
العراق ونارُ الجِوار
لنتركْ جانباً تذمُّرَ صدام من القدر الجغرافي. لكن الواقع أنَّ القدرَ جعل العراق رفيقاً للنَّار في منطقته، وعلى حدودِه أو جواره. علاقات العراقِ بجارته سوريا كانت صعبةً دائماً، ووصلت أحياناً إلى شفير النَّار. عداوةُ صدام حسين وحافظِ الأسد كانت من الثوابت. وعلاقةُ البلدين تجتاز اليومَ اختباراً ليس بسيطاً. والقصةُ طويلة.
تذكَّرت تذمرَ صدام من القدر الجغرافي حين سمعت في بغداد أنَّ العراق نجا إبان الحرب الإسرائيلية - الإيرانية الأخيرة من خطر الانزلاق إلى «تهديدٍ وجودي أكبر من الذي مثله تنظيم (داعش) حين اجتاح ثلثَ الأراضي العراقية»، وأنَّ العراق نجح في الإفلات من هذا الخطر، لأنَّه تفادى الانخراط في نار الحرب التي كانت دائرة قربَ حدوده، وعبرت مقاتلاتُها وصواريخُها أجواءَه.
وعزا المتحدثُ النجاةَ إلى أسباب عدة؛ بينها أنَّ السلطات والفصائل أخذت على محمل الجد التَّهديدات الإسرائيلية، وانتقال أميركا من صيغةِ النصائح إلى صيغة التحذيرات. وأضافَ إلى العوامل أنَّ إيران لم تطلب من الفصائل الانخراط في الحرب؛ بل حضَّتها على الهدوء.
وقال إنَّ الفصائلَ أدركت بعد الخرق الإسرائيلي لأسرار «حزب الله» في لبنان، والاختراق الإسرائيلي الذي ظهر في الضربة الأولى التي وُجّهت إلى إيران، أنَّ الحرب أكبر من قدرات الفصائل. ولفت المتحدث إلى أنَّ السلطات العراقية أحبطت ثلاثَ محاولاتٍ لهجمات كانت تجهّزها «جماعات منفلتة» ضدَّ إسرائيل.
الامتحانُ السابقُ للعراق كانَ حين سقطت حلبُ بيد «هيئة تحرير الشام». يومَها شجَّعت إيران حلفاءَها العراقيين على مساعدةِ الرئيس بشار الأسد. عقدَ «ائتلاف إدارة الدولة» العراقي الذي شكَّل الحكومةَ الحالية، اجتماعاً مغلقاً بحضور كلّ مكوناته.
كانت بعض الفصائل راغبةً في التدخل «لأنَّ توسع سيطرة الإرهابيين في سوريا سينعكس داخل الجانب العراقي من الحدود». لكن الفصائل كانت تحتاج إلى شحنِ أسلحة ثقيلة، وهو أمرٌ متعذر في ضوء سيطرة إسرائيل على الأجواء.
طُرح عندها اقتراح أن يتولَّى الجيش العراقي نفسُه هذه المهمة. لفت حاضرون إلى خطورة الخطوة، وأنَّ المشاركة قد تعيد إطلاق النزاع السني - الشيعي على أرض العراق، وتحمل خطرَ تصدّع مؤسساته والتسبب في طلاق بين بغداد وأربيل. في ختام الاجتماع الصَّعب، غلب خيار الاكتفاء بالتحرك الدبلوماسي والإعلامي.
بذلت بغداد جهوداً أخيرة لإقناع بشار الأسد بإعلان موافقته على الاجتماع برجب طيب إردوغان، لكنَّه تمسَّك بموقفه الرافض مكتفياً بالموافقة في اليوم الذي سبق مغادرته على اجتماع في بغداد على مستوى وزراء الخارجية. لكن الأمر جاء متأخراً وبعد أن كُتب ما كُتب.
اختصر «مراقبٌ» عراقي المحطةَ السورية على الشكل الآتي: «لم تذرفِ القوى السياسية في بغداد دموعاً كثيرة على نظام الأسد. فهو بعثيٌّ والنظام العراقي الحالي قام على أنقاض أهوال البعث. ثم إنَّ الرجلَ الذي خاف أن يكونَ نظامُه الهدفَ الثاني لأميركا بعد نظام صدام حسين، مسؤولٌ عن إراقة دماء آلاف العراقيين. أدخلَ نظام الأسد إلى العراق آلافَ المتطرفين الذين ارتكبوا العمليات الانتحارية والتفجيرات والمجازر».
لكن الرجل يوضح أنَّ «رؤية أحمد الشرع جالساً على كرسي الأسد لم تكُن مريحة على الإطلاق للفصائل في بغداد التي لم تنسَ حتى الساعة، أنَّه أمضى سنوات في سجن عراقي قبل أن يتولى الغرب إعادة تأهيله».
قالَ أيضاً إنَّ «الحكومة العراقية تعاملت بواقعية مع التغييرات. هناك تنسيقٌ أمني ولقاءات على مستوى وزراء الخارجية. ثم إنَّ رئيس الوزراء محمد شياع السوداني التقى الشرع في الدوحة وتعرض لانتقادات. يمكن القول إنَّ بغداد تراقب سياساتِ الشرع الذي يصعب توقع رؤيته قريباً في بغداد على رغم زياراتِه إلى عواصم قريبة وبعيدة».
تراقبُ بغدادُ خصوصاً «ما يتردّد عن أنَّ الشرع اتخذ قراراً بالخروج من النزاع مع إسرائيل. تعرف أنَّ داعمي الشرع إقليمياً ودولياً يريدون منه منع عودة إيران و(حزب الله) إلى سوريا، وإخراج سوريا من قاموس النزاع مع إسرائيل. والنقطة الأخيرة ليست بسيطة على الإطلاق».
نجا العراقُ في الشهور الماضية من استحقاقين صعبين؛ هما سقوط نظام الأسد والحرب الإسرائيلية - الإيرانية. في صيفه الحالي الحار، بدأت في الهبوب رياح الانتخابات النيابية المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وتقولُ التجارب إنَّ «حروب الانتخابات» في العراق ليست سهلةً على الإطلاق. ومثلها الحروب داخل نادي رؤساء الوزراء، خصوصاً أنَّ السوداني أكَّد لـ«الشرق الأوسط» أنَّه سيخوض الانتخابات. وواضح أنَّه يأمل في استكمال ما بدأه في ولايته الحالية.
استحقاقُ الانتخابات قائمٌ وحاسم، ويأمل العراقيون ألَّا تشتعلَ النارُ مجدداً في الجوار الإيراني فيجدَ العراق نفسَه أمام ما هو أخطر وأصعب من الانتخابات النيابية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

العربية
منذ ساعة واحدة
- العربية
ترامب: لست في عجلة للتحدث مع إيران.. والأسلحة تُرسل بالفعل لكييف
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثلاثاء إن إيران تأمل في إجراء محادثات مع الولايات المتحدة، لكنه ليس في عجلة من أمره للتحدث معها. وقال ترامب للصحفيين بعد وصوله إلى واشنطن قادماً من بيتسبرغ: "يريدون التحدث. لست في عجلة من أمري للتحدث لأننا دمرنا مواقعهم"، في إشارة إلى القصف الأميركي للمواقع النووية الإيرانية الشهر الماضي. في سياق آخر، قال الرئيس الأميركي إن الأسلحة الأميركية يتم شحنها بالفعل إلى أوكرانيا. وأضاف ترامب أنه لم يتحدث إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ الإعلان الاثنين عن اعتزامه فرض عقوبات على روسيا. وكان ترامب قد أعلن الاثنين عن أسلحة جديدة لأوكرانيا وهدد بفرض عقوبات على مشتري الصادرات الروسية بعد مهلة مدتها 50 يوماً، ما لم توافق موسكو على اتفاق سلام. الرسوم على الدول الصغيرة من جهة أخرى، قال الرئيس الأميركي إن وزير الخزانة سكوت بيسنت يمثل خياراً مطروحاً لخلافة رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) جيروم باول. وسُئل ترامب عما إذا كان بيسنت خياراً مطروحاً ليحل محل باول، الذي تنتهي ولايته العام المقبل. ورد على الصحفيين قائلاً: "إنه خيار مطروح، وهو جيد جداً. حسناً، ليس كذلك، لأنني أحب العمل الذي يقوم به، أليس هذا صحيحاً؟". كما قال الرئيس الأميركي إن الرسائل التي تخطر الدول الأصغر بمعدلات الرسوم الجمركية الأميركية المفروضة عليها سيتم إرسالها قريباً، مضيفاً أن إدارته ستحدد على الأرجح معدلاً "يزيد قليلاً على 10 بالمئة" على تلك الدول. وقال ترامب للصحفيين إنه سعيد للغاية "بالاتفاقات البسيطة" التي تم الإعلان عنها بالفعل والتي حددت معدلات رسوم جمركية شاملة لأكثر من 20 دولة، وسوف يحدد الرسوم الجمركية للدول المتبقية قريباً. وتابع: "سنبعث رسالة قريباً، تتحدث عن دول عديدة أصغر بكثير. سنفرض على الأرجح معدلاً واحداً للرسوم الجمركية عليها جميعاً.. ربما يزيد قليلاً على 10 بالمئة".


أرقام
منذ ساعة واحدة
- أرقام
أكسيوس: أمريكا وحلفاء لها اتفقوا على إمهال إيران حتى آخر أغسطس لإبرام اتفاق نووي
ذكر موقع أكسيوس نقلا عن ثلاثة مصادر أن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ووزراء خارجية فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة اتفقوا في اتصال هاتفي أمس الاثنين على تحديد نهاية أغسطس آب موعدا نهائيا لإيران للتوصل إلى اتفاق نووي. وذكر الموقع أنه في حال عدم التوصل إلى اتفاق بحلول هذا الموعد النهائي، فإن القوى الأوروبية الثلاث تعتزم تفعيل آلية "العودة السريعة" التي تعيد فرض جميع عقوبات مجلس الأمن الدولي التي رُفعت بموجب الاتفاق النووي مع إيران لعام 2015.


الشرق السعودية
منذ ساعة واحدة
- الشرق السعودية
أميركا والترويكا الأوروبية: نهاية أغسطس موعد نهائي للاتفاق مع إيران
أفاد موقع "أكسيوس" الإخباري، نقلاً عن 3 مصادر مطلعة، الثلاثاء، بأن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو اتفق خلال اتصال هاتفي، الاثنين، مع نظرائه في فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، الدول المعروفة باسم "الترويكا الأوروبية"، على تحديد نهاية أغسطس المقبل كموعد نهائي للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران. وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق بحلول الموعد المحدد، تخطط الدول الأوروبية الثلاث لتفعيل آلية "سناب باك" snapback، والتي تُعيد تلقائياً فرض جميع عقوبات مجلس الأمن التي تم رفعها بموجب الاتفاق النووي المبرم عام 2015. وبموجب شروط قرار الأمم المتحدة، بإمكان القوى الأوروبية الثلاث معاودة فرض عقوبات المنظمة الدولية على طهران قبل 18 أكتوبر، وهو ما يعرف في الأوساط الدبلوماسية باسم "آلية معاودة فرض العقوبات" أو snapback. وتنص الآلية على حق الأطراف الموقعة بالرد على أي خروقات إيرانية للاتفاق النووي، إلا أن صلاحيتها تنتهي في أكتوبر، وبسبب أن تنفيذ الآلية يستغرق 30 يوماً، تسعى الدول الأوروبية إلى إتمام العملية قبل أن تتولى روسيا رئاسة مجلس الأمن في أكتوبر. وسيلة ضغط على إيران واعتبر المسؤولون الأميركيون والأوروبيون، أن هذه الآلية وسيلة ضغط على إيران لدفعها نحو التفاوض، مشيرين في الوقت نفسه إلى أنه "خيار بديل" في حال فشل المسار الدبلوماسي. في المقابل، أعربت إيران مراراً ألا سند قانوني لإعادة فرض العقوبات، مهددةً بالانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية رداً على ذلك. وأفادت المصادر لـ"أكسيوس"، بأن المكالمة بين روبيو ونظرائه الأوروبيين هدفت إلى تنسيق المواقف بشأن آلية "سناب باك"، ومستقبل المسار الدبلوماسي مع إيران. ووفقاً لمصدرين، يعتزم الأوروبيون توجيه رسالة واضحة لطهران خلال الأيام والأسابيع المقبلة مفادها، أنه "بإمكان إيران تجنب العقوبات إذا اتخذت خطوات لطمأنة المجتمع الدولي بشأن برنامجها النووي". ومن بين الخطوات المطروحة استئناف عمليات التفتيش من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي أوقفتها إيران بعد الضربات الأميركية والإسرائيلية على منشآتها النووية، وكذلك إخراج نحو 400 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% وهي نسبة قريبة من الـ90% المطلوبة لصنع سلاح نووي، من الأراضي الإيرانية. ومنذ انتهاء الحرب بين إسرائيل وإيران في يونيو الماضي، تحاول إدارة الرئيس دونالد ترمب استئناف المفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق نووي جديد. وأعرب بعض المسؤولين في فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، وإسرائيل، عن قلقهم من أن تضغط إدارة ترمب على القوى الأوروبية لعدم تفعيل آلية "سناب باك" لإعادة فرض العقوبات، خشية أن يضر ذلك بأي مفاوضات محتملة. إحباط ترمب وأثار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارته للبيت الأبيض الأسبوع الماضي، هذه القضية مع ترمب، وروبيو، والمبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وفقاً لما قاله مسؤولان إسرائيليان. وشدد نتنياهو، على "وجوب ألا تعرقل واشنطن تفعيل العقوبات، وعليها أن توصل رسالة واضحة لإيران بأن الوقت ينفد أمامها إذا أرادت تفادي عودة العقوبات الأممية"، وأضاف مسؤول إسرائيلي: "شعرنا أن ترمب وفريقه يتفقون معنا". وقال مسؤول أميركي كبير، إن إدارة ترمب تدعم تفعيل آلية "سناب باك" وتعتبرها ورقة ضغط مهمة في التفاوض مع طهران، لافتاً إلى أن ترمب "يشعر بإحباط بالغ بسبب عدم عودة الإيرانيين إلى طاولة الحوار حتى الآن". من جهته، ذكر ويتكوف، أن "أي مفاوضات مستقبلية يجب أن تكون مباشرة، من دون وسطاء، لتفادي سوء الفهم وتسريع العملية". وفي المقابل، قالت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني، في وقت سابق الثلاثاء، إن "إيران لا تريد الحرب مع أحد، ولكنها لن تخضع للإملاءات والظلم"، مضيفةً في مؤتمر صحافي: "مستعدون للحوار القائم على الاحترام المتبادل".