
Tunisie Telegraph ما الذي يجري ... الولايات المتحدة تشتكي من هجرة عقولها
منذ بداية ولاية الرئيس دونالد ترمب الحالية تعرّضت البنية التحتية للبحث العلمي في الولايات المتحدة لهزّات عنيفة. بحسب بيانات نشرتها 'Nature' و'بلومبرغ' تم إلغاء آلاف المنح الفيدرالية، وخُفّضت ميزانيات مؤسسات أساسية مثل المعاهد الوطنية للصحة ومؤسسة العلوم الوطنية بنسبة تجاوزت 50% في بعض الحالات، وهو ما شكّل صدمة للباحثين، خصوصًا في الجامعات الكبرى. فقدت جامعة كولومبيا وحدها أكثر من 400 مليون دولار من المنح في 2025، كما تم إلغاء 200 منحة بحثية في مجال فيروس نقص المناعة، وتراجعت التمويلات الخاصة بأبحاث التغير المناخي وكوفيد-19 والعدالة الصحية.
الأثر لم يكن ماليًا فقط. تقول عالمة الهندسة الكيميائية فاليري نيمان، التي غادرت جامعة ستانفورد إلى سويسرا هذا العام، إن السياسات الجديدة جعلت من الصعب التخطيط لأي مستقبل أكاديمي مستقر في الولايات المتحدة. وأشار استطلاع أجرته 'Nature' في مارس 2025 وشمل أكثر من 1600 باحث أمريكي إلى أن ثلاثة من كل أربعة منهم يفكرون بجدية في مغادرة البلاد، وهي نتيجة تعكس تآكل الثقة في البيئة العلمية الأميركية.
في موازاة ذلك تشهد منصات التوظيف العلمي قفزة في عدد الطلبات المقدمة من علماء أمريكيين للالتحاق بمؤسسات خارجية. سجلت 'Nature Careers' زيادة بنسبة 32% في طلبات التوظيف من داخل أمريكا إلى الخارج، و41% باتجاه كندا فقط، خلال الربع الأول من 2025. وفي المقابل انخفضت طلبات التوظيف من أوروبا إلى الولايات المتحدة بنسبة 41%، ما يكشف عن انعكاس فعلي في اتجاه حركة الكفاءات.
هذا التغير الهيكلي لا ينفصل عن السياسة الهجرية الجديدة، فعدد تأشيرات H1B تراجع بشكل ملحوظ، وتم تعديل برامج التدريب العملي للطلاب الأجانب بطريقة تجعل من الصعب بقاءهم في البلاد بعد التخرج. وقد أدى ذلك إلى انخفاض حاد في نسبة الأجانب الذين يبقون في الولايات المتحدة بعد نيل درجة الدكتوراه: من 75% تقليديًا إلى نحو 40% فقط حاليًا، وفق تقديرات حديثة. وتعكس هذه النسبة فقدان قدرة أمريكا على الاستفادة من الكفاءات التي تدربها داخليًا.
الدول المنافسة لم تفوّت الفرصة. فرنسا أطلقت برنامج 'ملاذ العلم' بتمويل قدره 15 مليون يورو، استقبل خلال أسابيعه الأولى قرابة 300 طلب من باحثين معظمهم من الولايات المتحدة. ألمانيا بدورها أسست برنامج 'ماكس بلانك عبر الأطلسي' لتوفير مواقع أكاديمية وتمويل إضافي للعلماء الراغبين في ترك أمريكا. كما أن الصين وكندا والنرويج تعلن بشكل متزايد عن حوافز لجذب العقول العلمية الأمريكية، في وقت تبني دول الخليج العربي منظومات تعليمية وبحثية تنافسية، عبر جامعات ومراكز مثل 'كاوست' و'جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي' و'مؤسسة قطر'.
لكن هذا النزيف في الكفاءات له ثمن اقتصادي مباشر. دراسة للجامعة الأمريكية في واشنطن وجدت أن خفض تمويل البحث العلمي بنسبة 25% قد يؤدي إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنحو 3.8% سنويًا، وهو ما يعادل تقريبًا أثر الأزمة المالية العالمية عام 2008. كذلك، تؤكد العالمة الأمريكية فرانسيس أرنولد، الحائزة على نوبل في الكيمياء، أن خسارة الباحثين والأكاديميين الشباب ستُحدث فراغًا طويل الأمد في قدرات التعليم، وتأسيس الشركات الناشئة، وتقديم المشورة العلمية للحكومة ووكالات الدفاع.
ولا تقتصر التداعيات على الداخل الأمريكي، فوفق تقارير لمراكز بحثية في أوروبا وآسيا يُنذر تراجع الدور القيادي لأميركا في منظومة البحث العلمي العالمية بظهور نظام أكثر تفتتًا، وأقل قدرة على تعبئة الجهد العلمي الجماعي لمواجهة التحديات الكبرى، من التغير المناخي إلى الأوبئة إلى الذكاء الاصطناعي.
وفي ضوء هذه المعطيات لم تعد 'هجرة العقول' من الولايات المتحدة تُعتبر مجرد ظاهرة طارئة، بل باتت مؤشرًا على تحوّل إستراتيجي في مركز الثقل العلمي العالمي. وبحسب تحليل Nature وتصريحات باحثين في 'Springer Nature' ومراكز بحث أخرى فإن استمرار هذا الاتجاه دون معالجة سيؤدي إلى تآكل التفوّق الأمريكي في القطاعات الحيوية. وإذا لم تبادر واشنطن إلى مراجعة سياساتها التمويلية والهجرية والعلمية فإنها تخاطر بخسارة موقعها القيادي، في لحظة مفصلية من التنافس العالمي على امتلاك مفاتيح المستقبل التكنولوجي والمعرفي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الصحراء
منذ 3 أيام
- الصحراء
النيجر تحقق في بيع قطعة نيزك فضائي عثر عليها في أغاديز
أعلنت النيجر فتح تحقيق بشأن بيع قطعة نيزك فضائي تم العثور عليها في منطقة أغاديز، في مزاد علني بالولايات المتحدة، بسعر يقارب 5 ملايين دولار. وذكر مجلس الوزراء في النيجر أن قطعة النيزك تعد أكبر صخرة من المريخ تم العثور عليها على الأرض. ووجه المجلس تعليمات لوزراء المعادن، والتعليم العالي، والأمن العام، والعدل، "لإجراء تحقيقات وإلقاء الضوء على هذه القضية التي يُحتمل أن تحمل جميع سمات الاتجار الدولي غير المشروع". قطعة النيزك التي عُثر عليها بمنطقة أغاديز النائية في النيجر، تعتبر "عينة هائلة الحجم" تفوق ثاني أكبر قطعة من المريخ عُثر عليها على الأرض بنحو 70 بالمائة"، وفقًا لدار سوزبيز المختصة. وجاء في بيان صادر عن قسم العلوم والتاريخ الطبيعي لدى دار سوزبيز: "يتمتع اكتشاف NWA 16788 بأهمية استثنائية، فهو أكبر نيزك مريخي عُثر عليه على الأرض، وأكثرها قيمة من نوعه يتم عرضه في مزاد علني على الإطلاق". ويُعد هذا النيزك نادرًا جدًا، إذ لم يُعثر على أكثر من حوالي 400 نيزك مريخي على سطح الأرض حتى الآن.

منذ 6 أيام
اليونسكو تدق ناقوس الخطر: التعليم والثقافة والعلوم ثلاثي التنمية المهمل !
للتربية والعلم والثقافة"اليونسكو" بأنّ التنمية الحقيقية لا تتجسد في المصانع والطرقات والسدود، بل في العقول المستنيرة والثقافات المزدهرة والعلوم المتقدمة. لكن للأسف كشفت الأرقام الأخيرة أنّ المساعدات الدولية المخصصة للتعليم والثقافة والعلوم في تراجع. ودعت منظمة اليونسكو المانحين إلى تجديد التزامهم إزاء هذه القطاعات الرئيسية من أجل تحقيق التنمية. رحبّت منظمة "اليونسكو" بالبيان المشترك للمؤتمر الدولي لتمويل التنمية الذي عُقد، مؤخرا، في إشبيلية. ذلك أنّ هذا البيان أقر بأهمية تمويل التعليم والاعتراف بالثقافة كمحرّك للتنمية وتعزيز التعاون العلمي في مواجهة التحديات العالمية. الثقافة: رافعة التنمية المنسية رغم أن القطاع الثقافي والإبداعي ساهم سنة 2022 بنسبة 3.1% من الناتج المحلي العالمي ووفّر 50 مليون وظيفة، إلا أن تمويله ما زال غير منتظم، وغالبا ما يُنظر إليه كرفاهية لا أولوية. وقد برهنت اليونسكو خلال السنوات المنصرمة أنَّ الاستثمار في الثقافة، بدءاً من ترميم التراث الثقافي وصولاً إلى دعم الصناعات الإبداعية، ضاعف فوائد المساعدات الإنمائية، إذ شَهِدَت الموصل بالعراق وفّرت مشاريع ترميم التراث أكثر من 5000 وظيفة. وفي اليمن، شارك أكثر من 8000 شاب وشابة في إعادة تأهيل التراث الثقافي المحلي. وفي الكاريبي، استفاد أكثر من 2500 مبدع من برامج تدريبية لصقل الصناعات الإبداعية. ودعت اليونسكو من جديد إلى دمج الثقافة في سياسات تمويل التنمية، لا كمظهر خارجي بل كدعامة أساسية للتماسك الاجتماعي والنمو الاقتصادي، وذلك في إطار التحضير للمؤتمر العالمي للسياسات الثقافية لعام 2025 في برشلونة. التعليم: خسائر تفوق التصوّر في تقرير حديث، دقّت اليونسكو ناقوس الخطر باعتبار أنّ المعونة الدولية للتعليم قد تتراجع بأكثر من 25% بين 2023 و2027، مع انخفاض فعلي بنسبة 12% سنة 2024 وحدها. وتمثل هذه المعونة في البلدان المنخفضة الدخل نسبة 17% من الإنفاق العام على التعليم، وتصل في بعض الحالات إلى نصف الميزانية الوطنية للتعليم. وتشير الأرقام الجديدة لليونسكو إلى أنَّ الاتجاه نحو الانسحاب من المعونة يأخذ منحى متزايداً في الوقت الذي لا يزال فيه 272 مليون طفل وشاب مستبعدين من النظام المدرسي، حيث يعيش نصفهم في إفريقيا. وأكدت اليونسكو أنّ كل دولار يُستثمر في التعليم يمكن أن يعود بـ15 إلى 20 دولارا من الناتج المحلي الإجمالي، بينما التخلف عن الدراسة قد يكلف العالم 10 آلاف مليار دولار سنويا حتى عام . 2030 العلوم: طوق النجاة المُهمل من التغير المناخي إلى الكوارث الطبيعية، مرورا بصحة المحيطات والأوبئة يبقى العلم هو خط الدفاع الأول.لكن المفارقة أن 80% من الدول تخصص أقل من 1% من ناتجها المحلي للبحث العلمي. أما علوم المحيطات، فتكاد تكون منسية، إذ لا تحصل سوى على 1.7% من الميزانيات الوطنية للبحوث رغم التحذيرات الدولية المتكررة. وأشارت اليونسكو إلى أنّ الموارد المالية وحدها لا تكفي، إذ لا يقل التعاون أهمية عنها. يمكن لتشاطر البُنى الأساسية والبيانات والمعارف العلمية، بما في ذلك معارف الشعوب الأصلية، تعزيز تأثير البحوث، لاسيّما في البلدان ذات الدخل المنخفض. وهذا هو جوهر توصية اليونسكو بشأن العلم المفتوح، التي اعتمدتها الدول الأعضاء في عام 2021. وجدّدت اليونسكو، في مدينة سبيليه، دعوتها إلى تعزيز التعاون العلمي الدولي لخدمةِ المنفعة العامة.


تونس تليغراف
منذ 6 أيام
- تونس تليغراف
Tunisie Telegraph «رواد فضاء» على الورق؟ الحقيقة الكاملة حول "شركة الفضاء" التي أعلنت إختيار شابة تونسية ضمن طاقم مهمتها إلى القمر
في الأيام الأخيرة، عجّت منصات التواصل الاجتماعي التونسية بخبر اختيار الشابة سلسبيل حويّج، طالبة تونسية مقيمة في إيطاليا، ضمن طاقم مهمّات شركة «Titans Space Industries» الأميركية، كـ«رائدة فضاء تونسية ستنطلق في مهمة قمرية عام 2029». الخبر نشرته عمادة المهندسين في تونس وصفحات إعلامية محلية، ورافقته تدوينات مليئة بالفخر، وصور شابة مبتسمة تحمل لقب «Tanit»، تم تقديمها كأول مهندسة فضاء تونسية ستنضم إلى مهمة مأهولة إلى القمر. لكن، وسط موجة التهاني، برزت تساؤلات جادة وتحذيرات من التضليل، على رأسها تدوينة للنائب التونسي مجدي الكرباعي الذي كشف عن جملة من المغالطات وأكد أنّ 'سلسبيل لا تزال طالبة ماجستير في هندسة الفضاء بجامعة Federico II الإيطالية، ولم تتحصل بعد على شهادة هندسة'. ▪ ما هي Titans Space Industries؟ تصف الشركة نفسها بأنها 'رائدة في تطوير البنية التحتية الفضائية بين الأرض والقمر (cis-lunar)'، وقد أعلنت يوم 25 جوان 2025 عن إطلاق برنامج لتدريب أول دفعة من 'مرشحي رواد الفضاء' (ASCANs)، تمهيدًا لمهام قمرية ومدارية في عام 2029. من أبرز ما جاء في البلاغ الرسمي: إطلاق أول مركبة فضائية مأهولة 'Titans Genesis' سنة 2029. تدريب مرشحين من خلفيات متعددة عبر برنامج مدته 4 سنوات. إتاحة فرصة 'عضوية' ضمن فريق الفضاء مقابل تمويل يتراوح بين 25 و35 مليون دولار. واللافت أن الشركة تُسند لقب 'رائد فضاء' حتى لأشخاص لا يملكون شهادات علمية متقدمة أو خبرات فضائية، وتقبل ضمن طاقمها مؤثرين، فنّانين، وأفرادًا من مجالات متنوعة — ما يطرح تساؤلات عميقة حول الطابع العلمي والتقني الحقيقي للمشروع. ماذا يقول الخبراء؟ في منتدى Reddit المتخصص في علوم الفضاء، وصف مهندسون وعاملون في القطاع الفضائي الشركة بأنها 'تسويقية الطابع' وأن 'ادعاءها تنفيذ رحلات فضائية مأهولة عام 2029 من دون بنية تحتية أو شراكات مع وكالات فضاء معروفة (مثل NASA أو ESA) أمر مشكوك فيه'. وقال أحدهم:'لم نرَ أي أدلة على وجود نماذج حقيقية لمركبة، أو اختبارات إطلاق، أو تراخيص وكالة فضاء… بل فقط خطط على الورق، وأسماء وألقاب، وصور مصمّمة بعناية'. ▪ من هم 'رواد الفضاء' الجدد؟ تضم القائمة 40 اسمًا من مختلف الدول، من بينهم: سلسبيل حويج (Tanit): طالبة ماجستير في هندسة الفضاء، لم تتحصل بعد على شهادة مهندس. (Tanit): طالبة ماجستير في هندسة الفضاء، لم تتحصل بعد على شهادة مهندس. مواطنون عاديون : من مهندسين غير مختصين، إلى معلّمين، ومدربي يوغا، وخبراء في الذكاء الاصطناعي. : من مهندسين غير مختصين، إلى معلّمين، ومدربي يوغا، وخبراء في الذكاء الاصطناعي. عضوية مدفوعة: يوجد برنامج 'Titans Astronaut Corps' الذي يسمح لأي شخص بالانضمام إلى الطاقم الفضائي مقابل 25 مليون دولار. ▪ هل هي مغالطة؟ بحسب التحقق من الموقع الرسمي للشركة وروابط المشاركين، فإن ما تم تقديمه للجمهور التونسي والإعلام على أنه 'اختيار رسمي ضمن بعثة فضائية إلى القمر'، هو في الحقيقة: اختيار رمزي أولي ضمن قائمة «مرشحين» سيخضعون لتدريب طويل. ضمن قائمة «مرشحين» سيخضعون لتدريب طويل. لا توجد ضمانة علمية أو فنية على تنفيذ الرحلة. على تنفيذ الرحلة. لا يوجد اعتراف من أي وكالة فضاء رسمية (NASA، ESA، CNES…) بهذه البعثة أو هذه الشركة. وبالتالي، فإن الحديث عن 'رائدة فضاء تونسية' أو 'مهندسة تونسية ستنطلق نحو القمر'، في الوقت الحالي، هو سبق إعلامي مبالغ فيه يفتقر إلى الدقة العلمية والمهنية. ▪ بين الحلم والتضليل هذا لا يقلّل من جهد الطالبة سلسبيل حويّج التي طمحت منذ صغرها للعمل في مجال الفضاء، ونجحت في بناء شبكة علاقات ومكانة على المنصات العلمية والتواصلية. لكنها، وفق المعطيات الرسمية، لم تتخرج بعد كمهندسة، ولم يتم اختيارها من طرف NASA أو ESA، بل من شركة خاصة حديثة العهد، مشكوك في مدى جديتها التقنية. المقلق في هذه القصة ليس الحلم الفردي، بل الطريقة التي تعامل بها الإعلام وبعض المنظمات مع الخبر دون أي تدقيق أو تحقق. فنقل الخبر بصيغته الحالية يُساهم في نشر الوهم والخلط بين المشاريع العلمية الجادة والأنشطة التسويقية أو الافتراضية. كما تساءل النائب الكرباعي في تدوينته:'بصراحة، لا أفهم ما الذي يُدرَّس في معاهد الصحافة؟ الإعلام أصبح يأخذ أخباره بطريقة عشوائية، شيء مقرف'.