
تداعيات وتأثيرات تهديدات ترامب باغتيال خامنئي على إيران
طهران- وسط تكهنات متصاعدة بقرب مشاركة واشنطن في الحرب الإسرائيلية على إيران، هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب باغتيال المرشد الأعلى علي خامنئي ، وطالب طهران بالاستسلام غير المشروط، مما أثار تساؤلات عن تداعيات الحراك الأميركي المحتمل على مسار الأزمة وصانع القرار بطهران.
وعلى النقيض من التقارير التي سبق أن تحدثت عن رفضه خطة إسرائيلية سابقة لاغتيال خامنئي خشية التورط في حرب إقليمية، وصف ترامب المرشد الإيراني بأنه "هدف سهل"، مشيرا -في منشور على منصته تروث سوشيال أمس الثلاثاء- إلى أن واشنطن "تعرف مكان اختبائه بدقة، لكنها لا تنوي استهدافه في الوقت الراهن".
وعلى وقع نقل الجيش الأميركي تسليحات إستراتيجية إضافية إلى الشرق الأوسط، يحذّر ترامب -في منشوره- بأن "صبر أميركا بدأ ينفد"، قبل أن يدعو إيران إلى "استسلام غير مشروط"، وذلك في منشور ثانٍ نشره بعد 3 دقائق فقط من تهديده "بتصفية" خامنئي، وهو ما يعكس تصعيدا في الخطاب الأميركي.
غزوة خيبر
ويأتي هذا التهديد الضمني بعد سلسلة اغتيالات نفذتها إسرائيل منذ فجر يوم الجمعة الماضي بحق عديد من القيادات العسكرية العليا والعلماء النوويين في إيران، على غرار إستراتيجيتها المعهودة التي سبق أن طبقتها ضد قيادات عسكرية وسياسية لدى كل من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) و حزب الله اللبناني.
وإذ يخيّر ترامب المرشد بين "الاستسلام غير المشروط" أو الانزلاق إلى المعركة دعما لإسرائيل، يأتيه الرد مباشرة من خامنئي الذي أكد: "لن نساوم الصهاينة أبدا، ويجب التعامل بقوة في مواجهة الكيان الصهيوني الإرهابي".
وفي منشور آخر، يؤكد خامنئي أن ما يجري ليس سوى "بداية للمعركة"، إذ كتب فجر اليوم الأربعاء على منصة إكس: "علي يعود إلى خيبر شاهرا سيفه ذا الفقار"، في إشارة إلى غزوة خيبر في السنة السابعة بعد الهجرة التي انتصر فيها المسلمون وأبرز فيها علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بطولته بفتح أحد الحصون.
من ناحيته، قال رئيس هيئة الأركان الإيرانية الجنرال عبد الرحيم موسوي إن بلاده "لم ولن تستسلم أبدا، وإن العمليات السابقة ضد العدو كانت ردعية"، وأضاف أن طهران ستنفذ عملياتها العقابية ضده قريبا، داعيا سكان الأراضي المحتلة -خاصة في تل أبيب و حيفا – إلى مغادرتها للحفاظ على أرواحهم.
وأدى التهديد الأميركي ضد رأس هرم السلطة إلى تجمع مئات الإيرانيين -الليلة الماضية- في ساحة فلسطين وسط العاصمة للتنديد به، واعتبر مجيد سجادي المساعد السابق لوزير العدل الإيراني أن تهديدات ترامب تمثل عملا غير مسبوق في انتهاك المبادئ الأساسية للقانون الدولي، لا سيما ميثاق الأمم المتحدة، لأن المادة الثانية منه تحظر أي تهديد بالاغتيال أو استخداما للقوة ضد الاستقلال السياسي لأي دولة.
ونقل موقع "بولتن نيوز" الإخباري التحليلي عن سجادي قوله إنه يُشكل كذلك انتهاكا صارخا لمبدأ الحصانة الدولية لكبار مسؤولي الدول المستقلة، مضيفا أن هذا التهديد الصادر عن أعلى مسؤول في الحكومة الأميركية يجعله عملا منسوبا إلى الدولة، مما يترتب عليه مسؤوليتها الدولية.
إجراءات احترازية
وعليه، يتعين على الجمهورية الإسلامية سلوك المسارات القانونية والدبلوماسية اللازمة لمتابعة هذا الفعل، بما يشمل تقديم شكوى رسمية إلى محكمة العدل الدولية ، وطلب عقد جلسة طارئة ل مجلس الأمن لبحث تداعيات التهديد ومحاسبة مرتكبيه في إطار القانون الدولي، وفق سجادي.
وحذر من أن الصمت إزاء هذا التهديد لن يكون بمنزلة إشارة خضراء "للإرهاب" المدعوم دوليا فحسب، بل سيكون ناقوس موت للنظام القانوني العالمي.
ولمنع خلق الفراغات المحتملة جراء الاغتيالات الإسرائيلية أو الأميركية في إيران، أعلنت طهران خطة "البدلاء العشرة" لضمان استمرارية القيادة في حال اغتيال أي من كبار المسؤولين أو القادة العسكريين، في إشارة إلى وجود بدائل جاهزة للتعامل مع أي طارئ.
في السياق، منعت إيران مسؤوليها من استخدام الهواتف المحمولة وأجهزة الاتصالات، بعد إطلاق إسرائيل "حربا إلكترونية واسعة النطاق" على بنيتها التحتية الرقمية، في حين شن الإعلام الناطق بالفارسية حملة توعوية واسعة ضد ما يعتبرها حربا نفسية يقودها "المحور الصهيوأميركي" ضد الجمهورية الإسلامية.
كما حولت طهران التهديدات الصادرة عن القيادات الأميركية والإسرائيلية إلى أداة لتعبئة الشارع، حيث يصف السياسيون الإيرانيون "الوحدة الوطنية ضرورة وجودية". ولقيت هذه الدعوات آذانا صاغية حتى لدى المعارضة السياسية في الداخل وجزءا منها بالخارج، وفق الباحث السياسي علي رضا تقوي نيا.
رفع العزيمة
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول تقوي نيا إن بلاده -بعد مباغتتها بالاغتيالات الإسرائيلية، فجر الجمعة الماضي- لن تتفاجأ بأي تطور، إذ أخذت جميع السيناريوهات بعين الاعتبار، ووضعت حلولا مسبقة لأي طارئ، مؤكدا أن التهديد باغتيال مسؤولين إيرانيين يهدف للضغط عليهم لتقديم تنازلات وتقويض معنوياتهم.
ورأى الباحث السياسي أن تهديدات ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب ل لمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة- باغتيال المرشد الإيراني ستجلب تداعيات معاكسة لما أرادا لها.
وتساءل "لماذا يظن البعض أن طهران لا تأخذ هذه التهديدات بعين الاعتبار؟"، معتبرا أن التهديد بانخراط أميركا في المعركة أو اغتيال المرشد مؤشر على فشل تل أبيب في تحقيق ما أرادته من خلال شن الحرب على إيران حتى الآن، مستدركا أنه يتوقع انخراط واشنطن فيها قريبا.
وتابع أن طهران وضعت خططا فعلية لاستهداف قواعد أميركية في المنطقة وفي أعالي البحار، وأنها أطلقت مؤخرا صواريخ إستراتيجية على الأراضي المحتلة لترسل بها رسالة ردع للجانب الأميركي، مؤكدا أن التهديد باغتيال خامنئي سيزيد عزيمة الإيرانيين للمواجهة وأن ما خفي من الأسلحة الإيرانية أعظم بكثير مما شهده العالم حتى الآن.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
إسرائيل تعلن تدمير مقر الأمن الإيراني ودوي انفجارات شرق وغرب طهران
أعلنت إسرائيل الأربعاء أنها دمرت مقر الأمن الداخلي الإيراني، فيما سمع دوي انفجارات شرق وغرب العاصمة طهران، وسط استمرار تبادل القصف بين الطرفين لليوم السادس على التوالي. وتقلت هيئة البث الإسرائيلية عن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس قوله "دمرنا مقر الأمن الداخلي للنظام الإيراني وسنواصل تدمير رموز النظام" وأضاف كاتس أن الطيران الإسرائيلي هاجم مقر قيادة الأمن الداخلي للنظام الإيراني. وأفادت وكالة "أنباء فارس" بسماع دوي انفجار بمدينة كرج في محافظة البرز غرب طهران. وقالت إن سيارات الإسعاف والإطفاء تهرع للمكان. ونقلت القناة 12 الإسرائيلية أن "سلاح الجو يشن الآن غارات على أهداف عسكرية تابعة للنظام الإيراني بمحيط طهران". وقد أفادت وسائل إعلام إيرانية باستهداف مطار بيام في مدينة كرج في محافظة البرز. وتحدثت عن انفجارات في شرق طهران وتفعيل الدفاعات الجوية في المنطقة. كذلك نقلت وسائل إعلام إسرائيلية أن "الجيش يهاجم شرقي طهران الآن". وأفادت وسائل إعلام إيرانية بسماع دوي انفجار شرق العاصمة طهران. في ذات السياق، أعلنت الشرطة الإيرانية عن توقيف شاحنة وضبط عدد من المسيرات الانقضاضية الصغيرة في محافظة البرز واعتقال مشتبه به. ومن جانبها، نقلت وكالة الأنباء الإيرانية أن الكيان الصهيوني استهدف موقع مبنى الهلال الأحمر الإيراني في طهران. وفي وقت سابق، قال الجيش الإسرائيلي إن 50 مقاتلة حربية شنت خلال الساعات الأخيرة غارات في طهران معلنا مهاجمة 5 مروحيات عسكرية إيرانية في قاعدة بمنطقة كرمانشاه. وأضاف أن غاراته استهدفت موقعا لصناعة أجزاء صواريخ أرض-أرض ووسائل قتالية، كما طالت موقعا لصناعة أجهزة الطرد المركزي في طهران ضمن مساعي تدمير البرنامج النووي، بحسب وصفه. كما شنت إسرائيل غارة على جامعة الإمام الحسين العسكرية والمرتبطة بالحرس الثوري الإيراني شرقي العاصمة الإيرانية طهران، دون أنباء عن وقوع إصابات. بدوره، أفاد قائمقام مدينة ورامين جنوب شرقي طهران بإسقاط وتدمير مسيّرة إسرائيلية في محيط المدينة. كما أعلن التلفزيون الرسمي الإيراني إسقاط مسيرة إسرائيلية في إقليم أصفهان. وأعلنت وكالة أنباء فارس العثور على حطام مسيرة إسرائيلية أسقطت أمس الثلاثاء غرب همدان، كما أفاد مساعد الشؤون الأمنية في محافظة سمنان بإسقاط عدد من الأهداف الإسرائيلية في أجواء مدينة شاهرود. وقالت وكالة مهر الإيرانية إن الدفاعات الجوية تتصدى لأجسام معادية في أجواء العاصمة طهران. صواريخ فتاح تضرب تل أبيب وكانت إيران أطلقت فجر اليوم الأربعاء وابلا من الصواريخ على إسرائيل حيث دوت أصوات انفجارات في تل أبيب. وأعلن الحرس الثوري الإيراني أنه استخدم للمرة الأولى الجيل الأول من صواريخ "فتّاح" الباليستية الفرط صوتية في الموجة الـ11 من عملية " الوعد الصادق 3″ وقال إن صواريخ "فتّاح" اخترقت الدرع الدفاعي الصاروخي وزلزلت ملاجئ إسرائيل، مضيفا أن "الصواريخ بعثت رسالة بشأن قوة إيران إلى حليفة تل أبيب المتوهمة والمحرضة على الحرب"، في إشارة إلى الولايات المتحدة التي لوحت بإمكانية انضمامها إلى الهجمات. واعتبر أن الهجوم الصاروخي الليلة الماضية أظهر أن إيران تسيطر تماما على أجواء الأراضي المحتلة. وبحسب موقع "آرمي تكنولوجي" -وهو من أبرز المواقع العالمية المتخصصة في تحليل وتوثيق المعلومات المتعلقة بالصناعات الدفاعية والتقنيات العسكرية- يعد صاروخ "فتّاح" من أهم الأسلحة المتطورة في ترسانة الحرس الثوري الإيراني بفضل سرعته الفرط صوتية التي تتراوح بين 13 و15 ماخا. ويبلغ مدى الصاروخ نحو 1400 كيلومتر، ويتميز بفوهة متحركة ومنظومة توجيه متقدمة تتيح له تعديل مساره أثناء الطيران وتنفيذ مناورات دقيقة داخل الغلاف الجوي وخارجه، بما في ذلك الحركة الجانبية والدورانية. الجيش الإسرائيلي أن إيران أطلقت نحو 400 صاروخ باليستي على إسرائيل منذ بداية المعركة.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
عملية مشتركة للمقاومة والاحتلال يعلن وقوع "حدث أمني صعب" بغزة
أعلنت كتائب القسام ، الجناح العسكري ل حركة حماس ، اليوم الأربعاء، قتل عسكري إسرائيلي قنصا شرق خان يونس، خلال عملية مشتركة مع سرايا القدس ، الجناح العسكري ل حركة الجهاد الإسلامي ، في حين ذكر إعلام إسرائيلي أن قوات الجيش تعرضت لـ "حدث أمني صعب" في قطاع غزة. وأوضحت كتائب القسام في بيان عبر تلغرام أنها تمك ت بالتعاون مع سرايا القدس، من قنص جندي إسرائيلي وقتله على الفور في منطقة عبسان الكبيرة شرق خان يونس، مشيرأن مقاتليها رصدوا هبوط طائرة مروحية إسرائيلية للإخلاء. وأمس الثلاثاء قالت كتائب القسام إنها دمرت في عملية مشتركة مع سرايا القدس ناقلتي جند بعبوتي شواظ في منطقة عبسان الكبيرة شرق مدينة خان يونس جنوبي القطاع. وكشفت القسام عن عملية ثانية الاثنين الماضي أيضا تمثلت في تفجير عبوة مضادة للأفراد في قوة لجيش الاحتلال وأوقعت أفرادها بين قتيل وجريح شرق عبسان الكبيرة أيضا، في حين، أكدت سرايا القدس تنفيذ تلك العملية بالاشتراك مع القسام. ويأتي ذلك في ضمن مواجهات الفصائل الفلسطينية مع قوات الاحتلال في غزة، إذ تشن إسرائيل حرب إبادة على القطاع منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مخلفة أكثر من 185 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
في انتظار نهاية العالم.. السيرة الدينية لسفير أميركا في إسرائيل
على وقع الصواريخ الباليستية الإيرانية التي تنطلق بتوقيت ليلي لقصف تل أبيب، جلس السفير الأميركي في إسرائيل والقس والواعظ السابق مايك هاكابي من أجل كتابة رسالة ملحمية إلى الرئيس دونالد ترمب، محرضًا إياه على التدخل في الحرب الإسرائيلية على إيران. "السيد الرئيس، لقد نجاك الله [من محاولة الاغتيال] في بتلر، بنسلفانيا، لتكون أكثر رئيس تأثيرا خلال قرن، وربما في التاريخ كله. القرارات التي تقع على عاتقك لا أود أن يتخذها أي شخص آخر". وبنبرة وعظيّة مكثفة أضاف "هناك أصوات عديدة تتحدث إليك يا سيدي، لكن هناك صوت واحد فقط يهم: صوته هو (الرب)". بحسب هاكابي الذي لا يرى العالم إلى من فوق منبر كنيسته المعمدانية، لم تكن هذه المرة الأولى التي تنقذ فيها العناية الإلهية رجال السياسة الأميركيين. وفي كتابه "الثلاث "سي أس C's" التي جعلت أميركا عظيمة: المسيحية، الرأسمالية والدستور" (THE THREE C's THAT MADE AMERICA GREAT: CHRISTIANITY, CAPITALISM AND THE CONSTITUTION)، قدم رواية دينية لقيام الولايات المتحدة الأميركية. يروي هاكابي أحداث الثورة الأميركية كانعكاس لتدخل إلهي مباشر تغير فيه مجرى التاريخ بسبب تسخير الطقس لرجال مؤمنين يريدون إعلاء سلطان الله في الأرض. ففي مارس/آذار 1776، حين نصب الثوار مدافعهم على تلال دورشيستر خلال حصار بوسطن، قرر البريطانيون شن هجوم ليلي لإزالتها، لكن عاصفة ثلجية مفاجئة أفشلت الهجوم، وقرر الجنرال ويليام هاو الانسحاب الكامل، في أول نصر إستراتيجي للثوار دون قتال. وفي أغسطس/آب من العام نفسه، وبعد الهزيمة في معركة بروكلين هايتس، وجد جورج واشنطن نفسه محاصرًا على ضفاف نهر إيست، لكن ضبابًا كثيفا نزل ليلًا أتاح لجيشه الانسحاب الآمن عبر القوارب دون أن يكتشفه البريطانيون. ثم في ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته، حين عبر واشنطن نهر ديلاوير لمهاجمة خصومه في ترينتون، شهد جنوده عاصفة ثلجية ورياحًا عاتية كانت تضرب وجه العدو، وأسهمت في إرباكهم وتحقيق نصر خاطف وأسر مئات الجنود. يروي هاكابي هذه الوقائع كعلامات تأييد إلهي لا لبس فيه، مؤمنًا بأن السماء نفسها انحازت لمولد أميركا. الإنجيليون لإسرائيل: "حلبٌ قصدنا وأنت السبيل" بالنسبة لأول سفير إنجيلي أميركي لإسرائيل، لا يُعدّ دعم إسرائيل خيارًا سياسيا فحسب، بل التزامًا دينيا ينبع من النص المقدس. ففي تفسيره لوعد الله لإبراهيم في سفر التكوين "أبارك مباركيك، ولاعنك ألعنه" (تكوين 12:3)، قال هاكابي لمقدم البودكاست والناشط تشارلي كيرك "دون تقديم أي اعتذار، أؤمن أن من يبارك إسرائيل سيُبارك، ومن يلعنها سيُلعن. وأريد أن أكون من المُباركين". وفي خطاب ألقاه من القدس عام 2017، قدم هاكابي المطّلع على الخلاف اللاهوتي بين عقيدته المسيحية الصهيونية جملةً توضح عمق ما يؤمن به "يمكنك أن تكون يهوديا ولا علاقة لك بالمسيحية، ولكن لا يمكنك أن تكون مسيحيًّا دون أن يكون لك علاقة وثيقة باليهودية". هذه العقيدة تُشكّل قطب الرحى في لاهوت هاكابي الإنجيلي، وتُبرز أهمية وجود دولة إسرائيل الحديثة، وضرورة استعادتها ليهودا والسامرة (الضفة الغربية) لتحقيق نبوءات غيبية، لا مجرد حدث جيوسياسي عابر. بالنسبة للكنيسة المعمدانية الإنجيلية التي ينتمي إليها هاكابي، لا تمثل إسرائيل مجرد دولة على الخريطة، بل محطة نبوءة رئيسية يقف فيها المؤمنون بعصمة الكتاب المقدس انتظارًا للقطار الذي يحمل عودة يسوع المسيح، والمحطة القادمة ستكون نهاية العالم! يرى الإنجيليون قيام الدولة العبرية عام 1948 تجسيدًا لنصوص نبوئية من العهد القديم، أبرزها ما ورد في سفر حزقيال (الإصحاح 37) وكتاب دانيال، إذ تشير هذه الكتب إلى عودة اليهود إلى "أرض الموعد" كعلامة كبرى على اقتراب قيام الساعة. ينازع المعمدانيون اليهودَ وصف "شعب الله" ولا يسلمون لهم به. ولكنهم يرون في إسرائيل كدولة قومية لليهود، دورًا جوهريا في الخطة الإلهية التي تمهّد لعودة المسيح الثانية. يؤمن المعمدانيون بأن المسيح سيعود إلى الأرض عودة ماديّة ليؤسس مملكته التي تمتد لألف عام في القدس فيما يُعرف بـ"الملك الألفي". ولكن عودته لن تتم حتى يُعاد بناء الهيكل في موقع المسجد الأقصى، كما تحكي النبوءة. في زيارة لهاكابي للأراضي المحتلة عام 2017 قدم خطابًا يؤطر فيه الخلاف السياسي بلغة دينية صريحة قائلا "لا وجود لما تسمّى الضفة الغربية، إنها يهودا والسامرة. لا وجود لما تسمّى مستوطنات، إنها مجتمعات، وأحياء، ومدن. ولا وجود لما يُسمّى احتلالًا". وتبلغ تصورات الإنجيليين لنهاية العالم ذروتها في معركة هارمجدون، المعركة الخاتمة للصراع بين قوى الخير بقيادة المسيح، وقوى الشر بقيادة "المسيح الدجال"، والتي ستقع في شمال فلسطين، حيث ينتهي الصراع بانتصار الرب وإقامة ملكوته الأرضي. مع صعود الإنجيليين في الحكومة الأميركية، تقفز النبوءات من الكتاب المقدس وقاعات الدرس اللاهوتي إلى المؤسسات السياسية وتوضع على أجندة العمل لدى مبعوثي الحكومة الأميركية إلى الشرق الأوسط. شاب نشأ في مذبح الرب بدأت رحلة هاكابي المولود في أركنساس عام 1955 مع الكلمة المكتوبة في الصحافة المدرسية، حيث ترأس صحيفة المدرسة في المرحلة الإعدادية، وفي أول عمل استقصائي له كتب بحماسة شبابية عن قذارة مقصف المدرسة، دافعًا الإدارة إلى التحرك. حين قرأ المشرف المقالة، نظر إليه وقال "ينبض في عروقك دم محرّر صحافة صفراء". كان والده الذي يعمل رجل إطفاء يرى في اشتغال ابنه بالصحافة ترفًا لا يعين على إعالة الأسرة، لكن معلّمته للإنجليزية رأت موهبته وأهدته كتابا لتطوير مستواه، وقالت للفتى الذي هزّته نظرة أبيه للصحافة "الكلمات رصاص الرجل الأعزل". سيكبر الفتى الأعزل ويسخّر كلماته للدفاع عن حق حمل السلاح، واتخاذ خيار العنف المفرط ضد ما يسميه بالإسلام المتطرف. كتب هاكابي في شبابه مقالات وعظية للشباب، دعا في بعضها الشباب المسيحي للابتعاد عن الرقص في الحفلات الموسيقية، ليس لأنه حرام، وإنما لأنه يخل بوقار الشاب المسيحي الصالح! كتب "لا أظن أن كل من يذهب إلى حفلات الرقص يفعل ذلك ليتعاطى الكحول أو ليثير شهوات رفيقته، لكني لا أجد في الرقص خيرًا يُذكر". نصيحته كانت واضحة "ابتعدوا عن الرقص، لأنه قد يدفع الناس لإساءة الظن بكم". كما كان يردد رجال الدين لاحقًا، انخرط هاكابي في الصراع العقائدي الذي هزّ الكنيسة المعمدانية الجنوبية فيما يتعلق بعصمة الكتاب المقدس، وعقيدة المسيحية وتولي المرأة منصبًا قياديا في الكنيسة. كان هاكابي في صف المحافظين الذين رأوا أن المرأة لا تكون رأسًا دينيا، والعقيدة هي لبّ الدين، والإنجيل نص معصوم! قال عن خصومه الليبراليين الذين رأى في تأويلاتهم تمييعًا للعقيدة المسيحية، "لقد أعادوا تعريف الإنجيل ليجعلوه رسالة اجتماعية ناعمة لا تُغيّر القلوب". عرف هاكابي أن أقصر الطرق إلى السياسة هي منبر الوعظ، فامتطاه. صنعت معركته اللاهوتية منه قائدًا سياسيا؛ فقد كونت له قاعدة جماهيرية، وصقلت مهاراته الخطابية. يقول سكوت لامب مؤلف سيرته إنه اختار هاكابي لأنه شخصية محورية في اليمين الإنجيلي، يجمع بين الدين والسياسة والإعلام، وجعل "أميركا العميقة" مرئية من جديد. تولى هاكابي منصب حاكم أركنساس لعشرة أعوام من 1996 إلى 2007، ونافس في 2008 على منصب المرشح الجمهوري للرئاسة، ولكن الكنائس التي دعمته لم تستطع أن تؤمن له ميزانية ينافس بها المرشحين الأثرياء مثل ميت رومني، فلم يصمد للمنافسة. قال لاحقًا "لم تكن معركتي ضد أفكار خصومي، بل ضد ميزانياتهم". التاريخ البديل لأميركا يقدم هاكابي محكيّة دينية لنشأة الولايات المتحدة تخرج من صفحات الكتاب المقدس وتتغلغل في كل سطر من الوثائق التأسيسية للجمهورية الناشئة. فبحسب روايته، لم تُؤسس أميركا لتكون دولة علمانية، بل لتكون منارةً للعقيدة المسيحية ومنصة لتحقيق المقاصد الإلهية على الأرض. في كتابه عن القواعد الثلاث لعظمة الولايات المتحدة ، يسوق هاكابي نصوصًا تاريخية من مواثيق المستعمرات الأولى، يُبرز فيها كيف أن المستوطنين الأوائل اعتبروا مهمتهم في الأرض الجديدة جزءًا من "خطة الخلاص". يستشهد على ذلك بوثيقة ميثاق فرجينيا (1609) التي نصّت على أن الهدف الأول من إنشاء المستعمرة هو "تحويل الشعوب إلى العبادة الحقة لله". كما يورد من ميثاق ماساشوستس (1629) عبارة تؤكد أن "حياة مستعمرينا قد تكون محفزًا للسكان الأصليين للإيمان بالمسيح". في ميثاق نورث كارولينا (1662)، يظهر هذا البعد الروحي أكثر وضوحًا "مدفوعون بحماسة تقوية لنشر الإيمان المسيحي". ويذهب هاكابي إلى أبعد من ذلك بإشارته إلى ما يعتبره أول دستور أميركي فعلي المعروف بـ"الأوامر الأساسية لكونيتيكت" (Fundamental Orders of Connecticut)، الذي ينص صراحة على أن "الحكومة يجب أن تسير بحسب كلمة الله حفاظًا على الوحدة والسلام". يرى المؤلف حضور الدين في نشأة أميركا ليس مجرد عنصر تاريخي، بل زاوية رئيسية لفهم أميركا، فهي ليست جمهورية ديمقراطية فحسب، بل "أمة دينية"، تستمد شرعيتها الأخلاقية من نصوص مقدسة. حتى مؤسسات التعليم العالي، مثل هارفارد وييل وبرينستون، لا تُستثنى من رواية هاكابي؛ إذ يشير إلى أن هذه الجامعات العريقة لم تُبْنَ أساسًا لأغراض أكاديمية، بل لتدريب رجال الدين وتخريج الكوادر الكنسية قبل أن تنحرف لاحقًا عن رسالتها الأصلية. لا تبدأ هذه الرواية البديلة لتأسيس أميركا من فلسفة التنوير أو الثورة الفرنسية، بل من أسفار الكتاب المقدس. وفي هذا الإطار، يرى هاكابي أن الصراع القائم اليوم بين الديمقراطيين والجمهوريين في الملفات الداخلية والخارجية هو امتداد لصراع عقائدي على هوية الأمة: هل ستظل أميركا أمة مؤمنة تقوم على العقيدة المسيحية أم تُختطف إلى دروب العلمنة والانفلات الأخلاقي؟ إعلان بمثل هذا التصور، لا يعود دعم إسرائيل مجرد سياسة خارجية، بل يصبح دفاعًا عن الأصل الذي قامت عليه الجمهورية، عن البذرة الأولى التي زُرعت بنص كتابيّ وحُرِست بعناية العناية الإلهية. الموقّعون عن يسوع لم تكن رسالة الاصطفاء الإلهي لترامب التي كتبها هاكابي سابقة في تاريخ دولة تلتحم فيها القرارات السياسية بنصوص الكتاب المقدس وشخصياته. فقد سبق أن اعترف الرئيس هاري ترومان بقيام دولة إسرائيل عام 1948 برسائل القساوسة البروتستانت، التي مثلت ضغطًا لاهوتيا بمنح القرار السياسي بعدا مقدّسا، حتى اعترف ترومان بإسرائيل بعد 11 دقيقة فقط من إعلانها، من أبرزها رسالة القس بيتر مارشال، التي غمسها في لغة الكتاب المقدّس قائلًا "سيدي الرئيس، إن الرب وعد إبراهيم ونسله بالأرض.. وإن فشلت أميركا في تأييد وعد الرب، فستُسلب بركتها". بعد ربع قرن، حين كان الشارع الأميركي يموج سخطًا تجاه حرب فيتنام ، لم يتردد القس بيلي غراهام، المقرّب من الرئيس نيكسون، في تكرار النغمة ذاتها، لكن بلحن مختلف: الحرب هذه المرة ليست لإنشاء دولة، بل لمواجهة "دين مضاد" كما وصف الشيوعية. كتب غراهام إلى الرئيس "الشيوعية دينٌ في حد ذاتها.. إنها معركة حتى الموت: إمّا أن تموت الشيوعية، وإما تموت المسيحية". كان غراهام يقدّم لنيكسون شرعية توراتية للصمود، حيث أصبح البنتاغون أداة بيد الرب لكسر الشر. ثم جاءت الألفية الجديدة، ومعها تبدّلت الجغرافيا، لكن لم تتغير العقيدة. ففي أعقاب هجمات سبتمبر/أيلول 2001، وبينما كانت الإدارة الأميركية تحشد لحرب العراق، كتب القس الإنجيلي جون هاغي إلى الرئيس جورج بوش الابن قائلا "الرب استخدم ملوكًا في الكتاب المقدس لينفذوا مشيئته.. والآن يستخدمك الرب لتطهّر العالم من بابل الجديدة"، مشبهًا صدام حسين بـ"نبوخذ نصّر"، جنّد هاجي الحرب كروح أخروية تجعل من القصف تنفيذا لإرادة السماء، لا إستراتيجية لواشنطن. لم يكن هاكابي أول رجل دين أميركي يجلل المعارك الدنيوية التي تخوضها الإدارة الأميركية بوشاح من النبوءات الدينية، لكنه برسالته تلك سلّط الضوء على مشهد اشتباك اللاهوت بالسياسة في حكومة تعد النموذج الديمقراطي الأكبر في العالم.