logo
انتخابات طرابلس توطئة للنيابة؟

انتخابات طرابلس توطئة للنيابة؟

المردةمنذ 5 أيام

لم تخلُ الانتخابات البلدية والاختيارية في طرابلس من نكهة سياسية، ولو أن القوى المشاركة على مستوى النواب والأحزاب والمجتمع المدني لم تخُضها على غرار الانتخابات النيابية، بل أقدمت على دعم مرشحين انقسموا إلى 3 لوائح. وشكّل العلويون مفاجأة الاستحقاق، وهو ما سيُحسب لهم جيدا في انتخابات صيف 2026.
صحيح أن لائحة 'رؤية طرابلس' نالت 12 مقعدا مقابل 11 لـ'نسيج طرابلس' ومقعد واحد لـ'حراس المدينة'، إلا أن الثابت أن الفائزين اعتمدوا على أنفسهم أولا ولو أنهم خاضوا هذه المواجهة تحت مظلات سياسية، حيث التقى في الأولى النواب فيصل كرامي وأشرف ريفي وطه ناجي (الأحباش) وكريم كبارة. وساهم النائب إيهاب مطر في دعم الثانية مع جهات عدة من مجموعات إسلامية ومجموعة 'عمران'، بمساعدة 'الجماعة الإسلامية' التي خسرت الشعبية التي كانت تتمتع بها في المدينة.
وفي القراءة السياسية لهذه النتائج يتبين أن النواب والأفرقاء المشاركين أظهروا جميعهم عدم رغبة في 'كسر العظم'، فتركوا القرار لفاعليات عائلية وناشطين في تصدر المشهد. ومن الخطأ إسقاط هذه الحصيلة وخريطة التحالفات البلدية على النيابة، لطبيعة قانون الانتخاب أولا، ثم للخلافات في الخيارات السياسية.
وقد أظهرت الوقائع أن القوى متقاربة في الأحجام، مع التوقف عند مقاربة الرئيس نجيب ميقاتي الذي لم يلتزم لائحة واحدة.
ولذلك لم تبذل الماكينات الكبرى الجهد المطلوب في الاستحقاق البلدي. ولا يمكن القول إن مطر كان وحده وراء فوز 'نسيج طرابلس'، بل ثمة جهات عدة أنضوت في هذا التحالف، الذي ليس من الثابت أنه يصمد في النيابة. من هنا ليس في إمكان أي جهة أن تقول إنها الأولى في المدينة، في انتظار موعد السباق على حجز مقاعدها في البرلمان، ولذلك تعامل ميقاتي مع البلدية بـ'حياد' مع الجميع.
في هذا السياق، يرى السياسي خلدون الشريف أن معركة طرابلس البلدية 'لا يمكن حسابها في السياسة، فقد تجنب كل الأفرقاء التورط المباشر حرصا على الحفاظ على حد أدنى من التجرد قبل سنة من الانتخابات النيابية، التي ستشهد تنافسا حادا بلا شك. لذا جاء التبني خجولًا ومتأخرأ للقوائم الأساسية. غياب التمثيل النسائي والمسيحي مؤسف، وهذا ثمن الديموقراطية والتصويت الأكثري. أما التصويت العلوي فقد كان محليا صرفًا لا يخضع لحسابات إقليمية، وكان مؤثرًا وشكّل بيضة قبان حقيقية'.
وكان العلويون مفاجأة الانتخابات البلدية، إذ نجحوا في حجز مقعد بلدي لهم في 'رؤية طرابلس' وفوزهم ب 7 مخاتير من أصل 14 في التبانة. ومن اليوم ستبدأ الماكينات الحزبية بـ'تشريح' كل النتائج.
ويتحدث النائب حيدر ناصر بارتياح عن هذه المشاركة العلوية، ولو أن العرف كان يقضي بتمثيل ثلاثة في المجلس البلدي. وهو راض عن هذه الحصيلة 'جزئيا'، وقد تبين له أن أبناء هذا المكون 'أصحاب قرار ولا يطعنون، ومن الواجب العمل والتعاون مع الإخوة السنة والمسيحيين للنهوض بالمدينة حتى تبقى للجميع'. وترفض مصادر كرامي تصوير الانتخابات على أنها سياسية. وتدعو إلى حصر جهود كل الأفرقاء بالإنماء وترك النيابة إلى موعدها، مع اعترافها بأن التلاقي البلدي الذي حصل ليس بالضرورة أن ينسحب على الانتخابات النيابية، 'ونحن نتعامل مع خصوم في السياسة وهم ليسوا أعداء لنا'.
ولا يرى كرامي مشكلة في رئاسة المجلس البلدي 'ومن الآن أقول إن الـ24 يمثلونني'.
ويقول النائب مطر إن الانتخابات صبت في مصلحة المدينة، حيث شكلت لائحته 'فرصة للتغيير'، و'حصلت 'نسيج طرابلس' على ثقة كبيرة من الناخبين'. ولا يرى وجوه اللائحة المنافسة من 'الفاقعين سياسيا'. ويرجح أن تكون رئاسة البلدية من نصيب وائل زمرلي، 'وما يهمني بصفتي نائبا تغييريا ومستقلا بالتعاون مع المجمتع المدني هو مدّ اليد للتعاون مع الجميع للنهوض بالمدينة والاستفادة من أخطاء المجلس السابق وعدم تكرارها'.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

نزيه نجم نال وسام القديسين بطرس وبولس: بيروت جدّدت الوفاء لنهج الرئيس الشهيد
نزيه نجم نال وسام القديسين بطرس وبولس: بيروت جدّدت الوفاء لنهج الرئيس الشهيد

الشرق الجزائرية

timeمنذ 7 ساعات

  • الشرق الجزائرية

نزيه نجم نال وسام القديسين بطرس وبولس: بيروت جدّدت الوفاء لنهج الرئيس الشهيد

منح بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للروم الارثوذكس يوحنا العاشر وسام القديسين بطرس وبولس من درجة كومندور للنائب السابق عن بيروت الاستاذ نزيه نجم ، «بالنظر الى الكمالات التي يتحلى بها، وللخدمات التي أداها لامنا الكنيسة الانطاكية المقدسة»، كما ورد في نص القرار البطريركي. واوضح الاستاذ نجم للشرق ان القرار بمنح الوسام صدر اواخر شهر ايلول 2024 ، وقد أخرت الظروف القائمة في سوريا ولبنان حفل التقليد الذي حصل في 18 ايار الجاري خلال الاحتفال بتدشين كنيسة سيدة الفرح في زحلة ، وهي كنيسة مبنية على التراث الروسي. وردا على سؤال «الشرق» حول اوضاع بيروت اليوم ، وعن الانتخابات البلدية ونتائجها قال نجم: لقد اتفقت الاحزاب كلها ، القوات اللبنانية والكتائب والطاشناق والهنشاك والثئائي الشيعي وجمعية الاحباش ، لمواجهة لائحة «ابناء بيروت» وعائلاتها، وهي لائحة اصدقاء الرئيس الشهيد رفيق الحريري والاوفياء لنهجه، وللرئيس سعد الحريري. فكانت النتجية ان هذا التحالف الحزبي الكبير لم يستطع كسر ارادة ابناء بيروت الذين اثبتوا مرة أخرى وفاءهم للرئيس الشهيد حتى لو تجمعت الدنيا كلها ضدهم، وجاءت الارقام من صناديق الاقتراع لتؤكد ان الفارق بين اللائحتين لم يكن كبيرا ، وفد حقق العميد محمود الجمل خرقا مشرفا يعبر عن ارادة البيروتيين الفعلية والحقيقية. ومن ناحية ثانية، هناك نتجية مشرفة اخرى حققتها لائحة «بيروت بتحبك»، فكذبت الشائعات والاضاليل المسبقة عن نية اهل بيروت وخصوصا من اهل السنة لتشطيب اسماء المرشحين المسيحيين، فاكدت الارقام ان المرشحين المسلمين والمسيحيين على حد سواء في هذه اللائحة ناوا الاصوات نفسها تقريبا . وهذا يؤكد اصالة ابناء العاصمة الشرفاء وحرصهم على التعايش الوطني القائم في هذه المدينة العريقة والعظيمة. وهذا ايضا تأكيد جديد من البيارتة على التمسك بنهج الرئيس الشهيد وبزعامة الشيخ سعد في الحفاظ على الالفة والمحبة والاخوة بين كل المكونات في المدينة كنموذج كرسه الحريري وكمثال يحتذى في كل لبنان. والحقيقة ان لائحة «بيروت بتحبك» فوتت انتصارا مدويا بسبب ضعف الماكينة الانتخابية التي ادارت المعركة ، ولو كان لدى اللائحة ماكينة فاعلة وناشطة اكثر لحققت الانتصار الكبير. وعلى الرغم من ذلك نالت اللائحة حوالى 37 الف صوت ، واسقطت كل الاقاويل التي روجوا لها عن اهل بيروت وانهم ينتظرون من يدفع اكثر ، وهذه كذبة بشعة اسقطتها صناديق الاقتراع. فالنتيجة التي حققتها «بيروت بتحبك» صنعها ابناء بيروت بقناعاتهم وباللحم الحي وليس بالدولارات او التحالفات الحزبية الهجينة. واخيرا لا بد من كلمة عن أحدهم الذي عقد مؤتمرا صحافيا ليتبنى الانتصار الكبير المزعوم ، فقد بينت ارقام صناديق الاقتراع ، وما نشرته الصحف ، انه فشل في تأمين الف صوت للائحة الاحزاب ، وهذه النتيجة الهزيلة جعلت المعلقين والمحللين يؤكدون انه بهذا الاداء سيخسر مقعده النيابي في الانتخابات القادمة.

التجنيس في لبنان: السلاح الصامت لتفكيك الدولة
التجنيس في لبنان: السلاح الصامت لتفكيك الدولة

القناة الثالثة والعشرون

timeمنذ 21 ساعات

  • القناة الثالثة والعشرون

التجنيس في لبنان: السلاح الصامت لتفكيك الدولة

لم يكن التجنيس في لبنان يوماً مجرّد إجراء قانوني عادي. في بلد تُرسم فيه التوازنات على أساس الطوائف، تحوّلت الجنسية إلى أداة سياسية لا بل وأخطر من ذلك إلى وسيلة اختراق داخلي ناعم، يُعيد تشكيل الخارطة السكانية طوعاً لخدمة مشروع سلطوي أو إقليمي. البداية من مرسوم 1994، الصادر عن الرئيس الياس الهراوي، والذي منح الجنسية لما يفوق 202,000 شخص. كان العدد صادماً، لكن الأخطر من العدد هو توزيع الطوائف: السنة وحدهم نالوا 118,295، والشيعة 28,425، والعلويون 7,954، والدروز 4,337، بينما الموارنة لم يحصلوا سوى على 2,725، وسائر الطوائف المسيحية مجتمعة على نحو 40,000 فقط. النتيجة: نحو 159,000 مسلم مقابل 43,000 مسيحي. الأرقام تتكلم بوضوح: تجنيس سياسي بامتياز، هندسة ديموغرافية موجهة، وإعادة إنتاج لتوازنات ما بعد الطائف، لا علاقة لها بمعايير العدالة أو الوطنية. ولأن السجال حول هذا المرسوم لم يتوقف، تقدّمت الرابطة المارونية بطعن إلى مجلس شورى الدولة، لكنه بقي عالقاً كما هي عادة الطعون التي تمس مصالح النظام السياسي القائم، حينها السوري - الإيراني. البطريرك نصرالله صفير، في مذكراته التي غطت مرحلة 1992 – 1998، وثّق هذا الخطر مبكراً. فقد نبّه بوضوح إلى أن بعض القوى السياسية مستعدة للتفريط بالمصلحة الوطنية مقابل مكاسب آنية، سواء سياسية أو مالية، وحذّر من أن منح الجنسية خارج الأطر الدستورية والمصلحة العليا من شأنه تغيير التركيبة السكانية وضرب قاعدة التوازن الوطني. رؤية صفير لم تكن نظرية أو عاطفية، بل تعبيراً عن إدراك دقيق لما تعنيه الجنسية من ثقل سيادي وانتماء وطني. مرسوم 1994 لم يكن الاستثناء، بل النموذج. ففي عام 2018، أصدر الرئيس عون مرسوماً جديداً وقع عليه سعد الحريري ونهاد المشنوق، وتضمن أسماءً أثيرت حولها علامات استفهام أمنية ومالية، بعضها يرتبط مباشرة بأنظمة إقليمية، وبعضها مشمول بعقوبات دولية. وكما حصل في 1994، لم يُعرض المرسوم على النقاش العام، ولم يمرّ عبر آليات رقابية، بل تم تمريره بهدوء ومن خلف الكواليس. ففي نهاية عهد الرئيس ميشال عون، كشف مصدر في القصر الجمهوري أن الرئيس ترك لائحة بـ 5000 اسم كان يُفترض أن تُمنح الجنسية ضمن مرسوم جديد. اللائحة لم تصدر لأن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام مولوي رفضا التوقيع، بعد تقرير صحافي فرنسي خطير نُشر في "ليبراسيون"، كشف عن صفقة محتملة لبيع 4000 جواز سفر لبناني مقابل ما بين 50 و100 ألف يورو. رغم النفي الرسمي، فإن المعطيات السياسية والإدارية أثبتت أن مرسوماً كان يُحضَّر، وأن المستفيدين الحقيقيين من مكتومي القيد والمقيمين الشرعيين حُذفوا مجدداً من المشهد لصالح مشروع سياسي أو مالي غامض. المشكلة لا تقتصر على الطابع السياسي أو الطائفي لهذه السياسات، بل تتجاوزها إلى التأثير المباشر على صناديق الاقتراع. في الانتخابات البلدية في منطقة الجديدة – البوشرية – السد، رُصدت حالات استقدام مجنسين حديثاً لا يعرفون شيئاً عن طبيعة المعركة ولا عن المرشحين، جاؤوا فقط لتنفيذ عملية تصويت موجهة. هذا ليس فقط تلاعباً، بل تزويراً ناعماً لإرادة الناخبين، ويؤكد أن التجنيس يُستخدم لتعديل موازين القوى حتى في المعارك المحلية. كل ذلك يعزز قناعة راسخة: ما يُمارَس في لبنان في ملف التجنيس ليس تعبيراً عن سيادة، بل عن خضوع. وليس استيعاباً قانونياً لمن يستحق الانتماء، بل تسويقاً للهُوية الوطنية في المزادات السياسية. إنه شكل من أشكال الاحتلال الناعم الذي لا يدخل بدبابات، بل بورقة هوية، يغيّر التوازنات، ويحوّل الكيان إلى مساحة رخوة قابلة للاختراق من الداخل. لهذا، لا يمكن السكوت على هذا المسار. المطلوب اليوم ليس فقط وقف كل مراسيم التجنيس، بل مراجعتها واحدة تلو الأخرى، من عام 1994 حتى اليوم. على الدولة أن تُشكّل لجنة قضائية وطنية مستقلة تُدقّق بكل اسم، وتلغي كل تجنيس ثبت أنه سياسي أو مالي أو غير مستند إلى معايير قانونية واضحة. ويجب إقرار قانون عصري موحد للجنسية، يمنع التلاعب، ويضع حداً نهائياً لهذه السوق السوداء التي تُباع فيها الهويات. ليست الجنسية اللبنانية ورقة، بل مسؤولية سيادية. وليست "مكرمة رئاسية" بل هي تعاقد وطني. وما لم تُقفل هذه الثغرة، لا معنى لأي حديث عن الدولة أو السيادة أو الإصلاح. ايلي الياس - "نداء الوطن" انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

التجنيس في لبنان: السلاح الصامت لتفكيك الدولة
التجنيس في لبنان: السلاح الصامت لتفكيك الدولة

MTV

timeمنذ 2 أيام

  • MTV

التجنيس في لبنان: السلاح الصامت لتفكيك الدولة

لم يكن التجنيس في لبنان يوماً مجرّد إجراء قانوني عادي. في بلد تُرسم فيه التوازنات على أساس الطوائف، تحوّلت الجنسية إلى أداة سياسية لا بل وأخطر من ذلك إلى وسيلة اختراق داخلي ناعم، يُعيد تشكيل الخارطة السكانية طوعاً لخدمة مشروع سلطوي أو إقليمي. البداية من مرسوم 1994، الصادر عن الرئيس الياس الهراوي، والذي منح الجنسية لما يفوق 202,000 شخص. كان العدد صادماً، لكن الأخطر من العدد هو توزيع الطوائف: السنة وحدهم نالوا 118,295، والشيعة 28,425، والعلويون 7,954، والدروز 4,337، بينما الموارنة لم يحصلوا سوى على 2,725، وسائر الطوائف المسيحية مجتمعة على نحو 40,000 فقط. النتيجة: نحو 159,000 مسلم مقابل 43,000 مسيحي. الأرقام تتكلم بوضوح: تجنيس سياسي بامتياز، هندسة ديموغرافية موجهة، وإعادة إنتاج لتوازنات ما بعد الطائف، لا علاقة لها بمعايير العدالة أو الوطنية. ولأن السجال حول هذا المرسوم لم يتوقف، تقدّمت الرابطة المارونية بطعن إلى مجلس شورى الدولة، لكنه بقي عالقاً كما هي عادة الطعون التي تمس مصالح النظام السياسي القائم، حينها السوري - الإيراني. البطريرك نصرالله صفير، في مذكراته التي غطت مرحلة 1992 – 1998، وثّق هذا الخطر مبكراً. فقد نبّه بوضوح إلى أن بعض القوى السياسية مستعدة للتفريط بالمصلحة الوطنية مقابل مكاسب آنية، سواء سياسية أو مالية، وحذّر من أن منح الجنسية خارج الأطر الدستورية والمصلحة العليا من شأنه تغيير التركيبة السكانية وضرب قاعدة التوازن الوطني. رؤية صفير لم تكن نظرية أو عاطفية، بل تعبيراً عن إدراك دقيق لما تعنيه الجنسية من ثقل سيادي وانتماء وطني. مرسوم 1994 لم يكن الاستثناء، بل النموذج. ففي عام 2018، أصدر الرئيس عون مرسوماً جديداً وقع عليه سعد الحريري ونهاد المشنوق، وتضمن أسماءً أثيرت حولها علامات استفهام أمنية ومالية، بعضها يرتبط مباشرة بأنظمة إقليمية، وبعضها مشمول بعقوبات دولية. وكما حصل في 1994، لم يُعرض المرسوم على النقاش العام، ولم يمرّ عبر آليات رقابية، بل تم تمريره بهدوء ومن خلف الكواليس. ففي نهاية عهد الرئيس ميشال عون، كشف مصدر في القصر الجمهوري أن الرئيس ترك لائحة بـ 5000 اسم كان يُفترض أن تُمنح الجنسية ضمن مرسوم جديد. اللائحة لم تصدر لأن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام مولوي رفضا التوقيع، بعد تقرير صحافي فرنسي خطير نُشر في "ليبراسيون"، كشف عن صفقة محتملة لبيع 4000 جواز سفر لبناني مقابل ما بين 50 و100 ألف يورو. رغم النفي الرسمي، فإن المعطيات السياسية والإدارية أثبتت أن مرسوماً كان يُحضَّر، وأن المستفيدين الحقيقيين من مكتومي القيد والمقيمين الشرعيين حُذفوا مجدداً من المشهد لصالح مشروع سياسي أو مالي غامض. المشكلة لا تقتصر على الطابع السياسي أو الطائفي لهذه السياسات، بل تتجاوزها إلى التأثير المباشر على صناديق الاقتراع. في الانتخابات البلدية في منطقة الجديدة – البوشرية – السد، رُصدت حالات استقدام مجنسين حديثاً لا يعرفون شيئاً عن طبيعة المعركة ولا عن المرشحين، جاؤوا فقط لتنفيذ عملية تصويت موجهة. هذا ليس فقط تلاعباً، بل تزويراً ناعماً لإرادة الناخبين، ويؤكد أن التجنيس يُستخدم لتعديل موازين القوى حتى في المعارك المحلية. كل ذلك يعزز قناعة راسخة: ما يُمارَس في لبنان في ملف التجنيس ليس تعبيراً عن سيادة، بل عن خضوع. وليس استيعاباً قانونياً لمن يستحق الانتماء، بل تسويقاً للهُوية الوطنية في المزادات السياسية. إنه شكل من أشكال الاحتلال الناعم الذي لا يدخل بدبابات، بل بورقة هوية، يغيّر التوازنات، ويحوّل الكيان إلى مساحة رخوة قابلة للاختراق من الداخل. لهذا، لا يمكن السكوت على هذا المسار. المطلوب اليوم ليس فقط وقف كل مراسيم التجنيس، بل مراجعتها واحدة تلو الأخرى، من عام 1994 حتى اليوم. على الدولة أن تُشكّل لجنة قضائية وطنية مستقلة تُدقّق بكل اسم، وتلغي كل تجنيس ثبت أنه سياسي أو مالي أو غير مستند إلى معايير قانونية واضحة. ويجب إقرار قانون عصري موحد للجنسية، يمنع التلاعب، ويضع حداً نهائياً لهذه السوق السوداء التي تُباع فيها الهويات. ليست الجنسية اللبنانية ورقة، بل مسؤولية سيادية. وليست "مكرمة رئاسية" بل هي تعاقد وطني. وما لم تُقفل هذه الثغرة، لا معنى لأي حديث عن الدولة أو السيادة أو الإصلاح.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store