logo
نتنياهو يكتب على الجدران... هل يعي العرب هذه المرّة؟

نتنياهو يكتب على الجدران... هل يعي العرب هذه المرّة؟

العربي الجديدمنذ 2 أيام
ثمَّة قصّة تروى عن مقابلة صحافية أجراها صحافيٌّ هنديٌّ، أواخر ستينيّات القرن الماضي أو أوائل سبعينيّاته، مع وزير الحرب الإسرائيلي آنذاك، موشيه دايان، كشف فيها الأخير وثيقةً سرّيةً أعدّتها هيئة الأركان العامة الإسرائيلية، تهدف إلى تقويض احتمال قيام وحدة عربية، وإثارة الانقسامات المذهبية والطائفية بين العرب. ودعت تلك الوثيقة إلى تقسيم العراق بين ثلاث دويلات صغيرة: كردية في الشمال، وسنّية في الوسط، وشيعية في الجنوب. وبالمثل، دعت الوثيقة إلى تقسيم سورية بين ثلاثة كيانات: دولة للدروز في الجنوب، وأخرى للعلويين تمتدّ في طول الساحل حتى الحدود اللبنانية، وثالثة للسُّنَّة مركزها دمشق. أمّا لبنان، فاقترحت الوثيقة تقسيمه بين دويلتَين: واحدة للشيعة في جنوب لبنان، وأخرى للموارنة في شماله. وتمضي القصة لتقول إن الصحافيَّ الهندي فوجئ بتصريحات دايان، وسأله على الفور: "كيف تكشف محتوى وثيقة سرّية بهذه الطريقة؟"، فردّ دايان بسرعة قائلاً: "لا تقلق، العرب لا يقرأون".
رغم أن عبارة أن "العرب لا يقرأون" مشهورة، إلا أنّي لم أجد مصدراً يُعتدُّ به في نسبة هذه المقولة إلى دايان، ولم أتمكّن من توثيق القصّة أعلاه، من دون أن يعني ذلك العكس. بل، أزعم إن العرب يقرأون، ويتابعون الأخبار ويتناولونها بالفصفصة والتحليل، حتى في المقاهي ومجالس السَمر. غير أنّي أجادل أن العرب لا يتحرّكون، ولا يخطّطون، ولا يثورون عندما تعرض لهم أنباء تمسّ بأمنهم ومستقبلهم وهُويَّتهم ووجودهم ومصالح أوطانهم. يكتفي العرب بالتحليل، والتنديد، والتحذير، ومُرِّ الشكوى، وربّما الذهاب إلى الأمم المتحدة، حتى وهم يعلمون أنها مَدفَن حقوق الدول الضعيفة. ينطبق التوصيف السابق على الأنظمة العربية الرسمية وعلى الشعوب. كان هذا هو الحال، إلى حدٍّ كبير في الأمس، وهو الحال اليوم.
مناسبة هذا الكلام الضجّة العربية، المُحقّة، ردّاً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال مقابلة مع القناة الإسرائيلية " i24، الثلاثاء الماضي، وقال فيها إنه "في مهمّة تاريخية وروحانية، وأنا مرتبط عاطفياً برؤية إسرائيل الكبرى". مشدّداً على أنه في "مهمّة أجيال بالإنابة عن الشعب اليهودي". وخلال تلك المقابلة، قدّم المذيع هدّية له تجسّد "خريطة أرض الميعاد"، ليسأله إن كان يتفق مع رؤية هذه الخريطة، ليرد نتنياهو بالقول: "كثيراً". أمّا حدود "أرض الميعاد" توراتياً، وهي المملكة التي حكمها داود وسليمان عليهما السلام، فهي تمتدّ، حسب سفر التكوين، "من النهر العظيم، نهر الفرات، إلى نهر مصر (النيل)". بمعنى، أن الخريطة التي اعتبرها نتنياهو "إسرائيل الكبرى" تضمّ كامل فلسطين المحتلّة، بما فيها الضفة الغربية وقطاع غزّة، وأجزاء من الأردن ولبنان وسورية ومصر والعراق. ومن هنا نفهم خلفية غضب هذه الدول والإدانات التي صدرت عنها وعن دول عربية أخرى.
كان ترك غزّة وحدها، وإعانة إسرائيل على هزيمتها، خطيئة استراتيجية ستكون لها تداعيات على عروش في المنطقة
ليست تصريحات نتنياهو جديدةً في القاموس السياسي الصهيوني والإسرائيلي، إلا أن بعض العرب اختاروا التعامي عن الحقيقة متعمّدين بهدف تبرير اتفاقات الإذعان التي عقدوها مع الدولة العبرية. يورد أسعد رزّوق، في كتابه "إسرائيل الكبرى... دراسة في الفكر التوسّعي الصهيوني" (بيروت، 1970)، أن المنظمة الصهيونية العالمية بعثت مقترحات إلى "مؤتمر باريس للسلام" عام 1919، الذي عقدته الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى لتشكيل نظام دوليٍّ جديد، وكان من تداعياته الكارثية التقسيم الذي لحق بالدول العربية التي كانت خاضعةً للإمبراطورية العثمانية المهزومة، فيما تُعرف اليوم بمنطقة الشرق الأوسط. وقد طالبت المنظّمة الصهيونية العالمية بقيام "إسرائيل ضمن حدودها التاريخية". بعد ذلك عرض ديفيد بن غوريون (أول رئيس وزراء لإسرائيل) المخطّط التوسّعي للدولة الناشئة، الذي أعدّته هيئة أركان الجيش الإسرائيلي (1956 – 1957) تحت عنوان "الخطّة الاستراتيجية للجيش الإسرائيلي". وحسب استعراض رزّوق للخطّة، نجدها تتمحور حول "هدفَين متلازمَين". الهدف الأدنى، الاستيلاء على الأراضي التي تُعدُّ ضرورية لإسرائيل في زمن الحرب.
والهدف الأقصى هو السيطرة على أراضٍ تلبّي جميع متطلّبات إسرائيل. "وفي محاولة لدمج الاعتبارات الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية في صياغة الخطط العدوانية التوسّعية، يوضح واضعو الوثيقة أن المهمّة الوطنية للدولة الإسرائيلية تفرض عليها احتلال المناطق العربية التي يُزعم أنها مكمّلة لأرض إسرائيل وللوطن القومي اليهودي ضمن حدوده التاريخية" (رزوق). وتؤكّد الخطّة نفسها أن الهدف الأساس وراء الاستيلاء على الأراضي العربية يتمثّل في "تعزيز الموقع السياسي لإسرائيل من خلال السيطرة على الطرق الاستراتيجية في الشرق الأوسط، وشقّ ممرّ عبر الدول العربية، ومنع الوحدة العربية، ونشر دعاية مؤيّدة لإسرائيل بين الأقليات في المنطقة".
كانت تهمة العرب في الماضي أنهم لا يقرأون، ولكن ماذا ستكون التهمة اليوم، أنهم لا يسمعون، لا يرون، لا يعقلون، لا يفهمون، لا يفقهون، لا يتحرّكون؟
لا أريد الاستطراد هنا أكثر، فمعروفٌ أن إسرائيل سعت دائماً إلى تحقيق قدرٍ من "إسرائيل الكُبرى". من هذا المنطلق، شاركت في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ثمَّ عزّزت مكاسبها في عدوان عام 1967، الذي احتلت فيه مساحاتٍ واسعةً من مصر وسورية والأردن. وبعد ذلك توسّعت أكثر عام 1982 في لبنان. وها هي تعاود الكرّة اليوم، وتضمّ أراضي جديدةً في سورية، منذ سقوط نظام بشّار الأسد أواخر العام الماضي. وحتى عندما وقّعت "اتفاقات سلام" مع مصر والأردن فرضت عليهما شروطاً تحدُّ من سيادة الدولتَين في أراضيهما. لكن إسرائيل تقارب اليوم الأمور بمنظار مختلف، فـ"نشوة النصر" المزعوم التي أسكرتها خلال العامين المنصرمين جعلتها تبدي أطماعها من دون تحفّظات أو مساحيق تجميل هذه المرّة، وهي لا تتورّع حتى عن التحرّش بتركيا بعد أن شنّت عدواناً على إيران. تحدّث نتنياهو غير مرّة عن إعادة تشكيل الشرق الأوسط عبر القوة لا السلام. وها هي حكومته تعمل من دون تردّد في تقسيم سورية واقعاً إلى كيانات ثلاثة، سنّية، وكردية، ودرزية. وهو (نتنياهو) ما زال يرفض الانسحاب من المناطق التي احتلّتها قواته، العام الماضي، في جنوبي لبنان. وفي يوليو/ تموز الماضي، بدأت الحكومة الإسرائيلية الإجراءات العملية لضمّ الضفة الغربية، في حين تعمل على تفريغ قطاع غزّة من سكّانه للسيطرة عليه بشكل كامل. ثمَّ جاءت لحظة حديث نتنياهو أخيراً عن "إسرائيل الكبرى" ليضع بعض المتعامين العرب أمام الحقيقة الصارخة التي استيقنوها بأنفسهم، ولكنّهم يجحدون بها، فماذا هم فاعلون هذه المرّة، غير التنديد والإدانة طبعاً؟
كانت تهمة العرب في الماضي أنهم لا يقرأون، ولكن ماذا ستكون التهمة اليوم، أنهم لا يسمعون، لا يرون، لا يعقلون، لا يفهمون، لا يفقهون، لا يتحرّكون؟ الحقائق شاخصة أمام أعيننا جميعاً. كلّ العقلاء قالوها من قبل، ترك غزّة وحدها وإعانة إسرائيل على هزيمتها لا يمثّل انحداراً أخلاقياً فحسب، بل هي خطيئة استراتيجية ستكون لها تداعيات على عروش وكراسي حكم في المنطقة يتوهم بعض أصحابها أنهم آمنون إن بالغوا في استرضاء إسرائيل وأميركا. تعلّموا من الخبرة المخزية لـ"ملوك الطوائف" في الأندلس. كتب نتنياهو على الجدران، وبالخطّ العريض، ما ينتظرنا جميعاً من مصير قاتم. نحن أمام خيارَين: أن ننهض الآن أو أن نكون كحمقى الأندلس، الذين قرأوا مصيرهم الذي توعّدتهم به إيزابيلا الأولى (ملكة قشتالة) وفرناندو الثاني (ملك أراغون)، ولكنّهم اختاروا أن يضعوا غشاوةً على عيونهم، فكان أن دهمتهم الكارثة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

من الدولة الأمنية إلى الطائفة المسلحة... مأزق الهوية الوطنية
من الدولة الأمنية إلى الطائفة المسلحة... مأزق الهوية الوطنية

العربي الجديد

timeمنذ 10 ساعات

  • العربي الجديد

من الدولة الأمنية إلى الطائفة المسلحة... مأزق الهوية الوطنية

ولدت الهوية الوطنية في المشرق العربي هشّة ومرذولة، فقد جاءت الكيانات الوطنية نتاج الإدارة الاستعمارية للمنطقة ونتيجة تقسيمات اعتباطية بين بريطانيا وفرنسا، إذ ولد التشكيل الأساسي لهذه الأوطان بفعل اتفاق سايكس - بيكو بينهما حتى قبل السيطرة عليها نتيجة انتصارها في الحرب العالمية الأولى، ولم يكن لشعوب المنطقة ولا لحكّامها أي دور في صناعة خرائط بلدانهم، إنما ورثوها بحدودها الحالية من الدول الاستعمارية التي حكمت المنطقة. لذلك، وُلدت هذه الأوطان مرذولةً من أصحابها بوصفها مؤامرة الاستعمار لتقسيم المنطقة، وتحطيم وحدتها التي كانت قائمة في ظل الإمبراطورية العثمانية. مع الاستقلال الوطني، ورغم الشعارات القومية التي رفعها عديدون من القوى السياسية لتحقيق الوحدة العربية، بوصف هذه الدول تنتمي إلى الأمة العربية الواحدة، لم يولد مسارٌ سياسيٌّ وحدويٌّ جدّيٌّ للرد على الحدود التي صنعها الاستعمار. جاءت المحاولة الوحيدة عبر الوحدة السورية – المصرية التي كانت معيبة، وسرعان ما انهارت، وخيّبت الآمال الكبيرة للشعوب العربية بالوحدة العربية نفسها. فقد أدارت السلطات المصرية الوحدة باعتبار سورية ملحقاً بالإقليم الجنوبي، وليست شريكاً في الوحدة. ولم تختلف إدارتها عن الإدارة الاستعمارية، بل كانت أسوأ، لأنها لم تكن إدارة سياسية من خلال العمل على احترام الاختلاف بين البلدين، بل كانت إدارة أمنية بحتة. ولا يُجانب الصواب القول إنّ سلطة جمال عبد الناصر هي التي أسسّت الدولة الأمنية في سورية في عهد الوحدة، وهي الأساس الذي بنى عليه حكام "البعث" أخطبوطهم الأمني الذي بطش بالمجتمع السوري وصولاً إلى تحطيمه. لأن الأوطان تخترعها شعوبُها، على السوريين اختراع وطنهم وهويتهم الوطنية من جديد ولأن الدولة الوطنية العربية وُلدت مرذولة من الجميع، تشكّلت الهويات الجمعية الأساسية في المنطقة إما أقل من وطنية، هوية طائفية ومناطقية وجهوية وعشائرية، أو فوق وطنية، وقومية وإسلامية ومسيحية ودرزية. أما الوطن فلم يُعترف به لأن حدوده استعمارية مصطنعة. ومن مفارقات التجربة الجماعية العربية أن حرّية التنقل بين البلدان العربية في زمن الاستعمار، ورغم أنها كانت تخضع لدولتين استعماريتين، كانت أسهل وأكثر يسراً بما لا يُقاس، من حال ما بعد الاستقلال، فقد عزّزت الدول المستقلة الحدود القُطرية المصطنعة بعد الاستقلال، وكانت الحواجز أعلى كلما كانت الدول أكثر ادّعاءً للانتماء القومي العربي، فقد كان الوجود في البلد الآخر جريمةً لا تغتفر، بين الأنظمة الأكثر ادّعاءً للقومية، وهو ما كان عليه الحال في كل من العراق صدّام حسين وسورية حافظ الأسد. ومع الاستقلال، جرى رفع الحدود الوطنية وتعقيد التنقل، وفي الدول التي تدّعي القومية، رُفعت الحدود القطرية إلى درجة التقديس. لم يكن هذا الضعف في الهوية الوطنية على مستوى السلطات الحاكمة فحسب، بل كان في قلب التشكيلات الاجتماعية داخل مجتمعات الدولة القطرية أيضًا. هناك مثلان يستحقان التأمل: الأول فلسطيني: في الأيام الأولى لحرب 1948، سقطت المدن الفلسطينية، ولم تعترف القرى بهذا السقوط فقاومت، حتى إن قرى قاومت أكثر من ستة أشهر. المفارقة كانت أن مقاتلي القرى التي تسقط كانوا يبيعون سلاحهم وذخيرتهم للقرى المجاورة، فبالنسبة إلى الفلاح الفلسطيني كانت القرية الوطن النهائي، وسقوط القرية يعني سقوط الوطن، والقرى الأخرى أوطان الآخرين، لذلك تحوّل الفلسطينيون إلى لاجئين حتى في بلادهم، الضفة الغربية وقطاع غزّة. الهوية الوطنية ليست معطياتٍ نهائية، هي اختراع بشري، ويمكن إعادة إنتاجها بتوافقاتٍ وحوارات المثل الثاني سوري: ولدت التشكيلات العسكرية للجيش الحر في سورية كتشكيلات مناطقية، حتى الضبّاط الذين انشقّوا عادوا إلى مناطقهم لبناء هذه التشكيلات. وعندما كانت منطقة تساند أخرى، كان يذهب عدد من المتطوّعين إلى تلك المنطقة موقتاً، وعندما ينتهي الخطر يعودون إلى أماكنهم الأهلية، من دون صوغ أي خطط دفاعية مشتركة. وحدهم الإسلاميون على شاكلة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة أصحاب الهويات فوق الوطنية امتلكوا تشكيلاتٍ عسكريةً متجاوزة المناطقية، بحكم عدم اعترافهم بالحدود الوطنية أولاً، وبحكم خارجيّتهم عن المجتمع السوري ثانياً. ولا شك في أن النقص في تبلور الهوية الوطنية واحدٌ من الأسباب التي منعت أي عمل سوري موحد في مواجهة النظام المجرم. ومع سقوط النظام، علت أصوات الهويات الجزئية، سواء من الأغلبية، التي أخذت تنادي بحقّ السنّة في الحكم، والحديث عن هوية أموية، لا أحد يعرف ملامحها، والحديث المتواصل عن مظلومية سنية، لن تسمح بذبح السنة من جديد، أو الأقليات، خاصة الأكراد والدروز الذي باتوا يطالبون بلامركزية سياسية، وعزّزت هذه المطالب مذابح طائفية ارتكبتها قوات السلطة في كل من الساحل السوري والسويداء، والتي رفعت الاستقطاب والاحتقان والتخندق الطائفي إلى أعلى مستوى. ولا يمكن الخروج من هذا الاستقطاب الحادّ سوى بالحوار، ومزيد من الحوار، فلا يمكن بناء وطن بهوية وطنية مرذولة ولا من هويات جزئية طائفية وجهوية، تحاول صراعات الهوية أن تحجُب الصراعات السياسية، وتنقل المسمّيات إلى مجال آخر، بحيث يخرج الصراع الهوياتي من مجال الصراع السياسي، ليعطى صفاتٍ أخرى تُبعده عن إطاره الطبيعي، بوصف الصراع يقع فعلياً في المجال السياسي. ولأن الأوطان تخترعها شعوبُها، على السوريين اختراع وطنهم وهويتهم الوطنية من جديد، فالهوية الوطنية ليست معطياتٍ نهائية، هي اختراع بشري، ويمكن إعادة إنتاجها بتوافقاتٍ وحوارات، أساسها أن الوطن الذي تبنيه هذه الجماعات هو وطن الجميع، والهويات الجزئية، لا يعيبها أن توجد إلى جانب الهوية الوطنية الجامعة. ولكنها تكون هوية معيبة عندما تصبح بديلاً، أو نقيضاً للهوية الوطنية الجامعة. لذلك تحتاج الهوية الوطنية إعادة نظر، فهي الوعاء الذي يجب أن يحتوي كل الهويات الأخرى من فوقها ومن تحتها، وهي الأساس المكوّن لشراكةٍ في الوطن والأساس في عقد اجتماعي بين مواطنين متساوين وأحرار. أما وطن الهويات الائتلافية فعرضةٌ للتفكّك والانقسام الدموي.

البرهان ومسعود بولس... لقاء زيورخ رسالة أميركية
البرهان ومسعود بولس... لقاء زيورخ رسالة أميركية

العربي الجديد

timeمنذ 10 ساعات

  • العربي الجديد

البرهان ومسعود بولس... لقاء زيورخ رسالة أميركية

كل القراءات للقاء رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بكبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا، مسعد بولس، في زيورخ، تبدو، مثل الرهانات عليه، قاصرة. حتماً، لم يكن اللقاء منصةً لمفاوضات. واهمٌ من يظن تأبط الموفد الأميركي مشروعاً للسلام، فليس من طبع واشنطن طرح المبادرات، فقد ظلت السياسة الأميركية، من فيتنام إلى أفغانستان فالشرق الأوسط، ردود فعل. لا يصنع البيت الأبيض الأحداث. تحاول الإدارات الأميركية دوماً استيعاب الأحداث بعد وقوعها ثم احتواءها. لذلك ليست العلاقات الأميركية السودانية استثناءً، إذ ظلت موسومة بالارتباك، خصوصاً تجاه سدّة السلطة في الخرطوم. وإدارة ترامب ربما أكثر من سابقتها تنظر إلى الأحداث بعين أحادية الاتجاه، كما تذهب في استيعابها واحتوائها. بهذه الرؤية، يبدو أقرب إلى التأويل حمل بولس مسعد إلى البرهان رسالةً ذات بعد واحد. هذه رؤية يعزّزها تلهف ترامب المحموم على تصوير نفسه صانع سلام على نحوٍ يؤهله للفوز بجائزة نوبل للسلام! فلقاء زيورخ جاء مباغتاً على نحو واسع. *** لا تربك هذه الفجائية الأميركية المباغتة على خط الحرب في السودان من يدرك مزاجية إدارة ترامب في إدارة الأزمات على الصعيد الدولي. أكثر من أولئك من يستوعب لمحات من تاريخ العلاقات بين واشنطن والخرطوم، فبعد رحيل نظام الفريق إبراهيم عبّود في 1964، خرجت العلاقات السودانية مع أميركا عن إطار المصالح العليا والاحترام المتبادل إلى أجواء يكتنفها التشويش والتوتر والارتباك. وقد زاد ارتجاج المشهد السوداني الداخلي تحت أدخنة الحروب العلاقات المرتبكة تعقيداً. ظلت الحرب في الجنوب سنين محوراً لذلك الارتباك تتأرجح بين التجاهل والعداء، بين التناقض والتناطح. وتصاعد هذا التذبذب مع استيلاء الإسلاميين على السلطة، فكثيراً ما خرج عن القنوات الثنائية الى المنابر الأفريقية وأروقة المنظّمة الأممية. *** تعيين بيل كلينتون مبعوثاً شخصياً الى السودان، وترحيب نظام عمر البشير بهذا، لم يُحدثا انفراجة في التوتر المشترك. على النقيض، حرمت الإدارة الأميركية السودان من شغل المقعد الأفريقي في مجلس الأمن، داعمةً عبر حملة دبلوماسية داخل أروقة الأمم المتحدة موريشيوس. ذهب كلينتون إلى أبعد من ذلك، إذ وقع قبيل نهاية ولايته تمديد العقوبات المفروضة على السودان منذ عام 1997. كما أمر بحجز أرصدة الخرطوم لدى المصارف الأميركية. إهالةً لمزيد من ركام التوتر على العلاقات، أقرّ مجلس النواب الأميركي ما عُرف بـ"سلام السودان". ولم تر الخرطوم في زيارة مساعدة وزير الخارجية، سوزان رايس، إحدى مناطق سيطرة جون غرنغ فقط، دعماً للتمرّد بل خرقاً للسيادة. ردّاً على ذلك، ألغت الخرطوم تأشيرات القائم بالأعمال الأميركي ودبلوماسيين آخرين . زاد ارتجاج المشهد السوداني تحت أدخنة الحروب العلاقات المرتبكة مع أميركا تعقيداً *** يقول كولن باول؛ وزير الخارجية في إدارة جورج بوش الابن، إن الأخير أحبط رهانات الخرطوم على إمكانية تبدّل الحال، إذ اشترط وقف القصف في الجنوب، وتصفية المنظمات الإرهابية، للنظر في فرص تحسين العلاقات. وأبدى نظام البشير تجاوباً مع باول، إذ أعلن وقف القصف، إلا أن الخارجية الأميركية أبقت النظام السوداني على قائمة "الدول الداعمة للإرهاب". وصبّ بوش زيتاً على النار، حينما وصف السودان بأنه "بلد كوارث لحقوق الإنسان". وظلّت العلاقات تتصاعد وتهبط إيجاباً وسلباً، على إيقاع الحرب في الجنوب، حتى اتفاق نيفاشا. في ضحى ثورة ديسمبر (2018)، حدث تقاربٌ بين الخرطوم وواشنطن، انعكس صداه على جبهات عدة. ويبدو الانقلاب على الثورة، في السياق الأميركي، ردّةً إلى نظام البشير ومشروعه الحضاري. تلك رؤية سودانية في الأصل راكمت سحب الشكوك على احتمالات حدوث وفاق وطني، وكذلك انحسرت فرص تطوير العلاقات الأميركية السودانية. *** وهكذا يبدو جلياً إلى أي مدى تتعامل واشنطن من موقع ردّ الفعل. وليس ذلك التوجّه وقفاً على الشأن السوداني لمن يحاول قياسه على الصعيد الدولي. لذلك، يجافي القول بوجود مشروع سلام حمله مسعد إلى زيورخ الواقع أكثر مما يجانب المنطق. ربط اللقاء بشغف ترامب انتزاع جائزة صانع السلام أقرب إلى القبول. لا يتحرّك رجال الرئيس الأميركي بفهم متكامل لتعقيدات المشهد السوداني، غير أن الإدارة الأميركية لا تقارب المشهد وشخوصه بعيداً عن حلفائها الإقليميين. ويتزعّم البرهان معسكر رفض وقف الحرب. هناك شبه إجماع على أن الحرب بلغت مرحلة أنهكت كل أطرافها. لا تمانع الأطراف الأخرى، بل هي مستعدّة للتجاوب مع أصوات السلام. تحت هذه الضغوط المتراكبة، قبل البرهان لقاء المسؤول الأميركي. تحت الضغوط نفسها، حمل مسعد رسالة إلى زيورخ، محورها حتمية التجاوب مع نداءات السلام الصادرة من الجهات الأربع. *** إذا استوعب البرهان ومعسكره هدف ترامب، من غير المستبعد مطالبتهم بجزرة السلام. ولكن من غير المحتمل أن يكون مسعد قد لوّح بالعصا في زيورخ. ولكن ذلك لا يقلّل من أهمية الرسالة الأميركية.

تظاهرات في نيوزيلندا ضد إبادة غزة... وسواربريك ترفض الاعتذار بعد تعليق عضويتها
تظاهرات في نيوزيلندا ضد إبادة غزة... وسواربريك ترفض الاعتذار بعد تعليق عضويتها

العربي الجديد

timeمنذ 18 ساعات

  • العربي الجديد

تظاهرات في نيوزيلندا ضد إبادة غزة... وسواربريك ترفض الاعتذار بعد تعليق عضويتها

على الرغم من الطقس البارد والأمطار الغزيرة، واستجابة لدعوة شبكة التضامن مع فلسطين في نيوزيلندا (PSNA ) لملء الساحات في جميع أنحاء البلاد للاحتجاج على الإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في غزة ومطالبة الحكومة النيوزيلندية بمعاقبة دولة الاحتلال والضغط لوقف إطلاق النار وإنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية، شهدت حوالي 20 مدينة وبلدة نيوزيلندية اليوم السبت مسيرات ومظاهرات حاشدة. في أوكلاند، أكبر مدن نيوزيلندا وعاصمتها الاقتصادية، شارك الآلاف من أبناء فلسطين والدول الإسلامية والعربية والكثير من أهل البلد والمهاجرين من مختلف الجنسيات في وقفة احتجاجية في ساحة بريتومارت الشهيرة، حيث أدى قائد فرقة Crowded House الموسيقي النيوزيلندي الشهير نيل فين نسخة مصاحبة من أغنية Don't Dream It's Over وقدمها بقوله "سأغني أغنيةً لأهل غزة الأبرياء ولكم جميعاً يا من تحدوا هذا الطقس. أحسنتم". وكان من أبرز الشخصيات السياسية التي شاركت في هذه الفعالية اليوم، الرئيسة المشاركة لحزب الخضر، النائبة في البرلمان كلوي سواربريك، وذلك بعد أيام من تعليق عضويتها في البرلمان حتى يوم أمس الجمعة أو الاعتذار، بسبب قولها "إذا وجدنا ستة من بين 68 نائباً في الحكومة يتمتعون بالشجاعة، فإننا نستطيع أن نقف على الجانب الصحيح من التاريخ". وفي كلمتها أمام الجموع في ساحة برتومارات، قالت سواربريك إن "الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للتجويع والذبح على يد إسرائيل تُسرَق منه أنفاسه، لذا فإن من واجبنا، جميع البشر الذين لديهم القدرة على التنفس والحرية في الهتاف والتحرك ومطالبة من ساستنا، أن نفعل كل ما في وسعنا للقتال من أجل تحرير جميع الشعوب". وأضافت "نحن نعلم أن تحررنا جميعاً أمر لا يتجزأ. والحقيقة أن المنظومة التي تطلب منكم تجاهل إبادة جماعية تحدث في الجانب الآخر من العالم، هي عينها التي تطالبكم بتجاهل بني جلدتكم النيوزيلنديين الذين ينامون في العراء في شارع كوين (الرئيسي في أوكلاند). إنها المنظومة ذاتها التي تشوّه سمعة الديمقراطيات وتزعزع استقرارها لأنها لا تخدم مصالح الرأسماليين". وشددت على قوة هذا الحشد، مخاطبة الجمهور: "جميعكم، مع كل فرد منكم، تشكلون ثقلاً أكبر من الـ123 سياسياً الذين يشغلون ما يُسمى بمراكز السلطة. لذا، عندما لا تعرفون ما يجب فعله، افعلوا بالضبط ما تفعلونه الآن. انهضوا! انظروا حولكم! هؤلاء هم شعبكم". وختمت بقولها "أنتم جزء من حركة أكبر بكثير مما يمكن لأيٍّ منا عمله وحده. أنتم جزء من ملايين الناس العاديين حول العالم الذين يحشدون قواهم. لذا، يا إخوتي الأعزاء، خذوا نفسًا عميقًا وانظروا حولكم لبناء العالم الذي نستحقه جميعًا. من نيوزيلندا إلى فلسطين، الحرية لفلسطين، ولنا نحن أيضًا". تقارير عربية التحديثات الحية حي الزيتون.. أكبر أحياء غزة وأكثرها تعرضاً للقصف وحول واقعة طلب رئيس مجلس النواب يوم الثلاثاء الماضي مغادرتها القاعة أو الاعتذار عن العبارات سالفة الذكر تحت قبة البرلمان، ذكرت النائبة النيوزيلندية في حديث خاص لـ"العربي الجديد" أنها أوضحت في تلك الجلسة أن "146 دولة عضوًا في الأمم المتحدة تعترف جميعها الآن بدولة فلسطين، ولا شك في أننا تقاعسنا ليس فقط في التصدي للإبادة الجماعية وإنما أيضاً عن الدور الذي يتعين علينا الاضطلاع به للحيلولة دون تمددها". وتابعت سواربريك، في حديثها لـ"العربي الجديد" على هامش فعالية اليوم في أوكلاند: "بينما كنتُ أتحدث عن ذلك وعن أنه يتعين علينا الذهاب إلى ما هو أبعد من الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وأن نفرض عقوبات على إسرائيل بسبب جرائم الحرب التي ترتكبها، وأوضحتُ أننا في حاجة إلى 6 فقط من بين 68 نائباً في أحزاب الائتلاف الحاكم للمضي قدماً في ذلك الأمر، يبدو أن رئيس مجلس النواب جيري براونلي شعر بإهانة شخصية، فسعى إلى تأديبي". وأوضحت القول: "القصد، أنهم عاقبوني بطلب مغادرة القاعة وأنا امتثلتُ للعقوبة، ولكني عدتُ إلى ممارسة عملي في اليوم التالي، فحاول إلى حد ما معاقبتي مرة أخرى". وأضافت "لا أدري ماذا سيحدث في الأيام المقبلة. الأمر متروك لرئيس مجلس النواب". ورداً على سؤال عما إذا كان عليها أن تعتذر (كما طُلب منها)، قالت "كلا، لن أعتذر. ليس ثمة ما يستدعي الاعتذار. قد يحاول معاقبتي مرة أخرى، لكن سنرى".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store