
مكارثي المستعاد... أو "الفزع الأحمر" مجددا
في مقال نشرته "نيويورك تايمز" أخيراً بعنوان "لا تخدعوا أنفسكم بأن الأمر سيقتصر على جامعة كولومبيا"، كتب ديفيد فرنش عن قيام السلطات الأميركية أخيراً بملاحقة محمود خليل، طالب الدراسات العليا السابق في الشؤون الدولية بجامعة "كولومبيا"، وسعيها إلى ترحيله من الولايات المتحدة زاعمة أن لنشاطه السياسي تأثيراً سلبياً في السياسة الخارجية الأميركية، والأمر أن خليل كان من قيادات التظاهرات التي احتجت على الرد الإسرائيلي الغاشم على هجمات "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وقد كتب فرينش محذراً من أن انتهاك إدارة ترمب حرية التعبير لن يقتصر على جامعة واحدة بل هو أول الغيث في حقبة شبيهة بحقبة المكارثية الغابرة السيئة السمعة في التاريخ الأميركي الحديث.
غير أن هذه الحقبة الجديدة تشهد التعامل مع مناصرة القضية الفلسطينية بمثل ما عوملت به الشيوعية من قبل في عهد المكارثية، أو الفزع الأحمر، و"في حين ننظر بخجل إلى تجاوزات المكارثية في الماضي، فإننا سننظر بخجل إلى تجاوزات اللحظة الراهنة، إذا سمحنا لغضبنا من تظاهرات الحرم الجامعي أن يطغى على التزامنا الإجراءات القانونية الواجبة والتزامنا حرية التعبير".
مثل ملاحقة الساحرات
كتب فرينش يقول "إنني لست أول من يعقد هذه المقارنة" بين لحظة أميركا الراهنة ولحظة الفزع الأحمر وملاحقة الشيوعيين في فترة الحرب الباردة بمثل ملاحقة الساحرات في القرون الوسطى. ولعل الكاتب كلاي رايزن كان من هؤلاء الآخرين الذين انتبهوا إلى هذا التماثل وقصدهم فرينش، فقد أبدى رايزن تخوفاً مماثلاً، لا من إحلال القضية الفلسطينية محل الشيوعية بالضرورة، وإنما من أن جذور ما تعيشه أميركا اليوم يكمن في حقبة الفزع الأحمر، فقد أصدر كلاي رايزن حديثاً كتاباً بعنوان "الفزع الأحمر: القوائم السوداء والمكارثية ونشأة أميركا الحديثة" في 460 صفحة تفصل أسباب تخوفه هذا.
تكتب جيسيكا ماثيوز ["فورين أفيرز" - الـ25 من فبراير (شباط) 2025] أن المؤرخ والصحافي كلاي رايزن يعتقد أن جذور اليمين السياسي المتشدد في أميركا اليوم تمتد إلى زمن الفزع الأحمر الذي دام منذ أواسط الأربعينيات في القرن الـ20 وحتى عام 1957، حينما حاول المشرعون الأميركيون استئصال المتعاطفين مع الشيوعية من الحياة العامة في أميركا، ولا تتطابق حركة "ماغا" MAGA (أي إعادة أميركا إلى عظمتها من جديد) التي تدعم دونالد ترمب مع حركة مناصرة النائب جوزيف مكارثي في خمسينيات القرن الـ20 أو غيرها من الحركات اليمينية المؤثرة في الستينيات من القرن نفسه، ولكن ماغا، في ما يرى رايزن، تشترك معها في قدر كافٍ من الحمض النووي الثقافي، "بحيث إن معرفتنا للموضع الذي نقف فيه اليوم تستوجب فهم الموضع الذي كنا فيه من قبل".
ويصف رايزن، بسرده السلس، تحقيقات الكونغرس المطولة التي أجرتها لجنة مجلس النواب المعنية بالأنشطة غير الأميركية، ولجنة مجلس الشيوخ بقيادة مكارثي، وانتهاكات اللجنتين الصارخة القانون والحقوق المدنية وقوائمهما السوداء وحظرهما للكتب واختبارات الولاء والاختيارات المستحيلة التي فرضت على كل من مسَّتهم أوهى الشبهات وأكثرها افتقاراً لأي أساس، ولكن التاريخ الذي يقدمه رايزن يتجاوز قوائم هوليوود السوداء إلى الكشف عن قصص مؤامرات نالت من معلمين ونشطاء في حركات الحقوق المدنية بما أدى إلى "إلغاء" أفراد في مجالات الاقتصاد والحكومة وفي أي مجال له تأثير في الثقافة السائدة.
وكان كيفن بيراينو أشد وضوحاً في استعراضه الكتاب ["نيويورك تايمز" - الـ14 من يناير (كانون الثاني) 2025] فجعل عنوانه هو "إعادة أميركا إلى الفزع الأحمر من جديد"، مدخلاً تحريفاً هيناً على تسمية الحركة المناصرة لترمب والشعار الذي أقام عليه حملتيه الانتخابيتين.
يكتب بيرانيو أنه حينما حانت نهاية النائب جو مكارثي كان إدوارد مورو المذيع في "سي بي أس" هو من وجه إليه الضربة القاضية التي لم يبرأ منها قط، فقد قال إن منجز مكارثي الوحيد هو أنه "أربك الرأي العام"، لكن مورو أدرك أيضاً عمق الأخطار المحدقة بعقل الشعب الأميركي فدعا الأميركيين إلى "القبول بتواطئهم في مأساة المكارثية"، فمكارثي "لم يخترع حال الخوف" من الشيوعية بحسب ما قال مورو، "ولكن ما فعله حقاً هو أنه استغلها"، واستشهد المذيع بشكسبير ليؤكد مغزى كلامه "ليس الخطأ يا عزيزي بروتس في الأقدار والنجوم، إنما الخطأ فينا نحن".
مأزق حقبة الترمبية
يكتب بيرانيو أنه "قد لا يوجد تشخيص أفضل من هذا لمأزق حقبة الترمبية التي نعيشها، فالرجوع إلى حقبة الفزع الأحمر يكشف لنا قدراً كبيراً مما وصل بنا إلى ما نحن فيه الآن، فمثلما يتبين من كتاب كلاي رايزن الجديد، الغني بالتفاصيل، الوثيق الصلة باللحظة الراهنة، فإن في زمننا هذا أصداء من زمن المكارثية في منتصف القرن الـ20".
يصر رايزن - الصحافي في "نيويورك تايمز" الذي كتب من قبل في تاريخ ثيودور روزفلت فضلاً عن كتب أخرى - على أنه "غير معني برصد التماثلات بين الماضي والحاضر"، لكنه يغري بالبحث عن هذه التماثلات بحسب بيرانيو الذي ينقل عن رايزن قوله إنه "يترك للقارئ مهمة العثور على هذه التماثلات إن شاء"، ويقطع بيرانيو بأن رايزن في كتاب الفزع الأحمر "يتماس مع مناهضة الفاشية وتفوق البيض والنشاط السياسي في الجامعة ومناهضة النخبوية وثقافة الإلغاء وادعاء الفضيلة والتحرش الإلكتروني (بفضح المعلومات الشخصية) وحظر الكتب والتدخل في الانتخابات والعنصرية في معاداة المهاجرين وتجاوزات مكتب التحقيقات الفيدرالي ونظريات المؤامرة ومعاداة السامية ودولة المراقبة ومعاداة الاستعمار وعائلة كوخ والقومية المتطرفة القائمة على شعار (أميركا أولاً)"، ولا شك أن بعض بنود هذه القائمة مفهوم ذاتياً، وبعضه في حاجة إلى شيء من التوضيح، لكن المغزى عموماً هو أن رايزن يتناول في كتاب "تاريخي" يؤرخ لمنتصف القرن الـ20، كل هذه المواضيع الآنية الساخنة التي يختلف حولها الأميركيون، الآن ومنذ أعوام طويلة، وتؤثر في اختياراتهم لحكوماتهم اليوم.
يؤرخ رايزن - بحسب ما ينقل عنه بيرانيو - بداية الموجة الثانية من الفزع الأحمر بعام 1946 (وكانت الموجة الأولى قد اندلعت خلال الحرب العالمية الأولى) حينما توجه بيلي ويلكرسن، ناشر مجلة "هوليوود ريبورتر"، وهو الرجل المحافظ المعادي للشيوعية ليعترف أمام القسيس في كنيسته الكاثوليكية فقال "أبتاه، سأبدأ حملة، وسوف تلحق ضرراً كبيراً، ولا أعرف ماذا أفعل"، فقال له القسيس "فلتنل من هؤلاء الأوغاد يا بيلي".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على مدى العقد التالي دمر المناهضون للشيوعية، بحماسة صليبية، ما لا حصر له من مصادر الرزق، دافعين بأخيار من الرجال والنساء إلى الجحيم على الصعيد المهني، بل وإلى الانتحار في بعض الحالات. وحتى من نجوا من تلك المحنة - من طريق الوشاية في الغالب بزملائهم - بقيت في قلوبهم ندوب غائرة. فمن أولئك - وهو الممثل ستريلنغ هايدن - من قال لطبيبه النفسي "لا أعتقد أن لديك أوهى فكرة ضبابية عن مدى احتقاري لنفسي منذ اليوم الذي فعلت فيه ذلك".
لكن رايزن لا يغالي في تقدير قوة الأفراد من أمثال هايدن ومكارثي، بل إنه يرسم صورة للفزع الأحمر باعتباره معركة ثقافية أججتها توترات الحرب الباردة العميقة في منتصف القرن، ويقول بوضوح إن الفزع الأحمر صراع لم يخمد قط، ويشبه رايزن القوة التدميرية للهب المكارثية بفحم ظل مضطرماً تحت الأرض على مدى غالب القرن الماضي.
ويبين أيضاً أن ذلك اللهب كان يذكيه أعضاء من كلا الحزبين السياسيين، فالديمقراطيون في حقبة ما يعرف بـ"الصفقة الجديدة" كانوا شديدي الاهتمام بمحاربة التطرف اليميني، فقادوا نسخاً مبكرة من لجان التحقيق، وكان الرئيس الديمقراطي هاري ترومان هو الذي جعل لبرنامج الولاء شكلاً مؤسسياً، فكان دعامة حركة مناهضة الشيوعية في بدايتها، وتماماً كما أقام إيلون ماسك اليوم إدارة الكفاءة الحكومية على وكالة من عهد أوباما، فقد تولى جمهوريون في أواسط القرن الـ20 زمام أجهزة سلطة أسسها ديمقراطيون ثم قلبوها على أعدائهم المحليين.
متى كانت أميركا عظيمة؟
يرى بيرانيو أن رايزن يحكي قصته بأسلوب قوي مقتصد شبيه بأسلوب همنغواي، فيكتب عن مكارثي أنه "كان مقرف الثياب، مقرف الطعام، مقرف الكلام"، ويدخر للرئيس الأميركي الـ37 قوله "لم يكن أحد عدا أهله يكن الإعجاب لريتشارد نيكسون، لا في زمنه، ولا قبله، ولا إلى الأبد"، ويقول بيرانيو إن "بعض مشاهد رايزن يبلغ من الصدق أن العرق قد يسيل منك إذ تقرأ عن شاهد وهو ماثل أمام لجنة تحقيق في غرفة سيئة التكييف".
وعلى رغم أن كثيراً مما يقدمه رايزن في كتابه مطروق من قبل عند مؤرخين آخرين، يبقى لكتابه صداه القوي مع ما يجري الآن، وذلك بحسب ما يكتب بيرانيو، "لأنه يخاطب مأزقنا الحالي رأساً، فبالنسبة إلى الأميركيين في اليسار، كان من ضمن ما دفعهم إلى اليأس في أعقاب انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 شعور بأن الترمبية متفشية، وأنها ليست بالأمر الاستثنائي، فمن الواضح اليوم أن العنصرية ورهاب الأجانب متأصلان في النسيج الأميركي".
في استعراضه الكتاب ["لوس أنجليس تايمز" - الـ13 من مارس (آذار) 2025]، يكتب كريس فونغار أن رايزن يحرص على إيضاح أن كثراً للغاية من الأميركيين انضموا إلى الحزب الشيوعي، وبخاصة في ثلاثينيات القرن الـ20 حين كانت الرأسمالية الأميركية على شفا الانهيار، "وكان بعض أولئك الناس يمثلون خطراً أمنياً جسيماً، وفي الوقت نفسه لم يكن من نقص في الأيديولوجيين والدجالين الذين استغلوا هذه الحقيقة للقضاء على المعارضة الأميركية البارزة، ولا تنفي أي من الحقيقتين الأخرى، فما يؤرخ له رايزن، في حقيقة الأمر، هو أن الهستيريا الوطنية قد تكون لها حياتها الخاصة، كأنها حلم قاتل محموم يسيطر على الوعي العام".
ومثلما أشار كل مقال تقريباً من المقالات التي استعرضت كتاب "الفزع الأحمر" إلى شعار ترمب الخاص باستعادة عظمة أميركا، يستهل بيفرلي كيج استعراضه المطول القيم ["ذي نيويوركر" – الـ10 من مارس 2025] بسؤال "متى بالضبط كانت أميركا عظيمة؟ منذ أن بدأ دونالد ترمب يروج شعار (ماغا) وهو عازف عن الإجابة، لكن الأسابيع الأخيرة تشي ببعض الإجابات المحتملة، ومن هذه الإجابات ما يعرف بــ(العصر الذهبي) the Gilded Age في أواخر القرن الـ19 عندما كانت التعريفات الجمركية ورأسمالية المحاسيب والتراتبية العرقية هي التي تمثل جوهر النظام السياسي الأميركي، وثمة إجابة محتملة أخرى هي أن أميركا كانت عظيمة حقاً في حقبة الفزع الأحمر في ما بعد الحرب العالمية، حينما تحول الحكم الأميركي إلى سلاح مشهر في وجه اليسار الأميركي".
ويمضي بيفرلي كيج فيكتب أن "ترمب تعهد منذ أمد بعيد باستئصال كل من مجانين اليسار المتطرفين والمساواة الماركسية من أحشاء الدولة الأميركية، ويبدو أن غالب أعضاء إدارة ترمب الآن يشاركونه هذا الالتزام، فقد أعلن إيلون ماسك أن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية - السابقة - تمثل 'وكراً للماركسيين اليساريين المتطرفين' وتستحق التدمير، كذلك فإن وزير الدفاع بيت هيغسيث قد وعد بتخليص الجيش الأميركي من (الماركسية الثقافية)، ففي تحديث للأسطورة اليهوبلشفية (أي اليهودية والبلشفية) القديمة، باتت الماركسية الثقافية الآن هي المصطلح المفضل لدى اليمين للالتفاف على حقيقة بديهية هي أن هناك ندرة متلاشية من الماركسيين العقديين، وشبه غياب تام لحزب شيوعي نشط في الولايات المتحدة اليوم. والماركسية الثقافية، خلافاً للماركسية الفعلية، تضم تقريباً أي صورة للتقدمية والتعددية الثقافية والمساواتية، لذلك فإن الحرب على مبادرات التنوع والمساواة والاحتواء وتظاهرات الجامعات والصفقة الجديدة الخضراء هي في واقع الأمر الحرب القديمة نفسها على الشيوعية، لذلك فقد يكون الوقت الآن ملائماً لأن نراجع جميعاً معلوماتنا التاريخية عن الفزع الأحمر".
عقود من الأسرار
وهنا يثني بيفرلي كيج على كتاب رايزن ثناءً واضحاً، إذ يقول إن موضوع الفزع الأحمر لم يلق تقريباً دراسة تاريخية حقيقية من قبل، فـ"خلال النصف الثاني من القرن الـ20، كان الموضوع شديد الاشتعال بحيث إنه لا يتلاءم مع الدراسة التاريخية، لم يكن بوسع أحد إلا أن يكون مع جو مكارثي أو ضده، ومع ألجر هيس أو ضده، ومع آل روزنبرغ أو ضدهم، ثم جاءت نهاية الحرب الباردة بموجة من العمل الرامي إلى تقييم بدايات جديدة على المستويات السياسية والأرشيفية والمفاهيمية، وللمرة الأولى بات ممكناً لمؤرخين غير ماركسيين أن يكتبوا بإعجاب عن الحزب الشيوعي ومواقفه من الحقوق المدنية ومعاداة الفاشية دونما اضطرار إلى إدانة ستالين في كل صفحة مما يكتبون، وفحص المؤرخون المواد السرية التي كشفتها أجهزة الاستخبارات الأميركية بل والوثائق التي كشفتها لفترة وجيزة الحكومة ما بعد السوفياتية بهدف الوصول إلى عمق عقود من الأسرار".
ثم انتهت تلك الموجة وتبدد ما كان فيها من الطاقة، وانتقلت الحمية الأكاديمية إلى قضايا أخرى باعتبارها أكثر إلحاحاً وعلاقة بالقرن الـ21، فحتى الأكاديميون الذين يصفون أنفسهم بالماركسيين لم يبدوا اهتماماً يذكر بقضايا من قبيل أعمال الحزب الشيوعي الأميركي السرية في ذروة حقبة المكارثية، وكان من نتائج ذلك أن بات يصعب على الأجيال الأحدث أن تفهم أسباب كل ذلك الانفعال الشديد الذي اعتري الجميع، وهذا ما يأتي كتاب رايزن الجديد ليعالجه.
العنوان: RED SCARE: Blacklists, McCarthyism, and the Making of Modern America
تأليف: Clay Risen
الناشر: Scribner

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المناطق السعودية
منذ 3 ساعات
- المناطق السعودية
صحيفة أميركية: إسرائيل تجنّبت استهداف الوقود النووي في هجومها على إيران
ألحقت إسرائيل أضرارًا بالغة بأحد المواقع النووية الإيرانية الرئيسية، وأودت بحياة عددٍ كبيرٍ من كبار المسؤولين العسكريين والنوويين في الهجمات التي انطلقت صباح الجمعة. واتضح، مع بزوغ فجر ذلك الهجوم المدمر، الحجم الفعلي للبرنامج النووي الإيراني المتبقي، على الأقل في الوقت الحالي. وبحسب تقرير أوردته 'نيويورك تايمز' New York Times الأميركية، يبدو أن الضربات الإسرائيلية قد دمرت موقعًا لإنتاج الوقود النووي فوق الأرض ومراكز إمدادات كهربائية في أكبر مركز لتخصيب اليورانيوم في إيران، في نطنز. ويُعدّ مقتل بعض كبار العلماء النوويين الإيرانيين استمرارًا لحملة إسرائيلية طويلة الأمد تستهدف الخبرة اللازمة لصنع القنبلة النووية في إيران. إلا أن المرحلة الأولى من الهجمات الإسرائيلية لم تصب المستودع الأكثر احتمالًا لاحتوائه على الوقود النووي الإيراني، الذي يُصنّف تقريبًا كقنبلة، وربما كان ذلك متعمدًا وفقا لصحيفة 'نيويورك تايمز'. ويُخزّن هذا المخزون في مجمع ضخم خارج العاصمة القديمة أصفهان، وفقًا للمفتشين الدوليين المكلفين بقياسه ومراقبته. وقد ابتعدت طائرات إسرائيل المقاتلة المئة وأسراب الصواريخ والطائرات المسيرة عن أصفهان في موجتها الأولى، على الرغم من أنها تُعدّ من أكبر المواقع النووية في البلاد، ووفقًا لأجهزة الاستخبارات الغربية، تُعدّ أحد مراكز برامج أبحاث الأسلحة السرية الإيرانية. وأصدر الجيش الإسرائيلي بيانًا بعد ظهر الجمعة، يفيد بأنه في موجة ثانية من الهجمات، ضرب أصفهان بالفعل، لكنه لم يقصف مخزون الوقود. وبدلًا من ذلك، ركّز على المختبرات التي تعمل على تحويل غاز اليورانيوم إلى معدن، وهي إحدى المراحل الأخيرة في صنع سلاح نووي. لكنه لم يذكر شيئًا عن ضرب المنطقة التي يُخزّن فيها الوقود نفسه. وقال رافاييل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تتعقب الوقود للتأكد من عدم تحويله إلى مشاريع أسلحة، يوم الجمعة، بعد ساعات قليلة من بدء الهجمات: 'لقد رأينا الوقود هناك مؤخرًا'. وكان المفتشون داخل منشآت أصفهان على مدار الأسابيع القليلة الماضية، يُجرون عمليات الجرد النهائية للتقرير ربع السنوي عن قدرات إيران الذي وُزّع على مجلس إدارة الوكالة هذا الشهر، حيث ركّز على امتثال إيران لمطالب المفتشين. وناقش رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامبن نتنياهو الخطر الذي يشكله هذا المخزون قائلا: 'في الأشهر الأخيرة، اتخذت إيران خطوات لم يسبق لها مثيل، خطوات لتحويل هذا اليورانيوم المُخصّب إلى سلاح'. وجادل بأنه إذا لم يُوقف فإن إيران 'ستُنتج سلاحًا نوويًا في وقت قصير جدًا'. وأضاف نتنياهو: 'قد يكون ذلك في غضون عام، أو بضعة أشهر – أو أقل من عام'. ولم يُجب المسؤولون الإسرائيليون على استفسارات حول سبب تجنّبهم استهداف المخزون، على الأقل في الوقت الحالي، بحسب الصحيفة الأميركية. لكن من المُحتمل أن يُستهدف مُجمّع أصفهان في موجة هجومية قادمة. وصرّح الرئيس ترامب يوم الجمعة بأنّ 'هناك المزيد في الطريق، أكثر بكثير'، مُضيفًا أنّ الهجمات القادمة ستكون 'وحشية'، وفقا للصحيفة. لكن خبراء من خارج المنظمة يعتقدون أن تجنب أصفهان كان خيارًا متعمدًا. وقال جون وولفستال، من اتحاد العلماء الأميركيين، الذي يتابع التقدم النووي الإيراني عن كثب: 'إن عدم قصف إسرائيل لمنشأة معروفة لإنتاج اليورانيوم في أصفهان، يشير إما إلى أن نتنياهو كان قلقًا من أن يتسبب القصف في حادث إشعاعي، أو أنهم يعتقدون بالفعل أن إيران قد تقوم بتسليم مخزوناتها من اليورانيوم طواعيةً'. وهناك قلق فعلي بشأن وقوع 'حادث إشعاعي' حقيقي. فقصف موقع تخزين الوقود بشكله الحالي لن يُؤدي إلى انفجار نووي، ولكنه قد يُطلق الوقود الإشعاعي في البيئة، ما يُسبب خطرًا إشعاعيًا، ويحول محطة أصفهان إلى قنبلة ذرية. ويشير التاريخ إلى أن إسرائيل حساسة للغاية لخطر إطلاق مواد مشعة. وهناك تفسير محتمل آخر هو اعتقاد المسؤولين الإسرائيليين بقدرتهم على منع الإيرانيين من زيادة تخصيب المخزون إلى مستويات صالحة لصنع القنابل – 90% -، وهي عملية لن تستغرق سوى أيام أو أسابيع، وفقًا للتقديرات العلنية لأجهزة الاستخبارات الأميركية.


الشرق السعودية
منذ 5 ساعات
- الشرق السعودية
الرئيس الفرنسي لــ"الشرق": سنعترف بالدولة الفلسطينية قريباً
تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في تصريحات لـ"الشرق"، على هامش لقاء عقده مع صحافيين وممثلين لمؤسسات مجتمع مدني فلسطينية وإسرائيلية، بأن تعترف بلاده بـ"دولة فلسطين" في المؤتمر الذي ستنظمه فرنسا مع السعودية في نيويورك، قريباً. وفي رده على سؤال، بشأن ما إذا ما كانت هناك شروط للاعتراف بالدولة الفلسطينية، قال ماكرون: "لا شروط. الاعتراف سيتم من خلال عملية تتضمن وقف الحرب على غزة، واستئناف دخول المساعدات الإنسانية للقطاع، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين ونزع سلاح حركة حماس". وأكد: "هذه رزمة واحدة". وأشار الرئيس الفرنسي، إلى أن فرنسا اتفقت مع السعودية على تأجيل موعد المؤتمر الذي تعقده الأمم المتحدة، وتنظمه الدولتان، إذ كان من المفترض عقده الأسبوع المقبل في نيويورك، لافتاً إلى أن التطورات الحالية، تمنع الرئيس الفلسطيني محمود عباس من السفر والوصول إلى نيويورك بسبب وقف الطيران في المنطقة. وأوضح ماكرون، أنه تحدث، الجمعة، عدة مرات، مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ووكذلك الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وجرى الاتفاق على "تأجيل الاجتماع لموعد لن يكون بعيداً". وقال إن الرئيس الإندونيسي وعده بالاعتراف بإسرائيل في حال اعترفت فرنسا بالدولة الفلسطينية، موكداً "ضرورة استمرار هذه الديناميكية". المؤتمر الدولي للتسوية السلمية لقضية فلسطين وأظهرت ورقة المؤتمر الدولي للتسوية السلمية لقضية فلسطين، والذي كان مقرراً عقده في نيويورك في الفترة بين 17و 20 يونيو الجاري، برئاسة السعودية وفرنسا، أن المؤتمر يُعقد على أساس أن "حل الدولتين" هو المرجعية، وأن يرتبط التنفيذ بإطار زمني محدد، وتحديد التزامات عملية لكل الأطراف، ووضع آليات دولية لضمان الاستمرارية. وأفادت الورقة، التي حصلت "الشرق" على نسخة منها، أن تنفيذ حل الدولتين يجب أن يكون مستقلاً عن التطورات المحلية والإقليمية، ويضمن الاعتراف الكامل بدولة فلسطين كجزء من الحل السياسي، على أن يكفل احترام حقوق الشعوب ورغبتها في السلام والأمن. وأشارت الورقة إلى أن هجمات 7 أكتوبر 2023 والحرب على غزة، أسفرت عن تصعيد غير مسبوق في العنف وخسائر هائلة في الأرواح، وأزمة إنسانية هي الأسوأ على الإطلاق، ودمار واسع النطاق، ومعاناة كبيرة للمدنيين على الجانبين، بما في ذلك المحتجزين وعائلاتهم وسكّان غزة. وأكدت الورقة أن الأنشطة الاستيطانية تهدد حل الدولتين، الذي يُعدّ الطريق الوحيد لتحقيق سلام عادل ودائم وشامل في المنطقة، الأمر الذي ينعكس سلباً على السلام والأمن والازدهار الإقليمي والدولي. وأوضحت أن المؤتمر يهدف إلى تغيير المسار عبر البناء على المبادرات الوطنية والإقليمية والدولية، واعتماد تدابير ملموسة لتعزيز احترام القانون الدولي، ودفع عجلة السلام العادل والدائم والشامل الذي يضمن الأمن للجميع في المنطقة ويعزّز الاندماج الإقليمي. ويشكّل المؤتمر تأكيداً على التزام المجتمع الدولي الثابت بالتسوية السلمية لقضية فلسطين وحل الدولتين، وعلى ضرورة التحرك العاجل لتحقيق هذين الهدفين.


الشرق السعودية
منذ 5 ساعات
- الشرق السعودية
عباس يقدم تعهدات "غير مسبوقة" إلى رئاسة مؤتمر "حل الدولتين"
وجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، رسالة إلى رئاسة المؤتمر الدولي رفيع المستوى بشأن التسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين، المزمع عقده في نيويورك برئاسة سعودية فرنسية، تتضمن "تعهدات غير مسبوقة". وقال قصر الإليزيه، الثلاثاء، إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تلقى رسالة من عباس، قبل أيام من المؤتمر الدولي الذي تنظمه الرياض وباريس، بين 17 و20 يونيو، وسط توقعات بأن تصبح خلاله فرنسا أبرز قوة غربية تدعم الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة. وذكرت الرئاسة الفرنسية، أن عباس أدان خلال الرسالة هجوم حركة "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، ودعا إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين، وتعهَّد بمزيد من الإصلاحات. ويرأس عباس، البالغ من العمر 89 عاماً، السلطة الفلسطينية، المعترف بها دولياً، منذ وفاة ياسر عرفات في 2004. وتمارس السلطة الفلسطينية حكماً ذاتياً محدوداً في أجزاء من الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، لكنها فقدت السيطرة على غزة لصالح منافستها "حماس" منذ عام 2007. وسبق أن أدانت السلطة الفلسطينية حركة "حماس" على خلفية هجوم السابع من أكتوبر الذي أشعل فتيل الحرب على غزة، ودعت إلى نزع سلاح الحركة في أي تسوية مستقبلية. تعهدات "غير مسبوقة" وقال مكتب ماكرون، الذي ينظم مؤتمراً دولياً مع السعودية لمناقشة الاعتراف بدولة فلسطينية، إن الرسالة الموجهة للرئيس الفرنسي تتضمن تعهدات "غير مسبوقة"، دون الخوض في تفاصيل. ونقل مكتب الرئيس الفرنسي عن عباس قوله في الرسالة: "لن تحكم حماس غزة بعد الآن، وعليها تسليم أسلحتها وقدراتها العسكرية لقوات الأمن الفلسطينية التي ستشرف على إخراجها من الأراضي الفلسطينية المحتلة بدعم عربي ودولي". وتقول إسرائيل إنها لن تقبل بأي دور للسلطة الفلسطينية في غزة بعد الحرب، وتنتقد الدول التي تفكر في الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، معتبرة أن ذلك سيكون مكافأة لحركة "حماس" على هجماتها. الاعتراف بالدولة الفلسطينية وقال مسؤولون فرنسيون إن ماكرون يميل إلى الاعتراف بدولة فلسطينية قبل مؤتمر الأمم المتحدة الذي تتشارك فرنسا والسعودية في تنظيمه خلال الفترة من 17 إلى 20 يونيو. وأواخر مايو الماضي، أكد الرئيس الفرنسي رغبته في رؤية نهاية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني عن طريق "حل الدولتين"، مشدداً على أنه "لا توجد معايير مزدوجة في السياسة الفرنسية" تجاه الشرق الأوسط. وأضاف ماكرون: "الحل السياسي وحده هو الذي سيجعل من الممكن استعادة السلام والبناء على المدى الطويل. سننظم قريباً، بالتعاون مع السعودية، مؤتمراً حول غزة في نيويورك، لإعطاء زخم جديد للاعتراف بالدولة الفلسطينية والاعتراف بدولة إسرائيل وحقها في العيش بسلام وأمن في هذه المنطقة". وإذا اتخذ ماكرون الخطوة، ستصبح فرنسا، التي تضم أكبر عدد من اليهود والمسلمين في أوروبا، أول بلد غربي من الوزن الثقيل يعترف بدولة فلسطين، مما قد يمنح دفعة قوية لخطوة تقودها حتى الآن دول أصغر منتقدة عادة لإسرائيل. وفي تصريح سابق، قال وزير الخارجية النرويجي، إسبن بارث إيدي، لـ"رويترز": "إذا اتخذت فرنسا الخطوة، ستلحق بها العديد من الدول (الأوروبية)". وشهد موقف ماكرون تحولاً في ظل تكثيف إسرائيل هجماتها على غزة، وتصاعد أعمال العنف التي يرتكبها مستوطنون إسرائيليون في الضفة الغربية. وهناك شعور متزايد في باريس بضرورة التحرك الآن قبل أن تندثر فكرة حل الدولتين للأبد.