
حظر استهداف المنشآت النووية في الحروب
جفرا نيوز -
أ. د. ليث كمال نصراوين
تسارعت وتيرة الحرب الصهيوأمريكية على إيران واتسع نطاقها نحو مهاجمة المنشآت النووية المقامة في العديد من المدن الإيرانية، حيث أعلن الرئيس الأمريكي ترامب نجاح قواته العسكرية في شن هجوم جوي على مواقع نووية في إيران والقضاء عليها، وهو الإجراء الحربي الذي يثير عدة تساؤلات حول مدى توافقه مع المنظومة الدولية ذات الصلة والحماية القانونية المقررة لهذه الأماكن الحيوية.
إن المنشآت النووية تعتبر أكثر الأهداف حساسية في المنازعات المسلحة، وذلك لما تمثّله من خطر بالغ في حال تعرضها لأي اعتداء أو هجوم عسكري، فالمفاعلات النووية ليست مجرد منشآت طاقة، بل هي نقاط تماس بين التنمية والكارثة، بين الاستخدام السلمي والتدمير الواسع.
لذا، تحظى المنشآت النووية بحماية قانونية متعددة المستويات؛ أولها من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية ((IAEA التي تشرف على سلامة تشغيل هذه المواقع، وتراقب استخدام المواد النووية لضمان بقائها ضمن الأطر السلمية. كما تنص اتفاقية الأمان النووي لسنة 1994 على ضرورة التزام الدول الأطراف بضمان تشغيل منشآتها الوطنية وفق أعلى معايير الأمن والسلامة.
ومع تصاعد حدة النزاع العسكري في الشرق الأوسط، لا بد من التذكير بالمبادئ القانونية والإنسانية التي تحكم سلوك أطراف النزاع، وعلى رأسها حظر استهداف المفاعلات النووية، والتي تحتوي على مواد مشعة يمكن أن تتسبب بحدوث كارثة إنسانية وبيئية تفوق بأضعاف أثر الأسلحة التقليدية، وذلك في حال تعرضها للتدمير أو التسرب نتيجة هجوم عسكري.
فاستهداف المفاعلات النووية لا يهدد فقط القوات المعادية، بل يُعرّض حياة آلاف المدنيين والبيئة لمخاطر تفوق حدود الدولة ذاتها. لذا، جاء القانون الدولي الإنساني ليضع جملة من القيود التشريعية الصارمة على مهاجمة هذه المواقع الحيوية في أوقات الحرب، والتي جرى وصفها بأنها منشآت تحتوي على "قوى خطرة".
ويأتي في مقدمة المواثيق الدولية ذات الصلة، البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977 الذي ينص في المادة (56) منه على أنه "لا تكون المنشآت التي تحوي قوى خطرة محلا للهجوم حتى ولو كانت أهدافا عسكرية، إذا كان من شأن هذا الهجوم أن يتسبب في انطلاق قوى خطرة ترتب خسائر فادحة بين السكان المدنيين".
إلا أن البروتوكول نفسه قد أشار إلى حالات معينة تتوقف فيها الحماية الخاصة لهذه المنشآت النووية أهمها "إذا استخدمت في دعم العمليات العسكرية على نحو منتظم وهام ومباشر، وكان هذا الهجوم هو السبيل الوحيد المستطاع لإنهاء هذا الدعم".
إن هذا الاستثناء من الحماية الدولية المقررة للمنشآت النووية يبرر استهداف هذه المواقع الحيوية في حال ثبوت أن هذه المنشآت تستخدم لأغراض عسكرية، فيكون الهجوم عليها هو الوسيلة الوحيدة لوقف هذا النشاط الحربي، شريطة مراعاة معياري التناسب والضرورة بين تحقيق السلم المدني ومنع التسلح العسكري من جهة والضرر المتوقع وقوعه على السكان المدنيين من ضرب هذه المنشآت من جهة أخرى.
إن هذا المبرر الدولي الذي يرفع الحماية القانونية عن المنشآت التي تحوي "قوى خطرة" دائما ما كان يتم استغلاله من قبل الدول العظمى، وذلك من خلال التوسع في تفسيره لصالح إعطاء مشروعية قانونية للجهمات العسكرية التي يجري شنها على المواقع النووية، والتي كان وآخرها الهجوم الأمريكي على ثلاث مدن إيرانية فيها هذه المنشآت الحيوية.
ونظرا للنتائج الوخيمة التي تنشأ عن استهداف هذه الأماكن الحيوية، فإن الإخلال بالحماية القانونية الدولية المقررة للمواقع النووية ومهاجمتها دون مبرر مشروع وبشكل يؤثر سلبا على السلامة الدولية يشكل جريمة حرب لغايات تطبيق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، مما يستوجب المساءلة والملاحقة.
وإلى جانب الحماية القانونية الدولية لهذه المقرات ذات الطبيعة الخطرة، فإن حظر استهداف المفاعلات النووية يشكل التزاما أخلاقيا وإنسانيا تجاه الأجيال القادمة، وذلك لما قد يسببه أي تسرب إشعاعي من دمار يمتد لعقود من الزمن. فاحترام القواعد التي تحظر استهداف المفاعلات النووية خلال النزاعات المسلحة لا يجب أن يُنظر إليه كخيار، بل كضرورة إنسانية واستراتيجية لحماية الأمن والسلم الدوليين.
وعليه، فإن الحاجة ماسة اليوم إلى إطلاق مبادرة دولية لإعادة النظر في الحماية الدولية المقررة للمنشآت النووية التي يجري استخدامها لغايات سليمة، وفرض قيود أكبر على أي استثناء يمكن أن يبرر الهجوم عليها وتدميرها عسكريا، وذلك تحت إشراف مباشر من الأمم المتحدة وولاية المحكمة الجنائية الدولية في حال ثبوت المخالفة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جفرا نيوز
منذ 3 ساعات
- جفرا نيوز
ماذا كتب الرزاز؟
جفرا نيوز - بعد زيارته لمعرض "الحركة العمالية الاردنية-تاريخ بصري" ماذا كتب رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عمر الرزاز؟، عن الحركة العمالية وتاريخها الزاخر؟.


سواليف احمد الزعبي
منذ 4 ساعات
- سواليف احمد الزعبي
أين أخفى الإيرانيون اليورانيوم المخصب؟
#سواليف إثر #الضربة_الأمريكية الجوية الثلاثية لمواقع التخصيب الإيرانية في عملية ' #مطرقة_منتصف_الليل '، أصبح مصير #اليورانيوم_المخصب بنسبة 60 بالمئة غامضا، واختفى عن أعين مترصديه. الرئيس الأمريكي دونالد #ترامب كان أعلن أن 'مطرقة منتصف الليل'، دمرت تماما #برنامج_إيران_النووي، في حين أكدت تقارير أن النتيجة لم تتعد على الأرجح سوى تأخير البرنامج النووي الإيراني بضعة أشهر فقط. وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو شكك في أن تكون إيران استطاعت نقل اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة وكميته تقدر بـ 408 كيلو غرامات قبل الغارة الامريكية عل مواقع التخصيب الثلاثة الرئيسة، مشيرا إلى أن 'كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% دُفنت أعماق الأرض' في منشأة أصفهان. بالمقابل رد الإيرانيون بالقول إنه من 'السذاجة بمكان' إبقاء اليورانيوم في نفس المكان في تلك المواقع، وأن 'اليورانيوم المخصب لم يُمسّ الآن'. صحيفة نيويورك تايمز أكدت أن إيران نقلت اليورانيوم المخصب ومعداته من منشآتها النووية في الأيام الأخيرة، مشيرة إلى أن قرار نقل اليورانيوم اتخذ وسط التهديد المستمر بعمل عسكري أمريكي والضربات الإسرائيلية المتواصلة عليها. علاوة على ذلك، قبل يومين من الهجوم الأمريكي، أظهرت صور الأقمار الصناعية قوافل من الشاحنات والجرافات في منشأة 'فوردو'، ما يشير إلى جهود حثيثة لنقل اليورانيوم المخصب إلى مكان آمن. حاليا لا يعرف الأمريكيون على الأرجح مكان اليورانيوم المخصب الذي تم نقله من المنشآت النووية الإيرانية قبل القصف. هذه الكمية من اليورانيوم المخصب بحسب أغلب التقديرات، تكفي لإنتاج ما بين 8-10 رؤوس نووية. من الناحية الفنية، يخزن اليورانيوم المخصب على هيئة غاز 'سادس فلوريد اليورانيوم' في أسطوانات فولاذية بجدران مزدوجة وهي مصممة للنقل البري، وتتسع كل أسطوانة لحوالي 10 كيلو غرامات، ما يسمح بنقل 400 كيلو غرام في شاحنتين أو ثلاث. إضافة إلى ذلك، تُشير تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن الإيرانيين لديهم خبرة في عمليات النقل السريع باستخدام أنفاق متعددة المخارج لتجنب المراقبة. المراقبة في هذه الحالة ليست سهلة، وهي غير فعالة من خلال الأقمار الصناعية بالنسبة للأنفاق العميقة، كما أنها شبه مستحيلة من خلال العناصر البشرية على الأرض في هذه الظروف. أماكن محتملة الي قد تكون إيران نقلت اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزي إليها: لدى الحرس الثوري الإيراني منشآت واسعة تحت الأرض بما في ذلك صوامع صواريخ ومراكز قيادة محصنة ضد الغارات الجوية. يمكن أيضا تخزين اليورانيوم المخصب في أنفاق تحت القواعد العسكرية. يمكن أن تلجأ إيران إلى قواعدها العسكرية القريبة من الخليج مثل بندر عباس أو جبال 'زاغروس' التي تتميز بتضاريس مناسبة لإخفاء أسطوانات اليورانيوم. الأمريكيون كانوا يشتبهون في أن إيران أخفت مجموعات من أجهزة الطرد المركزي في مناطق صناعية او مستودعات مهجورة. كما تشير تقارير أيضا إلى أن مركز البحث والتطوير النووي في أصفهان توجد به شبكان أنفاق عميقة يمكن أن تستغل في هذا الغرض. قد تستخدم إيران ببساطة ورش عمل صغيرة أو مصانع متفرقة يمكن تشغيل أجهزة الطرد المركزي داخلها. صحيفة فاينانشال تايمز كانت شددت على أن مصير البرنامج النووي الإيراني لا يعتمد فقط على الصواريخ والاستخبارات، ولكن على القرارات السياسية أيضا، فيما كشف مسؤول إسرائيلي أن الولايات المتحدة وإيران إذا ما عادتا إلى المفاوضات بشأن برنامج نووي 'سلمي'، فإن رئيس الوزراء نتنياهو قد يطالب بإزالة كل اليورانيوم عالي التخصيب من البلاد. لا تزال إيران كما يبدو ممسكة بالورقة النووية ولم تنزع منها بعد. علي شمخاني، مستشار المرشد الأعلى الإيراني كان غرد قائلا: 'حتى لو تم تدمير المنشآت النووية، فإن اللعبة لم تنته بعد. المواد المخصبة والمعرفة الوطنية والإرادة السياسية كلها لا تزال قائمة'.


جفرا نيوز
منذ 6 ساعات
- جفرا نيوز
الخشمان يكتب: في لحظة إعادة ترتيب العالم… هل نعيد ترتيب أنفسنا؟
جفرا نيوز - في مشهد دولي متقلب يتسم بإعادة صياغة غير معلنة لموازين القوة، وانهيار تدريجي للنظام العالمي الذي حكم العلاقات الدولية منذ الحرب العالمية الثانية، أطلق النائب الكابتن زهير محمد الخشمان تحذيرًا وطنيًا من الطراز الرفيع، داعيًا إلى مراجعة داخلية شاملة لموقع الأردن في خريطة العالم الجديد، وتقديم مشروع دولة قادر على مراكمة القوة بدل استهلاكها. في مقاله المعنون "في لحظة إعادة ترتيب العالم… هل نعيد ترتيب أنفسنا؟"، لا يكتفي الخشمان بتوصيف التحولات الجارية، بل يضع إصبعه على الجرح السياسي والاقتصادي الداخلي، محذرًا من أن من لا يسارع إلى التغيير بإرادته، سيُجبر على التأقلم مع قواعد لم يصنعها. العالم يكتب تاريخه من جديد… بصمت يرى الخشمان أن ما يجري لا يمكن اعتباره اضطرابًا سياسيًا مؤقتًا، بل هو "تفكيك للنظام الدولي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، وإعادة تركيب لنظام جديد يُفرض دون إعلان، ويتشكل خارج جدران الأمم المتحدة أو المؤسسات التقليدية". التحول، بحسب المقال، لا يأتي من جبهة واحدة، بل من كل الاتجاهات: من تراجع مركزية القرار في واشنطن، إلى تصاعد دور بكين، مرورًا بحروب بالوكالة وانكشاف هشاشة اقتصادات عظمى، وانتهاءً بتغير جوهري في أدوات النفوذ من الجيوش إلى البيانات، ومن الحدود إلى التشريعات العابرة لها. الأردن… صوت متزن في زمن الصخب وفي خضم هذا التغير، يبرز موقع الأردن كاستثناء في منطقة تعاني من التشظي، حيث يؤكد الخشمان أن الأردن، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، لم يكن في موقع الانفعال أو المسايرة، بل انتهج سياسة متزنة، "هادئة حينًا، حازمة حينًا، لكنها دائمًا واعية." وفي إشادة واضحة بدور الملك، يقول الخشمان: "جلالة الملك، في كل المحافل الدولية، لم يكن فقط من يتحدث باسم الأردن، بل من يمثّل ضمير الإقليم حين يغيب التوازن، وصوت الاعتدال حين ترتفع الضوضاء." التحولات الخارجية تتطلب إعادة ترتيب الداخل لكن هذا الحضور الخارجي، كما يشير الخشمان، لا يمكن الحفاظ عليه دون قاعدة داخلية صلبة. فالمكانة السياسية لا تصمد دون دعم اقتصادي، والقرار المستقل لا يُحمى إلا ببنية وطنية متماسكة، والوزن الإقليمي لا يُحفظ دون جبهة داخلية موحدة. ويقولها بوضوح: المطلوب اليوم ليس مشروع حكومة، بل مشروع دولة، تتحول فيه الحكومة إلى أداة تنفيذ حقيقية، ويكون فيه البرلمان شريكًا رقابيًا وتشريعيًا فعالًا، ويتحول فيه المواطن من متلقٍ سلبي إلى عنصر منتج وشريك في القرار. نهاية مرحلة وبداية أخرى… هل نختار أن نكون؟ وفي لحظة تشبه ما قبل التقسيمات الكبرى في التاريخ، يحذر الخشمان من التباطؤ أو الرضى بإدارة الأزمة. ويتساءل: "هل سنبقى نستهلك طاقتنا في إدارة الملفات القديمة؟ أم سنفتح صفحة جديدة عنوانها: مشروع وطني اقتصادي سيادي عصري، يواكب العالم ويتقدم عليه لا يتخلف عنه؟" إنها لحظة لا تحتمل المجاملة ولا التسويف. ومن لا يشارك في كتابة قواعد العالم الجديد – كما يشير الخشمان – "سيُكتب عليه أن يتعايش مع نتائجه، دون رأي، ولا مكان." ما بين سطور المقال، يظهر جليًا أن الخشمان لا يسعى انتقاد تقليدي، بل إلى بناء أرضية سياسية جديدة، عنوانها أن الأردن يستحق أكثر من إدارة الملفات… يستحق مشروعًا وطنيًا نابعًا من ذاته، يلتف حول قيادته، ويستثمر في قدراته، ويتجاوز انقساماته، ليكون في قلب الحدث العالمي، لا على هامشه. "وبقيادة جلالة الملك، ووعي الدولة، وتكامل حقيقي بين السلطات، وشعب يعرف قدر وطنه… بإمكاننا أن لا نكون ضحية العالم الجديد، بل أحد عناوينه.