
من شنجن إلى الخليج.. كيف تبني "تينسنت" الصينية مستقبلها في العالم العربي؟
في الوقت الذي تتسابق فيه دول الخليج نحو بناء مدن ذكية واقتصاديات رقمية متقدمة، تظهر شركات التكنولوجيا العالمية في مشهد تنافسي لتأمين موطئ قدم في هذه الأسواق النامية.
لكن القصة الأبرز اليوم ليست قادمة من كاليفورنيا، بل من شنجن الصينية، حيث تخطو شركة تينسنت (Tencent)، عملاقة التكنولوجيا في آسيا والعالم، بخطى واثقة نحو الخليج، حاملة معها خبراتها العميقة في الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، وتطبيقات المستقبل.
في هذا المقال يشرح دان هُو -نائب رئيس تينسنت السحابية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- للجزيرة نت خطط تينسنت ومشاريعها في منطقة الخليج.
تينسنت تنشئ بوابتها السحابية في الخليج انطلاقا من الرياض
تُعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اليوم من أكثر المناطق تبنيا لتقنيات الجيل التالي، لا سيما في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، وهي أدوات رئيسية تدعم طموحات دول الخليج في بناء مدن ذكية واقتصاديات رقمية مستدامة.
وعن هذا الواقع، يقول نائب رئيس تينسنت السحابية إن "الخليج يشهد تحولا رقميا هائلا ضمن مبادرات التنويع الاقتصادي. ونحن حريصون على أن نكون جزءا من هذا النمو، ونتطلع إلى تكثيف الحلول السحابية لدعم المنطقة".
وتشير التوقعات إلى أن سوق الذكاء الاصطناعي في الإمارات العربية المتحدة وحدها سيبلغ نحو 54.7 مليار دولار بحلول عام 2030، مع معدل نمو سنوي مركب يتجاوز 45%، في حين وضعت السعودية التحول الرقمي ضمن المحاور الجوهرية لرؤيتها 2030.
أما قطر، فقد أنشأت منظومة ذكاء اصطناعي مزدهرة تبلغ قيمتها أكثر من 20.6 مليار ريال قطري (نحو 5.66 مليارات دولار) بداية من عام 2025.
في هذا السياق الإقليمي الطموح، أعلنت شركة تينسنت السحابية (Tencent Cloud) إطلاق أول منطقة سحابية لها في الشرق الأوسط، واختارت المملكة العربية السعودية لتكون نقطة انطلاقها.
وتشمل هذه المنطقة مركز بيانات متطورا يضم "منطقتي توافر" (Availability Zones) مع نظام تكرار كامل للبيانات، وخدمات متقدمة في مجال السحابة والذكاء الاصطناعي.
وتُعد هذه الخطوة جزءا من استثمار طويل الأجل بقيمة 150 مليون دولار يغطي البنية التحتية، والموارد، والعمليات التشغيلية خلال السنوات القادمة.
ويرى هُو أن المنطقة السحابية الجديدة في السعودية "ستُمكّن الشركات في المملكة، والمنطقة ككل، من الاستفادة الكاملة من الفرص الرقمية وفرص الذكاء الاصطناعي المتاحة في قطاعات رئيسية، مثل الوسائط الرقمية والبث المباشر، وألعاب الفيديو، والرياضات الإلكترونية، والتجارة الإلكترونية، والسياحة، والخدمات المالية، والاتصالات، التي تُعدّ من الركائز الأساسية لطموحاتها التنموية".
وستقدّم المنطقة الجديدة في المملكة العربية السعودية خدمات متطورة تشمل حلول البرمجيات، بالإضافة إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والتحليلات المتقدمة، وتقنيات الوسائط الرقمية، وتطوير "التطبيقات الفائقة" (Super Apps)، بما يعزز قدرة المؤسسات المحلية والإقليمية على تسريع تحولها الرقمي بشكل فعّال.
تينسنت تجلب تجربة "وي شات" إلى الخليج
تُعدّ التطبيقات الفائقة من أبرز الاتجاهات الرقمية التحوّلية التي بدأت تكتسب زخما حقيقيا في منطقة الخليج. هذا التحول من التطبيقات أحادية الغرض إلى منصات رقمية شاملة ومتكاملة يعكس توجها جديدا نحو خلق تجارب أكثر سلاسة وفاعلية للمستخدمين، بدلا من التنقل المرهق بين عشرات التطبيقات المنعزلة على الهاتف الذكي.
في الصين، تتجسد هذه الرؤية في تطبيق "وي شن" (Weixin)، وهو النسخة الصينية من تطبيق "وي شات" (WeChat)، حيث تندمج خدمات مثل المراسلة، والدفع الإلكتروني، والتواصل الاجتماعي، وخدمات الجهات الخارجية في تجربة رقمية موحّدة يستخدمها أكثر من مليار مستخدم.
ويبدو أن منطقة الخليج تسير على خطى مشابهة، حيث تتطلع الشركات والحكومات إلى تقديم خدمات متعددة ضمن تطبيق واحد يعزز التفاعل الرقمي مع الأفراد.
ووفقا لتقرير صادر عن شركة غارتنر العالمية، من المتوقع أن يستخدم أكثر من 50% من سكان العالم التطبيقات الفائقة بحلول عام 2027، مما يُبرز أهمية هذا الاتجاه في تشكيل مستقبل الخدمات الرقمية على مستوى العالم.
وفي هذا الإطار، أطلقت تينسنت السحابية منصتها المخصصة "سوبرآب- آز- إيه- سيرفيس" (SuperApp-as-a-Service) لدعم التحول الرقمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا استنادا إلى خبرتها العميقة في تطوير هذا النوع من الأنظمة البيئية.
المنصة تقدم حلا تقنيا يسمح بتحويل تطبيقات الويب والهواتف المحمولة إلى برامج مصغّرة خفيفة الوزن، يمكن تشغيلها ضمن أي بنية تحتية سحابية وقال دان هو: "إن هذا يوفر بنية تحتية رقمية قوية تُعدّ أساسية لتحوّل المؤسسات والخدمات العامة". فعلى عكس التطبيقات المعزولة التي تُجبر المستخدم على القفز بين تطبيقات مختلفة للدفع، والتسوق، والمراسلة، فإن نموذج تينسنت يسعى لتقديم تجربة رقمية متكاملة تنسجم مع متطلبات المستخدم المعاصر".
وأضاف هو: "لقد تبنّى الشرق الأوسط الابتكار الرقمي بوتيرة مثيرة للإعجاب، ونشهد بالفعل عديدا من التطبيقات الفائقة في السوق، ومع ذلك، فقد تطورت عديد من هذه المنصات من خلال دمج الخدمات في التطبيقات الحالية، مما يؤدي غالبا إلى تجارب مستخدم معقدة ومجزأة".
ويتابع هو: "يركز نهجنا على إنشاء نظام بيئي متكامل ومصمم خصيصا من البداية إلى النهاية؛ نظام يُبسط الوصول ويُعزز سهولة الاستخدام ويُقدّم قيمة حقيقية لكل من المستخدمين ومقدمي الخدمات".
شراكات محلية لتعزيز النمو
تُطبّق تينسنت هذا النموذج بالفعل عبر شراكات مع جهات إقليمية. على سبيل المثال، دخلت في تعاون مع شركة الاتصالات الإماراتية "إي آند" (e&) -"اتصالات" سابقا- التي تتبنى حاليا حل التطبيقات الفائقة من تينسنت لإنشاء منصة "سوبر مول" رقمية عبر تطبيق "سمايلز" (Smiles).
المنصة تُتيح لمزودي الخدمات من قطاعات مثل التجارة الإلكترونية وتجارة التجزئة والبقالة الانضمام وتقديم خدماتها ضمن منظومة رقمية موحدة. وهذا التوجه لا يخدم فقط المستخدمين عبر تسهيل الوصول إلى الخدمات، بل يُعزز أيضا من قدرة المؤسسات على التوسع، وتحقيق الكفاءة التشغيلية، وخلق منظومة اقتصادية رقمية متصلة على مستوى المنطقة.
بصمة كفك… هويتك في المدن الذكية
في ظل التطور السريع للبنية التحتية للمدن الذكية في الخليج، تتزايد الحاجة إلى حلول تحقق رقمية لا تكتفي بتأمين الوصول بل تقدم أيضا تجربة سلسة وآمنة للمستخدمين. هنا، تبرز تقنية التحقق البيومتري من راحة اليد، التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي للتعرف على البصمات الفريدة وأنماط الأوردة داخل الكف، كخيار متقدم لمعالجة التحديات التقليدية في مصادقة الهوية.
تتميّز هذه التقنية بمستوى عالٍ من الأمان يصعب تزويره، كما أنها تُغني عن الحاجة للمسح الضوئي لبطاقات أو كلمات مرور، مما يجعلها مثالية للبيئات المتصلة والذكية. وتتمثل أبرز تطبيقاتها في:
التحكم في الوصول إلى المباني الحكومية والمجمعات السكنية ومرافق الشركات الحساسة.
الرعاية الصحية عبر تسهيل تسجيل المرضى والوصول الآمن والفوري إلى السجلات الطبية.
التجزئة الذكية عبر تقديم تجارب تسوق مخصصة تتكامل فيها الهوية مع الدفع.
وسائل النقل العامة من خلال إصدار التذاكر وتفعيل نقاط الدخول دون تلامس أو انتظار.
وأكد دان هو، نائب رئيس تينسنت السحابية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فعالية هذه التقنية قائلا إن "تجربة المستخدم سريعة للغاية. وقت الاستجابة بالثواني، لذا فهي فورية".
وأضاف أن هذه التقنية تعالج قيودا معروفة في تقنيات المصادقة التقليدية، مثل بصمات الأصابع أو التعرف على الوجه، مما يجعلها أكثر ملاءمة لبيئات متعددة المستخدمين والتطبيقات ذات الحساسية العالية للخصوصية.
بفضل هذه التقنية، لم تعد المصادقة مجرد إجراء أمني، بل أصبحت جزءا من تجربة المستخدم اليومية في الفضاءات الذكية— من لحظة دخول المبنى، حتى لحظة الدفع أو الوصول إلى المعلومة.
من أبو ظبي إلى الشاشة: كيف أصبح "خليفة" وجه السياحة الرقمية؟
في ظل سباق التحول الرقمي في الخليج، تتجه الأنظار نحو تقنية جديدة بدأت تحجز مكانا لها في المشهد التكنولوجي: البشر الرقميين، أو الشخصيات الافتراضية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، القادرة على التحدث والتفاعل والتعبير عن المشاعر بطريقة تحاكي البشر.
هذه التقنية تمثل مرحلة متقدمة من أدوات التفاعل الرقمي، وتتجاوز النماذج التقليدية لروبوتات الدردشة، لتتيح للمؤسسات واجهات أكثر ذكاء وإنسانية في التعامل مع الجمهور، خصوصا في قطاعات مثل السياحة، والتعليم، وخدمة العملاء.
من أبرز التطبيقات الإقليمية لهذه التقنية، شخصية "خليفة"، السفير الرقمي للثقافة والسياحة في أبو ظبي، الذي طُوّر باستخدام تقنيات تينسنت السحابية.
ويتيح "خليفة" للزوار والمقيمين التفاعل مع المعلومات والخدمات السياحية والثقافية من خلال محادثات طبيعية تُقدَّم بلغات متعددة، بأسلوب يشبه التفاعل البشري.
تتمثل قوة هذه التقنية في سهولة إنتاجها وسرعة تنفيذها، إذ يمكن إنشاء شخصية رقمية واقعية في أقل من 3 دقائق، انطلاقا من دقيقة واحدة فقط من تسجيل الفيديو. وهو ما يجعل استخدامها مناسبا في مجالات مثل خدمة العملاء، والترجمة الفورية، والتفاعل مع العلامات التجارية.
من الألعاب إلى التوأم الرقمي: تينسنت تبني بيئة رقمية خليجية
وفي سياق دعم التوسع في هذا النوع من الحلول، أبرمت تينسنت السحابية شراكة إستراتيجية مع شركة "زين تيك" (ZainTech) الإماراتية، المزود الإقليمي للحلول الرقمية، لتقديم تقنيات متقدمة في مجالات التحقق من الهوية والتوأم الرقمي. ويستهدف التعاون الشركات المحلية، بهدف رفع الكفاءة التشغيلية وتسريع عملية التحول الرقمي في قطاعات مختلفة.
مع تنامي الاستثمارات الخليجية في السياحة والخدمات، يبدو أن البشر الرقميين سيشكلون رابطا جديدا بين الإنسان والتقنية، يوفر تجربة تفاعلية أكثر سلاسة وخصوصية، وقابلة للتطوير على نطاق واسع.
أيضا تدرك تينسنت أن النجاح في المنطقة لا يعتمد فقط على تصدير الحلول، بل على بناء أنظمة بيئية رقمية متكاملة تتفاعل مع البنية الاقتصادية والاجتماعية لكل بلد.
ولتجسيد هذا النهج، وسّعت الشركة شراكاتها الإقليمية، أبرزها التعاون مع شركة "بلاي أوت" (PlaysOut) المتخصصة في تطوير الألعاب، لإطلاق منصة لإنشاء ألعاب مصغّرة (Mini Games).
تتيح هذه المنصة أدوات مرنة للشركات المحلية لبناء محتوى ترفيهي تفاعلي، قابل للتوسع، وملائم ثقافيا، مما يدعم تطوير القدرات التقنية في المنطقة.
الخليج لا يستهلك التكنولوجيا… بل يُعيد تعريفها
في الوقت الذي تواصل فيه دول الخليج تسريع خطواتها نحو التحول الرقمي، يتضح أنها لا تسير خلف الركب العالمي، بل تختط لنفسها مسارا يعكس خصوصيتها الثقافية وأولوياتها الاقتصادية.
التوسع الأخير لتينسنت في المنطقة، من خلال مركز بيانات في السعودية، وتقديم حلول التطبيقات الفائقة، والتحقق البيومتري، والبشر الرقميين، لا يعكس فقط ثقل الشركة التقني، بل يكشف أيضا عن مرحلة جديدة من العلاقة بين الشركات العالمية والأسواق الخليجية علاقة تتجاوز بيع الخدمات إلى شراكة في بناء الأنظمة.
التحول من مجرد استيراد أدوات جاهزة إلى مواءمة التكنولوجيا مع السياق المحلي يضع الخليج في موقع مميز، ليس فقط كمستهلك للتقنية، بل كطرف فاعل في صياغة مستقبلها.
ورغم التحديات التي لا تزال قائمة، مثل تنظيم البيانات، وتوطين اللغات، وتعزيز الثقة بالحلول الرقمية، فإن السرعة في التبني، والانفتاح على الشراكات، والإرادة السياسية الواضحة تجعل من الخليج بيئة واعدة لتجارب تكنولوجية عالمية ذات طابع محلي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 13 ساعات
- الجزيرة
"أوبن إيه آي" تسعى لجذب استثمارات من السعودية والإمارات
أجرت " أوبن إيه آي" صانعة نموذج " شات جي بي تي" محادثات مع عدة جهات، من بينها صندوق الاستثمارات العامة السعودي وشركة "ريلاينس إندستريز" (Reliance Industries) الهندية إلى جانب صندوق "إم جي إكس" الإماراتي، وذلك من أجل الحصول على تمويل يصل إلى 40 مليار دولار، بحسب تقرير نشرته "رويترز". وتأتي هذه المحادثات ضمن مساعي "أوبن إيه آي" لتعزيز نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها فضلا عن تنفيذ مشروع "ستارغيت" (Stargate) الطموح الذي تقود تمويله "سوفت بانك" (SoftBank). كما أشار التقرير إلى مقابلة أجراها سام ألتمان المدير التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي" مع وزير تكنولوجيا المعلومات الهندي لمناقشة مساعي البلاد في قطاع الذكاء الاصطناعي، وذلك قبل زيارة الإمارات لمناقشة الاستثمار الجديد من صندوق "إم جي إكس". وأكد التقرير أن "أوبن إيه آي" تسعى لجمع 100 مليون دولار من كل مستثمر على الأقل مع توقعات بأن تحتاج الشركة إلى 17 مليار إضافيين بحلول عام 2027. وتجدر الإشارة إلى أن صندوق "إم جي إكس" الاستثماري شارك في الجولة الاستثمارية السابقة لشركة "أوبن إيه آي" التي تمت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي وجمعت 6.6 مليارات دولار من عدة مستثمرين كان من بينهم " نفيديا" و" مايكروسوفت" و"سوفت بانك"، وذلك بحسب تقرير سابق من "رويترز".


الجزيرة
منذ 15 ساعات
- الجزيرة
البنك الدولي يتوقع نمو اقتصادات مجلس التعاون الخليجي 3.2%
توقع البنك الدولي نمو اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي 3.2% العام الجاري و4.5% في العام المقبل، مدفوعا بالتراجع عن سياسة تخفيض إنتاج النفط التي كان قد أقرها تحالف أوبك بلس، إلى جانب التوسّع القوي في القطاعات غير النفطية. وذكر البنك الدولي في أحدث إصدار من تقريره "المستجدات الاقتصادية لدول الخليج"، أن المنطقة شهدت نموا اقتصاديا ملحوظا بلغ 1.7% في عام 2024، مقارنة بنسبة 0.3% في عام 2023، واستمر القطاع غير النفطي في إظهار قدرته على الصمود، بزيادة 3.7%. وحسب التقرير، ساهم في تحقيق هذا النمو بشكل كبير كل من الاستهلاك الخاص، والاستثمار، والإصلاحات الهيكلية التي تم تنفيذها في دول المجلس. تحديات وظهرت تحديات مرتبطة بحالة عدم اليقين التي تحيط بالتجارة العالمية، فلا يزال خطر التباطؤ الاقتصادي العالمي يحمل آثارا سلبية على المنطقة، وللتخفيف من حدة هذه المخاطر، أشار التقرير إلى أن دول المجلس تحتاج إلى تسريع وتيرة الإصلاحات الرامية إلى تنويع النشاط الاقتصادي وتعزيز التجارة الإقليمية. في هذا السياق، قالت المديرة الإقليمية لدول مجلس التعاون الخليجي بالبنك الدولي، صفاء الطيب الكوقلي "قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على الصمود في مواجهة حالة عدم اليقين على النطاق العالمي، واستمرارها في تعزيز أنشطة التنويع الاقتصادي، تؤكد التزامها القوي بتحقيق الازدهار على المدى الطويل". وأضافت "تعد السياسات الإستراتيجية لدعم المالية العامة، والاستثمارات المستهدفة، والتركيز القوي على الابتكار وريادة الأعمال، وخلق فرص العمل للشباب، ضرورة قصوى للحفاظ على النمو والاستقرار". ويناقش تقرير البنك الدولي مدى فاعلية السياسات المالية العامة في تحقيق الاستقرار بالاقتصاد الكلي وتشجيع النمو، وسط تقلبات أسعار النفط التي تشكّل مصدرا للضغط على الموازنة العامة في العديد من دول المنطقة، ويتوقع التقرير أن تشهد بعض دول المجلس عجزا متزايدا في المالية العامة عام 2025، ما يؤكد ضرورة فهم مدى فاعلية السياسات المالية العامة. ويخلص التقرير إلى أن الإنفاق الحكومي في دول المجلس ساهم في استقرار الاقتصادات بشكل فعّال، لا سيما خلال فترات الركود. ويستعرض التقرير كذلك مسيرة سلطنة عُمان نحو ضبط الأوضاع المالية العامة كمثال يحتذى به للإصلاح الاقتصادي الفعال وإدارة المالية العامة للدولة على نحو مسؤول، ويُسلّط الضوء على أبرز التحديات التي واجهتها نتيجة الاعتماد الكبير على النفط، بالإضافة إلى التدابير التي اتخذتها لاستعادة توازن أرصدة الموازنة العامة للدولة. ويستعرض التقرير كذلك النواتج الإيجابية التي حققتها عُمان من هذه الإصلاحات، وفي إطار برنامج خطة التوازن المالي متوسطة المدى 2020-2024، تبنت السلطنة إصلاحات واسعة النطاق لتنويع مصادر الإيرادات، وتحسين كفاءة الإنفاق، وإدارة الموارد النفطية بحكمة. وأسفرت الإصلاحات عن نتائج ملموسة ظهرت منذ العام 2022، مع تحسن ملحوظ في أوضاع المالية العامة للدولة وانخفاض كبير في الدين العام، وفق التقرير. آفاق النمو في الخليج قطر من المتوقع أن يظل النمو الاقتصادي مستقرا في قطر عند 2.4% خلال العام الجاري (بلغ 2.6% في عام 2024)، قبل أن تتسارع وتيرته إلى متوسط قدره 6.5% في 2026-2027 بسبب التوسع في طاقة الغاز الطبيعي المسال. وحسب التقرير، فإن هذا التحسن في الآفاق المحسنة يدعمه النمو القوي في القطاعات غير النفطية، خاصة في مجالات التعليم والسياحة والخدمات، ومن المتوقع كذلك أن يشهد قطاع الهيدروكربونات نموا طفيفا بنسبة 0.9% في عام 2025، قبل حدوث الطفرة الكبيرة المرتقبة في عام 2026، بفضل توسع حقل الشمال للغاز الطبيعي المسال، مما يؤدي إلى زيادة بنسبة 40% في إنتاج الغاز الطبيعي المسال، أما بالنسبة لنمو القطاعات غير النفطية، فمن المتوقع أن يظل قويا بفضل مشاريع تحديث وتطوير البنية التحتية والاستثمارات الدولية. الكويت من المتوقع أن يتعافى النمو الاقتصادي بشكل كبير، ويصل إلى 2.2% في عام 2025، مقارنة بانكماش بنحو 2.9% في عام 2024 وانكماش 3.6% في عام 2023، وما يفسر هذه التوقعات الإيجابية الإلغاء التدريجي لسقوف الإنتاج التي أقرتها أوبك بلس والتوسع في القطاعات غير النفطية المدعومة بنمو نشاط الائتمان ومشروعات البنية التحتية الكبيرة. ومن المتوقع أن يظل النمو الاقتصادي مستقرا عند 2.7% خلال الفترة 2026-2027، وتعتمد الآفاق الاقتصادية طويلة الأجل على التنفيذ الناجح للإصلاحات الهيكلية وجهود تنويع النشاط الاقتصادي. من المتوقع أن يستقر النمو عند 3.5% في عام 2025 بعد عامين من الانخفاض، ويرجع التحسن مقارنة بعام 2024، الذي شهد نموا بنسبة 3%، إلى اكتمال مشروع تحديث مصفاة "بابكو" للتكرير، بالإضافة إلى النمو القوي في القطاع غير النفطي. يرافق هذا النمو تطور القطاعات المدعومة برؤية البحرين الاقتصادية 2030، والتي تشمل البنية التحتية والخدمات اللوجيستية والتكنولوجيا المالية والسياحة. وفي 2026-2027، من المتوقع أن يبلغ متوسط النمو الإجمالي 2.9% بفضل استمرار النمو غير النفطي والتوسع في مصفاة سترة لتكرير النفط. عُمان من المتوقع أن تتسارع وتيرة النمو تدريجيا إلى 3% في عام 2025 (مقابل 1.7% في عام 2024)، و3.7% في عام 2026، و4% في عام 2027. إعلان كما أنه من المتوقع أن يسهم الانتعاش في إنتاج النفط، مع نمو إجمالي الناتج المحلي النفطي بنسبة 2.1% في عام 2025، إلى جانب النمو القوي في القطاعات غير النفطية بنسبة 3.4%، في دفع المزيد من التحسن في آفاق النمو، يرجع هذا النمو في الأساس إلى الأداء القوي في قطاعات التشييد والبناء والصناعات التحويلية والخدمات. السعودية من المتوقع أن يستمر النمو الاقتصادي في التعافي بعد انخفاضه إلى 1.3% في عام 2023، وسيرتفع إلى 2.8% في عام 2025، وسيبلغ متوسط قدره 4.6% في 2026-2027. ويتوقع أن يؤدي الإلغاء التدريجي لتخفيضات الإنتاج الطوعية التي أقرتها أوبك بلس إلى زيادة نمو إجمالي الناتج المحلي النفطي إلى 6.7% في عام 2026 و6.1% في عام 2027. في الوقت نفسه، يُتوقع أن يستمر الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في الارتفاع على نحو مطرد بنسبة 3.6% في المتوسط بين عامي 2025 و2027، حيث تسعى المملكة إلى استكمال تنفيذ برنامج التنويع الاقتصادي في إطار رؤية 2030. الإمارات من المتوقع أن يستمر النمو الاقتصادي في اتجاهه التصاعدي ليبلغ 4.6% في عام 2025، ويستقر عند 4.9% خلال عامي 2026 و2027، وستواصل القطاعات غير النفطية دورها كمحرك رئيسي للنمو، وفق التقرير الذي توقع فيه البنك الدولي أن تحقق نسبة نمو تبلغ 4.9% في عام 2025. وحسب التقرير، يعود هذا النمو إلى الاستثمارات العامة المستهدفة، وتحسين أطر الحوكمة، وتوسيع نطاق الشراكات الخارجية، كما أنه من المتوقع أن تسهم عودة إنتاج النفط إلى مستوياته الطبيعية، بفضل الإلغاء التدريجي للتخفيضات الطوعية التي أقرتها أوبكبلس في دعم هذا الاتجاه الصعودي.


الجزيرة
منذ 19 ساعات
- الجزيرة
من شنجن إلى الخليج.. كيف تبني "تينسنت" الصينية مستقبلها في العالم العربي؟
في الوقت الذي تتسابق فيه دول الخليج نحو بناء مدن ذكية واقتصاديات رقمية متقدمة، تظهر شركات التكنولوجيا العالمية في مشهد تنافسي لتأمين موطئ قدم في هذه الأسواق النامية. لكن القصة الأبرز اليوم ليست قادمة من كاليفورنيا، بل من شنجن الصينية، حيث تخطو شركة تينسنت (Tencent)، عملاقة التكنولوجيا في آسيا والعالم، بخطى واثقة نحو الخليج، حاملة معها خبراتها العميقة في الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، وتطبيقات المستقبل. في هذا المقال يشرح دان هُو -نائب رئيس تينسنت السحابية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- للجزيرة نت خطط تينسنت ومشاريعها في منطقة الخليج. تينسنت تنشئ بوابتها السحابية في الخليج انطلاقا من الرياض تُعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اليوم من أكثر المناطق تبنيا لتقنيات الجيل التالي، لا سيما في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، وهي أدوات رئيسية تدعم طموحات دول الخليج في بناء مدن ذكية واقتصاديات رقمية مستدامة. وعن هذا الواقع، يقول نائب رئيس تينسنت السحابية إن "الخليج يشهد تحولا رقميا هائلا ضمن مبادرات التنويع الاقتصادي. ونحن حريصون على أن نكون جزءا من هذا النمو، ونتطلع إلى تكثيف الحلول السحابية لدعم المنطقة". وتشير التوقعات إلى أن سوق الذكاء الاصطناعي في الإمارات العربية المتحدة وحدها سيبلغ نحو 54.7 مليار دولار بحلول عام 2030، مع معدل نمو سنوي مركب يتجاوز 45%، في حين وضعت السعودية التحول الرقمي ضمن المحاور الجوهرية لرؤيتها 2030. أما قطر، فقد أنشأت منظومة ذكاء اصطناعي مزدهرة تبلغ قيمتها أكثر من 20.6 مليار ريال قطري (نحو 5.66 مليارات دولار) بداية من عام 2025. في هذا السياق الإقليمي الطموح، أعلنت شركة تينسنت السحابية (Tencent Cloud) إطلاق أول منطقة سحابية لها في الشرق الأوسط، واختارت المملكة العربية السعودية لتكون نقطة انطلاقها. وتشمل هذه المنطقة مركز بيانات متطورا يضم "منطقتي توافر" (Availability Zones) مع نظام تكرار كامل للبيانات، وخدمات متقدمة في مجال السحابة والذكاء الاصطناعي. وتُعد هذه الخطوة جزءا من استثمار طويل الأجل بقيمة 150 مليون دولار يغطي البنية التحتية، والموارد، والعمليات التشغيلية خلال السنوات القادمة. ويرى هُو أن المنطقة السحابية الجديدة في السعودية "ستُمكّن الشركات في المملكة، والمنطقة ككل، من الاستفادة الكاملة من الفرص الرقمية وفرص الذكاء الاصطناعي المتاحة في قطاعات رئيسية، مثل الوسائط الرقمية والبث المباشر، وألعاب الفيديو، والرياضات الإلكترونية، والتجارة الإلكترونية، والسياحة، والخدمات المالية، والاتصالات، التي تُعدّ من الركائز الأساسية لطموحاتها التنموية". وستقدّم المنطقة الجديدة في المملكة العربية السعودية خدمات متطورة تشمل حلول البرمجيات، بالإضافة إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والتحليلات المتقدمة، وتقنيات الوسائط الرقمية، وتطوير "التطبيقات الفائقة" (Super Apps)، بما يعزز قدرة المؤسسات المحلية والإقليمية على تسريع تحولها الرقمي بشكل فعّال. تينسنت تجلب تجربة "وي شات" إلى الخليج تُعدّ التطبيقات الفائقة من أبرز الاتجاهات الرقمية التحوّلية التي بدأت تكتسب زخما حقيقيا في منطقة الخليج. هذا التحول من التطبيقات أحادية الغرض إلى منصات رقمية شاملة ومتكاملة يعكس توجها جديدا نحو خلق تجارب أكثر سلاسة وفاعلية للمستخدمين، بدلا من التنقل المرهق بين عشرات التطبيقات المنعزلة على الهاتف الذكي. في الصين، تتجسد هذه الرؤية في تطبيق "وي شن" (Weixin)، وهو النسخة الصينية من تطبيق "وي شات" (WeChat)، حيث تندمج خدمات مثل المراسلة، والدفع الإلكتروني، والتواصل الاجتماعي، وخدمات الجهات الخارجية في تجربة رقمية موحّدة يستخدمها أكثر من مليار مستخدم. ويبدو أن منطقة الخليج تسير على خطى مشابهة، حيث تتطلع الشركات والحكومات إلى تقديم خدمات متعددة ضمن تطبيق واحد يعزز التفاعل الرقمي مع الأفراد. ووفقا لتقرير صادر عن شركة غارتنر العالمية، من المتوقع أن يستخدم أكثر من 50% من سكان العالم التطبيقات الفائقة بحلول عام 2027، مما يُبرز أهمية هذا الاتجاه في تشكيل مستقبل الخدمات الرقمية على مستوى العالم. وفي هذا الإطار، أطلقت تينسنت السحابية منصتها المخصصة "سوبرآب- آز- إيه- سيرفيس" (SuperApp-as-a-Service) لدعم التحول الرقمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا استنادا إلى خبرتها العميقة في تطوير هذا النوع من الأنظمة البيئية. المنصة تقدم حلا تقنيا يسمح بتحويل تطبيقات الويب والهواتف المحمولة إلى برامج مصغّرة خفيفة الوزن، يمكن تشغيلها ضمن أي بنية تحتية سحابية وقال دان هو: "إن هذا يوفر بنية تحتية رقمية قوية تُعدّ أساسية لتحوّل المؤسسات والخدمات العامة". فعلى عكس التطبيقات المعزولة التي تُجبر المستخدم على القفز بين تطبيقات مختلفة للدفع، والتسوق، والمراسلة، فإن نموذج تينسنت يسعى لتقديم تجربة رقمية متكاملة تنسجم مع متطلبات المستخدم المعاصر". وأضاف هو: "لقد تبنّى الشرق الأوسط الابتكار الرقمي بوتيرة مثيرة للإعجاب، ونشهد بالفعل عديدا من التطبيقات الفائقة في السوق، ومع ذلك، فقد تطورت عديد من هذه المنصات من خلال دمج الخدمات في التطبيقات الحالية، مما يؤدي غالبا إلى تجارب مستخدم معقدة ومجزأة". ويتابع هو: "يركز نهجنا على إنشاء نظام بيئي متكامل ومصمم خصيصا من البداية إلى النهاية؛ نظام يُبسط الوصول ويُعزز سهولة الاستخدام ويُقدّم قيمة حقيقية لكل من المستخدمين ومقدمي الخدمات". شراكات محلية لتعزيز النمو تُطبّق تينسنت هذا النموذج بالفعل عبر شراكات مع جهات إقليمية. على سبيل المثال، دخلت في تعاون مع شركة الاتصالات الإماراتية "إي آند" (e&) -"اتصالات" سابقا- التي تتبنى حاليا حل التطبيقات الفائقة من تينسنت لإنشاء منصة "سوبر مول" رقمية عبر تطبيق "سمايلز" (Smiles). المنصة تُتيح لمزودي الخدمات من قطاعات مثل التجارة الإلكترونية وتجارة التجزئة والبقالة الانضمام وتقديم خدماتها ضمن منظومة رقمية موحدة. وهذا التوجه لا يخدم فقط المستخدمين عبر تسهيل الوصول إلى الخدمات، بل يُعزز أيضا من قدرة المؤسسات على التوسع، وتحقيق الكفاءة التشغيلية، وخلق منظومة اقتصادية رقمية متصلة على مستوى المنطقة. بصمة كفك… هويتك في المدن الذكية في ظل التطور السريع للبنية التحتية للمدن الذكية في الخليج، تتزايد الحاجة إلى حلول تحقق رقمية لا تكتفي بتأمين الوصول بل تقدم أيضا تجربة سلسة وآمنة للمستخدمين. هنا، تبرز تقنية التحقق البيومتري من راحة اليد، التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي للتعرف على البصمات الفريدة وأنماط الأوردة داخل الكف، كخيار متقدم لمعالجة التحديات التقليدية في مصادقة الهوية. تتميّز هذه التقنية بمستوى عالٍ من الأمان يصعب تزويره، كما أنها تُغني عن الحاجة للمسح الضوئي لبطاقات أو كلمات مرور، مما يجعلها مثالية للبيئات المتصلة والذكية. وتتمثل أبرز تطبيقاتها في: التحكم في الوصول إلى المباني الحكومية والمجمعات السكنية ومرافق الشركات الحساسة. الرعاية الصحية عبر تسهيل تسجيل المرضى والوصول الآمن والفوري إلى السجلات الطبية. التجزئة الذكية عبر تقديم تجارب تسوق مخصصة تتكامل فيها الهوية مع الدفع. وسائل النقل العامة من خلال إصدار التذاكر وتفعيل نقاط الدخول دون تلامس أو انتظار. وأكد دان هو، نائب رئيس تينسنت السحابية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فعالية هذه التقنية قائلا إن "تجربة المستخدم سريعة للغاية. وقت الاستجابة بالثواني، لذا فهي فورية". وأضاف أن هذه التقنية تعالج قيودا معروفة في تقنيات المصادقة التقليدية، مثل بصمات الأصابع أو التعرف على الوجه، مما يجعلها أكثر ملاءمة لبيئات متعددة المستخدمين والتطبيقات ذات الحساسية العالية للخصوصية. بفضل هذه التقنية، لم تعد المصادقة مجرد إجراء أمني، بل أصبحت جزءا من تجربة المستخدم اليومية في الفضاءات الذكية— من لحظة دخول المبنى، حتى لحظة الدفع أو الوصول إلى المعلومة. من أبو ظبي إلى الشاشة: كيف أصبح "خليفة" وجه السياحة الرقمية؟ في ظل سباق التحول الرقمي في الخليج، تتجه الأنظار نحو تقنية جديدة بدأت تحجز مكانا لها في المشهد التكنولوجي: البشر الرقميين، أو الشخصيات الافتراضية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، القادرة على التحدث والتفاعل والتعبير عن المشاعر بطريقة تحاكي البشر. هذه التقنية تمثل مرحلة متقدمة من أدوات التفاعل الرقمي، وتتجاوز النماذج التقليدية لروبوتات الدردشة، لتتيح للمؤسسات واجهات أكثر ذكاء وإنسانية في التعامل مع الجمهور، خصوصا في قطاعات مثل السياحة، والتعليم، وخدمة العملاء. من أبرز التطبيقات الإقليمية لهذه التقنية، شخصية "خليفة"، السفير الرقمي للثقافة والسياحة في أبو ظبي، الذي طُوّر باستخدام تقنيات تينسنت السحابية. ويتيح "خليفة" للزوار والمقيمين التفاعل مع المعلومات والخدمات السياحية والثقافية من خلال محادثات طبيعية تُقدَّم بلغات متعددة، بأسلوب يشبه التفاعل البشري. تتمثل قوة هذه التقنية في سهولة إنتاجها وسرعة تنفيذها، إذ يمكن إنشاء شخصية رقمية واقعية في أقل من 3 دقائق، انطلاقا من دقيقة واحدة فقط من تسجيل الفيديو. وهو ما يجعل استخدامها مناسبا في مجالات مثل خدمة العملاء، والترجمة الفورية، والتفاعل مع العلامات التجارية. من الألعاب إلى التوأم الرقمي: تينسنت تبني بيئة رقمية خليجية وفي سياق دعم التوسع في هذا النوع من الحلول، أبرمت تينسنت السحابية شراكة إستراتيجية مع شركة "زين تيك" (ZainTech) الإماراتية، المزود الإقليمي للحلول الرقمية، لتقديم تقنيات متقدمة في مجالات التحقق من الهوية والتوأم الرقمي. ويستهدف التعاون الشركات المحلية، بهدف رفع الكفاءة التشغيلية وتسريع عملية التحول الرقمي في قطاعات مختلفة. مع تنامي الاستثمارات الخليجية في السياحة والخدمات، يبدو أن البشر الرقميين سيشكلون رابطا جديدا بين الإنسان والتقنية، يوفر تجربة تفاعلية أكثر سلاسة وخصوصية، وقابلة للتطوير على نطاق واسع. أيضا تدرك تينسنت أن النجاح في المنطقة لا يعتمد فقط على تصدير الحلول، بل على بناء أنظمة بيئية رقمية متكاملة تتفاعل مع البنية الاقتصادية والاجتماعية لكل بلد. ولتجسيد هذا النهج، وسّعت الشركة شراكاتها الإقليمية، أبرزها التعاون مع شركة "بلاي أوت" (PlaysOut) المتخصصة في تطوير الألعاب، لإطلاق منصة لإنشاء ألعاب مصغّرة (Mini Games). تتيح هذه المنصة أدوات مرنة للشركات المحلية لبناء محتوى ترفيهي تفاعلي، قابل للتوسع، وملائم ثقافيا، مما يدعم تطوير القدرات التقنية في المنطقة. الخليج لا يستهلك التكنولوجيا… بل يُعيد تعريفها في الوقت الذي تواصل فيه دول الخليج تسريع خطواتها نحو التحول الرقمي، يتضح أنها لا تسير خلف الركب العالمي، بل تختط لنفسها مسارا يعكس خصوصيتها الثقافية وأولوياتها الاقتصادية. التوسع الأخير لتينسنت في المنطقة، من خلال مركز بيانات في السعودية، وتقديم حلول التطبيقات الفائقة، والتحقق البيومتري، والبشر الرقميين، لا يعكس فقط ثقل الشركة التقني، بل يكشف أيضا عن مرحلة جديدة من العلاقة بين الشركات العالمية والأسواق الخليجية علاقة تتجاوز بيع الخدمات إلى شراكة في بناء الأنظمة. التحول من مجرد استيراد أدوات جاهزة إلى مواءمة التكنولوجيا مع السياق المحلي يضع الخليج في موقع مميز، ليس فقط كمستهلك للتقنية، بل كطرف فاعل في صياغة مستقبلها. ورغم التحديات التي لا تزال قائمة، مثل تنظيم البيانات، وتوطين اللغات، وتعزيز الثقة بالحلول الرقمية، فإن السرعة في التبني، والانفتاح على الشراكات، والإرادة السياسية الواضحة تجعل من الخليج بيئة واعدة لتجارب تكنولوجية عالمية ذات طابع محلي.