
عام على اغتيال هنية... هل تفتقد «حماس» قيادة قادرة على اتخاذ القرارات؟
كان هنية يعدّ الوجه الدبلوماسي والسياسي المحنك في «حماس»، فتدرج بعضويته وقيادته، من مجرد ناشط في ذراعها الطلابية (الكتلة الإسلامية) ليكون مؤهلاً سياسياً لاحقاً للعب أدوار مختلفة، بينها إدارة مكتب مؤسس الحركة، الشيخ أحمد ياسين، بعد الإفراج عنه عام 1997، واضطلاعه بدور سياسي أكبر منذ بداية ظهوره في هذا المجال، حينما حاول مع مجموعة من قيادات الحركة السابقين تأسيس حزب سياسي كان سينافس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية تحت مسمى «حزب الخلاص» قبل أن تواجه هذه الخطوة معارضةً داخلية لها؛ ليمضي هنية قدماً في خطواته الدبلوماسية ويصبح وجهاً مشرقاً للحركة، التي خاضت الانتخابات التشريعية عام 2006 ضمن قائمة حملت اسم «الإصلاح والتغيير»، واكتسحت حينها حركة «فتح» وحققت القوة الأكبر داخل المجلس، ليشكل هنية أول حكومة فلسطينية رسمية يقودها شخص من خارج حركة «فتح» ومنظمة التحرير.
وبعد أن واجه الكثير من التحديات الداخلية والخارجية خلال فترة رئاسته للحكومة الفلسطينية العاشرة، وبعد سنوات من الانقسام والحصار الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزة، بدأ هنية يترك العمل الحكومي لشخصيات مقربة منه، ويتدرج أكثر نحو قيادة المكتب السياسي لـ«حماس»، بتوليه قيادته في غزة، لينجح لاحقاً في التفوق على شخصيات تاريخية في الحركة، مثل خالد مشعل وموسى أبو مرزوق وغيرهما، وأصبح قائداً عاماً للحركة؛ الأمر الذي فرض عليه مغادرة القطاع خشية اغتياله.
إسماعيل هنية ويحيى السنوار خلال اجتماع لقادة فصائل فلسطينية في غزة عام 2017 (أ.ف.ب)
لم يكن لدى هنية علم بتفاصيل هجوم «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وإنما كان على علم بنية «كتائب القسام» تنفيذ هجوم استباقي لحرب إسرائيلية متوقعة، من دون أن يكون لديه تفاصيل تتعلق بوقته وكامل الخطة التي وضعت للتنفيذ، ولم يكن سوى بعض الأشخاص هم من على علم بتفاصيلها، وتحديداً يحيى السنوار، وشقيقه محمد، وقائد «كتائب القسام» محمد الضيف، وبعض المقربين منهم. وكان هنية في ذلك اليوم يستعد للسفر من تركيا إلى العراق في أول زيارة له لبغداد، إلا أنه خلال الفترة الصعبة التي مر بها القطاع، لم يتخل هنية عن مسؤولياته في محاولة طرق كل الأبواب من أجل محاولة التوصل إلى اتفاق يوقف الحرب من خلال صفقات جزئية أو صفقة شاملة، وكان له ذلك في مناسبة واحدة، كانت عبارة عن هدنة استمرت 7 أيام فقط تم خلالها تبادل أسرى من الجانبين وإدخال مساعدات إنسانية إلى القطاع، ثم استؤنفت الحرب.
فلسطينيون يحتفلون على ظهر دبابة إسرائيلية على الجدار العازل قرب خان يونس يوم 7 أكتوبر 2023 (أ.ب)
وفي خضم محاولة الوصول إلى اتفاق جديد خلال عام 2024، ومع تمسك «حماس» بمطالبها، فضَّلت إسرائيل اغتيال هنية في قلب طهران، التي ذهب إليها في زيارة لبحث دعم «المقاومة»، وخياراتها والعلاقات الثنائية، في وقت كان ينتظر في تلك الفترة رد إسرائيل على مقترح جديد قُدم من الوسطاء، وجهزت حركته ردها عليه بعد مشاورات مستفيضة قادها هنية بنفسه داخل الحركة.
ومع اغتيال هنية، وما سبقه من اغتيالات طالت نائبه صالح العاروري في بيروت بشهر يناير (كانون الثاني) 2024، ومن ثم مقتل يحيى السنوار في اشتباكات مفاجئة برفح، واغتيال قيادات من المكتب السياسي والمجلس العسكري في «كتائب القسام»، بينهم محمد الضيف، ومروان عيسى، وغيرهم، لجأت «حماس» لخيار المجلس القيادي لاتخاذ القرارات داخل الحركة مع إبقاء قضية انتخاب رئيس جديد للمكتب السياسي، وكذلك تعويض الشخصيات الأخرى، إلى ما بعد الحرب أو في حال التوصل لهدنة طويلة.
ومنذ انتهاء الهدنة الثانية في قطاع غزة، التي دخلت حيز التنفيذ في 19 يناير 2025، وانتهت في الثامن عشر من مارس (آذار) من العام نفسه، بضربات جوية مفاجئة طالت قيادات من «حماس» و«القسام»، تواجه الحركة ظروفاً هي الأصعب على مستوى القيادة واتخاذ القرارات، وهذا ما تشير إليه عملية إطالة أمد المفاوضات في بعض الأحيان لحين إجراء مشاورات داخلية أوسع، كما أنها بدأت تلجأ إلى استشارة الفصائل الفلسطينية الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» و«الجبهة الشعبية» وفصائل أخرى مقربة منها، فيما يعرض عليها من مقترحات؛ في محاولةً منها لأن يكون أي قرار ضمن إجماع فصائلي؛ بهدف منع إلقاء اللوم عليها اتجاه أي مشكلة تواجه أي اتفاق لاحقاً، كما تقول مصادر من إحدى الفصائل التي تشارك في تلك اللقاءات، لـ«الشرق الأوسط».
من اليمين روحي مشتهى وصالح العاروري وإسماعيل هنية وخالد مشعل وخليل الحية (أرشيفية - إعلام تابع لحماس)
وحسب تلك المصادر، فإنه في ظل وجود هنية والسنوار سابقاً وقيادات أخرى بارزة، كان القرار يُتخذ من «حماس» تلقائياً ويتم إطلاع الفصائل عليه لمجرد الاطلاع، أو وضع بعض الملاحظات. وكان في بعض المرات يتم تجاهل أي ملاحظات تقدم لهم، لكن المجلس القيادي الحالي يفضل مشاركة الفصائل لأسباب عدة، منها داخلية تتعلق فيما يبدو بعدم قدرته على اتخاذ قرارات مصيرية في ظل الفراغ القيادي في بعض جوانب الحركة من جانب، ولأسباب أخرى، منها تقديم أي اتفاق على أنه ذو إجماع فلسطيني.
وتنفي مصادر قيادية من «حماس» لـ «الشرق الأوسط»، أن يكون هناك أي فراغ قيادي داخل المكتب السياسي أو في أي من مؤسسات الحركة، مؤكدةً أن التواصل مع الفصائل مستمر منذ بداية الحرب، وما يجري حالياً من تشاور في الكثير من القضايا هدفه فعلياً أن يكون هناك موقف فلسطيني جامع.
وتقر المصادر بأن هنية كان يملك كاريزما لا يمتلكها أي من قيادات الحركة، وكان شخصية دبلوماسية وسياسية محنكة، ويفضل الخيار السياسي على أي خيار آخر؛ ولذلك كان قراره يحترَم داخل المكتب السياسي والهيئات التنظيمية الأخرى داخل «حماس»، وكذلك من خلال ما كان يعرضه على الفصائل التي يتمتع بعلاقة رائعة معها، وفق وصفها.
مقاتلون يشاركون في تشييع 15 مقاتلاً من «حماس» بخان يونس (أرشيفية - د.ب.أ)
وتقول المصادر: «بكل تأكيد، الاغتيالات تركت فراغاً من حيث الحضور والكاريزما وأهمية اتخاذ القرار، لكن هذا لا يقلل من شأن القيادة الموجودة حالياً، والتي تعمل بلا كلل أو ملل من أجل محاولة الوصول إلى اتفاق يحفظ الحقوق الفلسطينية؛ وهو ما سعى إليه هنية والسنوار في آخر الفترات التي سبقت اغتيالهما».
في حين تقول مصادر أخرى خاصةً من «حماس» في قطاع غزة، إن قيادة الحركة تفتقد لهنية كثيراً، وكان الرجل الأكثر تأثيراً في عالم السياسة داخل الحركة وخارجها، وكان له الفضل الكبير في أن تصل الحركة لنقلة نوعية سياسياً على مستوى العالم، من خلال تفاهمه الكبير مع بعض قيادات الحركة بالخارج ممن يمتلكون الحس الدبلوماسي، مثل موسى أبو مرزوق وغيره.
وترى المصادر أن الاغتيالات كثيراً ما تؤثر في الفصائل الفلسطينية، لكن هذا لا يعني أنها تنتهي أو تغير من مواقفها، لكن كاريزما كل شخصية يتم اغتيالها، يكون له تأثير في الكثير من الجوانب. ولكن رغم ذلك، فإن قيادة الحركة وهيكليتها التنظيمية تعملان بشكل اعتيادي، وجميع القرارات بشأن مقترحات الهدنة أو غيرها يتم درسها داخل كل أطر الحركة، مع استفاضة في الوقت رغم أهميته، حتى يكون القرار محل إجماع قوي داخل «حماس».

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
منذ 26 دقائق
- الشرق السعودية
تقارير إسرائيلية: نتنياهو يتجه لـ"احتلال كامل لغزة"
ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يتجه نحو "الاحتلال الكامل لغزة"، رغم تحفظ رئيس الأركان إيال زامير، وذلك عقب اختتام اجتماع أمني مصغر ناقش مستقبل الحرب على القطاع الفلسطيني. ورغم أنه لم يصدر أي قرار رسمي، إلا أن مسؤولاً إسرائيلياً كبيراً بحكومة نتنياهو أخبر "القناة 12" الإسرائيلية، بأن "القرار اتخذ"، وأن إسرائيل "سوف تحتل قطاع غزة كاملاً"، لكن تقارير إعلامية ألمحت إلى أن هذه التصريحات قد تكون جزءاً من "تكتيكات التفاوض" للضغط على حركة "حماس". وبحسب "القناة 12"، فإن من المتوقع أن تُعرَض الخطة على المجلس الوزاري الأمني الموسع للمصادقة عليها الخميس المقبل. وخلال اجتماع الثلاثاء، الذي شارك فيه أيضاً وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، عرض رئيس الأركان، الخيارات المختلفة لمواصلة الحرب على غزة، معرباً عن معارضته لاحتلال القطاع، وحذَّر من تداعيات ذلك على حياة المحتجزين الإسرائيليين، ومن استنزاف قوات الجيش. وفي بيان مقتضب، قال مكتب نتنياهو إنه "عقد اليوم (الثلاثاء) اجتماعاً أمنياً محدوداً استمر نحو ثلاث ساعات، عرض خلاله رئيس الأركان الخيارات المتاحة لمواصلة الحرب على غزة". وأضاف البيان: "الجيش الإسرائيلي مستعد لتنفيذ أي قرار يصدر عن المجلس الوزاري الأمني". وبحسب الخطة الجديدة، فإن الجيش الإسرائيلي، الذي يسيطر حالياً على نحو 75% من مساحة القطاع، سيُطلب منه السيطرة على ما تبقى من الأراضي، ما يعني فرض سيطرة إسرائيلية كاملة على غزة. وكشف مصدر لهيئة البث الإسرائيلية (كان) أن الحكومة الإسرائيلية تدرك أن السيطرة الكاملة على القطاع قد تُعرّض حياة المحتجزين المتبقين للخطر. كما كشف مصدر لصحيفة "جيروزاليم بوست" أن هناك "إجماعاً كبيراً على ضرورة أن تشمل أي صفقة جميع المحتجزين"، وذلك بعد عودة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، إلى واشنطن عقب زيارته لإسرائيل. خلاف في إسرائيل بشأن "احتلال غزة" وتشير التقارير إلى أن توجُّه نتنياهو لتعميق الحرب في غزة واحتلال ما تبقى منها، فجَّر موجة خلافات واسعة في إسرائيل، وصلت حد توجيه دعوات لقائد الجيش إيال زامير للاستقالة لمعارضته العلنية لهذه التوجهات. كما وجهت أوساط واسعة في الجيش وبين العسكريين المتقاعدين نقداً حاداً لتوجهات نتنياهو، محذرين من آثارها على حياة المحتجزين وعلى قدرات الجيش وعلى إسرائيل ومكانتها بين دول العالم. وكانت القناتان الـ12 والـ13 ذكرتا أن قرار توسيع الحرب "ربما يتم اتخاذه هذا الأسبوع"، وأن الحكومة "تتجه لحسم الحرب واستعادة المحتجزين". وقال مصدر مقرب من نتنياهو: "إلى الآن لم نحسم الحرب ولم نهزم حماس، علينا الذهاب لتحقيق هذا الهدف". وكان رئيس الأركان الإسرائيلي أصدر قراراً بتقليص حجم القوات النظامية، فيما وصفت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، القرار بأنه رفض ضمني لضغوط وزراء اليمين المتطرف بالحكومة الإسرائيلية. وذكرت الصحيفة أن قرار إلغاء أمر الطوارئ الذي مدّد خدمة جنود الاحتياط النظاميين لأربعة أشهر إضافية منذ بدء حرب السابع من أكتوبر 2023، فُسّر على أنه رد ضمني مباشر على تهديدات بإقالة رئيس الأركان "إذا لم يقبل مقترحات احتلال قطاع غزة بالكامل". لكن صحيفة "جيروزاليم بوست" أشارت إلى أن زامير نفى خلال لقاء مع نتنياهو وكاتس أنه هدد بالاستقالة.


الشرق السعودية
منذ 26 دقائق
- الشرق السعودية
خبراء نوويون إيرانيون يزورون معاهد علمية روسية سراً
زار وفد إيراني يحمل جوازات سفر دبلوماسية، معاهد علمية روسية تنتج تكنولوجيات مزدوجة الاستخدام وهي مكونات تُستخدم في تطبيقات مدنية، لكنها، وفقاً للخبراء، قد تكون ذات صلة بأبحاث تطوير الأسلحة النووية بحسب صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية. وأشارت الصحيفة في تحقيق إلى أنه في الساعة 09:40 من صباح 4 أغسطس 2024، هبطت الرحلة رقم W598 لشركة الطيران الإيرانية "ماهان إير" القادمة من طهران في مطار شيريميتيفو الدولي بموسكو. وكان من بين الركاب علي كالوند العالم النووي الإيراني البالغ من العمر 43 عاماً، يرافقه 4 موظفين زعم أنهم من شركة DamavandTec، وهي شركة استشارية يديرها من مكتب صغير في العاصمة الإيرانية، لكن تلك لم تكن سوى "رواية مفبركة". وسافر الإيرانيون إلى روسيا بجوازات سفر دبلوماسية، صدر بعضها بأرقام متسلسلة وفي اليوم نفسه، وذلك قبل أسابيع قليلة فقط من موعد الرحلة. وكان أحد أعضاء الوفد عالماً نووياً إيرانياً يعمل، بحسب مسؤولين غربيين، لدى "منظمة الابتكار والبحث الدفاعي" المعروفة اختصاراً بـSPND. وتصف الحكومة الأميركية هذه الوحدة البحثية العسكرية السرية بأنها "الجهة التي ورثت بشكل مباشر برنامج الأسلحة النووية الإيراني ما قبل عام 2004". وكان من بين الوفد أيضاً الرئيس السابق لشركة فُرضت عليها عقوبات أميركية باعتبارها واجهة لعمليات شراء لصالح منظمة الابتكار والبحث الدفاعي. أما آخر أفراد المجموعة، فيقول المسؤولون إنه "ضابط في الاستخبارات المضادة التابعة للجيش الإيراني". أنشطة مريبة وقالت "فاينانشيال تايمز" إن تحقيقها استند إلى رسائل ووثائق سفر وسجلات شركات إيرانية وروسية إضافة إلى مقابلات مع مسؤولين غربيين وخبراء في مجال منع الانتشار النووي. وأضافت أنها اطلعت على رسالة أرسلتها شركة DamavandTec إلى مورد روسي في مايو 2024، أعرب فيها كالوند عن اهتمامه بالحصول على عدة نظائر من بينها التريتيوم، وهي مادة تُستخدم في تطبيقات مدنية، لكنها تُستخدم أيضاً في تعزيز قوة الرؤوس النووية، وتخضع لرقابة صارمة بموجب قواعد منع الانتشار الدولية. وجاءت الزيارة إلى روسيا في وقت كانت الحكومات الغربية تلاحظ نمطاً من الأنشطة المريبة التي ينفذها علماء إيرانيون، بما في ذلك محاولات للحصول على تكنولوجيا مرتبطة بالبرامج النووية من الخارج. وتعتقد وكالات استخباراتية غربية أن "إيران كانت تمتلك برنامجاً سرياً لتصنيع أسلحة نووية، منفصلاً عن جهودها لإنتاج الوقود النووي، قبل أن يوقفه المرشد الأعلى علي خامنئي في عام 2003". وقبل أن تشن إسرائيل والولايات المتحدة ضربات على المنشآت النووية الإيرانية في يونيو الماضي، كانت واشنطن تعتقد أن طهران لم تعاود تفعيل برنامجها الخاص بالأسلحة النووية، لكنها حذرت في الوقت نفسه من أن "إيران اتخذت خطوات من شأنها تسهيل عملية تصنيع قنبلة نووية إذا قررت المضي في ذلك". عقوبات أميركية وفي مايو الماضي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على منظمة الابتكار والبحث الدفاعي، محذرة من أنها تعمل على "أنشطة بحث وتطوير مزدوجة الاستخدام يمكن تطبيقها في الأسلحة النووية وأنظمة إيصالها". وقال خبراء تابعوا الأنشطة النووية الإيرانية إن استراتيجية طهران كانت دائماً تقوم على "الغموض المحسوب". ويتيح هذا النهج لطهران تفادي الانتهاكات الصريحة لقواعد منع الانتشار، مع الاستفادة في الوقت نفسه من الأبحاث العلمية لتعزيز معارفها الفنية، بما قد يخدمها إذا قررت في أي وقت السعي لامتلاك قنبلة نووية. وقال ديفيد أولبرايت، الخبير في البرنامج النووي الإيراني ورئيس معهد العلوم والأمن الدولي غير الربحي: "نحن نعتبر ذلك شكلاً من أشكال برامج الأسلحة النووية، ويهدف إلى تقصير الجدول الزمني". وأضاف: "لم تكن القيادة ترغب في اتخاذ قرار ببناء سلاح نووي لأسباب متعددة، مثل هذه الأنشطة البحثية سمحت لها بالقول إنه لا يوجد برنامج للأسلحة النووية". وتعتبر الصحيفة " أن البعثة الإيرانية إلى روسيا لا تُشكل بحد ذاتها دليلاً من شأنه أن يغير تقييمات الغرب لبرنامج إيران النووي، لكنها تُعد مثالاً على نوعية الأنشطة التي أثارت قلق وكالات الاستخبارات الغربية". وتنفي إيران باستمرار سعيها في أي وقت لامتلاك أسلحة نووية، مستشهدة بفتوى دينية أصدرها خامنئي تحرم استخدامها، وتؤكد أن برنامجها النووي سلمي تماماً. وذكرت الصحيفة أن "الحكومة الإيرانية لم ترد عند التواصل معها عبر سفارتها في بريطانيا على الأسئلة المتعلقة بالرحلات إلى روسيا أو الغرض منها". أما روسيا، فقد تمثلت مواقفها دوماً في معارضة امتلاك إيران لقنبلة نووية. وأشارت الصحيفة أن المتحدث باسم الرئيس فلاديمير بوتين دميتري بيسكوف، لم يرد على طلبها للتعليق. وأوضحت أن الوثائق لم تحدد نوع التكنولوجيا أو المعرفة التي كان الوفد الإيراني يسعى للحصول عليها من تلك الشركات في روسيا. "زيارة مقلقة" وقال عدد من خبراء منع الانتشار الذين تواصلت معهم الصحيفة إن "خلفيات أعضاء الوفد، وطبيعة الشركات الروسية التي التقوا بها، وأساليب التمويه التي استُخدمت أثناء الرحلة، جميعها تثير الشبهات". وفي أوائل عام 2024، تلقى كالوند طلباً من وزارة الدفاع الإيرانية باستخدام شركته الصغيرة DamavandTec لتنظيم زيارة وفد حساس إلى موسكو، وذلك وفقاً لمراسلات اطلعت عليها "فاينانشيال تايمز". وبحلول مايو، تلقى كالوند، الذي يتحدث اللغة الروسية بطلاقة والحاصل على شهادة في الفيزياء النووية من معهد كييف بوليتكنيك، رسالة في شركته الاستشارية من أوليج ماسلينيكوف، العالم الروسي البالغ من العمر 78 عاماً. ودعت الرسالة كالوند و4 أشخاص بالاسم إلى زيارة رسمية لإحدى الشركات التابعة لماسلينيكوف في موسكو. غير أن هذا الوفد لم يكن مجموعة من الأكاديميين العاديين، إذ تشير سجلات الشركات الإيرانية وتصنيفات العقوبات ومسؤولون غربيون إلى أن أعضاء الوفد يرتبطون ارتباطاً وثيقاً بمنظمة الابتكار والبحث الدفاعي. منظمة الابتكار والبحث الدفاعي وتُعد منظمة الابتكار والبحث الدفاعي من أكثر الأجزاء إثارة للجدل في أنشطة إيران النووية، وهي أيضاً من بين الجهات التي تخضع لأدق المتابعة من قبل وكالات الاستخبارات الغربية. وتمثل المنظمة وحدة أبحاث سرية للغاية تابعة لوزارة الدفاع الإيرانية، ووصفتها الولايات المتحدة بأنها "المسؤول الرئيسي عن الأبحاث في مجال تطوير الأسلحة النووية". وتأسست المنظمة في عام 2011 على يد محسن فخري زاده، الفيزيائي الذي فرضت عليه الأمم المتحدة عقوبات في عام 2007، إلى جانب مساعده المقرب فريدون عباسي دواني، بتهمة "الضلوع في الأنشطة النووية أو الصاروخية الباليستية الإيرانية". وكان يُنظر إلى فخري زاده على نطاق واسع باعتباره مهندس برنامج الأسلحة النووية الإيراني الذي سبق عام 2003، والمعروف باسم "خطة آماد"، لكن إيران نفت باستمرار وجود "آماد" أو أي نشاط يتعلق بأسلحة نووية. وفي عام 2021، قال عباسي دواني لصحيفة حكومية إيرانية إن فخري زاده أنشأ لاحقاً منظمة الابتكار والبحث الدفاعي، وتمكن من "الصمود وتعزيز قدرات المنظمة". الوريث المؤسسي وتعتقد الولايات المتحدة ومجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة أن منظمة الابتكار والبحث الدفاعي أصبحت الوريث المؤسسي لبرنامج "آماد". وفي عام 2010، نجا عباسي دواني بأعجوبة من محاولة اغتيال، عندما قام رجل يستقل دراجة نارية بربط عبوة ناسفة بسيارته أثناء توجهه إلى عمله في طهران. وبعد عقد من الزمن، وفي عام 2020، اغتيل فخري زاده في كمين على جانب الطريق، نُسب على نطاق واسع إلى إسرائيل، باستخدام رشاش يتم التحكم فيه عن بُعد وموجه بالذكاء الاصطناعي. وبعد اغتيال فخري زاده، تعهد عباسي دواني بمواصلة عمله. وقال لصحيفة "إيران" الرسمية: "علينا أن ننقل هذا العلم إلى الجامعات وننشره في أرجاء المجتمع" مضيفاً: "بهذه الطريقة، سيعمل كأنه نظام تشغيل، ولا يمكن لأحد تعطيله باغتيال الأشخاص". وقالت طهران إن "منظمة الابتكار والبحث الدفاعي تعمل في إنتاج وتوريد ودعم المنتجات في مجال الدفاع الحديث"، من دون أن تشير إلى أي دور لها في الأبحاث النووية. وفرضت الحكومة الأميركية، مراراً خلال العقد الماضي، عقوبات على المنظمة والجهات التابعة لها بسبب "عملها على تطوير أسلحة نووية وكيميائية وبيولوجية"، و"مساهمتها المادية في انتشار أسلحة الدمار الشامل أو وسائل إيصالها". وفي عام 2024، اعترف البرلمان الإيراني رسمياً بالمنظمة لأول مرة بموجب القانون الإيراني، واضعاً إياها تحت إشراف وزارة الدفاع، وبالتالي تحت السلطة المباشرة للمرشد الأعلى الإيراني. ونص القانون، الذي جاء بهدف "مواصلة وترسيخ نهج العالم الشهيد محسن فخري زاده"، على إعفاء موازنة منظمة الابتكار والبحث الدفاعي من رقابة البرلمان، ومنحها الصلاحية القانونية لإنشاء كيانات تجارية وأكاديمية تابعة لها. تخطيط دقيق للزيارة وكانت رحلة أغسطس التي قام بها كالوند ووفده مُخططاً لها بدقة. فقد ذكر ماسلينيكوف أسماء الرجال الأربعة الذين سيرافقون كالوند في دعوته الأولى الصادرة في مايو، ما يُظهر أنهم كانوا مختارين قبل ذلك بعدة أشهر. وقبيل الزيارة، رد كالوند في رسالة إلى ماسلينيكوف بأن الغرض من الرحلة هو "مناقشة الجوانب الفنية والإنتاجية المتعلقة بتطوير الأجهزة الإلكترونية والاتفاق عليها"، إضافة إلى "استكشاف المسارات العامة الممكنة لتوسيع التعاون العلمي". كما أرسل كالوند نسخاً من جوازات سفر أعضاء الوفد إلى روسيا قبل الرحلة بشهر. وتُظهر نسخ هذه الجوازات، التي اطلعت عليها "فاينانشيال تايمز" وتم التحقق من صحتها، أن وزارة الخارجية الإيرانية أصدرت في 12 يونيو 2024 جوازي سفر دبلوماسيين جديدين لاثنين من المسؤولين الذين رافقوا كالوند في رحلته إلى روسيا. أعضاء الوفد الإيراني وحملت هذه الجوازات، التي لا تُمنح إلا للأشخاص المسافرين في زيارات رسمية مُعتمدة من الدولة، أرقام إصدار متسلسلة. وكان أول جواز صادر باسم جواد قاسمي، البالغ من العمر 48 عاماً، الذي شغل سابقاً منصب الرئيس التنفيذي لشركة Paradise Medical Pioneers، وهي شركة فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات في عام 2019 لكونها واجهة لعمليات شراء مرتبطة بأسلحة نووية، وتخضع لسيطرة منظمة الابتكار والبحث الدفاعي. وكان فخري زاده قد شغل منصباً في هذه الشركة قبل اغتياله. ووفقاً لسجلات الشركات الإيرانية، يرتبط قاسمي، من خلال مناصب إدارية سابقة وحالية متداخلة، بما لا يقل عن 5 مسؤولين في منظمة الابتكار والبحث الدفاعي أو شركات خاضعة لعقوبات أميركية. ويشغل قاسمي حالياً منصب الرئيس التنفيذي لشركة "إيمن گستَر رامان كيش"، وهي شركة إيرانية تعمل في مجال معدات السلامة النووية واختبار الإشعاع، وترتبط من خلال مديريها الحاليين والسابقين بعدد من الصلات مع منظمة الابتكار والبحث الدفاعي والحرس الثوري الإيراني. وكان سلفه في منصب الرئيس التنفيذي هو الجنرال في الحرس الثوري حسين علي آقا دادي. وشغل آقا دادي مناصب قيادية في شركات مسؤولة عن برامج الصواريخ الباليستية والطائرات المُسيرة الإيرانية، بما في ذلك تطوير طراز "شاهد" الذي زودت به إيران روسيا لاستخدامه في هجماتها على أوكرانيا. ولا يزال آقا دادي يشغل مقعداً في مجلس إدارة شركة "إيمن گستَر". وصدرت إحدى جوازات السفر الدبلوماسية الأخرى باسم روح الله عظیمي راد، الذي تقول المصادر إنه معروف لدى أجهزة الاستخبارات الغربية كأحد كبار علماء منظمة الابتكار والبحث الدفاعي. ويشغل أيضاً منصب أستاذ مشارك في جامعة مالك الأشتر للتكنولوجيا، وهي مؤسسة فرض عليها كل من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا عقوبات، نظراً لكونها خاضعة لسيطرة وزارة الدفاع الإيرانية. ويُعد عظیمی راد خبيراً في اختبارات الإشعاع والنقل، وفقاً لأبحاث منشورة في دوريات علمية. أما العضو الأهم في الوفد الإيراني، بحسب خبراء، فربما كان العالم النووي سروش محتشمي، المرتبط بجامعة أمير كبير للتكنولوجيا في إيران. ويُعد محتشمي خبيراً في مولدات النيوترونات، التي تُستخدم في العمليات الصناعية والطبية، لكنها تُستخدم أيضاً كمكونات تساعد في تفجير أنواع معينة من الأسلحة النووية. وكان المشرف المشارك على أطروحة محتشمي لنيل الدكتوراه في عام 2023 هو عباسي دواني. وقالت نيكول جراييفسكي، الزميلة في برنامج السياسات النووية بمؤسسة "كارنيجي" للسلام الدولي، إن تدريب محتشمي على يد عباسي دواني يبدو "صلة مباشرة بخطة آماد".


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
نتنياهو يكرر الدعوة إلى احتلال قطاع غزة بكامله
في اجتماع أمني محدود لمناقشة الخطط العسكرية الخاصة بغزة، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى احتلال القطاع بكامله، وفقاً لما ذكره مصدر مطلع لهيئة البث العام (كان). ونقلت وسائل إعلام عبرية أخرى، منها Ynet وi24 News، تقارير مماثلة نسبتها إلى «مصادر». وأورد موقع صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» أن اجتماع اليوم الثلاثاء حضره رئيس أركان الجيش إيال زامير، ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر. وفي حين يسيطر الجيش الإسرائيلي حالياً على نحو 75 في المائة من قطاع غزة، فإنه بموجب الخطة الجديدة، من المتوقع أن يحتل الأراضي المتبقية أيضاً، مما يضع القطاع بكامله تحت السيطرة الإسرائيلية. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب) وأفاد مصدر لـ«هيئة البث العام» بأن الحكومة تُدرك أن الحملة العسكرية للسيطرة الكاملة على غزة من المرجح أن تُعرّض للخطر الرهائن المتبقين الذين يُعتقد أن 20 منهم ما زالوا على قيد الحياة. وأضاف المصدر نفسه أن الجيش والمؤسسة العسكرية لا يزالان يعارضان الخطة، ويعود ذلك جزئياً إلى أنها تُعرّض الرهائن لخطر الإعدام على أيدي خاطفيهم في حال اقتراب القوات الإسرائيلية من مكان احتجازهم. ووفقاً لـ«القناة 12»، ستُعرض الخطة على مجلس الوزراء الأمني بكامل أعضائه للموافقة عليها يوم الخميس. وأفاد مكتب رئيس الوزراء في بيان مقتضب بأن نتنياهو «أجرى اليوم نقاشاً أمنياً محدوداً استمر نحو 3 ساعات، عرض فيه رئيس الأركان خيارات مواصلة الحملة في غزة». وأضاف: «جيش الدفاع الإسرائيلي مستعد لتنفيذ أي قرار يتخذه مجلس الوزراء الأمني».