
إسرائيل وأعباء الجرعات الزائدة!
نقرُّ ونعترف، ومن خلال الصراع طويل الأمد مع إسرائيل، بأنَّها دولةٌ قوية، فهي الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك سلاحاً نووياً، وهي المتفوّقة في مجال السّلاح التقليدي، وقوامه الطيران الذي يستطيع التحليقَ لساعاتٍ في الأجواء، وأن يقصفَ أي مكانٍ تقرّره غرفة العمليات في تل أبيب، وهي المتفوّقة في تحالفها الشامل مع أقوى دولةٍ في العالم، وفي علاقاتها الراسخة مع دول الغرب والشرق من أوروبا إلى روسيا إلى الصين.
ولقد أثبتت قوتَها وتفوقها من خلال قدرتها على تغيير المفاهيم السائدة عنها؛ مثل أنَّها لا تستطيع خوض حربٍ طويلة الأمد، ولا تتحمل خساراتٍ بشريةً فيها، كما لا تقوى على المحاربة على جبهاتٍ متعددةٍ في وقتٍ واحد، فإذا بها تفعل ذلك كله، وفوقه يجري البحث عن جبهاتٍ جديدة، ليس آخرها جبهة السويداء في سوريا، التي هي أحد عناوين ما تسميه جبهة حماية الأقليات في منطقةٍ تكتظّ بها من كل الصنوف والتسميات.
وعلينا ونحن نقرّ ونعترف بكل ذلك، أن نلقيَ نظرةً على جبهات خصوم إسرائيل ومحاربيها، لنرى ازدواجيةً تبدو غير منطقية في تقويم القوة الإسرائيلية، فهي في بعض الأدبيات أوهَى من خيوط العنكبوت، وهي المهزومة حتماً وفق مبدأ انتصار الدّم على السّيف، وأشياء كثيرةً من هذا القبيل، أقل ما يقال فيها أنَّها غير واقعية في تقويم الخصم، وما ينتجُ من خسائر فادحةٍ على الأرض.
غير أنَّ للحقيقة وجهاً آخر يتَّصل بمبدأ القوة المتفوقة، وخساراتها المحققة، بفعل وقوع صنّاع القرار في حالة غرور تعمي البصيرة، وتضلّل الحسابات وتحوّل فائض القوة والتفوق إلى عبءٍ أكثر منه ميزة يُعتد بها ويُبنى عليها، وهذا ما وصفته في مطلع هذه المقالة بالجرعات الزائدة.
فلسطينياً... امتلكت إسرائيل قوةً عسكريةً متفوقة، دمّرت غزة واستوطنتِ الضفة وأدامتِ الاحتلال عقوداً طويلة، قتلت خلالها مئات الألوف واعتقلت أضعافهم، وأعاقت النمو الطبيعي لشعبٍ ومجتمع.
والسؤال: أين هي الجرعة الإسرائيلية الزائدة في كل ذلك؟
إنَّها وفق أدبيات قادتها هي السعي لتصفيةٍ نهائيةٍ لشعبٍ يعد ستةَ عشرَ مليوناً، نصفهم على جغرافيا فلسطين المحتلة والتاريخية، والنصف الآخر ينتشر على سطح الكوكب، ويتحد كل واحدٍ منهم على صفة لاجئ، حتى لو كان رئيسَ دولةٍ في بلادٍ ما.
وفي ثنايا هذه الجرعة الكبيرة، توجد جرعاتٌ لا قبل للتفوق الإسرائيلي على ابتلاعها، منها مليونا فلسطيني يحملون الجنسية الإسرائيلية، ولم تجدِ الدولةُ المتفوقةُ وسيلةً فعّالة لترتيب علاقةٍ مستقرةٍ معهم، ومنها القدس التي ضمّتها إسرائيل بقرار في أوائل يونيو (حزيران) من عام 67، وسمّتها العاصمة الموحدة للدولة، وأي عاصمة نصف سكانها لا يعترفون بوضعها، ويتحدون مع شعبهم في اعتبار الجزء الشرقي منها عاصمةً لدولتهم الفلسطينية؟ ومنها كذلك التهجير من غزة والضفة، وهو ليس مجرد جرعة زائدة؛ بل هو التحدي الأكبر والدائم الذي أنتجته الملايين التي قررت البقاء على أرضها، حتى لو اضطرت لمكابدة جرائم المستوطنين والجيش واحتوائها وليس الإذعان لها.
الجرعة الفلسطينية الزائدة العصيَّة على الابتلاع فكيف الهضم، تضاف إليها جرعات أكبر بكثير وما هو راهنٌ منها الآن... الجرعة السورية، التي عنوانها حماية الأقليات بتدمير الكيان السوري عبر تقسيمه وتمزيقه، وتشتيت دولته تحت عنوانٍ غير منطقي هو حماية الأقليات؛ والدروز من ضمنها، ذلك دون الانتباه إلى أنَّ الدروز في إسرائيل يعانون كغيرهم من قانون القومية الذي يعدّهم مجردَ سكّانِ أمر واقع ليس أكثر، وكان الدروز هم الأنشطَ ممن اعترضوا عليه وقاوموه.
غير أنَّ الجرعةَ الأكبر بعد الفلسطينية والسورية هي السيطرة على الشرق الأوسط، ورسم خرائط إسرائيلية لكياناته ومجتمعاته ومصائره، وها نحن نرى بأمّ العين، وعبر معطيات الواقع، أين وصلت أحلام السيطرة على الشرق الأوسط.
فإذا كانت غزة التي بمساحةِ مدينة متوسطة استهلكت عامين من حربٍ كبرى دون حسم، فكم من الوقت تحتاجه إسرائيلُ للسيطرة على الشرق الأوسط؟
إسرائيلُ تستند إلى احتياطي أميركي لا غنى عنه في نزاعاتها الداخلية، ولا غنى عن سلاحه في حروبها جميعاً، ولا غنى عن نجدته حين تتورَّط في معركة صغيرة أو كبيرة، وحتى أميركا الكبيرة والقوية والداعمة، لم تعُد قادرةً على التعايش مع جرعات إسرائيل الزائدة، وإذا ما حكّمنا المنطق في تقويم ما يجري، فأميركا لا بدَّ أن ترى يوماً ما في الجرعات الزائدة ورطةً لها، وعبئاً عليها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
منذ 8 دقائق
- الشرق السعودية
ترمب عن زيارة ويتكوف إلى غزة: نريد توفير الطعام للناس
قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه تحدَّث مع مبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذي زار في وقت سابق الجمعة، موقعاً لتوزيع المساعدات تديره مؤسسة "غزة الإنسانية" (GHF) التي تدعمها الولايات المتحدة في قطاع غزة، حسبما ذكرت شبكة CNN الإخبارية. وأضاف ترمب، للصحافيين في البيت الأبيض: "تحدثت مع ستيف ويتكوف، وعقد اجتماعاً رائعاً مع العديد من الأشخاص، وكان الاجتماع الرئيسي حول الغذاء، وأجرى أيضاً محادثات أخرى سأخبركم عنها لاحقاً، لكنه عقد اجتماعاً حول توفير الطعام للناس، وهذا ما نريده". وفي وقت سابق الجمعة، قال ويتكوف، إنه أمضى أكثر من 5 ساعات داخل غزة، للوقوف على الحقائق على الأرض، وتقييم الظروف، والاجتماع مع "مؤسسة غزة الإنسانية" ووكالات أخرى. وأوضح ويتكوف، في منشور على منصة "إكس"، أن الهدف من الزيارة هو "تقديم فهم واضح للرئيس الأميركي دونالد ترمب حول الوضع الإنساني، والمساعدة في إعداد خطة لإيصال الغذاء والمساعدات الطبية إلى سكان غزة". وأشار إلى أنه التقى، الخميس، برفقة السفير الأميركي لدى إسرائيل مايك هاكابي بمسؤولين إسرائيليين لمناقشة الوضع الإنساني في قطاع غزة، لافتاً إلى أن ذلك جاء بتوجيه من ترمب. وكان ترمب قال في مقابلة هاتفية قصيرة مع "أكسيوس"، إنه يعمل على خطة لـ"إطعام الناس في غزة"، دون تقديم مزيد من التفاصيل. وأضاف: "نحن نريد أن نساعد الناس. نريد أن نساعدهم على العيش، نريد إطعامهم. إنه شيء كان يجب أن يحدث منذ زمن طويل". وشهدت عمليات مؤسسة "غزة الإنسانية" أعمال عنف وفوضى تضمنت إطلاق النار على فلسطينيين، وقتلت إسرائيل أكثر من 1383 فلسطينياً، من منتظري المساعدات، بالقرب من مواقع توزيع الأغذية التي تحرسها القوات الإسرائيلية. ورفضت الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى العمل مع المؤسسة إذ شككت في حيادها وانتقدت نظام التوزيع الجديد لديها قائلة إنه يضفي طابعاً عسكرياً على تقديم المساعدات ويجبر الفلسطينيين على النزوح.


الشرق الأوسط
منذ 38 دقائق
- الشرق الأوسط
هل إسرائيل شرطي المنطقة الجديد؟
قبلَ سبع سنواتٍ كتبتُ عن «صعود إسرائيلَ إقليمياً». اليومَ حضورُها أكبر فهيَ وراء التغيرات الجيوسياسيةِ الهائلة، إثرَ هجماتِ السَّابع من أكتوبر. بعدَ هذا كلّه، كيفَ تنظرُ إسرائيلُ إلى نفسها؟ من المستبعدِ أن تكتفيَ بدورها القديمِ وستبحث عن أدوارٍ سياسية تعكس قدراتَها العسكرية. كانت لتلِّ أبيبَ سياسةٌ على مدى نصف قرن ركيزتها حماية وجودِها وحدودها القديمة والمحتلة، شملت مواجهةَ إيران وملاعبةَ القوى المضادة مثل نظامي صدام والأسد. اليوم تدشّن مرحلة ما بعدَ تدمير القوى المحيطةِ بها. وللمرة الأولى في تاريخِها الحديث، لم تعد هناك قوةٌ تعلن تهديدها لإسرائيل وقادرة على فعل ذلك. حتى إيران لا تستطيع ذلك بعد التَّدمير الذي لحقَ بقدراتها الهجومية، وقد تتغيَّر هذه المعادلة مستقبلاً إن تمكَّنت ايران من إعادة بناء قوتها الداخلية والخارجية، لكنَّ الأمر يبدو مستبعداً أو بعيداً. بتبدّل الأوضاع تتبدَّل الاستراتيجية الإسرائيلية، تريد أن تكونَ لاعباً هجوميّاً في المنطقة وليس مجردَ حارسٍ للحدود. والمنطقة الآنَ في حال متبعثرة، وبلا تحالفاتٍ واضحة، كأنَّها تنتظر أن تحسمَ الأمور المضطربة، ومن بينها محور طهران الذي تقلَّص كثيراً. هناك احتمالان لما ستكون عليه إسرائيل. الأول: أن تعتبرَ نفسَها قوة لحفظ الواقع الجديد، و«استقراره»، والانخراط سلمياً مع الجوار باستكمال علاقاتِها مع بقية العرب. وهذا سيعني نهايةَ حقبةِ الحرب والمقاطعة. مع نهاية الأنظمة المعادية لها أو إضعافِها، ستعزّز إسرائيل مصالَحها بترسيخ الوضعِ الجيوسياسي وتنظيفِ محيطها وإقصاء ما تبقَّى من حركاتٍ معادية لها. الاحتمال الثاني: أنَّ إسرائيل بقوتها المتفوقةِ تريد أن تعيد تشكيلَ المنطقة وَفق منظورها السياسيِّ ومصالِحها وهذا قد يعني المزيدَ من المواجهات. فالدول الإقليمية لديها هواجسُ قديمة في هذا الشأن. فقد كانت هناك أنظمةٌ توسعية مثل صدام العراق وإيران اعتبرت إسرائيل عقبةً أمام طموحاتها الإقليمية وتبنَّت مواجهتها، وإن كانتِ العناوين دائماً تتدثّر بالقضية الفلسطينية. هجماتُ حركة حماس أخرجت إسرائيلَ من القمقم ووضعتها طرفاً في المعادلة الإقليمية أكثرَ من ذي قبل. فهل إسرائيل تبحث عن التعايش إقليمياً أم تطمح لتنصب نفسها شرطياً للمنطقة؟ كل شيء يوحي بأنَّ إسرائيلَ تريد أن تكون طرفاً في النَّشاط السياسيّ الإقليميَ ومعاركِ المنطقة، قد تكونُ المقاولَ العسكري أو لاعباً إقليمياً أو حتى زعيمةَ حلف. فهي سريعاً منعتِ التَّدخلَ العراقي في سوريا والتَّمدد التُّركيَّ كذلك. شهية حكومةِ نتنياهو للقتال المستمرة أحيت مخاوفَ مشروع إسرائيل الكبرى، والتخطيط للتوسع في المنطقة. الحقيقة أنَّ معظمَ هذه الطروحات تسوّقُ لها الأطرافُ المنخرطة في الصّراع مثل إيران وسوريا والإخوان واليسار. إسرائيل ربَّما تبحث عن دور مهيمن، لكنَّ التَّوسعَ الجغرافي مستبعد. فهيَ على مدى خمسين عاماً انكفأت على نفسها وسخرت إمكانياتها المادية والعسكرية والقانونية لابتلاع الأراضي التي احتلتها في حرب 1967. ولا تزال تصارعُ للحفاظ عليها وإفشال العديد من المحاولات لتخليصها بإقامة دولة فلسطينية أو إعادتها تحت الإدارتين الأردنية والمصرية. الدولة الإسرائيلية صغيرة وستبقَى كذلك نتيجة طبيعة نظامِها المتمسّك بالحفاظ على يهوديتها. حالياً عشرون في المائة من مواطنيها فلسطينيون، ولو ضمَّت الأراضيَ المحتلة للدولة ستصبح نسبتُهم نصفَ السُّكان تماماً. هذا يجعل التحديَ استيعابَ الضفة وغزة وليس التوسع. الخشية أن يسعى المتطرفون الإسرائيليون إلى الاستفادة من حالة الفوضى لهذا الغرض، كما حدث بعد أكتوبر، إذ استُغلَّت هجمات «حماس» للتخلّص من جزءٍ من سكان الضفة وغزة. هذا احتمالٌ وارد وله تداعياتُه الخطيرة. إنَّما توجد مبالغة فيما يروّج له المؤدلجون محذرين ممَّا يسمى إسرائيل الكبرى، مستشهدين بصور ومقالاتٍ تدعو للتوسع لما وراء نهر الأردن. قد تكون ضمنَ الطروحات التلمودية والسياسية التي تشبه الحديث عن «الأندلس» عندَ الذين يحنُّون للتاريخ العربيّ والإسلاميَ القديم. ديموغرافياً إسرائيلُ محكومةٌ بمفهومها للدولة اليهودية وتخشى من أن تذوبَ إثنياً بخلاف معظم دول المنطقة التي تشكَّلت واستوعبت أعراقاً وإثنياتٍ متنوعة. إسرائيل تسعى للهيمنة لكنَّها تخاف من الاندماجات الديموغرافية الحتمية نتيجة الاحتلالات. سياسياً، تبقَى استراتيجية الدولة اليهودية المقبلة، عقب انتصاراتها الأخيرة، غامضةً وربَّما لا تزال تحت التَّشكّل. ومهما تريد لنفسها، سواء أكانت تريد دولة مسالمة منفتحة على جيرانها العرب أم شرطياً للمنطقة منخرطاً في معاركَ دائمة، فإنَّ للمنطقة ديناميكيتها التي تحركها عواملُ مختلفة ومتنافسة ولا تستطيع قوةٌ واحدةٌ الهيمنةَ عليها.


الشرق الأوسط
منذ 38 دقائق
- الشرق الأوسط
خلاصة آراء
جمعنا لقاء قديم في دارة مراسل غربي معروف بمناسبة مغادرته لبنان بعد عمله نحو ربع قرن. وقرر المراسل العريق أن يحمل معه خلاصة الآراء التي يعتقد الحضور أنها ضرورية من أجل حل ما يُعرف بالأزمة اللبنانية. تولّت سكرتيرة المراسل المغادر، تدوين المقترحات، وزوّدت كل واحد منا بنسخة عنها. ها أنا أسمح لنفسي بأن أشارك حضراتكم القناعات التي أعرب عنها الزملاء، مع التذكير بأن بعض العبارات غير اللائقة سحبت منها، خوفاً من إساءة التفسير، أو اللفظ. أولاً، حل القضية الفلسطينية، وثانياً، وبالتوازي، حل قضية الشرق الأوسط. مع التأكيد على الفارق الجغرافي بين الشرق الأوسط العادي، وأحباء مصطلح «الشرق الأدنى»، الذي أعيد إلى التداول تفادياً لغموض الصيغة الأولى. * حل مشكلة الأنبار في العراق. * ترسيم الحدود اللبنانية السورية، وضم مزارع شبعا إلى السيادة اللبنانية، وزرعها بأشجار البرتقال وعرائش العناب من أجل تأكيد لبنانيتها، وعصير البرتقال. * الاتصال بالرئيس بشار الأسد، المعروف «بالرئيس بشار» لأخذ رأيه في المفهوم الروسي لناطحات السحاب، والضباب في موسكو. * وحل مشكلة أوكرانيا بطريقة تسهل معها حل مشكلة «الناتو». * حل المسألة الشرقية. * موسم القمح في أوكرانيا، واهتراء المحاصيل في المخازن. * حل مشكلة المجاعة في فنزويلا، والمخدرات في بوليفيا، وثقب الأوزون الأسود. * إقامة مصالحة عربية شاملة. * تأجيل المصالحة إلى حين حل المشكلة المعروفة بقضية الشرق الأوسط، قبل أن تثبت في أذهان الناس على أنها أصبحت قضية الشرق الأدنى. * إبلاغ مجلس الأمن بسائر القرارات. التحفظ على البند الأخير بسبب الفيتو بموجب الفقرة 17 من المادة 22 معطوفة على بنود الحل الأول الواردة تحت صفة المعجل والمكرر، فيما هو الممل والمضجر. وبناءً عليه!