
وبالوالدين إحساناً
وتارة يأمر بالإحسان إليهما أمراً جازماً مقترناً بتوحيده وعبادته، ليعلم الأولاد أن من لازم الإيمان بالله وأداء عبادته الإحسان إلى الوالدين، وأن الإخلال بحق الوالدين هو إخلال بعبودية الله تعالى، فلا تكمل عبادته لربه وهو يخالف أمره بالإحسان ونهيه عن الإساءة.
وتارة بالثناء على البَرَرَة ليكون حافزاً لغيرهم أن يحذوا حذوهم حتى ينالوا مثل ذلك الثناء، إلى غير ذلك من حديثه الصريح أو الإشاري لحق الوالدين على الأولاد.
وإنما كانت هذه العناية الإلهية بالوالدين لعلمه سبحانه ما قد يكون من الأولاد من تفريط بحق والديهما، إما استخفافاً وتهاوناً من غير نكران حقهما، وإما عقوقاً وتنكراً لفضلهما، فكانت هذه العناية لحمل الأولاد على أداء حقوق الوالدين أياً كان حالهم، أغنياء أو فقراء، أصحاء أو مرضى، محسنين أو مسيئين؛ لأن حقوقهما ثابتة بالولادة بغض النظر عن أي شيء آخر، والتنكر لصاحب الحق يُعدّ انحرافاً عن الفكر السوي، والنهج الإنساني.
والمتأمل في حال كثير من الأولاد اليوم يرى أنه قد غاب عنهم مفهوم الإحسان للوالدين، فيرون أن الإحسان هو عدم الإيذاء، فيسلكون مسلك الاعتزال والاستغناء بالذات نظراً لاستقلالهم المعيشي، ولا يشعرون أن هذا نوع من الأذى النفسي الكبير للوالدين، ومنهم من يرى أن الوالدين قويان سويان غنيان فلا يحتاجان إلى تحنن وتعطف ومؤانسة، وهذا يُعدّ صدوداً وجحوداً لمعنى الوالدية.
والأدهى من ذلك كله أن يقصروا الإحسان في الأم، ويلووا أعناقهم عن أبيهم لسبب أو لغيره، وينسوا حديث القرآن عن الوالدين معاً، وقد يستندون لحديث الأمر ببر الأم ثلاثاً، ويجهلون أن الأم لم تستقل بالبر في الحديث، بل كانت العناية بها فيه؛ لما هي عليه من الضعف الجسدي والنفسي أحياناً، من غير تفريط بحق الأب؛ لأن التفريط بحقه يُعدّ عقوقاً مشؤوماً، فيوجب غضب الله تعالى وحرمانه من رحمته وجنته، واستحقاقه أن يكون مع مرتكبي الكبائر الموبقات، فضلاً عن أنه بذلك يُهيئ نفسه لينال من أولاده مثل ما كان يعامل به أباه، لأن البر دين وسلف فكما تدين تُدان، ألا فليحذر الأولاد التفريط بحقوق الوالدين، أو الميل كل الميل إلى أحدهما دون الآخر، فالوالدان أوسط أبواب الجنة فليضِع الولد ذلك أو يحفظه.
والله المستعان
* كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشارقة 24
منذ 10 ساعات
- الشارقة 24
المنتدى الإسلامي في الشارقة يختتم فعاليات دورته العلمية الـ25
الشارقة 24 – وام: أسدل المنتدى الإسلامي في الشارقة، الستار على فعاليات الدورة العلمية الخامسة والعشرين، التي أقيمت تحت شعار "ويعلِّمكم الله"، في جامع المغفرة بمدينة الشارقة، خلال الفترة من 21 يونيو الماضي إلى 3 يوليو الجاري، بمشاركة نخبة من العلماء والأكاديميين والمتخصصين في علوم الشريعة . حضور علمي لافت وتفاعل واسع من مختلف فئات المجتمع وشهدت الدورة، حضوراً علمياً لافتاً وتفاعلاً واسعاً من مختلف فئات المجتمع، وتنوّعت محاورها بين علوم القرآن الكريم، والحديث النبوي، وأصول الفقه، والتزكية، إضافة إلى مجالس الإقراء، وقدمها عدد من العلماء المعروفين الذين أثروا الجلسات العلمية بمحتوى معرفي يعكس التوازن بين الأصالة والمعاصرة . مشروع معرفي متكامل يرسخ النموذج الحضاري في نشر العلوم الشرعية وأكد سعادة الدكتور ماجد بوشليبي، الأمين العام للمنتدى الإسلامي ورئيس اللجنة العليا المنظمة، أن الدورة العلمية جاءت كمشروع معرفي متكامل يسعى إلى ترسيخ النموذج الحضاري في نشر العلوم الشرعية، وتعزيز وعي أفراد المجتمع عبر ربطهم بالمصادر العلمية الموثوقة، وتهيئة بيئة تعليمية أصيلة تتيح التواصل المباشر مع العلماء وطلبة العلم . شكر وتقدير لكافة الجهات المتعاونة والداعمة لإنجاح الدورة وأعرب بوشليبي، عن شكره وتقديره لكافة الجهات المتعاونة والداعمة لإنجاح الدورة، وفي مقدمتها هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون، وهيئة الطرق والمواصلات، ودائرة الشؤون الإسلامية، ومركز الشارقة للاتصال، ومركز الشارقة للعمل التطوعي، وبلدية مدينة الشارقة، ومركز الشيخ حمدان بن محمد آل نهيان لتحفيظ القرآن الكريم، وتعاونية الشارقة . يلبّي حاجة مجتمعية متزايدة لبناء الحصانة الفكرية وتعزيز الهوية الإسلامية من جانبه، أوضح الدكتور محمد نور الدين الأنيس رئيس اللجنة العلمية للدورة، أن انعقاد الدورة في هذا التوقيت، يلبّي حاجة مجتمعية متزايدة لبناء الحصانة الفكرية وتعزيز الهوية الإسلامية، مشيراً إلى أن الثقافة الإسلامية الأصيلة، كانت ولا تزال السياج الأول لحماية الفرد والمجتمع . النجاح الملحوظ يعكس فاعلية الجهود الإعلامية والتسويقية في إيصال رسالة المنتدى بدوره، أشاد سيف يوسف رئيس اللجنة الفنية والإعلامية، بحجم التفاعل والمشاركة في هذه الدورة، مؤكداً أن النجاح الملحوظ يعكس فاعلية الجهود الإعلامية والتسويقية في إيصال رسالة المنتدى، وتعزيز حضوره في المشهد الثقافي والديني بإمارة الشارقة . تكريم نخبة من المحاضرين والمشاركين بمنحهم شهادات تقديرية وفي ختام الدورة، كرّم الدكتور ماجد بوشليبي، نخبة من المحاضرين والمشاركين بمنحهم شهادات تقديرية، عرفاناً بجهودهم العلمية ومشاركتهم في إثراء فعاليات الدورة . المشاركون يؤكدون أهمية استمرار الدورة في تعزيز الثقافة الإسلامية وأعرب المشاركون، عن امتنانهم لهذه المبادرة العلمية، مؤكدين أهمية استمراريتها في تعزيز الثقافة الإسلامية وترسيخ قيم العلم والمعرفة في المجتمع، في ظل ما توليه إمارة الشارقة من اهتمام بالغ بالعلم والعلماء .


الإمارات اليوم
منذ يوم واحد
- الإمارات اليوم
وبالوالدين إحساناً
المتأمل في حديث القرآن الكريم عن الوالدين لا ينقضي عجبه من العناية الربانية بالوالدين، فتارة يوصي بهما، ليكون للوصية أثرها في تحنُّن الأولاد، لأن الذي أوصى بهما هو الرب سبحانه، وكفى بوصيته سبحانه وازعاً. وتارة يأمر بالإحسان إليهما أمراً جازماً مقترناً بتوحيده وعبادته، ليعلم الأولاد أن من لازم الإيمان بالله وأداء عبادته الإحسان إلى الوالدين، وأن الإخلال بحق الوالدين هو إخلال بعبودية الله تعالى، فلا تكمل عبادته لربه وهو يخالف أمره بالإحسان ونهيه عن الإساءة. وتارة بالثناء على البَرَرَة ليكون حافزاً لغيرهم أن يحذوا حذوهم حتى ينالوا مثل ذلك الثناء، إلى غير ذلك من حديثه الصريح أو الإشاري لحق الوالدين على الأولاد. وإنما كانت هذه العناية الإلهية بالوالدين لعلمه سبحانه ما قد يكون من الأولاد من تفريط بحق والديهما، إما استخفافاً وتهاوناً من غير نكران حقهما، وإما عقوقاً وتنكراً لفضلهما، فكانت هذه العناية لحمل الأولاد على أداء حقوق الوالدين أياً كان حالهم، أغنياء أو فقراء، أصحاء أو مرضى، محسنين أو مسيئين؛ لأن حقوقهما ثابتة بالولادة بغض النظر عن أي شيء آخر، والتنكر لصاحب الحق يُعدّ انحرافاً عن الفكر السوي، والنهج الإنساني. والمتأمل في حال كثير من الأولاد اليوم يرى أنه قد غاب عنهم مفهوم الإحسان للوالدين، فيرون أن الإحسان هو عدم الإيذاء، فيسلكون مسلك الاعتزال والاستغناء بالذات نظراً لاستقلالهم المعيشي، ولا يشعرون أن هذا نوع من الأذى النفسي الكبير للوالدين، ومنهم من يرى أن الوالدين قويان سويان غنيان فلا يحتاجان إلى تحنن وتعطف ومؤانسة، وهذا يُعدّ صدوداً وجحوداً لمعنى الوالدية. والأدهى من ذلك كله أن يقصروا الإحسان في الأم، ويلووا أعناقهم عن أبيهم لسبب أو لغيره، وينسوا حديث القرآن عن الوالدين معاً، وقد يستندون لحديث الأمر ببر الأم ثلاثاً، ويجهلون أن الأم لم تستقل بالبر في الحديث، بل كانت العناية بها فيه؛ لما هي عليه من الضعف الجسدي والنفسي أحياناً، من غير تفريط بحق الأب؛ لأن التفريط بحقه يُعدّ عقوقاً مشؤوماً، فيوجب غضب الله تعالى وحرمانه من رحمته وجنته، واستحقاقه أن يكون مع مرتكبي الكبائر الموبقات، فضلاً عن أنه بذلك يُهيئ نفسه لينال من أولاده مثل ما كان يعامل به أباه، لأن البر دين وسلف فكما تدين تُدان، ألا فليحذر الأولاد التفريط بحقوق الوالدين، أو الميل كل الميل إلى أحدهما دون الآخر، فالوالدان أوسط أبواب الجنة فليضِع الولد ذلك أو يحفظه. والله المستعان * كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه


الاتحاد
منذ يوم واحد
- الاتحاد
قم للمعلم.. فهو الأساس
قم للمعلم.. فهو الأساس قدِم الصحابي الجليل معاذ بن جبل -رضي الله عنه- من اليمن، بعد أن أدى مهمته في تعليم الناس الإسلامَ، ودخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتلقّاه بالترحيب قائلاً: «قوموا إلى سيدكم..». وكانت هذه لفتة كريمة مِن سيد الخلق أجمعين إلى قيمة المعلم في المجتمع ودوره في تربية أفراد الأمة لرفعتها وإنارة سُبل حياة العلم في أروقته. بعد ذلك بقرون جاء شوقي ليذكّرنا بأهمية وظيفة المعلم في قطاع التربية والتعليم لدى كل المجتمعات، حيث بث أبياته المشهورة التي مطلعها: قُم للمعلم وفِّه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا أقول من وحي تجارب الأمم السابقة واللاحقة، وكذلك من تجربتي الشخصية المتواضعة، منذ بداية مشواري في ممارسة مهنة الرسل وإمامهم الذي يقول، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، «بُعثتُ معلماً» و«بعثت لأتمم مكارمَ الأخلاق». لقد تشرفتُ بممارسة التدريس وأنا في السنة الأولى بجامعة الإمارات، ضمن مشروع الشيخ زايد لتحفيظ القرآن الكريم لقرابة أربع سنوات. ومِن بعد التخرج واصلتُ التدريسَ ضمن مشروع الشيخ مكتوم لتحفيظ القرآن العظيم لقرابة أحد عشر عاماً، وعملت في ديوان وزارة التربية والتعليم لقرابة سبعة عشر عاماً، ثم قمتُ بالتدريس في أكاديمية شرطة دبي لقرابة أحد عشر عاماً، ومجموع عملي في قطاع التعليم 33 عاماً. وقد خرجتُ مِن كل ذلك بخلاصة تقول بأن المعلم هو الركن الأساسي في الحياة التعليمية في أي مجتمع، حتى لو لم تتوفر فيه المناهج والمباني وبقية الوسائل التعليمية المعاصرة الأخرى، لأن المعلم لديه من المهارات ما يؤهله لأن يدرس ولو تحت ظل شجرة، وليؤلف منهجاً مستقلاً لكل مرحلة من المراحل الدراسية. وأقول ذلك من واقع دراستي في بريطانيا، حيث لمدرس الجامعة الصلاحية في تأليف منهج جديد لطلابه، وقد لاحظت يوماً في يد المشرف على دراستي، ومعلمي لبعض المواد، مجموعةَ قصاصات ورقية ملونة تحتوي على صور أشخاص يمارسون حياتهم في الصالات الرياضية. من باب الفضول العلمي، سألته عن ماهية تلك القصاصات، فرد علي قائلاً: إنها مادة دراسية لطلاب المرحلة الجامعية في تخصص علم الجريمة، وسوف تصدر بعد ذلك في كتاب يقرر على الطلبة مضمونه: هل هناك علاقة بين هذه الصالات الرياضية وزيادة نسبة الجرائم في بريطانيا؟! أقول إنه ما لم تكن المباني والمناهج وجميع الأدوات والوسائل في خدمة المعلم وعوناً له على أداء مهامه بسهولة ويسر، فإن العملية التعليمية والتربوية برمتها لن تصل إلى أهدافها المنشودة وفق الخطط المرسومة سلفاً، بل قد تتخلف عن تحقيق الإنجازات التي تستجيب للأهداف المرجوة. وكذلك فيما يتعلق بأنظمة الموارد البشرية بما في ذلك سلم الرواتب والمحفزات. وبين أيدينا الآن تجربة سنغافورة، وبشهادة مؤسسها الذي طلب من المعلمين مساعدته في إنهاء الفساد المستشري، مقابل تلبية كل احتياجات المعلمين بما في ذلك الرواتب المرتفعة. وكانت اليابان من قبلها قد سارت على ذات المنوال، وكان المعلم فرس الرهان في تبوئها المكانة العالية في العالم من بعد كارثة نجازاكي وهوريشيما. وحاولت إحدى الدول الأوروبية في ثمانينيات القرن الماضي تغيير مسمى المعلم إلى مشرف، لكنها سرعان ما أعادت للمعلم مكانتَه بعد أن كاد الطلبة يستهينون به في ذلك المشروع الذي لم يصمد وقتاً طويلاً! *كاتب إماراتي