
الجنرال عاصم منير.. التهديد الباكستاني الذي تخشاه الهند
في الأول من مايو/أيار الماضي، وقف قائد الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير (رُقي إلى رتبة فيلد مارشال "مشير" بعد ذلك بأيام) فوق دبابة أثناء مناورة عسكرية، مُوجِّها خطابا تحذيريا للهند بعدما تصاعدت حدة التوترات بين البلدين، حيث أعلنت نيودلهي عن نيتها شن هجومٍّ على مواقع عسكرية باكستانية. خطب قائد الجيش في قواته حينها قائلا: "أي مغامرة عسكرية غير محسوبة من جانب الهند ستقابلها باكستان برد سريع وحازم وصاعق".
اعتُبرَت كلمات منير الظهور الإعلامي الأشهر والأكثر حدة له، رغم ما عُرِف عنه من تفضيله العمل بعيدا عن عدسات الإعلام، واقتصار ظهوره على المناسبات العسكرية الرسمية منذ توليه المنصب الأعلى في الجيش الباكستاني في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
حظي خطاب منير باهتمام واسع النطاق، لا سيما بعدما تعهد بالوقوف إلى جانب الكشميريين الذين يخوضون "نضالا بطوليا" ضد "الاحتلال" الهندي حسب وصفه، وهو ما دفع بعض المحللين إلى اعتبار كلماته تحوُّلا في الموقف الباكستاني الذي بات يتخذ طابعا أكثر تحديا وميلا إلى المواجهة المباشرة مع الهند. وفي 6 مايو/أيار، منح رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف تفويضا كاملا من الحكومة للجيش الباكستاني كي يرد ردا مناسبا على الهجوم الهندي، ومن ثم صار عاصم منير مهندس الهجوم المضاد الذي شنته باكستان على عدة مواقع عسكرية في الهند.
خلال الحرب التي استمرت زهاء 4 أيام فقط، وقبل أن يدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، صرَّح المتحدث باسم الجيش الباكستاني عن تحليق مُسيَّرات بلاده فوق العاصمة الهندية نيودلهي، وإسقاط 5 مقاتلات هندية بينها 3 من طراز " رافال" الفرنسية. وفي يوم 10 مايو/أيار، خرج رئيس الوزراء شهباز شريف مُعلنا انتصار بلاده في صدِّ العدوان الهندي، ومُوجِّها الشكر لقائد الجيش عاصم منير (إضافة إلى قائدي القوات البحرية والجوية) قائلا إنه "لولا عزيمته القوية وذكاؤه الحاد وقيادته البطولية لما تمكنت البلاد من تحقيق هذا الانتصار التاريخي على الهند".
وفي أعقاب ذلك خرج سكان المدن الكبرى إلى الشوارع مُعبِّرين عن فرحتهم وواصفين منير بأنه "بطل الأمة الباكستانية"، وقد زَينت صوره شوارع العاصمة الباكستانية إسلام آباد مع العلم الأخضر ولافتات النصر.
"الملا منير"
في عام 2023، وفي قاعة فندق مكتظة بالوزراء والدبلوماسيين والجنرالات بالعاصمة الباكستانية إسلام آباد، وصف مراسل هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، فرحات جاويد مقابلته الأولى مع الجنرال عاصم منير قائلا: "كان يتحرك بين الجمع بهدوء وثقة، ويرتدي ملابس مدنية، وقد بدا عليه أنه شخص قليل الكلام ومهذب".
لكن بمجرد أن صعد منير إلى المنصة لإلقاء كلمته، تحوَّلت نظرته الهادئة إلى مزيج من الصرامة والحزم، وافتتح خطبته بتلاوة آيات من القرآن الكريم، والتي أصبحت عادة مُميِّزة له بوصفه "حافظ القرآن" الأول الذي يصل إلى منصب رئيس الأركان. كان منير قد أكمل حفظ القرآن كاملا أثناء وجوده في المملكة العربية السعودية وهو ابن 38 عاما، حيث شارك في برنامج التعاون الدفاعي بين الرياض وإسلام آباد.
ولد سيد عاصم منير أحمد شاه في مدينة راوَلبندي بإقليم البنجاب في يونيو/حزيران 1966، وهو ينحدر من عائلة متدينة مرموقة تعود أصولها إلى مدينة جالَندَر في الهند، لكنها هاجرت إلى باكستان في أعقاب استقلال باكستان عن الهند عام 1947.
لم تخلُ نشأة منير من تربية دينية، فقد كان أشقاؤه من حفظة القرآن الكريم، أما والده سيد منير فكان معلما وإماما، وعمل مديرا لمدرسة "إف جي" الفنية بمدينة طارق آباد، وهي المدرسة التي تلقى فيها منير تعليمه الأساسي قبل أن يلتحق بمدرسة "دار التجويد" المركزية حيث درس القرآن والتجويد. ولهذا السبب تطلق عليه وسائل الإعلام الهندية لقب "الجنرال الملا" أو "الملا منير"، وهو اللقب الذي اشتهر به بين نقاده، إذ أبدى البعض تحفظه على مرجعيته الدينية واستشهاده المتكرر بالقرآن الكريم في خطاباته، معتبرين أن ذلك دلالة على التوجه الديني المحافظ للجنرال الباكستاني.
بدأ منير حياته العسكرية عام 1986 عندما التحق بمدرسة تدريب الضباط في مانغلا، ثم انضم إلى "أكاديمية كاكول العسكرية" شمال غربي البلاد حيث أصبح متدربا في كتيبة من حرس الحدود. وقد واصل منير تعليمه في العديد من المؤسسات والمعاهد العسكرية حول العالم، كان منها مدرسة فوجي في اليابان، وكلية القوات المسلحة الماليزية، وكلية القيادة والأركان في كويتا الباكستانية. وعلاوة على ذلك، نال منير درجة الماجستير في السياسات العامة وإدارة الأمن الإستراتيجي من جامعة الدفاع الوطني في إسلام آباد.
تقلد منير العديد من المناصب، إذ خدم تحت قيادة الجنرال قمر جاويد باجوا الذي كان آنذاك قائدا للفرقة العاشرة، وتدرج في المناصب حتى أصبح قائد الفيلق الأول في مانغلا. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2014 رُقي إلى رتبة لواء عندما تولى قيادة قوات الجيش الباكستاني في المنطقة الشمالية، وهو منصب ظل فيه حتى عام 2017، عندما نال رتبة فريق بعد تعيينه مديرا عاما للاستخبارات العسكرية، وهي الوحدة المكلفة بالشؤون الداخلية للجيش.
وبعد عام واحد، تولى منير منصب مدير المخابرات العامة الباكستانية، ليصبح بذلك أول قائد للجيش يتولى رئاسة أهم جهازين استخباريَّيْن، الأمر الذي منحه خبرة كبيرة في فهم ديناميات الجيش الداخلية، إلى جانب ملفات الأمن القومي.
لم يستمر الجنرال عاصم منير في هذا المنصب إلا ثمانية أشهر فقط، إذ أقاله رئيس الوزراء السابق عمران خان دون أن يعلن عن سبب إقالته، لكن مصادر إعلامية تكهنت بوجود خلافات بين الرجلين. وفي أثناء الفترة التي فصلت بين تعيينه مديرا للمخابرات العامة وتوليه رئاسة الأركان، تقلَّد منير منصبين هامين هما منصب قائد الفيلق 30 في مدينة كوجرانوالا بإقليم البنجاب عام 2019، ومنصب المدير العام للإمداد والتموين في القيادة العامة للقوات المسلحة الباكستانية عام 2021.
حين خرج عمران خان من السلطة في أبريل/نيسان 2022، لم يثنِه ذلك عن معارضة ترقية عاصم منير إلى منصب قائد الجيش، واتهم خانُ المؤسسة العسكرية بقيادة الجنرال جاويد باجوا بأنها هي من أطاحت به، ومن ثم تفجرت أزمة سياسية كبيرة سرعان ما أفضت إلى محاكمة عمران خان وسجنه مدة عامين. ونتج عن ذلك اضطرابات سياسية حيث خرج مؤيدو خان في احتجاجات خلال مايو/أيار 2023 انتهت بأعمال شغب أضرموا خلالها النيران في بعض المباني الرسمية والمنشآت العسكرية.
وفي خضم هذه الأزمة السياسية الكبيرة، تولى عاصم منير رئاسة الأركان يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2022. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024 أقر البرلمان الباكستاني تعديلا على قانون الجيش يقضي بتمديد فترة ولاية قادة القوات المسلحة من ثلاث إلى خمس سنوات، وهو تعديل رسَّخ وجود منير على رأس القيادة العسكرية حتى عام 2027.
وبالنظر إلى الدور الموسع للجيش الباكستاني، والذي يعتقد محللون وخبراء أنه يمتد إلى الشؤون السياسية والاقتصادية للبلاد، وصفت صحيفة نيويورك تايمز منير بأنه بات "الرجل الأقوى في باكستان"، في إشارة إلى أن الجيش الذي حكم البلاد مباشرة قرابة 4 عقود، لا يزال السلطة الأثقل فيها.
في المقابل، واجه عاصم منير ضغوطا سياسية تتعلق بإثبات جدارته واستعادة ثقة الشعب بالجيش مرة أخرى، إلى جانب التوترات الإقليمية والأزمة الاقتصادية الطاحنة التي أعقبت جائحة كورونا، وتفاقُم الوضع الاقتصادي بعدما اجتاحت البلاد موجة فيضانات كارثية. ووفقا للخبراء فإن هذه التحديات الكبيرة أثقلت كاهله وجعلت الإستراتيجيات الطويلة الأمد والمعقدة التي اتبعها سلفه في احتواء الأزمات الإقليمية غير ممكنة، ولهذا كان على منير تبني إستراتيجية جديدة أكثر حزما تعتمد على الاستجابة السريعة للأزمات.
كشمير.. شريان الحياة
لطالما عُرف عن الجنرال عاصم منير حرصه على صورته العامة، فالرجل عادة ما يتجنب التصريحات العفوية والأضواء، لكن خطاباته في الأشهر الأخيرة اتسمت بالقوة والحزم، وتردَّد صداها إلى خارج باكستان، وأثارت حفيظة العديد من عواصم العالم وعلى رأسها نيودلهي.
ففي 17 أبريل/نيسان 2025، ألقى منير كلمة أثناء مؤتمر للمغتربين الباكستانيين في إسلام آباد، وصف فيه إقليم كشمير المتنازع عليه مع الهند بأنه "شريان الحياة" لباكستان، قائلا: "لن نتخلى عن إخواننا الكشميريين وهم يخوضون نضالهم البطولي ضد الاحتلال الهندي". وفي الخطاب نفسه، استشهد منير "بنظرية الأمتين" التي تأسست على أثرها جمهورية باكستان عام 1947، إذ أشار إلى أن المسلمين والهندوس شعبان منفصلان، مما يستوجب أوطانا منفصلة لكل منهما.
جاء الخطاب قبل أيام من الهجوم الذي وقع في الجزء الهندي من كشمير يوم 22 أبريل/نيسان، وأسفر عن مقتل 26 شخصا، وزعمت الهند دون تقديم أي دليل رسمي أن باكستان تقف وراءه، واستغلت في ادعاءاتها خطاب منير الأخير الذي اعتبرته الخارجية الهندية "تحريضيا". رفض المسؤولون الباكستانيون ربط تصريحات منير بالهجوم في كشمير، ورد المندوب الباكستاني لدى الأمم المتحدة قائلا إن الادعاءات الهندية لا أساس لها، كما طالبت إسلام آباد رسميا بإجراء تحقيق دولي مستقل.
لكن نيودلهي تمادت في اتهاماتها، وأكثر من ذلك علَّقت معاهدة تقاسم مياه نهر السند ، وأغلقت الجارتان النوويتان مجالهما الجوي في وجه شركات الطيران التابعة للدولة الأخرى، في حين صرح وزراء باكستانيون بأن أي محاولة من الهند لتحويل مسار المياه المتدفقة إلى باكستان ستندرج ضمن نطاق التصعيد العسكري.
وأشار محللون إلى أن خطاب منير لا يختلف عن خطابات القادة العسكريين الباكستانيين على مر السنين، ويرى المحلل السياسي أمير ضياء أن كشمير تُعَد قضية أمن قومي بالنسبة لباكستان وجزءا من الهوية الوطنية، ومن ثم لا يمكن لأي قائد سياسي أو عسكري أن يُظهر ضعفا تجاهها. كما أرجع أستاذ الشؤون الدولية بجامعة جونز هوبكنز جوشوا وايت، الجدل الدائر حول خطاب منير الأخير إلى مسألة التوقيت، مشيرا إلى أن تعليقاته تتماشى في جوهرها مع الخطاب القومي الباكستاني.
ورغم تماشي تصريحات منير في جوهرها مع مواقف أسلافه، يَعتقد مراقبون أنها باتت أكثر جرأة وحِدة، وهو ما يظهر على أنه ردة فعل باكستانية على تبني رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي -بشكل متزايد- سياسة هندوسية متطرفة مناهضة للمسلمين.
وكان حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي فاز في الانتخابات الهندية بأغلبية ساحقة في الأعوام 2014 و2019 و2024، ونجح في تشكيل الحكومة برئاسة مودي والتي ألغت وضع الحكم شبه الذاتي في منطقة كشمير ذات الأغلبية المسلمة. وفي غضون ذلك، روجت الحركة القومية الهندوسية طوال العقود الفائتة لاضطهاد مسلمي البلاد ومسيحييها بوصفهم خطرا على الهوية الثقافية والدينية الهندوسية.
وفي الآونة الأخيرة، تعرض مودي لضغط سياسي من أنصار حزبه الذين نادوا برد حازم وقاطع على الهجوم المسلح في كشمير. وذكرت مجلة "ذي إيكونومست" البريطانية أن الانتهاكات الهندية الممنهجة لحقوق الإنسان أحد العوامل التي أججت العنف في المنطقة، بينما أعرب مستشار الأمن القومي الباكستاني السابق معيد يوسف، عن قلقه من الدعوات العلنية للحرب الشاملة التي يروجها القوميون الهندوس، وهو قلق شاركه فيه الكاتب والصحفي الهندي أديتيا سينها الذي قال لصحيفة "الشرق الأوسط" إن ضربة عابرة للحدود على مواقع عسكرية باكستانية لن ترضي عطش الدم لدى مؤيدي اليمين الهندوسي.
لفهم سياق النزاع الإقليمي بين الهند وباكستان على إقليم كشمير، علينا أن نعود إلى تاريخ الاستقلال عن الاستعمار البريطاني عام 1947، حيث انقسم الإقليم حينذاك إلى عدة مناطق خاضعة لسيطرة ثلاث دول نووية، منطقة اتحاد جامو وكشمير الخاضعة للسيطرة الهندية، ومنطقة آزاد كشمير تحت السيادة الباكستانية، والمناطق الخاضعة للسيطرة الصينية المعروفة بأكساي تشين، وكل منطقة منها تمتعت بحكم ذاتي.
وتقطن إقليم كشمير أغلبية مسلمة مقابل أقلية هندوسية، وكان الأساس الذي اعتمد عليه تقسيم الهند إلى منطقتين هو الأساس الديني، وعليه تنازعت باكستان مع الهند على المنطقة على اعتبار أنها منطقة تحوي أغلبية مسلمة.
ويُشكِّل الإقليم أهمية إستراتيجية للهند، إذ يُعَد حدودا طبيعية تحميها من أي تهديدات صينية أو باكستانية محتملة، في حين تعتبر باكستان كشمير امتدادا طبيعيا لحدودها الجغرافية والدينية والبشرية، لا سيما وأن الإقليم يضم الأنهار الحيوية الثلاثة التي تمد البلاد بالموارد المائية، وهي السند وجيلُم وتشِناب، مما يمنح الهند القدرة على تشكيل تهديد مباشر للموارد المائية الباكستانية.
مستقبل باكستان بين يدي الجنرال
في 6 مايو/أيار، شنَّت الهند غارات جوية على 9 مواقع عسكرية في باكستان. ولم يتأخر الرد الباكستاني كثيرا؛ إذ تصاعدت الاشتباكات بين الجارتين وقصفت إسلام آباد عدة مواقع عسكرية في كشمير الخاضعة لسيطرة الهند، وأعلنت عن إسقاط مقاتلات هندية وطائرات مسيرة، وقتل في هذا الهجوم 31 شخصا في باكستان وأصيب 57، في حين سقط 12 قتيلا هنديا و48 جريحا، وذلك وفقا للإحصاءات الرسمية.
وقبل أيام من الهجوم، كانت مجلة "ذي إيكونومست" البريطانية تناولت سياق الصراع الأخير قائلة إنه لا يشبه أيا من المواجهات العسكرية السابقة بين البلدين، وأرجعت ذلك إلى عدة أسباب، أهمها شخصية عاصم منير التي تختلف كليا عن سلفه باجوا الذي قاد الرد الباكستاني على الغارات الجوية الهندية عام 2019.
وكتب وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو عن تلك المواجهة في مذكراته، قائلا إنه أمضى ساعات في اتصالات هاتفية بين وزير هندي والجنرال قمر جاويد باجوا لإقناع كل طرف بأن الآخر لا يُعِد لشن حرب نووية.
وعن ذلك أشارت المجلة البريطانية إلى أنه بينما كان باجوا يُعد للرد على الهجوم الهندي، فتح قنوات دبلوماسية مع الولايات المتحدة، وعندما أسقطت القوات الباكستانية طائرة هندية وأسرت طيَّارها تعامل باجوا مع الأزمة بهدوء حذر، وأعاد الطيار الهندي إلى بلاده بعد عدة أيام لتجنُّب تصعيد الصراع بين البلدين إلى حرب شاملة.
وعلى العكس تماما يقف عاصم منير، الذي وصفته "ذي إيكونوميست" بأنه أقوى من سلفه وأكثر تشدُّدا تجاه الهند، مما جعله مستعدا للرد على الهجوم الهندي بقوة وحزم ودون أي قيود. وتشير تقارير إلى أن هذا الصراع وكيفية تعامل منير معه لم يُحدِّد شخصيته كقائد عسكري ولاعب سياسي مؤثر فحسب، بل وحدّد الدور الإقليمي الذي تسعى باكستان إلى لعبه في المستقبل.
من جهة أخرى، ذكرت صحيفة "غارديان" أن الجيش الهندي عانى في السنوات الأخيرة من عدة تحديات، فمع أن عدد جنود الجيش البالغ 1.2 مليون جندي أكبرُ من عدد أفراد الجيش الباكستاني البالغ 650 ألف جندي، تسبَّب نشر الهند لأعداد هائلة من الجنود والمعدات العسكرية على الحدود الجبلية مع الصين عام 2020 في إحداث نوع من التوازن بين الجيشين الهندي والباكستاني، وذلك بحسب تصريحات المحاضر بجامعة "ييل" سوشانت سينغ، الذي أضاف أن نيودلهي عانت في السنوات الأخيرة من صعوبات في تحديث قواتها المسلحة، كما واجهت مشكلات في التجنيد أدت إلى نقص أعداد الجنود، الأمر الذي حرمها من أسباب التفوُّق النظري على باكستان أو القدرة على تحقيق نصر سريع في مواجهة تقليدية.
أما السبب الآخر الذي يجعل المواجهة الأخيرة مختلفة عن المواجهات العسكرية الأخرى، فهو التحولات التي شهدها المشهد الجيوسياسي منذ عام 2019، حيث تغيرت البيئة الدولية، لا سيَّما بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان عام 2021، وهو ما أثر بدوره في نفوذ واهتمام واشنطن بباكستان، وفقا للباحثة في برنامج السياسة الخارجية بمعهد بروكينغز، تانفي مادان. ومع تراجع النفوذ الروسي في المنطقة، أصبحت العلاقات الأميركية الهندية أكثر تقاربا.
وفي خضم الحرب التجارية التي يشنها ترامب على الصين، بدأت واشنطن ترى في نيودلهي فائدة إستراتيجية أكبر وبديلا اقتصاديا محتملا لبكين، وأخذت إسلام آباد هذا التحول الجيوسياسي في الحسبان، وعملت على توطيد علاقاتها مع الصين، الأمر الذي ظهر جليا في الأسلحة التي استخدمها الطرفان في المواجهة الأخيرة.
في الوقت الذي عملت فيه الهند على تحديث ترسانتها من الأسلحة الروسية واستبدلت بها ذخائر غربية مثل طائرات "رافال" الفرنسية المتعددة المهام، وطائرات " إف 16" الأميركية، اعتمدت باكستان في 80% من ترسانتها العسكرية على الأسلحة الصينية، بعدما أصبحت بكين أكبر مورد أسلحة لإسلام آباد.
وبحسب ما ورد في صحيفة "غارديان"، صرح الجيش الباكستاني في مايو/أيار أنه استخدم صواريخ "بي إل 15" الصينية الأكثر تطورا في إسقاط الطائرات الهندية، وهو صاروخ جو/جو يصل مداه إلى 200 كلم، وتبلغ سرعته 5 أضعاف سرعة الصوت. وجرى اختبار تلك الذخائر عمليا لأول مرة في ساحة المعركة خلال الرد الباكستاني على الهجوم الهندي، وهو ما علّق عليه خبراء عسكريون قائلين إن الصين لم تساعد باكستان في حربها الأخيرة فحسب، بل استخدمتها حقل تجارب لأسلحتها.
ثم جاءت الطائرات المسيرة التي استُخدِمَت على نطاق واسع في الصراع الأخير، وعملت على تغيير طبيعة الاشتباكات بين البلدين، حيث عملت فرنسا وإسرائيل والولايات المتحدة على تزويد الهند بالتكنولوجيا العسكرية التي تحتاج إليها، بينما اعتمدت باكستان على الطائرات المسيرة القادمة من تركيا، وهو ما جعل أنقرة شريكا مهما لإسلام آباد.
ورغم توقعات البعض بتصاعد حدة الصراع بين البلدين إلى حدِ التهديد النووي، أتى الإعلان المفاجئ لإدارة ترامب عن وقف إطلاق النار وأربك نيودلهي، وجاءت الوساطة التي عرضتها الإدارة الأميركية لإخماد نيران الحرب بطريقة ساوَت بين الهند وباكستان، ولعلها لم تلق استحسان نيودلهي، بحسب ما أشارت إليه الباحثة تانفي مادان.
ووفقا لتصريحات المفوض السامي الهندي السابق لدى باكستان أجاي بيساريا، فإن الهند قد تسعى للرد من خلال استغلال تقاربها مع الولايات المتحدة لدفع الإدارة الأميركية نحو عقاب باكستان بفرض عقوبات على ضباط باكستانيين، أو تعطيل خطة إنقاذ صندوق النقد الدولي لإسلام آباد والتي تبلغ قيمتها 7 مليارات دولار.
ولكنْ أيا كان ما سيحدث في المستقبل، فإن المواجهة الأخيرة ربما وضعت قواعد جديدة للصراع الهندي الباكستاني، خطها ببراعة جنرال يمتلك الجرأة لتحدي القواعد القائمة والقفز على الحذر العسكري الذي ميّز ردود أفعال الجيش الباكستاني خلال السنوات الماضية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
بانكوك.. عاصمة السياحة الآسيوية التي لا تنام
منذ أن تطأ قدماك عاصمة تايلند، ستدرك أن بانكوك التي لا تنام ليست مجرد مدينة، بل هي عالم ساحر يجمع بين الأصالة والحداثة يشكل يجعلك تتأكد أنك لم تخطئ إذ اخترتها ضمن وجهاتك السياحية. وفي الحقيقة فقد حفرت تايلند لنفسها مكانا في خريطة السياحة العالمية خلال السنوات الأخيرة، حيث تشير بيانات العام الماضي إلى أنها استقبلت نحو 35 مليون سائح، أي ما يعادل نصف سكانها. فالمملكة الواقعة في جنوب آسيا يبلغ عدد سكانها نحو 72 مليون نسمة، يعيش 11 مليونا منهم في بانكوك العاصمة، أكبر مدن البلاد وأشهرها. عندما تخرج من مطار بانكوك ستشعر ببعض الرطوبة كما هو الحال في تلك المنطقة من العالم، لكن الأمر لن يصل إلى حدّ يفسد عليك متعة الرحلة، وخصوصا إذا هطلت الأمطار وكثيرا ما تفعل حتى خارج نطاق الأشهر الخمسة التي يهطل فيها المطر بغزارة من يونيو/حزيران إلى أكتوبر/تشرين الأول. الطريق من المطار إلى المدينة يستغرق نصف ساعة، يمكنك أن تشاهد فيها جانبا من الخضرة التي تكسو مناطق واسعة في البلاد، قبل أن تبدأ أبراج بانكوك وبنايتها العالية تتراءى لك كلما اقتربت منها رويدا رويدا. عندما تخطو أولى خطواتك داخل المدينة تشعر سريعا وكأنك في عالم ساحر غريب، يجمع بين المعمار القديم الذي يظهر خصوصا في المعابد التقليدية، والمعمار الحديث سواء في الأبراج وناطحات السحاب أو في مراكز التسوق العديدة. وفي بلد يدين غالبية سكانه بالبوذية، لا بد أن فضولك سيدفعك إلى زيارة بعض المعابد التي تنتشر في عدة أماكن بالعاصمة، علما بأنك لن تحتاج إلى تلك الزيارة كي ترى تماثيل بوذا حيث تنتشر في كل مكان وبمختلف الأحجام. وعندما تزور القصر الملكي الكبير الذي يعد من أبرز معالم العاصمة، ستجد بداخله الكثير من المباني ذات المعمار الأخاذ، لكنك ستجد أيضا الكثير من التماثيل المرتبطة بالديانة البوذية والتي تبدو مصنوعة من الذهب أو على الأقل مغطاة به. ومع سطوع الشمس سيغمر اللون الذهبي وانعكاساته ناظريك مقدما لوحة من المتعة والإبهار بجمال المعمار وروعة التصميم. في داخل القصر ستجد تمثال بوذا الذهبي الضخم الذي يتجاوز طوله 40 مترا، وعلى مقربة من القصر ستجد معبد بوذا الزمردي وكذلك معبد الفجر، وكلها ليست مجرد تماثيل وأبنية بل ستجدها أقرب إلى مراكز روحية نابضة بالحياة حيث يمكنك مشاهدة الرهبان وهم يؤدون طقوسهم، وكذلك السكان المحليين وهم يؤدون طقوسهم التعبدية. وأنت في وسط المدينة، يجب أن تستغل الفرصة للذهاب إلى معبد الجبل الذهبي الذي يبعد نحو عشر دقائق فقط سيرا على الأقدام من القصر الملكي، وستستمتع بتجربة الصعود إلى ذلك المعبد المقام فوق تلة صناعية مرورا بمزيج رائع من الأشجار ونافورات المياه والأجراس. أسواق نابضة بالحياة ولأن التسوق جزء أصيل من أغراض السياحة ومتعتها، فإن بانكوك تمثل لك فرصة كبيرة في هذا الشأن بشرط أن تكون على دراية بما تريد شرائه وبمكان الشراء. فالعاصمة التايلندية مثلها مثل بقية العواصم والمدن الكبرى، ستجد فيها مراكز تسوق فخمة ذات أسعار عالية غالبا، وستجد أيضا مراكز وأسواق للتسوق الرخيص. فبعد أن تستمتع بالنزهة وربما شراء بعض المنتجات الأصلية في مراكز تسوق مثل سيام وسنترال وورلد، يمكنك التوجه إلى مركز إم بي كيه حيث البضائع المقلدة والأسعار الرخيصة. وفي مجال التسوق أيضا لا تفوتك تجربة أسواق شعبية ضخمة مثل تشاتوشاك، والسوق الصيني فضلا عن عدة أسواق ليلية يعمل بعضها حتى الصباح. السياحة العلاجية في السنوات الأخيرة زادت شهرة العاصمة التايلندية بانكوك في مجال السياحة العلاجية، وبعد أن كان البعض يحرص على استغلال الزيارة لشراء أعشاب وأدوية تقليدية، اتسع المجال أيضا للتداوي الحديث عبر سلسلة من المستشفيات الضخمة التي تتمتع بإمكانيات كبيرة وباتت تجتذب الكثير من المرضى خصوصا من منطقة الخليج العربي. تجربة الطعام وإذا كنت عزيزي القارئ من محبي تجربة الأكلات غير المعتاد في بلادك فستجد بغيتك في تايلند عبر أطعمة تفوح رائحتها من البعد وتغلب عليها التوابل، أما إذا كنت من الفئة التي لا تحب التغيير فستجد ما تريد أيضا، ويكفي أن تسكن في فندق بالمنطقة التي تشتهر باسم شارع العرب لتجد نفسك وسط محلات ومطاعم تقدم لك ما اعتدت عليه من طعام وبمذاقاته المختلفة وفي مقدمتها اليمني والخليجي والمصري والشامي. أما إن كنت من محبي الفاكهة، فأنت سعيد الحظ بزيارة تايلند ويمكنك أن تجد من أصناف المانجو ما لم تجد له مثيلا في حلاوة المذاق، فضلا عن فواكه أخرى مثل البابايا والأناناس والجوافة. أما الدوريان، تلك الفاكهة الشهيرة في آسيا، والتي تتميز برائحة نفاذة لن تروق لك غالبا إذا كنت قادما من بلد عربي، أما طعمها فقد يروق لك وقد لا يروق، ونترك الأمر لتجربتك الخاصة. المواصلات بما أنك تزور مدينة يسكنها 11 مليون نسمة، غير الزائرين والسائحين، فعليك أن تتوقع أن تكون على موعد مع مدينة مزدحمة خصوصا أوقات الذروة التي تتعدد في النهار والليل كذلك. لكن الخبر السار هو أن المدينة تواجه ذلك بخليط من وسائل المواصلات، فهناك التاكسي المعتاد، وهناك أيضا وسائل أكثر سرعة منها التوكتوك (دراجة نارية بثلاث عجلات) وهناك الدراجات النارية. إعلان وهنا ننصحك عزيزي القارئ باستخدام تطبيق مثل (بولت) الذي يمكنك أن تحجز من خلاله سيارة الأجرة أو حتى الدراجة النارية فتأتيك خلال لحظات وبسعر أفضل مما ستدفع إذا استوقفت التاكسي بالطريقة المعتادة. شعب طيب إذا سألت أي سائح عن محاور اهتمامه عندما يزور بلدا ما، فسيخبرك حتما عن المزارات والأسواق والطعام، لكنه سيخبرك أيضا عن البشر ودرجة حفاوتهم، وهو أمر تقول تجربتنا إن تايلند تنجح فيه بامتياز، فالناس تغلب عليهم الطيبة والبشاشة ومستعدون غالبا لتقديم العون في حدود معرفتهم وإمكانياتهم. كما تتميز بانكوك أيضا بدرجة ملحوظة من الأمن واحترام قواعد المرور، في ظل مفارقة لافتة تتمثل في أنك نادرا ما ستجد خلال تجوالك عناصر شرطة أو رجال مرور. عزيزي القارئ، سأختم لك بما قد يغريك في التفكير بالسياحة في تايلند، وأخبرك أنها دخلت في عام 2024 قائمة الدول العشر الأكثر اجتذابا للسائحين في العالم وهي القائمة التي تتصدرها فرنسا، وذلك وفقا لمنظمة الصحة العالمية. وكي تدرك حجم التطور في الإقبال السياحي على تايلند نقول لك إنها كانت تحتل المركز 11 عام 2023 والمركز 22 في العام السابق، في حين أنها كانت خارج قائمة الستين الأوائل عام 2021. أما فيما يخص بانكوك، فالمنتدى السياحي العالمي يقدم لنا مفاجأة من العيار الثقيل، وهي أنه فيما يخص المدن، فإن بانكوك هي الأولى على العالم في عام 2024 بعد أن استقبل أكثر من 32 مليون سائح، لتتقدم بذلك على إسطنبول التركية ولندن البريطانية، قبل أن تأتي في المراكز من الرابع إلى العاشر كل من هونغ كونغ ومكة المكرمة وأنطاليا ودبي ومكاو وباريس وكوالالمبور.


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
فرار 200 سجين بباكستان خلال إجلائهم بسبب زلزال
قال مسؤولون باكستانيون إن أكثر من 200 سجين فروا من سجن في مدينة كراتشي (جنوب باكستان) في ساعة متأخرة مساء أمس الاثنين، وذلك بعد أن سُمح لهم بمغادرة زنازينهم إثر وقوع سلسلة من الهزات الأرضية. وذكر وزير العدل بإقليم السند ضياء الحسن لانجار -للصحفيين في موقع الحادث- أنه سُمح لمئات السجناء بالخروج لفناء السجن بسبب الهزات الأرضية وحالة الذعر التي عمت المكان، مشيرا إلى أنه كان من الصعب السيطرة على حشد يصل عدده إلى ألف شخص. وقال المسؤول الباكستاني إن عملية الهروب من السجن بدأت أمس قبيل منتصف الليل واستمرت حتى الساعات الأولى من صباح اليوم الثلاثاء، مشيرا إلى أن هذه الواقعة هي واحدة من أكبر عمليات الهروب من السجون في تاريخ باكستان. من جهتها، قالت الشرطة إن السجناء انتزعوا أسلحة من حراس السجن -الواقع في حي سكني وصناعي فقير بمنطقة مالير بكراتشي، كبرى مدن باكستان- مما أدى إلى تبادل لإطلاق النار، ثم اقتحم المساجين البوابة الرئيسية. وأفاد قائد شرطة إقليم السند غلام نبي ميمون بأن تبادل إطلاق النار تسبب في مقتل سجين واحد على الأقل وإصابة 3 من موظفي السجن، مضيفا أن معظم السجناء متهمون بجرائم بسيطة، مثل إدمان المخدرات، وليس من بينهم أي محكوم بتهم تتعلق بالإرهاب. وقال رئيس وزراء إقليم السند مراد علي شاه إنه تم القبض على نحو 80 سجينا من الفارين حتى الآن، مضيفا أن السماح للسجناء بالخروج من زنازينهم كان خطأ، وحذر السجناء الفارين من أنهم سيواجهون تهمة كبيرة بسبب هروبهم ما لم يسلموا أنفسهم.


الجزيرة
منذ 9 ساعات
- الجزيرة
ثورة بنغلاديش التي أشعلها طوفان الأقصى فأين وصلت الآن؟
يوشك أن يمضي عام كامل على إحدى أكثر اللحظات السياسية درامية في جنوب آسيا خلال القرن 21. فخلال صيف 2024، تحوّلت بنغلاديش من دولة يحكمها نظام استبدادي مستقر، إلى دولة تعيش مخاض تحول جذري تقوده حكومة انتقالية نشأت من رحم ثورة شعبية استلهمت طاقتها من أبعد نقطة في غرب آسيا؛ من طوفان الأقصى في قطاع غزة المحاصر. ففي أغسطس/آب 2024، وبعد أسابيع من القمع الدموي الذي أودى بحياة أكثر من 1000 شخص، فرت الشيخة حسينة من البلاد، منهية عقدين من حكمها الاستبدادي. وسرعان ما عُيّن محمد يونس، الحائز على جائزة نوبل للسلام، رئيسًا لحكومة انتقالية. وعودة يونس من منفاه الأوروبي لم تكن بوصفه اقتصاديًا فقط، بل لكونه رمزا أخلاقيا للعدالة الاجتماعية والتغيير في أعلى مستوياته. وقد اتسم خطابه الأول بنبرة هادئة، لكن هذا الهدوء حمل معه وعدا وتهديدا بمحاسبة القتلة، وتفكيك أجهزة القمع، وإعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع. من المدهش حقًا أن تندلع شرارة ثورة شعبية في بنغلاديش بسبب مشاهد القصف في غزة. ففي خريف 2023، اجتاحت المظاهرات الجامعات والشوارع في البلاد تضامنًا مع الشعب الفلسطيني، في أعقاب هجوم 7 أكتوبر /تشرين الأول، وما تلاه من حرب إبادة شنّتها إسرائيل ضد الفلسطينيين. غير أن شعارات التضامن مع غزة تحولت بسرعة إلى هتافات ضد القمع المحلي، وصارت صورة الطفل الغزّي المذبوح انعكاسا لمشهد طفل بنغالي فقير تدهسه قوات الشرطة في دكا. ومن هنا، تحولت المظاهرات من تضامنية مع غزة، إلى ثورية تطالب بإسقاط النظام في بنغلاديش. استمرت المظاهرات، وتصاعدت في الصيف وكان الطلاب في صدارتها، وفي نهاية المطاف رحلت الشيخة حسينة، وعاد محمد يونس بعد أن كان منفيّا إلى البلاد التي كانت شوارعها لا تزال غارقة بدماء المتظاهرين، وثلاجات الموتى فيها ممتلئة بجثث أكثر من 1000 متظاهر وطفل اخترقت أجسادهم رصاصات رجال شرطة نظام الشيخة حسينة. ومع أن حوارات محمد يونس منذ توليه منصبه تبدو متسمة بالهدوء وضبط الأعصاب، وخالية من الراديكالية أو محاولة استثارة غضب أي طرف داخلي أو خارجي، فإن بنغلاديش شهدت الكثير من التغيرات خلال الشهور التي أعقبت نجاح الثورة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. مشهد سياسي متغير منذ اليوم الأول لإدارته، أعاد يونس فتح المجال العام في بنغلاديش، وأفرج عن آلاف المعتقلين السياسيين وأوقف الرقابة على الإعلام. وفي المجمل، عادت الحياة السياسية بقوة، لكن هذا الانفتاح قاد لاستقطاب جديد. في الشارع البنغالي ظهرت قوى إسلامية محافظة كانت محظورة في عهد حسينة، وعلى رأسها حركة "حفظة الإسلام"، و"الجماعة الإسلامية"، و"حزب التحرير"، كلها خرجت إلى العلن تطالب بدور أكبر للإسلام في التشريع، والتعليم، والمجال العام، وهو ما بدا واضحًا في أبريل/نيسان 2025 حين اجتمعت حشود ضخمة في العاصمة البنغالية دكا من مختلف الأحزاب والمنظمات الإسلامية والقومية، لترفع علم فلسطين وتعلن عن دعمها الكامل لغزة في مواجهة حرب الإبادة الصهيونية. اللافت للنظر هنا أن الجهات المشاركة في المظاهرات، مثل الحركة الإسلامية البنغالية، وحزب المواطن القومي، وحزب الجماعة الإسلامية، وحزب عمار، وحركة حفظة الإسلام، والحزب الوطني البنغالي، قد امتنعوا عن رفع أية شعارات فئوية أو رفع أية أعلام حزبية؛ إذ رفعوا علميّ فلسطين وبنغلاديش فقط، ورددوا هتافات منددة بالرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لدعمهما دولة الاحتلال الإسرائيلي. وفي ظلال هذا التوجه الواضح منذ شهور في الشارع البنغالي لنصرة القضية الفلسطينية والسخط على جيش الاحتلال وحلفائه، أعادت سلطة البلاد الانتقالية وضع عبارة "صالح لكل البلدان باستثناء إسرائيل" على جوازات السفر البنغالية، وهي العبارة التي ألغاها نظام الشيخة حسينة الاستبدادي من الجوازات. وفي غمرة المظاهرات الشعبية، شهدت العاصمة دكا مظاهرة لحشود ضخمة من مؤيدي حركة "حفظة الإسلام" التي تسعى لتعزيز التوجه الديني المحافظ في البلاد، للمطالبة بإلغاء لجنة إصلاح شؤون المرأة التي شكلتها إدارة يونس الانتقالية، معتبرين أن تلك اللجنة ومثيلاتها تستقي أفكارها من منابع مخالفة للقرآن والسنة النبوية. وعرضت الحركة بديلًا وهو أن يتم تشكيل لجنة أخرى للمرأة تضم علماء مسلمين ونساء منتميات للتيار الإسلامي، مؤكدة أن الإسلام هو المنبع الأساسي لهذا المجتمع والممثل الرئيسي له، ومشددة على رفضها أية إصلاحات على النمط الغربي لا تراعي الدين. وعلى جانب آخر كانت "الجماعة الإسلامية" قد نظمت مظاهرات حاشدة هي الأخرى تزامنًا مع عيد العمال، داعية إلى تعزيز حقوق العمال البنغال، وإيقاف استغلال أصحاب المصانع لهم. تلك المظاهرات وغيرها أعطت صورة يصعب التشكيك فيها أن قطاعات واسعة في الشارع البنغالي تريد التعبير عن نفسها بعد سنوات من القمع، وتريد توجيه دولتها الجديدة باتجاه قومي إسلامي محافظ يراعي حقوق العمال والطبقات الفقيرة، ويبتعد أكثر عن الهند، ويقترب أكثر من العالم الإسلامي. هذا التوجه أثار قلق الكثيرين في الخارج، كما العادة. وبحسب صحيفة الغارديان البريطانية فإن يونس بات "متهما" بأنه لم يبذل الجهد الكافي لإيقاف تصاعد ما وصفوه بـ "اليمين الإسلامي المحافظ" في البلاد، بعكس الشيخة حسينة التي قررت حظر الأحزاب الإسلامية واضطهدت القادة الإسلاميين في بلادها. اليوم، يمنح يونس الحرية الكاملة والتامة للإسلاميين لممارسة نشاطاتهم وتوسيع قواعدهم الشعبية. وبحسب الصحيفة، فقد وصل الأمر إلى حد إيقاف مباريات كرة القدم للفتيات البنغاليات بسبب تنديد الجماعات الإسلامية المحافظة بهذا النشاط. أما مجلة فورين بوليسي الأميركية فقد نشرت مقالًا ينتقد يونس بسبب فشله في كبح من أسمتهم "المتعصبين الإسلاميين"، ومنحهم الفرصة لتصدّر المشهد ورفع الحظر عن جماعاتهم، بل وترددت المجلة في وصف الدافع الذي جعل يونس متساهلًا مع الإسلاميين، فهي لا تدري إن كان متساهلًا لأنه غير قادر على كبح تلك الجماعات أم لأنه غير راغب في ذلك. كما ادعى المقال أن بعض المتعصبين الإسلاميين استهدفوا أفرادًا من الأقليات الأحمدية والهندوسية مما يعزز الطائفية في البلاد، مشيرا إلى أن "أسلمة الحياة العامة" في بنغلاديش قد تؤدي أيضًا إلى تدهور غير مسبوق في العلاقة بين البلاد وجارتها الهندوسية الهند. السياسة الخارجية تتغير أيضًا هذه التغيرات الداخلية وبروز الحس القومي الإسلامي داخل بنغلاديش صاحبتها إعادة رسمٍ حذرة للسياسة الخارجية للبلاد في عهد إدارة يونس الانتقالية، ويعد التوجه الأكثر وضوحا لهذه السياسة هو الابتعاد أكثر فأكثر عن الهند التي يعتبرها المواطنون البنغال شريكا رئيسيا في قمعهم، بسبب تحالفها مع رئيسة الوزراء السابقة حسينة واجد، في مقابل الاقتراب أكثر نسبيا من باكستان، التي طالما تمتعت بعلاقات متوترة مع بنغلاديش منذ الانفصال بين البلدين عام 1971. ففي أبريل/نيسان الماضي أقدمت بنغلاديش للمرة الأولى منذ 15 عامًا على إجراء مباحثات دبلوماسية مع جارتها باكستان، وسهّلت الكثير من إجراءات التأشيرات للباكستانيين الراغبين في زيارة البلاد، كما أظهرت تساهلًا مع مواطنيها الراغبين في زيارة باكستان. وفي ظل هذه الانفراجة السياسية بين البلدين، ظهرت أيضًا انفراجة أخرى بين رجال الأعمال في البلدين، وفتحت البلدين النقل البحري المباشر بينهما. الأهم أن حكومة يونس تظهر ميولا واضحا في سياساتها تجاه الصين، بل وصل الأمر إلى أن يونس في زيارته إلى بكين في مارس/آذار الماضي عرض عليها أن تكون بلاده منفذًا لتوسيع النفوذ الصيني في جنوب آسيا على حساب الهند. كما أشار صراحة إلى أن شمال شرق الهند منطقة غير ساحلية تمامًا، وأن بنغلاديش تتحكم في وصولها إلى المحيط، داعيا الصين إلى تعزيز استثماراتها في تلك المنطقة، في مغازلة جيوسياسية واضحة لبكين، لم تخل من استفزاز واضح لنيودلهي، نظرا لأن ممر سيليغوري، الذي يبلغ عرضه 22 كلم عند أضيق نقطة، يمثل نقطة الضعف الكبرى في الجغرافيا الهندية، ويمثل شريان حياة للولايات المتاخمة للصين وميانمار. من جانبها، لم تفوت الصين مغازلات بنغلاديش وقابلتها بمبادرات سخية، حيث منحت الصادرات البنغالية إعفاء كاملا من الرسوم الجمركية، وتعهدت باستيراد المزيد من السلع منها. وحصل يونس على التزام بتمويل صيني بقيمة 2.1 مليار دولار، إلى جانب اتفاقيات تعاون في مجال البنية التحتية والتعاون العسكري، وهو ما أثار مخاوف الهند من كابوس جيوسياسي واضح: بنغلاديش المعادية، المتحالفة مع الصين وباكستان، تُهدد بخنق ممر سيليغوري، وعزل الشمال الشرقي الهندي. لا يعد هذا مجرد افتراض نظري، فقد سبق أن شنت الهند توغلا خطيرا داخل الحدود الصينية في يونيو/حزيران 2017 لمنع العمال الصينيين من بناء طريق، بسبب مخاوفها من اقتراب بكين من ممر سيليغوري. ويبدو أن الهند تفهم جيدًا توجهات يونس الجديدة، ومن ثم فهي تظهر لإدارته العين الحمراء تدريجيًا. بادئ ذي بدء، رفضت نيودلهي منع الشيخة حسينة من إصدار خطاباتها وبياناتها من داخل الهند التي ترى إدارة يونس أنها تحاول زعزعة الأمن الداخلي في بنغلاديش من خلالها، كما اتخذت قرارات صارمة ضد بنغلاديش بإيقاف التسهيلات التي اعتادت أن تقدمها لدكا فيما يتعلق باستخدام الموانئ والمطارات الهندية لتصدير البضائع، وهي الخطوة التي رأى الكثير من الخبراء أن دافعها ليس اقتصاديًا فقط، بل سياسيًا أيضا في ظل توجهات ونوايا بنغلاديش الجديدة، والتي قد تشتمل على إنشاء قاعدة مدعومة صينيًا قرب الممر البري الهندي الضيق. يظهر إذًا بوضوح أن إدارة يونس تسعى لإعادة توجيه السياسة الخارجية لبلاده، لكن يونس مع ذلك يحاول أن يكون ماهرًا ومتأنيًا في مسعاه، ففي حواراته المسجلة يتجنب دائمًا الحديث عن "جارته الكبيرة" بشكل ندّي أو عدائي، ولا يحاول أن يصف العلاقات بين البلدين بأنها دخلت في طور جديد أو في مرحلة فتور، وإنما يستخدم لغة دبلوماسية تؤكد أن البلدين يحاولان أن يصلا دائمًا إلى ما هو أفضل لكليهما، وأن هناك بعض الملفات التي يجري الحديث والتشاور بشأنها ليس إلا، وأن العلاقة لا تشهد فتورًا، ومن تلك الملفات منع الشيخة حسينة من استخدام الهند "منبرا لزعزعة السلم العام في بنغلاديش". ونتيجة لعدم استخدامه لهجة عدائية مباشرة مع الهند، فقد التقى يونس في أبريل/نيسان الماضي رئيس وزراء الهندي ناريندرا مودي على هامش قمة إقليمية في تايلند، أكد فيها مودي رغبته في رؤية بنغلاديش دولة ديمقراطية وعادلة وتقدمية وحامية للأقليات داخلها. لذلك وبحسب مجلة "ذي دبلومات"، فإن يونس يبدو ناجحًا للغاية في سياسته الخارجية، إذ استطاع أن يبرم مع الصين عدة صفقات، وتواصل بشكل براغماتي مع رئيس الوزراء الهندي مؤخرًا، وفي الوقت نفسه استطاع أن يكون مقنعًا للإدارة الأميركية على نحو يجعلها تدعم حكومته. الاستقطاب يسود المشهد.. والجيش حاضر هذا النجاح الخارجي لا يعني أن كل شيء سيكون على ما يرام بالضرورة، فالواقع أن البلاد تشهد انقسامًا حادًا على المستوى الداخلي. وبحسب مجلة "ذي دبلومات" تشهد بنغلاديش انقساما سياسيًا متفاقمًا، إذ يريد شباب الثورة من يونس إجراء إصلاحات دستورية وقانونية وهيكلية قبل إجراء أي انتخابات، وذلك لأنه -بحسب رأيهم- إذا لم يتغير شكل النظام من الأساس فسيعود استبداد نظام حسينة، لكن في ثوب آخر، ومن ثم فإن تغيير البيئة -من وجهة نظرهم- أهم من الانتخابات في حد ذاتها. على الجانب الآخر، يرى الحزب الوطني البنغالي، وهو الأكثر اهتمامًا بإجراء الانتخابات سريعًا لاعتقاده بأنه سيفوز بها، أن يونس يستخدم تكتيكات تصب في مسار تأجيل الانتخابات الديمقراطية. هذا الانقسام والاحتقان في بنغلاديش، قد يقود -بحسب مجلة "ذي دبلومات"- إلى عودة الاحتجاجات في الشوارع بين الأطراف والأحزاب المتنافسة، علمًا بأن يونس وعد منذ البداية بأن يسلم السلطة في مارس/آذار 2026 كحد أقصى. جدير بالذكر أن إدارة يونس ومعها قطاع عريض من شباب الثورة، يرون أنه لا يمكن إجراء انتخابات قبل الانتهاء من "ميثاق يوليو" الذي تُعده لجنة وطنية من خلال النقاش والتفاهم مع مختلف الأطراف السياسية في البلاد، والذي يهدف في النهاية إلى بناء "إطار لدولة ديمقراطية تضمن حقوق كل المواطنين واستقلال القضاء"، بغض النظر عن الفائز القادم في الانتخابات. ولا يخلو هذا المشهد المضطرب من صوت الجيش البنغالي أيضًا، إذ صرح قائده واكر الزمان بأن البلاد في حالة فوضى، وأنه إذا استمرت الانقسامات والاضطرابات على هذا النحو فستكون سيادة البلاد في خطر. وكعادته، لم يتعامل يونس مع تلك التصريحات بلهجة صارمة، وأكد أنه لا يتعرض لأي ضغط من المؤسسة العسكرية، وأنه يتمتع بعلاقة جيدة وقوية معها. مشكلة أخرى تواجه الإدارة الانتقالية وهي مسألة الأمن، صحيح أن إدارة يونس استطاعت أن تحاكم كبار ضباط الشرطة الذين ارتكبوا انتهاكات جسيمة في عهد الشيخة حسينة، وأخلت مقرات التعذيب السرية من المعارضين الذين كانوا فيها، مع تحسن واضح في الوضع الأمني بعد فرار الشيخة حسينة بحسب "فورين بوليسي" الأميركية. هذا التحسن، دفع منظمة "هيومن رايتس ووتش" في يناير/كانون الثاني الماضي إلى الإشادة بإدارة يونس بسبب التقدم الكبير الذي أحرزته في تحديد مراكز الاحتجاز السرية، كما أن الجيش تعامل بجدية مع حادثة وفاة شاب من الحزب الوطني البنغالي بعد احتجازه لديه، وعزل الضابط الذي احتجزه، كما أن إدارة يونس أدانت الحادثة على الفور، وهو ما لم تكن تفعله الحكومات السابقة في حوادث مشابهة. لكنّ هذا كله يترافق مع غياب نسبي للأمن في الشوارع، رغم نفي يونس لهذا الأمر، فالشرطة تبدو مترددة في العودة لممارسة عملها بشكل جاد، وهو حال أشبه بما حدث في مصر بعد ثورة يناير /كانون الثاني 2011، ومن ثم تجد العصابات في شوارع البلاد مرتعًا لها، حيث تمارس مختلف أشكال الجرائم، وقد وصل الأمر -بحسب مجلة "ذي دبلومات"- إلى حرق المتظاهرين دمية تمثل وزير الداخلية، مطالبين بإقالته بسبب تفشي الجريمة في البلاد. وبحسب " هيومن رايتس ووتش" فإن قوات الأمن ما زالت تكرر أنماطها المألوفة من الانتهاكات ضد بعض المواطنين، حتى بعد إسقاط نظام الشيخة حسينة. يضاف إلى ذلك أنه بالرغم من أن صورة يونس لا تزال ناصعة في عيون قطاع عريض من المواطنين، حتى أن الحزب الوطني البنغالي الذي ينتقده؛ يُقر بالاستقرار والنجاح النسبيين لإدارته بحسب منصة "بينار نيوز" المتخصصة في الشأن الآسيوي، فإن بعض مزاعم الفساد حول أفراد مقربين منه ومن حكومته -بحسب "ذي دبلومات"- تساهم في زيادة أعباء المرحلة الانتقالية. ومع أن هذه المزاعم تعاملت معها جهات مكافحة الفساد بجدية، فإن كثرة الأخبار حولها تجعل المرحلة الانتقالية أكثر صعوبة. اقتصاديا.. ماذا فعل الخبير صاحب نوبل؟ كان البنك الدولي قد توقع في بداية هذا العام أن تحقق بنغلاديش نموًا اقتصاديا بنسبة 4.1% في السنة المالية الحالية التي تنتهي في يونيو/حزيران القادم، لكنه عاد مؤخرًا ليخفض توقعاته إلى 3.3%، وهو أبطأ معدل نمو تشهده البلاد منذ 36 عامًا. ويعود هذا الانخفاض -بحسب البنك الدولي- إلى الضبابية السياسية وانخفاض الاستثمارات وارتفاع التضخم وتزعزع الاستقرار في القطاع المالي، علمًا بأن كل نقطة انخفاض تهدد بفقدان شريحة واسعة من المواطنين البنغال لأعمالهم. مع ذلك، لا يوجه الكثير من الاقتصاديين أصابع الاتهام إلى إدارة يونس في هذا الشأن بعدما استطاعت الحصول على دعم بمليارات الدولارات من مؤسسات وأطراف مختلفة، وذلك لأن يونس تسلم مقاليد الأمور في البلاد وهي تتعرض لدرجة عالية من "النهب" بحسب مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل، إذ كانت احتياطيات النقد الأجنبي ضئيلة للغاية، ومعدل تضخم أسعار المواد الغذائية في حدود 15%، بل إن "بينار نيوز" تشير إلى أن يونس استطاع تعيين مسؤولين ووزراء أكفاء للتعامل مع المشاكل الاقتصادية التي ربما كانت مرشحة للتفاقم أكثر من ذلك. وبحسب "ذي فايننشال إكسبرس" الهندية، فإن إدارة يونس الانتقالية أعادت بجدارة هيكلة القطاع المالي المنهار وتنظيمه، واستخدمت أدوات السياسة النقدية لكبح التضخم، ورشّدت إنفاق القطاع العام وبذلت محاولات جادة لاستعادة الأموال من الملاذات الآمنة. كما أنه ولأول مرة منذ سنوات وبحسب نفس الصحيفة، لم ترتفع أسعار المواد الغذائية خلال شهر رمضان المنصرم في بنغلاديش. وجدير بالذكر هنا أن إدارة يونس أجرت دراسة عميقة من 385 صفحة، خلصت فيها إلى أن أرقام النمو في عهد الشيخة حسينة كانت مفبركة ومبالغا فيها، وأنه لم تكن هناك معجزة اقتصادية في البلاد مثلما حاول النظام السابق تسويقه بحسب "ذي إيكونوميست" البريطانية. ومع ذلك، فإن صندوق النقد الدولي وبنك التنمية الآسيوي يتوقعان انتعاشًا تدريجيًا للاقتصاد البنغالي على المدى المتوسط، إذا ما استطاعت البلاد أن تواجه تحدياتها بالتخطيط والحكمة اللازمة. وقد صرح خبير الاقتصاد الكلي ورئيس مجلس إدارة المؤسسة الفكرية "بوليسي إكستشانج البنغالية" لصحيفة "داكا تريبيون" واسعة الانتشار في البلاد، أنه بالرغم من أن الاقتصاد يتحرك ببطء، فإنه يتجه في الواقع ناحية التعافي، وأن توقعات البنك الدولي مؤخرًا لا ينبغي أن تُفسَّر بأنها تشير إلى كارثة اقتصادية مرتقبة في بنغلاديش.