لعزل قطاع غزة وتعزيز الانقسام لإحباط قيام دولة فلسطينية، بل إنه يقول إنها (مزحة). لكن إرادة العالم أقوى من إرادة الاحتلال، ونحن واثقون بإنهائه».
ويدلل أبو يوسف على موقفه بأن «الدعم الدولي والعربي في مواجهة خطة إسرائيل لليوم التالي في قطاع غزة، يؤكد أن انتصار الفلسطينيين على (الدولة المارقة) بما يفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية، سيكون حتمياً».
تعد مسألة إطلاق مسار سياسي لإقامة دولة فلسطينية قديمة للغاية؛ إذ تُوجت عام 1993 بـ«اتفاق أوسلو» للسلام بين إسرائيل و«منظمة التحرير».
كان الاتفاق تحولاً كاملاً ومربكاً إلى حد كبير للطرفين، واتضح لاحقاً أنه كان أيضاً مُعقداً ومستعصياً، ولقد حاولت إسرائيل التخلص منه أكثر من مرة.
وفق اتفاق أوسلو التاريخي الذي قُدم بعدّه مؤقتاً، كان يُفترض أن تقام دولة فلسطينية بعد 5 سنوات من توقيعه أي في عام 1998.
غير أن «الاتفاق الأم» جرّ خلفه اتفاقات ومواجهات عدة، ولم يأت حتى الآن بالدولة.
وتقسمت الدولة بعد ذلك إلى شبه دويلات، واحدة في الضفة مع سلطة ضعيفة، وأخرى في غزة سيطرت عليها «حماس»، وثالثة في القدس الشرقية تحت سيطرة إسرائيل بالكامل.
كان ذلك التشظي مُرضياً بشكل كبير لإسرائيل، حتى حلول «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، الذي غيّر معه إسرائيل والفلسطينيين والمنطقة برمتها، وحتى العالم.
عندما سُئل مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، ما الذي تريده حكومة إسرائيل؟ قال إن «الأمر معقّد». وتعبير ويتكوف المختصر كان يُبرر لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو استئناف الحرب على غزة، لكنه كان يختصر في حقيقة الأمر كل شيء يدور حول الفلسطينيين.
وبينما يخطط نتنياهو لوضع ينهي فيه السلطة و«حماس» معاً، ويجعل قيام الدولة أمراً مستحيلاً، بدأت السلطة مع حلفائها العرب والغربيين، في رسم خطة أخرى مغايرة، تمثل أفضل مخرج ممكن لسنوات طويلة من الصراع والحروب والدماء.
الخطة المضادة والمغايرة، اختصرها رياض منصور المندوب الفلسطيني في مجلس الأمن، يوم الثلاثاء الماضي، بقوله إن «الخطة التي لا بديل لها هي خطة حل الدولتين».
لا تبدو الإجابة سهلة حالياً، مثلما كانت طوال العقود الماضية، لكن السلطة تنخرط في جهود كبيرة لإطلاق مسار سياسي يقود إلى «رغبة العالم في إنهاء الصراع مرة واحدة إلى الأبد».
ويقول مصدر فلسطيني رفيع لـ«الشرق الأوسط» إن «ثمة مناقشات جدية وحاسمة مع كل الأطراف لمرحلة ما بعد الحرب ترتكز الى مسار سياسي ينهي كل شيء».
وتحدث المصدر القريب من دائرة صنع القرار في السلطة التي يقودها الرئيس أبو مازن عن أن «القيادة الفلسطينية منخرطة في نقاشات مع الأميركيين والأوروبيين والدول العربية و(حماس) وإسرائيل بشكل مباشر وغير مباشر من أجل دفع مسار إقامة الدولة».
وترتكز الخطة على إمكانية تبنِّي الولايات المتحدة هذا المسار بعدّه المخرج الوحيد لإنهاء الحرب في قطاع غزة وصنع السلام في المنطقة.
وتابع أنه في سبيل إقامة الدولة «نحن (أي السلطة) مستعدون، وأجرينا تغييرات كبيرة، وحتى (حماس) مستعدة للذهاب إلى أبعد نقطة، وليس فقط تسليم القطاع والتنازل عن الحكم، بل أيضاً فيما يخص تسليم سلاحها».
وقبل أيام قليلة فقط أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن «حماس» مستعدة لقبول الدولة على حدود عام 1967.
وفيما بدا استعداداً لمرحلة الدولة التي تحدث عنها عباس، أجرى الرئيس الفلسطيني بنفسه تغييرات غير مسبوقة في هيكل السلطة الفلسطينية - هي الكبرى، منذ نشأتها - توجت هذا الأسبوع بتعيين حسين الشيخ نائباً له.
وجاء تعيين الشيخ بعد سلسلة تغييرات كبيرة شملت خلال الحرب إقامة حكومة جديدة بقيادة رئيس الوزراء محمد مصطفى، وتغييراً طال جميع قادة الأجهزة الأمنية تقريباً، وإحالة مئات الضباط برتبة عميد، للتقاعد بمرسوم رئاسي.
وقال مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط» إن «السلطة تتغير وتستعيد مكانتها استعداداً لما هو قادم».
لم تكن هذه التغيرات في السلطة عبثية، كما أنها ليست وليدة لخطة فلسطينية خالصة، وإنما هي عربية كذلك وأوروبية إلى حد كبير وربما أميركية بصورة ما.
وربما يفسر ما سبق حالة الترحيب العربي الكبير والسريع بتعيين الشيخ نائباً لعباس، بما يشي برضا عن المسار الذي بدأته السلطة، ويمهد الطريق للمسار السياسي.
وبموازاة ذلك تقود المملكة العربية السعودية إلى جانب فرنسا مساراً في مواجهة الخطط الإسرائيلية لإحباط قيام الدولة الفلسطينية، وتستعدان لرئاسة مشتركة لمؤتمر دولي بشأن «حل الدولتين» في يونيو (حزيران) المقبل.
وشدَّد مجلس الوزراء السعودي، الثلاثاء، على أن أمن منطقة الشرق الأوسط يتطلَّب الإسراع في إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وإقامة دولة مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وتلقى المساعي السعودية دعماً عربياً ودولياً، كما تتواكب مع دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الدول الأعضاء بالأمم المتحدة إلى «اتخاذ خطوات لا رجعة فيها لتحقيق حل الدولتين، وعدم السماح للمتطرفين على أي جانب بتقويض ما تبقى من عملية السلام».
كان غوتيريش يحذر من أنه إذا استمر الوضع الراهن فإن ذلك «يهدد وعد حل الدولتين بخطر التلاشي».
وفي بريطانيا أيضاً أكد وزير خارجية بريطانيا ديفيد لامي أن بلاده «تعمل مع الشركاء لإصلاح وتمكين السلطة الفلسطينية».
جماهير سيلتيك في أسكوتلندا تحتفل وترفع العلم الفلسطيني في المدرجات ديسمبر 2024 (رويترز)
وأضاف لامي في بيان عقب لقاء مع رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى في لندن، قبل يومين، أن «المملكة المتحدة ملتزمة بدعم جهود إقامة دولة فلسطينية لأن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق سلام عادل ودائم، وضمان الأمن لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين».
وقبل ذلك أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن باريس قد تعترف بدولة فلسطينية في يونيو المقبل.
ولا تتعلق قضية «حل الدولتين» فقط بالإرادة والرغبة، إذ لا يمكن تجاهل إسرائيل في المعادلة المعقدة، بينما هي القوة القائمة بالاحتلال على كل سنتيمتر من الدولة الفلسطينية.
وعملياً تصطدم كل التحركات اليوم وأمس وغداً بحكومة إسرائيلية يمينية تتمترس خلف حلم اغتيال هذا الحل (حل الدولتين).
وموقف إسرائيل لا يحتاج للكثير من التنقيب والتحليل، فالانقلاب على أوسلو والدولة قديم، لكن الانقلاب على السلطة بدا جلياً بعد شهرين فقط من بدء الحرب على قطاع غزة، نهاية العام الماضي، عندما خرج نتنياهو ليقول إن جيشه يستعد لقتال محتمل مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، عادّاً أن اتفاق أوسلو كان «خطأ إسرائيل الكبير».
ومنذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تتعامل إسرائيل مع السلطة كأنها غير موجودة.
وصعدت إسرائيل في الضفة الغربية ولم يخفِ وزراء في الحكومة الإسرائيلية مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش، أنهم يسعون للتخلص من السلطة صراحة، ويتبجحون بعدم وجود شعب فلسطيني أصلاً.
وأكد سموتريتش أنه ماضٍ في خطة لحل السلطة، وإقامة نظام حكم مدني إسرائيلي في الضفة يقوم على تغيير «الحامض النووي - DNA» للضفة وتفكيك السلطة، وإحباط قيام الدولة، عادّاً أن تلك «مهمة حياته».
على الأرض تبدو إسرائيل ماضية في اغتيال وتحطيم كل شيء، متجاهلة كل تحرك من أجل قيام الدولة، بل وتعدّه «مكافأة للإرهاب»، كما قال نتنياهو بعد مكالمة مع ماكرون، الشهر الماضي، عقب إعلان الأخير نيته الاعتراف بها.
على أي حال فإن الحشد لصالح «حل الدولتين»، يجعل العالم كله في مواجهة اليمين الإسرائيلي المتطرف، ويجعل التعويل أكثر على قدرة العرب وقوى العالم الداعمة على تغيير بوصلة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي يزور المنطقة قريباً، وإقناعه بأن الانتصار الحقيقي هو في «صنع السلام»، وليس من خلال الحرب، باعتبار أن الدم سيظل يستدعي الدم، والسلام سيطول الجميع بلا استثناء.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

زيارة عباس للبنان بين "حصرية السلاح" وتوقيت التنفيذ
زيارة عباس للبنان بين "حصرية السلاح" وتوقيت التنفيذ

Independent عربية

timeمنذ 4 ساعات

  • Independent عربية

زيارة عباس للبنان بين "حصرية السلاح" وتوقيت التنفيذ

في لحظة إقليمية مشحونة ووسط تصعيد إسرائيلي مستمر في جنوب لبنان، وصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى بيروت في زيارة رسمية والتقى رئيس الجمهورية اللبناني جوزاف عون. وجاءت الزيارة، وهي الرابعة لعباس إلى قصر بعبدا، مقر رئاسة الجمهورية، في توقيت دقيق داخلياً وخارجياً، وترافقت مع ملف بالغ الحساسية وهو سلاح الفصائل الفلسطينية في لبنان، ففيما يرى بعضهم أنها زيارة دعم للعهد الجديد وتثبيت للتنسيق اللبناني – الفلسطيني، قرأها آخرون كجزء من تحرك أوسع لإعادة تنظيم السلاح داخل المخيمات في ظل ضغوط سياسية وأمنية متصاعدة لبنانية ودولية. وإذا كان التنسيق مع السلطة الفلسطينية قائماً فإن الأسئلة التي تطرح في الكواليس أكثر تعقيداً، فهل يملك عباس سلطة القرار على كل الفصائل؟ وهل السلاح المنتشر داخل مخيمات مثل عين الحلوة والرشيدية قابل للتفكيك أو التنظيم؟ وما حدود الدور الذي يمكن أن تلعبه الدولة اللبنانية في مواجهة قوى مسلحة تنسق مع أطراف إقليمية نافذة مثل "حزب الله"؟ وفي خلفية هذا المشهد الداخلي المشحون تعلو نبرة خارجية لا تقل حدة، فقبل يومين من زيارة عباس خرجت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس بتصريحات نارية من "منتدى قطر الاقتصادي"، دعت فيها الحكومة اللبنانية إلى اتخاذ قرار نهائي في شأن نزع سلاح "حزب الله"، معتبرة أن "لبنان لا يزال أمامه كثير ليفعله"، وأن المطلوب هو نزع كامل للسلاح من أنحاء البلاد كافة وليس فقط جنوب الليطاني. ولم يكن تصريح أورتاغوس معزولاً عن سياق الضغوط الأميركية المتصاعدة، فواشنطن كانت ولا تزال تعتبر أن ضبط السلاح غير الشرعي في لبنان جزء من استعادة القرار السيادي الكامل، وهي مستعدة لدعم أي مسار رسمي في هذا الاتجاه حتى وإن اصطدم بتوازنات داخلية دقيقة. وبين المسعى اللبناني إلى ضبط المخيمات والمطالب الأميركية بإخراج كل السلاح من المعادلة، تفتح مجدداً صفحة من التاريخ العربي - الفلسطيني، من "أيلول الأسود" في الأردن عام 1970 إلى تفاهمات السبعينيات غير المعلنة في لبنان، حين طُرح للمرة الأولى سؤال جوهري حول هل يمكن أن يحمل الفلسطيني السلاح خارج أرضه؟ وإذا نُزع هذا السلاح فمن يحميه؟ فالزيارة إذاً لم تكن بروتوكولية بل مفصلية، إذ أعادت خلط أوراق حساسة وطرحت من جديد معادلة معقدة بين السيادة والحماية. تأكيد حصر السلاح وفي هذا المناخ السياسي الحساس صدر البيان المشترك اللبناني - الفلسطيني بعد لقاء عون - عباس حاملاً لهجة واضحة تتجاوز اللغة البروتوكولية المعتادة، وأشبه ما تكون بإعلان نيات حازم في مقاربة الملف الأمني، فإضافة إلى تأكيد عمق العلاقات الثنائية وحقوق الشعب الفلسطيني، تضمن البيان إشارات مباشرة لا تحتمل اللبس، وأبرزها التشديد على مبدأ حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية ورفض أي مظاهر مسلحة خارجة عن سلطتها، إضافة إلى الإعلان عن تشكيل لجنة مشتركة لبنانية - فلسطينية لمتابعة أوضاع المخيمات، على أن يشمل الحوار "جميع القوى الفاعلة على الأرض"، وليس فقط الجهات المنضوية تحت مرجعية السلطة الفلسطينية الرسمية، وهنا تتجلى الجدية التي يتحدث عنها البيان، وهي مقاربة أمنية جامعة لا تكتفي بالتذكير بالمبادئ، بل تضع خطة عملية لإشراك جميع الفاعلين الفلسطينيين، مما يضع الفصائل غير المنضوية تحت مظلة حركة "فتح" تحت العين اللبنانية ـ الفلسطينية المشتركة، لا بمنطق الإحراج أو التهديد بل بمنطق تحميل المسؤولية، وهذه النقاط بالذات تتقاطع مع نبرة البيان حين يشير بوضوح إلى أن "زمن السلاح الخارج عن سلطة الدولة اللبنانية قد انتهى"، وإلى الالتزام الفلسطيني بعدم استخدام الأراضي اللبنانية لأية عمليات، واحترام السيادة وعدم الدخول في صراعات إقليمية. وهكذا تبدو الأمور وقد بلغت خواتيمها، فلا أحد يريد الصدام لكن الوضوح في النبرة لا يقل خطورة عن المواجهة، فالسلاح سيجري ضبطه وتنظيمه وربما وضعه لاحقاً تحت إشراف الدولة اللبنانية وفق مسار تصاعدي بدأ فعلياً، وهذه هي الرسالة الأساس التي حملها البيان المشترك بكل ما فيه من إشارات دقيقة ومحسوبة. تنفيذ حصر السلاح قيد البحث وفي كواليس المشهد السياسي وصف مصدر لبناني مطلع على مجريات اللقاء بين الرئيسين اللبناني والفلسطيني زيارة محمود عباس بأنها "خطوة بالغة الأهمية تحمل دلالات واضحة في التوقيت والمضمون"، لافتاً إلى أن "الرئيس الفلسطيني جاء ليؤكد دعمه العهد الجديد ويرسخ تقاطعاً سياسياً مع الموقف اللبناني المعلن في خطاب القسم والبيان الوزاري، واللذين يشددان بوضوح على مبدأ حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية". وبحسب مصدر مقرب من القصر الرئاسي فإن الجانب الفلسطيني عبر عن التزام كامل بالمرجعية اللبنانية الرسمية، مشدداً على أن الفصائل الفلسطينية داخل المخيمات لا تقبل بأي سلوك يتجاوز تعليمات الدولة، وأن السيادة اللبنانية محترمة من الجميع. وأشار المصدر نفسه إلى أن "الرئيس جوزاف عون كان صريحاً في موقفه عندما أكد ضرورة إنهاء أية مظاهر مسلحة خارج سلطة الدولة، وهو ما قوبل بتفهم واضح من الوفد الفلسطيني الذي أبدى التزاماً بعدم استخدام المخيمات كمنطلق لأي أعمال تضر بأمن لبنان أو استقراره"، موضحاً أن "اللجنة اللبنانية - الفلسطينية المشتركة المقرر أن تبدأ أعمالها غداً الخميس، ستكلف بوضع آلية تنفيذية واضحة تشمل كل التفاصيل العملية"، لافتاً إلى أن "أي اتفاق يصدر عنها سيكون ملزماً للأطراف كافة، ولن يترك للتقدير السياسي أو الفصائلي بل سيجري التعامل معه كقرار دولة"، ومضيفاً أن "النقاش خلال الاجتماع الثنائي أرسى تفاهماً عاماً على المبادئ الأساس، فيما ستترك التفاصيل الفنية للجنة متعددة الاختصاصات تضم ممثلين أمنيين وسياسيين وعسكريين ومدنيين، بما يتيح مقاربة شاملة لمختلف الجوانب". وفي ما يتعلق بموقف حركة "حماس" من مسألة تسليم السلاح فقد أشار إلى أن "هذا البند سيطرح داخل اللجنة ولا يمكن الحكم عليه سلفاً، لكن الأكيد أن هناك غطاء سياسياً للمضي قدماً في النقاش بدعم من الجانبين اللبناني والفلسطيني". وحول سؤالنا إذا كنا أمام نهاية دور الفصائل المسلحة في لبنان، قال المصدر إنه "لا يمكن الجزم بعد، والنيات الإيجابية موجودة والبيانات واضحة، لكن يبقى التحدي الحقيقي هو التنفيذ". فصائل خارج السيطرة وفي موازاة المسار السياسي والرسمي للزيارة، تطرح تساؤلات جدية حول واقع السيطرة داخل المخيمات الفلسطينية وقدرة السلطة الفلسطينية على ضبط الفصائل المسلحة المنتشرة جنوباً، إذ لا يبدو أن التنسيق بين الدولة اللبنانية والرئيس محمود عباس وحده كافياً لحسم المشهد، في ظل وجود قوى فلسطينية لا تعترف بشرعية السلطة، وتنسق أمنياً مع أطراف لبنانية نافذة. بدوره كشف مصدر لبناني مطلع على الملف الأمني في الجنوب عن أن "الفصائل الفلسطينية المسلحة الناشطة في مخيمي عين الحلوة والرشيدية لا تخضع فعلياً لسلطة عباس ولا تندرج ضمن الأجهزة التنظيمية التابعة لحركة 'فتح'، بل تعتبر قوى مستقلة تنسق مع 'حزب الله' بصورة مباشرة "، مضيفاً أن "الفصائل الأكثر تسلحاً وتأثيراً تتمركز في عين الحلوة، وأبرزها 'حماس' والفصائل غير المنضوية تحت مظلة السلطة الفلسطينية، أما في الرشيدية فالوضع أقل حدة لكن لا يمكن تجاهل وجود عناصر مسلحة أيضاً، وبعضها يتخذ من منازل خاصة نقاط تمركز، وقد تمتلك القدرة على تنفيذ عمليات عسكرية عند الحاجة"، لافتاً إلى أن "هناك حضوراً لـ 'فتح' وللسلطة الفلسطينية في هذه المخيمات، لكن الجناح المسلح المتشدد الذي يمتلك قرار استخدام القوة والسلاح لا يتبع لا 'فتح 'ولا السلطة، بل يعمل في إطار تنسيقي مع 'حزب الله' خصوصاً في ما يتعلق بالتقديرات الأمنية والتحركات الميدانية"، مشيراً إلى أنه "حتى في مناطق الجنوب خارج المخيمات فقد تكون هناك مراكز أو خلايا صغيرة تابعة لهذه الفصائل تعمل بسرية تامة وقادرة على إطلاق صواريخ أو تنفيذ عمليات عند الطلب، مما يجعل الملف شديد التعقيد أمنياً وسياسياً". انقسام فلسطيني حول "سلاح العودة" ولم تمر زيارة الرئيس الفلسطيني إلى بيروت مروراً عادياً، لا في الشارع الفلسطيني ولا داخل الأوساط السياسية اللبنانية، فبينما قرئت الزيارة في العلن كمبادرة دعم للعهد الرئاسي الجديد في لبنان وتأكيد التنسيق الثنائي، برز في الكواليس تباين فلسطيني داخلي في تقييم الخلفيات الحقيقية والأهداف الضمنية، ففي حين ترى حركة "فتح" أن الزيارة جاءت في توقيت حساس لتعزيز التعاون الأمني والسياسي وتؤكد نيات واضحة لدعم السيادة اللبنانية وحصر السلاح، يذهب تيار آخر إلى التشكيك في التوقيت والنيات معتبراً أن ما يجري محاولة لتصفية القضية الفلسطينية من داخل المخيمات. وفي حديثين متوازيين لـ "اندبندنت عربية"، عكس كل من مسؤول العلاقات السياسية في حركة "فتح" – منطقة الشمال، فرحان عبدو، والمسؤول الإعلامي لـ "هيئة علماء فلسطين" – فرع لبنان، الشيخ علي اليوسف، هذا الانقسام العميق حول زيارة عباس بين من يعتبرها خطوة سيادية ومطلوبة، ومن يراها مقدماً لتفكيك "سلاح العودة" ومقايضته بالشرعية اللبنانية. زيارة لتعزيز الشرعية ودعم السيادة اللبنانية واعتبر عبدو أن "زيارة الرئيس الفلسطيني إلى لبنان تأتي في توقيتها الصحيح والطبيعي، خصوصاً في ظل ما تمر به منطقة الشرق الأوسط من ظروف حساسة وصعبة جداً"، وأوضح مسؤول العلاقات السياسية في حركة "فتح" – منطقة الشمال أن "ما حصل في سوريا من تغيير كبير في السياسة والنظام ووجهة الحكم، وربما جغرافياً، إضافة إلى ما يتعرض له شعبنا في غزة من تنكيل وإجرام ومحاولة تهجير قسري إلى دول خارج فلسطين يفرض علينا قراءة دقيقة للواقع"، لافتاً إلى أن "هذه الزيارة تأتي بعد الحرب الظالمة والمجرمة التي شنها العدو الإسرائيلي على لبنان، وما أعقبها من انتخاب رئيس للجمهورية ورئيس لمجلس الوزراء وتشكيل نظام حكم جديد يتعاطى مع الأمور بصورة مختلفة عما كان قبل الحرب". وشدد عبدو على أن الزيارة "مهمة في عناوينها وتوقيتها"، معتبراً أن "من الطبيعي أن يلتقي الأخوة في فلسطين ولبنان من أجل تبادل وجهات النظر حول كل ما يجري في المنطقة، سواء في لبنان أو فلسطين أو دول الجوار"، وقال إن "الرئيس عباس اختار هذا التوقيت تحديداً لمباركة انتخاب الرئيس جوزاف عون وتشكيل السلطة اللبنانية الجديدة والبحث في الشأن الفلسطيني، إذ لا يخفى على أحد أن هناك أكثر من 300 ألف لاجئ فلسطيني يعيشون في لبنان منذ 77 عاماً، ولا بد من درس أوضاعهم ومناقشتها وخصوصاً مع وجود لاجئين فلسطينيين مهجرين من سوريا أيضاً". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وأشار عبدو إلى "أهمية هذه الزيارة لإطلاع المسؤولين اللبنانيين، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية ورئيسا المجلس النيابي والوزراء، على آخر التطورات في الداخل الفلسطيني، ولا سيما المجازر المرتكبة بحق شعبنا في غزة، وأيضاً ما يعانيه أهلنا في الضفة الغربية من تنكيل ممنهج وإجرام يومي". وعن البيان المشترك في شأن حصرية السلاح وتطبيق القرار رقم (1701)، أوضح عبدو أن "الرئيس عباس لطالما أعلن صراحة دعمه تنظيم السلاح داخل المخيمات وأن تكون المرجعية الأمنية حصراً بيد الدولة اللبنانية"، لكنه في المقابل شدد على أن "هناك حقوقاً مدنية وسياسية مشروعة لشعبنا في لبنان، من حق العمل إلى التملك إلى النضال من أجل العودة، وهذه الحقوق يجب ألا توضع في مواجهة مسألة السلاح"، متابعاً "نحن نقر بأن السلاح يجب أن يكون منظماً وبيد جهات رسمية معترف بها من قبل الدولة اللبنانية، بما يسهم في تنظيم الوضع الأمني داخل المخيمات، ولا نريد أن نزج بالجيش اللبناني في الأزقة والزواريب، بل يمكن التفاهم على آلية واضحة عبر قوة الارتباط اللبناني أو الأمن الفلسطيني لتنظيم العلاقة الأمنية بصورة مباشرة مع الدولة". وكشف عبدو عن أن "السلاح خارج المخيمات لم يعد موجوداً، ولا سلاح ثقيلاً داخلها، بل فقط سلاح فردي وخفيف منتشر بين عدد من أبناء شعبنا، وهذا أيضاً يجب تنظيمه وتسليم غير المجدي منه إذا كان لا يخدم حماية المخيمات ولا يسهم في تحرير فلسطين"، مؤكداً "الحاجة إلى درس أمني واقعي لهذا الملف لتكون المصلحة الفلسطينية واللبنانية متكاملة". وعن "قوى التحالف الفلسطيني" قال عبدو "نعتقد أن قرار هذه القوى ليس فلسطينياً بل هو مرتبط مباشرة بإيران، فإذا تقدمت المفاوضات الأميركية - الإيرانية حول الملف النووي فسنشهد انفراجات في اليمن وغزة ولبنان، أما إذا بقي التعقيد قائماً فلن نرى التزاماً من هذه الفصائل بما يقره الرئيس عباس إلا إذا فرض عليها ذلك بالقوة، وهو أمر نستبعده وخصوصاً في مخيم عين الحلوة"، لافتاً إلى أن "مخيمات كثيرة يمكن التعامل معها بسهولة، لأن منظمة التحرير الفلسطينية تسيطر بـ 70 إلى 80 في المئة، وهناك حضور فعلي للأمن الوطني الفلسطيني مما يسهل تطبيق مخرجات هذه القمة الفلسطينية، لكن الوضع في عين الحلوة معقد بسبب وجود قوى إسلامية مرتبطة مباشرة بحركة 'حماس' ومسلحين يقدر عددهم بالآلاف لا بالمئات، وقد يتحولون إلى صاعق تفجير في أية لحظة". وختم عبدو حديثه بتأكيد "أهمية الدور العربي في دعم الحلول"، قائلاً إنه "يمكن لبعض الدول أن تسهم في معالجة ملف عين الحلوة، سواء عبر إخراج المسلحين إلى سوريا أو تأمين مخرج ملائم عبر حركة 'حماس' نفسها، ونحن ننظر بإيجابية كبيرة إلى هذه الزيارة"، آملاً أن "تسفر عن نتائج عملية في حلحلة الملفات الأمنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية بما يخدم مصلحة الشعبين الفلسطيني واللبناني". محاولة تصفية سلاح العودة وطمس القضية وفي موقف مناقض تماماً لما عبر عنه ممثل حركة "فتح"، عبر المسؤول الإعلامي لـ "هيئة علماء فلسطين" - فرع لبنان عن استغرابه الشديد من زيارة الرئيس الفلسطيني إلى لبنان في هذا التوقيت، معتبراً أنها "تفتقر إلى الأولوية السياسية والشعبية"، وتهدف إلى ما وصفه بـ "تصفية قضية السلاح الفلسطيني تمهيداً لتصفية قضية العودة". وفي هذا الإطار قال اليوسف "شخصياً أستغرب زيارته في هذا التوقيت ولهذه الأهداف التي انتشرت بين الناس، وأبرزها الحديث عن تسليم السلاح الفلسطيني في لبنان"، متسائلاً "ماذا يريد عباس من الشعب الفلسطيني هنا؟ فالأجدى به بل الأولى أن يزور المخيمات ويتحسس أحوال اللاجئين ويرى حاجاتهم ويتفقد أهل عين الحلوة وسائر المخيمات، فهكذا يكون الرئيس". وعن توقعه تعاون كل الفصائل الفلسطينية المسلحة داخل لبنان في عملية تسليم السلاح، أكد أن "هذا مرفوض، فالسلاح الفلسطيني هو سلاح العودة، وهو ليس سلاحاً عادياً وليس ملكاً شخصياً بل هو مرتبط بقضية شعب، ولا نقبل أبداً أن يستخدم في الزواريب أو لتصفية الحسابات الشخصية، وقد عبرنا في 'هيئة علماء فلسطين' مراراً وتكراراً عن رفضنا القاطع لاستخدامه في معارك جانبية تضر بأمن المخيمات والمدن، وتهدد أمن الفلسطينيين أنفسهم". وشدد اليوسف على أن "موقف الهيئة واضح في رفض أية محاولة للمساس بثوابت القضية الفلسطينية"، قائلاً "نحن نريد فعلاً أن تحافظ هذه الزيارة، إن كان لا بد منها، على حق العودة ووجود الفلسطينيين في لبنان وعلى المكتسبات والثوابت التي نؤمن بها منذ عشرات الأعوام، ومنذ أن أُخرجنا من أرضنا عام 1948 وحتى يومنا هذا كنا ولا نزال نقول لا لهذا العدو الصهيوني، لا للاستسلام، لا للتطبيع، لا للتسليم"، متابعاً "نحن أصحاب حق ولنا الحق في القانون الدولي أن ندافع عن أرضنا ونقاوم الاحتلال حتى نحرر أرض فلسطين كاملة، وما يريده عباس هو أن نرفع الراية البيضاء ولن نرفعها، فالشعب الفلسطيني في لبنان مثل إخوانه في غزة ولن يتنازل عن شرف الأمة وكرامتها، فالفلسطيني في كل مكان يدافع عن قضيته وحقوقه حتى تقام الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل أرض فلسطين من بحرها إلى نهرها ومن شمالها إلى جنوبها".

إيران والواقع الجديد داخل الشرق الأوسط
إيران والواقع الجديد داخل الشرق الأوسط

Independent عربية

timeمنذ 6 أيام

  • Independent عربية

إيران والواقع الجديد داخل الشرق الأوسط

يتشكل واقع جديد في الشرق الأوسط ومن مؤشراته جولة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على دول في الخليج العربي وتأكيده العلاقات القوية والإستراتيجية بين بلاده والسعودية، لتنعكس هذه العلاقة على رسم ملامح جديدة للمنطقة، وبخاصة في ما يتعلق بإيران. وتعي إيران جيداً أن الواقع الجديد الذي يتشكل في وقت ضعف فيه مشروعها الإقليمي من خلال ضربات إسرائيلية عدة طاولتها وطاولت أذرعها في المنطقة عقب عملية "طوفان الأقصى"، ومع ذلك كان اتفاق المصالحة السعودي – الإيراني، الذي جرى بوساطة صينية في مارس (آذار) 2023 الماضي، نقطة انطلاق لها في محاولة تفادى تأثيرات سلبية أكبر عليها، ولا سيما مع عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض، ومن ثم فقد حرصت طهران على استمرار تحسن العلاقات بينها وبين الرياض لتيقنها من زيادة النفوذ السياسي والاقتصادي لدول الخليج، إذ يمكن للسعودية أن تلعب دوراً في تحسين العلاقات بين طهران وواشنطن من جهة، ومن جهة أخرى يمكن أن تستفيد إيران اقتصادياً من تحسن العلاقات مع دول الخليج في إطار إجراءات بناء الثقة. وتشكل جولة ترمب الخليجية اختباراً حقيقياً لمستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية في المشهد الجيوسياسي سريع الخطى اليوم، ومع زيارة ترمب إلى المنطقة فقد ارتفعت التوقعات، إذ اُعتبرت نقطة تحول في إعادة تشكيل كيفية تعامل أميركا مع الشرق الأوسط، لذا ومن أجل بناء الثقة مع دول الخليج من جهة، وتفادى الإصرار الأميركي على مسألة التخصيب الصفري من جهة أخرى، والتي تعد إحدى النقاط الخلافية في المفاوضات في شأن البرنامج النووي الإيراني الجارية في سلطنة عُمان، فقد عملت إيران على اقتراح تشكيل "كونسورتيوم"، أي اتحاد إقليمي بينها وبين السعودية والإمارات لتشغيل وإدارة منشآت مشتركة لتخصيب اليورانيوم، ولكن على الأراضي الإيرانية، وهي خطوة تهدف إيران من ورائها إلى اقناع وشنطن باحتفاظها بعملية التخصيب حتى لو في مستويات منخفضة، لكن تحت رقابة خليجية وأميركية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ومع أن الفكرة ليست حديثة وطرحت في السابق ومنذ عقود، فقد تكون هناك تخوفات من قبل دول الخليج أو حتى الغرب من فكرة أنه بإمكان إيران في حال إنشاء اتحاد إقليمي أن تصادر المنشآت وتطرد الموظفين والمراقبين من أراضيها، لكن وعلى رغم غلبة الرأي داخل إيران والذى يرى إمكان استفادة الأخيرة من العلاقات الأميركية – الخليجية، سواء على المستوى الاقتصادي أو على مستوى تجنب التهديدات العسكرية الأميركية، لكن هناك تياراً آخر ينظر إلى قوة هذه العلاقات بصورة سلبية، فيعتبر أن هناك لوبياً عربياً أكثر قوة من إسرائيل يسعى إلى تقييد إيران في المفاوضات النووية باستخدام النفوذ الاقتصادي والدبلوماسي، مع اتباع نهج عدم إثارة حساسية طهران قدر الإمكان وأخذ ضمانات أمنية منها. وهذا الرأي ربما يكون نابعاً من التشكك التقليدي الذي اعتادته العقلية الإيرانية في محيطها وتصور الأخطار من قبل جيرانها، فإيران تدرك حرص دول الخليج على عدم جر المنطقة إلى حرب، وبخاصة معها، وأن أهم أولويات الخليج الأمن والاستقرار الإقليمي، خصوصاً في ظل خطط التطوير والتنمية الاقتصادية التي تشهدها، وأنه لولا قبول دول الخليج بسياسة دبلوماسية الجوار التي انتهجتها إيران لما حدث تحول في سياسة ترمب عن ولايته السابقة، والانتقال من مسار المواجهة إلى الدبلوماسية. كما أن إيران في ظل التغيرات الإقليمية تلك ليس أمامها سوى المسار الدبلوماسي للتعامل مع برنامجها النووي بصورة يمكن التحقق منها، من دون الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة، والأفضل لها أن تستفيد من توافق إستراتيجيات الولايات المتحدة والخليج تجاهها، والذي من شأنه تقليل المخاوف الإقليمية حيال سباق التسلح، مما ينتج إطاراً أمنياً يكون فيه الترابط الاقتصادي عاملاً من عوامل الاستقرار.

موانئ اليمن.. من عصور الازدهار التجاري إلى ساحات المواجهة
موانئ اليمن.. من عصور الازدهار التجاري إلى ساحات المواجهة

الموقع بوست

timeمنذ 7 أيام

  • الموقع بوست

موانئ اليمن.. من عصور الازدهار التجاري إلى ساحات المواجهة

وقد تأثرت معظم الموانئ بشكل كبير بعد اندلاع الحرب عام 2015، لا سيما بعد سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) على عديد منها، ثم شنت إسرائيل غارات جوية عليها ردا على الهجمات التي استهدفت السفن الإسرائيلية، وذلك في أعقاب العدوان على قطاع غزة بعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. وفي ما يلي أبرز الموانئ الإستراتيجية في اليمن: يقع في محافظة الحديدة، ويُعد ثاني أكبر ميناء رئيسي في اليمن. أنشئ عام 1961 في منتصف الساحل الغربي للبلاد المطل على البحر الأحمر بالتعاون مع الاتحاد السوفياتي، وحظي باهتمام بعد اندلاع الثورة اليمنية عام 1962، فعملت القيادة السياسية على تطويره وتوسيعه. ويُعد ميناء الحديدة أكبر موانئ اليمن على البحر الأحمر، وهو ذو قيمة اقتصادية كبيرة للبلاد، لاستقباله شتى الواردات وسفن الركاب والسياح، إضافة إلى كونه الممر الأول إلى جميع الجزر اليمنية المهمة، منها حنيش الكبرى والصغرى وجبل صقر. ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2014، سيطرت جماعة الحوثيين على ميناء الحديدة بعد شهر من سيطرتها على العاصمة اليمنية صنعاء. وفي العام التالي، أعلنت الجماعة توصلها إلى اتفاق مع إيران يقضي بتوسعة الميناء، واستمر الصراع عليه بعد ذلك لأهميته الإستراتيجية. وقد شن الجيش الإسرائيلي عددا من الغارات الجوية على ميناء الحديدة، مستهدفا منشآت مدنية بينها خزانات النفط بالميناء، مما نتج عنه حرائق شديدة، وذلك ردا على هجمات الحوثيين على السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى إسرائيل في أعقاب العدوان على قطاع غزة بعد عملية طوفان الأقصى. ميناء سقطرى حظيت جزيرة سقطرى باهتمام خاص من رئاسة الجمهورية اليمنية منذ القدم، نظرا لكونها من الجزر الإستراتيجية والمهمة في البلاد، وقد بادرت الحكومة بإنشاء رصيف ميناء عام 1996 بطول 45 مترا، مما أدى إلى حركة تجارية كبرى، تمثلت في الواردات من داخل البلاد والدول المجاورة. وقد كان ميناء سقطرى المنفذ البحري الوحيد لتموين الجزيرة بالمشتقات النفطية والمواد الغذائية، لكنه تأثر بشدة نتيجة الرياح العاتية وارتفاع الأمواج (تسونامي) عام 2004، مما دفع مؤسسة موانئ البحر العربي اليمنية الحكومية إلى ترميمه عام 2008. ميناء المكلا يُعد ميناء المكلا المنفذ البحري الوحيد في محافظة حضرموت المطلة على بحر العرب. أنشئ في حي "خلف" بمدينة المكلا، وافتُتح عام 1985 بهدف خدمة الحركة التجارية والنفطية بالمنطقة. يبلغ عمق الميناء الخارجي 15 مترا من نقطة التفرع، إذ تتجه قناة الميناء غربا بعمق 14.7 مترا، وتوجد به 4 مراس لمناولة النفط، إضافة إلى مرسى لشحن الغاز المسال. وبعد اندلاع الحرب في اليمن عام 2015، سيطر الحوثيون على الميناء فترة من الزمن حتى استعادته الحكومة اليمنية بدعم من قوات التحالف. ورغم استمرار القتال، فإن الميناء ظل يؤمن احتياجات المواطنين الضرورية من مواد غذائية متنوعة ومشتقات نفطية ومعدات وآليات وغيرها. يُعرف ميناء عدن بأنه من أكبر الموانئ الطبيعية في العالم، وقد صُنف في خمسينيات القرن الـ20 ثاني أكبر ميناء لتزويد السفن بالوقود في العالم بعد ميناء نيويورك. وهو من أهم المنافذ البحرية الإستراتيجية في البلاد، إذ يتحكم في مدخل البحر الأحمر من جهة الجنوب، وهو المنفذ الرئيسي لليمن على بحر العرب والمحيط الهندي. اشتُهر الميناء قديما بكونه سوقا لكبار تجار الشرق الأدنى واليونان، الذين أطلقوا على المدينة لقب "العربية السعيدة"، وتشير إلى ذلك بعض النقوش القديمة، وكذلك كتب الرحالة أمثال ماركو بولو وابن بطوطة. تمت أول عملية مسح بحري للميناء عام 1835، وبعد 5 سنوات بُنيت مستودعات للفحم، ثم أنشئ مركز جمركي عام 1847. وبعد افتتاح قناة السويس عام 1869، أصبح للميناء دور بارز نظرا للخدمات التي كان يقدمها للسفن المتجهة من القناة وإليها، خاصة تموين السفن بالوقود. وبفضل موقعه الإستراتيجي تتمكن السفن المنتظمة من الوفاء بمواعيد زيارتها للموانئ الأخرى دون عناء وبشكل مثالي. كما أدرك تجار عدن أن قرب موقعه من الجزء الجنوبي للبحر الأحمر، وتحديدا عند مدخل مضيق باب المندب، يجعله موقعا مثاليا لتوفير خدمات مناولة بضائع الترانزيت. وقد سيطرت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على الميناء في أغسطس/آب 2019 بعد اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية. ميناء المخا أحد أهم الموانئ اليمنية، ويبعد 75 كيلومترا فقط عن مضيق باب المندب، و100 كيلومتر عن مدينة تعز. تميز بربطه بين "الثالوث القاري" أوروبا وشرق أفريقيا وجنوب غرب آسيا، إضافة إلى منطقة الشرق الأوسط. وهو من أقدم الموانئ في شبه الجزيرة العربية، وكان السوق الرئيس لتصدير القهوة بين القرنين الـ15 والـ17، وقد اشتق اسم قهوة الموكا والموكاتشينو من اسم هذا الميناء. وإلى جانب القهوة، اشتهر الميناء بتصدير البخور وعود الآراك، كما استقبل اليمن عبره التوابل والأقمشة والمواشي من آسيا، وكذا من دول القرن الأفريقي. وقد اكتمل تشييد الميناء الجديد في المخا عام 1978، ويُعد شريانا أساسيا لتوريد نفط الخليج إلى أوروبا ومناطق أخرى من العالم عبر قناة السويس. وبعد اندلاع الحرب في اليمن عام 2015، وقع الميناء تحت سيطرة جماعة الحوثيين، حتى استعادته القوات الحكومية اليمنية عام 2017. تقع مديرية الصليف شمال غرب مدينة الحديدة، وتبعد عنها 70 كيلومترا. وتشتهر بمينائها الذي يُعد أحد أهم الموانئ الإستراتيجية في اليمن، وكان قديما يصدر الملح عبره. ويتميز الميناء بأعماقه التي تصل إلى 50 قدما، مما يمنحه القدرة على استقبال بواخر عملاقة تصل حمولتها إلى 55 ألف طن، كما أنه مؤهل لاستقبال سفن الترانزيت. ويضم الميناء رصيفا مجهزا لرسو السفن العملاقة، إضافة إلى منشآت صوامع ومطاحن القمح والحبوب. كما تشتهر مدينة الصليف التي تحتضن الميناء بمناجم الجبس والملح الصخري عالي النقاوة، وهو من أجود أنواع الملح في العالم. وبعد اندلاع الحرب في البلاد عام 2015، سيطرت جماعة الحوثيين على المدينة والميناء، وبدأت مؤسسة موانئ البحر الأحمر اليمنية في تشغيله. يقع ميناء نشطون على بحر العرب في الواجهة الشرقية من اليمن بمحافظة المهرة، وهو قريب من حدود سلطنة عُمان، وقد افتُتح في أبريل/نيسان 1984. أنشئ الميناء لخدمة الحركة التجارية والسمكية، خاصة بين دول الخليج ومحافظة المهرة. ويُستخدم ميناء نشطون لاستقبال السفن الصغيرة والقوارب التي تفرغ المواد الغذائية والمحروقات. واصل الميناء نشاطه بشكل منتظم وفعال، حتى تضررت أجزاء منه نتيجة العاصفة المدارية "لبان" التي تسببت في أضرار جسيمة، بيد أنه ظل يستقبل بعض السفن الخشبية القادمة من دول الخليج والقرن الأفريقي. ميناء رأس عيسى أول ميناء نفطي ينشأ في اليمن، وقد بني عام 1986 بهدف تصدير النفط عبر السفينة العائمة "صافر". يقع الميناء على ساحل البحر الأحمر شمال محافظة الحديدة، ويتميز بموقعه الإستراتيجي قرب مضيق باب المندب. يرتبط الميناء بخط أنابيب يبلغ طوله 438 كيلومترا، ينقل النفط الخام من حقول مأرب. وتصل القدرة التخزينية للسفينة "صافر" إلى نحو 3 ملايين برميل تُحفظ في 34 خزانا نفطيا، وقد بلغت طاقتها التصديرية حتى عام 2011 نحو 200 ألف برميل يوميا. سيطرت جماعة الحوثيين على الميناء عام 2015، واستخدمته لاستيراد الوقود وبيعه، وتتهمها إسرائيل بأنها تستخدمه موقعا لتخزين الأسلحة ومنصة لإطلاق الصواريخ تجاه تل أبيب. وقد تعرض الميناء لغارات إسرائيلية وأميركية ردا على هجمات نفذتها الجماعة ضد السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى إسرائيل، وذلك عقب العدوان على قطاع غزة بعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. ميناء بلحاف يقع ميناء بلحاف النفطي بين مدينتي عدن والمكلا، وقد بدأ إنشاؤه عقب اكتشاف النفط في محافظة شبوة، وتم تصدير أول شحنة نفط عبره عام 2009. ويُعد مشروع الغاز الطبيعي المسال في بلحاف أكبر مشروع اقتصادي وإستراتيجي في اليمن، ويتم تصدير الغاز المسال عبر الأنبوب الرئيسي الممتد من محافظة مأرب إلى ساحل بحر العرب. كان المشروع يوفر إيرادات تقدر بنحو 4 مليارات دولار أميركي سنويا، تتقاسمها الحكومة اليمنية مناصفة مع شركاء دوليين، بينهم فرنسيون وأميركيون. وبعد سيطرة جماعة الحوثيين على العاصمة صنعاء عام 2014، قررت الشركة اليمنية للغاز المسال إيقاف جميع عمليات الإنتاج والتصدير، وبدأت في إجلاء الموظفين بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في محيط منشأة بلحاف، مما أدى إلى إغلاق الميناء فترة طويلة. عُرف اليمن قديما بميناءين رئيسيين هما: ميناء المخا في الغرب، وميناء قنا المعروف أيضا بـ"بير علي" في محافظة شبوة، والذي كان حلقة وصل تجارية بين الهند واليمن. وورد ذكر الميناء في المصادر الإغريقية واللاتينية، ويُشار إليه بأنه كان الميناء الرئيسي لمملكة حضرموت القديمة. ويُستخدم ميناء قنا لتصدير نفط محافظة شبوة، وهو النقطة النهائية لخط أنابيب "شبوة-بير علي" الذي ينقل نحو 135 ألف برميل من النفط يوميا. وفي عام 2021، افتتحت الحكومة اليمنية ميناء قنا الحديث (النفطي والتجاري) في مدينة عتق، عاصمة محافظة شبوة، وهو واحد من 3 موانئ تمتد على طول الساحل الشرقي للمحافظة ضمن مساحة لا تتجاوز 50 كيلومترا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store