
كيف سطت الولايات المتحدة على أميركا اسما وفعلا؟
ولم تكن تلك المرة الأولى التي تحاول أميركا الجنوبية تثقيف جارتها الثرية القوية، أي الولايات المتحدة، فثمة تاريخ طويل لهذا التأثير يرصده أستاذ التاريخ في "جامعة ييل"، غريغ غراندين، عبر كتابه الصادر حديثاً في أكثر من 700 صفحة عن "دار بنغوين" بعنوان "أميركا أميركا: تاريخ جديد للعالم الجديد"، وأرجو أن تكون محاولة صائبة لمضاهاة هذا العنوان، إذ أستعمل لكلمتي AMERICA الإنجليزية و AMÉRICA الإسبانية التعريبين الشائعين في العربية، أي أميركا وأميركا.
في الرابع من الشهر الجاري، أي في عيد الاستقلال الأميركي، نشر غراندين في "نيويورك تايمز" مقالة عنوانها "ترمب يشن حرباً على مواطنيه"، أسهب فيها في عرض تاريخ استعمال كلمة "أميركا" للإشارة إلى بلد لا قارة بل قارتين، فاضحاً استعمار هذه الكلمة واغتصابها بمثل استعمار أرض العالم الجديد واغتصابها.
حدود دائمة التوسع
خلال النصف الأول من القرن الـ 18 كان معظم سكان الغرب يشيرون إلى العالم الجديد باسم أميركا، ثم حدث في ستينيات القرن، وفي رد فعل على جهود التاج البريطاني لتشديد السيطرة على ممتلكاته الأميركية، أن "بدأ الرعايا البريطانيون المنشقون في استعمال لفظ 'أميركا' بمعنيين، فيقصدون بأحدهما العالم الجديد ويقصدون بالثاني شريحتهم الصغيرة من هذا العالم، أي الشريط الضيق من الأرض بين جبال أليجيني والبحر".
"وفي عام 1777 أطلقت مواد دستور على البلد الجديد اسم الولايات المتحدة الأميركية وإن ظلت تشير إليه باسم 'أميركا' فقط، وهذا الخلط اللغوي بين مجمل العالم الجديد وأحد أجزائه ينطوي على طموح، إذ توقع كثر في الولايات المتحدة آنذاك أن تضم الأمة الجديدة نصف الكرة الأرضية بأكمله، أو أن تصل في الأقل إلى المحيط الهادئ".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كان جورج واشنطن من أوائل من اغتصبوا للولايات المتحدة اسم أميركا، إذ قال في خطاب وداعه عام 1796 أن "الأميركي اسم يخصكم"، بل بلغ الهوس بالاسم أن الرئيس جيمس بيوكانان أرسل عام 1858 أسطولاً من 19 بارجة و2500 جندي و200 مدفع ليطالب حكومة باراغواي بتغيير كلمات "الولايات المتحدة الأميركية الشمالية" إلى "الولايات المتحدة الأميركية" في نص اتفاق تجاري.
واستمر الهوس حتى دونالد ترمب، إذ استهلت جينيفر سالاي استعراضها للكتاب ["نيويورك تايمز" - 12 مايو (أيار) 2025] بحديث عن الـ 20 من يناير الماضي، حينما وقّع ترمب أمراً تنفيذياً بتسمية خليج المكسيك باسم خليج أميركا، قائلاً إن "المنطقة التي كانت تعرف في السابق باسم خليج أميركا هي منذ أمد بعيد جزء لا يتجزأ من أمتنا الناشئة، وتظل مواردها الطبيعية وحياتها البرية جزءاً مركزياً من الاقتصاد الأميركي".
وبعد أسبوعين كتب غراندين مقالة في الـ "غارديان" البريطانية قال فيها إن "ترمب قد يكون محقاً بمعنى واحد في الأقل، فلو أن استخراج الثروات الطبيعية بكثافة من رقعة من الطبيعة يمنح حقوق ملكية هذه الرقعة، فالخليج ولا شك ملك للولايات المتحدة التي تقوم صناعاتها منذ أكثر من قرن بالحفر في الخليج والتكسير والصيد فيه، بشرهٍ يجعل من الأعاجيب أن يبقى فيه أي قدر من النفط أو الغازات أو الحياة البحرية"، وتعلق سالاي على ذلك بقولها إن الأميركيين امتلكوا الخليج "بانتهاكهم له"، وتمضي فتقول إن ترمب بذلك الأمر التنفيذي لم يستول على الخليج وحده، وإنما على صفة الأميركي أيضاً، إذ يكفي أن يوصف الخليج بالأميركي ليفهم من هذا أنه ملك للولايات المتحدة، ولكن كتاب غراندين يقول خلاف ذلك، إذ يبين أن أميركا الشمال وأميركا الجنوب ظلتا على مدى خمسة قرون تصوغان إحداهما الأخرى عبر الحرب والغزو والتنافس والتعاون، وظلت لعلاقتهما تداعيات، لا على نصف الكرة الأرضي الغربي وحده وإنما على العالم كله، وإذا كان الشماليون من أبناء العالم الجديد قد سعوا منذ فترة باكرة إلى الاستيلاء على اسم القارة لبلدهم، فإن ثوار الجنوب الذين كانوا يسعون إلى الإطاحة بالحكم الملكي الإسباني لم يحذوا حذوهم، "فلم تكن أميركا بالنسبة إليهم رمزاً لقومية وإنما لأممية، وكتب الزعيم السياسي الكولومبي فرانسيسكو دي باولا سانتاندير عام 1888 أنه ليس من المهم كثيراً أين محل ميلاده، فـ 'أنا أميركي وحسب، وبلدي هو أي ركن في أميركا لا يخضع لحكم الإسبان' وكان الثوري الفنزويلي الذي حرر جزءاً كبيراً من أميركا الجنوبية من الحكم الإسباني، سيمون بوليفار، يرجو لأميركا الحرة كلها، كما سيتبين لاحقاً، أن تقود الإنسانية إلى مستقبل يحكمه القانون والعدل".
وفي الوقت نفسه، كما يقول غراندين، وعلى رغم إيمان بعض الأصوات في الولايات المتحدة بالمثل الرائجة في القارة الجنوبية، ومنهم جون كوينسي آدمز، فإن العبودية توسعت وتسارع تهجير الهنود واستعر التوسع غرباً وتسارعت أيضاً وتيرة القومية العدوانية التي تمثلها اليوم حركة "ماغا" MAGA أو "إعادة أميركا لعظمتها من جديد"، وتحول "قاتل الهنود الاستعبادي الأنجلو-سكسوني"، بحسب تعبير آدمز، إلى مثال وطني للبطولة.
ولعل من أهم الأفكار التي نشأت في الولايات المتحدة خلال تلك الفترة الباكرة أيضاً ما يتناوله غراندين في كتاب سابق له عنوانه "نهاية الأسطورة"، استكشف فيه مكانة الحدود في المخيلة الأميركية، وتقول جينيفر سالاي إن "غراندين أقام نهاية الأسطورة على أن ميثولوجيا الحدود الدائمة التوسع أججت خيالات النمو اللانهائي، وبدلاً من مكافحة ندرة الموارد تعلم الأميركيون ببساطة أن يتقدموا صوب الغرب للاستيلاء على موارد جديدة، وتعقّب غراندين باعتياد الولايات المتحدة الوحشية وقدرتها على تنظيم سياساتها حول التوسع المستمر اللانهائي".
"في الوقت نفسه كان إلى الجنوب من أميركا تصور مختلف للعالم وفهم مختلف له، إذ يبين كتاب 'أميركا أميركا' أن الأميركيين الإسبان ما كانوا يرون الحدود منافذ للهرب وإنما مسارح تاريخية للإرهاب والهيمنة، ويؤكد أن هذا الشعور بالألم قد أدى إلى نشوء نزعة إنسانية في أميركا اللاتينية أصبحت الأساس لمثُل التعاون الدولي والمؤسسات العالمية ومنها الأمم المتحدة".
أرض مفروشة بالجثامين
ترى سالاي في ذلك طرحاً غريباً، لأن لبلاد أميركا اللاتينية نصيبها من الصراعات الداخلية والدكتاتوريات الوحشية، فضلاً عن أسطورة السود التي تظهر فيها الإمبراطورية الإسبانية كياناً فاسداً استعبادياً سفاكاً للدماء، وهي الصورة التي استعملها الإمبرياليون البريطانيون لإظهار أنفسهم بمظهر المعتدلين بالمقارنة مع الإسبان، و"يقر غراندين بمسؤولية الغزاة الإسبان عن سفك هائل للدماء، لكنه يمضي ليقول إن الخراب الذي جرى على أيديهم أثار غضباً ومعارضة"، وليس مزيداً من سفك الدماء.
وفي هذا الصدد يرسم غراندين صورة بديعة للأب بارتولمي دي لاس كاسس، القسيس الدومينيكاني في القرن الـ 16 الذي بدأ مناصراً لطموحات التاج الإسباني الإمبريالية ومنتفعاً بها ثم تحول إلى أحد أشد منتقديها، وما طرأ ذلك التحول على لاس كاساس إلا حينما رافق بعثة لإحلال السلام في كوبا، فرأى رفاقه الإسبان يبقرون أحشاء النساء والأطفال، وحكى لاحقا عن 'الأرض المفروشة بالجثامين' وكتب شهادته عن كثير للغاية من المجازر، وكثير للغاية من الحرق، وكثير للغاية من السلب، وأخيراً عن محيط من الشرور"، ففي مقابل المدافعين البارزين عن الإمبراطورية الإسبانية الذين رأوا السكان الأصليين جديرين بالقهر، يرى غراندين "أننا لا نولي الاهتمام الكافي بـ 'الثوريين الأخلاقيين' الذين أقروا بأن السكان الأصليين بشر، وأن البشر جميعاً متساوون لم يولد منهم أحد عبداً".
"وفي حين كان الباحثون في أجزاء أخرى من العالم يفصلون ملامح إنسانية جديدة، مضى لاس كاساس إلى خطوة أبعد في تقدير غراندين، إذ ربط هذه الإنسانية بتقاليد الكنيسة الكاثوليكية فخرج بفلسفة توازن بين الحقوق الفردية وحاجات المنفعة العامة، وذلك ما ظل الأميركيون اللاتينيون يذكرون به جيرانهم الشماليين دونما جدوى".
يتتبع كتاب "أميركا أميركا" هذه الثيمة عبر القرون، في غمار ثورات وحروب أهلية وكفاح من أجل الاستقلال، ويوضح غراندين أن الأميركيين الإسبان حرصوا دائماً على إحسان الظن بالأميركيين السكسون، حتى إنهم في البداية قرأوا "مبدأ مونرو" الصادر عام 1823 باعتباره تأكيداً للنضال الجماعي ضد الإمبريالية الأوروبية، لولا أن الولايات المتحدة ظلت تستند إلى ذلك المبدأ باعتباره 'تصريحاً ذاتياً بالتدخل ضد جيرانها الجنوبيين' فكان لواشنطن دور في تغيير أنظمة الحكم 16 مرة بين عامي 1961 و1996 في دول أميركا اللاتينية".
وترى جينيفر سالاي أن إبراز غراندين لغلبة الروح الإنسانية لدى الأميركيين اللاتينيين يبلغ أحياناً مبلغ العاطفية، ويصل إلى حد أن يعلن غراندين في نهاية الكتاب أن أميركا اللاتينية "من أكثر قارات العالم سلاماً من حيث العلاقات بين الدول"، مغفلاً أن السياسات الداخلية، بحسب ما تشير سالاي، شأن آخر تماماً، و"غراندين يعلم هذا، ولكنه يمتنع من طرحه بما قد يعقد فرضيته الأساس، ويؤكد بدلاً من ذلك أن ما تعيشه القارة الجنوبية من معاناة إنما يرجع لسبب آخر ويكمن في مكان آخر، فيشير محقاً إلى دعم الولايات المتحدة لطغاة من أمثال بينوشيه في تشيلي"، ويوجه اللوم أيضاً إلى نظام التجارة الدولية غير المنصف، مشيراً إلى أن الديمقراطيين الاجتماعيين في القارة يعتقدون أن مفتاح حل مشكلاتهم الداخلية الكبيرة يكمن في قدرتهم على إصلاح النظام العالمي".
ومؤكد أن التناقض بين الأميركتين لا يبلغ حدة التناقض بين الخير والشر، بحسب ما يصور غراندين، لكن أنطوني باغدن يؤكد في استعراضه للكتاب ["ليتراري رفيو" – أبريل (نيسان) 2025] وجود اختلافات كبيرة بين الأميركتين، مستشهداً بهيغل الذي قال إن "أميركا الجنوبية غُزيت أما أميركا الشمالية فاستُعمرت"، ولا يزال "أثر هذا جلياً بطرق لا حصر لها حتى اليوم"، إذ ظل في أراضي أميركا الجنوبية من السكان الأصليين عدد أكبر وأفضل حالاً ممن في أميركا الشمالية، وظلت شعوب الجنوب أكثر اختلاطاً عرقياً، مصداقاً لقول سيمون بوليفار لنواب فنزويلا عام 1819 "إننا أشبه بسلاسة وسطى بين ملاك هذه الأرض الشرعيين والغاصبين الإسبان"، بينما أزيح السكان الأصليون في أميركا الشمالية واستبدل بهم عبيد أفارقة، فظل البلد الشمالي إلى اليوم منقسماً وفقاً لخطوط عرقية حادة.
يكتب أنطوني باغدن أن بطل كتاب "أميركا أميركا" الحقيقي هو سيمون بوليفار، لكن ليس بوصفه القائد العسكري العبقري المعروف، إذ يحتفي فيه غراندين بالرجل الذي حلم بما أطلق عليه "مؤتمر جوار أميركا"، حين تصور بوليفار أن تترابط كامل أميركا الجنوبية من خلال معاهدات تعاون مع بلاد الشمال، وفي عام 1824 دعا بوليفار جميع جمهوريات أميركا اللاتينية الناشئة ومراقبين من أميركا الشمالية إلى مؤتمر في مدينة بنما، طامحاً إلى تكوين اتحاد لما سماه 'الأمم الحرة' (فلعله أول من استعمل المصطلح) التي ستتوحد في النهاية تحت قانون واحد 'يبطل أي تأثير أو قوة للون أو العرق، ويلغي العبودية، ويقر المساواة في الحقوق للجميع، فلا تكون أمة مفردة أضعف من أخرى ولا أقوى'، وعلى رغم توقيع 'معاهدة الاتحاد والعصبة' فإن مؤتمر بوليفار لم يثمر كثيراً، فظلت بلاد أميركا اللاتينية متناحرة لا تعدو جمهوريات الهواء، بحسب تسمية بوليفار، لكن ظل حلم الرجل بالاتحاد وحسبانه له خطوة نحو اتحاد يشمل العالم كله فكرة مؤثرة، إذ إن الصلات الوثيقة التي تربط الولايات المتحدة بجيرانها الجنوبيين، بحسب ما يكتب ريتشارد فاينبرغ في استعراض الكتاب ["فورين أفيرز" - 22 أبريل 2025] ـ قد "جعلت للفكر السياسي والمُثل الدبلوماسية الأميركية اللاتينية أثراً هائلاً في جارتهم الشمالية القوية الثرية، فالعقائد التي تشكلت في أميركا اللاتينية في ما يتعلق بالقانون الدولي والمساواة القضائية وسيادة الدول وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، هي التي ألهمت الأممية الليبرالية الويلسونية، وسياسة حسن الجوار التي انتهجها الرئيس فرانكلين روزفلت، وركزت على التجارة والتعاون في نصف الكرة الغربي بدلاً من استخدام القوة والمثل التي شكلت الأمم المتحدة، وحتى تحالف الـ 'ناتو' العسكري".
يكتب أنطوني باغدن أن دول أميركا اللاتينية اليوم تتأرجح جميعاً بين النور والظلام، ومع عودة دونالد ترمب للسلطة فإن مستقبل هذه الدول يبدو مظلماً، شأن مستقبل علاقاتها بالولايات المتحدة، غير أن فضل كتاب غراندين يتمثل في وضعه إطاراً للعلاقات بين الأميركتين لا يحتل فيه ترمب، بكل ما يمثله، غير نقطة في قوس واسع، فقد يحدث أن تأخذ الولايات المتحدة، مثلما يرجو غراندين، عن جيرانها الجنوبيين ما يُصلحها، لأن لدى أولئك الجيران كثيراً مما يمكن أن يعلّموه لجارة الشمال.
العنوان: AMERICA, AMÉRICA: A New History of the New World
تأليف: Greg Grandin
الناشر : Penguin Press
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
إسرائيل: اعتراض صاروخ أطلق من اليمن
قال الجيش الإسرائيلي اليوم الخميس إنه جرى اعتراض صاروخ أطلق من اليمن، بعدما دوت صفارات الإنذار في عدة مناطق في أنحاء إسرائيل. ويطلق الحوثيون المتحالفون مع إيران، والذين يسيطرون على أكثر مناطق اليمن اكتظاظاً بالسكان، صواريخ باتجاه إسرائيل ويهاجمون ممرات الشحن في حملة يقولون إنها تهدف لإسناد الفلسطينيين. ووفقاً لسلطات الصحة في غزة فقد قتل أكثر من 57 ألف فلسطيني جراء الهجوم العسكري الإسرائيلي منذ أواخر عام 2023. وأطلق الحوثيون عشرات الصواريخ والطائرات المسيرة، وجرى إسقاط معظمها أو لم تصل إلى أهدافها. وشنت إسرائيل هي الأخرى عدداً من الضربات. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وهددت إسرائيل الحوثيين في اليمن بحصار بحري وجوي إذا استمرت الجماعة المتحالفة مع إيران في شن هجمات على إسرائيل، فيما تقول إنه تضامن مع غزة. والغالبية العظمى من عشرات الصواريخ والطائرات المسيرة التي أطلقوها جرى اعتراضها أو لم تصب الهدف. ونفذت إسرائيل سلسلة من الضربات الانتقامية.


Independent عربية
منذ 3 ساعات
- Independent عربية
ترمب يحرج رئيس بلد أفريقي: جدولنا مشغول.. أذكر اسمك وبلدك
بينما استضاف البيت الأبيض قمة أميركية- أفريقية مصغرة تهدف لمواجهة النفوذ المتزايد للصين وروسيا في القارة السمراء، إذا بالرئيس دونالد ترمب يحرج أحد القادة الحاضرين بينما يثني على اللغة الإنجليزية لآخر. ففي لقطة حظيت باهتمام إعلامي، لم يبد ترمب الاهتمام المطلوب برئيس دولة أفريقية يجلس أمامه خلال قمة البيت الأبيض، إذ تحدث له قائلا: "علينا أن نكون أسرع من ذلك... جدول أعمالنا مشغول... أيمكنك ذكر اسمك وبلدك.. شكراً لك". ودُعي رؤساء ليبيريا والسنغال وموريتانيا وغينيا بيساو والغابون إلى هذا اللقاء الذي ركز رسمياً على قضايا التجارة والاستثمار والأمن، حسبما أفاد مسؤولون. إنجليزية رئيس ليبيريا وخلال القمة المصغرة هنأ الرئيس الأميركي أمس نظيره الليبيري جوزف بواكاي على إتقانه الإنجليزية، على رغم أنها اللغة الرسمية في هذه الدولة الواقعة في غرب أفريقيا. وعلق ترمب على كلمة مقتضبة ألقاها بواكاي بسؤاله عن سر طلاقته باللغة الإنجليزية. وقال الملياردير الجمهوري مخاطباً الرئيس بواكاي وهو خريج كلية إدارة الأعمال "شكراً لك، ولغتك الإنجليزية ممتازة... أين تعلمت التحدّث بهذه الروعة؟ أين تلقيت تعليمك؟ في ليبيريا؟". وبواكاي الذي تُعتبر الإنجليزية لغته الأم شأنه في ذلك شأن سائر مواطنيه، رد على سؤال ترمب بابتسامة، بدا فيها محرجاً، قبل أن يجيب ببساطة "أجل سيدي"، أي أنه تلقى تعليمه في ليبيريا. لكن ترمب الذي كان مُحاطاً برؤساء دول أخرى في غرب أفريقيا ناطقة بالفرنسية آثر مواصلة الإشادة بمدى إتقان ضيفه للإنجليزية. وقال "حسناً، هذا مثير للاهتمام للغاية، هذه لغة إنجليزية جميلة. لدي أشخاص حول هذه الطاولة لا يتحدثونها بنفس إتقانك لها". وليبيريا هي أقدم جمهورية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وقد تأسس هذا البلد في 1822 كمستوطنة للعبيد المحررين في الولايات المتحدة والذين عادوا للعيش في غرب القارة السمراء. والإنجليزية هي اللغة الرسمية في ليبيريا وهي أيضاً اللغة الأكثر انتشاراً في سائر أنحاء هذا البلد. وبواكاي الذي يرأس ليبيريا منذ 2024 تخرج في جامعة ليبيريا في العاصمة مونروفيا، كما درس في جامعة ولاية كانساس في وسط الولايات المتحدة. تربة ثمينة واستضاف الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض أمس الأربعاء رؤساء خمس دول أفريقية غنية بالمعادن، لكنه عند افتتاح غداء العمل، حدد السبب الرئيس وراء الدعوة، واصفاً أمام الصحافيين الدول الخمس بأنها "أماكن ديناميكية تتمتع بتربة ثمينة للغاية، ومعادن عظيمة واحتياطات نفطية كبيرة وبشعوب رائعة". وذكر "تتمتع أفريقيا بإمكانات اقتصادية كبيرة، كما هي الحال في عدد من الأماكن الأخرى، في كثير من النواحي"، مشيراً إلى أنه يريد زيادة مشاركة الولايات المتحدة في القارة. ومنذ عودته إلى البيت الأبيض، يظهر ترب ميلاً إلى الدبلوماسية القائمة على الصفقات، ومن هذا المنطلق وضع قضية المعادن في قلب المفاوضات مع العديد من الدول، كما هي الحال مع أوكرانيا أو في إطار اتفاق السلام بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) والرؤساء الأفارقة الخمسة الذين شاركوا في القمة يرأسون دولاً غنية بالمعادن وخصوصاً الذهب أو المعادن النادرة، وهي مكونات حيوية للاقتصاد العالمي وخصوصاً لصناعة الأجهزة الإلكترونية والمركبات الكهربائية. وخلال جولة المناقشات التمهيدية، أشاد عدد من الرؤساء ببلدانهم وكذلك أيضاً بالرئيس ترمب. وقال الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني "لدينا معادن، معادن نادرة. لدينا المنغانيز، ولدينا اليورانيوم، ولدينا أسباب وجيهة للاعتقاد بأن لدينا الليثيوم ومعادن أخرى". من جانبه، سعى الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فايي إلى "طمأنة جميع المستثمرين الأميركيين في شأن الاستقرار السياسي" في بلاده و"بيئتها التنظيمية المواتية"، قبل أن يسلط الضوء على مواردها الغنية من النفط والغاز الطبيعي. وخلال قمة عقدت في أنغولا في أواخر يونيو (حزيران)، تعهدت شركات أميركية الاستثمار في العديد من مشاريع البنى التحتية في أفريقيا، في خطوة أتاحت لواشنطن فرصة الدفاع عن الاستثمار الخاص بدلاً من المساعدات الدولية.ش


Independent عربية
منذ 4 ساعات
- Independent عربية
بريطانيا وفرنسا تؤكدان استعدادهما لـ"تنسيق" ردعهما النووي
أعلنت فرنسا وبريطانيا أمس استعدادهما لـ"تنسيق" ردعهما النووي وحماية أوروبا من أي "تهديدات قصوى"، في خطوة تمثل تطوراً كبيراً في عقيدة البلدين في ظل تدهور الأمن الأوروبي. وقالت لندن وباريس إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيوقع اليوم الخميس مع رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر خلال زيارة الدولة التي يجريها إلى المملكة المتحدة "إعلاناً جديداً يؤكد للمرة الأولى أن وسائل الردع الخاصة بالبلدين مستقلة ولكن يمكن تنسيقها، وأن التهديدات القصوى لأوروبا ستثير رداً من البلدين". وأكد البلدان أن السيادة على قرار تفعيل الأسلحة النووية تبقى قائمة بالكامل، لكن "أي خصم يهدد المصالح الحيوية للمملكة المتحدة أو فرنسا يمكن مواجهته بقوات كلا الدولتين". ووفق الرئاسة الفرنسية، فإن "مجموعة للرقابة النووية" يرأسها قصر الإليزيه ومكتب رئيس الحكومة البريطانية، ستكون مسؤولة عن "تنسيق التعاون المتنامي في مجالات السياسية والقدرات والعمليات". ومرت 30 عاماً منذ صدور ما إعلان مشترك بين البلدين في عام 1995، ومنذ قامت فرنسا والمملكة المتحدة، القوتان النوويتان الوحيدتان في أوروبا الغربية، بتغيير المبدأ الذي يحكم تعاونهما في مجال الردع. ونص هذا الإعلان على أن البلدين "لا يتصوران وضعاً يمكن أن تهدد فيه المصالح الحيوية لإحدى الدولتين من دون أن تهدد أيضاً المصالح الحيوية للدولة الأخرى"، ولكن من دون الإشارة إلى الرد في حال حدوث تهديد. ومنذ ذلك الحين، تغير السياق الأمني والعسكري في أوروبا، خصوصاً منذ بدء الحرب الروسية- الأوكرانية في فبراير (شباط) عام 2022. ويدفع عدم اليقين في شأن التزام الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترمب تجاه حلفائها الأوروبيين وحلف شمال الأطلسي، العديد من الدول إلى طرح تساؤلات حول قوة الضمانات الأمنية الأميركية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ويبدو أن تعزيز التعاون في مجال الدفاع سيشكل الإعلان الرئيس للقمة الثنائية الفرنسية- البريطانية التي سيرأسها ستارمر وماكرون اليوم الخميس في داونينغ ستريت. ومن المقرر أيضاً أن يرأس ستارمر وماكرون اجتماعاً لتحالف الدول "المتطوعة" في شأن أوكرانيا عبر الفيديو، والذي سيضم ممثلين عن الولايات المتحدة، حسبما أفاد الإليزيه. ويجمع هذا التحالف الذي أنشأته باريس ولندن في بداية العام الحالي، حوالي ثلاثين دولة ملتزمة تعزيز القدرات الدفاعية لأوكرانيا وضمان وقف إطلاق النار في المستقبل بين كييف وموسكو.