
إيكونوميست: حمائية ترامب تخنق الاقتصاد الأميركي والتاريخ يعيد نفسه
في وقت تُروَّج فيه السياسات الحمائية باعتبارها حلا سحريا لإنعاش الصناعة الأميركية، يُظهر تحليل نشرته مجلة إيكونوميست أن هذه السياسات قد تكون الوصفة الأقرب لخنق النمو ودفع الاقتصاد نحو الركود.
وترى الإيكونوميست أن الرسوم الجمركية التي يتبنّاها الرئيس دونالد ترامب ، بحجّة حماية العمال والشركات، ليست سوى استنساخ لعقائد اقتصادية ثبت فشلها مرارا عبر التاريخ.
ويشير التقرير إلى أن التاريخ الاقتصادي يبرهن أن الحمائية تُضعف الابتكار وتخنق النمو الصناعي. فرغم حجج المدافعين عن الرسوم، التي تستشهد بتحوّل الولايات المتحدة من مستعمرة فقيرة إلى قوة صناعية خلف جدران جمركية عالية، فإن هذا النمو لم يكن نتيجة للحمائية بل بفضل سرقة التكنولوجيا البريطانية آنذاك، وجذب المهارات الأوروبية، كما حدث مع صمويل سلاتر وفرانسيس كابوت لَويل اللذين أدخلا تقنيات النسيج البريطانية إلى أميركا.
الماضي يُعيد نفسه.. من اليابان إلى الصين
في ثمانينيات القرن الماضي، واجهت الصناعات الأميركية صدمة مماثلة مع تفوق اليابان في مجالات السيارات والرقائق الإلكترونية، حين تجاوز إنتاج السيارات اليابانية نظيرتها الأميركية بنسبة إنتاجية بلغت 17%، كما هبطت حصة أميركا في صناعة أشباه الموصلات من 57% إلى 40% بين عامي 1977 و1989، بينما ارتفعت حصة اليابان إلى 50%.
لكن هذا التفوق لم يكن نتيجة ممارسات تجارية غير عادلة، بل بسبب كفاءة الإنتاج والابتكار.
أمام هذا التحدي، اختارت أميركا تعزيز التكامل مع الاقتصاد العالمي، حيث اعتمد وادي السيليكون على الابتكار والتصميم والبرمجيات، بينما تم نقل عمليات التصنيع إلى شرق آسيا، خصوصا الصين، مما خفّض التكاليف وقلّص الفجوة التنافسية مع اليابان.
الحمائية تعزز الاحتكار وتُضعف المنافسة
ويحذّر التقرير من أن تراجع التنافسية داخل الاقتصاد الأميركي، الذي بدأ قبل عهد ترامب، أدى إلى زيادة التركّز الصناعي، إذ أصبحت 3 أرباع القطاعات أكثر احتكارا مما كانت عليه في تسعينيات القرن الماضي. وامتدت هذه الظاهرة إلى قطاع التكنولوجيا، إذ تراجعت قدرة الشركات الناشئة على منافسة الكيانات الكبرى.
ورافق هذا التراجع تصاعد في الإنفاق على جماعات الضغط بنسبة تقارب 66% منذ أواخر التسعينيات، مما أسهم في إضعاف تنفيذ قوانين مكافحة الاحتكار، وزيادة الميل نحو المحاباة السياسية في توزيع الإعفاءات الجمركية.
العالم مترابط.. والاستقلال التكنولوجي وهم
ويؤكد التقرير أن السعي نحو الاكتفاء الذاتي التكنولوجي أمر غير واقعي. فبينما تهيمن أميركا على برمجيات تصميم الرقائق، تُنتج اليابان 56% من رقائق السيليكون، وتحتكر تايوان 95% من الرقائق المتقدمة، وتُسيطر الصين على أكثر من 90% من المعادن والعناصر النادرة. ولهذا فإن الأمن الاقتصادي الأميركي يعتمد على توطيد التحالفات، لا تقويضها.
كما أن الرسوم الجمركية لا تحمي العمال الأميركيين، بل تُسبب خسائر صافية في الوظائف، كما حدث في فترة ترامب الأولى. إذ إن نحو نصف الواردات الأميركية تُستخدم مباشرة في التصنيع المحلي، ورفع أسعار المواد الخام كالفولاذ الكندي يُضعف القدرة التنافسية للتصدير الأميركي.
ويشير التقرير إلى أن ما يميز الاقتصاد الأميركي هو ديناميكيته وقدرته على تجديد نفسه. ففي حين تهيمن الشركات القديمة على الاقتصادات المتقدمة الأخرى، يبلغ متوسط عمر أكبر 5 شركات أميركية 39 عاما فقط، وجميعها في قطاع التكنولوجيا.
لكن الحفاظ على هذه الديناميكية يتطلب بيئة تنافسية مفتوحة. وعندما تحل المحاباة محل التنافس، فإن الريادة التكنولوجية تتآكل، ويخسر الاقتصاد الأميركي ميزته التاريخية، يختم التقرير.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
رفع العقوبات عن سوريا.. هل يطلق نظامًا إقليميًا جديدًا؟
شكّل إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب المفاجئ في الرياض يوم 13 مايو/ أيار الماضي، عن نيّته رفع العقوبات المفروضة على سوريا، إحدى أكثر اللحظات لفتًا للانتباه خلال زيارته للخليج. وفي اليوم التالي، التقى الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، وصافحه، وذلك على الرغم من أن الأخير كان قد حارب القوات الأميركية في العراق. أوضح ترامب أن قراره جاء استجابة لطلب من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. دعمت قطر هذا التوجّه بشدة، بحكم أنها ساندت "الحكم الجديد" من اليوم الأول، وترى في نفسها شريكًا اقتصاديًا واستثماريًا قويًا له. تسببت هذه الخطوة في صدمة لدى إسرائيل، التي توصف بأنها الحليف الأقرب تقليديًا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والتي تدفع باتجاه تقسيم سوريا إلى "دويلات مذهبية وإثنية متناحرة". بيدَ أن ترامب اختار الانحياز إلى رؤية الدول الثلاث التي تؤمن بأن إعادة إعمار سوريا ضرورة لاستقرار الشرق الأوسط، وأنها ستفتح آفاقًا واسعة للتجارة والاستثمار. حث ترامب الرئيس السوري على الانضمام إلى الاتفاقيات الأبراهامية التي ترسي علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وتطهير سوريا من "الإرهابيين الأجانب"، وترحيل "المقاتلين الفلسطينيين". ولم يتطرق إلى حماية الأقليات أو بناء المؤسسات الديمقراطية السورية. من جانبه، أعلن الشرع قبوله اتفاقية فك الارتباط لعام 1974 التي أقامت منطقة عازلة بين إسرائيل وسوريا، ودعا الشركات الأميركية إلى الاستثمار في النفط والغاز السوريين. مجمل هذا المشهد قد يطلق ديناميات إقليمية جديدة لن تقتصر فحسب على "إعادة تأهيل سوريا كدولة موحدة ومستقرة، ضمن توازنات ترعاها قوى إقليمية وازنة" – كما ذكر محمد سرميني في مقاله "اللحظة التي غيرت ترامب تجاه سوريا" على الجزيرة نت. غير أن ما تجدر الإشارة إليه هو أن هذه الاتجاهات قد لا تأخذ في الغالب مسارًا متبلورًا يسير في اتجاه محدد؛ إذ ربما تأخذ مسارًا حلزونيًا متعرجًا بحكم كثرة الفاعلين، وتداخل العوامل، وتعقيد الدوافع والأهداف والمصالح، وهو ما أطلق عليه التحليل الشبكي في مقابل التحليل النظمي. ما يحسن التأكيد عليه -إذن- هو أننا لسنا على الأقل حتى الآن بصدد نظام إقليمي في المنطقة برزت اتجاهاتُه الأساسية وفاعلوه الرئيسيون، وتبلورت خصائصه وسماته. توجهات ثمانية رئيسية وعلى الرغم من ذلك، يمكن رصد بعض هذه التوجهات استنادًا إلى الحالة السورية التي تظل مفتوحة على احتمالات متعددة. واكتفي في هذا المقال بالرصد دون تقييم المعضلات التي تواجه هذه الديناميات الثماني، والذي أرجو أن أصرف فيه جهدًا آخر. وفقًا لهذه الرؤية، يُنظر إلى التدابير الاقتصادية، وعلى رأسها تخفيف العقوبات والاستثمار والمساعدات وجهود إعادة الإعمار، من قبل مختلف الأطراف الفاعلة (قادة الخليج والإدارة الأميركية) باعتبارها أدوات قادرة على تعزيز الاستقرار في المناطق الخارجة من الصراعات، مثل سوريا، وربما تساهم في التخفيف من حدة الأزمات في غزة واليمن، فضلًا عن خدمة المصالح الإستراتيجية الأوسع للولايات المتحدة ودول الخليج. وفق هذه الرؤية، يُعد التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار ضروريين لتحقيق الاستقرار في سوريا بعد سنوات الحرب الأهلية. وتُشكل العقوبات عائقًا رئيسيًا أمام جهود إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية والتعافي الاقتصادي، إذ إنها تضر بالدرجة الأولى بالمدنيين السوريين. ومن المتوقع أن يمهد رفع العقوبات الطريق أمام تدفق المساعدات والاستثمارات والخبرات الإقليمية والدولية لدعم "الحكومة الجديدة" في جهودها لإعادة بناء البلاد ومنع عدم الاستقرار السياسي. ويُعتبر وجود اقتصاد قوي أمرًا حيويًا لنجاح "الحكومة السورية الجديدة" في تحقيق الاستقرار. وبحسب التقديرات، سيظل الاقتصاد السوري في حالة تدهور مستمر ما لم يتم تخفيف العقوبات، الأمر الذي سيزيد من الاعتماد على روسيا والصين وإيران. كما أن ازدهار سوريا سيساهم في الحد من تدفقات اللاجئين. تتبنى السعودية وقطر بالشراكة مع تركيا بشكل خاص فكرة تخفيف العقوبات، لا سيما تلك المفروضة على البنية التحتية والقطاعات العامة، انطلاقًا من اعتقاد بأن ذلك سيعزز مكانة القيادة الجديدة، ويواجه النفوذ الإيراني، ويحول دون تحول سوريا إلى "دولة فاشلة". ويُنظر إلى تخفيف العقوبات باعتباره خطوة أولى حاسمة نحو تحقيق الاستقرار في القطاعات الأساسية، وتهيئة المناخ للاستثمار الدولي. ويمكن لجهود التعافي المبكرة، المدعومة بتخفيف العقوبات، أن تتيح عودة آمنة للنازحين السوريين، وتساهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي على نطاق أوسع. ترى هذه الدول أن الاستقرار الجيوسياسي يكتسب أهمية بالغة لرفاهية اقتصاداتها، التي قد تتضرر من جراء حالة عدم اليقين الاقتصادي أو التصعيد مع إيران. وهناك تفاؤل بأن تحقيق السلام في الشرق الأوسط من شأنه أن يدعم الأجندات الاقتصادية لدول الخليج الساعية لتنويع اقتصادها وبناء اقتصاد ما بعد النفط. تشير الحالة السورية إلى تقارب محدد في المصالح بين الفواعل الإقليمية فيما يتعلق باستقرار سوريا وإعادة إعمارها، وخاصة في جهودهم للتأثير على السياسة الأميركية بشأن العقوبات، وأدوارهم في الاستثمار بعد الصراع. ومع ذلك، فإن هذا لا يمثل بالضرورة إجماعًا إقليميًا أوسع بشأن مجمل القضايا والأزمات في الإقليم، كما يتضح من ديناميكيات التوازن المحتملة، والتنافسات القائمة. تظل أولوية الدول لمصالحها القُطرية، ولم يحدث حتى الآن حوار جاد بين "الفواعل الرئيسية" في الإقليم حول ملامح نظام إقليمي جديد. ومصالحها في سوريا متعددة الأوجه، ورغم تقاربها حول نقاط محددة، فإنها لا تعكس بالضرورة إجماعًا إقليميًا شاملًا. بل إنها مدفوعة إلى حد كبير بتقارب مصالح محددة بين هذه الدول فيما يتعلق بمستقبل سوريا واستقرارها، لا سيما بعد تغيير الحكومة فيها. لم تعد أولوية ترامب هي ضم مزيد من الدول العربية الكبرى إلى اتفاقيات أبراهام، وقد تراجعت محاولاته لإقناع بقية دول الخليج للانضمام لتلك الاتفاقيات التي أقرت اعترافًا متبادلًا وعلاقات اقتصادية بين بعض الدول العربية الموقعة عليها وإسرائيل. وفي مقابل ذلك، فقد أكدت الدول غير الموقعة بوضوح موقفًا من هذه القضية يتماشى مع الخطة العربية التي تحدد إستراتيجيات إعادة إعمار غزة وتنميتها، وتدعم قيام دولة فلسطينية ذات سيادة على أساس خطوط الرابع من يونيو/ حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتشترط التطبيع مع إسرائيل فقط بعد أن يوقع القادة الإسرائيليون والفلسطينيون اتفاقية سلام تحل جميع قضايا الوضع النهائي، وتنهي الاحتلال العسكري الإسرائيلي، وترسخ السيادة الفلسطينية على غزة والضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية). تأمين اتفاق نووي مع إيران يمثل حاليًا أولوية أكثر أهمية بالنسبة لترامب، وهو كذلك شديد الأهمية للمملكة العربية السعودية ولبقية دول الخليج. فالمملكة، التي عارضت الاتفاق النووي الإيراني في عام 2015، تشجع الولايات المتحدة الآن على المضي قدمًا في المفاوضات لمنع الحرب. وفي حين توصف اتفاقيات التطبيع بأنها لا تزال "حية وبصحة جيدة" على الرغم من العدوان الإسرائيلي"، إلا أن المستقبل القريب للتطبيع واسع النطاق، خاصة مع لاعبين رئيسيين في المنطقة، يبدو أنه يتأثر بالسياق الإقليمي الحالي، بما في ذلك الإبادة الجماعية في غزة وإعطاء الأولوية لقضايا أخرى مثل الاتفاق النووي الإيراني. إن نهج ترامب القائم على المعاملات وتركيزه على الصفقات الاقتصادية خلال الزيارة قد أدى أيضًا إلى تهميش القضية الفلسطينية مقارنة بالجهود الدبلوماسية التي بذلتها الإدارات السابقة. رابعًا: مراعاة المصالح الأميركية تشارك الدول الراعية لسوريا بفاعلية في ضمان الاستقرار والسلام الإقليميين، وهو ما يوصف بأنه ضروري لتحقيق الرخاء الاقتصادي وتحويل المنطقة إلى مركز للفرص -كما اشار ترامب في زيارته الأخيرة للخليج. تسعى هذه الدول لإخراج المقاتلين الأجانب وتطالب بإخراج إيران من سوريا، ولبنان بتقليل نفوذ حزب الله على السياسة اللبنانية، وهو ما يتماشى مع الأهداف الإستراتيجية للولايات المتحدة. وتفضل الحل الدبلوماسي فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني لتجنب الصراع العسكري وحماية بنيتها التحتية الاقتصادية. وهذا يتماشى مع تفضيل إدارة ترامب للتوصل إلى اتفاق تفاوضي. تُعتبر هذه الدول وسيطًا محتملًا في الصراعات الإقليمية وحتى العالمية، حيث استضافت السعودية محادثات بشأن أوكرانيا وعرضت التوسط في المفاوضات النووية الإيرانية الأميركية المستقبلية. وتستضيف قطر المفاوضات بين حماس وإسرائيل، كما تلعب هذه الدول جميعًا دورًا في عدم عودة تنظيم الدولة، وهو ما يتماشى أيضًا مع أهداف مكافحة الإرهاب الأميركية. تصبّ مساعي هذه الدول في المصالح الأميركية من خلال تعزيز الرخاء الاقتصادي، والدعوة إلى جهود الاستقرار الإقليمي وتسهيلها (خاصة في سوريا)، والسعي إلى حلول دبلوماسية مع منافسين مثل إيران، واستضافة أصول عسكرية أميركية حيوية، والانخراط في مناقشات حول إعادة الإعمار بعد الصراع (كما هو الحال في غزة)، وغالبًا ما تتماشى الأولويات الإستراتيجية فيها مع الأهداف الأميركية المتصورة في المنطقة. ويظهر من مواقف الدول مثل السعودية وتركيا وقطر بشأن سوريا، وتفضيل دول الخليج للدبلوماسية مع إيران وشروط التطبيع مع إسرائيل، أن تأثيرها متزايد على السياسة الأميركية نفسها. شهد عام 2024، وما مضى من هذا العام، استخدام إستراتيجيات متنوعة لمواجهة "الجماعات المسلحة غير الحكومية" في الشرق الأوسط. واجهت بعض الجماعات، مثل "محور المقاومة"، إجراءات تهدف إلى إضعاف قدراتها -خاصة العسكرية. في المقابل، كانت هناك حالات دمج حكومي محتمل لبعض الجماعات المسلحة، كما هو الحال في سوريا بعد الأسد، وجهود لدمج جماعات أخرى في هياكل الدولة -كما يجري مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وجهود للمصالحة مع الدولة عن طريق حل جناحها العسكري مع قبول لاندماجها في العملية السياسية كحزب شرعي -كما يجري مع حزب العمال الكردستاني (PKK) في تركيا. "محور المقاومة" الذي يضم جماعات مثل حزب الله والحوثيين وجماعات المقاومة الفلسطينية شهد "انتكاسات كبيرة" في عام 2024 أدت إلى "إضعاف موقفهم العام". أما حماس، فمن المرجح أن تخرج من الصراع الدائر منذ أواخر 2023 حتى الآن "بقدرات عسكرية ضعيفة إلى حد كبير"؛ بسبب "العدوان العسكري الإسرائيلي". كان أحد أهداف الضربات الأميركية تجاه الحوثيين الانتقال من الضربات المستهدفة إلى حملة أوسع وأكثر عدوانية؛ تهدف إلى تعطيل قدراتهم بشكل نشط، بما في ذلك استهداف قيادتهم السياسية إلى جانب الأصول العسكرية، وهذا يشير إلى وجود محاولة لإضعاف الحوثيين إلى ما هو أبعد من مجرد احتوائهم. وافقت الولايات المتحدة على تمويل القوات المسلحة اللبنانية لتعزيز قدرتها على مواجهة التهديدات من حزب الله. ورغم أن تعزيز القوات المسلحة اللبنانية لا يشكل مواجهة مباشرة مع حزب الله، فإنه يمثل وسيلة غير مباشرة لإدارة نفوذ "جهة فاعلة غير حكومية قوية" داخل لبنان من خلال تعزيز قدرة الدولة. في سوريا، يسلط الوضع الضوء على مشهد معقد، حيث لعب "المسلحون الموالون للحكومة" دورًا في إسقاط نظام الأسد، وبات مطلوبًا أن يحلوا أنفسهم ليتم دمجهم في مؤسستي الأمن والدفاع في سوريا الجديدة. علاوة على ذلك، كان الهدف من الاتفاق الذي توسطت فيه الولايات المتحدة في مارس/ آذار 2025 هو دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد في الجيش السوري الجديد. هذه الخطوة، وإن كانت تهدف إلى استقرار سوريا، ومنع إعادة ترسيخ النفوذ الإيراني، فإنها تُشير أيضًا إلى شكل من أشكال التكامل بين الدولة مع جماعة مسلحة، ومع ذلك، ظلت تفاصيل هذا التكامل ومدى الحكم الذاتي الكردي موضع تفاوض. وفي 27 فبراير/ شباط 2025، أعلن عبدالله أوجلان – زعيم حزب العمال الكردستاني (PKK) المسجون – دعوته لحل الحزب. وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذه الدعوة، بأنها "فرصة لاتخاذ خطوة تاريخية نحو هدم جدار الإرهاب". وفي 3 مارس/ آذار، أعلن الحزب عن وقف إطلاق النار استجابة لدعوة زعيمه، وأتبع ذلك في 12 مايو/ أيار الماضي عن حل نفسه. هذه التطورات، التي يمكن أن نضم إليها التعامل مع الجماعات المسلحة الشيعية في العراق، تعكس تطلع الولايات المتحدة وشركائها في الاتحاد الأوروبي والمنطقة نحو شرق أوسط بلا جماعات مسلحة، أو على أقل تقدير يختفي فيه أكثرها. يبدو أن الولايات المتحدة وشركاءها يهدفون على الأرجح إلى شرق أوسط، يتقلص فيه نفوذ بعض "الجماعات المسلحة غير الحكومية" وأفعالها المزعزعة للاستقرار بشكل كبير. الهدف الإستراتيجي من ذلك هو تهيئة الشرق الأوسط ليكون معبرًا وممرًا لخطوط التجارة العالمية، بما يتطلبه ذلك من تطبيع العلاقات السياسية بين دوله المختلفة. إسرائيل متورطة في حرب على "سبع جبهات" -على حد قول قادتها- ولا تريد للمنطقة أن تهدأ أبدًا. يتجلى ذلك في تورط إسرائيل المباشر في الإبادة الجماعية في غزة، واعتداءات المستوطنين في الضفة، وعدوانها العسكري المستمر في سوريا، وموقفها الرافض لإقامة الدولة الفلسطينية، والرغبة في حل عسكري للبرنامج النووي الإيراني، وتداعيات التهجير للفلسطينيين على الاستقرار في مصر والأردن.. باعتبارها عوامل مهمة تؤثر على الديناميكيات الإقليمية المعقدة وغير المستقرة في كثير من الأحيان. تتجلى أهمية الوضع الحالي لمشروع ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) في جوانب متعددة. ويكشف عن عدة جوانب مهمة حول المنطقة والتجارة العالمية. لم يُصوَّر مشروع (IMEC) كطريق تجاري فحسب، بل كوسيلة لتعزيز الاستقرار الإقليمي وتطبيع العلاقات السياسية، لا سيما من خلال ربط الهند بأوروبا وأميركا عبر الخليج العربي والأردن وإسرائيل. ويُعد وضعه الحالي، المتأثر بشكل كبير بالحرب على غزة والصراعات الإقليمية المرتبطة بها، مؤشرًا واضحًا على "حالة عدم الاستقرار العميقة" التي لا تزال تعوق مشاريع التكامل الطموحة هذه. في ظل حقيقة أن بناء البنية التحتية اللازمة، وخاصة بين إسرائيل والأردن، يُعتبر الآن أمرًا "غير محتمل"، هل يمكن لسوريا الجديدة أن تكون إحدى محطات هذا الممر؟ بات واضحًا التأثير الضار للصراعات المنخرطة فيها إسرائيل على التعاون الإقليمي الأوسع. يرتبط مستقبل طرق التجارة المقترحة وممرات الطاقة في الشرق الأوسط ارتباطًا وثيقًا بمستقبل حكومة نتنياهو وتحالفه اليميني المتطرف. يُشكل عدم الاستقرار الذي تُسببه حكومة اليمين المتطرف في الكيان الصهيوني حاليًا تهديدًا كبيرًا لتحقيق هذه المشاريع وأمنها. لذلك، من المرجح أن تتطلب الجهود المبذولة لإنشاء هذه الطرق التجارية والحفاظ عليها معالجة وضع "المتطرفين" على جميع الجبهات. ويمكن للديناميكيات المحيطة بهذه الطرق، بدورها، أن تُشكل المسار المستقبلي للاستقرار الإقليمي -هكذا يتصور البعض. هذا الهدف الإستراتيجي لـ"الرأسمالية الأميركية"، يعني أيضًا بعدين متكاملين: مواجهة ممر الحزام والطريق الذي تدعمه الصين، والتفرغ لمواجهة الصين بالانسحاب من الشرق الأوسط المستقر. دول الخليج الرئيسية (السعودية، الإمارات، قطر) وتركيا تتبنى مقاربات مختلفة للتعامل مع إيران، ولكنّ هناك اتجاهًا مشتركًا نحو تفضيل الحلول الدبلوماسية والتفاوضية على المواجهة العسكرية، وتقليص النفوذ الإيراني في المنطقة -كما يظهر في سوريا ولبنان. تتأثر هذه المقاربات بشكل كبير بالرغبة في حماية المصالح الاقتصادية الحيوية (مثل البنية التحتية النفطية)، والحاجة إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي الذي يُنظر إليه على أنه أساس للرخاء والتنمية. وقد دفعت هذا المصالح إلى التعامل المباشر مع إيران، حتى لو كان ذلك يعني تجاوز الحلفاء التقليديين مثل الولايات المتحدة في إدارة بعض ديناميكيات الأمن الإقليمي. تركز الرواية السائدة في الإقليم على الدولة التي توفر التقدم الاقتصادي والاجتماعي تحت قيادة قوية. من الواضح أن الديمقراطية السياسية غائبة عن مجمل مناقشة التحول في دول المنطقة، وما تبقى هو حديث عن الحريات الشخصية فقط. يقتصر الاهتمام بحقوق الإنسان في المقام الأول على الاعتراف بـ"الأزمة الإنسانية في غزة"، والتي أخشى أن تجعل من القضية الفلسطينية مجرد قضية إنسانية لشعب بلا حقوق. إن مناهج السياسة الخارجية لترامب، هي مناهج "معاملاتية" وتعطي الأولوية للصفقات الاقتصادية والاستقرار، وتتجاهل تمامًا قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان. إن تركيز الجمهور العربي على ضرورة تحسين الظروف المعيشية اليومية لا يعني أنهم غير مهتمين بتحسين الحكم أو أنهم يرفضون الديمقراطية. لا يعتقد العرب -كما أشار الباروميتر العربي في استطلاعاته- أن الديمقراطية سيئة بطبيعتها، وبدلًا من ذلك، فقد تبنوا نهجًا قائمًا على النتائج تجاه الديمقراطية، نهجًا لا يوفر الشرعية وحكم القانون فحسب؛ بل أيضًا الظروف الاجتماعية والاقتصادية المزدهرة. في الختام؛ كيف سيبدو الشرق الأوسط إذا تفاعلت هذه الاتجاهات الثمانية وغيرها مع بعضها البعض؟ وكيف ستبدو ملامحه إذا انبعثت المعضلات داخل كل اتجاه وبين الاتجاهات جميعًا؟ -أسئلة تستحق المتابعة.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
ترامب: هجوم كولورادو مروّع وبايدن يتحمل المسؤولية
وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم الاثنين الهجوم الذي استهدف بزجاجة حارقة مسيرة في كولورادو لدعم الرهائن الإسرائيليين في قطاع غزة، وحمل مسؤوليته لسياسات الهجرة التي انتهجها سلفه جو بايدن. وقال ترامب على شبكته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشيال" إن "الهجوم المروع الذي وقع أمس في بولدر بولاية كولورادو لن يتم التسامح معه في الولايات المتحدة الأميركية". وصف ترامب الهجوم بأنه "مأساة مروعة"، مضيفا أن المشتبه به محمد صبري سليمان دخل البلاد بفضل "سياسة الحدود المفتوحة" التي انتهجها سلفه الديمقراطي جو بايدن. وشدد الرئيس الأميركي على ضرورة تطبيق سياسات الترحيل التي يتبعها، مضيفا أن المشتبه به "يجب أن يرحل وسيتلقى أقصى عقوبة يسمح بها القانون". جريمة كراهية من جهتها، توعدت وزيرة العدل الأميركية بام بوندي بمحاسبة منفذ هجوم كولورادو على أفعاله بأقصى حد يسمح به القانون، مضيفة "وجهنا تهمة ارتكاب جريمة كراهية لمنفذ الهجوم". وقال مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) إن الهجوم أوقع 8 جرحى وقد نقلوا جميعا إلى المستشفيات، في حين قال مسؤولان في الشرطة لشبكة "إن بي سي نيوز" إن بين الجرحى إصابة واحدة خطيرة على الأقل. وأضاف مكتب التحقيقات أن المشتبه به في الهجوم يدعى محمد سليمان وكان يهتف "الحرية لفلسطين"، وهو قيد الاحتجاز، وأشارت مصادر إلى أنه مواطن مصري يقيم بشكل غير قانوني، وقد منحته دائرة خدمات المواطنة والهجرة تصريح عمل انتهى في 28 مارس/آذار 2025. ردود فعل وفي ردود الفعل، قال متحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن المنتظم الأممي "يقف بحزم ضد معاداة السامية وأي تحريض على الكراهية الدينية والعنف". وقال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو"متحدون من أجل ضحايا الهجوم الإرهابي في بولدر ولا مكان للإرهاب في بلادنا". بدوره، قال وزير الخارجية الإسرائيلي غدعون ساعر "صدمت من الهجوم الإرهابي المعادي للسامية الذي استهدف اليهود في ولاية كولورادو". كما صرح زعيم الأقلية الديمقراطية بمجلس النواب الأميركي بأن المجتمع اليهودي في أميركا أصبح "هدفا لهجوم مروع ومعاد للسامية". وأضاف أنه "لا مكان لمعاداة السامية في بلدنا أو في أي مكان في العالم"، مؤكدا تضامنه مع المجتمع اليهودي. بدوره، قال رئيس مجلس النواب الأميركي الجمهوري إن "الهجوم العنيف والمعادي للسامية في ولاية كولورادو مفجع ومقلق للغاية". "لا يتوقف" من جهته، قال سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة إن "الإرهاب ضد اليهود لا يتوقف عند حدود غزة فهو يحرق بالفعل شوارع أميركا". وقالت الجالية اليهودية في كولورادو "نشعر بالأسى لإلقاء عبوة حارقة على المشاركين في مسيرة لرفع الوعي بشأن الرهائن". ويأتي الهجوم بعد أسابيع من اعتقال رجل من مواليد شيكاغو على خلفية إطلاق نار على اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن العاصمة. وقد أطلق النار على مجموعة من الأشخاص عند مغادرتهم فعالية استضافتها اللجنة اليهودية الأميركية، وهي منظمة تدعم إسرائيل.


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
سفير واشنطن بإسرائيل يتهم الإعلام الأميركي بإذكاء معاداة السامية
قال السفير الأميركي لدى الاحتلال الإسرائيلي مايك هاكابي -اليوم الاثنين- إن تقارير بعض وسائل الإعلام الأميركية أسهمت في هجومي واشنطن وكولورادو اللذين استهدفا إسرائيليين في أميركا. وأضاف هاكابي أن "التقارير المتهورة التي تنشرها بعض وسائل الإعلام الأميركية ترسخ مناخ معاداة السامية". وأصيب عدة أشخاص في مدينة بولدر بولاية كولورادو، في وقت متأخر من مساء الأحد، في هجوم بقنابل مولوتوف على مسيرة لإحياء ذكرى الأسرى الإسرائيليين المحتجزين بغزة. وقال مكتب التحقيقات الفدرالي إن الهجوم أوقع 8 جرحى وقد نقلوا جميعا إلى المستشفيات، في حين قال مسؤولان في الشرطة لشبكة "إن بي سي نيوز" إن بين الجرحى إصابة واحدة خطيرة على الأقل. وفي 22 من الشهر الماضي، أطلق شخص يدعى إلياس رودريغيز من مدينة شيكاغو في ولاية إلينوي، النار بالقرب من فعالية بالمتحف اليهودي في واشنطن، مما تسبب في مقتل موظفين بالسفارة. وهتف قبل اعتقاله "الحرية لفلسطين"، وقال "فعلت ذلك لأجل غزة". موقفه من التجويع وبشأن التجويع الذي يمارسه الاحتلال على سكان القطاع المحاصر، قال هاكابي إن جهود ما تسمى "مؤسسة غزة الإنسانية" أسفرت عن توزيع أكثر من 5 ملايين وجبة دون وقوع حوادث. وقال إن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) "هي التي تواصل ترهيب طالبي المساعدات الغذائية". وأدانت حماس أمس تصريحات هاكابي، والتي اقترح فيها إقامة دولة فلسطينية على أراض فرنسية، وأكدت أن "تصريحه الشائن يعكس تبنيا وقحا لسردية الاحتلال الفاشي". وجاءت إدانة حماس بعد انتقادات وجهها هاكابي لفرنسا وصف فيها دعوتها إلى إقامة دولة فلسطينية بأنها "غير مناسبة" مقترحا إقامتها على الأراضي الفرنسية، وذلك خلال تطرقه في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" الأميركية إلى المبادرة الفرنسية لإقامة دولة فلسطينية. ومنذ الثاني من مارس/آذار الماضي، تواصل إسرائيل سياسة تجويع ممنهج لنحو 2.4 مليون فلسطيني بقطاع غزة ، عبر إغلاق المعابر بوجه المساعدات المتكدسة على الحدود، مما أدخل القطاع مرحلة المجاعة وأودى بحياة كثيرين. وبدعم أميركي، ترتكب إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، جرائم إبادة جماعية في غزة، بلغ ضحاياها أكثر من 175 ألف فلسطيني شهداء وجرحى، معظمهم أطفال ونساء، علاوة على أكثر من 11 ألف مفقود.