
المنظمات الدولية والسلام الصعب
تحيل المنظمات الدولية إلى إطار دائم محدث بموجب اتفاق بين مجموعة من الدول، يتمتع بإرادة مالية وإدارية وسياسية مستقلة عن أعضائه، كما تتمتع بالشخصية القانونية الدولية التي تترتب عليها حقوق والتزامات، وترمي المنظمات إلى تحقيق هدف أو عدة أهداف تعكس التعاون والتنسيق الدوليين، وتظل مهامها مؤطرة بمقتضيات القانون الدولي وبنود مواثيقها.
وتكتسب هذه الهيئات صفتها الدولية انطلاقاً من العضوية التي تكون متاحة لعدد من الدول التي تتوافر فيها شروط الانضمام، إضافة إلى طبيعة نشاطاتها العابرة للحدود والممتدة إلى مناطق مختلفة من العالم.
وجدير بالذكر أن العضوية بهذه المؤسسات تكون أصلية بالنسبة للأطراف المؤسّسة، كما قد تكون بالانضمام لها في ما بعد، كما تكون كاملة، تتيح للدولة الانضمام لكل أنشطتها وممارسة حقوقها الكاملة، وقد تكون ناقصة تقتصر فيها الدولة العضو على الاشتراك في بعض نشاط المنظمة فحسب.
تمثل المنظمات الدولية إطاراً للتعاون ولتعبئة الإمكانيات وتنسيق الجهود وخدمة المصالح المشتركة، وتعزيز التنمية والأمن والسلم، وقد ازدادت أهميتها بشكل كبير في الوقت الراهن، مع تنامي المخاطر والتهديدات العابرتين للحدود. وهي تتنوع بين أصناف متعددة، كالمنظمات العالمية والإقليمية، والمتخصصة والعامة، والحكومية وغير الحكومية..
لقد شكل ظهور هذه الهيئات تحولاً كبيراً في مسار العلاقات الدولية منذ بدايات القرن الماضي، بسبب التزايد المطرد في عدد الدول وميلها إلى نسج علاقات تعاونية مع محيطيها الإقليمي والدولي، وكذا الرغبة في جعل هذه المنظمات إطاراً للتنسيق وتبادل وجهات النظر إزاء مختلف القضايا الدولية، بما يعزز الثقة ويوفر المناخ الكفيل بنبذ الحروب التي كلفت الإنسانية ويلات ودماراً كبيراً.
وفي أعقاب نهاية الحرب العالمية الأولى، ظهرت عصبة الأمم كأول منظمة عالمية في عام 1919، وكإطار لتنمية التعاون بين الأمم وضمان السلم، حيث قامت على مجموعة من المبادئ التي يمكن تلخيصها في الالتزام بقواعد العدالة والشّرف، والتقيد بقواعد القانون الدولي، والتعهد باحترام المعاهدات والمواثيق الدولية.
وعلى الرغم من تجربتها المفيدة من الناحية التاريخية، وباعتبارها أيضاً انطلاقة فعلية لتطوير التنظيم الدولي، إلا أنها انهارت تحت ضغط مجموعة من العوامل، التي يمكن إجمالها في عدم انضمام عدة دول إليها، كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، وكذا نظام التصويت الذي يعتمد على قاعدة الإجماع، علاوة عن مهامّها التي ظلت ضيّقة ومحدودة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين، إضافة إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية في عام 1937 التي ساهمت من جانبها في التعجيل بهذا الانهيار لكون العصبة لم تستطع وقفها.
وعشية نهاية الحرب العالمية الثانية التي استُخدم فيها السلاح النووي لأول مرة في عام 1945، وأمام المخلفات الكارثية التي نجمت عنها، من دمار وقتل وتلوث ومعاناة إنسانية، برزت هيئة الأمم المتحدة، كإطار دولي حرص مؤسّسوه على الاستفادة من أخطاء العصبة، والتركيز على مجموعة من الأهداف المتصلة بحفظ السلم والأمن الدوليين، وتنسيق العلاقات بين الدول، وحماية حقوق الإنسان.
وقد قامت الهيئة على مجموعة من المبادئ الأساسية من قبيل المساواة في السيادة بين الدول، وتنفيذ الالتزامات الدولية بحسن نية، وفض المنازعات بوسائل سلمية، وعدم التهديد باستخدام القوة أو استخدامها فعلاً في العلاقات الدولية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. كما نهجت الهيئة مسلكين في سبيل تحقيق أهدافها، الأول، ذو طابع وقائي من خلال جعل أجهزتها ووكالاتها إطاراً للتشاور بين الدول حول مختلف القضايا العالمية، والحرص على احترام مبادئها. والآخر علاجي، عبر التدخل في إطار جهود ودية أو زجرية لتسوية المنازعات وتدبير الأزمات التي تحدث بين الدول.
ورغم الإشكالات التي واجهت المنظمة والناجمة في مجملها عن ظروف الحرب الباردة التي ألقت بظلالها القاتمة على أدائها، وتنامي استخدام حق الفيتو داخل مجلس الأمن، ونهجه لسياسة الكيل بمكيالين خلال مرحلة ما بعد الحرب الباردة، إلا أن إحداث الهيئة شكّل في حد ذاته دفعة قوية للتنظيم الدولي، وساهم في بروز عدد كبير من المنظمات الدولية والإقليمية التي تعنى بعدد من القضايا العالمية، كما لا تخفى أهمية جهودها على مستوى تفعيل السبل الوقائية لحفظ السلم والأمن الدوليين.
وتظل الهيئة في الوقت الراهن بحاجة ملحة إلى إصلاح حقيقي، يسمح بدمقرطتها وإعادة التوازن لأجهزتها، بما يتيح لها المساهمة الفعلية والناجعة في تعزيز السلام العالمي ومواكبة المتغيرات الدولية المتسارعة، وكذا التهديدات المتزايدة التي تواجه دول العالم قاطبة.
كما لا تخفى أيضاً أهمية المنظمات الإقليمية كإطار لتعميق العلاقات بين الدول المتجاورة أو إطار لاستثمار الروابط الاقتصادية والثقافية في تحقيق أهداف تنموية أو متصلة بتعزيز السلم والأمن الإقليميين، بما يخفف العبء على الأمم المتحدة في هذا الصدد، ويعزّز اللامركزية في نطاق التنظيم الدولي الراهن.
غير أن أهميتها وحضورها على المستوى الواقعي يختلف بين تكتلات واعدة، حققت مكتسبات جمّة لأعضائها كما هو الشأن بالنسبة للاتحاد الأوربي، ومؤسسات أخرى ما زالت تعيش على إيقاع الخلافات والمشاكل التي تحول دون تحقيق أهدافها ورهاناتها، كما هو الشأن بالنسبة لجامعة الدول العربية واتحاد المغرب العربي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الخليج
منذ 35 دقائق
- صحيفة الخليج
واشنطن تحض دولاً عدة على استقبال فلسطينيين قرروا طوعاً الخروج من غزة
واشنطن - أ ف ب أعلن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، الثلاثاء، أن الولايات المتحدة أجرت اتصالات مع دول عدة لحضّها على استقبال فلسطينيين قرروا «طوعاً» الخروج من غزة، هرباً من الهجوم الإسرائيلي في القطاع. وحذرت إسرائيل مجدداً سكان غزة الذين نزحوا بالكامل منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 من هجوم جديد بعد حصار لأكثر من شهرين. وكان الرئيس دونالد ترامب اقترح نقل سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة لإعادة إعمار القطاع. ورداً على سؤال خلال جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ قال روبيو: «لا ترحيل». وأضاف: «ما ناقشناه مع بعض الدول هو أنه إذا قبل شخص طوعاً الذهاب إلى مكان آخر لفترة زمنية، لأنه مريض، أو لأن أطفاله بحاجة إلى الذهاب إلى المدرسة أو أي شيء آخر، فهل هناك دول في المنطقة مستعدة لاستقباله لفترة؟» وأضاف: «ستكون قرارات فردية طوعية». ورد السيناتور الديمقراطي جيف ميركلي قائلاً: «إذا لم يكن هناك مياه نظيفة، ولا طعام، والقصف في كل مكان، فهل هذا حقاً قرار طوعي؟» ولم يحدد روبيو الدول المعنية، لكنه نفى أن تكون ليبيا من بينها. وأفادت قناة «إن بي سي» الأمريكية، نقلاً عن مصادر لم تسمّها، مؤخراً أن إدارة ترامب تعمل على خطة لنقل نحو مليون فلسطيني بشكل دائم من غزة إلى ليبيا. وقال روبيو، إنه سعيد لدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، بعد شهرين من الحصار قائلاً: «يسعدنا أن نرى دخول المساعدات مجدداً إلى غزة». ورداً على سيناتور ديمقراطي قال إن المساعدات المتمثلة في 100 شاحنة غير كافية بتاتاً نظراً لخطر المجاعة، قال روبيو: «أتفهم وجهة نظركم بأن الكميات ليست كافية، لكننا سعداء لاتخاذ القرار».


سكاي نيوز عربية
منذ 41 دقائق
- سكاي نيوز عربية
حماس: نتنياهو يضلل العالم بوفد تفاوضي "يفتقد الصلاحية"
واعتبرت حماس في بيان لها "استمرار تواجد الوفد الصهيوني المرسل إلى الدوحة، رغم ثبوت افتقاره لأي صلاحية للتوصّل إلى اتفاق، محاولة مكشوفة من نتنياهو لتضليل الرأي العام العالمي، والتظاهر الكاذب بالمشاركة في العملية التفاوضية، إذ يواصل تمديد إقامة وفده يومًا بيوم دون الدخول في أي مفاوضات جادة، حيث لم تُجرَ أي مفاوضات حقيقية منذ يوم السبت الماضي". وبشأن دخول المساعدات إلى القطاع المحاصر، قالت حماس:" تصريحات نتنياهو بشأن إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، محاولة لذر الرماد في العيون، وخداع المجتمع الدولي، حيث لم تدخل حتى الآن أي شاحنة إلى القطاع، بما في ذلك تلك الشاحنات القليلة التي وصلت معبر كرم أبو سالم ولم تتسلّمها أي جهة دولية". وأضاف البيان: "إن تصعيد العدوان الصهيوني والقصف المتعمد للبنية التحتية المدنية، وارتكاب المجازر الوحشية بحق الأطفال والنساء، بالتزامن مع الإفراج عن الأسير عيدان ألكسندر، وخلال وجود الوفود في الدوحة، يفضح نوايا نتنياهو الرافضة لأي تسوية ويكشف تمسّكه بخيار الحرب والدمار". وحملت حماس حكومة نتنياهو المسؤولية الكاملة عن إفشال مساعي التوصل، في ضوء تصريحات مسؤوليها الواضحة بعزمهم مواصلة العدوان وتهجير أبناء شعبنا من أرضهم، في تحدٍّ صارخ لكل الجهود الدولية، وفق البيان. وجاء في بيان حماس: "اتساع دائرة المواقف الدولية الرافضة للعدوان والحصار، وآخرها من عدّة دول أوروبية، يُعدّ إدانة جديدة لسياسات الاحتلال ودعمًا متزايدًا لمطالب شعبنا العادلة". وأكدت الحركة استمررها في التعامل الإيجابي والمسؤول مع أي مبادرة توقف الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي ، ورفع الحصار، وإدخال المساعدات، والبدء بإعادة الإعمار.


صحيفة الخليج
منذ ساعة واحدة
- صحيفة الخليج
رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: سنسيطر على مزيد من الأراضي في غزة
تل أبيب - رويترز قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير، الثلاثاء، إن الجيش سيوسع نطاق عملياته العسكرية ضد حركة حماس في قطاع غزة وسيسيطر على أراضٍ إضافية. وأضاف زامير خلال جولة ميدانية في غزة: «نتحرك وفق خطة مدروسة، وننتقل إلى المرحلة التالية. حماس ستدفع ثمن تحديها... سنوسع نطاق مناوراتنا، ونسيطر على أراضٍ إضافية، ونزيل البنية التحتية وندمرها حتى هزيمة حماس».