
وزير المال اللبناني: لن نبيع أملاك الدولة... وسنؤهل قطاعات لاستقطاب شراكات استراتيجية
ولا يجد وزير المال ياسين جابر، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أي مبرر لمزيد من التأخير، بعدما أنجزت الحكومة مهمة التنظيم الإداري لمواقع القرار والمسؤولية في مكونات السلطة النقدية، كونها المولجة وذات الصلاحيات بمهام حيوية تشمل التحقّق من وضعية الوحدات المصرفية وإعداد مجمل البيانات والإحصاءات المطلوبة، بما يشمل تصنيفات المودعين، تمهيداً لوضع مقاربات تشاركية وقانونية، تفضي إلى التشريع الناجز لتوزيع الأحمال المقدرة أساساً بنحو 73 مليار دولار.
ويشكّل تحديد مسار الإصلاح المصرفي والمالي، الاختبار الأصعب في حزمة الإصلاحات الهيكلية والبنيوية الشاملة التي تعهّدت حكومة الرئيس نوّاف سلام، أولى حكومات عهد الرئيس جوزيف عون، بالتصدي لموجباتها، بالتلازم مع أولوية المضي في مواكبة مقتضيات المسار السياسي الأشد وطأة وتعقيداً، والذي يتمثل في إنهاء الاعتداءات الإسرائيلية اليوميّة وتحقيق هدف «حصرية السلاح» لدى القوى العسكرية الشرعية حصراً.
وتقضي المسؤولية، وفق الوزير جابر، بتكثيف المبادرات الفعّالة على المسارين معاً، ومن دون تريث أو انتظار وقائع مستجدة، بل «يتوجب الخروج تماماً من حالة الانكار التي تمدّدت طويلاً، بعدما استهلكنا الكثير من الوقت، في اعتماد سياسات المماطلة والمعالجات الجزئية لأزمة عميقة وغير مسبوقة نسفت مجمل الركائز الاقتصادية والمالية للبلد وقطاعاته ومواطنيه، وأحدثت ضرراً بالغاً في منظومة علاقاته العربية والدولية، وتكاد تنذر بقيادتنا إلى اللائحة (السوداء) بعد (الرمادية) في التصنيفات السيادية التي تصدرها المجموعات والهيئات ذات الاختصاص على المستويين الإقليمي والدولي».
هذه العوامل وسواها من المحفزات المتصلة حكماً بأهمية إعادة تقييم الحسابات والأصول لدى الدولة والبنك المركزي والقطاع المصرفي، وفك جدلية ترابط أرقام الفجوة بين الثلاثي بغية جدولة الحقوق المتوجبة لصالح المودعين، تمنح الأفضلية الصريحة، حسب الوزير جابر، «للإجابة عن الأسئلة الحائرة في الداخل والخارج بما يخص محطات خريطة الطريق إلى التعافي، وتبديد الشكوك بشأن استهداف طرف بعينه وتحميله أوزار الخسائر قبل أو بعد التدقيق بمجمل الأرقام»، شارحاً أن هذه مهمات «تتولاها حاكمية البنك المركزي، وستتوسع بعد إقرار القانون، من خلال الصلاحيات الخاصة بفريقي المجلس المركزي ولجنة الرقابة على المصارف».
وعن مسؤولية الدولة واستجرارها للتمويل من ميزانية البنك المركزي، بما يشمل توظيفات عائدة للبنوك من مدخرات المودعين، يؤكد وزير المال «أن القانون المنشود سيحدّد المسؤوليات بوضوح، وضمن معطيات توفر الإمكانات في كل مرحلة. نحن في خضم معالجة فجوة تتعدى ضعفي الناتج المحلي، وفي ظل أوضاع سيادية بالغة التعقيد، بينما نهتم في الوقت عينه، بتحضير ملف التفاوض مع حاملي سندات الدين الدولية (اليوروبوندز). وهذه مشكلة لا تقل أهمية كونها تؤثر في مساعينا لتنشيط التواصل الضروري مع الأسواق المالية الدولية».
وزير المال ياسين جابر يطلع رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام على معلومات على هامش جلسة لمجلس الوزراء (رئاسة الحكومة)
وهل يمكن للدولة توجيه جزء من موارد الخزينة للمساهمة في المعالجات المالية وتسريعها؟ يجيب وزير المال: «واقع الحال حالياً أن إيرادات الخزينة لا تسمح بتخصيص أي إنفاق إضافي خارج مصروفات الدولة بحدودها المتدنية، وضخ الرواتب للقطاع العام، والحد الأدنى أيضاً من المساعدات الاجتماعية والإنفاق الاستثماري. لكننا نسعى، وضمن قانون موازنة العام المقبل، إلى تحسين هذه الإيرادات عبر مصدرين أساسيين: الأول ضبط الإيرادات الجمركية من خلال التدقيق في الواردات، وتفعيل أجهزة الكشف (السكانر). والثاني مكافحة التهرب الضريبي وتفعيل الجباية المعتمدة على التقنيات الحديثة»، فضلاً عن اعتماد الرقمنة ومواكبة التطور، للحد من البيروقراطية وتسريع المعاملات وتعزيز الشفافية.
ويضيف: «نعمل بزخم على مجموعة من الإصلاحات المالية الأساسية تستهدف الاستخدام الأمثل للموارد العامة وتوجيهها نحو الأولويات التنموية الملحّة. ونتطلع إلى تضمين جزء منها في مشروع موازنة 2026. كما طلبت من الوزارات المساهمة في إعداد الإطار المالي للخطط الإصلاحية والرؤية الاستراتيجية متوسطة الأجل للفترة الممتدة من 2026 إلى 2029، بهدف مواءمة السياسات الإصلاحية مع التخطيط المالي والنقدي، وتعزيز الانسجام بين الأولويات الوطنية وتخصيص الموارد بطريقة فعّالة ومستدامة. وبذلك يرتكز على مقاربة تشاورية بين مختلف الجهات الحكومية، مع مراعاة السياق الاقتصادي العام، بما يشمل النمو، والتضخم، وميزان المدفوعات، والسياسات النقدية، لا سيما فيما يتعلق بسعر الصرف».
«يمكننا التأكيد بأن الدولة تعاني فعلياً من اختناقات حادة في وفرة وتدفقات السيولة»، يقول وزير المال، ويضيف: «هذا ما يحفزنا أكثر لتسريع مخططات إعادة هيكلة المالية العامة والدين العام والموازنة، وسد منافذ الهدر، وتوسيع دائرة مكافحة الفساد المستشري في القطاع العام». ويقول جابر إن «البلد ليس مفلساً، كما أكد رئيسا الجمهورية والحكومة في مناسبات متعددة، ولذا يتوجب إجراء جرد كامل لكل الأصول العامة، ليس بغية بيع أملاك الدولة الخصوصية، بل حسن إدارتها واستثمارها بشكل فعّال بما يعود بالنفع على المالية العامة والاقتصاد الوطني».
وزير المالية اللبناني ياسين جابر (رويترز)
وتأسيساً على هذه القناعة الجامعة على مستويات إدارة الدولة تنفيذياً وتشريعياً، يجد وزير المال أن الأولويات متوازية في الأهمية وتحظى بترتيب أفقي أمام الحكومة عموماً ووزارة المال خصوصاً. لذا، فإن «الشروع باستعادة الانتظام المالي تحت سقوف تشريعية واضحة ومتينة، لا يتيح أبداً إغفال أو إبطاء الموجبات المسبقة واللاحقة في معالجات الترهل المشهود لمؤسسات الدولة والقطاع العام وعجوزات الموازنة العامة وتفشي الفساد والتهرّب الضريبي والهدر الموثّق في موارد الخزينة ومصروفاتها».
واستتباعاً، فإنه إذا كان حقاً الاعتراف بأن الحكومة تعجز موضوعياً عن إيجاد الحلول الناجعة والسريعة لمجمل فصول الأزمة الحاضرة والضاغطة بشدة وبكل تشعباتها على معيشة المواطنين والاقتصاد وقطاعاته، فيرى وزير المال أنه بالإمكان حقاً وواجباً «تحقيق اختراقات نوعية تثبت التزاماتنا في خطاب القسم الرئاسي وبيان الثقة الحكومي، باعتماد مستدام لمنهجية الإصلاح، توخياً لتحقيق مصالحنا أولاً، واستجابة لمطالب الأشقاء والمجتمع الدولي والمؤسسات المالية الدولية، الذين لن يترددوا في معاونتنا للتقدم في المسارين السياسي والاقتصادي على السواء».
يخلص وزير المال إلى تأكيد أن الحكومة «التزمت بتحويل لبنان من اقتصاد استهلاكي قائم على الدين، إلى اقتصاد إنتاجي يرتكز على مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وهي تواصل تعيين الهيئات الناظمة في قطاعات مهمة وجاذبة للاستثمارات، مما سيفتح الآفاق أمام شراكات استراتيجية، وليس البيع تكراراً، تضمن تحسين جودة الخدمات الأساسية بكلفة عادلة، وخصوصاً في ميادين الكهرباء والاتصالات والمرافق الجوية والبحرية والأملاك العقارية وسواها»، إضافة إلى أهمية الإصلاحات الاقتصادية في تعزيز أطر التعاون مع المؤسسات الدولية؛ كصندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 22 دقائق
- الشرق الأوسط
لبنان ينزع «الشرعية» عن سلاح «حزب الله»
نزع لبنان «الشرعية» عن سلاح «حزب الله»، في القرار الذي اتخذته الحكومة بتكليف الجيش اللبناني وضع خطة لحصر السلاح قبل نهاية العام الحالي، فيما يستكمل مجلس الوزراء، اليوم (الخميس)، النقاش في ورقة الموفد الأميركي توماس براك. وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن القرار «يعني نزع الشرعية من السلاح بعدما كان محمياً بالشرعية المحلية»، في إشارة إلى البيانات الوزارية المتعاقبة منذ عام 1989 التي نصت على حق لبنان في مقاومة إسرائيل وتحرير الأرض. وأشارت المصادر إلى أن الأمر «لا يقتصر على حيازة السلاح فقط، بل يشمل أي عمل عسكري ضد إسرائيل والذي كان قبل هذه الحكومة، الفعل المسلح الوحيد الحائز شرعية رسمية». ورد «حزب الله» الغاضب من قرار الحكومة عليه، ببيان شديد اللهجة، أعلن فيه أنه سيتعامل مع هذا القرار كأنه غير موجود، واصفاً إياه بـ«الخطيئة الكُبرى». وقال في بيانه إن القرار الحكومي «يُجرِّد لبنان من سلاح مقاومة العدو الإسرائيلي، ما يُؤدي إلى إضعاف قدرته وموقفه أمام استمرار العدوان الإسرائيلي - الأميركي عليه، ويُحقِّق لإسرائيل ما لم تُحقِّقه في عدوانها»، واصفاً إياه بـ«المخالفة الميثاقية الواضحة». من جهتها، اتهمت «حركة أمل» التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري، الحكومة بالعمل عكس ما جاء في خطاب القسم لرئيس الجمهورية وفي البيان الوزاري، عادّة جلسة الحكومة المقررة اليوم (الخميس) «فرصة للتصحيح وعودة للتضامن اللبناني». وقالت وزيرة البيئة، تمارا الزين، المحسوبة على «أمل» لـ«الشرق الأوسط»: «إنها ستشارك في جلسة الحكومة اليوم»، فيما أشارت معلومات إلى أن وزير الصحة المحسوب على «الحزب» راكان ناصر الدين سيشارك أيضاً.

العربية
منذ 22 دقائق
- العربية
الجيش الإسرائيلي يستهدف بنى تحتية لحزب الله جنوب لبنان
أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، اليوم الأربعاء، استهداف بنى تحتية لحزب الله في جنوب لبنان. وأوضح أدرعي عبر منصة إكس أن الأهداف شملت مستودعات أسلحة ومنصة صاروخية وبنى تحتية استخدمها الحزب لتخزين آليات هندسية مخصصة لإعادة إعمار "بنى تحتية إرهابية" في المنطقة. كما بين المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن حزب الله اللبناني يواصل محاولاته لترميم بنى تحتية في أنحاء لبنان. واستهدفت سلسلة غارات إسرائيلية، أطراف دير سريان الشمالية لناحية مجرى نهر الليطاني جنوبي لبنان. وأفادت "الوكالة الوطنية للاعلام" بسقوط إصابات جراء غارات إسرائيلية استهدفت مرآباً للآليات والجرافات بجوار منازل مأهولة في دير سريان. ونفذ الطيران الحربي الاسرائيلي مساء اليوم سلسلة غارات جوية مستهدفاً المنطقة الواقعة بين بلدات يحمر الشقيف و عدشيت القصير ودير سريان جنوبي لبنان. اتفاق وقف النار ومنذ نوفمبر 2024، يسري في لبنان اتفاق لوقف إطلاق النار بعد نزاع امتد أكثر من عام بين إسرائيل وحزب الله، تحول إلى مواجهة مفتوحة اعتباراً من سبتمبر. لكن رغم ذلك، تشن إسرائيل باستمرار غارات في مناطق لبنانية عدة خصوصاً في الجنوب، تقول غالباً إنها تستهدف عناصر في الحزب أو مواقع له. وتكرر أنها ستواصل العمل "لإزالة أي تهديد" ضدها، ولن تسمح للحزب بإعادة تأهيل بنيته العسكرية. كذلك توعدت بمواصلة شن ضربات ما لم تنزع السلطات اللبنانية سلاح حزب الله، حسب فرانس برس. ونص وقف النار بوساطة أميركية على انسحاب حزب الله من المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني (على مسافة حوالي 30 كيلومتراً من الحدود) وتفكيك بناه العسكرية فيها، في مقابل تعزيز انتشار الجيش وقوة الأمم المتحدة المؤقتة (يونيفيل). ونص على انسحاب القوات الإسرائيلية من مناطق تقدمت إليها خلال الحرب، إلا أن إسرائيل أبقت على وجودها في 5 مرتفعات استراتيجية، يطالبها لبنان بالانسحاب منها.


الشرق الأوسط
منذ 22 دقائق
- الشرق الأوسط
خطة نتنياهو: احتلال جزئي وتهجير عبر الجنوب
يعقد مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي المصغر (الكابينت)، اليوم (الخميس)، جلسة يحسم فيها خلافاً بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يصرّ على احتلال قطاع غزة، وبين رئيس أركان الجيش إيال زامير الذي يعارض الفكرة. ووفقاً لمعلومات سرَّبتها وسائل إعلام عبرية، فإن الخطة العسكرية تتمثل في تنفيذ مناورة برية تستمر من 4 إلى 5 أشهر هدفها السيطرة على مدينة غزة والمخيمات الوسطى، ودفع السكان جنوباً سعياً لخروجهم من القطاع. في المقابل، قال باسم نعيم، عضو المكتب السياسي لـ«حماس» عن قطاع غزة لـ«الشرق الأوسط»، إن حركته تأخذ التهديدات الإسرائيلية بكل جدية؛ مشيراً إلى أن القطاع فعلياً تحت السيطرة الكاملة للاحتلال الإسرائيلي، براً وبحراً وجواً. وأكد أن المفاوضات بشأن الهدنة متوقفة. ميدانياً، طلبت إسرائيل، من سكان في مناطق غرب خان يونس، جنوب القطاع، وفي جنوب مدينة غزة مثل حي الزيتون وأجزاء من حي الصبرة، إخلاءها.