
«منتدى الإعلامي» ينطلق بمشاركة 300 خبير من 26 دولة.. الدبلوماسية الإعلامية تعزز قيم «شنغهاي للتعاون»
أورومتشي- هشام يس
دعا منتدى التعاون الإعلامي لدول منظمة شنغهاي للتعاون 2025 إلى وضع آليات فعالة للحد من التضليل الإعلامي واستخدام وسائل الإعلام لأغراض غير مشروعة.
وأكد المشاركون أهمية احترام التنوع الحضاري والثقافي والديني، وضرورة إنتاج تقارير إعلامية صادقة وموضوعية وعادلة، تسهم في بناء بيئة إعلامية عالمية تدعم التنمية المستدامة. كما شدد المنتدى على أهمية تعزيز «روح شنغهاي»، التي تجسد قيم التعاون والتعددية واحترام السيادة الوطنية، بهدف تعزيز التفاهم المتبادل والصداقة بين شعوب الدول الأعضاء، والمساهمة في تحقيق السلام والاستقرار والازدهار الإقليمي.
وانطلق المنتدى في مدينة أورومتشي، عاصمة منطقة شينجيانغ ذاتية الحكم، تحت شعار «معاً من أجل بناء عالم أجمل ومستقبل مزدهر».
وشهد المنتدى مشاركة واسعة من أكثر من 300 إعلامي وخبير وممثل عن مؤسسات إعلامية من 26 دولة، بما في ذلك الدول الأعضاء في المنظمة، والدول المراقبة، وشركاء الحوار، إلى جانب حضور بارز لممثلين عن وسائل إعلام عربية، من بينها صحيفة «العرب».
كما حضر المنتدى نائب الأمين العام لمنظمة شنغهاي للتعاون، سهيل خان، مما أضفى طابعاً رسمياً على الفعالية.
وتأتي فعالياته في إطار جهود الصين، التي تتولى الرئاسة الدورية لمنظمة شنغهاي للتعاون، لتعزيز التعاون الإعلامي وتبادل الخبرات بين الدول الأعضاء، بهدف بناء نظام إعلامي دولي أكثر عدالة وتوازناً، يعكس تنوع الثقافات ويتصدى لهيمنة الخطاب الإعلامي الغربي.
وخلال الجلسة الافتتاحية، أُكد المشاركون على أهمية الدبلوماسية الإعلامية في تعزيز القيم المشتركة لمنظمة شنغهاي، مثل احترام السيادة، التعددية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. هذه المبادئ شكلت إطاراً للنقاشات التي تناولت سبل بناء شبكات إعلامية مشتركة قادرة على نقل صوت الدول النامية بصدق وتوازن.
إطلاق مبادرات تعاونية
شهد المنتدى إطلاق مبادرات مهمة، منها معسكر التبادل الثقافي للشباب الذي يهدف إلى تعزيز التفاهم الثقافي بين الشباب في الدول الأعضاء، من خلال برامج تبادل تعليمية وثقافية.
وتقرير «البيت المشترك»: وهو استطلاع رأي عام حول الرؤية التنموية للدول الأعضاء في منظمة شنغهاي، يهدف إلى توثيق التوجهات والطموحات المشتركة.
وخطة لتقاسم مقاطع الفيديو القصيرة، تم اقتراحها خلال اجتماع الحوار الإعلامي، بهدف تعزيز التعاون بين وسائل الإعلام في إنتاج محتوى رقمي يعكس تنوع الدول الأعضاء.
الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة
تناولت الحلقات النقاشية في المنتدى عدة محاور رئيسية منها، توظيف الذكاء الاصطناعي في الإعلام، وركزت النقاشات على كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة المحتوى الإعلامي، سواء من خلال تحليل البيانات أو إنتاج الأخبار بشكل أسرع وأكثر دقة.
كما تناولت احتياجات كل منطقة من حيث إنتاج المحتوى الإعلامي، مع التركيز على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الأخبار بفعالية.
وشددت على ضرورة احترام الخصوصيات الوطنية والثقافية في صياغة المحتوى الإعلامي، مع استعراض قصص نجاح توضح كيفية تحقيق ذلك.
ومن جانبه أشار عبدالعزيز درويش، الإعلامي الكويتي، إلى الأهمية الكبيرة للمنتدى في تعزيز تبادل الخبرات الإعلامية بين الشعوب، مشيداً بمشاركة واسعة من 26 دولة وحضور أكثر من 200 شخص. وأضاف أن النقاشات ركزت على التقنيات الحديثة، خاصة الذكاء الاصطناعي، ودوره في تحسين جودة المحتوى وتطوير الإنتاج الإخباري، مع استعراض تطبيقات عملية لوسائل التواصل الاجتماعي في نشر الأخبار.
وتميزت الجلسة الافتتاحية بأجواء احتفالية عكست التراث الثقافي الصيني، وتضمنت عروضاً فنية تقليدية استخدمت فيها الآلات الموسيقية الصينية والألوان الزاهية، لتقديم تجربة ترحيبية مبهرة. وصفت هذه العروض بأنها «لوحة فنية» تهدف إلى إبراز الفن كجسر للتواصل بين الشعوب، مما يعكس التزام الصين بتعزيز الحوار الحضاري والثقافي.
شينجيانغ: نموذج للتنمية المستدامة
تُعد منطقة شينجيانغ، التي استضافت المنتدى، نموذجاً بارزاً للتنمية المستدامة التي تدعمها الصين. فقد تجاوز إجمالي الناتج المحلي للمنطقة 2 تريليون يوان صيني في عام 2024، مع تحسن ملحوظ في متوسط دخل الأفراد وتنفيذ مشاريع تنموية كبرى في قطاعات الطاقة، الصناعة، التعليم، والبنية التحتية. يأتي هذا الإنجاز بدعم مالي ولوجستي من الحكومة المركزية الصينية عبر أكثر من 19 مقاطعة شقيقة، مما عزز قدرة شينجيانغ على تحقيق تنمية شاملة.
وأضفت أورومتشي، بموقعها الاستراتيجي على طريق الحرير، طابعاً خاصاً على اختيارها كمكان للمنتدى، حيث تُعد مركزاً ثقافياً واقتصادياً يجسد التواصل الحضاري بين الشرق والغرب.
يُعد المنتدى خطوة محورية نحو تعزيز التعاون الإعلامي بين الدول الأعضاء والشركاء. ومع اقتراب استضافة الصين لقمة منظمة شنغهاي في تيانجين في خريف 2025، من المتوقع أن تستمر هذه الجهود في تعزيز التواصل الإعلامي والثقافي. ويهدف المنتدى إلى وضع أسس نظام إعلامي دولي جديد يقوم على التعددية والاحترام المتبادل، مما يساهم في بناء عالم أكثر عدالة في تدفق المعلومات.
وأكد المشاركون أن الصين، بفضل قدراتها المالية والتجارية، في موقع قوي لقيادة هذا التحول الإعلامي، بما يتماشى مع أهدافها خلال رئاستها الدورية للمنظمة. الهدف الأساسي هو كسر احتكار الخطاب الإعلامي الغربي الذي هيمن على السرديات العالمية لعقود.
منظمة شنغهاي: إطار للتعاون
تأسست منظمة شنغهاي للتعاون عام 2001، وتضم دولاً مثل الصين، روسيا، كازاخستان، قيرغيزستان، طاجيكستان، أوزبكستان، الهند، باكستان، إيران، وبيلاروسيا، إلى جانب شركاء الحوار مثل السعودية وقطر. ويُنظم المنتدى بشكل مشترك بين صحيفة «الشعب اليومية» وحكومة منطقة شينجيانغ، مما يعكس التزام الصين بتعزيز دورها كقوة إعلامية عالمية تقدم رؤية بديلة للنظام الإعلامي الحالي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العرب القطرية
منذ 12 ساعات
- العرب القطرية
«منتدى الإعلامي» ينطلق بمشاركة 300 خبير من 26 دولة.. الدبلوماسية الإعلامية تعزز قيم «شنغهاي للتعاون»
أورومتشي- هشام يس دعا منتدى التعاون الإعلامي لدول منظمة شنغهاي للتعاون 2025 إلى وضع آليات فعالة للحد من التضليل الإعلامي واستخدام وسائل الإعلام لأغراض غير مشروعة. وأكد المشاركون أهمية احترام التنوع الحضاري والثقافي والديني، وضرورة إنتاج تقارير إعلامية صادقة وموضوعية وعادلة، تسهم في بناء بيئة إعلامية عالمية تدعم التنمية المستدامة. كما شدد المنتدى على أهمية تعزيز «روح شنغهاي»، التي تجسد قيم التعاون والتعددية واحترام السيادة الوطنية، بهدف تعزيز التفاهم المتبادل والصداقة بين شعوب الدول الأعضاء، والمساهمة في تحقيق السلام والاستقرار والازدهار الإقليمي. وانطلق المنتدى في مدينة أورومتشي، عاصمة منطقة شينجيانغ ذاتية الحكم، تحت شعار «معاً من أجل بناء عالم أجمل ومستقبل مزدهر». وشهد المنتدى مشاركة واسعة من أكثر من 300 إعلامي وخبير وممثل عن مؤسسات إعلامية من 26 دولة، بما في ذلك الدول الأعضاء في المنظمة، والدول المراقبة، وشركاء الحوار، إلى جانب حضور بارز لممثلين عن وسائل إعلام عربية، من بينها صحيفة «العرب». كما حضر المنتدى نائب الأمين العام لمنظمة شنغهاي للتعاون، سهيل خان، مما أضفى طابعاً رسمياً على الفعالية. وتأتي فعالياته في إطار جهود الصين، التي تتولى الرئاسة الدورية لمنظمة شنغهاي للتعاون، لتعزيز التعاون الإعلامي وتبادل الخبرات بين الدول الأعضاء، بهدف بناء نظام إعلامي دولي أكثر عدالة وتوازناً، يعكس تنوع الثقافات ويتصدى لهيمنة الخطاب الإعلامي الغربي. وخلال الجلسة الافتتاحية، أُكد المشاركون على أهمية الدبلوماسية الإعلامية في تعزيز القيم المشتركة لمنظمة شنغهاي، مثل احترام السيادة، التعددية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. هذه المبادئ شكلت إطاراً للنقاشات التي تناولت سبل بناء شبكات إعلامية مشتركة قادرة على نقل صوت الدول النامية بصدق وتوازن. إطلاق مبادرات تعاونية شهد المنتدى إطلاق مبادرات مهمة، منها معسكر التبادل الثقافي للشباب الذي يهدف إلى تعزيز التفاهم الثقافي بين الشباب في الدول الأعضاء، من خلال برامج تبادل تعليمية وثقافية. وتقرير «البيت المشترك»: وهو استطلاع رأي عام حول الرؤية التنموية للدول الأعضاء في منظمة شنغهاي، يهدف إلى توثيق التوجهات والطموحات المشتركة. وخطة لتقاسم مقاطع الفيديو القصيرة، تم اقتراحها خلال اجتماع الحوار الإعلامي، بهدف تعزيز التعاون بين وسائل الإعلام في إنتاج محتوى رقمي يعكس تنوع الدول الأعضاء. الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة تناولت الحلقات النقاشية في المنتدى عدة محاور رئيسية منها، توظيف الذكاء الاصطناعي في الإعلام، وركزت النقاشات على كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة المحتوى الإعلامي، سواء من خلال تحليل البيانات أو إنتاج الأخبار بشكل أسرع وأكثر دقة. كما تناولت احتياجات كل منطقة من حيث إنتاج المحتوى الإعلامي، مع التركيز على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الأخبار بفعالية. وشددت على ضرورة احترام الخصوصيات الوطنية والثقافية في صياغة المحتوى الإعلامي، مع استعراض قصص نجاح توضح كيفية تحقيق ذلك. ومن جانبه أشار عبدالعزيز درويش، الإعلامي الكويتي، إلى الأهمية الكبيرة للمنتدى في تعزيز تبادل الخبرات الإعلامية بين الشعوب، مشيداً بمشاركة واسعة من 26 دولة وحضور أكثر من 200 شخص. وأضاف أن النقاشات ركزت على التقنيات الحديثة، خاصة الذكاء الاصطناعي، ودوره في تحسين جودة المحتوى وتطوير الإنتاج الإخباري، مع استعراض تطبيقات عملية لوسائل التواصل الاجتماعي في نشر الأخبار. وتميزت الجلسة الافتتاحية بأجواء احتفالية عكست التراث الثقافي الصيني، وتضمنت عروضاً فنية تقليدية استخدمت فيها الآلات الموسيقية الصينية والألوان الزاهية، لتقديم تجربة ترحيبية مبهرة. وصفت هذه العروض بأنها «لوحة فنية» تهدف إلى إبراز الفن كجسر للتواصل بين الشعوب، مما يعكس التزام الصين بتعزيز الحوار الحضاري والثقافي. شينجيانغ: نموذج للتنمية المستدامة تُعد منطقة شينجيانغ، التي استضافت المنتدى، نموذجاً بارزاً للتنمية المستدامة التي تدعمها الصين. فقد تجاوز إجمالي الناتج المحلي للمنطقة 2 تريليون يوان صيني في عام 2024، مع تحسن ملحوظ في متوسط دخل الأفراد وتنفيذ مشاريع تنموية كبرى في قطاعات الطاقة، الصناعة، التعليم، والبنية التحتية. يأتي هذا الإنجاز بدعم مالي ولوجستي من الحكومة المركزية الصينية عبر أكثر من 19 مقاطعة شقيقة، مما عزز قدرة شينجيانغ على تحقيق تنمية شاملة. وأضفت أورومتشي، بموقعها الاستراتيجي على طريق الحرير، طابعاً خاصاً على اختيارها كمكان للمنتدى، حيث تُعد مركزاً ثقافياً واقتصادياً يجسد التواصل الحضاري بين الشرق والغرب. يُعد المنتدى خطوة محورية نحو تعزيز التعاون الإعلامي بين الدول الأعضاء والشركاء. ومع اقتراب استضافة الصين لقمة منظمة شنغهاي في تيانجين في خريف 2025، من المتوقع أن تستمر هذه الجهود في تعزيز التواصل الإعلامي والثقافي. ويهدف المنتدى إلى وضع أسس نظام إعلامي دولي جديد يقوم على التعددية والاحترام المتبادل، مما يساهم في بناء عالم أكثر عدالة في تدفق المعلومات. وأكد المشاركون أن الصين، بفضل قدراتها المالية والتجارية، في موقع قوي لقيادة هذا التحول الإعلامي، بما يتماشى مع أهدافها خلال رئاستها الدورية للمنظمة. الهدف الأساسي هو كسر احتكار الخطاب الإعلامي الغربي الذي هيمن على السرديات العالمية لعقود. منظمة شنغهاي: إطار للتعاون تأسست منظمة شنغهاي للتعاون عام 2001، وتضم دولاً مثل الصين، روسيا، كازاخستان، قيرغيزستان، طاجيكستان، أوزبكستان، الهند، باكستان، إيران، وبيلاروسيا، إلى جانب شركاء الحوار مثل السعودية وقطر. ويُنظم المنتدى بشكل مشترك بين صحيفة «الشعب اليومية» وحكومة منطقة شينجيانغ، مما يعكس التزام الصين بتعزيز دورها كقوة إعلامية عالمية تقدم رؤية بديلة للنظام الإعلامي الحالي.

العرب القطرية
منذ يوم واحد
- العرب القطرية
جائزة «التعاون» تكرِّم جهود قطر الخيرية في مجال الإسكان
الدوحة - العرب كرّمت هيئة جائزة مجلس التعاون الخليجي في مجال الإسكان قطر الخيرية ضمن الحفل الرسمي الذي تم فيه الإعلان عن الفائزين والمرشحين للتكريم في الدورة السادسة ( 2024 ـ 2025)، وذلك على هامش الاجتماع الثالث والعشرين لأصحاب المعالي والسعادة الوزراء المعنيين بشؤون الإسكان بدول الخليج العربية الذي انعقد في الكويت. جرى ترشيح قطر الخيرية للتكريم عن فئة القطاع الخاص والجمعيات الخيرية، وذلك تقديرا لمساهماتها المؤثرة ومبادراتها الفاعلة في مجال العمل الإسكاني بدولة قطر، والتي تخدم الجوانب الاجتماعية والخيرية. وتسلم السيد يوسف بن أحمد الكواري الرئيس التنفيذي لقطر الخيرية درع التكريم من سعادة السيد عبداللطيف المشاري وزير الدولة لشؤون البلدية ووزير الدولة لشؤون الاسكان في دولة الكويت بحضور سعادة السيدة بثينة بنت علي الجبر النعيمي وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة. وتدعم قطر الخيرية مبادرات في مجال الإسكان داخل قطر لصالح الأسر ذات الدخل المحدود والأرامل والمطلقات تتمثل في توفير إيجارات البيوت، فضلا عن مشروع «ترميم» الذي يقوم بعمليات صيانة البيوت القديمة للأسر محدودة الدخل وتوفير الأثاث المناسب لها. وعلى هامش الحفل قال السيد يوسف بن أحمد الكواري الرئيس التنفيذي لقطر الخيرية: سعداء بهذا التكريم الذي يعكس اهتمام قطر الخيرية في مجال السكن الاجتماعي في إطار الإسهام في تحقيق رؤية قطر 2030، وذلك من خلال مبادرات تهدف إلى تحقيق الاستقرار المجتمعي وتحسين الظروف المعيشية وتوفير بيئة سكن صحية مناسبة للأسر والفئات الدخل المحدود، واعتبر أن هذا التكريم سيحفز قطر الخيرية لمزيد من الاهتمام بمثل هذه المبادرات المجتمعية. يذكر أن الدورة السادسة لجائزة مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مجال الإسكان لعامي 2024-2025م كانت بعنوان (التطبيقات والتقنيات الرقمية- الذكية في المشاريع والبرامج الإسكانية) وخصصت للفائزين في المراكز الثلاثة الأولى جوائز نقدية، كما تم تكريم عدد من الجهات في حفلها الرسمي، ومنها قطر الخيرية عن فئة القطاع الخاص والجمعيات الخيرية.


الجزيرة
٠٤-٠٤-٢٠٢٥
- الجزيرة
القبيلة والعنصرية.. منظور إسلامي
تُعدّ القبيلة – كوحدة اجتماعية – على رأس المكونات الداخلية للأمن الاجتماعي، بل تتجاوز أهميتها الأمن الاجتماعي لتؤثر سلبًا أو إيجابًا في الأمن الثقافي والاقتصادي والسياسي للدولة، من خلال الترابط القوي بين أفرادها وما يتمتعون به من تكاتف وتعاضد وموروثات وقيم مشتركة، ذلك التماسك الداخلي يؤثر على العلاقات الدولية وسياساتها الخارجية. جزيرة العرب كان يحكمها قبل ظهور الإسلام النظام القبلي، وكان الولاء للعرق والقبيلة هو الرابطة الحاكمة للمنتسبين من أبناء القبيلة، وتعارفت العرب على صفات يجب أن تتوفر فيمن يسود القبيلة ويحكمها، منها الحكمة والكرم والشجاعة والحمية، وغيرها من الصفات التي بقيت موروثة مما بقي في العرب من مكارم الأخلاق التي وجدت مع حنيفية إبراهيم، عليه السلام، والتي قال عنها رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق" (أخرجه أحمد: 8939). وإذا ما مات سيد منهم نظرت القبيلة لمن يصلح للرياسة ويحمل تلك الصفات فيسودها، مع اعتبار الأولوية لأبناء ذلك السيد إن توفرت فيهم الشروط، ولكن إن لم تتوفر اختاروا من القبيلة رجلًا يصلح للحُكم والقيادة، والمطلوب ممن يترأس القبيلة أن يتحلى بخلال حميدة وصفات طيبة، تُعد حيوية في بناء المجتمع البدوي. وقد عددها الجاحظ فقال: "كان أهل الجاهلية لا يسوّدون إلا من تكاملت فيه ستُّ خصال: السخاء والنجدة والصبر والحلم والتواضع والبيان (جواد علي: 2001). الإسلام أوصد أبواب النعرات الجاهلية والتمايز بين الناس، وفتح أبواب المساواة بين جميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن خلفياتهم العرقية أو القبلية الإسلام تعامل مع القبيلة كلبِنة في بناء المجتمع، وظفها توظيفًا إيجابيًا لتساهم بفاعلية في تقوية جدار البناء الأكبر وهو بناء الأمة، فلم يُلغِ القبيلة التي كانت تمثل كيانًا قائمًا بذاته، وكانت فيها عصبية جاهلية جعلت الإنسان يحارب في سبيل قبيلته ظالمة ومظلومة دون أن يسأل، ودفعته لمساندتها تحت مظلة "العصبية للقبيلة" وإن خالفت الحق ودعت للباطل، ومناصرتها بعصبية عمياء، كما وصف ذلك الشاعر الفحل دُريْد بن الصِّمَّة: وما أنا إلا من غَزِيَّة إن غوتْ غوَيتُ وإن تَرشُد غزية أرشد فنهى الإسلام عن التعصب لأي رابطة غير رابطة الدين والعقيدة، واعتبر التعصب لغير رابطة الدين دعوة جاهلية مقيتة، كما في قوله، صلى الله عليه وسلم: "قد أذهب الله عنكم عبِّيَّة الجاهلية وفخرها بالآباء.. مؤمن تقي، وفاجر شقي، والناس بنو آدم، وآدم من تراب". جاء الإسلام بالعدل والإنسانية والسماحة والمساواة بين الناس "كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى"، ليقتل بذلك العصبية المقيتة ويُحيي في النفوس رابطة الإنسانية المبنية على الإخاء، مقررًا ذلك وداعيًا له بـ {إنما المؤمنون إخوة}، وهي رابطة تستند إلى الدين الحق، جاعلًا التفاضل بين الناس بالتقوى، لا بالعرق ولا بالجنس، وقد أعلى مراتب من كانوا عبيدًا، وخفض مقام من كانوا في الجاهلية أسيادًا، كلًا حسب كسبه وجهده، آخى بين قلوب المؤمنين من الأوس والخزرج -بعد التفرق والتشتت- على دينه الحق، فصيرهم به جميعًا بعد أن كانوا أشتاتًا، وإخوانًا بعد أن كانوا أعداء، وهو نموذج يمكن ويجب تطبيقه. مبدأ المساواة في الإسلام يؤكد أن جميع البشر سواسية أمام الله، فالتفاضل بين الناس لا يكون بناءً على أصلهم أو لونهم، بل على تقواهم وصلاحهم، وقد نبذ الإسلام العنصرية في الحديث الشريف، وها هو ذا النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، ينبذ العنصرية في خطبته الشهيرة في يوم عرفة حيث قال: "يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب" (أخرجه أبو داود: 5116). إعلان الإسلام أوصد أبواب النعرات الجاهلية والتمايز بين الناس، وفتح أبواب المساواة بين جميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن خلفياتهم العرقية أو القبلية. وقد مارس الصحابة -رضي الله عنهم- دورًا مهمًا في تهذيب العنصرية، فالصحابة الذين كانوا من خلفيات مختلفة، مثل بلال بن رباح (الذي كان عبدًا حبشيًا) وصهيب الرومي (الذي كان من أصل روماني)، كانوا في مكانة عالية في المجتمع الإسلامي. فالإسلام جعل المكانة الاجتماعية تقتصر على التقوى والعمل الصالح، وليس على العرق أو الأصل. الإسلام شجّع على بناء مجتمع موحد من خلال تفعيل المساواة بين الجميع، وهذا ساعد في تعزيز الوحدة القومية في الدولة الإسلاميّة. المسلمون من مختلف الأعراق والقبائل تجمعهم أواصر الدين، وكانوا يعملون سويًا بلا فوارق من أجل بناء الدولة، تحت مظلّة لا إله إلا الله وقيادة رسول الله، صلى الله عليه وسلم. القبيلة أراد لها الإسلام أن تكون وسيلة من وسائل صلة الأرحام، قال ابن عباس: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "اعرفوا أنسابكم تصلوا أرحامكم، فإنه لا قرب بالرحم إذا قطعت، وإن كانت قريبة، ولا بُعد بها إذا وُصلت وإن كانت بعيدة". وفيها ينشأ الشباب على القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة والعادات الإسلامية والعربية الأصيلة، بدون تعصب أعمى أو ولاء فوق الولاء للدين والوطن، وهي تزيد من الترابط الاجتماعي والتكافل والتراحم فيما بين منسوبيها، وبينهم وبين الآخرين، ما يسهم في تقوية بناء الدولة والأمة الإسلامية. أما الذين يفاخرون بأن قبيلتهم أغنى وأكثر مالًا، أو أعلى مقامًا وجاهًا ممن سواهم، فهؤلاء فيهم شيء من جاهلية، وهو نفسه قول عُيينة والأقرع لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: "نحن سادات العرب، وأرباب الأموال، فنحّ عنا سلمانَ وخبَّابًا وصُهيبًا"، احتقارًا لهم وتكبرًا عليهم، وقد ذم الله هذا الصنيع الجاهلي والتكبّر البغيض.. يقول تعالى: {فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالًا وأَعَزُّ نَفَرًا} (الكهف -34). قال قتادة: تلك والله أمنية الفاجر (كثرة المال، وعزّة النفر)، وإنما العزة الحقيقية من وجهة نظر الإسلام تكون بهذا الدين ائتمارًا بأوامره وانتهاءً عن نواهيه فيما يتعلق بمفهوم القبيلة أو غيرها. يقول تعالى في كتابه العزيز: {ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين ولكنَّ المنافقين لا يعلمون} (سورة المنافقون: 8). وفي هذا السياق، فإن العزة بالقبيلة تكون بالسعي لمعرفة الأرحام من أجل صلتهم كأرحام، لا من أجل التناصر بهم بالحق وبالباطل. ختامًا: من منظور إسلامي، فإن القبيلة تمثل ركنًا ركينًا من أركان الدولة، وعنصرًا مهمًا من عناصر قوتها الشاملة، وعلى رأس ذلك الأمن الاجتماعي؛ فإن تأسست القبيلة وقامت عُراها على هدى من الله وكتاب منير كانت إضافة كبيرة وحقيقية للأمن الوطني للدولة، وركيزة من ركائز وحدة الأمة، وعاملًا من عوامل نهضتها الحضارية. وإن استشرت فيها العصبية القاتلة كانت خصمًا على قوى الدولة الشاملة، بل ستكون أحد معاول الهدم التي تسهم بشكل مباشر في تفتيت عضدها وتأخر تطورها، بل ستكون سببًا في تآكلها بالصراعات المبنية على الانسياق الأعمى خلف راية القبيلة وإعلائها على حساب قيمة الوطن وأمن المواطن.